مناقب الأسد الغالب ممزّق الكتائب ومُظهر العجائب ليث بن غالب أميرالمؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب

شمس الدين محمّد بن عبدالله ابن الجزري

مناقب الأسد الغالب ممزّق الكتائب ومُظهر العجائب ليث بن غالب أميرالمؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب

المؤلف:

شمس الدين محمّد بن عبدالله ابن الجزري


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-4064-7
الصفحات: ٢٠٠

المنة على الأمة أبا عبد الله أحمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني الذي قال فيه مثل الشافعي «خرجت من بغداد وما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع من أحمد بن حنبل» وقال هلال بن العلاء منّ الله على الناس بأحمد بن حنبل ثبت في المحنة ، ولو لا ذلك لكفر الناس ، توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين ، عن سبع وسبعين سنة ، وهو صحب الإمام أحد أعلام الأمة وأمير المؤمنين في الحديث أبا محمد سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي نزيل مكة والمجمع على علمه وفقهه وزهده وورعه وهو القائل : وقد وقف بعرفات حججت سبعين حجة وفي كل عام أقف بهذا المكان وأسأل الله أن لا يجعله آخر العهد منه وقد استحييت من الله تعالى فيما أسأله ، فمات من السنة القابلة مستهل رجب سنة ثمان وتسعين ومائة عن إحدى وتسعين سنة وهو صحب الإمام الجليل التابعي الكبير أبا محمد عمرو بن دينار الجمحي مولاهم المكي الذي قال فيه مثل شعبة «لم أر مثله» توفي أول سنة اثنتين وعشرين ومائة عن ثمانين سنة ، وهو صحب الإمام الحبر البحر ترجمان القرآن أبا العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي الذي دعا له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «اللهم علمه الحكمة وفقهه في الدين» (١) وهو صحب ابن عمه سيد الأولين والآخرين أبا القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب حتى توفي وهو ابن خمس عشرة سنة ، ثم صحب أبا بكر الصديق حتى توفى ، ثم صحب عمر بن الخطاب حتى توفي ، ثم صحب عثمان بن عفان حتى توفي ثم اختص بصحبة ابن عمه أمير المؤمنين وحبيب حبيب رب العالمين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب حتى توفي في رمضان سنة أربعين ، وبقي بمكة ، ونزل بالطائف حتى توفي بها ، سنة ثمان وستين عن نحو ثلاث وثمانين سنة ، وصلى عليه ابن ابن عمه أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية ، فهذه طريقة في الصحبة لم يكن أعلى منها ولا أصح ، وقع بيننا وبين أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه أحد عشر رجلا ، ويقع لنا من هذه الطريقة في الصحبة ، ما هو ألطف من هذا وأحسن عند العارضين بقدر ذلك وهو :

__________________

(١) صحيح : أخرجه أحمد (١ / ٢٦٦ ، ٣١٤ ، ٣٢٨ ، ٣٣٥) ، والحاكم (٣ / ٥٣٤) من حديث ابن عباس ، وأخرجه البخاري (١ / ٢٤٤) ، ومسلم (٤ / ١٩٢٧) من حديثه دون قوله : «وعلمه التأويل».

١٠١

٩٥ ـ أن الإمام أحمد بن حنبل صحب الإمام محمد بن إدريس الشافعي وهو صحب الإمام أبا عبد الله مالك بن أنس إمام دار الهجرة ، وصحب الإمام الشافعي رحمه‌الله أيضا الإمام الكبير فقيه زمانه محمد بن الحسن الشيباني ، وهو صحب الإمام الأعظم أبا حنيفة نعمان بن ثابت الكوفي ، وثبت عندنا أن كلّا من الإمام مالك وأبي حنيفة رحمهما‌الله صحب الإمام أبا عبد الله جعفر من محمد الصادق حتى قال أبو حنيفة «ما رأيت أفقه منه ، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني من المنصور» وصحب جعفر الصادق والده محمد الباقر ، وصحب الباقر والده زين العابدين ، وصحب زين العابدين والده الحسين ، وصحب الحسين والده أمير المؤمنين عليّا ، فانظر إلى ما اجتمع في هذا الإسناد الشريف من الأئمة المقتدى بهم في العلم رحمهم‌الله ورضي عنهم وعنا بهم.

ووقع إلينا أيضا من غير هذه الطريق للقاء والرؤية وسماع الحديث أن بيني وبين أمير المؤمنين بالسند الصحيح عشرة رجال ثقات وهو أني لقيت القاضي الرئيس عز الدين بن محمد بن موسى بن سليمان الأنصاري ورأيته وسمعت منه الحديث وهو لقي الإمام أبا الحسن علي بن أحمد بن البخاري ، ورآه وسمع منه الحديث ، وهو لقي أبا حفص عمر بن محمد بن طبرزد كذلك ، وهو لقي القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري كذلك ، وهو لقي إبراهيم بن عمر البرمكي ، وهو لقي عبد الله بن إبراهيم (بن ماسي) وهو لقي أبا مسلم الكجي كذلك ، وهو لقي محمد بن عبد الله الأنصاري كذلك ، وهو لقي أبا عون كذلك ، وهو لقي الشعبي كذلك ، وهو لقي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وصحبه وسمع منه وكان من أكبر شيعته وهذا مع صحته لا يوجد اليوم أعلى منه ولا أقرب إلى أمير المؤمنين منه.

لبس الخرقة :

وأما لبس الخرقة (١) واتصالها بأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه فإني لبستها

__________________

(١) يقول ابن الربيع الشيباني الزبيدي في كتابه :

«تمييز الطيب والخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث» : (لبس الخرقة الصوفية ، وكون الحسن البصري لبسها من علي ، قال ابن دحية وابن الصلاح : إنه باطل ، ولم يرد في خبر صحيح ، ولا حسن ، ولا ضعيف أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألبس الخرقة على الصورة المتعارفة بين ـ

١٠٢

من جماعة ووصلت إليّ منه من طرق رجاء أن أكون في زمرة محبيه وجملة مواليه يوم القيامة.

فمن ذلك أني لبست الخرقة المتبركة من يد شيخي وأستاذي الشيخ الصالح المسند المعمر أبي حفص عمر بن الحسن بن مزيد بن أميلة المراغي ثم الحلبي ثم المزي في يوم الثلاثاء ثاني عشر شوال سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة ، وأخبرني أنه لبسها من يد شيخه الإمام العلامة الزاهد العارف العابد الناسك خطيب الخطباء عز الدين أبي العباس أحمد بن الشيخ الإمام الصالح الزاهد محيي الدين إبراهيم بن عمر بن الفرج بن أحمد بن شابور الواسطي الفاروبي شيخ القراءات والتفسير والتصوف في سنة تسعين وستمائة ، والشيخ عز الدين المذكور في خرقة التصوف ثلاث طرق : أحمدية ، وقادرية ، وسهروردية.

فأما الأحمدية : فإنه لبسها من يد والده الشيخ محيي الدين إبراهيم المذكور وهو لبسها من يد شيخه ومربيه الشيخ الصالح الإمام العالم سيد مشايخ زمانه سيدي أحمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن أحمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة المغربي المعروف بابن الرفاعي رحمة الله تعالى عليه.

وأما القادرية : فإنه لبسها من يد شيخه الإمام شيخ العارفين وإمام السالكين شهاب الدين أبي حفص عمر بن محمد بن محمد بن عبد الله المعروف بعمويه بن سعد بن الحسين البكري السهروردي ، وهو لبسها من الشيخ الإمام العالم السيد الكبير صاحب المواهب والكرامات والعجائب الظاهرات أبي محمد عبد القادر بن أبي صالح موسى بن حبكي دوست بن أبي عبد الله بن يحيى الكيلاني.

وأما السهروردية : فإن الشيخ شهاب الدين السهروردي رحمة الله عليه لبسها من يد شيخه وعمه الشيخ الإمام العارف الكبير ضياء الدين أبي النجيب عبد القاهر بن عبد الله بن سعد بن الحسين بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه ، ولبسها هو من

__________________

الصوفية لأحد من أصحابه ، ولا أمر أحدا من أصحابه بفعل ذلك ، وكل ما يروى في ذلك صريحا فباطل.

١٠٣

يد عمه وجيه الدين عمر بن سعد ، وهو لبسها من يد والده سعد بن الحسين ، ومن يد الشيخ أخي خرج الزنجاني بك أحدهما مشاركة ليد الآخر ، فأما والده فلبسها من الشيخ أحمد الأسود الدينوري ، وهو لبسها من ممشاد الدينوري وهو لبسها من أبي القاسم الجنيد سيد الطائفة ، وأما أخي خرج الزنجاني فلبسها من أبي العباس النهاوندي ، وهو لبسها من الشيخ الكبير أبي عبد الله محمد بن حفيف ، وهو لبسها من أبي محمد رويم ، وهو لبسها من أبي القاسم الجنيد وهو من خاله سري السقطي ، وهو من معروف الكرخي ، وهو من داود الطائي ، هو من حبيب العجمي وهو من الحسن البصري ، وهو من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، كذا وردت إلينا الخرقة من الحسن البصري عن علي بن أبي طالب بغير واسطة ، وأهل الحديث لا يعرفون للحسن البصري سماعا من علي مع أنه عاصره بلا شك فإنه ولد في خلافة عمر ، وصح أنه سمع خطبة عثمان رضي‌الله‌عنهما ، وأجمع مشايخ التصوف على أن الحسن البصري صحب علي بن أبي طالب ولبس منه والله أعلم وسألت شيخنا الحافظ إسماعيل بن كثير فقال : لا يبعد أنه أخذ عنه بواسطة ، ولقيه له ممكن فإنه سمع عثمان بن عفان قلت : على أنا روينا عنه الحديث عن علي رضي‌الله‌عنه بلا واسطة فيما : أخبرنا بن أبي عمر ، أنا ابن البخاري ، أنا حنبل ، أنا ابن الحصين ، أنا ابن المذهب ، أنا ابن جعفر ، ثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي ، ثنا هشيم ، أنا يونس ، عن الحسن ، عن علي ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «رفع القلم عن ثلاثة : عن الصغير حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المصاب حتى يكشف عنه» (١).

وهذا الحديث صحيح الإسناد هشيم شيخ أحمد هو ابن بشير الواسطي ، حافظ بغداد ، ثقة كبير ، ويونس هو ابن عبيد أحد أئمة البصرة ثقة ثبت ، كان من العلماء العاملين وكلاهما روى له الجماعة والحسن هو ابن أبي الحسن البصري ، وهو الإمام الكبير الشأن الرفيع الذكر والمحل ، الذي كان رأسا في العلم والعمل ولكن الكلام في كونه سمع من علي رضي‌الله‌عنه ، وقد تقدم في حديث المصافحة أنه صافح علي بن أبي طالب

__________________

(١) صحيح ، والسند ضعيف : الحسن مدلس ، وقد عنعنه ، ثم هو لم يسمع من علي كما صرح بذلك الترمذي عقب إخراجه لهذا الحديث.

والحديث في «المسند» (١ / ١١٦) برقم (٩٤٠) ، وغيره.

١٠٤

والله أعلم.

وهذا الحديث رواه الترمذي كذلك في جامعه وقال : «حسن غريب من هذا الوجه ، ولا نعرف للحسن سماعا من علي» ورواه النسائي.

تلقين الذّكر :

قلت : وللشيخ شهاب الدين السهروردي رحمه‌الله طريق أخرى في تلقين الذكر ، وهي أنه تلقنه من عمه وشيخه أبي النجيب عبد القاهر المذكور ، وهو من الشيخ أحمد الغزالي أخي الشيخ أبي حامد الغزالي ، وهو من الشيخ أبي بكر النساج ، وهو من الشيخ الكركاني ، وهو من الشيخ أبي عثمان سعيد بن سلام المغربي ، وهو من الشيخ علي الكاتب ، وهو من الشيخ أبي علي الروذباري ، وهو سيد الطائفة الجنيد ، وهو من خاله سري السقطي ، وهو من معروف الكرخي ، ولمعروف طريقتان : إحداهما : عن داود الطائي كما تقدم ، والثانية : عن مولاه الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضى ، عن أبيه موسى الكاظم ، عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه زين العابدين عن أبيه الحسين ، عن أبيه أمير المؤمنين علي المرتضى عليه من الله الرضا فانتهت إليه رضوان الله تعالى عليه جمع الفضائل من أنواع العلوم وجميع المحاسن وكرم الشمائل من الحديث ، والقرآن ، والفقه ، والقضاء ، والتصوف ، والشجاعة ، والولاية ، والكرم ، والزهد ، والورع ، وحسن الخلق ، والعقل والتقوى ، وإصابة الرأي ، فلذلك أجمعت القلوب السليمة على محبته والفطرة السليمة على سلوك طريقته ، فكان حبه علامة السعادة والإيمان ، وبغضه محصن الشقاء والنفاق والخذلان ، كما تقدم في الأحاديث الصحيحة ، وظهر بالأدلة الصريحة ، ولكن علامة صدق المحبة طاعة المحبوب وحب من يحبه الحبيب (لأن المحب لمن يحب مطيع) فلا شك عند كل عاقل منصف موفق أن أمير المؤمنين عليا رضي‌الله‌عنه كان إخلاصه ومحبته في أبي بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم في الغاية القصوى والمرتبة العليا لما علم من فضلهم ، وتحقق من منزلتهم بما سبق لهم من فضل السوابق ، وكمال المناقب اللواحق ، وبما شاهده من محبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إياهم رضاه عنهم رضي‌الله‌عنهم وأرضاهم.

أخبرنا الشيخ الأصيل الرحلة أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي في آخرين

١٠٥

إجازة إن لم يكن سماعا ، أنا عليّ بن أحمد الحنبلي ، أنا عمر بن محمد بن طبرزد ، أنا هبة الله بن الحصين ، أنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان أنا أبو بكر عبد الله الشافعي ، ثنا حمزة بن أحمد بن عبد الله بن مروان المروزي ، ثنا داود بن الحسين العسكري ، ثنا بشر بن داود ، عن ابن شابور ، عن علي بن عاصم ، عن حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن على حوضي أربعة أركان فأول ركن منها في [يد أبي بكر] (١) والركن الثاني في يد عمر ، والركن الثالث في يد عثمان ، والركن الرابع في يد عليّ ، فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر لم يسقه أبو بكر ، ومن أحب عمر وأبغض أبو بكر لم يسقه عمر ، ومن أحب عثمان وأبغض عليّا ، لم يسقه عثمان ، ومن أحب عليّا وأبغض عثمان لم يسقه عليّ ، ومن أحسن القول في أبي بكر فقد أقام الدين ومن أحسن القول في عمر فقد أوضح السبيل ، ومن أحسن القول في عثمان فقد استنار بنور الله تعالى ، ومن أحسن القول في عليّ فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، ومن أحسن القول في أصحابي فهو مؤمن» (٢).

حديث غريب رويناه في الغيلانيات ، ورواه الحافظ أبو موسى المديني في كتابه الحجة وقال : رواه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، عن أبي عبد الله العمري ، عن بشر بن داود القرشي ، عن مسعود بن شابور ، عن علي بن عاصم.

روى عن عبد الله بن جابر بن قيس الكوفي ، عن حميد عن أنس ، وروى من حديث عكرمة عن ابن عباس.

[من أحب أبا بكر وعمر فقد أحب عليّا]

أنبأنا غير واحد من الشيوخ منهم القاضي أبو عبد الله محمد بن موسى بن سليمان الأنصاري ، عن عليّ بن أحمد المقدسي ، أنا أبو المكارم اللبان في كتابه ، أنا أبو علي الحداد ، أنا أبو نعيم الحافظ ، أنا أبو محمد بن حيان الحافظ أنا أبو يعلى ، سمعت عبد الصمد بن يزيد قال : سمعت فضيل بن عياض يقول : من أحب أبا بكر

__________________

(١) ما بين المعقوفين سقط من الأصل المخطوط ، وهي زيادة يستقيم معها السياق. والله أعلم.

(٢) فيه من لم أعرفه ، والمتن نكارته تفوح منه.

١٠٦

وعمر فقد أحب عليّا ، ومن لم يحب أبا بكر وعمر فهو متهم عندنا ، فأرجو أن يكون أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي‌الله‌عنهم إخوانا على سرر متقابلين.

وبه إلى أبي محمد الحافظ ، ثنا محمد بن سليمان ، حدثني محمد بن زياد الزيادي ، حدثني سفيان بن عيينة قال : سمعناهم يقولون وهو على ما قالوا السنة بتمامها عشر خصال من ترك واحدة منها فقد ترك من السنة ما لا ينبغي أن يترك : الإيمان بالقدر ، وتقديم أبي بكرو عمر وعثمان وعليّ الخلفاء الراشدين المهديين رضي‌الله‌عنهم ، وساق باقي العشر ، ثم قال سفيان : ما أدركنا أحدا من فقهائنا إلا وهو على هذا الرأي ، وسمعناهم لا يخبرون إلا بذلك عمن أدركوا قال : فهذه السنة المعروفة المجتمع عليها. قلت : ولله در القائل ، من نظم المؤلف :

أشهد بالله وآياته

شهادة أرجو بها عتقي

أن أبا بكر ومن بعده

ثلاثة أئمة الصدق

أربعة بعد النبيين هم

بغير شك أفضل الخلق

من لم يكن مذهبه هكذا

فإنه زاغ عن الحق

وهذا آخر ما تيسر جمعه وروايته من أسنى مناقب أمير المؤمنين الإمام أبي الحسن عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، على يد مؤلفه محمد بن محمد بن محمد الجزري عفا الله عنه.

هذا ما شاهده ونقله كما هو من أول الكتاب إلى هنا محمد بن الحسن بن علي البدراني من خط سيدنا وشيخنا شيخ الإسلام والقراء والمحدثين الإمام الحافظ العالم العلامة الحبر الفهامة أبي الخير شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري الدمشقي الشافعي رضي‌الله‌عنه وأرضاه.

١٠٧
١٠٨

الفصل الثالث

خصائص أمير المؤمنين

علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه

للإمام النّسائي

رحمه‌الله تعالى

١٠٩
١١٠

ترجمة الإمام النسائي رحمه‌الله تعالى

نسبه ومولده :

هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام ـ وقد وصفه الإمام الذهبي بذلك في تذكرته ـ أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب بن علي بن سنان بن بحير الخراساني القاضي.

ولد ببلدة «نساء».

وهي من إقليم خراسان ، خرج منها جماعة من الأعيان ـ كما ذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان.

وكان مولده سنة خمس عشرة ومائتين ، وقيل قبل ذلك بسنة.

وفي نساء نشأ وترعرع ، وعلى شيوخها تلقى العلم ، ورحل في سبيل التزود من المعرفة ، شأنه في ذلك شأن أهل الطموح من العلماء ، قيل : إنه حين بلغ الخامسة عشرة من عمره بدأت رحلاته ، وكان أهم ما يشغله في ذلك طلب الحديث.

فذهب إلى الحجاز ثم العراق والشام ومصر والجزيرة ، وسمع من علماء هذه الأمصار حتى برع في علوم الحديث وتفرد بالإتقان. وكانت البلاد في ذلك الوقت غاصة بالعلماء والحفاظ وأهل الحديث فلا يخلو قطر من الأقطار العربية من حفاظ يشار إليهم بالبنان من أمثال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وهشام بن عبد الملك الطيالسي وعلي بن عبد الله المديني وأبو عمر حفص بن عمرو البجلي وغيرهم كثيرون.

مجيئه إلى مصر ثم دمشق :

وجاء إلى مصر وطاب له فيها المقام فاتخذها وطنا ، وسكن في زقاق القناديل قريبا من مسجد الفسطاط الذي كان بمثابة جامعة مصر في ذلك الوقت ، وفيه أقام الإمام الشافعي فترة طويلة يلقي دروسه التي أفاد منها تلاميذه وحملوا لواء علمه من بعده ، ونشروا مذهبه.

ثم تاقت نفسه إلى الترحل من جديد فولى وجهه شطر الشام ، وحط رحاله في دمشق ، وكان ذلك في سنة اثنتين وثلاثمائة قبل وفاته بعام.

وحين وصل إلى دمشق سأله أهلها أن يحدثهم عن فضائل معاوية ـ كما سبقت الإشارة ـ وكان الناس مفتونين بمعاوية ، فأراد أن ينبههم إلى فضل علي

١١١

أيضا ، فلئن كان معاوية ذا فضل فعلي صاحب أفضال ، وهو ابن عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وزوج ابنته سيدة نساء العالمين ، ووالد السبطين الشريفين : الحسن والحسين رضي‌الله‌عنهما وأول من أسلم من الصبيان وخير الفتيان ، وحبه نجاة وبغضه نفاق.

وألف في ذلك كتابا هو الذي نقدمه بعد قليل.

ولكن ذلك لم يعجب أهل دمشق فضربوه وأخرجوه من المسجد ، وداسوا عليه بالأقدام ، وكان ذلك سبب موته ، ولم يراعوا حرمة العلم أو الإسلام أو الضيافة.

وفاته :

وقد اختلف في موطن وفاته فقد قال الدار قطني : إنه لما امتحن وأدرك الشهادة قال : احملوني إلى مكة فحمل إليها وتوفي بها ودفن بين الصفا والمروة.

وذكر ذلك غير واحد من الرواة.

ولكن الإمام الذهبي فيما يحكيه عنه فضيلة الدكتور محمد محمد أبو شهبة في كتابه «في رحاب السنة» قال : الصواب أنه توفي بالرملة ، وهي إحدى مدن فلسطين ، وهذا هو الذي جزم به ابن يونس في تاريخه ، وقال به أبو جعفر الطحاوي وأبو بكر بن نقطة ـ ومع أنه قد توفي بالرملة إلا أنه دفن ببيت المقدس كما ذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية.

وكانت وفاته في صفر سنة ٣٠٣ ه‍ عن ثمان وثمانين سنة ، وفي نفس السنة توفي حافظ خراسان أبو العباس الحسن بن سفيان الشيباني النسوي صاحب المسند بنسا ـ بدون همزة ـ عن نيف وتسعين سنة رحمهما‌الله تعالى.

أخلاقه وصفاته :

وكان النسائي رحمه‌الله عابدا مجتهدا في العبادة ، قال عنه الذهبي في كتابه «دول الإسلام» : كان يقوم الليل ويصوم يوما ويفطر يوما وهو خير الصوم الذي يشير إليه الحديث الشريف في ذلك.

وقال الدكتور أبو شهبة عنه : كان حسن الوجه مشرق اللون يضرب وجهه إلى الحمرة ، وكان يؤثر لباس البرود اليمنية ، وكان مجتهدا في العبادة بالليل والنهار ، مواظبا على الحج والجهاد ، وقد خرج مع أمير مصر غازيا ، فوصفوا من شجاعته وشهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين ، واحترازه من مجالس الأمير الذي

١١٢

خرج معه الشيء الكثير ، وهكذا فليكن العلماء ينشرون العلم والمعرفة ، فإذا ما دعا داعي الجهاد أسرعوا إلى تلبية النداء.

ويذكر ابن كثير عنه في البداية والنهاية أنه ولي في حمص منصب الحاكم ، ويستشهد على ذلك بما رواه المزني عن رواية الطبراني في الأوسط حيث قال :

حدثنا أحمد بن شعيب الحاكم بحمص ...

منزلته العلمية

أخذ النسائي الحديث عن شيوخ كثر منهم قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه والحارث بن مسكين وعلي بن خشرم وأبو داود صاحب السنن الكبرى ، والترمذي صاحب الجامع الصحيح ، وروى عنه رواة كثيرون أصبحوا أئمة ، منهم أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة ، وأبو جعفر الطحاوي إمام مصر صاحب كتاب معاني الآثار ، والحسن بن الخضر السيوطي ، ومحمد بن معاوية بن الأحمر الأندلسي ، وأبو بكر أحمد بن إسحاق السني وهو رواية السنن.

وكان النسائي كثير التحري في الكشف عن الرجال ، ومن المتشددين في قبول المرويات ، كان أبو علي النيسابوري حافظ خراسان يقول عنه : حدثنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي.

وكان يقول : للنسائي شرط في الرجال أشد من شرط مسلم بن الحجاج صاحب صحيح مسلم.

وجاء في مقدمة كتاب السنن للنسائي : نقل السبكي عن شيخه الحافظ الذهبي ووالده أن النسائي أحفظ من مسلم صاحب الصحيح ، وأن سننه أقل السنن بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ، بل قال بعض الشيوخ : إنه أشرف المصنفات كلها ، وما وضع في الإسلام مثله.

وقال ابن منده وابن السكن وأبو علي النيسابوري وأبو أحمد بن عدي والخطيب والدار قطني : كل ما فيه صحيح ، ولكن فيه تساهل صريح.

وكان النسائي فقيها إلى جانب كونه محدثا حافظا. قال عنه الدار قطني : كان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال.

وقال عنه الحاكم : أما كلام أبي عبد الرحمن النسائي على فقه الحديث فأكثر

١١٣

من أن يذكر ، ومن نظر في كتابه السنن تحير في حسن كلامه.

وتحدث ابن كثير في البداية والنهاية عن فضله كثيرا فكان مما قاله : هو الإمام في عصره والمقدم على أضرابه وأشكاله وفضلاء دهره ، رحل إلى الآفاق واشتغل بسماع الحديث والاجتماع بالأئمة الحذاق ، ومشايخه الذين روى عنهم مشافهة ، وروى عنه خلق كثير ، وقد أبان في تصانيفه عن حفظ وإتقان وصدق وإيمان وعلم وعرفان.

قال الحاكم عن الدار قطني : أبو عبد الرحمن النسائي مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.

وقال أبو علي الحافظ : هو الإمام في الحديث بلا مدافعة.

وقال أبو الحسين محمد بن مظفر الحافظ : سمعت مشايخنا بمصر يعترفون له بالتقدم والإمامة.

وقال الدار قطني : كان أبو بكر بن الحداد كثير الحديث ولم يرو عن أحد سوى النسائي وقال : رضيت به حجة فيما بيني وبين الله عزوجل.

وقال ابن يونس : كان النسائي إماما في الحديث ثقة ثبتا حافظا.

وقال ابن عدي : سمعت منصورا الفقيه وأحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي يقولان : أبو عبد الرحمن النسائي إمام من أئمة المسلمين. وكذلك أثنى عليه غير واحد من الأئمة الذين شهدوا له بالفضل والتقدم في هذا الشأن. البداية والنهاية لابن كثير ج ١١ ص ١١٧.

مؤلفاته

للنسائي عدة مؤلفات ، ذكر منها إسماعيل باشا البغدادي في كتابه هدية العارفين :

ـ إغراب شعبة على سفيان وسفيان على شعبة في الحديث.

ـ السنن الكبرى في الحديث ، وقد اختصره في كتاب المجتبى.

ـ وله مسند الإمام مالك في الحديث.

ـ وله مناسك الحج.

ـ وله هذا الكتاب : خصائص علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

١١٤

ـ وله كتاب عمل اليوم والليلة وهو أحسن ما عمل في هذا الفن بشهادة حاجي خليفة في كشف الظنون باستثناء كتاب ابن السني.

هذا الكتاب :

وهذا الكتاب الذي نقدمه قال عنه حاجي خليفة في كتابه «كشف الظنون» هو للإمام أبي عبد الرحمن النسائي الحافظ ، ذكر أنه قيل له : لم لا صنفت في فضائل الشيخين؟ قال : دخلت دمشق والمنحرف عن علي كثير ، فصنفته رجاء أن يهديهم الله سبحانه وتعالى به.

وتشير هذه العبارة إلى سبب تأليفه الكتاب ، وأنه ألفه في دمشق ، ولم يكن قد ألفه في مصر قبل أن يخرج منها.

وجاء في الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية للدكتورة فاطمة محجوب نص ما ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون.

نقول : وكان هدف النسائي نبيلا : فقد أراد أن يخرج الناس من غيبوبة التعصب التي تغطي على الأعين ، وتجعلهم يغفلون عن مآثر غير من يتعصبون له ، وهذا داء يناقض ما يدعو إليه الإسلام من إنصاف ، وما يريده من أبنائه من مراعاة العدل في إصدار الأحكام ، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) [المائدة : ٨].

فإذا كان الله قد أمرنا بمراعاة العدل مع الأعداء الذين لا يؤمنون بالله فمن باب أولى وجوب مراعاته مع إخواننا المسلمين الذين يخالفوننا في رأي أو مذهب.

جاء في تفسير هذه الآية في كتاب الجامع لأحكام القرآن : يقول الله تعالى أتممت عليكم نعمتي فكونوا قوامين لله ، أي لأجل ثواب الله ، فقوموا بالحق واشهدوا بالحق من غير ميل إلى أقاربكم وحيف على أعدائكم ، ولا يجرمنّكم أي لا يحملنكم ، شنئان بغض قوم على ترك العدل وإيثار العدوان على الحق ، وفي هذا دليل على نفوذ حكم العدو على عدوه في الله تعالى ، ونفوذ شهادته على عدوه ، لأنه أمر بالعدل وإن أبغضه ، ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز فيه مع البغض له لما كان لأمره

١١٥

بالعدل فيه وجه. ودلت الآية أيضا على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه. ا ه.

فما بالك إذا لم يكن كافر من أوائل المؤمنين وأماثل المسلمين ، ولكن الهوى إذا غطى على البصر حجب الحق وزين الباطل ، وصدق الشاعر إذ يقول :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

وقد كان النسائي ـ رحمه‌الله ـ منصفا حين ألف هذا الكتاب ، وأراد به وجه الله والصواب ، وقصد بأهل الشام خيرا حين أراد أن يصرفهم به عن تعصبهم الأعمى ضد أهل البيت رضوان الله عليهم ، وعلى رأسهم علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ وعلى ما في بغضهم لهم من جفاء للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهم أهل بيته وعترته الطاهرة التي قال الله تعالى فيها : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣].

ودعانا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى حبهم بقوله : «أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة ، وأحبوني لحب الله ، وأحبوا أهل بيتي لحبي». أخرجه الترمذي والحاكم والسيوطي في الجامع الصغير ، ورمز له بالصحة والحسن.

ملحوظة

لم يكتب الإمام النسائي مقدمة لكتابه ، وإنما بدأ بذكر خصائص الإمام علي مباشرة دون تقدمة على عادة ما يذكر في صدور الكتب المؤلفة من ذكر خطبة الكتاب أو مقدمته.

ولعل الذي شغله عن ذكر المقدمة هو اهتمامه بذكر الخصائص ورغبته في إهدائها إلى هؤلاء القوم الذين غفلوا عنها ولم ينتبهوا لها.

وإن كان لا بد من مقدمة للكتاب فنحن ننوب عنه فيها بذكر نبذة يسيرة عن الإمام علي كرم الله وجهه تتناول نسبة الشريف وبعض أفضاله رضي‌الله‌عنه.

نسبه وإسلامه :

هو الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، واسم أبي طالب عبد مناف ، ويكنى أبا الحسن.

وهو ابن عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصهره على ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين ، وهو أول

١١٦

هاشمي ولد بين هاشميين لأن أمه هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

وهو أول خليفة من بني هاشم.

وهو أول الناس إسلاما في قول كثير من العلماء.

هاجر إلى المدينة بعد أن نام في موضع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة هجرته معرضا نفسه للقتل ، فهو أول فدائي في الإسلام.

شهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان وجميع المشاهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا تبوك لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلفه على أهله في المدينة.

وله في جميع المواقع التي شهدها بلاء عظيم وأثر حسن.

وقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنت أخي في الدنيا والآخرة».

علمه وفضله :

له روايات عدة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : روى عنه بنوه الحسن والحسين ومحمد وعمر وكثير من الصحابة والتابعين.

وذكر في فضل علمه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يرويه ابن عباس رضي‌الله‌عنهما «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت بابه».

وعن عبد الملك بن أبي سليمان قال : قلت لعطاء : أكان في أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعلم من علي؟ قال : لا والله لا أعلمه.

وعن سعيد بن المسيب : كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن.

زهده وورعه :

وكان الإمام علي كرم الله وجهه ـ زاهدا ورعا متواضعا يكتفي بالقليل وشهد له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك فقال له : «يا علي إن الله عزوجل قد زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إليه منها : الزهد في الدنيا ، فجعلك لا تنال من الدنيا شيئا ، ولا تنال الدنيا منك شيئا ، ووهب لك حب المساكين ورضوا بك إماما ورضيت بهم أتباعا ، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب عليك».

وروى أبو نعيم عن سفيان قال : ما بنى علي لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وإن كان ليؤتى بجبوته من المدينة في جراب. الجبوة هي الخراج.

وتشير العبارة إلى أنه كان ينفق خراجه في سبيل الله ولا يمسك فيه شيئا.

١١٧

وزهده وعدله رضي‌الله‌عنه لا يمكن استقصاء ذكرهما.

خلافته ومقتله :

ولي الخلافة بعد مقتل عثمان رضي‌الله‌عنه ، على إجماع من أهل بدر وأهل المدينة ومكة ، وتخلف عن بيعته أهل الشام مع معاوية فلم يبايعوه وقاتلوه.

واستمر الخلاف بين المسلمين الذين بايعوا عليّا رضي‌الله‌عنه وأهل الشام حتى تآمر الخوارج فيما بينهم على قتل كل من علي ومعاوية وعمرو بن العاص الذي كان يناصر معاوية. ونجا كل من معاوية وعمرو ، وقتل علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي وهو خارج لصلاة الفجر في مسجد الكوفة ، وهو ينادي بعد الأذان في الناس : أيها الناس الصلاة الصلاة.

وكان مقتله يوم الجمعة في رمضان سنة أربعين من الهجرة لإحدى عشرة ليلة بقيت منة.

وجزع عليه المسلمون جزعا شديدا وبكوا عليه بكاء مرّا لفضله ومنزلته وعلمه وتقواه وورعه وتواضعه وعدله ومن المراثي التي قيلت فيه مرثية إسماعيل بن محمد الحميري التي يقول فيها :

سائل قريشا بها إن كنت ذا عمه

من كان أثبتها في الدين أوتادا

من كان أقدم إسلاما وأكثرها

علما وأطهرها أهلا وأولادا

من كان أعدلها حكما وأبسطها

كفا ، وأصدقها وعدا وإيعادا

إن يصدقوك فلن يعدوا أبا حسن

إن أنت لم تلق للأبرار حسادا (١)

ومناقبه رضي‌الله‌عنه كثيرة لا تحصى ، وفي الكتاب الذي نقدمه غنية في ذلك لمن أراد. والله المستعان وعليه التكلان.

__________________

(١) اعتمدنا في هذه النبذة التي ذكرناها على كتاب أسد الغابة لابن الأثير ترجمة علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

١١٨

أولية إسلام علي بن أبي طالب(١)

١ ـ ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، وذكر

صلاته قبل الناس ، وأنه أول من صلى من هذه الأمة

١ ـ أخبرنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي قال : أخبرنا محمد بن المثنى ، قال حدثنا عبد الرحمن ـ يعني ابن مهدي ـ قال : حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل ، قال : سمعت حبة العرني قال : سمعت عليا [كرم الله وجهه] يقول : «أنا أول من صلى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٢).

٢ ـ أخبرنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة ، عن أبي حمزة ، عن زيد بن أرقم قال : «أول من صلى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي» (٣).

٢ ـ ذكر اختلاف الناقلين لهذا الخبر عن شعبة

٣ ـ أخبرنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي حمزة ، عن زيد بن أرقم قال : «أول من أسلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب» (٤).

٤ ـ أخبرنا عبد الله بن سعيد قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت شعبة عن عمرو بن مرة ، عن أبي حمزة ، عن زيد بن أرقم قال : «أول من أسلم علي» (٥).

٥ ـ أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، عن خالد ـ وهو ابن الحارث ـ قال : حدثنا

__________________

(١) رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه الإمام أحمد في مسنده ج ١ ص ١٤١ في أحاديث علي بن طالب ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ج ٢ ص ٥٦٥ بتحقيقنا.

(٣) رواه الإمام أحمد في مسنده ج ٤ ص ٣٦٨ في أحاديث زيد بن أرقم. رواه عنه أبو حمزة.

ورواه الطبراني في معجمه الكبير ج ٥ ص ١٩٨.

(٤) رواه الإمام أحمد بن مسنده ج ٤ ص ٣٦٨ في أحاديث زيد بن أرقم رواه عنه أبو حمزة مولى الأنصار.

وهو في طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٥٦٥.

(٥) سبق تخريجه.

١١٩

شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : سمعت أبا حمزة مولى الأنصار قال : سمعت زيد بن أرقم يقول : «أول من صلى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي». وقال في موضع آخر : «أسلم علي».

٦ ـ أخبرني محمد بن عبيد بن محمد الكوفي قال : حدثنا سعيد بن خثيم ، عن أسد بن عبد الله البجلي ، عن يحيى بن عفيف ، عن عفيف قال : جئت في الجاهلية إلى مكة ، فنزلت على العباس بن عبد المطلب ، فلما ارتفعت الشمس ، وحلقت في السماء ، وأنا أنظر إلى الكعبة أقبل شاب ، فرمى ببصره إلى السماء ، ثم استقبل القبلة ، فقام مستقبلها ، فلم يلبث حتى جاء غلام ، فقام عن يمينه ، فلم يلبث حتى جاءت امرأة ، فقامت خلفهما ، فركع الشاب ، فركع الغلام والمرأة ، فرفع الشاب ، فرفع الغلام والمرأة ، فخر الشاب ساجدا ، فسجدا معه ، فقلت : يا عباس أمر عظيم. فقال لي : أمر عظيم؟ فقال : أتدري من هذا الشاب؟ فقلت : لا. فقال : هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. هذا ابن أخي. وقال : أتدري من هذا الغلام؟ فقلت : لا. قال : علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ، هذا ابن أخي ، هل تدري من هذه المرأة التي خلفهما؟ قلت : لا قال : هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي. هذا حدثني أن ربه رب السموات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه. ولا والله ما على ظهر الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة (١).

٧ ـ أخبرنا أحمد بن سليمان الرهاوي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : حدثنا العلاء بن صالح ، عن المنهال بن عمرو ، عن عباد بن عبد الله قال : قال علي : «أنا عبد الله ، وأخو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب ، صليت قبل الناس بسبع سنين» (٢).

__________________

(١) هذا الحديث رواه ابن الأثير في أسد الغابة ج ٤ ص ٤٨ في ترجمة عفيف الكندي وعفيف ـ بضم العين وفتح الفاء بعدها ياء مشددة مكسورة ـ ابن قيس بن معديكرب.

ويقال إن عفيفا الكندي الذي له صحبة غير عفيف بن معديكرب الذي يروي عن عمر وقيل : إنهما واحد. قاله أبو عمر في الاستيعاب ج ٣ ص ١٢٤١.

(٢) هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات ج ١ ص ٣٤١.

وهكذا قرر ابن كثير في البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٦ قال : هذا الحديث منكر بكل حال ولا يقوله علي رضي‌الله‌عنه ، وكيف يمكن أن يصلي قبل الناس بسبع سنين وهذا لا يتصور أصلا.

١٢٠