وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى - ج ٢

نور الدين علي بن أحمد السّمهودي

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى - ج ٢

المؤلف:

نور الدين علي بن أحمد السّمهودي


المحقق: خالد عبد الغني محفوظ
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨١

قلت : وقد تقدم بيان محلها في باب الرحمة ، وأنه اليوم هو البيت المواجه لباب الرحمة ، وهو كان موضع بيت عاتكة ، وما في شامية من المدرسة الكبرجية وهو موضع الأطم.

دار نصير

ثم إلى دار جعفر بن يحيى دار نصير صاحب المصلى ، كانت بيتا لسكينة بنت الحسين بن علي رضي‌الله‌عنهم ، ثم إلى جنبها الطريق إلى دار طلحة بن عبيد الله ستة أذرع.

قلت : وقد تقدم في أبواب جهة المغرب أن في محل دار نصير اليوم الدار المعروفة بتميم الداري ، والتي في شاميها إلى الطريق التي تدخل منها إلى دور القياشين التي صارت للخواجا قاوان ، وهذه الطريق هي المرادة هنا ، وتلك الدور هي دور طلحة بن عبيد الله ، وفي شرقيها دار منيرة الآتي ذكرها.

قال ابن شبة في دور بني تيم : واتخذ طلحة بن عبيد الله داره بين دار عبد الله بن جعفر التي صارت لمنيرة وبين دار عمر بن الزبير بن العوام ، ففرقها ولده من بعده ثلاثة أدور ، فصارت الدار الشرقية اللاصقة بدار منيرة ليحيى بن طلحة ، وصارت التي تليها لعيسى بن طلحة ، وصارت الأخرى لإبراهيم بن محمد بن طلحة.

قلت : ودار عمر بن الزبير التي في غربي دار طلحة ملاصقة لدار عروة بن الزبير ، قال ابن شبة : اتخذهما الزبير وتصدق بهما عليهما وعلى أعقابهما ، وهما متلازقتان عند خوخة القوارير ، انتهى.

وفي نهاية الطريق إلى دور القياشين خوخة كانت شارعة في المغرب عند سوق العطارين ، الظاهر أنها المراد بخوخة القوارير.

دار منيرة مولاة أم موسى

ثم إلى جنب الطريق إلى دور طلحة دار منيرة مولاة أم موسى ، كانت لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

قلت : وقد بينا محلها في أول أبواب المسجد من جهة المغرب ، ويستفاد منه أنها كانت من طريق دور القياشين إلى ما يحاذي نهاية المسجد.

ثم إلى جنبها خوخة آل يحيى بن طلحة.

قلت : وهناك اليوم زقاق لطيف خلف الفرن المحاذي لقرب مؤخر المسجد من المغرب ، يعرف بزقاق عانقيني ، هو المراد بذلك ؛ لأن بعض الدور التي فيه يسلك منها إلى دور القياشين التي هي دور طلحة.

حش طلحة

ثم إلى جنب خوخة آل يحيى بن طلحة بن أبي طلحة الأنصاري وهو اليوم خراب صوافي عن آل ابن برمك.

٢٤١

قلت : والظاهر أن في محله اليوم الفرن المتقدم ذكره وما حوله.

وقد قدمنا في زيادة المهدي ما ذكره ابن شبة في إدخاله صدر دار آل شرحبيل بن حسنة التي كانت لأم حبيبة رضي الله تعالى عنها في مؤخر المسجد.

قال ابن شبة عقب ذلك : ثم باعوا بقيتها من يحيى بن خالد بن برمك فهدمها حين هدم حش طلحة ، ثم صارت براحا في الصوافي ، ثم بنى في موضعها الناس بأكثر من أصحاب الصوافي ؛ فعلم بذلك أن حش طلحة كان ينعطف على المسجد من جهة الشام ، وسيأتي في ذكر البلاط ما يصرح بذلك ، والظاهر أن بقية دار شرحبيل من الحش المذكور هو ما حاذى الميضأة التي في شامي المسجد من المغرب ، بدليل ما سيأتي ، والله أعلم.

ثم إلى جنب حش طلحة الطريق خمسة أذرع.

قلت : وهذه الطريق هي التي في شامي الميضأة المتقدم ذكرها ، يتوصل منها إلى رباط الشيخ شمس الدين الششتري.

أبيات خالصة

ثم إلى جنب الطريق أبيات خالصة مولاة أمير المؤمنين ، وهي دار حباب مولى عتبة بن غزوان.

قلت : وفي موضعها اليوم دار أحد رئيسي مؤذني المسجد ، وما يليها من المارستان الذي أنشأه المنتصر بالله ، وما يليه من رباط الظاهرية ، كما تقدم في ذكر أبواب المسجد.

دار حميد بن عبد الرحمن بن عوف

ثم إلى جنب أبيات خالصة دار أبي الغيث بن المغيرة بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، وهي صدقة.

وذكر ابن شبة في دور بني زهرة أن من دور عبد الرحمن بن عوف التي اتخذها الدار التي يقال لها الدار الكبرى دار حميد بن عبد الرحمن بن عوف بحش طلحة.

قال : وإنما سميت الدار الكبرى لأنها أول دار بناها أحد من المهاجرين بالمدينة ، وكان عبد الرحمن ينزل فيها ضيفان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكانت أيضا تسمى دار الضيفان ، فسرق فيها بعض الضيفان ، فشكا ذلك عبد الرحمن إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد بنى فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده فيما زعم الأعرج ، وهي بيد بعض ولد عبد الرحمن بن عوف.

قلت : وهي غير دار عبد الرحمن بن عوف المعروفة بدار مليكة التي تقدم أنها دخلت في المسجد.

وفي شامي المسجد اليوم مما يلي الشرق دار تعرف بدار المضيف ، فلعل تسميتها بذلك لكونها في موضع دار الضيفان المذكورة ، لكن ذكر الدار الآتية بعدها قبل جهة المشرق يبعد

٢٤٢

ذلك ، فكأن الجانب الغربي من دار المضيف وما حوله في المغرب من الساباط وبعض رباط الظاهرية في موضع الدار المذكورة.

ثم إلى جنب دار أبي الغيث بقية دار عبد الله بن مسعود ، كانت لجعفر بن يحيى ، وقد قبضت صافية عنه.

قلت : قد قدمنا أنها كانت تدعى دار القراء ، وأن بعضها دخل في زيادة الوليد ، وبقيتها في زيادة المهدي ، فكأن المراد بعض بقيتها ، بدليل ما هنا ، ومع ذلك فأنا أستبعد أن يبقى منها بقية في جهة الشام ، سيما إذا كان المهدي قد زاد مائة ذراع.

ثم يضاف لذلك ما زاده الوليد منها ، وعرض الرحبة التي في شامي المسجد ، وأيّ دار يكون طولها هذا المقدار فضلا عن أن يبقى بعد ذلك منها بقية؟ وموضع ما وصفوه اليوم هو ما يلي المشرق من الدار المعروفة بدار المضيف المتقدم ذكرها ، والله أعلم.

دار موسى المخزومي

قال ابن زبالة وابن شبة : ثم من المشرق دار موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله ابن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي ، كان ابتاعها هو وعبيد الله بن حسين بن علي بن حسين ابن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم ، فتقاوماها ، فظن عبيد الله أن موسى لا يريد إلا الربح ، فأسلمها عبيد الله فصارت لموسى.

قلت : وظاهر ذلك أن الدار المذكورة أول جهة المشرق مما يلي الشام ، وفي موضعها اليوم ـ كما قدمناه في ذكر أبواب المسجد ـ بيت بعض رئيسي المؤذنين الذي يلي دار المضيف ، وما يليه من الميضأة المعطلة اليوم ، وبين ذلك وبين دار المضيف زقاق يعرف بخرق الجمل يتصل إلى الدور الملاصقة لسور المدينة ، ولعله المعروف قديما بزقاق جمل ؛ فإن ابن شبة ذكر أن فاطمة بنت قيس اتخذت دارا بين دار أنس بن مالك وبين زقاق جمل ، ودار أنس بن مالك ذكر أنها في بني جديلة ، وهي في شامي سور المدينة.

ثم إلى جنب دار موسى أبيات قهطم دار موسى ودار عمرو بن العاص ، وهي ـ يعني دار عمرو ـ صدقة من عمرو ، وهي اليوم صوافي : أي أبيات قهطم ، هذه عبارة ابن شبة.

وعبارة ابن زبالة «وإلى جنبها أبيات فيها قهطم ، وهو صوافي».

والطريق بين دار موسى بن إبراهيم وبين دار عمرو بن العاص السهمي ، وهي اليوم لهم صدقة.

أبيات الصوافي

قلت : وأبيات قهطم هي التي سماها ابن زبالة في ذكر الكتابة على أبواب المسجد أبيات الصوافي ، وسمى الطريق التي ذكرها هنا بزقاق المناصع ، لكن كلام ابن شبة يقتضي

٢٤٣

كون أبيات قهطم المذكورة بين دار موسى وبين دار عمرو بن العاص ؛ فتكون الطريق المذكورة بين أبيات قهطم وبين دار عمرو بن العاص ، فلنحمل كلام ابن زبالة على ذلك ، ويكون قوله «والطريق بين دار موسى» يعني وما يليها من أبيات قهطم وبين دار عمرو بن العاص.

دار خالد بن الوليد

وقد قدمنا أن في محل أبيات الصوافي رباط الفاضل والدار المعروفة بدار الرسام وقف السلامي والباب الذي يدخل منه إلى رباط السلامي ، وموضع دار عمرو بن العاص اليوم مؤخر رباط السبيل الذي يسكنه الرجال ، وهو مما يلي الشام منه ، والطريق التي بينه وبين رباط الفاضل هي زقاق المناصع ، وليست اليوم نافذة كما تقدم ؛ ويؤخذ مما قدمناه في زيادة المهدي أنه كان عندها رحبة تسمى برحبة المشارب ، والله أعلم.

ثم إلى جنب دار عمر ودار خالد بن الوليد. قال ابن شبة وابن زبالة : وهي بيد بني أتوب بن سلمة ـ يعني ابن عبد الله بن الوليد بن المغيرة ـ زاد ابن زبالة : أن أيوب بن سلمة اختصم فيها هو وإسماعيل بن الوليد بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة ، يقول أيوب : هي ميراث وأنا أرثها دونكم بالقعد ، أي لأنه أقرب عصوبة ، ويقول إسماعيل : هي صدقة ، أي فيدخل فيها القريب وإن بعد ، فأعطيها أيوب ميراثا بالقعد ، انتهى.

وهذا لأن أيوب المذكور كما ذكر ابن حزم وارث آخر من بقي من ولد خالد بن الوليد ، قال : لانقراض ولد عمه خالد بن الوليد كلهم. قال : وكان قد كثر ولد خالد بن الوليد حتى بلغوا نحو أربعين رجلا ، وكانوا كلهم بالشام ، ثم انقرضوا كلهم في طاعون وقع فلم يبق لأحد منهم عقب ، انتهى. وروى ابن زبالة عن يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال : شكا خالد بن الوليد ضيق منزله إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : «ارفع البناء في السماء وسل الله السّعة» ورواه ابن شبة ، إلا أنه قال : فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اتسع في السماء» وذكر من رواية الواقدي أن خالد بن الوليد حبس داره بالمدينة لا تباع ولا توهب.

قلت : وفي موضعها اليوم مقدم رباط السبيل المتقدم ذكره ، وذلك يدل على صغرها ، بخلاف غيرها من الدور ، ولذلك شكا ضيقها ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

دار أسماء بنت حسين

ثم إلى جنبها دار أسماء بنت الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ، وكانت من دار جبلة بن عمر الساعدي.

قلت : وقد قدمنا ذكر حالها ، وبيان محلها ، في خامس أبواب المسجد.

٢٤٤

دار ريطة

ثم إلى جنبها دار ريطة بنت أبي العباس ، وكانت من دار جبلة ودار أبي بكر الصديق ، قاله ابن زبالة.

قلت : مراده أنه أدخل في دار ريطة من شرقيها ما يليها من دار أبي بكر الصديق [لا] أن دار أبي بكر كانت على سمتها في محاذاة المسجد ، كما توهمه المطري فجعل دار ريطة هي دار أبي بكر ، وأنها المدرسة المقابلة لباب النساء كما قدمناه عنه ، والصواب أن دار أبي بكر كانت خلف المدرسة المذكورة في جهة المشرق ؛ لأن ابن شبة قال في دور بني تيم : اتخذ أبو بكر رضي الله تعالى عنه دارا في زقاق البقيع قبالة دار عثمان رضي‌الله‌عنه الصغرى ، وذكر أن دار عثمان الصغرى هي التي بنحو زقاق البقيع إلى جنب دار آل حزم الأنصاريين. وذكر في خبر مقتل عثمان رضي‌الله‌عنه ما يقتضي أن هذه الدار الصغرى كانت متصلة بداره الكبرى الآتي ذكرها ، وأن قتلته تسوّروا ودخلوا عليه منها. وفي موضعها اليوم الرباط المعروف برباط المغاربة ، ويعرف برباط سيدنا عثمان ؛ فعلم بذلك أن دار أبي بكر كانت في مقابلة ذلك من جهة الشام ؛ فتكون في محل الدور التي في شرقي المدرسة المذكورة إلى ما يحاذي الرباط المذكور ، ولا يبعد أن يكون بعضها دخل في المدرسة المذكور ، ودار أبي بكر هذه هي المرادة بما رواه ابن سعد في طبقاته عن عائشة رضي‌الله‌عنها أن أبا بكر رضي‌الله‌عنه مرض مرضه الذي مات فيه وهو نازل يومئذ في داره التي قطع له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجاه دار عثمان بن عفان ، أي الصغرى ، والله أعلم.

دار عثمان بن عفان

ثم الطريق بين دار ريطة وبين دار عثمان ـ يعني العظمى ـ خمسة أذرع ، قاله ابن زبالة وابن شبة. ونقل المطري عن ابن زبالة أن الطريق بينهما سبعة أذرع ، والذي ذكره ابن زبالة ما قدمناه ، وهي اليوم نحو ذلك ، ويعرف بطريق البقيع.

ثم دار عثمان رضي‌الله‌عنه. وروى ابن سعد في طبقاته عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : لما أقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الدور بالمدينة خطّ لعثمان بن عفان داره اليوم ، ويقال : إن الخوخة التي في دار عثمان اليوم وجاه باب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج منها إذا دخل بيت عثمان ، هذا لفظ ابن سعد.

قلت : وهذه الدار هي التي عبر عنها ابن شبة بقوله «واتخذ عثمان رضي‌الله‌عنه داره العظمى التي عند موضع الجنائز فتصدق بها على ولده فهي بأيديهم صدقة» وقد قدمنا أن في محلها اليوم رباط الأصفهاني وتربة أسد الدين شير كوه عم السلطان صلاح الدين بن أيوب ومعه فيها والد صلاح الدين أيضا ، والدار التي يسكنها مشايخ الخدام.

٢٤٥

دار أبي أيوب الأنصاري

ثم بعد دار عثمان في القبلة الطريق خمسة أذرع ، أو نحو ذلك ، ثم منزل أبي أيوب الأنصاري الذي نزله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وابتاعه المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وجعل فيه ماءه الذي يسقى في المسجد.

قلت : قد قدمنا في الفصل الرابع عشر من الباب الثالث شرح حال هذه الدار ، وأن الملك المظفر شهاب الدين غازي اشترى عرصتها وبناها مدرسة ووقفها على المذاهب الأربعة.

دار جعفر الصادق

ثم إلى جنب منزل أبي أيوب دار جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم التي يسقى فيها الماء ، التي تصدق بها جعفر ، وكانت لحارثة بن النعمان الأنصاري.

قلت : في موضعها اليوم العرصة الكبيرة التي في قبلة المدرسة الشهابية ، وفيها محراب قبلة مسجد جعفر الصادق وأثر محاريب ، وهي الآن ملك الأشراف المنايفة ، ثم انتقلت منهم للشجاعي شاهين الجمالي شيخ الحرم ، ابتناها مسكنا له.

دار حسن بن زيد

وقبالتها ـ أي : في المغرب ـ دار حسن بن زيد بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم ، وهو أطم كان حسن ابتاعه فخاصمه فيه أبو عوف النجاري ، فهدمه حسن ، فجعله دارا.

قلت : وهو الأطم الذي يدعى بفويرع ، وفي موضع هذه الدار اليوم بيت الأشراف المنايفة الذي عليه ساباط متصل بالمدرسة الشهابية ، والبيت الذي في قبلته وما في غربيها إلى دار القضاة بني صالح.

دار فرج الخصي

والطريق خمسة أذرع بينها ـ أي : بين دار حسن المذكورة ـ وبين دار فرج الخصي أبي مسلم مولى أمير المؤمنين ، وكانت دار فرج من دور إبراهيم بن هشام ، وهي قبلة الجنائز ، كان فيها سرب تحت الأرض يسلكه إبراهيم إلى داره دار التماثيل التي كان ينزل بها يحيى بن حسين بن زيد بن علي.

قلت : أما الطريق المذكورة فهي الآخذة من باب المدرسة الشهابية إلى بيت بني صالح ، ودار فرج المذكورة هي الرباط المعروف برباط مراغة ، والطريق المذكورة بينه وبين دار المنايفة ، وأما دار التماثيل التي كان يتوصل إليها ابن هشام بالسرب المذكور فلم يبينها ابن

٢٤٦

زبالة ولا ابن شبة ، غير أنه كان شخص شرع في عمارة الميضأة التي بباب السلام المتقدم ذكرها في دار مروان فوجد سربا تحت الأرض مقبوا عند ركنها القبلي مما يلي المغرب ، وعنده باب الخربة المعروفة بدار الخرازين ، وشرعوا في عمارتها ـ أي دار الخرازين ـ بدلا من رباط الحصن العتيق. وقد دخلتها قبل هدمها ، فرأيت فيها صناعات غريبة في البناء من صناعات الأقدمين ، فترجّح عندي بقرينة وجود السرب عندها ووجود ذلك بها أنها المرادة بدار التماثيل ، والله أعلم.

دار عامر بن الزبير بن العوام

ثم إلى جنب دار فرج الخصي دار عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام ، وكان ابن هشام ـ حين بنى داره ـ أخذ بعض حق عامر ، فقال له عامر : فأين طريقي؟ قال : في النار ، قال عامر : تلك طريق الظالمين.

قلت : وموضعها اليوم البيت الموقوف الذي بيد الخدام ، وهو عن يسار الخارج من خوخة آل عمر ، ويسمونه اليوم بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم ترجع إلى دار عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه من حيث ابتدأت.

قلت : وذكر ابن شبة في دور بني هاشم أن حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه اتخذ الدار التي صارت لآل فرافصة الحنفيين ولآل وردان دبر زقاق عاصم بن عمر ، اه.

وقد تقدم في ذكر سدّ الأبواب إلا ما استثنى ما يقتضي أن حمزة رضي الله تعالى عنه كان له طريق إلى المسجد ، وتقدم بيان زقاق عاصم ؛ فتحصل من ذلك أن دار حمزة رضي الله تعالى عنه كانت في قبلة المسجد ، وهي غير معلومة المحل ، والله أعلم.

الفصل الخامس والثلاثون

في البلاط ، وبيان ما ظهر لنا مما كان حوله من منازل المهاجرين

تحديد مكان البلاط

وقد بوّب البخاري في صحيحه لمن عقل بعيره على البلاط أو باب المسجد ، وأورد فيه حديث جابر قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسجد ، فدخلت إليه ، وعقلت الجمل في ناحية البلاط ، وبوب أيضا للرجم بالبلاط ، وأورد فيه حديث اليهوديين اللذين زنيا ، قال ابن عمر : فرجما عند البلاط. وفي رواية لابن عمر : فرجما قريبا من موضع الجنائز.

وعند أحمد والحاكم من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برجم اليهوديين عند باب المسجد.

وفي الحديث أن عثمان رضي الله تعالى عنه أتى بماء فتوضأ بالبلاط.

وهذا كله مقتض لأن البلاط كان قديما قبل ولاية معاوية رضي‌الله‌عنه.

٢٤٧

وفيما قدمناه ما يبين أنه كان في شرقي المسجد في ناحية موضع الجنائز ، وظاهر كلام ابن زبالة وابن شبة أن أول حدوثه في زمن معاوية رضي‌الله‌عنه ؛ فإنهما رويا عن عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله قال : بلّط مروان بن الحكم البلاط بأمر معاوية رضي‌الله‌عنه ، وكان مروان بلط ممر أبيه الحكم إلى المسجد ، وكان قد أسن وأصابته ريح ، فكان يجر رجليه فتمتلئان ترابا ، فبلطه مروان بذلك السبب ، فأمره معاوية بتبليط ما سوى ذلك مما قارب المسجد ففعل ، وأراد أن يبلط بقيع الزبير فحال ابن الزبير بينه وبين ذلك ، وقال : تريد أن تنسخ اسم الزبير ، ويقال : بلاط معاوية؟ قال : فأمضى مروان البلاط ، فلما حاذى دار عثمان بن عبيد الله ترك الرحبة التي بين يدي داره فقال له عبد الرحمن بن عثمان : لئن لم تبلّطها لأدخلنها في داري ، فبلطها مروان.

واقتصر عياض في بيان البلاط على ما في غربي المسجد منه ، فقال : البلاط موضع مبلط بالحجارة بين المسجد والسوق بالمدينة ، انتهى.

وقد تبع في ذلك أبا عبيد البكري ، وفيه نظر ؛ لأن مقتضى الأحاديث المتقدمة إرادة ما في شرقي المسجد منه ، ومع ذلك فهو في شرقي المسجد وغربيه والشام.

وقال ابن شبة : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا من يوثق به من أهل العلم أن الذي بلط حوالي مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحجارة معاوية بن أبي سفيان رضي‌الله‌عنهما ، أمر بذلك مروان بن الحكم ، وولي عمله عبد الملك بن مروان ، وبلط ما حول دار عثمان بن عفان الشارعة على موضع الجنائز.

حدود البلاط

وحدّ ذلك البلاط الغربي : ما بين المسجد إلى خاتم الزوراء عند دار العباس بن عبد المطلب بالسوق. وحده الشرقي إلى دار المغيرة بن شعبة رضي‌الله‌عنه التي في طريق البقيع من المسجد. وحده اليماني إلى حد زاوية دار عثمان بن عفان الشارعة على موضع الجنائز. وحده الشامي وجه حش طلحة خلف المسجد ، وهو في المغرب أيضا إلى حد دار إبراهيم ابن هشام الشارعة على المصلي.

وللبلاط أسراب ثلاثة تصب فيها مياه المطر ؛ فواحد بالمصلى عند دار إبراهيم بن هشام ، وآخر على باب الزوراء عند دار العباس بن عبد المطلب بالسوق ، ثم يخرج ذلك الماء إلى ربيع في الجبانة عند الحطابين ، وآخر عند دار أنس بن مالك في بني جديلة عند دار بنت الحارث ، اه.

ويؤخذ من ذلك أن البلاط كان من المغرب فيما بين المسجد وبين الدور المطيفة به.

ويمتد البلاط الآخر من باب الرحمة إلى أن يصل إلى الصواغ وسوق العطارين اليوم ،

٢٤٨

ويستمر كذلك إلى حد سوق المدينة الأول عند أحجار الزيت ومشهد مالك بن سنان ؛ فهناك خاتم الزوراء عند دار العباس ، وهو خاتم البلاط ، وذلك ما بين مشهد مالك بن سنان والدور المواجهة له كما سنبينه في ذكر سوق المدينة ، وهو موجود اليوم في تلك الجهة.

ويمتد أيضا البلاط الآخذ من باب السلام إلى أن يصل إلى المدرسة الزمنية ، وينعطف لجهة الشام حتى يتصل بالبلاط الممتد من باب الرحمة لجهة سوق الصواغ والعطارين ، وهذا الجانب منه هو الذي تقدمت الإشارة إليه بأن عنده أصحاب الفاكهة.

وفي طبقات ابن سعد عن محمد بن عمرو في دار حكيم بن حزام المتقدم ذكرها فيه أنها عند بلاط الفاكهة عند زقاق الصواغين ، انتهى.

ثم يمتد البلاط الآخذ من باب السلام في الاستقامة من المدرسة الزمنية فيمر بالموضع المعروف اليوم بسويقة ، فيجاوز باب المدينة المعروف بباب سويقة حتى يصل إلى المصلى ، وهذا معنى قوله «وهو في المغرب أيضا إلى حد دار إبراهيم بن هشام الشارعة على المصلى».

وهذه الناحية من البلاط الغربي هي المسماة بخط البلاط الأعظم ، وما كان عن يمين الماشي في هذا البلاط قاصدا باب السلام فهو الذي يعبر عنه بميمنة البلاط الأعظم ، وما كان عن يساره فهو الذي يعبر عنه بميسرة البلاط الأعظم.

وأما البلاط الشرقي فحده من القبلة ظاهر عند زاوية الدار التي يسكنها مشايخ الخدام من دار عثمان وزاوية رباط مراغة.

ومن المشرق يمتد في زقاق البقيع إلى خارج باب رباط المغاربة عند ما يعطف من آخر الدور التي قدمنا أنها في محل دار أبي بكر رضي‌الله‌عنه المقابلة لرباط المغاربة ، ولعل دار المغيرة بن شعبة هي التي تواجهك حين تعطف هناك ، ثم تكون على يسارك وأنت ذاهب إلى البقيع في مقابلة الرباط المعروف برباط الصادر والوارد ، ولعل البلاط كان متصلا بها.

وقد قال ابن شبة في دور بني عبد شمس : إن عثمان رضي الله تعالى عنه اتخذ أيضا دار المغيرة بن شعبة التي بالبقيع فعارض المغيرة إلى دار عثمان بن عفان التي يقال لها دار عمرو ابن عثمان التي بين دار المغيرة بن شعبة اليوم وبين دار زيد بن ثابت من الأنصار ، انتهى.

فدار المغيرة التي ناقل بها عثمان ليست المرادة ؛ لأنه قال فيها «إنها بالبقيع» وذكر في هذه التي حدد بها البلاط أنها بزقاق البقيع.

وأيضا قد قدمنا قول محمد بن عقيل في خبره في سقوط جدار الحجرة «حتى إذا كنت عند دار المغيرة بن شعبة لقيتني رائحة لا والله ما وجدت مثلها قط» فإنه يدل على قرب دار المغيرة من المسجد.

٢٤٩

وأيضا فمن الشائع بين الناس اليوم نسبتهم إلى عثمان رضي الله تعالى عنه الدار التي في شرقي الدار التي قلنا لعلها دار المغيرة بينها وبينها ساباط ، ولعلها التي كانت لعثمان وناقل بها المغيرة إلى داره التي بالبقيع ، وقد قال في وصفها «إنها بين دار المغيرة اليوم ودار زيد بن ثابت» فتكون دار زيد بن ثابت هي التي تلي ذلك في المشرق أيضا على يسار الذاهب إلى البقيع ، وما عن يمينه مما يلي رباط المغاربة دور آل حزم من الأنصار.

وقد قال ابن شبة : إن عتبة بن غزوان حليف بني نوفل بن عبد مناف اتخذ داره التي بالبقيع إلى شرقي دور آل حزم الأنصار ؛ فتكون على يمين الذاهب إلى البقيع بعد دور آل حزم.

فأما البلاط الشامي فمحله ظاهر بين المسجد والدور التي قدمناها في شاميه ، لكن حدث فيه دور لاصقة بالمسجد بعد سد الأبواب التي في تلك الجهة كما قدمناه.

وأما ما ذكره ابن شبة من أن الماء الذي يصب في السرب الذي بالمصلى والسرب الذي عند دار العباس يخرج إلى ربيع في الجبانة عند الحطابين فالمراد أنه يخرج إلى الربيع المذكور في شامي سوق المدينة عند سوق الحطابين قرب ثنية الوداع ، لما سيأتي في ترجمة الجبانة.

وقوله «إن السرب الآخر عند دار أنس بن مالك في بني جديلة عند دار بنت الحارث» فأما دار أنس فلم يتحرر لي معرفتها ، غير أنه سيأتي في بئره ـ وكانت في داره ـ ما ترجح عندنا في محلها ؛ فيؤخذ منه أن داره كانت عند البئر المعروفة اليوم بالرباطين خلف الحديقة المعروفة بالرومية في شامي سور المدينة.

وأما دار بنت الحارث فلم أعلم محلها ، وعلى ما ذكرناه في دار أنس تكون في محل الحديقة المعروفة بالرومية أو ما حولها. ودار بنت الحارث هذه لها ذكر في أماكن كثيرة ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينزل بها الوفود ، وجعل بها أسرى بني قريظة حتى خندق لهم الخنادق بالسوق وقتلوا.

وروى ابن زبالة عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى نفر من أصحابه من قريش والأنصار وهم في دار بنت الحارث ، فلما رأوه أوسعوا له ـ الحديث.

وبنت الحارث : اسمها رملة. وهذه الأسراب الثلاثة لا يعرف منها شيء اليوم.

وقد علا الكبس على كثير من البلاط ، ولم يبق ظاهرا منه إلا ما حول المسجد النبوي وشيء من جهة بيوت الأشراف ولاة المدينة. وله بلاليع يجتمع الماء فيها ، فإذا كثرت الأمطار تجتمع حول المسجد لامتلاء تلك البلاليع ، فيصير أمام أبواب المسجد كالغدران الكبار ، خصوصا في شرقي المسجد ، فحفر الشمس بن الزمن متولي العمارة الشريفة البلّاعة التي في

٢٥٠

شرقي المسجد وتتبع ما حولها ، فوجد سربا تحت الأرض آخذا من شرقي المسجد إلى جهة زقاق المناصع ، وتتبعه حتى وصل إلى الحوش المعروف اليوم بحوش الحسن ، فوجد الناس قد بنوا هناك ، ولم يتمكنوا من تتبعه إلا بهدم الأبنية فتركوه ، وهذا هو السرب الذي تقدم أنه كان يخرج عند دار أنس بن مالك في بني جديلة.

ثم إن متولي العمارة حفر سربا لتلك البلاليع التي عند أبواب المسجد ، وأوصلها بالسرب الذي يسير فيه وسخ العين ؛ فحصل بذلك غاية النفع ، وصار الماء لا يقف بعد ذلك بأبواب المسجد ، ووجد البلاط الأول على أكثر من نصف قامة من الأرض فيما يلي الصاغة وسوق العطارين ، وكذا في شامي المسجد.

وأما الدور المطيفة بالبلاط الأعظم ـ وهو الآخذ من باب السلام إلى المصلى ـ ففي قبلة منازل بني زريق ، وسيأتي من كلام ابن شبة نقلا عن أبي غسان أن ذرع ما بين مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي عنده دار مروان وبين المسجد الذي يصلي فيه العيد بالمصلى ألف ذراع ، وقد ذرعناه فكان كذلك ، لكن الذي يظهر أن البلاط لم يكن متصلا بمسجد المصلى ؛ لأنه ذكر أن نهايته دار ابن هشام ، ولم تكن الدور متصلة بنفس المسجد.

بيان الدور المطيفة بالبلاط

فأول الدور المطيفة بهذا البلاط مما يلي المصلى في ميسرته دار إبراهيم بن هشام المخزومي.

وفي ميمنته في قبلتها جانحا إلى المغرب دار سعد بن أبي وقاص ، والطريق بينهما. ودار سعد هذه قال ابن شبة : إنها هي التي في دبر دار جبى ، ولها فيها طريق مسلمة.

قال : وسمعت من يقول : كانتا دارا واحدة لسعد ، وإن عمر بن الخطاب كان قاسمه إياها ، وكانت دار جبى قسيمة هذه الدار حين قاسمه ماله مقدم سعد من العراق ، فاشترى دار جبى عثمان بن عفان ، ثم صارت لعمرو بن عثمان ، وكانت جبى أرضعت عمرا فوهبها لها ، فكانت بيدها ، حتى سمعت نقيضا في سقف بيتها فقالت لجاريتها : ما هذا؟ قالت : السقف يسبح ، قالت : ما سبح شيء قط إلا سجد! فخرجت ، فاضطربت خباء بالمصلى ، ثم باعت الدار من بعض ولد عمر بن الخطاب. قال : وسمعت من يقول : إن عثمان نفسه أقطعها إياها.

ثم يليها في ميمنة البلاط المذكور دار لسعد بن أبي وقاص أيضا ، وكانت لأبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فناقله أبو رافع إلى داريه بالبقال ، وكانتا دارا لسعد.

وفي ميسرة البلاط في مقابلة هذه الدار دار لسعد أيضا ، والطريق بينهما عشرة أذرع ، ودور سعد صدقة.

٢٥١

وقد ذكر ابن شبة كتاب وقفها. وبقي من دوره دار أخرى قال ابن شبة : واتخذ سعد أيضا دارا بالمصلى ، بين دار عبد الحميد بن عبيد الكناني وبين الزقاق الذي يسلك في بني كعب عند الحمارين ، وفتح في طائفة من أدنى داره بابا في الزقاق ، حتى صارت كأنها داران.

قلت : وسيأتي ذكر منازل بني كعب ، وذكر الحمارين ، ويعلم من مجموع ذلك أن زقاق الحمارين كان في قبلة البيوت التي بالمصلى والبيوت التي في قبلة البلاط ببين زريق.

ثم يلي دار سعد التي كانت لأبي رافع في ميمنة البلاط المذكور دار آل خراش من بني عامر ابن لؤي ، وتعرف بدار نوفل بن مساحق بن عمرو العامري وفي دبرها من جهة القبلة كتّاب عروة رجل من اليمن ، كان يعلم. وفي كتاب عروة مسجد بني زريق ، وعنده دار رفاعة بن رافع. ودار آل خراش هذه هي التي عناها ابن شبة بقوله : وقال ـ يعني أبا غسان ـ : وحدثني عبد العزيز أن رافع بن مالك الزرقي قتل بأحد فدفن في بني زريق ، قال : وقيل : إن موضع قبره اليوم في دار آل نوفل بن مساحق التي في بني زريق في كتاب عروة ، وصارت للعباس بن محمد. ثم يلي دار آل خراش في الميمنة أيضا دار الربيع التي يقال لها دار حفصة ، وهي مولاة لمعاوية بن أبي سفيان ، كانت تسكنها فنسبت إليها قبل ، وكانت هذه الدار قطيعة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعثمان بن أبي العاص الثقفي ، فابتاعها من ولده معاوية بن أبي سفيان وكانت معها لعثمان أيضا دار آل خراش المتقدمة إلى جنبها ، ويقال : إنه ابتناها في قطيعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إياه أيضا. وفي الميسرة في شامي الدارين المذكورين مقابلا لهما دار نافع بن عتبة بن أبي وقاص التي ابتاعها الربيع مولى أمير المؤمنين من ولد نافع ، وتعرف أيضا بدار الربيع. وفي دبر الدار المتقدمة التي يقال لها دار حفصة من القبلة دار عبد بن زمعة ، قال ابن شبة : واتخذ عبد بن زمعة داره التي في كتاب عروة إلى حدها الشامي ، فتكون دار حفصة بينها وبين البلاط بابها لازق في كتاب عروة ، أي في غربيها. وفي قبلة دار عبد بن زمعة دار ابن مشنو ، قال ابن شبة أيضا : واتخذ عبد الرحمن بن مشنو داره التي في كتاب عروة حدها من الشام دار عبد بن زمعة ، وحدّها من المشرق كتاب إسحاق الأعرج بابها لاصق في كتاب عروة أي في غربيها أيضا ، وهي صدقة منه. وفي قبلة دار ابن مشنو دار عمار بن ياسر فإنها حد دار ابن مشنو من القبلة ، قال ابن شبة : واتخذ عمار ابن ياسر داره التي في بني زريق ، وكانت من دور أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبابها وجاه دار عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أي الذي في شرقيها ، وكانت أم سلمة أعطته إياها ، ولها خوخة شارعة في كتاب عروة أي في المغرب وهي خوخة عمار نفسه ، انتهى ؛ فهذه الدور الثلاثة مصطفة في القبلة خلف دار حفصة المذكورة ، وخلف الدار الآتية بعدها ، وبينهن من

٢٥٢

المغرب كتاب عروة ومسجد بني زريق ، ومن المشرق زقاق دار عبد الرحمن بن الحارث الآتي ذكره.

وذكر ابن شبة ما حاصله أن دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي في بني زريق ، فيما بين دار ابن أم كلاب الشارعة على المصلى إلى دار رفاعة بن رافع الأنصاري قبالة مسجد بني زريق.

ثم يلي دار الربيع التي يقال لها دار حفصة في ميمنة البلاط دار أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. ثم يليها في الميمنة أيضا زقاق دار عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وداره هي التي تقدم أنها تقابل دار عمار بن ياسر في الشرق ، وبينها وبين البلاط الداران الآتي ذكرهما ، وهذا الزقاق سيأتي له ذكر في رجوعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من صلاة العيد.

وكذا دار أبي هريرة هذه ، قال ابن شبة : اتخذ أبو هريرة الدوسي دارا بالبلاط بين الزقاق الذي فيه دار عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وبين خط البلاط الأعظم ، فباعها ولده من عمر بن بزيع.

والذي ظهر لي بعد التأمل فيما ذكره ابن شبة في هذه الدور ـ بقرينة ما سنذكره إن شاء الله تعالى ـ أن زقاق عبد الرحمن بن الحارث هو أول زقاق يلقاك عن يمينك إذا دخلت من باب المدينة اليوم تريد المسجد ، وظهر لي أيضا أن دار هشام والدار الثانية التي تليها في الميسرة وبعض الثالثة كنّ من خارج سور المدينة ، وكذلك ما يقابل ذلك في الميمنة من داري سعد وبعض دار آل خراش.

ثم يلي زقاق عبد الرحمن بن الحارث في ميمنة البلاط دار عبد الله بن عوف. ثم يليها في الميمنة زقاق أبي أمية بن المغيرة ، قال ابن شبة في دور بني زهرة : واتخذ عبد الله بن عوف ابن عبد عوف دارا بالبلاط بين زقاق دار عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وبين زقاق دار أبي أمية بن المغيرة ، ويقال لها : دار طلحة بن عبد الله بن عوف ؛ فهي صدقة بأيدي ولده إلا شيئا خرج منها صار لبكار بن عبد الله بن مصعب الزبيري. ويلي دار أبي أمية التي نسب إليها الزقاق المذكور في قبلتها دار الحويطب بن عبد العزى بينها وبين دار سعيد بن عمرو بن نفيل ، وهما شارعتان في خط الحمارين الشارع إلى دار ابن عتبة ببني زريق شرقي دار أبي أمية ، وفي شرقيها أيضا دار صهيب بن سنان ، وكانت لأم سلمة رضي الله تعالى عنها ، وكل هذه الدور في بني زريق.

ولنرجع إلى جهة الميسرة فنقول : وفي الميسرة في مقابلة دار أبي هريرة وبعض التي قبلها دار حويطب بن عبد العزى ، وهي غير داره السابقة ، وتلك ليست في البلاط كما قدمناه ، قال ابن شبة في دور بني عامر بن لؤي : واتخذ حويطب بن عبد العزى داره التي بين دار

٢٥٣

عامر ابن أبي وقاص وعتبة بن أبي وقاص ، بالبلاط منها البيت الشارع على خاتمة البلاط بين الزقاق الذي إلى دار آمنة بنت سعد وبين دار الربيع مولى أمير المؤمنين ، وهي صدقة منه على ولده ، انتهى. ولم يذكر لعتبة بن أبي وقاص دارا بالمدينة. والذي انتقل إلى المدينة واتخذ بها الدار إنما هو ابنه نافع ، وداره هي المتقدم ذكرها التي صارت للربيع ؛ فهي المرادة.

وقال في بيان دار عامر بن أبي وقاص الزهري : واتخذ عامر بن أبي وقاص داره التي في زقاق حلوة بين دار حويطب بن عبد العزى وبين خط الزقاق الذي فيه دار آمنة بنت سعد بن أبي سرح ، انتهى.

فيتلخص من ذلك أن دار حويطب المذكورة في شرقي دار الربيع المتقدمة في الميسرة وإلى جانبها خاتمة البلاط ، وهو اليوم الزقاق الذي بين سور المدينة وبين البيوت المقابلة له ولمشهد سيدنا مالك بن سنان على يسارك عند ما تدخل من باب المدينة ، وأن من دار حويطب بيتا خلفها من جهة جانبها الغربي شارعا على خاتمة البلاط المذكورة ، وخلفه من جهة الشام الزقاق الذي فيه دار آمنة ، وتكون دار عامر بن أبي وقاص خلف دار حويطب من جهة جانبها الشرقي ، ويكون زقاق حلوة في شرقيهما ، ولعله المعروف اليوم بزقاق الطول ؛ لانطباق الوصف المذكور عليه ، وسيأتي لزقاق حلوة ذكر في الآبار.

ثم في الميسرة أيضا دار عبد الله بن مخرمة قال ابن شبة في دور بني عامر بن لؤي : اتخذ عبد الله بن مخرمة داره التي في البلاط الشارع بابها قبالة دار عبد الله بن عوف التي فيها بنو نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة ، وخرج عنهم بعضها فهو في يد ورثة عمر بن بزيع مولى أمير المؤمنين.

ولنرجع إلى جهة الميمنة فنقول : ثم إلى زقاق دار أبي أمية في الميمنة من شرقيه دار خالد بن سعيد الأكبر بن العاص التي يقال لها دار سعيد بن العاص الأصغر بن سعيد بن العاص ، ويقال لها دار ابن عتبة ، وإنما ورثها عبد الله بن عتبة عن عمه خالد بن سعيد.

ويقابلها في الميسرة دار أم خالد التي لآل خالد بن الزبير بن العوام ، ورثوها عن أمهم أم خالد بن سعيد بن العاص ، وقيل : إنهما قطيعة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم يلي دار خالد بن سعيد في الميمنة دار أبي الجهم ، ثم دار نوفل بن عدي ، ثم دار آل المنكدر التّيمي. قال ابن شبة في دور بني عدي : واتخذ أبو الجهم داره التي بين دار سعيد بن العاص التي يقال لها دار ابن عتبة وبين دار نوفل بن عدي بابها شارع في البلاط.

قلت : وهذه الدار هي المرادة بما رواه مالك في الموطأ عن عمه أبي سهل بن مالك بن أبي عامر عن أبيه : كنا نسمع قراءة عمر بن الخطاب ونحن عند دار أبي جهم بالبلاط ، وكذا بما رواه البيهقي عن موسى بن عقبة أن رجال بني قريظة قتلوا عند دار أبي جهم التي

٢٥٤

بالبلاط ، ولم يكن يومئذ بلاط ، فزعموا أن دماءهم بلغت أحجار الزيت التي كانت بالسوق.

وقال ابن شبة في دور بني أسد : واتخذ نوفل بن عدي بن أبي حبيش دارين : إحداهما التي بالبلاط عند أصحاب الرباع بين دار المنكدر التيمي وبين دار آل أبي جهم العدويين ، والدار الأخرى في بني زريق وجاه الكتاب الذي يقال له كتاب آل زيان بين منزل أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام الذي صار لبني عبيد بن عبد الله بن الزبير وبين حد الزقاق الذي عند الحمارين ، دبرهما دار هانئ التي بأيدي آل جبر ، انتهى.

وهذه الأمور التي ذكرها في الدار الثانية حول ما خلف دار سعيد بن العاص المسماة دار ابن عتبة من جهة القبلة ، والزقاق الذي ذكره هناك عند الحمارين يمتد في المغرب إلى المصلّى في قبلة دور سعد بن أبي وقاص.

وقد ذكر ابن شبة أيضا أن دار رويشد الثقفي التي يقال لها القمقم في كتاب ابن زيان هي التي حرّقها عليه عمر بن الخطاب في الشراب ، وكان رويشد حمارا ، وفي غربي هذه الدار أدنى دار علي بن عبد الله بن أبي فروة ، وشرقيها الطريق بينها وبين بيوت آل مصبح ، ويمانيها دار الأويسيين التي لسكن خالد بن عبد الله الأويسي ، وشاميها قبلة بيوت آل مصبح التي بينها وبين دار موسى بن عيسى ، وبيوت آل مصبح ذكرها في دور بني عامر ابن لؤي فقال : واتخذ ابن أم مكتوم دارا هي البيوت التي للمصبحين بين دار آل زمعة بن الأسود وبين شرقي القمقم ، انتهى. وهذه الأمور أيضا حول الدور المتقدمة في بني زريق.

وقوله في دار نوفل الأولى وهي المقصودة لأنها التي في ميمنة البلاط وأنها عند أصحاب الرباع ، لم أعلم المراد به ، غير أن في طبقات ابن سعد أن دار حويطب بن عبد العزى المتقدم ذكرها في الميسرة عند أصحاب المصاحف ، فإنه قال في ترجمته : وله دار بالبلاط عند أصحاب المصاحف ، فلعل المراد بالرباع المصاحف ؛ لأن المصحف يسمى ربعة ؛ فيستفاد منه أن هذه الناحية من البلاط ميمنة وميسرة تسمى بذلك ، لكن قال ابن شبة في دور العباس بن عبد المطلب ما لفظه : وقد سمعت من يذكر أن دار فضالة بن الحكم بن أبي العاص التي بالبلاط الخربة التي عند أصحاب الرباع على يمين من سلك إلى بني جديلة كانت مربدا للعباس رضي‌الله‌عنه ، ويقال : إنها كانت مربدا لنعم الصدقة ، انتهى.

وهو يقتضي أن أصحاب الرباع ليسوا في البلاط الأعظم ، لأنه ليس فيه مسلك إلى بني جديلة ، وإنما يتوصل منه إلى بني جديلة بعد إتيان البلاط الآخر الذي هو موضع سوق المدينة اليوم عند درج العين ، وقد تقدم أن ذلك يسمى بموضع الفاكهة ، والله أعلم.

هذا ما علمته من الدور التي بهذا البلاط ، وفي الاقتصار عليها كفاية ؛ لأن المقصود

٢٥٥

المهم لنا من ذلك ما يتعلق ببيان مسجد بني زريق ، وبطريق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذهابه إلى المصلى ورجوعه منها كما سيظهر لك.

وأما البلاط الممتد في المغرب إلى سوق المدينة القديم فكان عند خاتمة دار العباس بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه كما تقدم.

وقال ابن شبة في دور العباس : ومنها الدار التي بالزوراء سوق المدينة عند أحجار الزيت ، أقطعها له عمر بن الخطاب ، قال : وقد بلغني أن دار طلحة بن عمر بالبلاط كانت مربدا لدار العباس هذه ، فابتاعها عمر من بعض بنيه. ويقوي ذلك أن المنصور أبا جعفر ابتاع تلك الدار من ولد طلحة بن عمر بأربعين ألف دينار.

ثم ذكر للعباس دارا أخرى ليست في البلاط ، لكنها في شامي هذه الدار ، فقال : ومنها الدار التي إلى جنب دار آل قارط حلفاء بني زهرة ، بينها وبين خطة بني ضمرة ، وهي التي كان عبد الله بن عباس يسكن وجعلت المحررة هناك لطعام كان ابن عباس يطعمه.

قلت : وإنما ذكرنا هاتين الدارين لما سيأتي من ذكرهما في الدار التي أخذ بها هشام بن عبد الملك سوق المدينة.

ويستفاد مما سيأتي في ترجمة أحجار الزيت أن دار العباس التي عند خاتمة البلاط المذكور كانت بقرب مشهد سيدنا مالك بن سنان في شرقيه ، وسيأتي أنه دفن عند مسجد أصحاب العباء ، أي : الذين يبيعون العبي ، وهنا لك كانت أحجار الزيت.

الفصل السادس والثلاثون

فيما جاء في سوق المدينة التي تصدق به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المسلمين ، وذكر دار

هشام بن عبد الملك التي أخذ بها السوق

الرسول ينشئ السوق

روى عمر بن شبة عن عطاء بن يسار قال : لما أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعل للمدينة سوقا أتى سوق بني قينقاع ، ثم جاء سوق المدينة فضربه برجله وقال : هذا سوقكم ؛ فلا يضيق ، ولا يؤخذ فيه خراج.

وروى ابن زبالة عن يزيد بن عبيد الله بن قسيط أن السوق كانت في بني قينقاع حتى حول السوق بعد ذلك.

أسواق المدينة في الجاهلية

وقال ابن شبة : قال أبو غسان : وكان بالمدينة في الجاهلية سوق بزبالة من الناحية التي تدعى يثرب ، وسوق بالجسر في بني قينقاع ، وبالصفاصف بالعصبة سوق ، وسوق يقوم في

٢٥٦

موضع زقاق ابن حيين كانت تقوم في الجاهلية وأول الإسلام ، وكان يقال لذلك الموضع : مزاحم.

وروى ابن شبة أيضا عن صالح بن كيسان قال : ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبة في موضع بقيع الزبير فقال : هذا سوقكم. فأقبل كعب بن الأشرف فدخلها وقطع أطنابها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا جرم لأنقلنّها إلى موضع هو أغيظ له من هذا ، فنقلها إلى موضع سوق المدينة ، ثم قال : هذا سوقكم ، لا تتحجروا ، ولا يضرب عليه الخراج.

وعن أبي أسيد أن رجلا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إني قد رأيت موضعا للسوق ، أفلا تنظر إليه؟ قال : فجاء به إلى موضع سوق المدينة اليوم ـ أي في زمنهم ـ قال : فضرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم برجله وقال : هذا سوقكم ؛ فلا ينقص منه ، ولا يضربن عليه خراج.

وروى ابن زبالة عن عباس بن سهل عن أبيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى بني ساعدة فقال : إني قد جئتكم في حاجة تعطوني مكان مقابركم فأجعلها سوقا ، وكانت مقابرهم ما حازت دار ابن أبي ذئب إلى دار زيد بن ثابت ، فأعطاه بعض القوم ، ومنعه بعضهم ، وقالوا : مقابرنا ومخرج نسائنا ، ثم تلاوموا فلحقوه وأعطوه إياه ، فجعله سوقا.

قلت : وسيأتي ما يبين أن دار ابن أبي ذئب ودار زيد بن ثابت كانتا في شرقي السوق ، الأولى عند أثنائه مما يلي الشام ، والثانية عند أثنائه مما يلي القبلة ؛ فليست المقابر المذكورة سوق المدينة كله ، بل بعضه. وقد قدمنا في منازل بني ساعدة أن ابن زبالة نقل أن عرض سوق المدينة ما بين المصلى إلى جرار سعد ، وهي جرار كان يسقي الناس فيها الماء بعد موت أمه ، وقدمنا أن الذي يترجح أن المصلى حده من جهة القبلة ، وأن جرار سعد حده من جهة الشام ؛ فتكون جرار سعد قرب ثنية الوداع ، وقد قوى الآن ذلك عندي جدّا ، لما سيأتي في ذكر دار هشام.

وروى ابن شبة أيضا وابن زبالة عن محمد بن عبد الله بن حسن أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تصدق على المسلمين بأسواقهم.

وروى ابن زبالة عن خالد بن الياس العدوي قال : قرئ علينا كتاب عمر بن عبد العزيز بالمدينة : إنما السوق صدقة فلا يضربن على أحد فيه كراء.

وعن ابن أبي ذئب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ على خيمة عند موضع دار المنبعث فقال : ما هذه الخيمة؟ فقالوا : خيمة لرجل من بني حارثة كان يبيع فيها التمر ، فقال : حرقوها ، فحرقت. قال ابن أبي ذئب : وبلغني أن الرجل محمد بن مسلمة.

وروى ابن شبة عن أبي مردود عبد العزيز بن سليمان أن عمر بن الخطاب رأى كير حداد في السوق ، فضربه برجله حتى هدمه ، وقال : أتنتقص سوق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟

٢٥٧

وروى ابن زبالة عن حاتم بن إسماعيل عن حبيب قال : مر عمر بن الخطاب على باب معمر بالسوق ، وقد وضع على بابه جرة ، فأمر بها أن تقلع ، فخرج إليه معمر فقال : إنما هذه جرة يسقي فيها الغلام الناس ، قال : فنهاه عمر أن يحجر عليها أو يحوزها. قال : فلم يلبث أن مر عليها وقد ظلل عليها ، فأمر عمر بالجرة والظل فنزعهما.

وعن عبد الله بن محمد قال : كان الراكب ينزل بسوق المدينة فيضع رحله ، ثم يطوف بالسوق ورحله بعينه يبصره ، لا يغيبه عنه شيء.

وروى أيضا قصة أخذ معاوية رضي الله تعالى عنه لدار النقصان من صحن سوق المدينة.

وروى أيضا عن محمد بن طلحة وغيره قال : أحدث إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة في سلطان هشام بن عبد الملك ، وهو يومئذ وال له على المدينة ، دارا أخذ بها سوق المدينة ، وسدّ بها وجوه الدور الشوارع في السوق ، وكتب إلى هشام يذكر له عليها وعظيم قدرها ، فكتب إليه هشام يأمره بإمضائها وإمضاء عين السوق ، وكان أحدثها في سكك أهل المدينة ، ودخلت في بعض منازلهم ، فكتب إليه أن أمضها وإن كانت في بطونهم.

قلت : ونقل ابن شبة عن أبي غسان أنه قال : كان الذي هاج هشام بن عبد الملك على بناء داره التي كانت بالسوق أن إبراهيم بن هشام بن إسماعيل كان خال هشام بن عبد الملك ، وكان ولاه المدينة ، فكتب إليه إبراهيم ، فذكر أن معاوية بن أبي سفيان بنى دارين بسوق المدينة يقال لإحداهما دار القطران والأخرى دار النقصان ، وضرب عليهما الخراج ، وأشار عليه أن يا بني دارا يدخل فيها سوق المدينة ، فقبل ذلك هشام ، وبناها ، وأخذ بها السوق كله ، انتهى.

وقال ابن زبالة عقب ما تقدم : فابتدأ الدار من خاتمة البلاط أي الذي عند دار العباس بالزوراء بقرب مشهد مالك بن سنان رضي‌الله‌عنه ، فيكون هذا الجدار في شرقي السوق ، وهذا أول الجدار المذكور مما يلي القبلة ، وما سيأتي فيه دال على أنه استمر يمده إلى جهة الشام ، وليس ابتداء هذا الجدار من القبلة أول السوق لما سيأتي ، بل بقي منه بقية في جهة القبلة إلى المصلى سيأتي ذكرها.

قال ابن زبالة عقب ذكره لابتداء الدار من خاتمة البلاط : فمضى بها حتى سد بها وجه دار العباس بن عبد المطلب ، أي التي عند خاتمة البلاط ودار نخلة ، وكانت لآل شيبة بن ربيعة ، وإنما سميت دار نخلة لنخلة كانت فيها. ثم دار معمر العدوي التي كان يجلس صاحب السوق بفنائها. ثم دار خالد بن عقبة التي بفنائها أصحاب الرقيق.

٢٥٨

وجعل لبني ساعدة طريقا مبوبة ، ثم أخذ وجه دار ابن جحش. ثم وجه دار ابن أبي فروة التي كانت لعمر بن طلحة بن عبيد الله ، ثم وجد دار ابن مسعود ، ثم وجه دار زيد بن ثابت ، وجعل للطريق منفذا مبوبا. ثم وجه دار جبير بن مطعم التي فيها أصحاب العباء. ثم وجه دار القارظيين. ثم وجه دار العباس بن عبد المطلب ، أي الثانية التي كان عبد الله بن عباس يسكنها ، وجعل لبني ضمرة طريقا مبوبا. ثم وجه دار ابن أبي ذئب. ثم دار آل شويفع. ثم صدقة الزبير ، وجعل لبني الديل طريقا مبوبا.

قلت : وهذا الطريق عند نهاية هذا الجدار الشرقي مما يلي الشام قرب ثنية الوداع ، والطرق المذكورة قبله كلها في الجدار المذكور خططها في المشرق.

ثم بين ابن زبالة ما يقابل هذا الجدار في المغرب مبتدئا بما يقابله من جهة القبلة ، ثم إلى الشام فقال عقب ما تقدم :

ثم أخذ بها من الشق الآخر ، فأخذ وجه الزوراء ووجه دار ابن نصلة الكناني. ثم على الطاقات حتى ورد بها خيام بني غفار ، وجعل لمخرج بني سلمة من زقاق ابن جبير بابا مبوبا عظيما يغلق. ثم مضى بها على دار النقصان ودار نويرة ، وجعل لسكة أسلم بابا مبوبا. ثم مضى بها على دار ابن أزهر ودار ابن شهاب ودار نوفل بن الحارث حتى جاوز بها دار حجارة ، وكانت لعبيد الله بن عباس بن عبد المطلب ، حتى إذا جاوز بها دار حجارة جعل لها بابا عظيما يقابل الثنية.

قلت : يعني ثنية الوداع ، وهذا الباب في جهة الشام كما صرح به ابن شبة فقال ، عقب ما تقدم : وجعل لها بابا شاميا خلف شامي زاوية دار عمر بن عبد العزيز بالثنية. ثم جعل بينها وبين دار عمر بن عبد العزيز عرضا ثلاثة أذرع ، ثم وضع جدارا آخر وجاه هذا الجدار. ثم قاد الأساس بينه وبين الدور كلها ثلاثة أذرع حتى الزقاق الذي يقال له زقاق ابن جبير ، جعل عليه بابا ، وجعل على الزقاق الذي يقال له زقاق بني ضمرة عند دار آل أبي ذئب بابا. ثم جعل على الزوراء خاتم البلاط أي بابا ؛ فيستفاد منه جعل باب هناك ، وليس في كلام ابن زبالة تعرض له.

ثم إن ابن زبالة ذكر ما بقي من شقي الدار الغربي والشرقي مما يلي القبلة إلى المصلى ، فقال عقب كلامه السابق : ثم ساقها من الشقين جميعا الغربي والشرقي فسد بها وجوه الدور ، وأخذ بها السوق فسد بها من الشق الشرقي وجه دار قطران ، وكانت من دور معاوية. ثم وجه دار ابن جودان وتلك الدور.

ومن الشق الغربي دار حجارة لكثير بن الصلت ، وكانت قبله لربيعة بن دراج الجمحي. ثم وجه الربعة التي فيها دار آل أبي عثمان حلفاء أزهر بن عبد عوف. ثم جعل للسكة

٢٥٩

منفذا. ثم وجه دار التمارين ، وكانت لمعاوية بن أبي سفيان ، وقبله لسعيد بن عبد الرحمن بن يربوع.

فلما بلغ ابن هشام بالدار التمارين وقف ، وجعل لها هنالك بابا عظيما يقابل المصلى.

وقال ابن شبة عقب قوله فيما تقدم «وجعل على الزوراء خاتم البلاط» ما لفظه : ثم مد الجدار حتى جاء به على طيقان دار القطران الأخرى الغربي ، حتى جاء بها إلى دار ابن سباع بالمصلى التي هي اليوم لخالصة ، فوضع ثم بابا أي بالمصلى.

قال : ثم بنى ذلك بيوتا ؛ فجعل فيه الأسواق كلها ، فكان الذي ولى ابن هشام أي على بنائها سعد بن عبد الرحمن الزرقي من الأنصار ، فتم بناؤها إلا شيئا من بابها الذي بالمصلى.

ونقلت أبوابها إليها معمولة من الشام ، وأكثرها من البلقاء ، انتهى.

وقال ابن زبالة عقب كلامه السابق : وفعل ذلك في بقيع الزبير ، وضرب عليه طاقات ، وأكراها ، وسد بها وجوه دورهم ، وجعل للسكك منفذا يغلق.

قلت : ومراده أنه جعل في فضاء بقيع الزبير دارا كدار السوق ، ولا يتوهم من ذلك أن بقيع الزبير من جملة السوق ؛ لما سيأتي في ترجمته.

قال ابن زبالة : وجعل لدار السوق حوانيت في أسفلها ، وعلالي تكرى للسكن ، وحملت أبوابها من البلقاء ، فمنها بقية بالمدينة مكتوب فيها البلقاء.

هدم الدار التي وضعت مكان السوق

قال : فبينا الناس لا يدرون بموت هشام إلى أن جاء ابن المكرم الثقفي من الشام بريدا بموته رسولا للوليد بن يزيد ، ويبشرهم بالعطاء ، فصاح حين دخل الثنية : ألا إن هشاما الأحول قد مات ، فوثب الناس على الدار فهدموها ، وعلى عين السوق فقطعوها.

وعبارة ابن شبة : فلم تزل ـ أي تلك الدار ـ على ذلك حياة هشام بن عبد الملك ، وفيها التجار ، فيؤخذ منهم الكراء ، حتى توفي هشام ، فقدم بوفاته ابن مكرم الثقفي ، فلما أشرف على رأس ثنية الوداع صاح : مات الأحول ، واستخلف أمير المؤمنين الوليد بن يزيد ، فلما دخل دار هشام تلك صاح به الناس : ما تقول في الدار؟ قال : اهدموها ، فوقع الناس فهدموها ، وانتهبت أبوابها وخشبها وجريدها ، فلم يمض ثالثة حتى وضعت إلى الأرض. فقال أبو معروف أحد بني عمرو بن تميم :

ما كان في هدم دار السوق إذ هدمت

سوق المدينة من ظلم ولا حيف

قام الرجال عليها يضربون معا

ضربا يفرق بين السور والتحف

ينحطّ منها ويهوي من مناكبها

صخر تقلب في الأسواق كالخلف

وذكر ابن زبالة هذه الأبيات عن أبي معروف ، إلا أنه زاد قبلها ثلاثة أخرى فقال : وقال أبو معروف :

٢٦٠