فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ * أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ) (١).
فإذا كان لفظ الآيات شاملا للكافرين والمنافقين ، وكان صالحا لتخصيصه بالمنافقين لدليل خاصّ كسائر العمومات ، فقد صحّ لتلك الأخبار أن يراد بالآيات الخصوص ، وأن يكون المراد بضمير الغيبة في قوله تعالى : ( فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) هو : المنافقون ، لا سيّما مع التصريح ـ في رواية جابر المذكورة ـ بالانتقام من الناكثين والقاسطين ، فإنّهم وسائر البغاة على عليّ عليهالسلام أعداء مبغضون له ، وقد استفاضت الأخبار كما مرّ مرارا أنّ بغضه علامة النفاق (٢).
فإذا كان عليّ عليهالسلام هو الذي وعد الله سبحانه بالانتقام به بعد النبيّ بمقتضى تلك الأخبار ، كان هو الإمام ؛ لأنّ قيامه مقام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في ما هو أنسب بعمل الخلفاء والأئمّة ظاهر في إمامته بعده.
ولو سلّم أنّ الآيات نازلة بالكافرين ، فالبغاة على أمير المؤمنين عليهالسلام منهم ؛ لإنكارهم لإمامته ، والإمامة من أصول الدين كما هو الحقّ ..
ولقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « حربك حربي » (٣) ..
وقوله سبحانه : ( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ... ) (٤) الآية ، فإنّها نازلة بعليّ عليهالسلام ومن حاربه ، كما
__________________
(١) سورة الزخرف ٤٣ : ٣٦ ـ ٤٢.
(٢) راجع ج ١ / ١٥ ه ٣ من هذا الكتاب.
(٣) انظر : كنز العمّال ١٢ / ٩٧ ح ٣٤١٦٤ ، وقد تقدّم نحوه في ج ٤ / ٣٥٨ ه ٤ من هذا الكتاب ، وسيأتي ذكره مفصّلا.
(٤) سورة المائدة ٥ : ٥٤.
سبق (١).
.. إلى غير ذلك من الأدلّة الدالّة على كفرهم ، ولو حكما في الجملة.
* * *
__________________
(١) راجع الصفحة ٧٨ وما بعدها من هذا الجزء.
٧٢ ـ آية : ( هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ )
قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :
الثانية والسبعون : ( هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٢).
عن ابن عبّاس : إنّه عليّ عليهالسلام (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٠٥.
(٢) سورة النحل ١٦ : ٧٦.
(٣) ذكره الحافظ أبو بكر بن مردويه في « المناقب » ، كما في كشف الغمّة ١ / ٣٢٤.
وقال الفضل (١) :
لا شكّ أنّ عليّا كان يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ، لكن لا يدلّ هذا على النصّ على إمامته.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٤٨.
وأقول :
هذا ممّا حكاه في « كشف الغمّة » ، عن ابن مردويه (١).
وأوّل الآية : ( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٢).
وهذا المثل ـ كما تدلّ عليه الآيات السابقة على هذه الآية ـ قد ضربه الله سبحانه لنفسه وللأصنام ، فمثّلها بالأبكم العاجز ، ومثّل نفسه المقدّسة بعليّ عليهالسلام ، وقال سبحانه : ( لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى ) (٣).
فيكون عليّ عليهالسلام أعلى وأفضل من سائر الأمّة وإمامها ..
وأيضا : قد دلّ على أنّه على الصراط المستقيم ، فيكون معصوما ..
وعلى أنّه يأمر بالعدل أيضا ، فيكون أفضل وأولى بالإمامة ممّن قال :
« أما والله ما أنا بخيركم ، أفتظنّون أنّي أعمل فيكم بسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا لا أقوم بها ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعصم بالوحي ، وكان معه ملك ، وإنّ لي شيطانا يعتريني ، فإذا غضبت فاجتنبوني ، أن لا أؤثّر في أشعاركم وأبشاركم » (٤).
__________________
(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢٤.
(٢) سورة النحل ١٦ : ٧٦.
(٣) سورة النحل ١٦ : ٦٠.
(٤) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٥٩ ، المعيار والموازنة : ٦١ ، الإمامة والسياسة ١ / ٣٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، تاريخ دمشق ٣٠ / ٣٠٣ و ٣٠٤ ، ـ
٧٣ ـ آية : ( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ )
قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ (١) :
الثالثة والسبعون : ( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (٢).
عن ابن عبّاس : آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣).
* * *
__________________
ـ صفوة الصفوة ١ / ١١٠ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٢٠ ، البداية والنهاية ٥ / ١٨٨ و ١٨٩ ، مجمع الزوائد ٥ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ، تاريخ الخلفاء : ٨٤.
(١) نهج الحقّ : ٢٠٥.
(٢) سورة الصافّات ٣٧ : ١٣٠.
(٣) المعجم الكبير ١١ / ٥٦ ح ١١٠٦٤ ، الكامل في الضعفاء ٦ / ٣٥٠ رقم ١٨٣٢ ، تفسير الثعلبي ٨ / ١٦٩ ، تفسير الماوردي ٥ / ٦٥ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٠٩ ـ ١١٢ ح ٧٩١ ـ ٧٩٧ ، تفسير البغوي ٤ / ٣٥ ، زاد المسير ٦ / ٣٢٠ ، تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ١٦٣ ، تفسير القرطبي ١٥ / ٧٩ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٧٤ ، الدرّ المنثور ٧ / ١٢٠ ، جواهر العقدين : ٢٢٨ ، الصواعق المحرقة : ٢٢٨ ، فتح القدير ٤ / ٣٥٩.
وقال الفضل (١) :
صحّ هذا ، وآل يس آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعليّ منهم ، والسلام عليهم.
ولكن أين هو دليل المدّعى؟!
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٥٠.
وأقول :
فضّل الله سبحانه في هذه السورة ، أي سورة الصافّات ، جماعة مخصوصة من الأنبياء ، فقال تعالى : ( وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ ) (١) ..
وقال تعالى : ( سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ ) (٢) ..
وقال سبحانه : ( سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ ) (٣).
ثمّ ختم السورة بالتعميم لجميع المرسلين.
وخصّ أيضا في أثناء ذلك آل محمّد بالسلام ، فقال : ( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (٤) ، وهو دليل على شرف منزلتهم ، وأنّهم في قرن الأنبياء والمرسلين ؛ فيكون دليلا على فضلهم وإمامتهم للأمّة.
قال الرازي في ما حكاه عنه ابن حجر في « الصواعق » (٥) : « إنّ أهل بيته صلىاللهعليهوآلهوسلم يساوونه في خمسة أشياء :
في السلام ، قال : السلام عليك أيّها النبيّ ، وقال : ( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) ..
وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهّد ..
__________________
(١) سورة الصافّات ٣٧ : ٧٨ و ٧٩.
(٢) سورة الصافّات ٣٧ : ١٠٩.
(٣) سورة الصافّات ٣٧ : ١٢٠.
(٤) سورة الصافّات ٣٧ : ١٣٠.
(٥) في الآية الثالثة من الآيات النازلة في أهل البيت ، وهي الآية التي نحن فيها. منه قدسسره.
وفي الطهارة ، قال تعالى : ( طه ) (١) أي : يا طاهر ، وقال : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) ..
وفي تحريم الصدقة ..
وفي المحبّة ، قال تعالى : ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (٣) ، وقال : ( لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلأَالْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٤) » (٥).
وأقول :
لقد ترك عمدة ما يساوونه فيه ، وهو أنّهم حجج الله مثله (٦) ؛ لكونهم خلفاءه الاثني عشر من قريش ، ونسي المباهلة بهم معه وعصمتهم ، وكثيرا من الفضائل التي يشاركونه بها دون الأمّة ، كالعلم بما في الكتاب ونحوه.
* * *
__________________
(١) سورة طه ٢٠ : ١.
(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.
(٣) سورة آل عمران ٣ : ٣١.
(٤) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.
(٥) الصواعق المحرقة : ٢٢٩ ، وانظر مؤدّاه في : تفسير الفخر الرازي ٢٢ / ٤ تفسير سورة طه ، وج ٢٥ / ٢١٠ تفسير آية التطهير ، وج ٢٧ / ١٦٧ تفسير آية المودّة ، جواهر العقدين : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.
(٦) وهو وارد من طرقهم وإن حاول بعضهم الخدشة فيه ، انظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٠٨ و ٣٠٩ ، تاريخ بغداد ٢ / ٨٨ رقم ٤٧٤ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ٩٣ ح ٦٧ ، ميزان الاعتدال ٦ / ٤٤٦ رقم ٨٥٩٦ ، الكامل في الضعفاء ٦ / ٣٩٧ رقم ١٨٨٣ ، الرياض النضرة ٣ / ١٥٩ ، كشف الغمّة ١ / ٩٤ و ١٦١ نقلا عن العزّ الحنبلي والحافظ اللفتواني في كتاب « الأربعين ».
٧٤ ـ آية : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ )
قال المصنّف ـ طاب مرقده ـ (١) :
الرابعة والسبعون : ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (٢) ..
و ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) (٣).
قال ابن عبّاس : هو عليّ (٤).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٠٦.
(٢) سورة الرعد ١٣ : ٤٣ ، وراجع بخصوص هذه الآية : ص ١١٥ ـ ١١٩ من هذا الجزء.
(٣) سورة الحاقّة ٦٩ : ١٩.
(٤) أرجح المطالب : ٨٥.
وقال الفضل (١) :
قد علمت أنّ آية : ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) ، نزلت في عبد الله ابن سلّام (٢).
وأمّا آية : ( مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) ، فالظاهر أنّ المراد : سائر المؤمنين من أصحاب اليمين ، وإن خصّ فلا دلالة له على المدّعى.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٥٢.
(٢) انظر الصفحة ١١٦ من هذا الجزء.
وأقول :
قد علمت ممّا سبق كذب دعوى نزولها في ابن سلّام ، وأنّ الحقّ نزولها في عديل القرآن وقرينه ، وباب مدينة علم سيّد المرسلين ، وأوضحنا دلالتها على إمامته هناك في الآية السابعة والعشرين (١).
وأمّا الآية الثانية ، فتعرف دلالتها على إمامته عليهالسلام ممّا سبق في الآية الثانية والثلاثين (٢) وغيرها ؛ لبشارتها له وإعلامها له بأنّهيؤتى كتابه بيمينه ، وأنّه في عيشة راضية في جنّة عالية.
وإنّما أعاد المصنّف رحمهالله ذكر الآية الأولى من هاتين الآيتين ؛ لأنّه إنّما رواها سابقا من طريق الثعلبي عن عبد الله بن سلّام ، ومن طريق أبي نعيم ، عن محمّد بن الحنفيّة (٣).
وأمّا روايتها هنا فمن طريق ابن مردويه ، عن ابن عبّاس ، فإنّه روى نزول الآيتين معا في رواية واحدة ، كما في « كشف الغمّة » ، فحسن لذلك إعادتها بتبع أختها (٤).
* * *
__________________
(١) راجع الصفحات ١١٧ ـ ١١٩ من هذا الجزء.
(٢) راجع الصفحات ١٤٢ ـ ١٤٧ من هذا الجزء.
(٣) راجع الصفحة ١١٥ من هذا الجزء.
(٤) كشف الغمّة ١ / ٣٢٤.
٧٥ ـ آية : ( إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ )
قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :
الخامسة والسبعون : ( وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) (٢).
عن أبي هريرة ، قال : « قال عليّ بن أبي طالب : يا رسول الله! أيّما أحبّ إليك ، أنا أم فاطمة؟
قال : فاطمة أحبّ إليّ منك ، وأنت أعزّ عليّ منها ، وكأنّي بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس ، وأنّ عليه الأباريق مثل عدد نجوم السماء ، [ وإنّي ] وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنّة إخوانا على سرر متقابلين ، أنت معي وشيعتك في الجنّة.
ثمّ قرأ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) ، لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه » (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٠٦.
(٢) سورة الحجر ١٥ : ٤٧.
(٣) انظر : المعجم الأوسط ٧ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣ ح ٧٦٧٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٧٣.
وانظر صدر الحديث في : أسد الغابة ٦ / ٢٢٤ رقم ٧١٧٥ ، الجامع الصغير ٢ / ٣٦٠ ح ٥٨٣٦ ، فيض القدير ٤ / ٥٥٦ ح ٥٨٣٦ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٩ ح ٣٤٢٢٥.
وقال الفضل (١) :
إن صحّ هذا فهو من فضائله وذكر درجاته العلى في الجنّة ، ولا ريب لمؤمن في هذا ؛ والبحث في وجود النصّ ، فأيّ نفع لذاكر هذه الفضائل في ذكرها؟!
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٥٥.
وأقول :
سبق ذكر هذه الآية ، وهي الآية الثانية والثلاثون ، وإنّما أعادها المصنّف رحمهالله ؛ لأنّه نقلها سابقا ، عن « مسند أحمد » ، وذكرنا هناك تمام حديثه وبيّنّا وجوه دلالته(١).
وأمّا ذكرها هنا ؛ فلأنّ الحديث المذكور في المقام من أحاديث ابن مردويه (٢) ، وهو مشتمل على خصوصيّات أخر تقتضي الإمامة أيضا ..
منها : إنّ عليّا عليهالسلام هو الساقي على حوض النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يذود عنه الناس ، وهو بظاهره يقتضي الامتياز والفضل على جميع الناس ، ولا أقلّ من دلالته على الفضل على هذه الأمّة ، فيكون إمامها.
ومنها : إنّ شيعته في الجنّة ، فيكون ما يعتقدونه من إمامته دون غيره حقّ.
ومنها : بشارته بشخصه بالجنّة ، وهو كما سبق (٣) دليل على عصمته ، أو فضله على مثل المشايخ الثلاثة ممّن لا يصحّ تبشيره بهذه البشارة ، فيتعيّن دونهم للإمامة.
فإن قلت : على هذا يكون عقيل مساويا لعليّ عليهالسلام بالعصمة أو الفضل على غيره ؛ لبشارته بشخصه أيضا في الجنّة ، فيلزم جواز إمامته وأنتم لا تقولونه!
__________________
(١) راجع الصفحة ١٤٣ من هذا الجزء.
(٢) انظر : كشف الغمّة ١ / ٣٢٥ عن ابن مردويه.
(٣) راجع الصفحة ١٤٥ من هذا الجزء.
قلت : قد اعتبرنا في الدلالة على العصمة أو الفضل علم الشخص بدخوله الجنّة ، وليس في الحديث ما يدلّ على علم عقيل ، وليس هو ـ أيضا ـ كعليّ عليهالسلام عنده علم الكتاب ، والعلم بكلّ آية في من نزلت ، فلا يلزم علوّ رتبته كعليّ عليهالسلام.
على أنّ عقيلا ليس بمعصوم ، فلا تجوز إمامته ، وإن فرض جواز بشارته وإعلامه بدخول الجنّة.
هذا ، ونقل نحو هذا الحديث في الباب الرابع والأربعين من « ينابيع المودّة » عن أبي نعيم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ : « أنت يا عليّ على حوضي ، تذود عنه المنافقين ، وأنّ أباريقه عدد نجوم السماء ، وأنت والحسن والحسين وحمزة وجعفر في الجنّة ، إخوانا على سرر متقابلين ، وأنت وأتباعك معي » ، ثمّ قرأ : ( وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) (١).
* * *
__________________
(١) ينابيع المودّة ١ / ٣٩٥ ح ١٠.
٧٦ ـ آية : ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ )
قال المصنّف ـ قدسسره ـ (١) :
السادسة والسبعون : ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) (٢).
هو : عليّ عليهالسلام (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٠٧.
(٢) سورة الفتح ٤٨ : ٢٩.
(٣) تاريخ بغداد ١١ / ١٧٢ رقم ٥٨٧١ وج ١٣ / ١٥٣ رقم ٧١٣١ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٨٥ ح ٨٩١ ، تاريخ دمشق ٣٩ / ١٧٨.
وقال الفضل (١) :
قد سبق ما ذكر في شأن نزول هذه الآية (٢) ، وهو من الفضائل ، ولا يدلّ على النصّ.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٥٦.
(٢) في مبحث الآية رقم ٤٠ ، انظر الصفحة ١٩٥ من هذا الجزء.
وأقول :
هذا ممّا حكاه في « كشف الغمّة » ، عن ابن مردويه (١).
ويؤيّده ما ورد من نزول أبعاض أخر من الآية في أمير المؤمنين عليهالسلام ، كما عرفته في الآية الأربعين ، والرابعة والستّين (٢).
والظاهر نزولها جميعا في النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين ؛ لتصريح صدرها بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وورود نزول جملة من أبعاضها في عليّ عليهالسلام.
قال تعالى : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) ـ يعني : عليّا ـ ( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (٣).
ثمّ بيّن سبحانه مثل النبيّ وعليّ لمؤازرته له في دعوته بالزرع الذي ( أَخْرَجَ شَطْأَهُ ) أي : فراخه وصغاره (٤) ، وذلك بلحاظ ابتداء دعوة النبيّ ، ( فَآزَرَهُ ) من حيث مؤازرة عليّ عليهالسلام له صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ( فَاسْتَغْلَظَ ) بهما ، ( فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ ) باستمرار دعوة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وسيف عليّ عليهالسلام ، ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) أي : بالنبيّ وعليّ.
ولا ريب أنّ من امتاز بكونه غيظا للكافرين ، لا بدّ أن يكون أقوى
__________________
(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢٥.
(٢) راجع الصفحة ١٩٦ وما بعدها ، والصفحة ٢٩١ وما بعدها ، من هذا الجزء.
(٣) سورة الفتح ٤٨ : ٢٩.
(٤) انظر : تفسير الطبري ١١ / ٣٧٢ ، لسان العرب ٧ / ١١٤ مادّة « شطأ ».
المسلمين عزيمة ، وأشدّهم شكيمة ، وأعلاهم حجّة وأثرا ، وأفضلهم فهما وعلما ، وليس ذلك إلّا النبيّ والإمام.
* * *