دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٥

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-358-6
الصفحات: ٤٢٦

ونقل أيضا عن موفّق بن أحمد الخوارزمي ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عليّ! من أحبّك وتولّاك أسكنه الله معنا ».

ثمّ تلا رسول الله : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) (١)

ويستفاد من أوّل هذين الحديثين ، أنّ مودّتي النبيّ وعليّ عليهما الصلاة والسلام متلازمتان ؛ ومن الحديثين ، أنّ مودّة عليّ توجب دخول الجنّة.

وذلك دليل الفضل على سائر الأمّة ، فيكون عليّ عليه‌السلام إمامها ، لا سيّما مع إعلامه بأنّه من أهل الجنّة ، وأنّه السبب في دخولها.

* * *

__________________

(١) كشف الغمّة ١ / ٣٠٥ ، وانظر : مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٢٧٦ ح ٢٥٩.

٢٨١

٦٢ ـ آية : ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً )

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ (١) :

الثانية والستّون : قوله تعالى : ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) (٢).

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ : « إنّ فيك مثلا من عيسى ، أحبّه قوم فهلكوا فيه ، وأبغضه قوم فهلكوا فيه ».

فقال المنافقون : أما يرى له مثلا إلّا عيسى؟! فنزلت الآية (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٢.

(٢) سورة الزخرف ٤٣ : ٥٧.

(٣) انظر : شواهد التنزيل ٢ / ١٥٩ ـ ١٦٧ ح ٨٥٩ ـ ٨٧١ ، وراجع : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٨ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٧٩٣ ـ ٧٩٤ ح ١٠٨٧ وص ٨٨٨ ح ١٢٢١ و ١٢٢٢ ، زوائد عبد الله على المسند : ٤١١ ـ ٤١٢ ح ١٩٥ و ١٩٦ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ١ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ رقم ٩٦٦ ترجمة ربيعة بن ناجذ الأسدي ، مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤ ، العقد الفريد ٣ / ٣١٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ، فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٦٨ ح ٥٤ ، الاستيعاب ٣ / ١١٣٠ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٠٩ ـ ١١٠ ح ١٠٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣.

٢٨٢

وقال الفضل (١) :

نزلت في عبد الله بن الزّبعرى (٢) ، حين نزل : ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) (٣) ، فقال ابن الزبعرى : عيسى عبد ، فهو يدخل جهنّم!

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أجهلك بلغة قومك!

فإنّ « ما » لا يراد به ذوو العقول ، وعيسى من ذوي العقول.

فأنزل الله تعالى : ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) (٤).

وإن صحّ ، فهو في حكم أخواتها.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٠٢.

(٢) هو : عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عديّ السهمي ، يصل نسبه إلى مضر بن نزار ، وهو أحد شعراء قريش المعدودين ، كان شاعرا مفلّقا خبيثا ، وكان مؤذيا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يهجو المسلمين ، ويحرّض عليهم كفّار قريش في شعره ، ثمّ أسلم بعد ذلك ، فقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إسلامه ، وأمّنه يوم الفتح ، قيل : توفّي سنة ١٥ ه‍.

انظر : الأغاني ١٥ / ١٧٤ رقم ١٣ ، المؤتلف والمختلف ـ للآمدي ـ : ١٩٤.

(٣) سورة الأنبياء ٢١ : ٩٨.

(٤) تفسير الفخر الرازي ٢٧ / ٢٢٢ ، تفسير البغوي ٤ / ١٢٨ ، تفسير القرطبي ١٦ / ٦٩ ، الكشّاف ٣ / ٤٩٣ ، زاد المسير ٧ / ١٤١ ، روح المعاني ٢٥ / ١٤٢.

٢٨٣

وأقول :

هذا ممّا رواه ابن مردويه كما في « كشف الغمّة » (١) ، ورواه أئمّتنا الأطهار عن أمير المؤمنين (٢).

ونقل نحوه في « ينابيع المودّة » ، في الباب الرابع والأربعين ، عن « المناقب » (٣).

وقد استفاض ضرب المثل لعليّ بعيسى في أخبارهم حتّى روي في « مسند أحمد » من طريقين (٤) ، ورواه النسائي في « خصائصه » (٥) ، والحاكم في « المستدرك » وصحّحه (٦).

ونقله في « الصواعق » ، في الحديث العشرين من الأحاديث الواردة في فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، عن البزّار وأبي يعلى (٧).

ونقله في « كنز العمّال » (٨) ، عن أبي نعيم وغيره.

__________________

(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢١.

(٢) انظر : تفسير فرات ٢ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ح ٥٣٨ ـ ٥٣٩ ، تفسير القمّي ٢ / ٢٥٩.

(٣) ينابيع المودّة ١ / ٣٩٣ ح ٦.

(٤) ص ١٦٠ من الجزء الأوّل ، وهي آخر صحيفة من مسند عليّ عليه‌السلام. منه قدس‌سره.

(٥) خصائص الإمام عليّ : ٨٤ ـ ٨٥ ح ٩٨.

(٦) ص ١٢٣ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ]. منه قدس‌سره.

(٧) الصواعق المحرقة : ١٩٠ ـ ١٩١ ، وانظر : مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤.

(٨) ص ١٥٨ من الجزء السادس [ ١١ / ٦٢٣ ح ٣٣٠٣٢ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٦٨ ح ٥٤ ، وراجع ما مرّ في الصفحة ٢٨٢ ه‍ ٣.

٢٨٤

ولا ريب في صحّة ذلك ـ حتّى لو لم ترد به رواية ـ ؛ لشهادة الوجدان به ، فإنّ الغلاة بأمير المؤمنين عليه‌السلام كثيرون ، وكذلك النصّاب له الّذين هلكوا ببغضه ، كالخوارج وبني أمّية وأشياعهم ، وأشباه الفضل ، ممّن ألزموا أنفسهم من دون برهان بتأخيره رتبة وفضلا عمّن لا يقاس به علما وعملا.

ولا يمكن أن تكون الإماميّة ممّن هلك بحبّه ؛ لأنّ الروايات المشار إليها جعلت الهالكين بحبّه من نحو الهالكين بحبّ عيسى ، ومن المعلوم أنّ من هلك بحبّ عيسى إنّما هو من قال بإلهيّته ، فكذا من هلك بحبّ عليّ.

وأمّا ما ذكره الفضل من قصّة ابن الزبعرى ؛ فلا مناسبة لها بجعل عيسى مثلا ؛ لأنّ ابن الزبعرى صيّر عيسى نقضا للآية لا مثلا.

على أنّ المفهوم من الآية أنّ الضارب للمثل بعيسى هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا قومه ، وإنّما هم صادّون عنه.

وممّا ذكر يعلم وجه الدلالة على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ فإنّ ضرب المثل له بعيسى دالّ على أنّه مثله في الفضل عند الله تعالى ، بحيث كان بغضه هلاكا ؛ فهو شبيه عيسى بالعظمة ، وفوق الأمّة ، وإمامها ؛ ولذا قال المنافقون : « لا يرى له مثلا إلّا عيسى » ..

مضافا إلى أنّ الداعي للغلوّ فيه كالداعي للغلوّ بعيسى ، وهو ما صدر عنه من المعجزات والكرامات الباهرة ، ولا شكّ أنّ صدورها من شخص دون غيره دليل على كرامته عند الله وفضله على قومه ، والأفضل محلّ الإمامة ، ودليل على أنّ إمامته من الله تعالى ؛ لاقتران معجزته بدعوى الإمامة.

٢٨٥

ويكفيك من معجزاته إخباره بالمغيّبات (١) ، وردّ الشمس له في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده (٢) ، ومخاطبة الثعبان له (٣) ، وغيرها من كراماته الباهرة.

وسيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث الخامس عشر وجه آخر لبيان إمامته من الآية وهذا الحديث.

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ١٢٥ ، جواهر المطالب ١ / ٢٦٣ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩٤ وج ١٠ / ١٣ ـ ١٥.

(٢) وقد ردّت الشمس لأمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام مرّتين :

أولاهما في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بالصهباء من أرض خيبر أيّام غزاتها ، وقد أخرج حديث ردّ الشمس هذا جمع كبير من الحفّاظ والمحدّثين ، يربو عددهم على الأربعين ، وقد أخرجوه بأسانيد متعدّدة وطرق كثيرة ، وقد نصّ بعضهم على أنّ منها طرقا صحيحة ثابتة ، فانظر : الذرّيّة الطاهرة ـ للدولابي ـ : ١٢٩ ح ١٥٦ ، مشكل الآثار ٢ / ٧ ح ١٢٠٧ ، ١٢٠٨ وج ٤ / ٢٦٨ ح ٣٨٥٠ و ٣٨٥١ ، المعجم الكبير ٢٤ / ١٤٤ ـ ١٤٥ ح ٣٨٢ وص ١٤٧ ـ ١٥٢ ح ٣٩٠ و ٣٩١ ، أعلام النبوّة ـ للماوردي ـ : ١٤٩ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ح ١٤٠ و ١٤١ ، زين الفتى ٢ / ٥٠ ـ ٥٢ ح ٣٣١ ، الشفا ـ للقاضي عياض ـ ١ / ٢٨٤ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ح ٣٠١ و ٣٠٢ ، تاريخ دمشق ٧٠ / ٣٦ رقم ٩٤٠٩ ، كفاية الطالب : ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ، المقاصد الحسنة : ٢٧٠ ح ٥١٩.

كما أفرده بعضهم بالتأليف ، فأوردوا أحاديثه وجمعوا طرقه ، كأبي عبد الله الجعل المعتزلي الحنفي ، والحاكم الحسكاني ، والنقيب العبيدلي ، وأخطب خوارزم ، والسيوطي ، وشمس الدين الدمشقي ؛ فانظر : الغدير ٣ / ١٨٣ ـ ٢٠٣ و ٥٣٧ ، أهل البيت عليهم‌السلام في المكتبة العربية : ١١٠ ـ ١١٤ رقم ٢٠٨ ومواضع أخر ، كشف الرمس عن حديث ردّ الشمس : ٩ ـ ٧٧.

وأمّا ثانيتهما ، فقد ردّت الشمس بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عليه عليه السلام ببابل ، وقد ورد ذلك في عدّة مصادر ، منها : وقعة صفّين : ١٣٥ ـ ١٣٦ ، مناقب الإمام عليّ عليه السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ح ٣٤٩ ، ينابيع المودّة ١ / ٤١٨ ـ ٤١٩.

(٣) انظر : الكافي ١ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠ ح ٦ كتاب الحجّة ، بصائر الدرجات : ١١٧ ح ٧.

٢٨٦

٦٣ ـ آية : ( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ )

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :

الثالثة والستّون : قوله تعالى : ( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) (٢).

قال عليّ عليه‌السلام : « أنا وشيعتي » (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٢.

(٢) سورة الأعراف ٧ : ١٨١.

(٣) انظر : مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٣١ ح ٣٥١ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٠٤ ح ٢٦٧.

٢٨٧

وقال الفضل (١) :

هذا من رواياته ومدّعياته ، والله أعلم ، وليس فيه دليل على المدّعى.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤١٤.

٢٨٨

وأقول :

لا يخفى أنّه ورد في كثير من أخبار القوم أنّ المراد بالأمّة في الآية : أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، وليس المراد : هو الأمّة بإطلاقها ؛ لما في تفسير الرازي ، قال : قرأ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآية ، وقال : « إنّ من أمّتي قوما على الحقّ حتّى ينزل عيسى بن مريم » (٢) ..

ولما استفاض في الأخبار من أنّ أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة ناجية ، وما سواها هالكة في النار (٣).

فلا يمكن أن تكون كلّها هادية بالحقّ ، بل بعضها ، وهي الفرقة الناجية ، وقد فسّرتها الرواية ـ التي أشار إليها المصنّف ـ بعليّ وشيعته ، كما يشهد لها حديث الثقلين (٤) ، وغيره (٥).

__________________

(١) شواهد التنزيل ١ / ٢٠٤ ح ٢٦٦.

(٢) تفسير الفخر الرازي ١٥ / ٧٦.

(٣) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٢٦ ح ٢٦٤١ ، سنن أبي داود ٤ / ١٩٧ ح ٤٥٩٧ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٢١ ـ ١٣٢٢ ح ٣٩٩١ ـ ٣٩٩٣ ، مسند أحمد ٢ / ٣٣٢ ، مسند الشاميّين ٢ / ١٠٠ ـ ١٠١ ح ٩٨٨ ، المعجم الصغير ١ / ٢٥٦ ، المعجم الأوسط ٥ / ٢٤٧ ح ٤٨٨٦ وج ٨ / ٥٦ ح ٧٨٤٠ ، المعجم الكبير ٨ / ٢٧٣ ح ٨٠٥١ وج ١٨ / ٧٠ ح ١٢٩ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٤٨ ح ٦٢١٤ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٢١٨ ـ ٢١٩ ح ٤٤٤.

(٤) سيأتي تخريجه مفصّلا في محلّه من الجزء السادس إن شاء الله تعالى.

(٥) كحديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ عليه‌السلام : « هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة » ، انظر : جزء ابن الغطريف : ٨٢ ح ٣٥ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١١١ ضمن ح ١٢٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٣٣ و ٣٧١ ، الدرّ المنثور ٨ / ٥٨٩.

٢٨٩

قال عليّ عليه‌السلام في هذه الرواية ـ كما في « كشف الغمّة » عن ابن مردويه ـ :

« تفترق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنّة ، وهم الّذين قال الله تعالى : ( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) (١) ، وهم أنا وشيعتي (٢).

ومثله في الباب الخامس والثلاثين ، من « ينابيع المودّة » ، عن موفّق ابن أحمد ، بسنده عن عليّ عليه‌السلام ، إلّا أنّه قال : « وهم أنا ومحبّيّ وأتباعي » (٣).

فإذا كان عليّ عليه‌السلام وشيعته هم الفرقة الناجية ، الّذين يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، كان هو الإمام ألبتّة ؛ إذ لا يمكن أن يكون مأموما وتابعا لبعض شيعته ؛ لأنّ الشيعة هم الأتباع لا المتبوعون ..

ولذا لا يدخل في شيعته ـ على مذهب القوم ـ المشايخ الثلاثة ؛ لأنّهم ـ بزعم القوم ـ أئمّة عليّ عليه‌السلام ، ومتبوعون له لا تابعون.

كما لا يدخل في شيعته محاربوه وأعداؤه ، كالزبير وطلحة وأصحابهما من الناكثين ، ومعاوية وأتباعه من القاسطين.

وكذا لا يدخل فيهم جميع السنّة ، ضرورة أنّهم شيعة لأعدائه لا له!

* * *

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ : ١٨١.

(٢) كشف الغمّة ١ / ٣٢١ ـ ٣٢٢.

(٣) ينابيع المودّة ١ / ٣٢٧ ح ١ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٣١ ح ٣٥١ وفيه : « وهم أنا وشيعتي ».

٢٩٠

٦٤ ـ آية : ( تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً )

قال المصنّف ـ نوّر الله ضريحه ـ (١) :

الرابعة والستّون : ( تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ) (٢).

نزلت في عليّ عليه‌السلام (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٢.

(٢) سورة الفتح ٤٨ : ٢٩.

(٣) شواهد التنزيل ٢ / ١٨٣ ح ٨٨٨ و ٨٩٠ ، تفسير روح المعاني ٢٦ / ١٩٤.

٢٩١

وقال الفضل (١) :

إن صحّ فلا دلالة له على النصّ.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤١٦.

٢٩٢

وأقول :

هذا ممّا نقله في « كشف الغمّة » عن ابن مردويه (١).

والمراد في نزول الآية بعليّ : نزولها بتمامها به مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما هو الأظهر ؛ لأنّ الآية هكذا :

( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ ... ) (٢) الآية.

وظاهرها : أنّ ( أَشِدَّاءُ ) وما بعده خبر لـ ( مُحَمَّدٌ ) وما عطف عليه ، لا للمعطوف فقط ، أعني ( الَّذِينَ مَعَهُ ) ، فيكون الركّع السجود محمّدا وعليّا.

وحينئذ : فتدلّ الآية على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ لتعبيرها عنه بصيغة الجمع ، وهي : ( الَّذِينَ مَعَهُ ) ، مشيرا بها إلى أنّه بمنزلة جميع من مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من حيث إنّه قوامهم.

فيثبت فضله عليهم بالجهاد والتقوى وجميع صفات الكمال ، لا سيّما بضميمة ما أخبر به عن محمّد والّذين معه من الأوصاف الجليلة ، التي لا تثبت بمجموعها لأكثر الصحابة ، بل ولا لبعضهم على وجه الكمال ، وإنّما تثبت كاملة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ عليه‌السلام ، فهو نظيره ونفسه.

__________________

(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢٢.

(٢) سورة الفتح ٤٨ : ٢٩.

٢٩٣

ويؤيّد الرواية التي أشار إليها المصنّف نزول أبعاض الآية الأخر في عليّ عليه‌السلام أيضا ، كما عرفته في قوله تعالى : ( فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ ) (١) ، وما سيأتي في قوله تعالى : ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) (٢).

* * *

__________________

(١) راجع ذلك في الصفحة ١٩٦ من هذا الجزء.

(٢) سيأتي ذلك في الصفحة ٣٣٩ من هذا الجزء ؛ فراجع!

٢٩٤

٦٥ ـ آية : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ )

قال المصنّف ـ قدس‌سره ـ (١) :

الخامسة والستّون : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) (٢).

نزلت في عليّ ؛ لأنّ نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٣.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٨.

(٣) انظر : تفسير الثعلبي ٨ / ٦٣ ، شواهد التنزيل ٢ / ٩٣ ـ ٩٤ ح ٧٧٥ ، زاد المسير ٦ / ٢٢٤ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١٥٤ ، تفسير النسفي ٣ / ٣١٢ ـ ٣١٣ ، تفسير الخازن ٣ / ٤٧٨ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٢٥٢.

٢٩٥

وقال الفضل (١) :

ظاهر الآية العموم ، وإن خصّ فلا دلالة له على النصّ المقصود.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤١٨.

٢٩٦

وأقول :

هذا أيضا ممّا نقله في « كشف الغمّة » ، عن ابن مردويه ، عن مقاتل (١).

ونقله عنه الواحدي في « أسباب النزول » ، إلّا أنّه قال : « يسمعونه » بدل « يكذبون عليه » (٢).

وأشار إليه الزمخشري بقوله : « وقيل : نزلت في ناس من المنافقين يؤذون عليّا ويسمعونه (٣) » (٤).

ووجه الدلالة على المطلوب : إنّ قوله تعالى : ( بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) (٥) شهادة ببراءة عليّ عليه‌السلام ممّا يقولون ، وإنّ قولهم بهتان ، كما قال سبحانه في تمام الآية : ( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) (٦).

ومن المعلوم أنّ اهتمام الآية ببراءة عليّ عليه‌السلام ، وبيان أنّ من آذاه احتمل إثما مبينا ـ مع كثرة ما يصدر من الناس من قول البهتان والإيذاء للمؤمنين ـ ، دليل على عظمته عند الله تعالى وفضله على غيره ، ولا سيّما مع التعبير عنه بصيغة الجمع ، وذكر إيذائه مع إيذاء الله ورسوله ؛ والأفضل أحقّ بالإمامة.

__________________

(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢٢.

(٢) أسباب النزول : ٢٠٢.

(٣) التّسميع : الشّتم وإسماع القبيح ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ٣٦٦ مادّة « سمع ».

(٤) تفسير الكشّاف ٣ / ٢٧٣.

(٥) أي : بغير جناية واستحقاق للأذى ؛ كما في الكشّاف ٣ / ٢٧٣.

(٦) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٨.

٢٩٧

ثمّ إنّه لا منافاة بين ذكر المؤمنات في الآية وبين نزولها في عليّ عليه‌السلام ومن يؤذيه ؛ إذ لا مانع من التعرّض لهنّ بالتّبع ، ولا سيّما أنّ المنصرف من المؤمنات عند إرادة عليّ بالمؤمنين هو فاطمة المظلومة ، فتزيد فائدة الآية في المطلوب.

* * *

٢٩٨

٦٦ ـ آية : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ )

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ (١) :

السادسة والستّون : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) (٢).

هو عليّ ؛ لأنّه كان مؤمنا مهاجرا ذا رحم (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٣.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٦.

(٣) ذكره ابن مردويه في « المناقب » ، كما في كشف الغمّة ١ / ٣٢٢.

٢٩٩

وقال الفضل (١) :

ظاهر الآية العموم ، ولم يذكر المفسّرون تخصيصا بأحد ، ولو خصّ فلا دلالة له على النصّ ، والاستدلال بأنّه مؤمن مهاجر ذو رحم لا يوجب التخصيص ؛ لشمول الأوصاف المذكورة لغيره.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤١٩.

٣٠٠