دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٥

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-358-6
الصفحات: ٤٢٦

وأقول :

لم يذكر البخاري ولا غيره ممّن اطّلعت على ذكره لهذه الغزوة كالطبري ، وابن الأثير ، أنّ الفتح على يد عمرو (١) ، فلا يبعد أنّه من وضع الفضل.

وأمّا نفيه لوجود ما حكاه المصنّف رحمه‌الله في صحاحهم ، فلا يدلّ على عدم صحّته ؛ إذ ليس كلّ ما لم يكن فيها غير صحيح عندهم.

وأمّا قوله : « والمفهوم من هذا الخبر ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يريد ... » إلى آخره ..

فمنشأه اعوجاج فهمه ، أو تغيير الكلم عن مواضعه ؛ فإنّ صريح الخبر أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشفق من قولهم بإلهيّة عليّ عليه‌السلام ، التي لا يقولها إلّا مبطل ، كإلهيّة المسيح ..

وهو حقّ ؛ فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو ذكر فضله الواقعي ، وأنّ الله أقدره على خوارق العادات ، حيث إنّه أظهر مصاديق قوله تعالى في الحديث القدسي : « عبدي أطعني تكن مثلي ، تقول للشيء : كن ، فيكون » (٢) ، أو بيّن فضائله الفاضلة ، التي يفوق بها الأنبياء السابقين ، ويمتاز بها عن الأمّة أجمعين ، لخاف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طوائف من أمّته أن يقولوا بربوبيّته ، كما وقع لكثير منهم لمّا رأوا منه بعض خوارق العادة.

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٣٢٩ ح ٣٥٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٤٦ ـ ١٤٧ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١١٠.

(٢) انظر : الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسية : ٣٦١.

١٨١

وقد ورد مضمون هذا الخبر في جملة من أخبار القوم فضلا عن أخبارنا (١) ، فقد حكاه في « ينابيع المودّة » عن أحمد في مسنده من طريقين (٢) ، وكذا عن موفّق بن أحمد (٣).

وقال الشافعي في ما نسب إليه [ من الوافر ] :

لو أنّ المرتضى أبدى محلّه

لصار الخلق طرّا سجّدا له

كفى في فضل مولانا عليّ

وقوع الشكّ فيه أنّه الله (٤)

* * *

__________________

(١) انظر : الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ١٦٥ ، إعلام الورى ١ / ٣٦٦.

(٢) ينابيع المودّة ١ / ٣٩٣ ح ٥ ، وانظر : المعجم الكبير ١ / ٣٢٠ ح ٩٥١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣١ ، كفاية الطالب : ٢٦٤ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢١٦ ح ٢٨٥.

(٣) ينابيع المودّة ١ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ ضمن ح ٢ وص ٣٩١ ح ٤ ـ ٦ ، وانظر : مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٢٩ ح ١٤٣ وص ٣١١ ح ٣١٠.

(٤) انظر : كتاب الأربعين ـ لمحمّد طاهر الشيرازي ـ : ٣٨٠.

١٨٢

٣٨ ـ آية : ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً )

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :

الثامنة والثلاثون : قوله تعالى : ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (٢).

المؤمن : عليّ عليه‌السلام ، الفاسق : الوليد (٣) ؛ نقله الجمهور (٤).

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٩٤.

(٢) سورة السجدة : ٣٢ : ١٨.

(٣) هو : الوليد بن عقبة بن أبي معيط الأموي ، أخو عثمان بن عفّان لأمّه ، قتل أبوه بأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد معركة بدر ، فقد كان شديد الأذى للرسول والمسلمين ؛ ولّاه عمر بن الخطّاب صدقات بني تغلب ، وكان واليا لعثمان على الكوفة سنة ٢٨ ه‍ ، وعرف بإدمانه على الخمر ، وقد أمّ الناس وهو سكران ، وأقيم عليه الحدّ ، واشتهر بفسقه حتّى أنزل الله فيه هذه الآية ؛ لم يعرف متى ولد ، وقيل : توفّي في زمن معاوية.

انظر : الاستيعاب ٤ / ١٥٥٢ رقم ٢٧٢١ ، تهذيب الكمال ١٩ / ٤٣٥ رقم ٧٣١٧ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٤١٢ رقم ٦٧ ، الإصابة ٦ / ٦١٤ رقم ٩١٥٣ ، تهذيب التهذيب ٩ / ١٥٩ ـ ١٦٠ رقم ٧٧٢٣.

(٤) انظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٧٥٦ ح ١٠٤٣ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٨٠ ـ ٣٨١ ، تفسير الطبري ١٠ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ح ٢٨٢٦٢ ، الأغاني ٥ / ١٥٣ ، الكامل في الضعفاء ٦ / ١١٨ رقم ١٦٢٦ ، تفسير الثعلبي ٧ / ٣٣٣ ، تاريخ بغداد ١٣ / ٣٢١ رقم ٧٢٩١ ، أسباب النزول ـ للواحدي ـ : ١٩٥ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٦٨ ح ٣٧٠ و ٣٧١ ، شواهد التنزيل ١ / ٤٤٥ ـ ٤٥٣ ح ٦١٠ ـ ٦٢٣ ، تفسير البغوي ٣ / ٤٣٣ ، الكشّاف ٣ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ٣ / ٥٣٥ ، تاريخ دمشق ٦٣ / ٢٣٥ ، زاد المسير ٦ / ١٨٢ ، مطالب السؤول : ـ

١٨٣

وقال الفضل (١) :

جاء هذا في تفاسير أهل السنّة ، والآية نازلة في عليّ ، وهو من فضائله التي لا تحصر.

__________________

ـ ٩٣ ـ ٩٤ ، كفاية الطالب : ١٤٠ ـ ١٤١ ، تفسير القرطبي ١٤ / ٧٠ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٤٥ ، تفسير البحر المحيط ٧ / ٢٠٣ ، الدرّ المنثور ٦ / ٥٥٣ ، فتح القدير ٤ / ٢٥٥.

وقد نظم حسان بن ثابت الواقعة في الأبيات التالية ، فانظرها في « كفاية الطالب » :

أنزل الله والكتاب عزيز

في عليّ وفي الوليد قرآنا

فتبوّأ الوليد من ذاك فسقا

وعليّ مبوّأ إيمانا

ليس من كان مؤمنا عرف الله

كمن كان فاسقا خوّانا

فعليّ يجزى هناك نعيما

ووليد يجزى هناك هوانا

سوف يجزى الوليد خزيا ونارا

وعليّ لا شكّ يجزى جنانا

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٥٢.

١٨٤

وأقول :

المراد بالفاسق في الآية : الكافر ، ولو في وقت سابق ، بقرينة المقابلة مع المؤمن.

وإنّما قلنا : ولو في وقت سابق ؛ لأنّ الوليد كان حين نزول الآية مسلما ، فإذا دلّت الآية على عدم استواء الكافر ولو في وقت ما مع المؤمن في جميع أوقاته ، على وجه تفيد قاعدة كلّيّة ، كما هو ظاهرها ، وإن نزلت في مورد خاصّ ، فقد دلّت على عدم استواء الخلفاء الثلاثة مع أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ لثبوت الكفر في وقت ، فيتعيّن للإمامة.

فإن قلت : لعلّ المراد بالفاسق ، هو المسلم الذي لم يدخل الإيمان في قلبه ، بقرينة المقابلة مع المؤمن ، وهو الذي دخل الإيمان في قلبه ، قال تعالى : ( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (١) ، وحينئذ فلا يقتضي عدم خلافة الثلاثة ؛ لأنّهم ليسوا كالوليد.

قلت : لو سلّم جميع ذلك ، أو قلنا : إنّ الوليد من المنافقين ، يظهر الإيمان ويبطن الكفر ، كما تدلّ على كفره الآيات اللاحقة لهذه الآية ، حيث أثبتت له التكذيب بعذاب النار ، كما ستسمعها ، فقد لزم عدم صحّة خلافة عثمان ؛ لأنّه قد ولّى هذا الفاسق على المسلمين ، وكان يعظّمه كثيرا ـ بعد ما خالف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ردّه ـ ، حتّى كان لا يجلس معه على سريره غيره

__________________

(١) سورة الحجرات ٤٩ : ١٤.

١٨٥

وغير العبّاس وأبي سفيان والحكم (١) ، كما رواه القوم (٢) ، وستعرفه إنّ شاء الله تعالى.

اللهمّ إلّا أن يدّعى علمه بإيمان الوليد بعد فسقه ، وهو باطل ؛ فإنّ الله سبحانه لا يفضح على طول الدهر من يعلم بحسن عاقبته.

بل الآيات صريحة بأنّ الوليد مستمرّ على تكذيبه ، وأنّه من أهل النار ..

قال السيوطي في « الدرّ المنثور » أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير عن عطاء بن يسار قال : « نزلت بالمدينة في عليّ ، والوليد بن عقبة ، كان بين الوليد وبين عليّ كلام ..

فقال الوليد : أنا أبسط منك لسانا ، وأحدّ منك سنانا ، وأردّ منك للكتيبة.

فقال عليّ : أسكت! فإنّك فاسق ؛ فأنزل تعالى : ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (٣) (٤) .. الآيات كلّها ويعني بالآيات قوله تعالى :

__________________

(١) هو : الحكم بن أبي العاص بن أميّة الأموي ، عمّ عثمان بن عفّان ، أسلم بعد الفتح ، وقد طرده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الطائف ؛ لأنّه كان يفشي أسرار الرسول ، ويحاكيه في حركاته ، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ويل لأمّتي ممّا في صلب هذا » ؛ أعاده عثمان إلى المدينة وآواه ووصله بمئة ألف ، إلى أن توفّي بها على عهده.

انظر : الاستيعاب ١ / ٣٥٩ رقم ٥٢٩ ، الجرح والتعديل ٣ / ١٢٠ رقم ٥٥٥ ، الإصابة ٢ / ١٠٤ ١٧٨٣ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ١٠٧ رقم ١٤

(٢) انظر : الأغاني ٥ / ١٣٥ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٧ / ٢٢٧.

(٣) سورة السجدة ٣٢ : ١٨.

(٤) الدرّ المنثور ٦ / ٥٥٣ ، وانظر : تفسير الطبري ١٠ / ٢٤٥ ح ٢٨٢٦٢.

١٨٦

( أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) (١).

وإذا بطلت إمامة عثمان ، بطلت إمامة صاحبيه ؛ لأنّها من باب واحد ، واختصّت بعليّ عليه‌السلام ، لا سيّما وقد بشّر بجنّة المأوى.

وقد سبق في الآية الثانية والثلاثين أنّ بشارة شخص بالجنّة وإعلامه بأنّه من أهلها يستدعي تفضيله وإمامته (٢).

* * *

__________________

(١) سورة السجدة ٣٢ : ١٩ و ٢٠.

(٢) راجع الصفحة ١٤٣ ـ ١٤٤ من هذا الجزء.

١٨٧

٣٩ ـ آية : ( وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ )

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :

التاسعة والثلاثون : قوله تعالى : ( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ) (٢).

روى الجمهور ، أنّ ( فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ) : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والشاهد : عليّ عليه‌السلام (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٩٥.

(٢) سورة هود ١١ : ١٧.

(٣) تفسير الحبري : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ح ٣٦ ـ ٣٧ ، تفسير الطبري ٧ / ١٧ ح ١٨٠٦١ و ١٨٠٦٢ ، تفسير الثعلبي ٥ / ١٦٢ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ١ / ٨٨ ح ٣٤٦ ، ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ١٠٦ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٣٦ ح ٣١٨ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٧٥ ـ ٢٨٢ ح ٣٧٢ ـ ٣٨٧ ، تفسير البغوي ٢ / ٣١٨ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٢٧٨ ح ٢٦٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٠ ، زاد المسير ٤ / ٦٦ ، تفسير الفخر الرازي ١٧ / ٢٠٩ ، تذكرة الخواصّ : ٢٥ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ١٣٧ ، كفاية الطالب : ٢٣٥ ، تفسير القرطبي ٩ / ١٣ ، الدرّ المنثور ٤ / ٤٠٩ ـ ٤١٠.

١٨٨

وقال الفضل (١) :

ليس هذا من تفاسير أهل السنّة (٢) ، وإن صحّ كان سهلا.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٥٧.

(٢) انظر : الهامش ٣ من الصفحة السابقة ، وما سيأتي من ردّ الشيخ المظفّر قدس‌سره ، حتّى يتّضح الحقّ.

١٨٩

وأقول :

قال الرازي : ذكروا في تفسير « الشاهد » وجوها ـ إلى أن قال ـ :

« ثالثها : إنّ المراد : عليّ بن أبي طالب ، والمعنى : أنّه يتلو تلك البيّنة.

وقوله : ( مِنْهُ ) ، أي هذا الشاهد من محمّد وبعض منه ، والمراد منه تشريف هذا الشاهد بأنّه بعض من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

وقال السيوطي في « الدرّ المنثور » : « أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في ( المعرفة ) ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال : ما من رجل من قريش إلّا نزل فيه طائفة من القرآن.

فقال له رجل : ما نزل فيك؟

قال : أما تقرأ سورة هود : ( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ) (٢)؟! رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ) ، وأنا : ( شاهِدٌ مِنْهُ )» (٣)

ونحوه في تفسير الطبري (٤).

وقال السيوطي أيضا : أخرج ابن مردويه ، وابن عساكر ، عن عليّ ، قال : « رسول الله : ( عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ) ، وأنا : ( شاهِدٌ مِنْهُ )» (٥).

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ١٧ / ٢٠٩.

(٢) سورة هود ١١ : ١٧.

(٣) الدرّ المنثور ٤ / ٤٠٩ ـ ٤١٠ ، وانظر : معرفة الصحابة ١ / ٨٨ ح ٣٤٦.

(٤) تفسير الطبري ٧ / ١٧ ح ١٨٠٦٢.

(٥) الدرّ المنثور ٤ / ٤١٠ ، وانظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٠ ح ٨٩٥٢.

١٩٠

وقال أيضا : أخرج ابن مردويه من وجه آخر ، عن عليّ ، قال : « قال رسول الله : ( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ) ، قال : عليّ » (١).

.. إلى غير ذلك ممّا حكي عن الثعلبي وجماعة (٢).

وحينئذ ، فالآية دالّة على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام من وجوه :

الأوّل : إنّها جعلت عليّا عليه‌السلام شاهدا ، والمراد به : الشاهد على الأمّة ، بقرينة جعله تاليا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو يعطي الولاية على أمورهم ، كما قال تعالى : ( إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) (٣) ..

وقال تعالى : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ ) (٤).

الثاني : إنّها جعلت عليّا بعضا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عليّ منّي ، وأنا من عليّ » (٥) ..

وهو دليل المشاركة في العصمة ، والفضل ، وسائر الصفات الحميدة ، فيكون الأحقّ بخلافته.

الثالث : إنّها جعلت عليّا تاليا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فإنّ ضمير المفعول في ( يَتْلُوهُ ) مذكّر ، وهو على الظاهر عائد إلى ( فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ

__________________

(١) الدرّ المنثور ٤ / ٤١٠.

(٢) انظر : تفسير الثعلبي ٥ / ١٦٢ ، تذكرة الخواصّ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٩٤ ح ٣ ، فرائد السمطين ١ / ٣٣٨ ـ ٣٤١ ح ٢٦٠ ـ ٢٦٣.

(٣) سورة الفتح ٤٨ : ٨.

(٤) سورة النحل ١٦ : ٨٩.

(٥) تقدّم عن البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد ، وغيرهم ؛ فانظر : ج ٤ / ٣٠٧ ه‍ ١ وص ٤٠٦ ه‍ ١ من هذا الكتاب ؛ فراجع!

١٩١

رَبِّهِ )، لا إلى « البيّنة » ، وإن احتمل بعيدا رجوعه إليها باعتبار أنّها بمعنى البرهان.

والمراد من تلوّه له : تعقّبه إيّاه ، إمّا في القيام مقامه بصيرورته خليفة له ..

أو في كونه مثله على بيّنة من ربّه ..

أو في كونه ظهيرا له على دعوته ، كما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه دعا ربّه أن يشدّ أزره بعليّ ، ويشركه في أمره ، فكان منه بمنزلة هارون من موسى (١).

وعلى جميع الاحتمالات ، فالآية تدلّ على المطلوب ..

أمّا على الأوّل ؛ فظاهر ..

وأمّا على الثاني ؛ فلأنّ المراد بكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيّنة من ربّه :

إمّا كونه ذا برهان على ما يدّعيه ؛ لثبوت المعجزة له من الله تعالى ..

أو كونه عالما بأنّ منزلته بجعل من الله تعالى.

وعلى الوجهين : فالتالي له ـ أي المماثل له في ذلك ـ لا بدّ أن يكون هو الإمام من عند الله تعالى ؛ لأنّ من يحتاج إلى البيّنة والإعجازهو النبيّ أو الإمام من الله تعالى ، ومن يعلم بأنّ منزلته من الله سبحانه لا بدّ أن يكون منصوصا عليه.

وأمّا على الثالث ؛ فلأنّ عليّا إذا كان هو الظهير لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نشر دعوته كهارون من موسى ، كان أولى الناس بخلافته.

__________________

(١) انظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٤٣ ـ ٨٤٤ ح ١١٥٨ ، شواهد التنزيل ١ / ٣٦٨ ـ ٣٧١ ح ٥١٠ ـ ٥١٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٥٢ ، تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٨ ، الدرّ المنثور ٥ / ٥٦٦.

١٩٢

ثمّ إنّه على تقدير رجوع ضمير المفعول في ( يَتْلُوهُ ) إلى البيّنة ، بلحاظ معناها ـ وهو البرهان ـ ، فالدلالة على إمامة الشاهد ـ وهو عليّ أيضا ـ واضحة ؛ لأنّ تلوّه للبرهان بالشهادة للنبيّ بالنبوّة ظاهر في أنّه معتبر الشهادة بها ، كالمعجزات ، فهو من علائم النبوّة وشواهدها ، وكفاه بذلك فضلا على الأمّة ؛ فيكون إمامها.

فالآية ـ على هذا ـ نظير قوله تعالى : ( كَفى بِاللهِ شَهِيداً ... وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (١).

وقد أوضحنا دلالته على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في ما سبق (٢).

* * *

__________________

(١) سورة الرعد ١٣ : ٤٣.

(٢) انظر الصفحة ١١٧ وما بعدها من هذا الجزء.

١٩٣

٤٠ ـ آية : ( فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ )

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ (١) :

الأربعون : قوله تعالى : ( فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ ) (٢).

قال الحسن البصري : استوى (٣) الإسلام بسيف عليّ عليه‌السلام (٤).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٩٥.

(٢) سورة الفتح ٤٨ : ٢٩.

(٣) استوى الشيء : اعتدل ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ٤٤٧ مادّة « سوا ».

(٤) انظر : تفسير الحسن البصري ٢ / ٢٩٣ ، تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس : ٥٤٦ وقال فيه : « ( فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ ) فقام على إظهار أمره في قريش بعليّ بن أبي طالب » ، وانظر : تفسير البغوي ٤ / ١٨٦.

١٩٤

وقال الفضل (١) :

جاء في التفسير ، أنّ هذه نزلت في الخلفاء الأربع : ( كَزَرْعٍ ) : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ( أَخْرَجَ شَطْأَهُ ) : أبو بكر ، ( فَآزَرَهُ ) : عمر ، ( فَاسْتَغْلَظَ ) : عثمان ، ( فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ ) : عليّ (٢).

وهو من فضائله الكبيرة ، ولا يدلّ على النصّ.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٥٩.

(٢) تفسير البغوي ٤ / ١٨٦ ، الكشّاف ٣ / ٥٥١ ، زاد المسير ٧ / ٢١٦ ـ ٢١٧ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٨٤ ـ ١٨٥ ح ٨٩٠ و ٨٩١ ، الدرّ المنثور ٧ / ٥٤٤.

١٩٥

وأقول :

نعم ، قاله بعض مفسّريهم برأيه ، وذكر بعضهم قريبا منه (١).

ولعلّه أيضا مذكور في ما حكاه المصنّف رحمه‌الله عن الحسن ، وإن خلا عنه ما نقله في « كشف الغمّة » عن ابن مردويه عن الحسن (٢).

لكن لعلم المصنّف رحمه‌الله بخطئه في حقّ الخلفاء الثلاثة ترك ذكره ، لا سيّما مع عدم مناسبته للترتيب والعطف بالفاء بالآية ؛ لأنّ الإسلام لم يكن استغلاظه بأيّام عثمان ، بل قبله ، خصوصا في أيّام عمر ، فلو قال : فاستغلظ : في أيّام عمر ، فآزره : عثمان ؛ كان له وجه ، لكنّه لا يناسب ترتيب الآية والعطف بالفاء.

كما أنّ الإسلام قد استوى بسيف عليّ في أيّام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذا الاستغلاظ وغيره.

وبالجملة : ما ذكره الحسن وغيره ، من استواء الإسلام بسيف عليّ عليه‌السلام ، حجّة عليهم بإقرارهم ، كما هو ضروريّ ، وهو دالّ على كبير جهاد أمير المؤمنين دون غيره.

ومن كثر جهاده ، وفاق غيره ، حتّى استوى الإسلام بسيفه ، كان

__________________

(١) راجع الصفحة السابقة ه‍ ٢ ، وانظر : روح المعاني ٢٦ / ١٩٤ وقال بعد إيراده جملة من هذه الأخبار : « وكلّ هذه الأخبار لم تصحّ في ما أرى ، ولا ينبغي تخريج ما في الآية عليها ».

(٢) كشف الغمّة ١ / ٣١٦.

١٩٦

الأفضل عند الله تعالى ، والأحقّ بالإمامة ؛ لفضله ، ولكونه لمّا استوى الإسلام بسيفه أوّلا ، كان أولى بنصره أخيرا ، وأرعى له فروعا وأصولا.

* * *

١٩٧

٤١ ـ آية : ( يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ )

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :

الحادية والأربعون : قوله تعالى : ( يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ ) (٢).

قال جابر الأنصاري : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « الناس من شجر شتّى ، وأنا وأنت يا عليّ من شجرة واحدة » (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٩٥.

(٢) سورة الرعد ١٣ : ٤.

(٣) المعجم الأوسط ٤ / ٤٤٣ ح ٤١٥٠ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٢٦٣ ح ٢٩٤٩ ، تفسير الثعلبي ٥ / ٢٧٠ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ١ / ٤٩ ، فردوس الأخبار ١ / ٤٣ ح ١١٢ عن ابن عبّاس وج ٢ / ٣٧٦ ح ٧١٣٩ عن ابن عمر ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٤٣ ح ١٦٥ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٦٤ و ٦٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٠ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٨ ح ٣٢٩٤٣ و ٣٢٩٤٤.

١٩٨

وقال الفضل (١) :

قوله : ( يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ ) نزل في بيان أنّ الفواكه تختلف طعومها ، مع أنّها تسقى بماء واحد ، هذا من غرائب صنع الله ، وما ذكره من الحديث لا ربط له بالآية.

والعجب أنّ كلام هذا الرجل في غاية التشويش ، وكأنّه يزعم أنّ أحدا لا ينظر في كتابه ، أو كان ضعيف الرأي لا يعرف ربط الدليل بالمدّعى.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٦١.

١٩٩

وأقول :

قال السيوطي في « الدرّ المنثور » : أخرج الحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، عن جابر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « يا عليّ! الناس من شجر شتّى ، وأنا وأنت من شجرة واحدة » ، ثمّ قرأ النبيّ : ( وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ ) (١) (٢).

وفي « كنز العمّال » (٣) ، عن الديلمي ، عن جابر ، نحوه.

والآية وإن استفيد من ظاهرها بيان قدرة الله تعالى حيث أخرج من الأرض بماء واحد أشجارا وزروعا مختلفة ، وفضّل بعضها على بعض في الأكل ، لكن لا ينافي أنّ الله سبحانه ضرب بها مثلا لفضل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام على الناس ، مع اتّفاقهم بأصل واحد.

أو أنّ للآية باطنا ، كما ورد أنّ للكتاب الشريف ظهرا وبطنا (٤) ؛ ولذا كان فيه بيان كلّ شيء لا يعلمه إلّا الله والراسخون في العلم.

وكيف كان ، فالمراد أنّ النبيّ وعليّا مخلوقان من نور واحد ، متّفقان بالصفات الفاضلة والمنافع ، ومخالفان للناس ، كما أنّ الناس مختلفون في ما بينهم ، فهما صنوان ، أي كنخلتين أو نخيل على أصل واحد ، ومن

__________________

(١) سورة الرعد ١٣ : ٤.

(٢) الدرّ المنثور ٤ / ٦٠٥ ، وانظر : المستدرك على الصحيحين ٢ / ٢٦٣ ح ٢٩٤٩.

(٣) ص ١٥٤ من الجزء السادس [ ١١ / ٦٠٨ ح ٣٢٩٤٣ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : فردوس الأخبار ١ / ٤٣ ح ١١٢ عن ابن عبّاس وج ٢ / ٣٧٦ ح ٧١٣٩ عن ابن عمر.

(٤) حلية الأولياء ١ / ٦٥.

٢٠٠