ونقل أيضا عن موفّق بن أحمد الخوارزمي ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يا عليّ! من أحبّك وتولّاك أسكنه الله معنا ».
ثمّ تلا رسول الله : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) (١)
ويستفاد من أوّل هذين الحديثين ، أنّ مودّتي النبيّ وعليّ عليهما الصلاة والسلام متلازمتان ؛ ومن الحديثين ، أنّ مودّة عليّ توجب دخول الجنّة.
وذلك دليل الفضل على سائر الأمّة ، فيكون عليّ عليهالسلام إمامها ، لا سيّما مع إعلامه بأنّه من أهل الجنّة ، وأنّه السبب في دخولها.
* * *
__________________
(١) كشف الغمّة ١ / ٣٠٥ ، وانظر : مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٢٧٦ ح ٢٥٩.
٦٢ ـ آية : ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً )
قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ (١) :
الثانية والستّون : قوله تعالى : ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) (٢).
قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ : « إنّ فيك مثلا من عيسى ، أحبّه قوم فهلكوا فيه ، وأبغضه قوم فهلكوا فيه ».
فقال المنافقون : أما يرى له مثلا إلّا عيسى؟! فنزلت الآية (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٠٢.
(٢) سورة الزخرف ٤٣ : ٥٧.
(٣) انظر : شواهد التنزيل ٢ / ١٥٩ ـ ١٦٧ ح ٨٥٩ ـ ٨٧١ ، وراجع : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٨ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٧٩٣ ـ ٧٩٤ ح ١٠٨٧ وص ٨٨٨ ح ١٢٢١ و ١٢٢٢ ، زوائد عبد الله على المسند : ٤١١ ـ ٤١٢ ح ١٩٥ و ١٩٦ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ١ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ رقم ٩٦٦ ترجمة ربيعة بن ناجذ الأسدي ، مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤ ، العقد الفريد ٣ / ٣١٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ، فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٦٨ ح ٥٤ ، الاستيعاب ٣ / ١١٣٠ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٠٩ ـ ١١٠ ح ١٠٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣.
وقال الفضل (١) :
نزلت في عبد الله بن الزّبعرى (٢) ، حين نزل : ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) (٣) ، فقال ابن الزبعرى : عيسى عبد ، فهو يدخل جهنّم!
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما أجهلك بلغة قومك!
فإنّ « ما » لا يراد به ذوو العقول ، وعيسى من ذوي العقول.
فأنزل الله تعالى : ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) (٤).
وإن صحّ ، فهو في حكم أخواتها.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٠٢.
(٢) هو : عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عديّ السهمي ، يصل نسبه إلى مضر بن نزار ، وهو أحد شعراء قريش المعدودين ، كان شاعرا مفلّقا خبيثا ، وكان مؤذيا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يهجو المسلمين ، ويحرّض عليهم كفّار قريش في شعره ، ثمّ أسلم بعد ذلك ، فقبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إسلامه ، وأمّنه يوم الفتح ، قيل : توفّي سنة ١٥ ه.
انظر : الأغاني ١٥ / ١٧٤ رقم ١٣ ، المؤتلف والمختلف ـ للآمدي ـ : ١٩٤.
(٣) سورة الأنبياء ٢١ : ٩٨.
(٤) تفسير الفخر الرازي ٢٧ / ٢٢٢ ، تفسير البغوي ٤ / ١٢٨ ، تفسير القرطبي ١٦ / ٦٩ ، الكشّاف ٣ / ٤٩٣ ، زاد المسير ٧ / ١٤١ ، روح المعاني ٢٥ / ١٤٢.
وأقول :
هذا ممّا رواه ابن مردويه كما في « كشف الغمّة » (١) ، ورواه أئمّتنا الأطهار عن أمير المؤمنين (٢).
ونقل نحوه في « ينابيع المودّة » ، في الباب الرابع والأربعين ، عن « المناقب » (٣).
وقد استفاض ضرب المثل لعليّ بعيسى في أخبارهم حتّى روي في « مسند أحمد » من طريقين (٤) ، ورواه النسائي في « خصائصه » (٥) ، والحاكم في « المستدرك » وصحّحه (٦).
ونقله في « الصواعق » ، في الحديث العشرين من الأحاديث الواردة في فضل أمير المؤمنين عليهالسلام ، عن البزّار وأبي يعلى (٧).
ونقله في « كنز العمّال » (٨) ، عن أبي نعيم وغيره.
__________________
(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢١.
(٢) انظر : تفسير فرات ٢ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ح ٥٣٨ ـ ٥٣٩ ، تفسير القمّي ٢ / ٢٥٩.
(٣) ينابيع المودّة ١ / ٣٩٣ ح ٦.
(٤) ص ١٦٠ من الجزء الأوّل ، وهي آخر صحيفة من مسند عليّ عليهالسلام. منه قدسسره.
(٥) خصائص الإمام عليّ : ٨٤ ـ ٨٥ ح ٩٨.
(٦) ص ١٢٣ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ]. منه قدسسره.
(٧) الصواعق المحرقة : ١٩٠ ـ ١٩١ ، وانظر : مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤.
(٨) ص ١٥٨ من الجزء السادس [ ١١ / ٦٢٣ ح ٣٣٠٣٢ ]. منه قدسسره.
وانظر : فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٦٨ ح ٥٤ ، وراجع ما مرّ في الصفحة ٢٨٢ ه ٣.
ولا ريب في صحّة ذلك ـ حتّى لو لم ترد به رواية ـ ؛ لشهادة الوجدان به ، فإنّ الغلاة بأمير المؤمنين عليهالسلام كثيرون ، وكذلك النصّاب له الّذين هلكوا ببغضه ، كالخوارج وبني أمّية وأشياعهم ، وأشباه الفضل ، ممّن ألزموا أنفسهم من دون برهان بتأخيره رتبة وفضلا عمّن لا يقاس به علما وعملا.
ولا يمكن أن تكون الإماميّة ممّن هلك بحبّه ؛ لأنّ الروايات المشار إليها جعلت الهالكين بحبّه من نحو الهالكين بحبّ عيسى ، ومن المعلوم أنّ من هلك بحبّ عيسى إنّما هو من قال بإلهيّته ، فكذا من هلك بحبّ عليّ.
وأمّا ما ذكره الفضل من قصّة ابن الزبعرى ؛ فلا مناسبة لها بجعل عيسى مثلا ؛ لأنّ ابن الزبعرى صيّر عيسى نقضا للآية لا مثلا.
على أنّ المفهوم من الآية أنّ الضارب للمثل بعيسى هو النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا قومه ، وإنّما هم صادّون عنه.
وممّا ذكر يعلم وجه الدلالة على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام ؛ فإنّ ضرب المثل له بعيسى دالّ على أنّه مثله في الفضل عند الله تعالى ، بحيث كان بغضه هلاكا ؛ فهو شبيه عيسى بالعظمة ، وفوق الأمّة ، وإمامها ؛ ولذا قال المنافقون : « لا يرى له مثلا إلّا عيسى » ..
مضافا إلى أنّ الداعي للغلوّ فيه كالداعي للغلوّ بعيسى ، وهو ما صدر عنه من المعجزات والكرامات الباهرة ، ولا شكّ أنّ صدورها من شخص دون غيره دليل على كرامته عند الله وفضله على قومه ، والأفضل محلّ الإمامة ، ودليل على أنّ إمامته من الله تعالى ؛ لاقتران معجزته بدعوى الإمامة.
ويكفيك من معجزاته إخباره بالمغيّبات (١) ، وردّ الشمس له في حياة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعده (٢) ، ومخاطبة الثعبان له (٣) ، وغيرها من كراماته الباهرة.
وسيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث الخامس عشر وجه آخر لبيان إمامته من الآية وهذا الحديث.
__________________
(١) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ١٢٥ ، جواهر المطالب ١ / ٢٦٣ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩٤ وج ١٠ / ١٣ ـ ١٥.
(٢) وقد ردّت الشمس لأمير المؤمنين عليّ عليهالسلام مرّتين :
أولاهما في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بالصهباء من أرض خيبر أيّام غزاتها ، وقد أخرج حديث ردّ الشمس هذا جمع كبير من الحفّاظ والمحدّثين ، يربو عددهم على الأربعين ، وقد أخرجوه بأسانيد متعدّدة وطرق كثيرة ، وقد نصّ بعضهم على أنّ منها طرقا صحيحة ثابتة ، فانظر : الذرّيّة الطاهرة ـ للدولابي ـ : ١٢٩ ح ١٥٦ ، مشكل الآثار ٢ / ٧ ح ١٢٠٧ ، ١٢٠٨ وج ٤ / ٢٦٨ ح ٣٨٥٠ و ٣٨٥١ ، المعجم الكبير ٢٤ / ١٤٤ ـ ١٤٥ ح ٣٨٢ وص ١٤٧ ـ ١٥٢ ح ٣٩٠ و ٣٩١ ، أعلام النبوّة ـ للماوردي ـ : ١٤٩ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ح ١٤٠ و ١٤١ ، زين الفتى ٢ / ٥٠ ـ ٥٢ ح ٣٣١ ، الشفا ـ للقاضي عياض ـ ١ / ٢٨٤ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ح ٣٠١ و ٣٠٢ ، تاريخ دمشق ٧٠ / ٣٦ رقم ٩٤٠٩ ، كفاية الطالب : ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ، المقاصد الحسنة : ٢٧٠ ح ٥١٩.
كما أفرده بعضهم بالتأليف ، فأوردوا أحاديثه وجمعوا طرقه ، كأبي عبد الله الجعل المعتزلي الحنفي ، والحاكم الحسكاني ، والنقيب العبيدلي ، وأخطب خوارزم ، والسيوطي ، وشمس الدين الدمشقي ؛ فانظر : الغدير ٣ / ١٨٣ ـ ٢٠٣ و ٥٣٧ ، أهل البيت عليهمالسلام في المكتبة العربية : ١١٠ ـ ١١٤ رقم ٢٠٨ ومواضع أخر ، كشف الرمس عن حديث ردّ الشمس : ٩ ـ ٧٧.
وأمّا ثانيتهما ، فقد ردّت الشمس بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عليه عليه السلام ببابل ، وقد ورد ذلك في عدّة مصادر ، منها : وقعة صفّين : ١٣٥ ـ ١٣٦ ، مناقب الإمام عليّ عليه السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ح ٣٤٩ ، ينابيع المودّة ١ / ٤١٨ ـ ٤١٩.
(٣) انظر : الكافي ١ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠ ح ٦ كتاب الحجّة ، بصائر الدرجات : ١١٧ ح ٧.
٦٣ ـ آية : ( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ )
قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :
الثالثة والستّون : قوله تعالى : ( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) (٢).
قال عليّ عليهالسلام : « أنا وشيعتي » (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٠٢.
(٢) سورة الأعراف ٧ : ١٨١.
(٣) انظر : مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٣١ ح ٣٥١ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٠٤ ح ٢٦٧.
وقال الفضل (١) :
هذا من رواياته ومدّعياته ، والله أعلم ، وليس فيه دليل على المدّعى.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤١٤.
وأقول :
لا يخفى أنّه ورد في كثير من أخبار القوم أنّ المراد بالأمّة في الآية : أمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (١) ، وليس المراد : هو الأمّة بإطلاقها ؛ لما في تفسير الرازي ، قال : قرأ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الآية ، وقال : « إنّ من أمّتي قوما على الحقّ حتّى ينزل عيسى بن مريم » (٢) ..
ولما استفاض في الأخبار من أنّ أمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة ناجية ، وما سواها هالكة في النار (٣).
فلا يمكن أن تكون كلّها هادية بالحقّ ، بل بعضها ، وهي الفرقة الناجية ، وقد فسّرتها الرواية ـ التي أشار إليها المصنّف ـ بعليّ وشيعته ، كما يشهد لها حديث الثقلين (٤) ، وغيره (٥).
__________________
(١) شواهد التنزيل ١ / ٢٠٤ ح ٢٦٦.
(٢) تفسير الفخر الرازي ١٥ / ٧٦.
(٣) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٢٦ ح ٢٦٤١ ، سنن أبي داود ٤ / ١٩٧ ح ٤٥٩٧ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٢١ ـ ١٣٢٢ ح ٣٩٩١ ـ ٣٩٩٣ ، مسند أحمد ٢ / ٣٣٢ ، مسند الشاميّين ٢ / ١٠٠ ـ ١٠١ ح ٩٨٨ ، المعجم الصغير ١ / ٢٥٦ ، المعجم الأوسط ٥ / ٢٤٧ ح ٤٨٨٦ وج ٨ / ٥٦ ح ٧٨٤٠ ، المعجم الكبير ٨ / ٢٧٣ ح ٨٠٥١ وج ١٨ / ٧٠ ح ١٢٩ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٤٨ ح ٦٢١٤ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٢١٨ ـ ٢١٩ ح ٤٤٤.
(٤) سيأتي تخريجه مفصّلا في محلّه من الجزء السادس إن شاء الله تعالى.
(٥) كحديث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في عليّ عليهالسلام : « هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة » ، انظر : جزء ابن الغطريف : ٨٢ ح ٣٥ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ١١١ ضمن ح ١٢٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٣٣ و ٣٧١ ، الدرّ المنثور ٨ / ٥٨٩.
قال عليّ عليهالسلام في هذه الرواية ـ كما في « كشف الغمّة » عن ابن مردويه ـ :
« تفترق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنّة ، وهم الّذين قال الله تعالى : ( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) (١) ، وهم أنا وشيعتي (٢).
ومثله في الباب الخامس والثلاثين ، من « ينابيع المودّة » ، عن موفّق ابن أحمد ، بسنده عن عليّ عليهالسلام ، إلّا أنّه قال : « وهم أنا ومحبّيّ وأتباعي » (٣).
فإذا كان عليّ عليهالسلام وشيعته هم الفرقة الناجية ، الّذين يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، كان هو الإمام ألبتّة ؛ إذ لا يمكن أن يكون مأموما وتابعا لبعض شيعته ؛ لأنّ الشيعة هم الأتباع لا المتبوعون ..
ولذا لا يدخل في شيعته ـ على مذهب القوم ـ المشايخ الثلاثة ؛ لأنّهم ـ بزعم القوم ـ أئمّة عليّ عليهالسلام ، ومتبوعون له لا تابعون.
كما لا يدخل في شيعته محاربوه وأعداؤه ، كالزبير وطلحة وأصحابهما من الناكثين ، ومعاوية وأتباعه من القاسطين.
وكذا لا يدخل فيهم جميع السنّة ، ضرورة أنّهم شيعة لأعدائه لا له!
* * *
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ : ١٨١.
(٢) كشف الغمّة ١ / ٣٢١ ـ ٣٢٢.
(٣) ينابيع المودّة ١ / ٣٢٧ ح ١ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٣١ ح ٣٥١ وفيه : « وهم أنا وشيعتي ».
٦٤ ـ آية : ( تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً )
قال المصنّف ـ نوّر الله ضريحه ـ (١) :
الرابعة والستّون : ( تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ) (٢).
نزلت في عليّ عليهالسلام (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٠٢.
(٢) سورة الفتح ٤٨ : ٢٩.
(٣) شواهد التنزيل ٢ / ١٨٣ ح ٨٨٨ و ٨٩٠ ، تفسير روح المعاني ٢٦ / ١٩٤.
وقال الفضل (١) :
إن صحّ فلا دلالة له على النصّ.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤١٦.
وأقول :
هذا ممّا نقله في « كشف الغمّة » عن ابن مردويه (١).
والمراد في نزول الآية بعليّ : نزولها بتمامها به مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما هو الأظهر ؛ لأنّ الآية هكذا :
( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ ... ) (٢) الآية.
وظاهرها : أنّ ( أَشِدَّاءُ ) وما بعده خبر لـ ( مُحَمَّدٌ ) وما عطف عليه ، لا للمعطوف فقط ، أعني ( الَّذِينَ مَعَهُ ) ، فيكون الركّع السجود محمّدا وعليّا.
وحينئذ : فتدلّ الآية على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام ؛ لتعبيرها عنه بصيغة الجمع ، وهي : ( الَّذِينَ مَعَهُ ) ، مشيرا بها إلى أنّه بمنزلة جميع من مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من حيث إنّه قوامهم.
فيثبت فضله عليهم بالجهاد والتقوى وجميع صفات الكمال ، لا سيّما بضميمة ما أخبر به عن محمّد والّذين معه من الأوصاف الجليلة ، التي لا تثبت بمجموعها لأكثر الصحابة ، بل ولا لبعضهم على وجه الكمال ، وإنّما تثبت كاملة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليّ عليهالسلام ، فهو نظيره ونفسه.
__________________
(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢٢.
(٢) سورة الفتح ٤٨ : ٢٩.
ويؤيّد الرواية التي أشار إليها المصنّف نزول أبعاض الآية الأخر في عليّ عليهالسلام أيضا ، كما عرفته في قوله تعالى : ( فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ ) (١) ، وما سيأتي في قوله تعالى : ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) (٢).
* * *
__________________
(١) راجع ذلك في الصفحة ١٩٦ من هذا الجزء.
(٢) سيأتي ذلك في الصفحة ٣٣٩ من هذا الجزء ؛ فراجع!
٦٥ ـ آية : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ )
قال المصنّف ـ قدسسره ـ (١) :
الخامسة والستّون : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) (٢).
نزلت في عليّ ؛ لأنّ نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٠٣.
(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٨.
(٣) انظر : تفسير الثعلبي ٨ / ٦٣ ، شواهد التنزيل ٢ / ٩٣ ـ ٩٤ ح ٧٧٥ ، زاد المسير ٦ / ٢٢٤ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١٥٤ ، تفسير النسفي ٣ / ٣١٢ ـ ٣١٣ ، تفسير الخازن ٣ / ٤٧٨ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٢٥٢.
وقال الفضل (١) :
ظاهر الآية العموم ، وإن خصّ فلا دلالة له على النصّ المقصود.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤١٨.
وأقول :
هذا أيضا ممّا نقله في « كشف الغمّة » ، عن ابن مردويه ، عن مقاتل (١).
ونقله عنه الواحدي في « أسباب النزول » ، إلّا أنّه قال : « يسمعونه » بدل « يكذبون عليه » (٢).
وأشار إليه الزمخشري بقوله : « وقيل : نزلت في ناس من المنافقين يؤذون عليّا ويسمعونه (٣) » (٤).
ووجه الدلالة على المطلوب : إنّ قوله تعالى : ( بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) (٥) شهادة ببراءة عليّ عليهالسلام ممّا يقولون ، وإنّ قولهم بهتان ، كما قال سبحانه في تمام الآية : ( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) (٦).
ومن المعلوم أنّ اهتمام الآية ببراءة عليّ عليهالسلام ، وبيان أنّ من آذاه احتمل إثما مبينا ـ مع كثرة ما يصدر من الناس من قول البهتان والإيذاء للمؤمنين ـ ، دليل على عظمته عند الله تعالى وفضله على غيره ، ولا سيّما مع التعبير عنه بصيغة الجمع ، وذكر إيذائه مع إيذاء الله ورسوله ؛ والأفضل أحقّ بالإمامة.
__________________
(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢٢.
(٢) أسباب النزول : ٢٠٢.
(٣) التّسميع : الشّتم وإسماع القبيح ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ٣٦٦ مادّة « سمع ».
(٤) تفسير الكشّاف ٣ / ٢٧٣.
(٥) أي : بغير جناية واستحقاق للأذى ؛ كما في الكشّاف ٣ / ٢٧٣.
(٦) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٨.
ثمّ إنّه لا منافاة بين ذكر المؤمنات في الآية وبين نزولها في عليّ عليهالسلام ومن يؤذيه ؛ إذ لا مانع من التعرّض لهنّ بالتّبع ، ولا سيّما أنّ المنصرف من المؤمنات عند إرادة عليّ بالمؤمنين هو فاطمة المظلومة ، فتزيد فائدة الآية في المطلوب.
* * *
٦٦ ـ آية : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ )
قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ (١) :
السادسة والستّون : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) (٢).
هو عليّ ؛ لأنّه كان مؤمنا مهاجرا ذا رحم (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٠٣.
(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٦.
(٣) ذكره ابن مردويه في « المناقب » ، كما في كشف الغمّة ١ / ٣٢٢.
وقال الفضل (١) :
ظاهر الآية العموم ، ولم يذكر المفسّرون تخصيصا بأحد ، ولو خصّ فلا دلالة له على النصّ ، والاستدلال بأنّه مؤمن مهاجر ذو رحم لا يوجب التخصيص ؛ لشمول الأوصاف المذكورة لغيره.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤١٩.