دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٥

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-358-6
الصفحات: ٤٢٦

وأقول :

لا نسلّم شمول الأوصاف المذكورة لغيره ؛ فإنّ العبّاس ليس من المهاجرين ؛ إذ لا هجرة بعد الفتح ، فلا يستحقّ من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميراثا ؛ لأنّه تعالى قيّد في الآية أولي الأرحام بكونهم من المؤمنين والمهاجرين.

ولو سلّم أنّ ( مِنْ ) في هذه الآية ليست بيانيّة ، بل هي الداخلة على المفضّل عليه ، كفى في الدلالة ـ على اعتبار الهجرة في الأولوية ـ قوله تعالى في آخر سورة الأنفال : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا ) (١) الآية.

بل يظهر من هذه الآية اعتبار الجهاد حين الهجرة أيضا في الأولوية ، ولا جهاد للعبّاس حينئذ ، كما لا هجرة له.

ولو تنازلنا عن ذلك ، فعليّ عليه‌السلام أقرب رحما من العبّاس ، وإن كان ابن عمّ للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّ ابن العمّ للأبوين أقرب عندنا رحما وأولى بميراث ابن عمّه من العمّ للأب فقط (٢).

ولو أعرضنا عن هذا وأخذنا بإطلاق ( أُولُوا الْأَرْحامِ ) في الآية ،

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٧٢.

(٢) انظر : المقنعة : ٦٩٢ باب ميراث الأعمام والعمّات والأخوال والخالات ، التهذيب ٩ / ٣٢٦ ح ١١٧٢ ، الاستبصار ٤ / ١٧٠ ح ٦٤٤ ، اللمعة الدمشقية ٨ / ٥٤ ، وسائل الشيعة ٢٦ / ١٩٢ ح ٣٢٨٠٠.

٣٠١

فغاية الأمر أن يستوي عليّ والعبّاس بميراث الإمامة ، بلحاظ إطلاق الآية ، إلّا أنّه لا بدّ من تقديم عليّ عليه‌السلام ؛ لأفضليّته ، وتسليم العبّاس لإمامته ، ولذا طلب مبايعته عند وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وممّا بيّنّا يعلم ما في قول الرازي والمنصور الدوانيقي في جواب محمّد بن عبد الله (٢) ..

قال الرازي بتفسيره : « المسألة الثانية : تمسّك محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب في كتابه إلى أبي جعفر المنصور بهذه الآية ، في أنّ الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عليّ بن أبي طالب.

فقال : قوله تعالى : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (٣) يدلّ على ثبوت الأولوية (٤).

وليس في الآية شيء معيّن في ثبوت هذه الأولوية ، فوجب حمله على الكلّ ، إلّا ما خصّه الدليل ، وحينئذ يندرج فيه الإمامة.

ولا يجوز أن يقال : إنّ أبا بكر كان من أولي الأرحام ؛ لما نقل أنّه عليه الصلاة والسلام أعطاه سورة براءة ليبلّغها إلى القوم ، ثمّ بعث عليّا خلفه ، وأمر بأن يكون المبلّغ هو عليّ ، وقال : « لا يؤدّيها إلّا رجل منّي ».

__________________

(١) الإمامة والسياسة ١ / ٢١ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٦٠ وج ٩ / ١٩٦ ، الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ٧ ، المواقف : ٤٠١ ، شرح تجريد الاعتقاد ـ للقوشجي ـ : ٤٧٦.

(٢) هو : محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ذو النفس الزكية ، المستشهد سنة ١٤٥ ه‍.

انظر ترجمته في : مقاتل الطالبيّين : ٢٠٦ رقم ٢٧ ، دول الإسلام : ٨٧ ، شذرات الذهب ١ / ٢١٣ حوادث سنة ١٤٤.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٦.

(٤) في المصدر : « الولاية ».

٣٠٢

وذلك يدلّ على أنّ أبا بكر ما كان منه ؛ فهذا هو وجه الاستدلال بهذه الآية.

والجواب : إن صحّت هذه الدلالة كان العبّاس أولى بالإمامة ؛ لأنّه كان أقرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عليّ ؛ وبهذا الوجه أجاب أبو جعفر المنصور عنه » (١).

وإنّما قلنا : إنّه يعلم الجواب عن هذا ممّا ذكر ؛ لما عرفت من أنّ العبّاس ليس من المهاجرين ، فلا ولاية بينه وبين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ولو سلّم ، فعليّ أقرب منه رحما.

ولو تمسّكنا بإطلاق ( أُولُوا الْأَرْحامِ ) فعليّ أفضل ، والأفضل أحقّ بالإمامة.

ولعلّه لهذه الأمور طلب العبّاس مبايعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لكن الحقّ أنّ المنشأ في الطلب علمه ببيعة الغدير وغيرها.

ثمّ إنّ الأمر المهمّ هو أولويّة أمير المؤمنين عليه‌السلام من أبي بكر بميراث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي حاصلة ؛ لعدم الرحميّة لأبي بكر ، كما يدلّ عليه حديث عزله عن أداء سورة براءة (٢) ؛ فتكون خلافته باطلة ، وأنّ الحقّ لعليّ عليه‌السلام.

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ١٥ / ٢٢١.

(٢) انظر : مسند أحمد ١ / ٣ و ١٥١ وج ٣ / ٢١٢ و ٢٨٣ ، سنن الترمذي ٥ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ح ٣٠٩٠ و ٣٠٩١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٢٨ ـ ١٢٩ ح ٨٤٦٠ ـ ٨٤٦٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٤ ح ١١٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٦ ح ٧٢ ، مسند البزّار ٢ / ٣٠٨ ح ٧٣٣ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٧ ح ١٢٥٩٣ ، تفسير الطبري ٦ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ح ١٦٣٨٦ و ١٦٣٨٩ و ١٦٣٩٢ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٩٢ حوادث سنة ٩ ه‍ ، سيرة ابن هشام ٥ / ٢٣٢ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٣ ح ٤٣٧٤ ، تفسير الماوردي ٢ / ٣٣٧ ، تفسير البغوي ٢ / ٢٢٥.

٣٠٣

وقول الرازي : « إن صحّت هذه الدلالة » ، إن أراد به منع دلالة آية أولي الأرحام على أولويّة أرحام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإمامة ، فظاهر البطلان ؛ لأنّ الآية أطلقت الأولوية ، والمطلق حجّة في الإطلاق بالإجماع.

وإن أراد به منع دلالة حديث عزل أبي بكر على أنّه ليس بذي رحم ، فالأمر أشنع!

ولو كان أبو بكر رحما للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكانت قريش كلّها أرحاما ، بل الناس كلّهم كذلك ؛ لاجتماعهم في آدم ونوح عليهما‌السلام.

ولو سلّم ، فعليّ أقرب منه رحما للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيحجبه عن الميراث اتّفاقا ، وتكون الخلافة لعليّ عليه‌السلام.

* * *

٣٠٤

٦٧ ـ آية : ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا )

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ (١) :

السابعة والستّون : ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ ) (٢).

نزلت في ولاية عليّ عليه‌السلام (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٣.

(٢) سورة يونس ١٠ : ٢.

(٣) انظر : تفسير الحبري : ٢٣٥ ح ٤ ، شواهد التنزيل ١ / ٧٤ ح ١١٣.

٣٠٥

وقال الفضل (١) :

لم يذكره المفسّرون ، فإن صحّ فهو في حكم أخواته.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٢٣.

٣٠٦

وأقول :

حكاه في « كشف الغمّة » عن ابن مردويه (١).

وعليه : فدلالة الآية على إمامة أمير المؤمنين واضحة ؛ لأنّ من تثبت قدم الصدق للمؤمنين بولايته ، ويبشّر الله تعالى بثبوتها في كتابه العزيز ، لا بدّ أن يكون أفضلهم وخيرهم جميعا ، فيكون إمامهم.

ولو أريد بالولاية في الحديث الإمامة ، كانت الآية نصّا فيها.

* * *

__________________

(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢٢.

٣٠٧

٦٨ ـ آية : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :

الثامنة والستّون : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢).

كان عليّ منهم (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٣.

(٢) سورة النساء ٤ : ٥٩.

(٣) كشف الغمّة ١ / ٣٢٣ عن ابن مردويه ، شواهد التنزيل ١ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ح ٢٠٣ و ٢٠٤ ، تفسير البحر المحيط ٣ / ٢٧٨ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٤١ ح ٢ وص ٣٥١ ح ٥.

٣٠٨

وقال الفضل (١) :

هذا يشمل سائر الخلفاء ، فإنّ كلّهم كانوا أولي الأمر ، ولا دليل على مدّعاه.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٢٦.

٣٠٩

وأقول :

لا يمكن أن يشمل سائر الخلفاء ، سواء أراد بهم خصوص الأربعة ، أم الأعمّ منهم ، ومن معاوية ويزيد والوليد وأشباههم ؛ لدلالة الآية على عصمة أولي الأمر ، وهؤلاء ليسوا كذلك ـ كما سبق موضّحا في أوّل مباحث الإمامة ـ (١).

فيتعيّن أن يراد بأولي الأمر : عليّ وأبناؤه الأطهار ؛ لانتفاء العصمة عن غيرهم بالضرورة والإجماع.

* * *

__________________

(١) راجع ج ٤ / ٢٠٥ وما بعدها من هذا الكتاب.

٣١٠

٦٩ ـ آية : ( وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ )

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ (١) :

التاسعة والستّون : ( وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) (٢).

في مسند أحمد : هو عليّ ، حين أذّن بالآيات من سورة « براءة » ، حين أنفذها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أبي بكر ، وأتبعه بعليّ عليه‌السلام فردّه ، ومضى عليّ.

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قد أمرت أن لا يبلّغها إلّا أنا أو واحد منّي » (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٤.

(٢) سورة التوبة ٩ : ٣.

(٣) مسند أحمد ١ / ٣ و ١٥١ وج ٣ / ٢١٢ و ٢٨٣.

٣١١

وقال الفضل (١) :

سيرد عليك : إنّ إنفاذ عليّ بعد أبي بكر كان لأجل أنّ العرب في العهود لا يعتبرون إلّا قول صاحب العهد ، أو واحد من قومه ، ولأجل هذا أنفذ عليّا.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٣٩.

٣١٢

وأقول :

لو كان العرب على ما ذكره لما خفي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في أوّل الأمر ، فلا بدّ أن يكون إرسال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي بكر ليس مخالفا لقاعدة العرب ، بل هو مع عزله بعليّ للتنبيه من الله ورسوله على فضل عليّ ، وأنّه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون سائر الناس ؛ وعلى أنّ أبا بكر ليس أهلا للقيام مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك ، فكيف يقوم مقامه في الزعامة العظمى؟! ولو أرسل عليّا عليه‌السلام أوّلا لم يحصل هذا التنبيه!

ثمّ إنّ الضمير في قوله في الحديث : « هو عليّ » راجع إلى الأذان ، أو المؤذّن المستفاد من الكلام.

ويشهد للأوّل ما في « الدرّ المنثور » ، عن ابن أبي حاتم ، أنّه أخرج عن حكيم بن حميد ، قال : « قال لي عليّ بن الحسين عليه‌السلام : إنّ لعليّ عليه‌السلام في كتاب الله اسما ، ولكن لا يعرفونه.

قلت : ما هو؟

قال : ألم تسمع قول الله تعالى : ( وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ )؟! هو والله الأذان » (١)

أقول :

وأنت تعلم أنّ تسميته عليه‌السلام في كتاب الله تعالى بالأذان المنسوب إلى

__________________

(١) الدرّ المنثور ٤ / ١٢٦.

٣١٣

الله عزّ وجلّ ، دليل على شرف محلّه ، وخطر مقامه ، فلا يقاس به من لم يصلح لتأدية الرسالة.

* * *

٣١٤

٧٠ ـ آية : ( طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ )

قال المصنّف ـ شيّد الله حجّته ـ (١) :

السبعون : ( طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ) (٢).

قال ابن سيرين : هي شجرة في الجنّة أصلها في حجرة عليّ ، وليس في الجنّة حجرة إلّا وفيها غصن من أغصانها (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٤.

(٢) سورة الرعد ١٣ : ٢٩.

(٣) تفسير الحبري : ٢٨٤ ح ٤٠ ، تفسير الثعلبي ٥ / ٢٩٠ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ح ٣١٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ح ٤١٨ ـ ٤٢١ ، تفسير القرطبي ٩ / ٢٠٨ ، كشف الغمّة ١ / ٣٢٣ ، الدرّ المنثور ٤ / ٦٤٤ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٨٧ ح ١ وص ٣٩٤ ح ٨.

٣١٥

وقال الفضل (١) :

في الروايات المشهورة أنّها في بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يبعد أنّ بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوليّ يكون متّحدا.

ولا بأس بهذه الرواية ، فإنّ كلّ هذه تدلّ على الفضائل المتّفق عليها ، ولا دلالة فيها على النصّ ، وهو المدّعى.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٤٣.

٣١٦

وأقول :

حكاه في « الدرّ المنثور » ، عن ابن أبي حاتم ، عن ابن سيرين (١).

وما ذكره الفضل أنّها في دار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرويّ أيضا ، ومقتضى الجمع أنّ دارهما واحدة ، كما ورد من طرقنا تصريح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به بعد أن قال مرّة : « إنّ طوبى شجرة في الجنّة ، أصلها في داري وفروعها في دور أهل الجنّة ».

وقال مرّة : « أصلها في دار عليّ عليه‌السلام » (٢).

ودلالتها على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام من وجهين :

الأوّل : إنّها أبانت أنّ عليّا عليه‌السلام من أهل الجنّة ؛ وقد سبق مرارا أنّ إعلامه بشخصه بأنّه من أهل الجنّة يستدعي عصمته ، أو فضله على غيره.

الثاني : إنّ اتّحاد دار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوليّ دليل على أنّهما كنفس واحدة ، وبمنزلة متّحدة ، فيكون عليّ عليه‌السلام أفضل الناس وخيرهم حتّى الأنبياء ، فيكون إمام الأمّة ألبتّة.

* * *

__________________

(١) الدرّ المنثور ٤ / ٦٤٤.

(٢) شواهد التنزيل ١ / ٣٠٤ ـ ٣٠٦ ح ٤١٧ ـ ٤٢١ ، تفسير القرطبي ٩ / ٢٠٨ ، مجمع البيان ٦ / ٣٥.

٣١٧

٧١ ـ آية : ( فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ )

قال المصنّف ـ شرّف الله قدره ـ (١) :

الحادية والسبعون : ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) (٢).

قال ابن عبّاس : بعليّ عليه‌السلام (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٥.

(٢) سورة الزخرف ٤٣ : ٤١.

(٣) ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ٢١٦ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ح ٣٢١ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٥٢ ـ ١٥٥ ح ٨٥١ ـ ٨٥٤ ، فردوس الأخبار ٢ / ١١٠ ح ٤٢٧٢ ، ينابيع المودّة ٢ / ٢٣٨ ح ٦٦٧.

٣١٨

وقال الفضل (١) :

لا يظهر ربطه بعليّ ؛ إذ المراد من الّذين ينتقم منهم : هم الكفّار ، وعليّ لم يحارب الكفّار بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وإن أراد البغاة ، فالآية ليست نازلة في شأنهم ، كما يدلّ السابق واللاحق من الآية على أنّها نزلت في شأن الكفّار ؛ وإن صحّ فلا يدلّ على المدّعى.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٤٥.

٣١٩

وأقول :

هذا ممّا نقله في « كشف الغمّة » ، عن ابن مردويه ، عن ابن عبّاس (١).

ونقله أيضا في « ينابيع المودّة » ، في الباب السادس والعشرين ، عن أبي نعيم ، عن حذيفة بن اليمان (٢).

وقال السيوطي في « الدرّ المنثور » : أخرج ابن مردويه ، عن جابر ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الآية : « نزلت في عليّ بن أبي طالب ، أنّه ينتقم من الناكثين والقاسطين بعدي » (٣)

فهذه الرواية صريحة في نزول الآية بانتقام عليّ عليه‌السلام من البغاة ، كما هو مقتضى الأخبار الأخر.

وأمّا ما زعمه الفضل من أنّ المراد من الّذين ينتقم منهم : هم الكفّار ، بدعوى دلالة ما سبق على الآية وما لحقها على ذلك ، فممنوع ؛ لشمول هذه الآيات للكافرين والمنافقين ، قال تعالى في سورة « الزخرف » : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ

__________________

(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢٣.

(٢) ينابيع المودّة ١ / ٢٩٣ ح ١ ، وانظر : ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ٢١٦.

(٣) الدرّ المنثور ٧ / ٣٨٠.

٣٢٠