دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٥

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-358-6
الصفحات: ٤٢٦

فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ * أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ) (١).

فإذا كان لفظ الآيات شاملا للكافرين والمنافقين ، وكان صالحا لتخصيصه بالمنافقين لدليل خاصّ كسائر العمومات ، فقد صحّ لتلك الأخبار أن يراد بالآيات الخصوص ، وأن يكون المراد بضمير الغيبة في قوله تعالى : ( فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) هو : المنافقون ، لا سيّما مع التصريح ـ في رواية جابر المذكورة ـ بالانتقام من الناكثين والقاسطين ، فإنّهم وسائر البغاة على عليّ عليه‌السلام أعداء مبغضون له ، وقد استفاضت الأخبار كما مرّ مرارا أنّ بغضه علامة النفاق (٢).

فإذا كان عليّ عليه‌السلام هو الذي وعد الله سبحانه بالانتقام به بعد النبيّ بمقتضى تلك الأخبار ، كان هو الإمام ؛ لأنّ قيامه مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما هو أنسب بعمل الخلفاء والأئمّة ظاهر في إمامته بعده.

ولو سلّم أنّ الآيات نازلة بالكافرين ، فالبغاة على أمير المؤمنين عليه‌السلام منهم ؛ لإنكارهم لإمامته ، والإمامة من أصول الدين كما هو الحقّ ..

ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حربك حربي » (٣) ..

وقوله سبحانه : ( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ... ) (٤) الآية ، فإنّها نازلة بعليّ عليه‌السلام ومن حاربه ، كما

__________________

(١) سورة الزخرف ٤٣ : ٣٦ ـ ٤٢.

(٢) راجع ج ١ / ١٥ ه‍ ٣ من هذا الكتاب.

(٣) انظر : كنز العمّال ١٢ / ٩٧ ح ٣٤١٦٤ ، وقد تقدّم نحوه في ج ٤ / ٣٥٨ ه‍ ٤ من هذا الكتاب ، وسيأتي ذكره مفصّلا.

(٤) سورة المائدة ٥ : ٥٤.

٣٢١

سبق (١).

.. إلى غير ذلك من الأدلّة الدالّة على كفرهم ، ولو حكما في الجملة.

* * *

__________________

(١) راجع الصفحة ٧٨ وما بعدها من هذا الجزء.

٣٢٢

٧٢ ـ آية : ( هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ )

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :

الثانية والسبعون : ( هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٢).

عن ابن عبّاس : إنّه عليّ عليه‌السلام (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٥.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٧٦.

(٣) ذكره الحافظ أبو بكر بن مردويه في « المناقب » ، كما في كشف الغمّة ١ / ٣٢٤.

٣٢٣

وقال الفضل (١) :

لا شكّ أنّ عليّا كان يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ، لكن لا يدلّ هذا على النصّ على إمامته.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٤٨.

٣٢٤

وأقول :

هذا ممّا حكاه في « كشف الغمّة » ، عن ابن مردويه (١).

وأوّل الآية : ( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٢).

وهذا المثل ـ كما تدلّ عليه الآيات السابقة على هذه الآية ـ قد ضربه الله سبحانه لنفسه وللأصنام ، فمثّلها بالأبكم العاجز ، ومثّل نفسه المقدّسة بعليّ عليه‌السلام ، وقال سبحانه : ( لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى ) (٣).

فيكون عليّ عليه‌السلام أعلى وأفضل من سائر الأمّة وإمامها ..

وأيضا : قد دلّ على أنّه على الصراط المستقيم ، فيكون معصوما ..

وعلى أنّه يأمر بالعدل أيضا ، فيكون أفضل وأولى بالإمامة ممّن قال :

« أما والله ما أنا بخيركم ، أفتظنّون أنّي أعمل فيكم بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا لا أقوم بها ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعصم بالوحي ، وكان معه ملك ، وإنّ لي شيطانا يعتريني ، فإذا غضبت فاجتنبوني ، أن لا أؤثّر في أشعاركم وأبشاركم » (٤).

__________________

(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢٤.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٧٦.

(٣) سورة النحل ١٦ : ٦٠.

(٤) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٥٩ ، المعيار والموازنة : ٦١ ، الإمامة والسياسة ١ / ٣٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، تاريخ دمشق ٣٠ / ٣٠٣ و ٣٠٤ ، ـ

٣٢٥

٧٣ ـ آية : ( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ )

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ (١) :

الثالثة والسبعون : ( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (٢).

عن ابن عبّاس : آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

* * *

__________________

ـ صفوة الصفوة ١ / ١١٠ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٢٠ ، البداية والنهاية ٥ / ١٨٨ و ١٨٩ ، مجمع الزوائد ٥ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ، تاريخ الخلفاء : ٨٤.

(١) نهج الحقّ : ٢٠٥.

(٢) سورة الصافّات ٣٧ : ١٣٠.

(٣) المعجم الكبير ١١ / ٥٦ ح ١١٠٦٤ ، الكامل في الضعفاء ٦ / ٣٥٠ رقم ١٨٣٢ ، تفسير الثعلبي ٨ / ١٦٩ ، تفسير الماوردي ٥ / ٦٥ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٠٩ ـ ١١٢ ح ٧٩١ ـ ٧٩٧ ، تفسير البغوي ٤ / ٣٥ ، زاد المسير ٦ / ٣٢٠ ، تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ١٦٣ ، تفسير القرطبي ١٥ / ٧٩ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٧٤ ، الدرّ المنثور ٧ / ١٢٠ ، جواهر العقدين : ٢٢٨ ، الصواعق المحرقة : ٢٢٨ ، فتح القدير ٤ / ٣٥٩.

٣٢٦

وقال الفضل (١) :

صحّ هذا ، وآل يس آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعليّ منهم ، والسلام عليهم.

ولكن أين هو دليل المدّعى؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٥٠.

٣٢٧

وأقول :

فضّل الله سبحانه في هذه السورة ، أي سورة الصافّات ، جماعة مخصوصة من الأنبياء ، فقال تعالى : ( وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ ) (١) ..

وقال تعالى : ( سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ ) (٢) ..

وقال سبحانه : ( سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ ) (٣).

ثمّ ختم السورة بالتعميم لجميع المرسلين.

وخصّ أيضا في أثناء ذلك آل محمّد بالسلام ، فقال : ( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (٤) ، وهو دليل على شرف منزلتهم ، وأنّهم في قرن الأنبياء والمرسلين ؛ فيكون دليلا على فضلهم وإمامتهم للأمّة.

قال الرازي في ما حكاه عنه ابن حجر في « الصواعق » (٥) : « إنّ أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساوونه في خمسة أشياء :

في السلام ، قال : السلام عليك أيّها النبيّ ، وقال : ( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) ..

وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهّد ..

__________________

(١) سورة الصافّات ٣٧ : ٧٨ و ٧٩.

(٢) سورة الصافّات ٣٧ : ١٠٩.

(٣) سورة الصافّات ٣٧ : ١٢٠.

(٤) سورة الصافّات ٣٧ : ١٣٠.

(٥) في الآية الثالثة من الآيات النازلة في أهل البيت ، وهي الآية التي نحن فيها. منه قدس‌سره.

٣٢٨

وفي الطهارة ، قال تعالى : ( طه ) (١) أي : يا طاهر ، وقال : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) ..

وفي تحريم الصدقة ..

وفي المحبّة ، قال تعالى : ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (٣) ، وقال : ( لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلأَالْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٤) » (٥).

وأقول :

لقد ترك عمدة ما يساوونه فيه ، وهو أنّهم حجج الله مثله (٦) ؛ لكونهم خلفاءه الاثني عشر من قريش ، ونسي المباهلة بهم معه وعصمتهم ، وكثيرا من الفضائل التي يشاركونه بها دون الأمّة ، كالعلم بما في الكتاب ونحوه.

* * *

__________________

(١) سورة طه ٢٠ : ١.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ٣١.

(٤) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٥) الصواعق المحرقة : ٢٢٩ ، وانظر مؤدّاه في : تفسير الفخر الرازي ٢٢ / ٤ تفسير سورة طه ، وج ٢٥ / ٢١٠ تفسير آية التطهير ، وج ٢٧ / ١٦٧ تفسير آية المودّة ، جواهر العقدين : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(٦) وهو وارد من طرقهم وإن حاول بعضهم الخدشة فيه ، انظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٠٨ و ٣٠٩ ، تاريخ بغداد ٢ / ٨٨ رقم ٤٧٤ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٩٣ ح ٦٧ ، ميزان الاعتدال ٦ / ٤٤٦ رقم ٨٥٩٦ ، الكامل في الضعفاء ٦ / ٣٩٧ رقم ١٨٨٣ ، الرياض النضرة ٣ / ١٥٩ ، كشف الغمّة ١ / ٩٤ و ١٦١ نقلا عن العزّ الحنبلي والحافظ اللفتواني في كتاب « الأربعين ».

٣٢٩

٧٤ ـ آية : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ )

قال المصنّف ـ طاب مرقده ـ (١) :

الرابعة والسبعون : ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (٢) ..

و ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) (٣).

قال ابن عبّاس : هو عليّ (٤).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٦.

(٢) سورة الرعد ١٣ : ٤٣ ، وراجع بخصوص هذه الآية : ص ١١٥ ـ ١١٩ من هذا الجزء.

(٣) سورة الحاقّة ٦٩ : ١٩.

(٤) أرجح المطالب : ٨٥.

٣٣٠

وقال الفضل (١) :

قد علمت أنّ آية : ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) ، نزلت في عبد الله ابن سلّام (٢).

وأمّا آية : ( مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) ، فالظاهر أنّ المراد : سائر المؤمنين من أصحاب اليمين ، وإن خصّ فلا دلالة له على المدّعى.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٥٢.

(٢) انظر الصفحة ١١٦ من هذا الجزء.

٣٣١

وأقول :

قد علمت ممّا سبق كذب دعوى نزولها في ابن سلّام ، وأنّ الحقّ نزولها في عديل القرآن وقرينه ، وباب مدينة علم سيّد المرسلين ، وأوضحنا دلالتها على إمامته هناك في الآية السابعة والعشرين (١).

وأمّا الآية الثانية ، فتعرف دلالتها على إمامته عليه‌السلام ممّا سبق في الآية الثانية والثلاثين (٢) وغيرها ؛ لبشارتها له وإعلامها له بأنّهيؤتى كتابه بيمينه ، وأنّه في عيشة راضية في جنّة عالية.

وإنّما أعاد المصنّف رحمه‌الله ذكر الآية الأولى من هاتين الآيتين ؛ لأنّه إنّما رواها سابقا من طريق الثعلبي عن عبد الله بن سلّام ، ومن طريق أبي نعيم ، عن محمّد بن الحنفيّة (٣).

وأمّا روايتها هنا فمن طريق ابن مردويه ، عن ابن عبّاس ، فإنّه روى نزول الآيتين معا في رواية واحدة ، كما في « كشف الغمّة » ، فحسن لذلك إعادتها بتبع أختها (٤).

* * *

__________________

(١) راجع الصفحات ١١٧ ـ ١١٩ من هذا الجزء.

(٢) راجع الصفحات ١٤٢ ـ ١٤٧ من هذا الجزء.

(٣) راجع الصفحة ١١٥ من هذا الجزء.

(٤) كشف الغمّة ١ / ٣٢٤.

٣٣٢

٧٥ ـ آية : ( إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ )

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :

الخامسة والسبعون : ( وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) (٢).

عن أبي هريرة ، قال : « قال عليّ بن أبي طالب : يا رسول الله! أيّما أحبّ إليك ، أنا أم فاطمة؟

قال : فاطمة أحبّ إليّ منك ، وأنت أعزّ عليّ منها ، وكأنّي بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس ، وأنّ عليه الأباريق مثل عدد نجوم السماء ، [ وإنّي ] وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنّة إخوانا على سرر متقابلين ، أنت معي وشيعتك في الجنّة.

ثمّ قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) ، لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه » (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٦.

(٢) سورة الحجر ١٥ : ٤٧.

(٣) انظر : المعجم الأوسط ٧ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣ ح ٧٦٧٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٧٣.

وانظر صدر الحديث في : أسد الغابة ٦ / ٢٢٤ رقم ٧١٧٥ ، الجامع الصغير ٢ / ٣٦٠ ح ٥٨٣٦ ، فيض القدير ٤ / ٥٥٦ ح ٥٨٣٦ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٩ ح ٣٤٢٢٥.

٣٣٣

وقال الفضل (١) :

إن صحّ هذا فهو من فضائله وذكر درجاته العلى في الجنّة ، ولا ريب لمؤمن في هذا ؛ والبحث في وجود النصّ ، فأيّ نفع لذاكر هذه الفضائل في ذكرها؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٥٥.

٣٣٤

وأقول :

سبق ذكر هذه الآية ، وهي الآية الثانية والثلاثون ، وإنّما أعادها المصنّف رحمه‌الله ؛ لأنّه نقلها سابقا ، عن « مسند أحمد » ، وذكرنا هناك تمام حديثه وبيّنّا وجوه دلالته(١).

وأمّا ذكرها هنا ؛ فلأنّ الحديث المذكور في المقام من أحاديث ابن مردويه (٢) ، وهو مشتمل على خصوصيّات أخر تقتضي الإمامة أيضا ..

منها : إنّ عليّا عليه‌السلام هو الساقي على حوض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يذود عنه الناس ، وهو بظاهره يقتضي الامتياز والفضل على جميع الناس ، ولا أقلّ من دلالته على الفضل على هذه الأمّة ، فيكون إمامها.

ومنها : إنّ شيعته في الجنّة ، فيكون ما يعتقدونه من إمامته دون غيره حقّ.

ومنها : بشارته بشخصه بالجنّة ، وهو كما سبق (٣) دليل على عصمته ، أو فضله على مثل المشايخ الثلاثة ممّن لا يصحّ تبشيره بهذه البشارة ، فيتعيّن دونهم للإمامة.

فإن قلت : على هذا يكون عقيل مساويا لعليّ عليه‌السلام بالعصمة أو الفضل على غيره ؛ لبشارته بشخصه أيضا في الجنّة ، فيلزم جواز إمامته وأنتم لا تقولونه!

__________________

(١) راجع الصفحة ١٤٣ من هذا الجزء.

(٢) انظر : كشف الغمّة ١ / ٣٢٥ عن ابن مردويه.

(٣) راجع الصفحة ١٤٥ من هذا الجزء.

٣٣٥

قلت : قد اعتبرنا في الدلالة على العصمة أو الفضل علم الشخص بدخوله الجنّة ، وليس في الحديث ما يدلّ على علم عقيل ، وليس هو ـ أيضا ـ كعليّ عليه‌السلام عنده علم الكتاب ، والعلم بكلّ آية في من نزلت ، فلا يلزم علوّ رتبته كعليّ عليه‌السلام.

على أنّ عقيلا ليس بمعصوم ، فلا تجوز إمامته ، وإن فرض جواز بشارته وإعلامه بدخول الجنّة.

هذا ، ونقل نحو هذا الحديث في الباب الرابع والأربعين من « ينابيع المودّة » عن أبي نعيم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ : « أنت يا عليّ على حوضي ، تذود عنه المنافقين ، وأنّ أباريقه عدد نجوم السماء ، وأنت والحسن والحسين وحمزة وجعفر في الجنّة ، إخوانا على سرر متقابلين ، وأنت وأتباعك معي » ، ثمّ قرأ : ( وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) (١).

* * *

__________________

(١) ينابيع المودّة ١ / ٣٩٥ ح ١٠.

٣٣٦

٧٦ ـ آية : ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ )

قال المصنّف ـ قدس‌سره ـ (١) :

السادسة والسبعون : ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) (٢).

هو : عليّ عليه‌السلام (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٧.

(٢) سورة الفتح ٤٨ : ٢٩.

(٣) تاريخ بغداد ١١ / ١٧٢ رقم ٥٨٧١ وج ١٣ / ١٥٣ رقم ٧١٣١ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٨٥ ح ٨٩١ ، تاريخ دمشق ٣٩ / ١٧٨.

٣٣٧

وقال الفضل (١) :

قد سبق ما ذكر في شأن نزول هذه الآية (٢) ، وهو من الفضائل ، ولا يدلّ على النصّ.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٥٦.

(٢) في مبحث الآية رقم ٤٠ ، انظر الصفحة ١٩٥ من هذا الجزء.

٣٣٨

وأقول :

هذا ممّا حكاه في « كشف الغمّة » ، عن ابن مردويه (١).

ويؤيّده ما ورد من نزول أبعاض أخر من الآية في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما عرفته في الآية الأربعين ، والرابعة والستّين (٢).

والظاهر نزولها جميعا في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين ؛ لتصريح صدرها بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وورود نزول جملة من أبعاضها في عليّ عليه‌السلام.

قال تعالى : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) ـ يعني : عليّا ـ ( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (٣).

ثمّ بيّن سبحانه مثل النبيّ وعليّ لمؤازرته له في دعوته بالزرع الذي ( أَخْرَجَ شَطْأَهُ ) أي : فراخه وصغاره (٤) ، وذلك بلحاظ ابتداء دعوة النبيّ ، ( فَآزَرَهُ ) من حيث مؤازرة عليّ عليه‌السلام له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ( فَاسْتَغْلَظَ ) بهما ، ( فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ ) باستمرار دعوة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيف عليّ عليه‌السلام ، ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) أي : بالنبيّ وعليّ.

ولا ريب أنّ من امتاز بكونه غيظا للكافرين ، لا بدّ أن يكون أقوى

__________________

(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢٥.

(٢) راجع الصفحة ١٩٦ وما بعدها ، والصفحة ٢٩١ وما بعدها ، من هذا الجزء.

(٣) سورة الفتح ٤٨ : ٢٩.

(٤) انظر : تفسير الطبري ١١ / ٣٧٢ ، لسان العرب ٧ / ١١٤ مادّة « شطأ ».

٣٣٩

المسلمين عزيمة ، وأشدّهم شكيمة ، وأعلاهم حجّة وأثرا ، وأفضلهم فهما وعلما ، وليس ذلك إلّا النبيّ والإمام.

* * *

٣٤٠