وقال الفضل (١) :
أجمع المفسّرون على أنّ الآية نزلت في رجل وامرأة أسلما ، وكان لهما ولد يحبّانه حبّا شديدا ، فمات فافتتنا ، وكادا يرجعان عن الإسلام ، فأنزل الله هذه الآية.
وأمّا ما ذكره من الخبر ، فالظاهر أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يجعل عليّا فتنة للمسلمين.
وهذه من القوادح لا من الفضائل على ما ذكره.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٧٠.
وأقول :
نقل الزمخشري والرازي في نزول الآية أقوالا ، ولم يذكرا ما ذكره الفضل ، فضلا عن أن يكون مجمعا عليه (١).
وأمّا « الفتنة » في الآية ، فالمراد بها : الامتحان ، كما في « الكشّاف » (٢) ، أو الابتلاء ، كما في « تفسير الرازي » (٣) ، والمقصود بهما واحد.
لكن ادّعى الزمخشري أنّ الممتحن به هو شدائد التكليف ، والفقر والقحط ، وأنواع المصائب بالنفس والأموال ، ومصابرة الكفّار على أذاهم وكيدهم (٤).
وخصّ الرازي الابتلاء بالفرائض البدنيّة والماليّة (٥).
وكيف كان! فلم يدّع أحد قدحا في ما به الفتنة ، كما زعم الفضل.
وبالجملة : الرواية دالّة على أنّ المقصود بالآية أنّ عليّا عليهالسلام محنة للمؤمنين ، يميّز به ثابت الإيمان من غيره ، وصادقه من كاذبه.
فمن ثبت على الإيمان بإمامته كان مؤمنا حقّا ، ومن زال عنه كان
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٨ ـ ٢٩ ، الكشّاف ٣ / ١٩٦ ؛ وانظر : تفسير البغوي ٣ / ٣٩٥ ، تفسير القرطبي ١٣ / ٢١٥ ، زاد المسير ٦ / ١٢٦ ، روح المعاني ٢٠ / ٢٠٠.
(٢) الكشّاف ٣ / ١٩٥.
(٣) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٩.
(٤) الكشّاف ٣ / ١٩٥.
(٥) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٩.
مستعار الإيمان كاذبه.
ويشهد لذلك قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه الرواية : « أنت مخاصم فاعتد للخصومة » ..
فإنّ الخصومة الواقعة بينه وبين قومه إنّما هي في إمامته.
ويؤيّد هذا الحديث ، ويرشد إلى إرادة الامتحان في إمامته ، ما نقله السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ، عن عمر ، قال :
« كفّوا عن عليّ! فلقد سمعت من رسول الله فيه خصالا لأن تكون واحدة منهنّ في آل الخطّاب أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس ؛ كنت أنا [ وأبو بكر ] وأبو عبيدة في نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فانتهينا إلى باب أمّ سلمة ، وعليّ قائم على الباب ، فقلنا :
أردنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ فقال : يخرج إليكم ؛ فخرج ، فثرنا (١) إليه ، فاتّكأ على عليّ بن أبي طالب ، ثمّ ضرب بيده على منكبه ، ثمّ قال :
« أنت مخاصم تخصم ، أنت أوّل المؤمنين إيمانا ، وأعلمهم بأيّام الله ، وأوفاهم بعهده ، وأقسمهم بالسويّة ، وأرفقهم بالرعيّة ، وأعظمهم مزيّة ، وأنت عاضدي ، وغاسلي ، ودافني ، والمتقدّم إلى كلّ كريهة وشديدة ، ولن ترجع بعدي كافرا ، وأنت تتقدّمني بلواء الحمد تذود عن حوضي » (٢).
فإنّ هذه الصفات إنّما تكون بأفضل الأمّة وإمامها ، ولكن قال ابن الجوزي : « باطل ، عمله الأبزاري » (٣) ، ويعني به الحسن بن عبيد الله
__________________
(١) ثار إليه ثورا وثؤورا وثورانا : وثب ؛ انظر : لسان العرب ٢ / ١٤٨ مادّة « ثور ».
(٢) اللآلئ المصنوعة ١ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ، وانظر : كنز العمّال ١٣ / ١١٦ ـ ١١٧ ح ٣٦٣٧٨.
(٣) اللآلئ المصنوعة ١ / ٢٩٧ ، الموضوعات ١ / ٣٤٤.
الأبزاري ، المذكور في سند هذا الحديث.
وسمّاه في « ميزان الاعتدال » : الحسين أيضا ، وقال : « قال أحمد بن كامل : كان كذّابا » (١).
والظاهر : إنّ سبب تكذيبه له أنّ له روايات في فضل آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ذكر في « الميزان » بعضها.
والحقّ أنّ هذا الحديث من أصدق الحديث ؛ لأنّ مضامينه بين ضروريّ ومستفيض الرواية به ، مع أنّه روي بطريق آخر .. قال في « اللآلئ المصنوعة » نقلا عن ابن الجوزي : « وقد رواه أبو بكر ابن مردويه ، عن أبي بكر بن كامل ، عن عليّ بن المبارك الربيعي ، عن إبراهيم بن سعيد » (٢) ، ثمّ قال : « ولعلّ ابن المبارك أخذه من الأبزاري » (٣).
فيا عجبا! أيجوز تكذيب الحديث الضروري بالاحتمالات والخيالات ، مع أنّ ابن المبارك لم ينقل في « الميزان » عن أحد فيه قدحا.
نعم ، له عذر ظاهر في إبطال الحديث ، وهو أنّ راويه عمر!
ولكن ، ألم يعلم أنّ هذا من إلزام الله لهم بالحجّة؟!
* * *
__________________
(١) ميزان الاعتدال ٢ / ٢٩٦ رقم ٢٠٢٥.
(٢و ٣) اللآلئ المصنوعة ١ / ٢٩٧ ، وراجع الموضوعات ١ / ٣٤٤.
٤٧ ـ آية : ( وَشَاقُّوا الرَّسُولَ ... )
قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ (١) :
السابعة والأربعون : قوله تعالى : ( وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهدى ) (٢).
قال : في أمر عليّ عليهالسلام (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٩٧.
(٢) سورة محمّد ٤٧ : ٣٢.
(٣) أرجح المطالب : ٥٨ من طريق ابن مردويه ، وانظر : كشف الغمّة ١ / ٣١٧ عن ابن مردويه كذلك.
وقال الفضل (١) :
هذا من رواياته ، وأثر النكر عليه ظاهر ، ولا دلالة له أصلا على ثبوت النصّ المدّعى.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٧١.
وأقول :
رواه ابن مردويه على ما في « كشف الغمّة » (١).
ودعوى الفضل ظهور أثر النكر عليه لا منشأ لها إلّا صراحة الرواية ببطلان مذهبه ؛ إذ لا يفهم من أمر عليّ عليهالسلام إلّا خلافته ، فإنّها أظهر أمر يعود إليه وقعت به المشاقّة في حياة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعده ..
فمرّة نسبوا إليه فيه : الغواية (٢) ..
وأخرى : الهجر (٣) ..
وثالثة : قول الحارث بن النعمان الفهري : اللهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّا فأمطر علينا حجارة من السماء (٤) ..
ورابعة : بيعة السقيفة (٥) ..
__________________
(١) كشف الغمّة ١ / ٣١٧.
(٢) راجع ما مرّ في سورة النجم في الصفحة ١٧٠ من هذا الجزء.
(٣) انظر : البداية والنهاية ٥ / ١٧٣ أحداث سنة ١١ ه ، ومرّ تخريج ذلك في ج ٤ / ٩٣ ه ٢ من هذا الكتاب ؛ فراجع!
(٤) قالها عند ما تمّ تنصيب الإمام عليّ عليهالسلام أميرا للمؤمنين وخليفة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في غدير خمّ ، فنزل قوله تعالى : ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) ، فانظر : تفسير الثعلبي ١٠ / ٣٥ ، شواهد التنزيل ٢ / ٢٨٦ ـ ٢٨٩ ح ١٠٣٠ ـ ١٠٣٤ ، تفسير القرطبي ١٨ / ١٨١ ، تذكرة الخواصّ : ٣٧ ، فرائد السمطين ١ / ٨٢ ح ٦٣ ، نزهة المجالس ٢ / ٢٠٩ ، جواهر العقدين : ٢٤٧ ، فيض القدير ٦ / ٢٨٢ ح ٩٠٠٠ ، السيرة الحلبية ٣ / ٣٣٧.
وانظر تفصيل الواقعة في ج ٤ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨ من هذا الكتاب.
(٥) انظر مثلا : تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٦ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٨٩ ، البداية ـ
وخامسة : قهره على البيعة (١) ..
.. إلى ما لا يحصى من المشاقّة في أمره للرسول في حياته وبعده.
ويؤيّد هذا الحديث ما سبق في الآية السابقة (٢) ، وما رواه الحاكم في « المستدرك » (٣) ، عن عليّ عليهالسلام ـ وصحّحه ـ ، قال : « إنّ ممّا عهد إليّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ الأمّة ستغدر بي بعده ».
.. إلى نحوه من الأخبار (٤).
* * *
__________________
ـ والنهاية ٥ / ١٨٦ حوادث سنة ١١ ه ، وانظر : ج ٤ / ٢٤٤ وما بعدها و ٢٧٧ وما بعدها من هذا الكتاب.
(١) انظر مثلا : تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١١ ؛ وراجع ج ٤ / ٢٧٧ من هذا الكتاب.
(٢) انظر الصفحة ٢٢٠ من هذا الجزء.
(٣) ص ١٤٠ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٥٠ ح ٤٦٧٦ ]. منه قدسسره.
(٤) انظر مثلا : التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٢ / ١٧٤ رقم ٢١٠٣ ، مسند البزّار ٣ / ٩١ ـ ٩٢ ح ٨٦٩ ، الكنى والأسماء ـ للدولابي ـ ١ / ١٠٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥١ ح ٤٦٧٧ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٤٤٠ ، تاريخ بغداد ١١ / ٢١٦ رقم ٥٩٢٨ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٤٧ و ٤٤٨ ، البداية والنهاية ٦ / ١٦٤.
٤٨ ـ آية : ( وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ )
قال المصنّف ـ نوّر الله ضريحه ـ (١) :
الثامنة والأربعون : قوله تعالى : ( وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) (٢).
هو : عليّ عليه الصلاة والسلام (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٩٨.
(٢) سورة هود ١١ : ٣.
(٣) راجع : شواهد التنزيل ١ / ٢٧١ ح ٣٦٧ ، وانظر : كشف الغمّة ١ / ٣١٧ عن ابن مردويه.
وقال الفضل (١) :
إن صحّ نزوله فيه فهو دالّ على فضله المتّفق عليه ، ولا دلالة له على النصّ.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٧٢.
وأقول :
رواه ابن مردويه على ما في « كشف الغمّة » (١).
ومراد الآية الشريفة إمّا بيان أنّ الله تعالى أنعم على الناس بإيتائهم الفضل والمعرفة ، وفضّل بعضهم على بعض ..
وإمّا بيان أنّه يؤتي كلّ ذي فضل جزاء فضله ـ أي جزاءه ـ بحسب ما يترتّب عليه من العمل ، كثرة وقلّة وإخلاصا (٢).
وحينئذ : فمعنى نزولها في عليّ عليهالسلام ، هو الإعلام بأنّه الفاضل ذاتا أو جزاء ، والفاضل في كلّ منهما أحقّ بالإمامة.
أمّا على الأوّل ، فظاهر ..
وأمّا على الثاني ؛ فلأنّ زيادة الجزاء فرع كثرة العمل وقوّة الإخلاص الناشئين من الفضل الذاتي ، كما أشرنا إليه.
* * *
__________________
(١) كشف الغمّة ١ / ٣١٧.
(٢) قيل : إنّ الفضل بمعنى التفضيل والإفضال ، أي : ويعطي كلّ ذي إفضال على غيره بمال أو كلام أو عمل بيد أو رجل جزاء أفضاله ، فيكون حرف الهاء في « فضله » عائدا إلى ذي الفضل ..
وقيل : إنّ معناه يعطي كلّ ذي عمل صالح فضله ، أي : ثوابه ، على قدر عمله ، فإنّ من كثرت طاعاته في الدنيا زادت درجاته في الجنّة ، وعلى هذا فالأولى أن يكون الهاء في « فضله » عائدا إلى اسم الله تعالى.
انظر : مجمع البيان ٥ / ٢١٩.
٤٩ ـ آية : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ )
قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ (١) :
التاسعة والأربعون : قوله تعالى : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ ) (٢).
هو من ردّ قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في عليّ عليهالسلام (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٩٨.
(٢) سورة الزمر ٣٩ : ٣٢.
(٣) انظر : كشف الغمّة ١ / ٣١٧ عن ابن مردويه.
وقال الفضل (١) :
هذا من رواياته ، وإن صحّ لا يدلّ على ثبوت المقصود.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٧٣.
وأقول :
هذا أيضا ممّا حكاه في « كشف الغمّة » عن ابن مردويه (١).
والمراد من ردّ قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في عليّ عليهالسلام : ردّه في إمامته ؛ لأنّها هي التي ردّها من أعظم الظلم ، وفي عرض الكذب على الله عزّ وجلّ ، فإنّ الردّ لسائر فضله ليس كذلك ، على أنّه لو أريد فهو دليل أفضليّته ؛ إذ ليس مثله أحد من الأمّة يكون الردّ لفضائله كذلك.
والأفضل ـ لا سيّما بهذا الفضل المكشوف عنه بمثل ذلك ـ أعظم الأمّة ، وأحقّها بالإمامة.
* * *
__________________
(١) كشف الغمّة ١ / ٣١٧.
٥٠ ـ آية : ( وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )
قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :
الخمسون : قوله تعالى : ( وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (٢).
قال أبو رافع (٣) : وجّه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّا [ في نفر معه ] في طلب أبي سفيان ، فلقيهم أعرابي من خزاعة ، فقال : إنّ القوم قد جمعوا لكم فاخشوهم.
فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل (٤).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٩٨.
(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٧٣.
(٣) هو : أبو رافع القبطي ، مولى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من قبط مصر ، وقد اختلف في اسمه ، فمنهم من قال : إبراهيم ، ومنهم من قال : أسلم ، وهو المشهور ، وقيل : هرمز ، وقيل : ثابت.
كان مولى للعبّاس بن عبد المطّلب ، فوهبه للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ؛ أسلم بمكّة مع إسلام أمّ الفضل ، شهد أحدا والخندق ، زوّجه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مولاته سلمى ، وقد اختلفوا في وفاته ، فقيل : توفّي في زمان عثمان ، وقيل : في خلافة الإمام عليّ عليه السلام ، وهو الصواب ، وقيل : توفّي بالكوفة سنة أربعين للهجرة.
وكان ابنه عبيد الله خازنا وكاتبا لأمير المؤمنين عليّ عليهالسلام.
انظر : الاستيعاب ١ / ٨٣ ـ ٨٤ رقم ٣٤ وج ٤ / ١٦٥٦ رقم ٢٩٤٨ باب الكنى ، أسد الغابة ١ / ٩٣ رقم ١١٨ ، تهذيب الكمال ٢١ / ٢١٨ ـ ٢١٩ رقم ٧٩٤٨ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ١٦ رقم ٣.
(٤) لباب النقول في أسباب النزول : ٦١ ، الدرّ المنثور ٢ / ٣٨٩.
وقال الفضل (١) :
الآية نزلت في بدر الصغرى (٢) ؛ وذلك لأنّ أبا سفيان لمّا انقضى الحرب يوم أحد ، قال : « الموعد بيننا في بدر » ، فلمّا كان في وقت الموسم ، لم يستطع أبو سفيان أن يخرج ؛ لجدب السنة ، فأرسل نعيم بن مسعود (٣) ليثبّط رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من القتال ، فجاء نعيم بن مسعود وخوّف رسول الله وأصحابه ، فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل (٤).
وتتمّة الآية يدلّ على ما ذكرنا ، فإنّه يقول : ( الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ ) (٥) وهو نعيم بن مسعود ، ( إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ) أي :
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٧٥.
(٢) المقصود ببدر الصغرى هنا ؛ هي بدر الموعد ، وسمّيت أيضا ب : بدر الثانية ، وبدر الأخيرة ، وغزوة السويق.
انظر : المغازي ـ للواقدي ـ ١ / ٣٨٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٨٧ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٦٨ ، البداية والنهاية ٤ / ٧٢.
(٣) هو : نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة الغطفاني الأشجعي ، أسلم في وقعة الخندق ، وهو الذي أوقع الخديعة في بني قريظة وغطفان وقريش بإذن من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الخندق ، وكان رسول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى ابن ذي اللّحية ؛ قيل : توفّي في زمان عثمان ، وقيل : يوم الجمل قبل قدوم الإمام عليّ عليهالسلام إلى البصرة.
انظر : معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ٥ / ٢٦٦٧ رقم ٢٨٧١ ، الاستيعاب ٤ / ١٥٠٨ ـ ١٥٠٩ رقم ٢٦٢٩ ، أسد الغابة ٤ / ٥٧٢ رقم ٥٢٧٤ ، الإصابة ٦ / ٤٦١ رقم ٨٧٨٥.
(٤) الكشّاف ١ / ٤٨٠ ، تفسير الفخر الرازي ٩ / ١٠٢ ، روح المعاني ٤ / ١٩٧.
(٥) سورة آل عمران ٣ : ١٧٣.
أبو سفيان وقريش ، فقال المؤمنون : ( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).
هذا رواية أهل السنّة ، وإن صحّ ما رواه فلا يدلّ على المقصود ، كما علمت.
* * *
وأقول :
هذا أيضا ممّا نقله في « كشف الغمّة » عن ابن مردويه (١).
ونقله عنه أيضا السيوطي في « لباب النقول في أسباب النزول » ، قال : أخرج ابن مردويه ، عن أبي رافع ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وجّه عليّا عليهالسلام في نفر معه [ في طلب أبي سفيان ] ، فلقيهم أعرابي من خزاعة ... وذكر تمام الحديث (٢).
وهو كما ترى دالّ على شدّة توكّل أمير المؤمنين عليهالسلام ومن معه على الله تعالى ، وحسن بصائرهم ، وأنّ التخويف لم يزدهم إلّا إيمانا ؛ ولذا مدحهم الله سبحانه في كتابه العزيز.
ومن المعلوم أنّ أفضلهم في ذلك عليّ عليهالسلام ، بل هو المراد فيه ، وأصله ؛ لأنّه رئيسهم ، وقائدهم ، والمنظور إليه فيهم.
وأمّا تتمّة الآية الكريمة ، فلا أعرف كيف تدلّ على ما ذكره الفضل دون إرادة عليّ عليهالسلام ومن معه ، والحديث الذي نقله ليس حجّة علينا حتّى يعارض خبر ابن مردويه.
__________________
(١) كشف الغمّة ١ / ٣١٧.
(٢) لباب النقول : ٦١.
٥١ ـ آية : ( وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ )
قال المصنّف ـ قدسسره ـ (١) :
الحادية والخمسون : قوله تعالى : ( وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ ) (٢).
في قراءة ابن مسعود : بعليّ بن أبي طالب (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٩٩.
(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٢٥.
(٣) ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ١٧٢ ، تفسير الماوردي ٤ / ٣٩١ ، شواهد التنزيل ٢ / ٣ ـ ٥ ح ٦٢٩ ـ ٦٣٢ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٠ ، كفاية الطالب : ٢٣٤ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ح ٧ و ٨.
وقال الفضل (١) :
ليس هذا من القراءات المتواترة ، والشيعة يعدّونها من الشواذّ ، وإن صحّ ، دلّ على فضيلته لا على إمامته بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٧٨.