وأقول :
هذا وإن لم يكن من المتواترات ، إلّا أنّه ليس من الشواذّ ـ أعني قراءة التابعين ـ ، بل من الآحاد ، وهي القراءات الثلاث ، وقراءة الصحابي ، كما حكى هذا الاصطلاح السيّد السعيد رحمهالله عن « إتقان » السيوطي ، عن القاضي جلال الدين البلقيني (١).
ولا مستند للفضل في النقل عن الشيعة ، إلّا كونها ليست من القراءات السبع المدّعى تواترها ، وهو كما ترى.
وقد ذكر هذه القراءة السيوطي في « الدرّ المنثور » ، قال : أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن ابن مسعود ، أنّه كان يقرأ هذا الحرف : ( وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ ) بعليّ بن أبي طالب (٢).
ويشهد لهذه القراءة ما رواه الحاكم (٣) ، عن يحيى بن آدم ، قال : « ما شبّهت قتل عليّ عمرا إلّا بقول الله عزّ وجلّ : ( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ ) (٤).
__________________
(١) إحقاق الحقّ ٣ / ٣٧٨ ـ ٣٨٠ ، وانظر : الإتقان في علوم القرآن ١ / ٢١١.
(٢) الدرّ المنثور ٦ / ٥٩٠ ، وانظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٠.
هذا ، وقد صرّح ابن تيميّة بأنّ لابن أبي حاتم لسان صدق ، وأنّ تفسيره خال من الموضوعات ، ومتضمّن للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير ، وبأسانيد معروفة.
انظر : منهاج السنّة ٧ / ١٣ و ١٧٨ ـ ١٧٩.
(٣) في كتاب المغازي من المستدرك ، ص ٣٤ من الجزء الثالث [ ٣ / ٣٦ ح ٤٣٣٠ أ ]. منه قدسسره.
(٤) سورة البقرة ٢ : ٢٥١.
وكيف كان! فلتفرض قراءة ابن مسعود رواية له ، بأن يكون قد روى أنّ الله سبحانه أنزل هذه الآية لبيان هذه الفضيلة لعليّ عليهالسلام ، وأنّ الله تعالى كفى به المؤمنين القتال يوم الأحزاب ، حيث قتل عمرو بن عبدودّ ، وردّ الأحزاب خاسرين ، فيكون جهاده أفضل من جهاد المسلمين جميعا ؛ لأنّ به الفتح مع حفظ نفوسهم ، فمنه حياة الإسلام والمسلمين.
ولو لا أن يكفيهم الله تعالى القتال بعليّ لاندرست معالم الإسلام ؛ لضعف المسلمين ذلك اليوم وظهور الوهن عليهم ؛ ولذا قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لضربة عليّ خير ـ أو : أفضل ـ من عبادة الثقلين » ، كما رواه في « المواقف » وغيرها (١)
وفي رواية الحاكم في « المستدرك » (٢) : « لمبارزة عليّ لعمرو [ بن ودّ يوم الخندق ] أفضل من أعمال أمّتي إلى يوم القيامة ».
فلا محالة يكون أفضلهم وأولاهم بالإمامة ؛ لكشف ذلك عن زيادة علمه ومعرفته وتمام بصيرته ، حتّى استحقّ مدح الله تعالى له في كتابه المجيد ، وأنّى لغيره مثل ذلك؟!
__________________
(١) المواقف : ٤١٢ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٩٨ ، السيرة الحلبية ٢ / ٦٤٢ ـ ٦٤٣.
قال ابن تيميّة في منهاج السنّة ٨ / ١٠٩ ردا على هذا الحديث : « كيف يكون قتل كافر أفضل من عبادة الثقلين؟! ... ».
فردّ عليه الحلبي في السيرة الحلبية ٢ / ٦٤٣ بقوله : « لأنّ قتل هذا كان فيه نصرة للدين وخذلان للكافرين ».
(٢) ص ٣٢ من الجزء الثالث [ ٣ / ٣٤ ح ٤٣٢٧ ]. منه قدسسره.
وانظر : تاريخ بغداد ١٣ / ١٩ رقم ٦٩٧٨ ، شواهد التنزيل ٢ / ٨ ـ ٩ ح ٦٣٦ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ١٠٦ ـ ١٠٧ ح ١١٢ ، تاريخ دمشق ٥٠ / ٣٣٣ ، تفسير الفخر الرازي ٣٢ / ٣٢ تفسير سورة القدر ، فرائد السمطين ١ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ح ١٩٧ ، كنز العمّال ١١ / ٦٢٣ ح ٣٣٠٣٥.
٥٢ ـ آية : ( وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ )
قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ (١) :
الثانية والخمسون : قوله تعالى : ( وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) (٢).
هو عليّ ، عرضت ولايته على إبراهيم عليهالسلام فقال : اللهمّ اجعله من ذرّيّتي ؛ ففعل الله ذلك (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٩٩.
(٢) سورة الشعراء ٢٦ : ٨٤.
(٣) أرجح المطالب : ٧١ ، وانظر : كشف الغمّة ١ / ٣٢٠ عن ابن مردويه.
وقال الفضل (١) :
مفهوم الآية : إنّ إبراهيم سأل من الله تعالى أن يجعل له ذكر جميل بعد وفاته ، وهو المراد من « لسان الصدق » ، وحمل « لسان الصدق » على عليّ بعيد بحسب المعنى.
والشيعة لا يبالون من مثل ذلك ، ويذكرون كلّ ما يسمعون ، ولا دليل لهم في ما يفترون.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٨١.
وأقول :
إطلاق « لسان الصدق » على الذكر الجميل إنّما هو من باب الكناية أو المجاز ، فلا يبعد صدقه من هذه الباب على الولد الصالح الذي به الفخر والذكر الخالد ، ولا مرجّح للأوّل.
وقد حكى الرازي في أحد تأويلات « لسان الصدق » ، أنّ المراد به بعثة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (١) ، فليس هذا النحو من التفسير من خواصّ الشيعة ، بل زعم القوم ما هو أبعد منه ، كما نقله الفضل في الآية الأربعين (٢).
وأمّا دلالتها ـ بناء على ذلك المعنى ـ على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام فمن وجهين:
الأوّل : إنّها صرّحت بعرض ولايته على إبراهيم عليهالسلام ، وليس هو إلّا لكون ولايته مطلوبة لله سبحانه ، قديما وحديثا ، وهو أعظم دليل على فضله وإمامته.
ويعضده ما سبق في الآية السادسة عشرة ، وهي قوله تعالى : ( وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ... ) (٣) الآية ، من أنّ الأنبياء عليهمالسلام بعثوا على الشهادتين وولاية عليّ عليهالسلام (٤) ..
وفي الآية الثالثة والثلاثين ، وهي قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٠.
(٢) راجع الصفحة ١٩٥ من هذا الجزء.
(٣) سورة الزخرف ٤٣ : ٤٥.
(٤) راجع الصفحة ٣٩ من هذا الجزء.
بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (١) الآية (٢).
الثاني : دعاء إبراهيم عليهالسلام أن يجعله الله من ذرّيّته ، فإنّه أظهر شيء في فضله وشدّة إيمانه وعظمته عند الله عزّ وجلّ ، حتّى كان فخرا وشرفا لإبراهيم عليهالسلام ؛ ومن كان كذلك فلا بدّ أن يكون سيّد أمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وإمامهم.
وهذه الرواية المفسّرة « لسان الصدق » بأمير المؤمنين عليهالسلام نقلها في « كشف الغمّة » عن ابن مردويه ، ورويت عن إمامنا الصادق عليهالسلام (٣).
* * *
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ : ١٧٢.
(٢) راجع الصفحة ١٤٨ من هذا الجزء.
(٣) كشف الغمّة ١ / ٣٢٠.
٥٣ ـ سورة العصر
قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :
الثالثة والخمسون : ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) (٢) ، يعني : أبا جهل ، ( إِلأَالَّذِينَ آمَنُوا ) (٣) : عليّ وسلمان (٤).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٩٩.
(٢) سورة العصر ١٠٣ : ١ و ٢.
(٣) سورة العصر ١٠٣ : ٣.
(٤) ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ٢٧٨ ، شواهد التنزيل ٢ / ٣٧٢ ح ١١٥٤ ، الدرّ المنثور ٨ / ٦٢٢.
وقال الفضل (١) :
هذا تفسير لا يصحّ أصلا ؛ لأنّ الإنسان إذا أريد به أبو جهل ، يكون الاستثناء منقطعا (٢) ، ولم يقل به أحد ..
وإن كان الاستثناء متّصلا (٣) ، لا يصحّ أن يراد بالإنسان أبو جهل ، فالمراد منه أفراد الإنسان على سبيل الاستغراق.
وعلى هذا : لا يصحّ تخصيص المؤمنين بعليّ وسلمان ؛ فإنّ غيرهم من المؤمنين ليسوا في خسر.
وهذا الرجل يعلف كلّ نبت ، ولا يفرّق بين السّمّ والحشيش!
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٨٣.
(٢) الاستثناء المنقطع : هو ما كان المستثنى ليس من جنس ما استثني منه ، نحو : احترقت الدار إلّا الكتب ، وهو يفيد الاستدراك لا التخصيص ؛ لأنه استثناء من غير الجنس.
انظر : جامع الدروس العربية ٣ / ١٢٣.
(٣) الاستثناء المتّصل : هو ما كان من جنس المستثنى منه ، نحو : « جاء المسافرون إلّا سعيدا » ، وهو يفيد التخصيص بعد التعميم ؛ لأنّه استثناء من الجنس.
انظر : جامع الدروس العربية ٣ / ١٢٣.
وأقول :
ذكر الرازي في المراد بالإنسان قولين ، قال :
« الثاني : إنّ المراد منه شخص معيّن ..
قال ابن عبّاس : يريد جماعة من المشركين ، كالوليد (١) ، والعاص (٢) ، والأسود (٣).
__________________
(١) هو : الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، يكنّى أبا عبد شمس ، كان من حكّام قريش وزعمائها ، ومن زنادقتها ، ومن المستهزئين برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمشاركين في هدم الكعبة ، هلك مشركا ، وذلك لمروره برجل من خزاعة يريش نبلا له ، فوطئ على سهم منها فخدشه ، ثمّ أومأ جبريل إلى ذلك الخدش بيده فانتفض ، ومات على أثر هذا الخدش بعد الهجرة بثلاثة أشهر وهو ابن خمس وتسعين سنة ، ودفن بالحجون ، فأوصى إلى بنيه أن يأخذوا ديته من خزاعة ، فأعطت خزاعة ديته.
انظر : الكامل في التاريخ ١ / ٥٩٢ ـ ٥٩٣ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣١٢ و ٣٤٤ ، البداية والنهاية ٣ / ٨٤ و ٨٥ و ٩٦ و ١٨٥ ، تاريخ الطبري ١ / ٥٢٦ وج ٢ / ٩.
(٢) هو : العاص ـ أو : العاصي ـ بن وائل السهمي ، وهو والد عمرو ، كان أحد الحكّام في الجاهلية ، أدرك الإسلام ، وظلّ على الشرك ، ويعدّ من المستهزئين ، ومن الزنادقة ، وهو القائل لمّا مات القاسم ابن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ محمّدا أبتر لا يعيش له ولد ذكر ؛ فأنزل الله : ( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ).
مات لمّا ركب حمارا له ، فلمّا كان بشعب من شعاب مكّة ربض به حماره ، فلدغ في رجله ، فانتفخت حتّى صارت كعنق البعير ، فقالوا : لدغته الأرض ، فمات منها بعد هجرة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ثاني شهر دخل المدينة ، وهو ابن خمس وثمانين سنة.
انظر : الكامل في التاريخ ١ / ٥٩٣ ـ ٥٩٤ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٤٤ ، البداية والنهاية ٣ / ٨٤ و ٨٥ و ٩٦ و ١٨٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٩.
(٣) هو : الأسود بن المطّلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي ، يكنّى أبا زمعة ، من ـ
وقال مقاتل : نزلت في أبي لهب ، وفي خبر مرفوع : إنّه أبو جهل » (١)
وحينئذ : يكون الاستثناء منقطعا بالضرورة ، كما صرّح به النيشابوري (٢) ، فإنكار الفضل للقول به كما ترى.
وأمّا قوله : « لا يصحّ تخصيص المؤمنين بعليّ وسلمان ؛ فإنّ غيرهم من المؤمنين ليسوا في خسر » ، فمن قلّة التأمّل ..
قال الرازي : « ها هنا احتمالان :
الأوّل : في قوله تعالى : ( لَفِي خُسْرٍ ) (٣) أي : في طريق الخسر ، وهذا كقوله في آكل أموال اليتامى : ( إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ) (٤) لمّا كانت عاقبته النار.
الاحتمال الثاني : إنّ الإنسان لا ينفكّ عن خسر ؛ لأنّ الخسر هو تضييع رأس المال ، ورأس ماله هو عمره ، وهو قلّما ينفكّ عن تضييع عمره ؛ وذلك لأنّ كلّ ساعة تمرّ بالإنسان ، فإن كانت مصروفة إلى المعصية
__________________
ـ المستهزئين برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان وأصحابه يتغامزون بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه ويقولون : « قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر » ويصفّرون به ويصفّقون ، فدعا عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يعمى ويثكل ولده ، فجلس في ظلّ شجرة فجعل جبريل يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها وبشوكها حتى عمي ، ومات والناس يتجهّزون إلى معركة أحد ، وهو يحرّض الكفّار وهو مريض ؛ وقتل ابنه معه ببدر كافرا ، قتله أبو دجانة الأنصاري رضياللهعنه.
انظر : الكامل في التاريخ ١ / ٥٩٥ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٤٤ ، البداية والنهاية ٣ / ٨٥.
(١) تفسير الفخر الرازي ٣٢ / ٨٧ ـ ٨٨.
(٢) تفسير النيسابوري ٦ / ٥٥٩.
(٣) سورة العصر ١٠٣ : ٢.
(٤) سورة المائدة ٤ : ١٠.
فلا شكّ في الخسران ..
وإن كانت مشغولة في المباحات ، فالخسران أيضا حاصل ؛ لأنّه كما ذهب لم يبق منه أثر ، مع أنّه كان متمكّنا من أن يعمل فيه عملا يبقى أثره دائما ..
وإن كانت مشغولة في الطاعات ، فلا طاعة إلّا ويمكن الإتيان بها أو بغيرها على وجه أحسن من ذلك ؛ لأنّ مراتب الخضوع والخشوع غير متناهية ، فإنّ مراتب جلال الله وقهره غير متناهية ، وكلّما كان علم الإنسان بها أكثر كان خوفه منه تعالى أكثر ، فكان تعظيمه عند الإتيان بالطاعات أتمّ وأكمل ، وترك الأعلى والاقتصار بالأدنى نوع خسران » (١).
وحينئذ : فعلى الاحتمالين يكون استثناء عليّ وسلمان دليلا على فضلهما على من سواهما ، وعصمتهما دون غيرهما من الأمّة ، ولا ريب أنّ عليّا عليهالسلام أفضل من سلمان ، فيتعيّن للإمامة.
* * *
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٣٢ / ٨٨ ـ ٨٩.
٥٤ ـ آية : ( وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ )
قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ (١) :
الرابعة والخمسون : قال تعالى : ( وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) (٢).
قال ابن عبّاس : هو عليّ عليهالسلام (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٩٩.
(٢) سورة العصر ١٠٣ : ٣.
(٣) شواهد التنزيل ٢ / ٣٧٠ ـ ٣٧٢ ذ ح ١١٥٣ عن ابن عبّاس وح ١١٥٤ عن أبيّ بن كعب ، تفسير القرطبي ٢٠ / ١٢٣ ، وانظر : كشف الغمّة ١ / ٣٢٠ عن ابن مردويه.
وقال الفضل (١) :
أنت خبير بأنّ الصبر صفة من الصفات ، وليس هو من الأسامي حتّى يراد شخص ، وهذا قريب من السابق.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٨٥.
وأقول :
مراد ابن عبّاس : إنّ من تواصوا بالصبر عليّ عليهالسلام ، لا أنّ نفس الصبر عليّ ، كما هو واضح.
وعبّر سبحانه عن عليّ بصيغة الجمع ، إعظاما له ، وبيانا لكمال صبره ، وأنّ صبره بمنزلة صبر جميع المؤمنين المتواصين به ؛ لشدّة ما يلزم نفسه به ، فلا يقع منه خلاف الصبر الذي هو صبران ؛ صبر على الطاعة ، وصبر عن المعصية ؛ فيكون أفضل الأمّة ، ومعصومها ، وإمامها.
* * *
٥٥ ـ آية : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ )
قال المصنّف ـ طاب مرقده ـ (١) :
الخامسة والخمسون : قوله تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ) (٢).
عليّ وسلمان (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٠٠.
(٢) سورة التوبة ٩ : ١٠٠.
(٣) انظر : شواهد التنزيل ١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ح ٣٤٢ ـ ٣٤٤.
وقال الفضل (١) :
المراد بالسابق : إن كان السابق في الإسلام ، فسلمان ليس كذلك.
وإن كان السابق في الأعمال الصالحات ، فغيره من الصحابة هكذا.
ولا صحّة لهذا النقل ، وهو من تفاسير الشيعة (٢).
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٨٨.
(٢) بل أخرجه الحسكاني كما تقدّم وابن مردويه كما سيأتي.
وأقول :
هذا أيضا ممّا حكاه في « كشف الغمّة » عن ابن مردويه (١).
ثمّ إنّه لا مانع من اختيار الشقّ الأوّل ؛ فإنّ سلمان كان مؤمنا بالله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل البعثة ، متطلّبا لمعرفة مبعث النبيّ قبل رؤياه كما هو مذكور في خبر إسلامه (٢).
وقال ابن حجر في « الإصابة » بترجمة سلمان : « كان قد سمع بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سيبعث ، فخرج في طلب ذلك فأسر ، وبيع بالمدينة ، فاشتغل بالرقّ » (٣).
وقال السيوطي في « لباب النقول » ، عند قوله تعالى من سورة الزمر : ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها ) (٤) : « أخرج ابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم ، أنّ هذه الآية نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهليّة يقولون : « لا إله إلّا الله » ؛ زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبي ذرّ الغفاري ، وسلمان الفارسي » (٥).
__________________
(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢٠.
(٢) انظر : الاستيعاب ٢ / ٦٣٤ ـ ٦٣٨ رقم ١٠١٤ ، حلية الأولياء ١ / ١٨٥ ـ ٢٠٨ رقم ٣٤ ، تاريخ بغداد ١ / ١٦٣ ـ ١٧٣ رقم ١٢ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٥٠٥ ـ ٥٥٧ رقم ٩١ ، الإصابة ٣ / ١٤١ ـ ١٤٢ رقم ٣٣٥٩.
(٣) الإصابة ٣ / ١٤١ رقم ٣٣٥٩.
(٤) سورة الزمر ٣٩ : ١٧.
(٥) لباب النقول : ١٨٤ ـ ١٨٥.
روى الواحدي نحوه ، عن ابن زيد في سبب نزول الآية (١).
.. إلى غير ذلك ممّا هو مستفيض الرواية ، الدالّ على سبق إسلام سلمان ، أو إقراره بالوحدانية (٢).
ولا ينافيه ما يروى أنّ إسلامه عند ما جاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بصدقة فلم يقبلها ، ثمّ أتاه بهديّة فقبلها ، ثمّ رأى خاتم النبوّة فأسلم ؛ لأنّ هذا إنّما هو لتعيين النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بشخصه ، لا لأنّه لم يؤمن به إلّا حينئذ ، فيكون من السابقين الأوّلين.
لكنّ أمير المؤمنين أفضل منه سبقا ، وأشدّ منه يقينا ، وأقدم منه في الصلاة ، كما هو معلوم بالضرورة ، ولما تقدّم من أنّ عليّا عليهالسلام سابق هذه الأمّة وصدّيقها ؛ فيكون أفضلها ، وأولاها بالإمامة (٣).
ولا مانع أيضا من اختيار الشقّ الثاني ؛ فإنّ سلمان من المعصومين السابقين في الأعمال الصالحة ، كما تدلّ عليه الآية الثالثة والخمسون (٤).
ويؤيّده ما رواه القوم عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنّه قال : « إنّ الجنّة اشتاقت إلى ثلاثة : عليّ وعمّار وسلمان » .. رواه الترمذي وحسّنه ، والحاكم وصحّحه (٥).
__________________
(١) أسباب النزول : ٢٠٥.
(٢) انظر الهامش رقم ٢ من الصفحة السابقة.
(٣) راجع مبحثي آية : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) في الصفحة ١٩ وما بعدها ، وآية : ( أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) ، في الصفحة ٩٣ وما بعدها ، من هذا الجزء.
(٤) راجع مبحث سورة العصر ، في الصفحة ٢٤٧ من هذا الجزء.
(٥) سنن الترمذي ٥ / ٦٢٦ ح ٣٧٩٧ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٨ ح ٤٦٦٦.
وانظر كذلك : تفسير القرطبي ١٠ / ١١٩ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٤٨ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٧ و ١١٨ ، كنز العمّال ١١ / ٦٣٩ ح ٣٣١١٢.
ويؤيّده أيضا ما رواه الترمذي وحسّنه ، وابن عبد البرّ في « الاستيعاب » ، وغيرهما ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال ـ كما في لفظ الترمذي ـ : « إنّ الله أمرني بحبّ أربعة ، وأخبرني أنّه يحبّهم.
قيل : يا رسول الله! سمّهم لنا.
قال : عليّ منهم ـ يقول ذلك ثلاثا ـ ، وأبو ذرّ ، والمقداد ، وسلمان » (١)
فإذا كان عليّ وسلمان سابقي الأمّة في صالح الأعمال ومعصوميها ، ولا شكّ أنّ عليّا أعظم من سلمان في الوصفين ، فقد تعيّن للإمامة ، وتعيّنت له (٢).
__________________
(١) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٨ ، الاستيعاب ٢ / ٦٣٦ رقم ١٠١٤ وج ٤ / ١٤٨٢ رقم ٢٥٦١.
وانظر كذلك : مسند أحمد ٥ / ٣٥١ و ٣٥٦ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨٥٧ ح ١١٧٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤١ ح ٤٦٤٩ ، حلية الأولياء ١ / ١٧٢ رقم ٢٨ وص ١٩٠ رقم ٣٤.
(٢) ولا ريب أنّ أمير المؤمنين أحبّ الأربعة إلى الله كما يدلّ عليه الحديث الأخير ، وأفضلهم عملا بمقدار فضله عليهم ؛ فيكون هو الإمام.
وأمّا ما نقله السيوطي في « الدرّ المنثور » [ ٤ / ٢٦٩ ] ، عن ابن مردويه ، عن ابن عبّاس ، ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ ) ، قال : « أبو بكر ، وعمر ، وعليّ ، وسلمان ، وعمّار » .. فمكذوب عندنا ، وغير حجّة علينا [ حتّى ] لو صحّ سنده عندهم ، بل هو كذب عندهم ؛ لأنّه لم يذكر عثمان ، وهو من السابقين الأوّلين عندهم ، كما أنّ عمر لم يكن من السابقين في الإسلام وبالإجماع!
منه قدسسره.
نقول : وحتّى أبو بكر لم يكن من السابقين في الإسلام ، فقد أسلم قبله أكثر من خمسين!! انظر : تاريخ الطبري ١ / ٥٤٠.
٥٦ ـ آية : ( وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ )
قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ (١) :
السادسة والخمسون : قوله تعالى : ( وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ) إلى قوله تعالى : ( وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) (٢) ، عليّ منهم (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٠٠.
(٢) سورة الحجّ ٢٢ : ٣٤ و ٣٥.
(٣) تفسير القرطبي ١٢ / ٤٠ ، تفسير الكلبي ٣ / ٤١ ، شواهد التنزيل ١ / ٣٩٧ ح ٥٥٠ ، وانظر : كشف الغمّة ١ / ٣٢٠ عن ابن مردويه.