دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٥

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-358-6
الصفحات: ٤٢٦

عداهم غير صنوان.

وليت شعري! إذا لم يرض الفضل بهذا ، بحجّة عدم ارتباطه بظاهر الآية ، فما باله رضي بتفسير الآية السابقة بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخلفاء ، مع أنّه مثله في مخالفة الظاهر؟!

بل يفترقان بأنّ تفسير الآية السابقة ، تفسير بالرأي من ذوي الأهواء ، وتفسير هذه الآية من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أعلم بمعناها!

نعم ، هذا مختصّ بفضل أمير المؤمنين ، فاستحقّ جحد الفضل ؛ وذاك يعمّ غيره ، فاستوجب القبول!

وأمّا ربط هذا الدليل بالمدّعى ، فغير خفيّ على عارف ؛ لأنّه إذا دلّ على مشاركة عليّ عليه‌السلام للنبيّ في الفضل ، والامتياز على الناس ، فقد صار الأفضل ، وأحقّ الناس بخلافته ومنصبه ، وأولاهم بالإمامة بعده ، كما هو المدّعى.

* * *

٢٠١

٤٢ ـ آية : ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا )

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ (١) :

الثانية والأربعون : قوله تعالى : ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ) (٢).

نزلت في عليّ عليه‌السلام (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٩٦.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٢٣.

(٣) انظر : شواهد التنزيل ٢ / ١ ـ ٢ ح ٦٢٧ و ٦٢٨ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٢٧٩ ح ٢٧٠ ، كفاية الطالب : ٢٤٩ ، الفصول المهمّة : ١٣١ ، سمط النجوم العوالي ٣ / ١٩ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٨٥ ح ١٠ ، نور الأبصار : ١١٩.

٢٠٢

وقال الفضل (١) :

هذه الآية نزلت في قتلى أحد حين قتلوا ، ووقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مصعب بن عمير ـ وهو ممّن قتل بأحد ـ فقرأ عليه هذه الآية (٢).

وإن صحّ نزوله في عليّ ، فهو من فضائله ، ولا يدلّ على النصّ المقصود.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٦٤.

(٢) انظر : الكشّاف ٣ / ٢٥٦ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١٠٥ ، الدرّ المنثور ٦ / ٥٨٧ ، فتح القدير ٤ / ٢٧٢ ، روح المعاني ٢١ / ٢٥٧.

٢٠٣

وأقول :

قال ابن حجر في « الصواعق » ، في الفصل الأخير من الباب التاسع : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ وهو على المنبر بالكوفة ـ عن قوله تعالى : ( رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (١).

قال : « اللهمّ غفرا! هذه الآية نزلت فيّ ، وفي عمّي حمزة ، وفي ابن عمّي عبيدة بن الحارث (٢) ، فأمّا عبيدة فقضى نحبه شهيدا يوم بدر ، وحمزة قضى نحبه شهيدا يوم أحد ، وأمّا أنا فأنتظر أشقاها ، يخضّب هذه من هذا ؛ وأشار بيده إلى لحيته ورأسه » (٣).

ونحوه في « ينابيع المودّة » ، عن أبي نعيم ، عن ابن عبّاس وإمامنا

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٢٣.

(٢) هو : عبيدة بن الحارث بن [ عبد ] المطّلب بن عبد مناف ، ابن عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان من السابقين الأوّلين في الإسلام ، وهو أسنّ من الرسول بعشرة سنوات ، وهو أوّل من عقد له الرسول لواء في الإسلام.

هاجر إلى المدينة ، وكان ذا قدر ومنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو أحد الثلاثة المبارزين يوم بدر ، هو والإمام عليّ عليه السلام وسيّد الشهداء حمزة رضوان الله عليه ، حين دعاهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لمبارزة ثلاثة من المشركين ، فبارز حمزة شيبة بن ربيعة ابن عبد شمس ، وبارز عليّ عليه السلام الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وبارز عبيدة عتبة بن ربيعة وقطعت رجله فيها ، وتوفّي بالصفراء في ناحية المدينة قرب بدر وهو ابن ثلاث وستّين.

انظر : الاستيعاب ٣ / ١٠٢٠ رقم ١٧٤٨ ، أسد الغابة ٣ / ٤٤٩ رقم ٣٥٢٨ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٢٥٦ رقم ٤٥ ، البداية والنهاية ٣ / ١٨٤.

(٣) الصواعق المحرقة : ٢٠٧.

٢٠٤

الصادق عليه‌السلام ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

وهو دالّ على إمامته ؛ لأنّ مقتضى مفهوم وصف الرجال بأنّهم صدقوا ، أنّ غيرهم لم يعاهد الله سبحانه أو لم يصدق العهد ؛ فهم خواصّ المؤمنين وخيرتهم ؛ لانفرادهم بهذه الفضيلة الكاشفة عن زيادة المعرفة والتفاني في ذات الله تعالى.

ولا شكّ أنّ عليّا عليه‌السلام خاصّة الخاصّة ، فيكون أحقّ الناس بالإمامة ؛ لأفضليّته ، ولا سيّما أنّ صدق العهد في وقته بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مختصّ به ، فلا يصلح للإمامة سواه.

وأمّا ما زعمه من نزول الآية في قتلى أحد ، فيبطله أنّه سبحانه قسّم صادقي العهد إلى من قضى نحبه ومن ينتظر ، فلا يختصّ بالقتلى.

اللهمّ إلّا أنّ يريد نزولها في بعض قتلى أحد وبعض الأحياء ، فهو مسلّم ، وهو الذي نقوله ، وبيّنته الرواية السابقة ، وقال به صاحب « الكشّاف » ، لكنّه عدّ جماعة زعم أنّهم من صادقي العهد ، حمله على ذكرهم حسن الظنّ بهم (٢) ؛ ونحن لا نعترف لهم بذلك.

* * *

__________________

(١) ينابيع المودّة ١ / ٢٨٥ ح ١٠ وانظر : ج ٢ / ٤٢١ ح ١٦٢.

(٢) الكشّاف ٣ / ٢٥٦.

٢٠٥

٤٣ ـ آية : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ )

قال المصنّف ـ قدس‌سره ـ (١) :

الثالثة والأربعون : قوله تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) (٢).

وهو عليّ عليه‌السلام (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٩٦.

(٢) سورة فاطر ٣٥ : ٣٢.

(٣) كشف الغمّة ١ / ٣١٦ ـ ٣١٧ عن ابن مردويه ، وانظر مؤدّاه في : شواهد التنزيل ٢ / ١٠٤ ح ٧٨٢ و ٧٨٣.

٢٠٦

وقال الفضل (١) :

عليّ من جملة ورثة الكتاب ؛ لأنّه عالم بحقائق الكتاب ، فهذا يدلّ على علمه ووفور توغّله في معرفة الكتاب ، ولا يدلّ على النصّ.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٦٧.

٢٠٧

وأقول :

سبق في الآية السابعة والعشرين ، أنّ المراد ب‍ ( مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (١) هو : عليّ عليه‌السلام (٢) ؛ فيتعيّن أن يكون هو المراد بمن أورثه الله الكتاب ، واصطفاه ، فإنّ الكتاب فيهما واحد ، وهو : القرآن ، كما هو المنصرف.

ويدلّ عليه الآية التي قبل الآية التي نحن فيها ، وهي قوله تعالى : ( وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ ) (٣) ؛ فإنّ إعادة المعرّف ب‍ ( اللام ) تفيد الوحدة.

ويشهد أيضا لإرادة عليّ بمن أورثه الكتاب واصطفاه ، الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ عليّا مع القرآن والقرآن معه (٤) ، فإنّ المعيّة تستدعي أن يكون علم القرآن عنده ، وإنّه وارثه.

فإذا أفادت الرواية التي أشار إليها المصنّف رحمه‌الله ، وحكاها السيّد السعيد رحمه‌الله عن ابن مردويه ، أنّ المراد بمن أورثه الكتاب هو عليّ عليه‌السلام (٥) ،

__________________

(١) سورة الرعد ١٣ : ٤٣.

(٢) انظر الصفحة ١١٧ وما بعدها من هذا الجزء.

(٣) سورة فاطر ٣٥ : ٣١.

(٤) المعجم الأوسط ٥ / ٢٤٢ ح ٤٨٨٠ ، المعجم الصغير ١ / ٢٥٥ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٤ ح ٤٦٢٨ وصحّحه ووافقه الذهبي في « التلخيص » ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٧٦ ـ ١٧٧ ح ٢١٤ ، فرائد السمطين ١ / ١٧٧ ح ١٤٠ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٤ ، الجامع الصغير ـ للسيوطي ـ : ٣٤٦ ح ٥٥٩٤ ، الصواعق المحرقة : ١٩١ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٣ ح ٣٢٩١٢.

(٥) إحقاق الحقّ ٣ / ٣٦٧.

٢٠٨

كانت مؤكّدة لغيرها.

وحينئذ ، فلا معنى لقول الفضل : « عليّ من جملة ورثة الكتاب » ، ولا سيّما أنّه قد أراد أن يشرك معه من لا يعرف الأبّ والكلالة ومن كانت المخدّرات أفقه منه (١).

هذا كلّه مضافا إلى أنّ اصطفاء الشخص لميراث الكتاب يدلّ على أنّه حافظ له ، غير مضيّع لما فيه عمدا وسهوا ، فيكون معصوما ، وغير عليّ من الصحابة غير معصوم بالإجماع ، فيتعيّن أن يكون هو المراد بالآية وحده ، أو معه أبناؤه المعصومون بشهادة حديث الثقلين ، وإنّما تركت الرواية ذكرهم ؛ لأنّهم غير موجودين في وقته ، أو لأنّ ذكره أهمّ ، وهو الأصل وهم فرعه ، فإذا ثبت ثبتوا جميعا.

فإن قلت : لا يمكن أن يراد وحده أو مع الأئمّة خاصّة ؛ لأنّهم معصومون عندكم ، والآية قسّمت من أورثه الله الكتاب واصطفاه إلى الظالم لنفسه ، والمقتصد ، والسابق بالخيرات ، فيتعيّن أن يراد بالآية مطلق المؤمنين.

قلت : التقسيم راجع إلى العباد ، والضمير في قوله تعالى : ( فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ ) (٢) عائد إلى قوله تعالى : ( عِبادِنا ) ، لا لمن أورثه الكتاب واصطفاه منهم ؛ إذ لا يصحّ تقسيم من اصطفاه إلى الظالم وغيره ، ولا شمول من أورثه الكتاب لكلّ مؤمن عالم وجاهل ، فهي نظير قوله تعالى في سورة الحديد : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ

__________________

(١) انظر الصفحة ١١٤ ه‍ ١ و ٢ من هذا الجزء.

(٢) سورة فاطر ٣٥ : ٣٢.

٢٠٩

وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) (١).

وأمّا قول آدم عليه‌السلام : ( رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ) (٢) ، مع أنّه من المصطفين ، فمتأوّل بإرادة فعل المكروه ؛ للأدلّة العقليّة والنقليّة بخلاف ذلك (٣).

نعم ، يمكن أن يكون التقسيم راجعا إلى من أورثه الكتاب واصطفاه ، على أن تكون الوراثة والاصطفاء بلحاظ اشتماله على البعض الوارث المصطفى ، فيصحّ تقسيم الجنس إلى هذه الأقسام الثلاثة ، لكنّ المراد بالبعض الوارث المصطفى هو : عليّ وحده في وقته ، أو مع أبنائه بلحاظ جميع الأوقات ؛ للأدلّة السابقة ونحوها ، كما وردت بذلك الرواية عندنا (٤) ؛ وحينئذ ، فتدلّ الآية على إمامته ؛ لدلالتها على العصمة ، التي هي شرط الإمامة ، ولا معصوم غيره من الصحابة بالضرورة والإجماع ..

ولأنّ وراثة الكتاب بالاصطفاء شأن خلفاء الأنبياء ؛ فيكون هو الخليفة والإمام.

__________________

(١) سورة الحديد ٥٧ : ٢٦.

(٢) سورة الأعراف ٧ : ٢٣.

(٣) انظر : تنزيه الأنبياء ـ للشريف المرتضى ـ : ٢٧ ، أوائل المقالات : ٦٢ القول في عصمة الأنبياء.

(٤) انظر : أصول الكافي ١ / ٢٤٠ ـ ٢٤١ ح ٥٥٨ ـ ٥٦١.

٢١٠

٤٤ ـ آية : ( أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :

الرابعة والأربعون : قوله تعالى : ( أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) (٢).

هو : عليّ عليه‌السلام (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٩٦.

(٢) سورة يوسف ١٢ : ١٠٨.

(٣) انظر : شواهد التنزيل ١ / ٢٨٦ ح ٣٩١ و ٣٩٢ ، كشف الغمّة ١ / ٣١٦.

٢١١

وقال الفضل (١) :

إن أراد أنّه ما اتّبع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير عليّ ، فهو باطل كما لا يخفى.

وإن أراد أنّه من جملة التابعين ، فهو ظاهر لا يحتاج إلى دليل ، ولا نسبة له بالمدّعى.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٦٨.

٢١٢

وأقول :

أراد الأوّل ؛ على معنى أنّه لم يتّبع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاتّباع الصحيح ، الكامل تسليما وعملا ، إلّا عليّ عليه‌السلام.

ولذا كان خلفاؤهم يخالفون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرأي والعمل ، كما في التخلّف عن جيش أسامة (١) ، والفرار في مقام الخوف عليه وعلى الدين (٢).

وفي منع كتابه الهادي ، الذي سبّب منعه ضلال الأمّة إلى يوم الدين ، وقول عمر : « حسبنا كتاب الله » (٣) ، مفيّلا (٤) لرأي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

.. إلى غير ذلك ممّا لا يحصى ، وسيرد عليك بعضه (٥) إن شاء الله

__________________

(١) مرّ تخريج ذلك في ج ٤ / ٣١٩ ه‍ ٦ ؛ فراجع! وانظر علاوة على ذلك : البداية والنهاية ٦ / ٢٢٧ و ٢٢٨ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٩١ ـ ١٩٢ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٥٩ ـ ١٦٠ وج ١٧ / ١٧٥ ، السيرة الحلبية ٣ / ٢٢٧ ـ ٢٣١.

(٢) انظر الصفحة ٥٧ ه‍ ١ من هذا الجزء.

(٣) انظر مثلا : البداية والنهاية ٥ / ١٧٣ أحداث سنة ١١ ه‍ ، ومرّ تخريجه بتفصيل أكثر في ج ٤ / ٩٣ ه‍ ٢ من هذا الكتاب ؛ فراجع!

(٤) فيّل رأيه : قبّحه وخطّأه ؛ انظر : لسان العرب ١٠ / ٣٧٠ مادّة « فيل ».

(٥) يضاف إلى ما ذكر من مخالفات خلفائهم للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرأي وبالعمل ، على سبيل المثال ما يلي :

١ ـ جذب عمر بن الخطّاب ثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ما قام ليصلّي على عبد الله بن أبيّ بن سلول ، وقال له : أتصلّي عليه وقد نهاك الله أن تصلّي عليه؟!

انظر : صحيح البخاري ٦ / ١٢٩ ـ ١٣١ ح ١٩٠ ـ ١٩٢ ، صحيح مسلم ٧ / ١١٦ كتاب الفضائل وج ٨ / ١٢٠ كتاب صفات المنافقين ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٨٧ ـ ٤٨٨ ح ١٥٢٣ ، تفسير الطبري ٦ / ٤٣٩ ـ ٤٤٠ ح ١٧٠٦٥ و ١٧٠٦٦ و ١٧٠٧٠ ، تفسير ـ

٢١٣

تعالى.

وكيف يكون هؤلاء وأشباههم أهل بصيرة حتّى يرادوا بقوله تعالى : ( أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) (١) ، وهم لم يزالوا مخالفين له في آرائهم وأعمالهم؟!

ويدلّ على اختصاص أمير المؤمنين بهذه الآية ، ما سبق من نزول الآية الحادية والعشرين فيه (٢) ، وهي قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ

__________________

ـ الفخر الرازي ١٦ / ١٥٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٦١ حوادث سنة ٩ ه‍ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٢ / ٥٥ ، الدرّ المنثور ٤ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

٢ ـ حادثة عذق البسر ، وتجرّؤ عمر على ضرب العذق بالأرض وتناثر البسر نحو وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

انظر : حلية الأولياء ٢ / ٢٧ ـ ٢٨ رقم ١٢٦.

٣ ـ عدم تنفيذ أبي بكر وعمر لما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قتل الرجل الذي كان يصلّي في المسجد ، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « لو قتل ما اختلف في أمّتي رجلان ... ».

انظر : مسند أبي يعلى ١ / ٩٠ ـ ٩١ ح ٩٠ ، حلية الأولياء ٣ / ٢٢٧

٤ ـ شكّ عمر بصحّة قسمة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وقال : يا رسول الله! لغير هؤلاء أحقّ منهم أهل الصفّة.

انظر : مسند أحمد ١ / ٢٠.

٥ ـ شكّ عمر يوم الحديبية.

انظر : صحيح البخاري ٤ / ٤٠ ـ ٤١ ضمن ح ١٨ ، صحيح مسلم ٥ / ١٧٥ ـ ١٧٦ كتاب الجهاد ـ باب صلح الحديبية ، مسند أحمد ٤ / ٣٣٠ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٢٢ حوادث سنة ٦ ه‍ ، السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٤ / ٢٨٤ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ٧٨ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٢ / ٥٩ ، البداية والنهاية ٤ / ١٣٦ حوادث سنة ٦ ه‍ ، السيرة النبويّة ـ لابن كثير ـ ٣ / ٣٢٠ ، السيرة الحلبية ٢ / ٧٠٦.

(١) سورة يوسف ١٢ : ١٠٨.

(٢) راجع الصفحة ٧٤ وما بعدها من هذا الجزء.

٢١٤

اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (١).

وأنت تعلم أنّ الدعوة على بصيرة ، وكمال الاتّباع للنبيّ في أقواله وأفعاله ، موجبان لانتشار الدعوة إلى الدين كما يريده الله تعالى ، فيكون كامل الاتّباع ، الداعي على بصيرة ، أحقّ بمنصب النبيّ ، وأولى بخلافته.

ولا سيّما أنّ الاتّباع المطلق يقتضي ثبوت العصمة والاتّصاف بالأوصاف الحميدة ؛ كالعلم ، والحلم ، ونحوهما ممّا يراد في الإمام.

فيكون أمير المؤمنين هو الإمام.

* * *

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٦٤.

٢١٥

٤٥ ـ آية : ( أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... )

قال المصنّف ـ طاب مرقده ـ (١) :

الخامسة والأربعون : قوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ )(٢).

هو عليّ عليه‌السلام (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٩٧.

(٢) سورة الرعد ١٣ : ١٩.

(٣) انظر : كشف الغمّة ١ / ٣١٦ نقلا عن كتاب « المناقب » لابن مردويه.

٢١٦

وقال الفضل (١) :

هذا من تفاسير الشيعة ، لا من تفاسير أهل السنّة ، وإن صحّ يدلّ على علمه بحقيقة الكتاب ، لا على التنصيص بإمامته ، وهو المدّعى.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٦٩.

٢١٧

وأقول :

لم يحضرني من كتب القوم إلّا اليسير ، ولا ريب أنّ ما ذكره المصنّف رحمه‌الله موجود في بعضها ، ولا قيمة لإنكار الفضل ؛ لما عرّفناك من وجود ما أنكره سابقا (١) ، على قلّة اطّلاعي على كتبهم.

ويؤيّد إرادة أمير المؤمنين عليه‌السلام في الآية نزول أشباهها ، أو لازم معناها فيه ، كالآيات السابقة الدالّة على أنّه المصدّق بالصدق (٢) ، ومن عنده علم الكتاب (٣) ، ووارث الكتاب (٤) ، ومن اصطفاه الله (٥) .. إلى نحوها من الآيات.

فإذا كان هو المراد بالآية ، فلا بدّ أن يراد بعلمه ـ بأنّ ما أنزل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقّ ـ هو العلم الذي لا تختلجه الشكوك ولا تخالطه الأوهام ؛ لأنّه هو الذي يصحّ أن يمتاز به ، ويصلح أن يمدح عليه.

ولا شكّ أنّ أشدّ الناس يقينا بحقّية شريعة النبيّ ، أولاهم بإمرتها وحفظها ، كما أنّ من ليس بمنزلته في اليقين أدنى منه عقلا وفضلا ؛ ولذا عدّه تعالى أعمى ، فقال سبحانه في هذه الآية : ( أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ

__________________

(١) راجع مثلا الصفحات ١١٣ و ١١٧ و ١٣١ و ١٥٠ و ١٨١ و ١٩٠ من هذا الجزء ، وغيرها.

(٢) انظر مبحث الآية ١٩ ، في الصفحات ٦٢ ـ ٦٨ من هذا الجزء.

(٣) انظر مبحث الآية ٢٧ ، في الصفحات ١١٥ ـ ١١٩ من هذا الجزء.

(٤) انظر مبحث الآية ٤٣ ، في الصفحات ٢٠٦ ـ ٢١٠ من هذا الجزء.

(٥) انظر مبحث الآية ٨ ، في ج ٤ / ٤١٧ ـ ٤٢٢ من هذا الكتاب.

٢١٨

إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (١).

وقد سبق أنّ الإمامة لا تصلح للمفضول مع وجود الفاضل ، بل لا يصحّ أن يكون الأعمى إماما بوجه (٢).

والمراد بالأعمى : الأعمّ من عديم اليقين وناقصه ؛ فإنّ الناقص أعمى في الجملة.

* * *

__________________

(١) سورة الرعد ١٣ : ١٩.

(٢) راجع المبحث الثاني من مباحث الإمامة ، في ج ٤ / ٢٣٣ وما بعدها من هذا الكتاب.

٢١٩

٤٦ ـ آية : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا )

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :

السادسة والأربعون : قوله تعالى : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) (٢).

قال عليّ : يا رسول الله! ما هذه الفتنة؟

قال : يا عليّ بك ، وأنت مخاصم ، فاعتد (٣) للخصومة (٤).

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٩٧.

(٢) سورة العنكبوت ٢٩ : ١ و ٢.

(٣) أي : استعدّ وأعدّ للخصومة عدّتها ؛ انظر : لسان العرب ٩ / ٧٩ مادّة « عدد ».

(٤) انظر : كشف الغمّة ١ / ٣١٦ ـ ٣١٧ عن ابن مردويه في « المناقب » ، شواهد التنزيل ١ / ٤٣٨ ـ ٤٣٩ ح ٦٠٢ و ٦٠٣.

٢٢٠