مناقب الأسد الغالب ممزّق الكتائب ومُظهر العجائب ليث بن غالب أميرالمؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب

شمس الدين محمّد بن عبدالله ابن الجزري

مناقب الأسد الغالب ممزّق الكتائب ومُظهر العجائب ليث بن غالب أميرالمؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب

المؤلف:

شمس الدين محمّد بن عبدالله ابن الجزري


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-4064-7
الصفحات: ٢٠٠

والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة لتخضبن (١) هذه من هذه ، قال : قال الناس : فأعلمنا من هو ، والله لنبيرن عترته (٢) ، قال : أنشدكم بالله أن لا يقتل غير قاتلي ، قالوا : إن كنت قد علمت ذلك استخلف إذا ، قال : لا ، ولكن ، أكلكم إلى ما وكلكم إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد في الأموال والحاكم في الكنى وأبو نعيم في الحليلة عن عمرو بن العلاء ، قال : خطب علي فقال : يأيها الناس ، والله الذي لا إله إلا هو ، ما رزأت (٣) من مالكم قليلا ولا كثيرا إلا هذه ـ وأخرج قارورة من كم قميصه فيها طيب ـ فقال : أهداها إليّ دهقان (٤).

كذا في المنتخب (٥ / ٥٤).

وأخرج ابن مردويه عن عمير بن عبد الملك قال : خطبنا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه على منبر الكوفة ، قال : كنت إن لم أسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابتدأني ، وإن سألته عن الخير أنبأني ، وإنه حدثني عن ربه عزوجل قال : «يقول الله عزوجل : وارتفاعي فوق عرشي ، ما من أهل قرية ، ولا أهل بيت ، ولا رجل ببادية ، كانوا على ما كرهت من معصيتي ، ثم تحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي ؛ إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي ، وما من أهل قرية ولا أهل بيت ، ولا رجل ببادية كانوا على ما أحببت من طاعتي ثم تحولوا عنها إلى ما كرهت من معصيتي ، إلا تحولت لهم عما يحبون من رحمتي إلى ما يكرهون من غضبي». كذا في الكنز (٨ / ٢٠٣).

خطب أمير المؤمنين الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما

أخرج ابن سعد (٣ / ٣٨) عن هبيرة ، قال : لما توفي علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، قام الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما ، فصعد المنبر فقال : أيها الناس ، قد قبض الليلة

__________________

(١) أي لتبتلن لحيتي من دماء رأسي.

(٢) أي لنهلكن أهله وذويه.

(٣) ما رزأت : أي ما نقصت.

(٤) دهقان : عظيم من عظماء الفرس.

٢١

رجل لم تسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، قد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبعثه المبعث ، فيكتنفه (١) جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله ، فلا ينثني حتى يفتح الله له ، وما ترك إلا سبعمائة درهم أراد أن يشتري بها خادما ، ولقد قبض في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى ابن مريم ، ليلة سبع وعشرين من رمضان. وزاد في رواية أخرى : ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه ولم يذكر قوله : ولقد قبض ـ إلى آخره. وعند أبي نعيم في الحلية (١ / ٦٥) عن هبيرة بالسياق الثاني بمعناه. وأخرجه أحمد (١ / ١٩٩) عنه مختصرا.

وعند أبي يعلى وابن جرير وابن عساكر عن الحسن كما في المنتخب (٥ / ٦١) أنه لما قتل علي رضي‌الله‌عنه ، قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

أما بعد : والله لقد قتلتم الليلة رجلا في ليلة نزل فيها القرآن ، وفيها رفع عيسى ابن مريم عليه‌السلام ، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى عليه‌السلام ، وفيها تيب على بني إسرائيل. وأخرجه الطبراني عن أبي الطفيل فذكر بمعنى روايتى ابن سعد ورواية أبي يعلى وغيره وزاد : ثم قال : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم تلا هذه الآية ـ قول يوسف (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) [يوسف : ٣٨] ، ثم أخذ في كتاب الله ، ثم قال : أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عزوجل مودتهم وولايتهم ، فقال فيما أنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣]. قال الهيثمي (٩ / ١٤٦) : رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار وأبو يعلى باختصار والبزار بنحوه إلا أنه قال : ويعطيه الراية ، فإذا حم الوغى (٢) فقاتل جبريل عن يمينه. وقال : وكانت إحدى وعشرين من رمضان ، ورواه أحمد باختصار كثير وإسناد أحمد وبعض طرق البزار والطبراني في

__________________

(١) يكتنفه : يحيطه ويستره.

(٢) اشتدت الحرب.

٢٢

الكبير حسان. انتهى. وأخرجه الحاكم في المستدرك (٣ / ١٧٢) عن علي بن الحسين رضي‌الله‌عنهما بمعنى رواية أبي الطفيل وزاد : وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا ويصعد من عندنا ، وزاد : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) [الشورى : ٢٣] ، فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت. قال الذهبي : ليس بصحيح ، وسكت الحاكم.

أخرج الطبراني عن أبي جميلة أن الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما حين قتل علي رضي‌الله‌عنه استخلف ، فبينا هو يصلي بالناس ، إذ وثب إليه رجل فطعنه بخنجر في وركه ، فتمرض منها أشهرا ، ثم قام فخطب على المنبر ، فقال : يا أهل العراق ، اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وضيفانكم ، ونحن أهل البيت الذين قال الله عزوجل : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣] ، فما زال يومئذ يتكلم حتى ما ترى في المسجد إلا باكيا ، قال الهيثمي (٩ / ١٧٢) : رجاله ثقات ، انتهى. وأخرجه ابن أبي حاتم عن أبي جميلة نحوه ، وفي روايته : فما زال يقولها حتى ما بقي أحد من أهل المسجد إلى وهو يحن بكاء ، كما في التفسير لابن كثير (٣ / ٤٨٦).

أخرج الطبراني في الكبير عن الشعبي قال : شهدت الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما بالنخيلة (١) حين صالحه معاوية رضي‌الله‌عنه ، فقال له معاوية : إذ كان ذا فقم فتكلم ، وأخبر الناس أنك قد سلمت هذا الأمر لي ـ وربما قال سفيان : أخبر الناس بهذا الأمر الذي تركته ـ فقام فخطب على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ـ قال الشعبي : وأنا أسمع ـ ثم قال :

أما بعد : فإن أكيس الكيس التقى ، وإن أحمق الحمق الفجور ، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية : وإما كان حقا لي تركته لمعاوية إرادة صلاح هذه الأمة وحقن دمائهم ، أو يكون حقا كان لامرئ أحق به مني ففعلت ذلك ، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ، قال الهيثمي (٤ / ١٠٨) : وفيه مجالد بن سعيد وفيه كلام وقد وثق وبقية رجاله رجال الصحيح ـ انتهى.

__________________

(١) موضع بالعراق.

٢٣

وأخرج الحاكم (٣ / ١٧٥) من طريق مجالد عن الشعبي قال : خطبنا الحسن بن علي رضي‌الله‌عنه بالنخيلة حين صالح معاوية رضي‌الله‌عنه ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ـ فذكر نحوه ، وزاد بعد قوله : إلى حين : أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. وأخرجه البيهقي (٨ / ١٧٣) من طريقه عنه نحوه.

وذكر ابن جرير في تاريخه (٤ / ١٢٤) أن الحسن بن علي رضي‌الله‌عنه قال في تلك الخطبة :

أما بعد : يا أيّها الناس فإن الله قد هداكم بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا ، وإن لهذا الأمر مدة ، والدنيا دول ، وإن الله تعالى قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [الأنبياء : ١١١].

من أقوال الإمام علي رضي‌الله‌عنه

١ ـ ابذل لصديقك كل المودة ، ولا تبذل له كل الطمأنينة (١) ، وأعطه المؤاساة ولا تفض إليه بكل الأسرار.

٢ ـ أبصر الناس لعوار الناس ، المعور (٢).

٣ ـ أبعد الناس سفرا من كان في طلب صديق يرضاه (٣).

٤ ـ أبى الله إلا خراب الدنيا وعمارة الآخرة (٤).

٥ ـ اتق العواقب ، عالما بأن للأعمال جزاء وأجرا ، واحذر تبعات الأمور (٥) بتقديم الحزم فيها.

٦ ـ إثبات الحجة على الجاهل سهل ، ولكن إقراره بها صعب.

__________________

(١) الطمأنينة : المراد هنا عدم الإفراط في الثقة ، لأن الإفراط فيها نوع من التورط. والشاعر يقول :

احذر عدوك مرة

واحذر صديقك ألف مره

فلربما انقلب الصديق

فكان أعلم بالمضره

(٢) المعور العوار ـ بوزن كلام وقد تضم العين ـ العيب. والمعور : لين العيوب.

(٣) المراد : أن الصديق الذي يرضيك في كل الأحوال معدوم.

(٤) المراد : أن الدنيا دار فناء ، وأن الآخرة دار بقاء ، والآخرة خير وأبقى.

(٥) تبعات الأمور : ما يترتب عليها من جزاء وتكاليف.

٢٤

٧ ـ اثنان يهون عليهما كل شيء : عالم عرف العواقب ، وجاهل يجهل ما هو فيه.

٨ ـ اجتماع المال عند الأسخياء أحد الخصبين ، واجتماع المال عند البخلاء أحد الجدبين (١).

٩ ـ الاجتهاد أربح بضاعة.

١٠ ـ اجعل سرك إلى واحد ، ومشورتك إلى ألف.

١١ ـ اجعل عمرك كنفقة دفعت إليك ، فكما لا تحب أن يذهب ما تنفق ضياعا ، فلا تذهب عمرك ضياعا.

١٢ ـ اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك (٢).

١٣ ـ أجلّ ما ينزل من السماء التوفيق (٣) ، وأجلّ ما يصعد من الأرض الإخلاص (٤).

١٤ ـ أجمل لمن أدل عليك (٥) ، واقبل عذر من اعتذر إليك.

١٥ ـ أجهل الجهال من عثر بحجر مرتين (٦).

١٦ ـ أحب لغيرك ما تحب لنفسك ، واكره له ما تكره لها.

__________________

(١) لأن الأسخياء ينفقون ما يمسكون ، فيعم الانتفاع به ، وتتولد منه نعمة جديدة وأما البخلاء فيمسكونه فيزداد بإمساكه الفقير فقرا.

وصدق المتنبي في قوله :

ومن ينفق الساعات في جمع ماله

مخافة فقر فالذي فعل الفقر

(٢) أي اجعل نفسك حكما عدلا مما يقع بينك وبين غيرك من خلاف ، ولا تتعصب لنفسك.

وأنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك.

(٣) صدق الإمام ، فإنه لا ينفع جهد بغير توفيق حين قد يجني على المرء اجتهاده.

(٤) لأن الإخلاص روح العمل ، والله طيب لا يقبل إلا الطيب ، ونية المرء خير من عمله (والأعمال بالنيات)

(٥) الإدلال والتدلل : الوثوق بالمحبة والانبساط ، فيفرط المدل على من يحبه ، فعلى صاحبه أن يرفق به ويحتمله ، وإكراما لحسن نيته ووثيق محبته.

(٦) فيه إشارة إلى الحكمة لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.

٢٥

١٧ ـ أحب الناس إليك من كثرت أياديه عندك (١).

١٨ ـ احتمال الفقر أحسن من احتمال الذل ، لأن الصبر على الفقر قناعة ، والصبر على الذل ضراعة (٢).

١٩ ـ الاحتمال قبر العيوب (٣).

٢٠ ـ احذروا هذه الدنيا الخداعة الغرارة ، التي قد تزينت بحليها ، وفتنت بغرورها ، وغرت بآمالها ، وتشوقت لخطابها ، فأصبحت كالعروس المجلوة ، والعيون إليها ناظرة ، والنفوس بها مشغوفة ، والقلوب إليها تائقة ، وهي لأزواجها كلهم قاتلة ، فلا الباقي بالماضي معتبر ، ولا الآخر بسوء أثرها غلى الأول مزدجر : ولا اللبيب فيها بالتجارب منتفع. أبت القلوب لها إلا حبا ، والنفوس بها إلا ضنّا فالناس لها طالبان : طالب ظفر بها فاغتر فيها ، ونسي التزود منها للظعن (٤) عنها ، فقل فيها لبثه حتى خلت منها يده ، وزلت عنها قدمه.

٢١ ـ الإحسان يقطع اللسان (٥).

٢٢ ـ احسبوا كلامكم من أعمالكم ، وأقلوه إلا في الخير (٦).

٢٣ ـ أحسن إلى من أساء إليك ، وكافئ من أحسن إليك.

٢٤ ـ أحسن العفو ، فإن العفو مع العدل أشد من الضرب لمن كان له عقل (٧).

٢٥ ـ أحسنوا صحبة النعم ، فإنها تزول ، وتشهد على صاحبها ، بما عمل فيها (٨).

__________________

(١) الأيادي : يقصد به كثرة النعم والإحسان.

(٢) ضرع يضرع ـ بفتح الراء فيها ـ ضراعة : خضع وذل.

(٣) إذا رزق الإنسان قوة الاحتمال ، تغاضى عن إساءات الناس إليه ، فلا يذيع عيوبهم لأن نشر عيوب المسيئين مجازاة ، وهذا ينافي الاحتمال.

(٤) الظعن ـ بفتح العين وسكونها ـ السير. ويقصد بها أن الدنيا خداعة لا أمان لها.

(٥) المراد بقطع اللسان : كفه عن الذم ، وهو كناية لطيفة.

(٦) احسبوا : أي عدوا. من باب نصر وكتب وربما بحسب الكلام من العمل. لأن الإنسان محاسب عليه ، وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم.

(٧) من المسلم به أن العفو يستأسر النفوس الحرة الكريمة ، ولله در المتنبي حيث يقول :

وما قتل الأحرار كالعفو عنهم

ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا

(٨) المراد بإحسان صحبة النعم : شكر الله عليها ، لأن ذلك يزيدها ، (لَئِنْ شَكَرْتُمْ

٢٦

٢٦ ـ احفظ شيئك (١) ممن تستحي أن تسأله عن مثل ذلك الشيء إذا ضاع لك.

٢٧ ـ الأحمق إذا حدّث ذهل (٢) ، وإذا حدّث عجل ، وإذا حمل على القبيح فعل.

٢٨ ـ أحي المعروف بإماتته (٣).

٢٩ ـ الأخ البار مغيض الأسرار (٤).

٣٠ ـ اختر أن تكون مغلوبا وأنت منصف ، ولا تختر أن تكون غالبا وأنت ظالم.

٣١ ـ أخر الشر ، فإنك إذا شئت تعجلته (٥).

٣٢ ـ أداء الأمانة مفتاح الرزق (٦).

٣٣ ـ أدب نفسك بما كرهته لغيرك (٧).

٣٤ ـ إذا أراد الله أن يزيل عن عبده نعمة ، كان أول ما يغير منه عقله (٨).

٣٥ ـ إذا أراد الله أن يسلط على عبد عدوا لا يرحمه سلط عليه حاسدا (٩).

٣٦ ـ إذا أراد الله بعبد خيرا حال بينه وبين شهوته ، وحجز بينه وبين قلبه (١٠) ،

__________________

لَأَزِيدَنَّكُمْ) وأن يشرك الناس فيها ، ليتمتع بحبهم ويأمن حسدهم وكيدهم فإن كل ذي نعمة محسود.

(١) المراد : إذا كنت تملك شيئا تستحي ـ لو أخذه صديقك وضيعه ـ أن تسأله عنه من الحزم ألا تمكنه منه ، حتى لا تخسر صداقته.

(٢) ذهل : بفتح الهاء وكسرها : نسي الشيء وغفل عنه.

(٣) أي لا تذكر الجميل الذي صنعته ، فإن عدم ذكره يشهره ويحييه.

(٤) البار : المطيع الحافظ للود ، ومغيض الأسرار : مجمعها وموضع صيانتها.

(٥) المراد : أن الشر تستطيع أن تفعله في كل وقت ، فمن الخير أن تؤخره حتى تتبين وجه الحزم في ذلك ، ولقد صدق من قال : الشرّ حلو أوله ، مر آخره!!.

(٦) لأن الأمناء يحبهم الناس ، ويثقون بهم ، ويؤثرون العمل معهم.

(٧) أي ما كرهته من غيرك لا تفعله ، وخذ نفسك بدلك حتى يصير لك أدبا.

(٨) لأن العقل أنفس ما أنعم الله به على عبده ، فلا قيمة لنعمة بعد زواله.

(٩) لأن الحاسد لا يرضيه إلا زوال نعمة من يحسده ، فالحسد أشد من العداوة.

(١٠) المراد : أهواء القلوب ونزواتها القاتلة.

٢٧

وإذا أراد به شرا وكله إلى نفسه.

٣٧ ـ إذا أردت أن تصادق رجلا فانظر من عدوه (١).

٣٨ ـ إذا أردت أن تعرف طبع الرجل فاستشره ، فإن تقف من مشورته على عدله وجوره ، وخيره وشره.

٣٩ ـ إذا أرسلت لبعر فلا تأت بتمر ، فيؤكل تمرك ، وتعنف على خلافك (٢).

٤٠ ـ إذا استشارك عدوك فجرد له النصيحة لأنه باستشارتك قد خرج من عداوتك ، ودخل في مودتك.

٤١ ـ إذا انقضى ملك قوم خيبوا في آرائهم (٣).

٤٢ ـ إذا أيسرت فكل الرجال رجالك ، وإذا أعسرت أنكرك أهلك.

٤٣ ـ إذا تزوج الرجل فقد ركب البحر ، فإن ولد له فقد كسر به (٤).

٤٤ ـ إذا حل القدر بطل الحذر (٥).

٤٥ ـ إذا رأت العامة منازل الخاصة من السلطان حسدتها عليها ، وتمنت أمثالها ، فإذا رأت مصارعها ، بدا لها (٦).

٤٦ ـ إذا رغبت في المكارم ، فاجتنب المحارم (٧).

٤٧ ـ إذا زادك الملك تأنيسا ، فزده إجلالا (٨).

__________________

(١) لأن عدو الإنسان يدل عليه ، والسفلة أعداء العلية ، واللئام أعداء الكرام ، والجهلاء أعداء العلماء وهكذا.

(٢) المراد : طاعة ولي الأمر فيما يكلفونك به ـ في غير معصية الله ـ فعندهم من العلم فوق ما عندك. وللأمور ظواهر وبواطن.

(٣) لأن انقضاء الملك دليل على انقضاء التوفيق والسعادة واليمن ، ولأن العثرات تقع تباعا.

(٤) يشير الإمام بذلك إلى عظم تكاليف الزواج والعيال ، وهو أمر مسلم به ، لا أنه يريد التزهيد في الزواج وما يتبعه ، فلا رهبانية في الإسلام.

(٥) المراد : إذا وقع القدر فلا فائدة للحذر.

(٦) بدا لها : أي ظهر لها في ذلك رأي آخر ، فتحمد الله على أنها لم تنل ما نالوا فتصاب بمثل ما أصيبوا به.

(٧) المحارم : جمع محرم كمقعد ، وهو الحرام.

(٨) المراد بالملك هنا : كل ذي سلطان ، ويدخل في ذلك كل من هو فوقك رتبة ، وهذا من صناعة الجميل بمثله (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ.)

٢٨

٤٨ ـ إذا زللت فارجع ، وإذا ندمت فأقلع ، وإذا أسأت فاندم ، وإذا مننت (١) فاكتم ، وإذا منعت فأجمل ومن يسلف المعروف يكن ربحه الحمد.

٤٩ ـ إذا شئت أن تطاع ، فاسأل ما يستطاع.

٥٠ ـ إذا صافاك عدوك رياء منه ، فتلق ذلك بأوكد مودة ، فإنه إن ألف ذلك واعتاده خلصت لك مودته.

٥١ ـ إذا ضحك العالم ضحكة مج من العلم مجة (٢).

٥٢ ـ إذا غضب الكريم ، فألن له الكلام ، وإذا غضب اللئيم فخذ له العصا.

٥٣ ـ إذا فعلت كل شيء ، فكن كمن لم يفعل شيئا (٣).

٥٤ ـ إذا قصرت يدك عن المكافأة ، فليطل لسانك بالشكر (٤).

٥٥ ـ إذا قعدت وأنت صغير حيث تحب ، قعدت وأنت كبير حيث تكره (٥).

٥٦ ـ إذا وضع الميت في قبره اعتورته (٦) نيران أربع : فتجيء الصلاة فتطفئ واحدة ، ويجيء الصوم فيطفئ واحدة ، وتجيء الصدقة فتطفئ واحدة ، ويجيء العلم فيطفئ الرابعة ، ويقول : لو أدركتهن لأطفأتهن كلهن ، فقر عينا : فأنا معك ، ولن ترى بؤسا.

٥٧ ـ إذا وقع في يدك يوم السرور فلا تخله (٧).

__________________

(١) مننت : أعطيت.

(٢) الضحكة : بفتح الضاد ـ المرة الواحدة. والمج : الرمي. حث العلماء على الجد والتوقر والتصون ، وترك الإسفاف ، والتهافت ، لأنهم موضع القدوة والإمامة للناس ، وإلا فالضحك المعتدل في موضع الضحك غير محظور ، وقد كان ضحك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تبسما في عامة أحواله ، وكان يضحك أحيانا حتى تبدو نواجذه.

(٣) المراد : الحث على الإكثار من الأفعال الصالحة.

(٤) وقد أشار المتنبي إلى هذا المعنى بقوله :

لا خيل عندك تهديها ولا مال

فليسعد النطق إن لم تسعد الحال

(٥) لأن الصغير ـ بحكم عقله ـ قد يحب القعود في مواطن لا تفضي به إلى الشرف مستقبلا ، كأماكن اللهو والخلاعة والمرح ويكفي أن نعلم أن الصغار يؤثرون دور الملاهي على المدارس.

(٦) اعتورته : تداولته.

(٧) أي إذا مرت بك أيام سرور فلا تتباءس فيها ، واعمرها بما أحله الله من ألوان الفرح وهي كثيرة.

٢٩

٥٨ ـ إذا نزلت بك النعمة فاجعل قراها (١) الشكر فإنك إذا وقعت في يد يوم الفم لم يخلك.

٥٩ ـ أربع القليل منهن كثير : النار ، والعداوة ، والمرض ، والفقر.

٦٠ ـ أربع يمتن القلب : الذنب على الذنب ، وملاحاة الأحمق (٢) ، وكثرة مثافنة النساء (٣) ، والجلوس مع الموتى.

قالوا : ومن الموتى يا أمير المؤمنين؟

قال : كل عبد مترف (٤).

٦١ ـ أربعة تدعو إلى الجنة : كتمان المصيبة ، وكتمان الصدقة ، وبر الوالدين ، والإكثار من قول : «لا إله إلا لله».

٦٢ ـ أربعة من الشقاء : جار السوء ، وولد السوء ، وامرأة السوء ، والمنزل الضيق.

٦٣ ـ ارحم الفقراء ، لقلة صبرهم ، والأغنياء ، لقلة شكرهم ، وارحم الجميع : لطول غفلتهم.

٦٤ ـ ارض من الناس لك ، ما ترضى لهم به لنفسك.

٦٥ ـ ارفق بالبهائم ، فلا توقف عليها أحمالها ، ولا تبقي بلجمها ، ولا تحمل فوق طاقتها.

٦٦ ـ إساءة المحسن ، أن يمنعك جدواه (٥) ، وإحسان المسيء أن يكف عنك أذاه.

٦٧ ـ استجيروا بالله تعالى ، واستخيروه في أموركم ، فإنه لا يسلم (٦) مستجيرا ، ولا يحرم مستخيرا (٧).

__________________

(١) القرى : ما يقدم للضيف.

(٢) الملاحاة : المنازعة.

(٣) المثافنة : المجالسة والملازمة.

(٤) المترف : المنعم.

(٥) الجدوى : العطية.

(٦) لا يسلمه : لا يتركه للهلاك.

(٧) المستخير : طالب الخير من الله.

٣٠

٦٨ ـ استشارة الأعداء من باب الخذلان.

٦٩ ـ الاستغفار يحت (١) الذنوب حت الورق ، ثم تلا قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء :١١٠].

٧٠ ـ الاستغناء عن العذر أعز من الصدق به (٢).

٧١ ـ أسوأ الناس حالا من لا يثق بأحد لسوء ظنه ، ولا يثق به أحد لسوء أثره.

٧٢ ـ أشجع الناس أثبتهم عقلا في بداهة الخوف (٣).

٧٣ ـ أشد المشاق وعد كذاب لحريص (٤).

٧٤ ـ أشد من البلاء شماتة الأعداء.

٧٥ ـ الأشرار يتتبعون مساوئ الناس ، ويتركون محاسنهم ، كما يتتبع الذباب المواضع الفاسدة.

٧٦ ـ أشرف الأشياء العلم ، والله تعالى عالم يحب كل عالم.

٧٧ ـ اشكر لمن أنعم عليك ، وأنعم على من شكرك.

٧٨ ـ اصحب الناس بأي خلق شئت ، يصحبوك بمثله.

٧٩ ـ أصلح مثواك ، واتبع آخرتك بدنياك.

٨٠ ـ أضر الأشياء عليك أن تعلم رئيسك أنك أعرف بالرياسة منه.

٨١ ـ اطبع الطين ما دام رطبا ، واغرس العود ما دام لدنا.

٨٢ ـ أطع أخاك وإن عصاك ، وصله وإن جفاك.

٨٣ ـ اطلبوا الحاجات بعزة الأنفس ، فإن بيد الله قضاءها.

__________________

(١) الحت : الفرك.

(٢) العذر ـ وإن صدق ـ لا يخلو من تصاغر عند الموجه إليه ، فإنه اعتراف بالتقصير في حقه ، فالبعد عما يوجب الاعتذار أعز.

(٣) البداهة : الفجاءة.

(٤) الحريص : الجشع ـ بفتح فكسر ـ وإنما كان الأمر كذلك ، لأن الكذاب لا ينجز ما وعد ، والحريص مولع بالحصول على ما وعد به.

٣١

٨٤ ـ أطول الناس عمرا من كثر علمه فتأدب به من بعده ، أو كثر معروفه فشرف به عقبه (١).

٨٥ ـ أعداء الرجل قد يكونون أنفع من إخوانه ، لأنهم يهدون إليه عيوبه فيتجنبها ، ويخاف شماتتهم به فيضبط نعمته ، ويتحرز من زوالها بغاية طوقه (٢).

٨٦ ـ اعص هواك والنساء ، وافعل ما بدا لك.

٨٧ ـ أعظم الخطايا عند الله ، اللسان الكذوب. وقائل كلمة الزور ومن يمد بحبلها ، في الإثم سواء.

٨٨ ـ اعف عمن ظلمك.

٨٩ ـ اعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت ، وموقوفون على أعمالكم ، ومجزيون بها ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، فإنها دار بالبلاء محفوفة ، وبالفناء معروفة ، وبالغدر موصوفة ، وكل ما فيها إلى زوال ، وهي بين أهلها دول وسجال ، لا تدوم أحوالها ، ولن يسلم من شر نزالها. بينا أهلها منها في رخاء وسرور ، إذا هم منها في بلاء وغرور ، أحوال مختلفة ، وتارات متصرفة. العيش فيها مذموم ، والرجاء فيها لا يدوم ، وإنما أهلها فيها أعراض مستهدفة فترميهم بسهمامها ، وتقصمهم بحمامها وكل حتفه فيها مقدور وحظه منها موفور.

٩٠ ـ أفضل العبادة الصمت ، وانتظار الفرج.

٩١ ـ أفضل على من شئت تكن أميره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره.

٩٢ ـ الاقتصاد ينمي اليسير ، والفساد يبيد الكثير.

٩٣ ـ أكثروا ذكر الموت ، ويوم خروجكم من قبوركم ، ويوم وقوفكم بين يدي الله ـ عزوجل ـ تهن عليكم المصائب.

__________________

(١) العقب : الولد.

(٢) الطوق : الطاقة والوسع ، بضم الواو وفي هذا المعنى ورد قول الشاعر :

عداي لهم فضل علي ومنة

فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا

هم عرفوني زلّتي فاجتنبتها

وهم نافسوني فارتقيت المعاليا

٣٢

٩٤ ـ أكرم الحسب حسن الخلق (١).

٩٥ ـ اللهم اغفر رمزات الألحاظ (٢) ، وسقطات الألفاظ ، وشهوات الجنان (٣) ، وهفوات اللسان.

٩٦ ـ اللهم إن فههت عن مسألتي ، أو عمهت عن طلبتي ، فدلني على مصلحتي ، وخذ بناصيتي إلى مراشدي (٤) ، اللهم احملني على عفوك ، ولا تحملني على عدلك.

٩٧ ـ اللهم أنت خلقتني كما شئت ، فارحمني كيف شئت ، ووفقني لطاعتك ، حتى تكون ثقتي كلها بك ، وخوفي كله منك.

٩٨ ـ اللهم إنا نعوذ بك من بيات غفلة وصباح ندامة.

٩٩ ـ اللهم إني أسألك إخبات المخبتين (٥) ، وإخلاص الموقنين ، ومرافقة الأبرار ، والعزيمة في كل بر ، والسلامة من كل إثم ، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار.

١٠٠ ـ ووقف على قوم أصيبوا بمصيبة ، فقال :

إن تجزعوا فحق الرحم بلغتم ، وإن تصبروا فحق الله أديتم.

١٠١ ـ إن حسدك أخ من إخوتك على فضيلة ظهرت منك ، فسعى في مكروهك ، فلا تقابله بمثل ما كافحك به ، فتعذر نفسه في الإساءة إليك ، وتشرع له طريقا إلى ما يحبه فيك ، لكن اجتهد في التزيد من تلك الفضيلة التي حسدك عليها ، فإنك تسوءه من غير أن توجده حجة عليك.

١٠٢ ـ إن غلبت يوما على المال ، فلا تغلبنه على الحيلة على كل حال.

١٠٣ ـ إن القلوب تمل كما تمل الأبدان ، فابتغوا لها طرائف الحكمة (٦).

__________________

(١) الحسب : ما تعده من مفاخر آبائك ، أو المال ، أو الدين ، أو الكرم ، أو الشرف في الفعل ، أو الفعال الصالح ، أو الصرف الثابت في الآباء. وقال ابن الكيت : الحسب والكرم يكونان بدون الآباء ، والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء.

(٢) الرمز : الإشارة والإيماء بالشفتين والحاجب ، وبابه نصر وضرب.

(٣) الجنان بالفتح : القلب.

(٤) المراشد : مقاصد الطرق ، أي سددني واهدني.

(٥) الإخبات : الخشوع.

(٦) طرائف الحكمة : غرائب تنبسط إليها القلوب ، كما تنبسط الأبدان لغرائب المناظر.

٣٣

١٠٤ ـ إن الله أنعم على العباد بقدر قدرته ، وكلفهم من الشكر بقدر قدرتهم.

١٠٥ ـ إن الله خلق النساء من عي وعورة ، فداووا عيهن بالسكوت ، واستروا العورة بالبيوت.

١٠٦ ـ بادر الفرصة ، قبل أن تكون غصة.

١٠٧ ـ بئس الطعام الحرام.

١٠٨ ـ بئس القلادة للخير العفيف ، قلادة الدين.

١٠٩ ـ بالبر يستعبد الحر.

١١٠ ـ البر ما سكنت إليه نفسك ، واطمأن إليه قلبك : والإثم ما جال في نفسك ، وتردد في صدرك.

١١١ ـ بر الوالدين من أكرم الطبائع.

١١٢ ـ البخلاء من الناس ، يكون تغافلهم عن عظيم الجرم أسهل عليهم من المكافأة على يسير الإحسان.

«اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا ، وكثرة عدونا ، وتشتت أهوائنا» (١).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) [الأعراف : ٨٩].

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

__________________

(١) الأهواء : جمع هوى وهو ما تميل إليه النفس.

والعبارة تشير إلى الاختلاف الموجود في داخل النفوس ، كل له غرض يخالف الآخر ، فهم لا يجتمعون على هدف واحد وغاية واحدة.

٣٤

الفصل الثاني

مناقب الأسد الغالب

علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه

للعلامة

شمس الدين محمد بن الجزري

رحمه‌الله تعالى

٣٥
٣٦

ترجمة المؤلف

هو : الحافظ المقرئ ، شيخ الإقراء في زمانه ، شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن يوسف الدمشقي الشافعي ، المعروف بابن الجزري. ولد سنة ٧٥١ ه‍.

وسمع من أصحاب الفخر بن البخاري ، وبرع في القراءات. ولي قضاء شيراز ، وانتفع به أهلها في القراءات والحديث.

وكان إماما في القراءات ، لا نظير له في عصره في الدنيا ، حافظا للحديث ، وغيره أتقن منه ، ولم يكن له في الفقه معرفة.

ألف : «النشر في القراءات العشر» ، وهو مطبوع.

وقال السيوطي في كتاب النشر هذا : «لم يصنف مثله» ا ه. وله تخاريج في الحديث.

وله كتابنا هذا : «مناقب الأسد الغالب ..».

وصفه ابن حجر بالحفظ في مواضع عديدة من «الدرر الكامنة». مات سنة ٧٣٣ ه‍.

انظر ترجمته في :

١ ـ البدر الطالع (٢ / ٢٥٧).

٢ ـ ذيل تذكرة الحفاظ (٥ / ٣٧٦ ـ للسيوطي).

٣ ـ طبقات الحفاظ (ص ٥٤٣ ـ ٥٤٤).

٤ ـ شذرات الذهب (٧ / ٢٠٤).

٥ ـ الضوء اللامع (٩ / ٢٥٥).

٦ ـ طبقات المفسرين للداودي (٢ / ٥٩).

٧ ـ هدية العارفين (٢ / ١٨٧ ، ١٨٨) ، وغيرها.

٣٧

بسم الله الرّحمن الرّحيم

«رب يسر ولا تعسر يا كريم»

قال شيخنا الإمام العالم العلامة شيخ القراء والمحدثين قاضي القضاة شمس الدين محمد أبو الخير بن محمد بن محمد الجزري الدمشقي أبقاه الله للمسلمين : الحمد لله على أن هدانا لدين الإسلام ، ووفقنا لسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام ، وحبانا بمحبة أهل بيته الكرام ، وصحابته نجوم الهدى الأعلام عليه أفضل صلاة وأكمل سلام إلى يوم القيامة ، ندخرها أمانا للفزع الأكبر في هول ذلك المقام ، وبعد : فهذه أحاديث مسندة مما تواتر وصح وحسن من أسنى مناقب الأسد الغالب ، مفرق الكتائب ، ومظهر العجائب ، ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي‌الله‌عنه وأرضاه أوردتها بمسلسلات من حديثه ، وبمتصلات من روايته وتحديثه ، وبأعلى إسناد صحيح إليه ، من القران والصحبة والخرقة ، التي اعتمد فيها أهل الرواية عليه ، نسأل الله تعالى أن يثيبنا على ذلك ويقربنا به لديه.

[قول الإمام أحمد في عليّ]

١ ـ أخبرنا جماعة من شيوخنا الثقات منهم القاضي عز الدين أبو عبد الله محمد بن موسى بن سليمان الأنصاري ـ رحمه‌الله ـ فيما شافهنا به بدار الحديث الأشرفية داخل دمشق المحروسة ، عن الشيخ الإمام أبي الحسن عليّ بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي قال : أخبرنا الإمام أبو الفتوح أسعد بن محمود العجلي في كتابه ، أنا أبو القاسم إسماعيل بن محمد الحافظ ، أنا أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله الشيرازي ، أنا محمد بن عبد الله الحافظ قال : سمعت القاضي أبا الحسن عليّ بن الحسن الجراحي يقول : سمعت أبا حامد محمد بن هارون الحضرميّ يقول : سمعت محمد بن منصور الطوسيّ يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الفضائل ما جاء لعليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

٣٨

[من كنت مولاه فعلي مولاه]

٢ ـ أخبرنا أبو حفص عمر بن الحسن المراغي فيما شافهني به ، عن أبي الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني ، أنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي ، أنا أبو منصور القزاز ، أنا الإمام أبو بكر بن ثابت الحافظ ، أنا محمد بن عمر بن بكير ، أنا أبو عمر يحيى بن عمر الأخباري ، ثنا أبو جعفر أحمد بن محمد الضبعي ، ثنا الأشج ، حدثنا العلاء بن سالم ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سمعت عليا رضي‌الله‌عنه بالرحبة ينشد الناس : من سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه» فقام اثنا عشر بدريا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ذلك (١).

هذا حديث حسن صحيح من وجوه كثيرة ، تواتر عن أمير المؤمنين عليّ ، وهو يتواتر أيضا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رواه الجمّ الغفير عن الجم الغفير ، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم ، فقد ورد مرفوعا عن أبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، والعباس بن عبد المطلب ، وزيد بن أرقم والبراء بن عازب ، وبريدة بن الحصيب ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عباس ، وحبشي بن جنادة ، وعبد الله بن مسعود ، وعمران بن حصين ، وعبد الله بن عمر ، وعمار بن ياسر ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وأسعد بن زرارة ، وخزيمة بن ثابت ، وأبي أيوب الأنصاري ، وسهل بن حنيف ، وحذيفة بن اليمان ، وسمرة بن جندب ، وزيد بن ثابت ، وأنس بن مالك ، وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم ، وصح عن جماعة منهم من يحصل القطع بخبرهم ، وثبت أيضا أن هذا القول كان منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم غدير خم وذلك في خطبة خطبها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حقه ذلك اليوم ، وهو الثاني عشر من ذي الحجة سنة إحدى عشر لما رجع صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حجة الوداع ، ولذلك سبب سنذكره قريبا والله أعلم.

__________________

(١) الحديث صحيح ومتواتر كما قال المصنف ، وكما سيرد من الروايات إن شاء الله تعالى.

٣٩

[اللهم وال من والاه]

٣ ـ كما أخبرنا شيخنا أبو عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي قراءة عليه أخبرنا الإمام فخر الدين علي بن أحمد المقدسي ، أنا أبو علي حنبل بن عبد الله الرصافي ، أخبرنا أبو القاسم الشيباني ، أنا أبو علي بن المذهب ، أنا أحمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن الإمام أحمد ، ثنا عليّ بن حكيم الأودي أنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع قالا : أنشد علي رضي‌الله‌عنه الناس في الرّحبة (١) : من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول يوم غدير خمّ؟ قال : فقام من قبل سعيد ستة ومن قبل زيد ستة ، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لعلي يوم غدير خم «أليس الله أولى بالمؤمنين؟» قالوا بلى. قال : «اللهم من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».

٤ ـ وبه قال : حدثنا عليّ بن حكيم ، أنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ذي مر بمثل حديث أبي إسحاق ، يعني عن سعيد وزيد ، وزاد فيه «وانصر من نصره واخذل من خذله».

هكذا رويناه في مسند الإمام أحمد (٢) من حديث ابنه ، وألطف طريق وقع بهذا الحديث وأغربه.

[منزلة عليّ من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم]

٥ ـ كما حدثنا به شيخنا خاتمة الحفاظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن المحب المقدسيّ مشافهة ، أخبرتنا الشيخة أم محمد زينب ابنة أحمد بن عبد الرحيم

__________________

(١) الرحبة : قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة.

(٢) صحيح ، وسنده ضعيف : أخرجه عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» برقم (٩٥ ـ ٩٥١ / تحقيق أحمد شاكر) ، (١ / ١١٨ ـ ط. المكتب الإسلامي) ، والنسائي في «خصائص عليّ» برقم (٨٥) ، وابن أبي عاصم في «السنة» برقم (١٣٧٤) من طريق شريك به. وهذا إسناد ضعيف ، شريك هو القاضي ، ضعيف لسوء حفظه ، ولكنه توبع بفطر بن خليفة ، وهو حسن الحديث ، وأخرج هذه المتابعة ابن أبي عاصم في «السنة» برقم (١٣٧٠) ، وهذا الإسناد حسن في الشواهد ، والمتابعات ، وستأتي طرق وشواهد أخرى تقويه إن شاء الله تعالى.

٤٠