وقال الفضل (١) :
ظاهر الآية يدلّ على أنّها في جماعة يكونون مع النبيّ في الآخرة ، وعليّ من جملتهم ؛ لأنّ عدم الخزيان (٢) في القيامة لا يختصّ بالنبيّ وعليّ ، بل خواصّ أصحابه داخلون في عدم الخزيان ؛ وإن سلّم ، لا يثبت النصّ المطلوب.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٢٨٥.
(٢) الخزيان ـ كهذيان ، وزنا ـ : الذلّ والهوان والفضيحة ؛ انظر : تاج العروس ١٩ / ٣٧٢ مادّة « خزي ».
وأقول :
قال المصنّف في « منهاج الكرامة » : روى أبو نعيم مرفوعا إلى ابن عبّاس ، قال : أوّل من يكسى من حلل الجنّة إبراهيم بخلّته ، ومحمّد ؛ لأنّه صفوة الله ، ثمّ عليّ ، يزفّ بينهما إلى الجنان.
ثمّ قرأ ابن عبّاس : ( يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) ، قال : عليّ وأصحابه (١).
وحكاه في « كشف الغمّة » عن ابن مردويه عن ابن عبّاس ، وحكى أيضا عن العزّ الحنبلي نزول الآية بعليّ وأصحابه (٢).
فالمراد ب ( الَّذِينَ آمَنُوا ) فيها : عليّ وأصحابه ؛ والمراد بأصحابه : أتباعه ـ كما هو المنصرف ـ ؛ ولذا ذكر باسمه الشريف ، وهم بالصحبة ، فلا يدخل فيهم الخلفاء الثلاثة ؛ لأنّهم ـ على ما يزعم القوم ـ أئمّة لعليّ ، ومتبوعون له ، فلا تشملهم الآية!
فيتعيّن عليّ للفضل والإمامة ؛ إذ لا أقلّ من دلالة الرواية على أنّه رأس المؤمنين ورئيسهم.
وأمّا قوله : « ظاهر الآية يدلّ على أنّها في جماعة ... » إلى آخره ..
فصحيح ؛ وهو صريح الرواية ، فتشمل الآية النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليّا عليهالسلام وأصحابه ؛ وهم شيعته من خواصّ الصحابة وغيرهم.
__________________
(١) منهاج الكرامة : ١٤٠ ، وانظر : مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٠٩ ح ٣٠٥ ، الصراط المستقيم ١ / ٢٩٥ عن أبي نعيم.
(٢) كشف الغمّة ١ / ٣١٤ و ٣١٦.
ولا ينافي صحّة رواية أبي نعيم تصريحها بزفاف عليّ بين الرسولين الكريمين ، فإنّه لا يقتضي فضله على نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل هو لخصوصية ، كتقديم إبراهيم والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم معا بالكسوة ، لخصوصية الخلّة ، لا للمساواة بينهما.
ويعرف ذلك من جعل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحديث صفوة الله ، فإنّه ينفي احتمال مساواته لإبراهيم ، وفضل عليّ عليهالسلام على النبيّ (١).
* * *
__________________
(١) ويؤيّد هذا ما روي عن أنس ، قال : كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أراد أن يشهر عليّا في موطن أو مشهد علا على راحلته وأمر الناس أن ينخفضوا دونه ؛ وإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شهر عليّا يوم خيبر فقال :
« أيّها الناس! من أحبّ أن ينظر إلى آدم في خلقه ، وأنا في خلقي ، وإلى إبراهيم في خلّته ، وإلى موسى في مناجاته ، وإلى يحيى في زهده ، وإلى عيسى في سنّته ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب ... » الحديث.
انظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٨٨ و ٣١٣ ، مناقب الإمام عليّ عليه السلام ـ للخوارزمي ـ : ٨٣ ح ٧٠ ، فرائد السمطين ١ / ١٧٠ ح ١٣١ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٦٣ ح ١ وج ٢ / ١٨٣ ح ٥٢٧ و ٥٢٨ وص ٣٠٦ ح ٨٧٤.
٢٩ ـ آية : ( أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ )
قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :
التاسعة والعشرون : قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٢).
روى الجمهور ، عن ابن عبّاس ، قال : لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « هم أنت يا عليّ وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك راضين مرضيّين ، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين (٣) » (٤).
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٨٩.
(٢) سورة البيّنة ٩٨ : ٧.
(٣) المقمح : الذليل الذي لا يرفع بصره ، وكذا : الرافع رأسه لا يكاد يضعه مع غضّ البصر ؛ فهو من الأضداد ؛ انظر : لسان العرب ١١ / ٢٩٧ ـ ٢٩٨ مادّة « قمح ».
والمعنى هنا : أذلّاء خاشعين خاضعين.
(٤) انظر : تفسير الطبري ١٢ / ٦٥٧ ح ٣٧٧٣١ ، المعجم الأوسط ٤ / ٣٦٤ ح ٣٩٣٤ ، تفسير الحبري : ٣٢٨ ح ٧١ ، ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ٢٧٤ ، شواهد التنزيل ٢ / ٣٥٦ ـ ٣٦٦ ح ١١٢٥ ـ ١١٤٨ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ح ٢٤٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٧١ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ / ١٠٦ ، كفاية الطالب : ٢٤٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣١ ، جواهر العقدين : ٢٩٥ ـ ٢٩٦.
وقال الفضل (١) :
هذا غير مذكور في التفاسير (٢) ، بل الظاهر العموم ؛ وإن سلّم فلا نصّ.
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٢٩٣.
(٢) بل ذكر في التفاسير وغيرها كما تقدّم في الصفحة السابقة ه ٤ ، وانظر كذلك : فتح القدير ٥ / ٤٧٧ ، روح المعاني ١٦ / ٣٧٠ ؛ وسيأتي مزيد تفصيل في ردّ الشيخ المظفّر ١.
وأقول :
نقل السيوطي في « الدرّ المنثور » نحو الحديث المذكور ، عن ابن عديّ ، عن ابن عبّاس (١).
ونقل مثله أيضا ابن حجر في « الصواعق » ، في الآية الحادية عشرة ، وهي الآية المذكورة عن الحافظ جمال الدين الزرندي ، عن ابن عبّاس أيضا (٢).
كما نقله المصنّف رحمهالله في « منهاج الكرامة » ، عن أبي نعيم ، عن ابن عبّاس (٣).
ونقل السيوطي أيضا ، عن ابن مردويه ، أنّه أخرج عن عليّ عليهالسلام ، قال : « قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألم تسمع قول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ، أنت وشيعتك موعدي وموعدكم الحوض ، إذا جثت الأمم للحساب تدعون غرّا محجّلين » (٤).
ونقل السيوطي أيضا ، عن ابن عساكر ، أنّه أخرج عن جابر بن عبد الله ، قال : « كنّا عند النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأقبل عليّ عليهالسلام ، فقال النبيّ : « والذي نفسي بيده! إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة » ، ونزلت : ( إِنَّ
__________________
(١) الدر المنثور ٨ / ٥٨٩.
(٢) الصواعق المحرقة : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، نظم درر السمطين : ٩٢.
(٣) منهاج الكرامة : ١٤١ ، وانظر : ما نزل من القرآن في علي : ٢٧٤.
(٤) الدر المنثور ٨ / ٥٨٩.
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ، فكان أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أقبل عليّ عليهالسلام قالوا : جاء خير البريّة » (١).
ونقل أيضا ، عن ابن عديّ ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد مرفوعا : « عليّ خير البريّة » (٢).
.. إلى غير ذلك من الأخبار المعتبرة ، ولو لاعتضاد بعضها ببعض ، مع موافقتها لأخبارنا الدالّة على نزول الآية بعليّ وشيعته خاصّة (٣).
فقول الفضل : « بل الظاهر العموم » .. لا وجه له ، ولا سيّما أنّ غير عليّ وشيعته هم مخالفوه وأعداؤه ، وهم شرّ البريّة ؛ لما استفاض من أنّ من عاداه عادى الله ورسوله.
ومن الغريب دعوى ابن حجر : « أنّ السنّة شيعته » (٤)! فإنّها ـ مع مخالفتها لما يتبادر من لفظ الشيعة ـ مكابرة ؛ لما أكنّته ضمائرهم من الميل عنه.
وكيف يكونون من شيعته ، وهم لا يروون نصّا في إمامته ولا منقبة توجب أفضليّته ، إلّا واحتالوا لردّها بكلّ حيلة وتشكيك ، وإن خالفوا العدل والإنصاف؟!
__________________
(١) الدرّ المنثور ٨ / ٥٨٩ ، وانظر : جزء ابن الغطريف : ٨٢ ح ٣٥ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٧١ ، كفاية الطالب : ٢٤٤ ـ ٢٤٥.
(٢) الدرّ المنثور ٨ / ٥٨٩ ، وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال ١ / ١٧٠ ذيل رقم ٦ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٧١ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ١١١ ح ١١٩ ، تذكرة الخواصّ : ٢٧ ، فرائد السمطين ١ / ١٥٤ ـ ١٥٥ ح ١١٧.
(٣) انظر مثلا : مناقب آل أبي طالب ٣ / ٨٤ ، المحاسن ـ للبرقي ـ ١ / ٢٧٥ ح ٥٣٧ ، الأمالي ـ للطوسي ـ : ٢٥١ ح ٤٤٨.
(٤) الصواعق المحرقة : ٢٣٦.
واستشهد لدعوى أنّهم شيعته بأخبارهم ، وهو كما ترى!
على أنّه لا ريب أنّ المراد بشيعة عليّ عليهالسلام : أتباعه ..
فإن كان الخلفاء الثلاثة أتباعه ، تمّ مطلوبنا.
وإن لم يكونوا أتباعه ، بل أئمّته ـ كما يزعم القوم ـ ، فلا يكونون شيعته ، ومن خير البريّة!
فلا يعقل أن يكونوا أئمّته! فالآية الشريفة تدلّ على إمامته أحسن دلالة!
هذا ، وقد أعرب ابن تيميّة هنا عمّا في ضميره ، وسوّد وجه صحيفتين (١) ، يغني في ردّ ما قد يحتاج منهما إلى الردّ ما ذكرناه ، ويكفي في فساد الباقي مجرّد النظر فيه!
* * *
__________________
(١) انظر : منهاج السنّة ٧ / ٢٥٩ ـ ٢٦٣.
٣٠ ـ آية : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً )
قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ (١) :
الثلاثون : قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) (٢).
قال ابن سيرين : نزلت في النبيّ وعليّ ؛ زوّج فاطمة عليّا (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٩٠.
(٢) الفرقان ٢٥ : ٥٤.
(٣) تفسير الثعلبي ٧ / ١٤٢ ، شواهد التنزيل ١ / ٤١٤ ـ ٤١٥ ح ٥٧٣ و ٥٧٤ ، تفسير القرطبي ١٣ / ٤١ ، فرائد السمطين ١ / ٣٧٠ ح ٣٠١ ، تفسير البحر المحيط ٦ / ٥٠٧ ، نور الأبصار : ١٢٤.
وقال الفضل (١) :
ليس هذا من تفاسير أهل السنّة ؛ وإن صحّ دلّ على فضيلته ، وهي مسلّمة ، ولا تثبت النصّ.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٢٩٦.
وأقول :
نقله المصنّف رحمهالله في « منهاج الكرامة » عن الثعلبي (١).
ونقله غيره عن ابن مردويه (٢).
وقال في « ينابيع المودّة » : أبو نعيم الحافظ ، وابن المغازلي ، أخرجا بسنديهما عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : « نزلت هذه الآية في الخمسة أهل العبا »
ثمّ قال ـ أي ابن عبّاس ـ : « المراد من الماء : نور النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي كان قبل خلق الخلق ، ثمّ أودعه في صلب آدم ، ثمّ نقله من صلب إلى صلب إلى أن وصل إلى صلب عبد المطّلب ، فصار جزءين : جزء إلى صلب عبد الله ، فولد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وجزء إلى صلب أبي طالب ، فولد عليّا ، ثمّ ألّف (٣) النكاح ، فزوّج عليّا بفاطمة ، فولد حسنا وحسينا ».
أيضا : الثعلبي ، وموفّق بن أحمد الخوارزمي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس.
أيضا : ابن مسعود ، وجابر ، والبراء ، وأنس ، وأمّ سلمة ، قالوا : « نزلت في الخمسة أهل العبا ».
انتهى ما في « الينابيع » (٤).
__________________
(١) منهاج الكرامة : ١٤٢ ، وانظر : تفسير الثعلبي ٧ / ١٤٢.
(٢) انظر : كشف الغمّة ١ / ٣٢٢.
(٣) ألّفت الشيء تأليفا : إذا وصلت بعضه ببعض ؛ انظر : لسان العرب ١ / ١٨٠ مادّة « ألف ».
(٤) ينابيع المودّة ١ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦ ح ٨ و ٩.
ويؤيّد هذه الأخبار ما سيأتي في أوّل الأخبار من السنّة ، من أنّ نور محمّد وعليّ خلق قبل خلق آدم ، ثمّ أودع في صلبه (١).
وعلى ذلك : فحاصل معنى الآية الكريمة ، أنّه سبحانه خلق بشرا من الماء ، أي ما صار ماء ، وكان نورا مودعا في صلب آدم ، فجعل البشر نسبا ، وهو : محمّد ؛ لأنّه نسب لفاطمة والحسنين ، وجعله صهرا ، وهو : عليّ.
وحينئذ ، فدلالة الآية الشريفة على إمامة أمير المؤمنين ظاهرة ؛ لأنّ اتّحاد نورهما الذي سبق آدم دليل على امتياز عليّ بالفضل حتّى على الأنبياء ، ومن كان كذلك يتعيّن للإمامة ، لا سيّما وفي بعض أخبار النور الآتية أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « فأخرجني نبيّا ، وأخرج عليّا وصيّا » (٢).
وفي بعضها : « ففيّ النبوّة ، وفي عليّ الإمامة » (٣).
ولو سلّم أنّ المراد بالماء في الآية غير النور ، فلا ريب أنّ جعل الآية الشريفة محمّدا وعليّا خاصّة بشرا واحدا ، بأيّ جهة من جهات الوحدة ، منقسما في الخارج إلى نسب وصهر ، دليل على فضل عليّ ، وأنّه نفس النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ونظيره ، فيكون أفضل الخلق وأحقّهم بالإمامة (٤).
__________________
(١) انظر : فضائل الصحابة ٢ / ٨٢٣ ـ ٨٢٤ ح ١١٣٠ ؛ وسيأتي تخريج ذلك مفصّلا في أوّل الجزء السادس ..
(٢) مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٢١ ـ ١٢٢ ذ ح ١٣٢.
(٣) مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ذ ح ١٣٠ ، فردوس الأخبار ١ / ٣٧٤ ح ٢٧٧٦ ، وفيهما : « الخلافة » بدل « الإمامة » ؛ وانظر : ينابيع المودّة ١ / ٤٧ ذ ح ٨.
وراجع الجزء الخامس من « نفحات الأزهار » فقد فصّل السيّد عليّ الحسيني الميلاني البحث هناك حول حديث النور ، ألفاظه وسنده ودلالته ، والردّ على الشبهات المثارة حوله.
(٤) انظر : فرائد السمطين ١ / ٤١ ح ٥.
٣١ ـ آية : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )
قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :
الحادية والثلاثون : قوله تعالى : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٢).
روى الجمهور ، أنّها نزلت في عليّ (٣) ..
وكذا قوله تعالى : ( وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) (٤) ، أنّها نزلت في رسول الله وعليّ (٥).
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٩٠.
(٢) سورة التوبة ٩ : ١١٩.
(٣) تفسير الحبري : ٢٧٥ ح ٣٥ ، تفسير الثعلبي ٥ / ١٠٨ ـ ١٠٩ ، ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ١٠٢ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ح ٣٥١ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٢٨٠ ح ٢٧٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦١ ، كفاية الطالب : ٢٣٦ ، فرائد السمطين ١ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ح ٢٩٩ ، فتح القدير ٢ / ٤١٤ ، روح المعاني ٧ / ٦٥.
(٤) سورة البقرة ٢ : ٤٣.
(٥) تفسير الحبري : ٢٣٧ ح ٥ ، ما نزل من القرآن في عليّ : ٤٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٨٥ ح ١٢٤ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٢٨٠ ح ٢٧٤ ، تذكرة الخواصّ : ٢٣.
وقال الفضل (١) :
نزلت (٢) قوله تعالى : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) في الثلاثة الّذين تخلّفوا في غزوة تبوك (٣) ، وأنّهم صدقوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأنجاهم الله ، وكذب المنافقون فهلكوا ، فأنزل الله تعالى : ( كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) ، وخاطب المؤمنين حتّى لا يهلكوا بالكذب كالمنافقين ؛ وإن صحّ دلّ على الفضيلة لا على النصّ ، كسائر أخواته.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٠٠.
(٢) كذا في الأصل ؛ وهو غير غريب من الفضل!
(٣) الدرّ المنثور ٤ / ٣١٦ ، فتح القدير ٢ / ٤١٤.
وأقول :
حكى المصنّف رحمهالله في « منهاج الكرامة » ما ذكره هنا في شأن نزول الآيتين ، عن أبي نعيم ، عن ابن عبّاس (١).
ونقل السيوطي في « الدرّ المنثور » عن ابن مردويه ، أنّه أخرج عن ابن عبّاس ، في قوله تعالى : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) ، قال : مع عليّ بن أبي طالب (٢).
ونقل مثله عن ابن عساكر ، بسنده إلى أبي جعفر الباقر عليهالسلام (٣).
والمراد بالكون معه ؛ ليس هو الحضور الخارجي بالضرورة ؛ بل المراد اتّباعه في كلّ ما يراد به الاتّباع والعمل شرعا ؛ لاقتضاء الإطلاق له ، لا سيّما مع عطفه على الأمر بالتقوى ، قال تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ).
فتدلّ الآية على عصمة أمير المؤمنين عليهالسلام ؛ لوصفها له بالصدق ـ أي في الأعمال والأقوال ـ كما يقتضيه الإطلاق ، ولقبح الأمر باتّباع من لا تؤمن عليه مخالفة أحكام الله عمدا أو خطأ ، وللزوم اجتماع الضدّين : وجوب الاتّباع (٤) وحرمته لو فعل المعصية (٥).
__________________
(١) منهاج الكرامة : ١٤٢ ، وانظر : ما نزل من القرآن في عليّ : ١٠٢.
(٢) الدرّ المنثور ٤ / ٣١٦.
(٣) الدرّ المنثور ٤ / ٣١٦ ، وانظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦١.
(٤) لما تقدّم من أنّ معنى الكون معه : اتّباعه.
(٥) أي : لا بدّ من أن يكون معصوما لئلّا يلزم اجتماع الضدّين.
فإذا أفادت الآية عصمة أمير المؤمنين عليهالسلام ، ثبتت إمامته ؛ لأنّ العصمة شرط الإمامة ـ كما سبق (١) ـ ، ولا عصمة لغيره من الصحابة بالإجماع ، مع أنّ الأمر باتّباع الأمّة لشخص على الإطلاق ، ظاهر في إمامته لهم.
وممّا ذكرنا يعلم بطلان حمل ( الصَّادِقِينَ ) على مطلق المهاجرين والأنصار ، أو خصوص الثلاثة الّذين تخلّفوا في غزوة تبوك ، كما ذهب إلى كلّ منهما بعض المفسّرين (٢) ؛ وذلك لعدم عصمة هؤلاء.
هذا ، والظاهر أنّ المخاطب بالاتّباع في قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٣) ، هو جميع المؤمنين بكلّ زمان ، لا خصوص الصحابة ؛ فيدلّ على وجود معصوم واجب الاتّباع بكلّ وقت ، فكان هو محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم في وقته ، وعليّا في وقته ، والأئمّة الطاهرين من آلهما بعدهما ، كما يقتضيه ـ أيضا ـ كون ( الصَّادِقِينَ ) صيغة جمع.
وإنّما خصّت الروايات السابقة عليّا عليهالسلام ؛ للفراغ عن وجوب اتّباع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولأنّ عليّا عليهالسلام أوّل الأئمّة وأصلهم ، فوجوب اتّباعهم فرع وجوب اتّباعه.
ويشهد لذلك ما في « ينابيع المودّة » ، عن موفّق بن أحمد بسنده ، عن ابن عبّاس ، قال : « الصادقون [ في هذه الآية ] : محمّد وأهل بيته » (٤).
وفيها نحوه ، عن أبي نعيم ، عن الصادق عليهالسلام (٥).
__________________
(١) راجع ج ٤ / ٢٠٥ وما بعدها من هذا الكتاب.
(٢) انظر : تفسير الطبري ٦ / ٥٠٨ ذ ح ١٧٤٦١ وص ٥٠٩ ح ١٧٤٦٥ ـ ١٧٤٦٩ ، تفسير القرطبي ٨ / ١٨٣ ، الدرّ المنثور ٤ / ٣١٤ و ٣١٦.
(٣) سورة التوبة ٩ : ١١٩.
(٤) ينابيع المودّة ١ / ٣٥٨ ح ١٥.
(٥) ينابيع المودّة ١ / ٣٥٨ ذ ح ١٥.
وفيها ، عن أبي نعيم وصاحب « المناقب » ، عن الباقر والرضا عليهماالسلام ، قالا : « الصادقون هم الأئمّة من أهل البيت عليهمالسلام » (١)
وقد تنبّه الرازي لدلالة الآية الكريمة على وجود المعصوم بكلّ وقت ، إلّا أنّه زعم أنّ المعصوم هو مجموع الأمّة (٢) ـ أي مجموع علمائها وأهل الحلّ والعقد ـ ، فتدلّ الآية على حجّيّة الإجماع.
وفيه ـ مع عدم تيسّر تحصيل الإجماع في كلّ وقت ، أو امتناعه فلا يوجد حتّى يأمر باتّباعه ـ :
إن المجموع بما هو مجموع لا يوصف بالصادق ؛ ولو سلّم ، فالمجموع من حيث هو مجموع ليس ممّن يعقل ، فلا يجمع وصفه جمع المذكّر السالم ؛ ولو سلّم جوازه ـ ولو مسامحة ، بلحاظ أنّ أجزاء المجموع ، وهي الأفراد ، ممّن يعقل ـ فلا ريب أنّ إرادة المجموعات خلاف الظاهر ؛ فإنّ المنصرف من ( الصَّادِقِينَ ) هو الأفراد لا المجموعات ، فتدلّ الآية على وجوب الكون مع الأفراد الصادقين المعصومين واتّباعهم في كلّ وقت ، وهو المطلوب.
ونحن متّبعون لإمام زماننا ، بالإقرار بإمامته ، والأخذ بأحكامه ، وإن لم نجتمع معه ونسعد بطلعته.
وقد أشكل الرازي على إرادة أئمّتنا من ( الصَّادِقِينَ )بقوله : « إنّه تعالى أوجب على كلّ واحد من المؤمنين أن يكون مع الصادقين ، وإنّما يمكنه ذلك لو كان عالما بأنّ ذلك الصادق من هو ، لا الجاهل بأنّه من هو ، فلو كان مأمورا بالكون معه كان ذلك تكليف ما لا يطاق ، وأنّه لا يجوز ؛
__________________
(١) ينابيع المودّة ١ / ٣٥٨ ح ١٦.
(٢) انظر : تفسير الفخر الرازي ١٦ / ٢٢٧.
لأنّا (١) لا نعلم إنسانا معيّنا موصوفا بوصف العصمة » (٢).
وفيه : إنّه يمكن معرفته ، فيجب البحث عنه مقدّمة لاتّباعه ، وقد أوضح الله سبحانه السبيل إلى معرفته بقيام الأدلّة الكثيرة الواضحة ، ولم يجهلها إلّا معاند ، كما عرفت (٣) ويأتي.
ثمّ إنّ ابن تيميّة قد سرد هنا من الخرافات والأغاليط ما يقبح بكلّ أحد نقله والتعرّض لردّه ، ولا أدري كيف يفوه بها وهو قد صوّر نفسه بصورة الفضلاء ، وقرن نفسه بالعلماء (٤)؟!
واعلم أنّ الفضل لم يتعرّض للجواب عن قوله تعالى : ( وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) (٥) ، ولا يبعد أنّه اكتفى عنه بما ذكره في أخواته من أنّه إن صحّ لا يدلّ على النصّ ..
وفيه : إنّ الآية لمّا ساوت بين النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليّ في الأمر باتّباعهما ، فقد دلّت على أنّ عليّا بمنزلة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في وجوب اتّباعه ، فيكون أفضل من غيره ، ويكون هو الإمام.
على أنّ الآية لمّا عبّرت عن وجوب اتّباعهما بإيجاب الركوع مع الراكعين ، فقد دلّت على أنّهما أسبق من غيرهما في العبادة لله تعالى ، كما تقتضيه التبعيّة ، وصرّحت به الرواية ..
فإنّها ـ كما ذكرها المصنّف رحمهالله في « منهاج الكرامة » ـ هكذا من طريق أبي نعيم ، عن ابن عبّاس : « أنّها نزلت في رسول الله وعليّ خاصّة ، وهما
__________________
(١) في المصدر : لكنّا.
(٢) تفسير الفخر الرازي ١٦ / ٢٢٧.
(٣) راجع الجزء الرابع / مبحث الإمامة.
(٤) انظر : منهاج السنّة ٧ / ٢٦٦ ـ ٢٧٣.
(٥) سورة البقرة ٢ : ٤٣.
أوّل من صلّى وركع » (١).
ومن المعلوم أنّ السبق إلى العبادة والطاعة فرع الفضل ، والفضل يستدعي الإمامة.
* * *
__________________
(١) منهاج الكرامة : ١٤٣.
٣٢ ـ آية : ( إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ )
قال المصنّف ـ قدسسره ـ (١) :
الثانية والثلاثون : قوله تعالى : ( إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) (٢).
في مسند أحمد بن حنبل ، أنّها نزلت في عليّ (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٩١.
(٢) سورة الحجر ١٥ : ٤٧.
(٣) رواه عن أحمد في مسنده صاحب ينابيع المودّة ١ / ٣٥٤ ح ٣ ، وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٣٩ ـ ٧٤٠ ح ١٠١٨ ، المعجم الأوسط ٧ / ٣٩٣ ح ٧٦٧٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ح ٢٥٩ ـ ٢٦٠ وص ٣١٧ ح ٤٣٦ وص ٣٢١ ح ٤٤٤ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ١ / ١١١ ح ٤٧ ، فتح القدير ٣ / ١٣٦.