إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي

إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ٣
ISBN: 964-438-486-5
الصفحات: ٢٧٩

من تحت حوافر الفرس فصرّها في صرّة. فلما ابطأ موسى على قومه قال لهم هارون : انّكم كنتم قد استعرتم حليا من آل فرعون وأخرجتموها معكم فاخرجوه وارموا به وتوبوا منه وتطهروا.

ففعلوا ما أمرهم به ورموا بالحلي فأخذه السامري وكان صائغا فصاغ منه عجلا جسدا ثم ادخل الصرّة التي أخذها من تحت الحوافر في فم العجل فاذا هو يخور وقال لهم : هذا (إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) فعكفوا عليه.

فقام هارون خطيبا فيهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لهم (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي. قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى).

فلما رجع موسى وخبر بالخبر قال له هارون ما قاله وأجابه بما قص الله به ، فأخذ موسى العجل فوضع عليه المبارد حتى برد كلّه وذراه في البحر فبادر بنو اسرائيل الى البحر ليطرحوا أنفسهم فيه ندامة على ما فعلوه ورجوعا وتوبة فمنعهم.

وأمرهم أن لا يشربوا من النهر وكان خليجا من البحر.

فشربوا منه إلّا قليلا منهم فصار حول شفاههم من ذهب فعرف المخالفين منهم ثم قام موسى عليه السّلام خطيبا وذكّرهم بأيام الله وجميل بلائه فأخذ بقلوب بني إسرائيل فقالوا له : يا نبي الله هل بقي نبي أعلم منك؟ فقال : لا.

فأوحى الله إليه : يا موسى هلّا وكلت العباد إلى علمي حين سألوك.

فروي انّه كان تحت المنبر في ذلك اليوم ألف نبي مرسل ثم جاءه جبرئيل عليه السّلام فأمره عن الله عز ذكره بطلب العلم وقال له : هو في مكان كذا وكذا.

فسأل موسى أن يعرفه مكانه فأعطى مكتلا فيه حوت مملوح وقيل له هذا زادك وهو يدلّك على المكان.

فخرج هو وفتاه يوشع فسارا حتى انتهيا الى عين فأخرج يوشع الحوت ليغسله في الماء فاضطرب في يده ، وكان من العين نفق الى البحر ونسي الحوت فلما جاعا دعا موسى بالطعام فذكر الفتى يعني يوشع ما صنع الحوت.

٦١

فقال له موسى : ذلك ما كنّا نبتغيه.

فارتدا على آثارهما قصصا ، أي على آثار أقدامهما ، فأخذا في جزيرة في البحر فاذا رجل عليه ثياب صوف قائم يصلّي فسلّم عليه موسى وجلس فلما انصرف من صلاته ردّ عليه السلام وقال له : من أنت يا عبد الله؟

قال : أنا موسى بن عمران صاحب بني اسرائيل.

وقال : اني سألت ربي أن اتبعك فأعلم من علمك.

قال له : يا موسى اني وكلت بأمر لا تطيقه.

ثم قص عليه العالم عليه السّلام ما كان وما يكون حتى ذكر سيّدنا محمّدا صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم ذكر له ما يصيبهم من المحن وذكر القائم من ولده في آخر الزمان وما يجري على يده من الخيرات والبركات.

وأقبل طائر «روي» انّه الجندب وانّه أصغر من العصفور وانّه الخطاف حتى وقع بالبحر فأخذ بمنقاره من ماء البحر فقال العالم لموسى عليه السّلام : هل رأيت الطائر وما صنع؟.

قال : نعم.

قال له : ما علمي وعلمك في علم محمّد وآل محمّد عليهم السّلام إلّا بمقدار ما أخذه هذا الطائر بمنقاره من البحر فهل تراه نقص من ماء البحر بما أخذه بمنقاره.

ثم كان بينهما من قصّة السفينة والغلام والجدار ما قص الله به.

وانزل الله ـ جلّ وعز ـ على موسى التوراة في شهر رمضان لست ليال مضين منه وأمره أن يأمر بني اسرائيل بالصوم والإمساك عن جميع ما يؤكل ويشرب في يوم الجمعة. فتركوا الجمعة فأمسكوا يوم السبت. فحرّم الله عليهم فيه الصيد وقتل الله فيه عوج بن عناق على يدي موسى عليه السّلام وكان ولد في زمن آدم عليه السّلام.

فعند ذلك ملك كيخسرو خمسين سنة وقتل من بني اسرائيل ثمانية وعشرين ألف نبي واختلف بنو اسرائيل فاختار منهم موسى سبعين رجلا وقد كانوا طالبوه وقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة. فماتوا.

وروي ان موسى مات بموتهم ، فلذلك روي عن العالم عليه السّلام انّه قال : لا تجالسوا

٦٢

المفتونين فينزل عليهم العذاب فيصيبكم معهم.

ثم أحيا الله موسى قبلهم فلما رآهم صرعى اغتم وقال : يا رب أصحابي أصحابي.

فأوحى الله إليه : اني ابدلك بهم من هم خير لك منهم.

قال : يا رب اني قد عرفتهم وعرفوني ووجدت ريحهم.

فبعثهم الله عز وجل له أنبياء.

ثم أخذ موسى بيد هارون ومضيا الى جبل طور سيناء فاذا هم ببيت على بابه شجرة فتدلت من الشجرة على موسى حلتان فأخذهما موسى وقال لهارون : انزع ثيابك وادخل هذا البيت والبس هاتين الحلتين ونم على السرير الذي في البيت.

ففعل هارون ذلك فلما نام على السرير قبضه الله عز وجل إليه وارتفع البيت المعمور والشجرة ورجع موسى صلّى الله عليه الى بني اسرائيل فأخبرهم بذلك فكذّبوه وقالوا بل أنت قتلته.

فشكا ذلك إلى الله جلّ وتعالى فأمر الله الملائكة فنزلت بهارون على سرير بين السماء والأرض حتى رأوه وعلموا انّه مات ورفع.

وأمر الله موسى أن يستودع علم الله ونوره وجميع ما في يديه ابن عمه يوشع بن نون فاحضره وأوصى إليه وسلّم إليه التابوت والعلم وعرّف بني اسرائيل انّه هو القائم مقامه وان عليهم فرض طاعته.

ومكث عليه السّلام ما شاء الله ثم مر برجل وهو يحفر قبرا فقال له ألا أعينك على حفر هذا القبر.

فقال له الرجل : بلى.

فأعانه حتى حفر فأراد الحفّار أن يضطجع في اللحد لينظر كيف هو فقال له موسى : أنا أضطجع فيه.

فاضطجع فرأى مكانه من الجنّة فقال : ربّ اقبضني إليك.

فقبض ودفن في ذلك القبر. وكان الذي يحفر القبر جبرئيل عليه السّلام في صورة آدمي. فذلك قبر موسى ولا يعرف به أحد. وكان موته آخر يوم من أيام التيه.

٦٣

وروي انّه سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن قبر موسى فقال : عند الطريق الأعظم عند الكثيب الأحمر.

وعاش موسى مائة وستا وعشرين سنة وعاش هارون نحوا من ذلك وكان بين ابراهيم وبين موسى عليهما السّلام أربعمائة وثمان وستون سنة.

يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف عليهم السّلام

وخرج يوشع عليه السّلام وجمع أولاد بني إسرائيل الذين ولدوا في التيه معه وهم لا يعرفون الجبارين ولا العمالقة ولا يمتنعون من قتالهم فقاتل بهم العمالقة وفتح بيت المقدس وجميع مدائن الشام حتى انتهى الى البلقاء لأنّه قاتل فيها رجلا يقال له بالق فجعلوا يخرجون ويقاتلون ولا يقتل منهم أحد فسأله يوشع عن ذلك فقيل له ان في مدينته امرأة كاهنة تدّعي انّها منجمة تستقبل الشمس بفرجها ثم تحسب وتعرض عليها الخيل والرجال ولا يخرج يومئذ الى الحرب رجل قد حضر أجله.

قال : فصلّى يوشع بن نون عليه السّلام ركعتين ودعا ربّه أن يحبس الشمس عنهم ساعة فأجابه واخرت الشمس ، فخرجت فاختلط عليها حسابها فقالت لبالق : انظر ما يعرض عليك يوشع ويلتمسه فاعطه فان حسابي قد اختلط عليّ.

فقال لها : انّه لا يكون صالح إلّا بقتال.

فقاتل يوشع فقتل أصحاب «بالق» قتلا ذريعا كثيرا لم يقتل مثله قبل. فسأل الصلح فأبى يوشع بن نون أن يفعل حتى يسلّم إليه المرأة.

فقالت : ادفعني إليه.

فدفعها فقالت : هل تجد فيما أوحي الى صاحبك موسى عليه السّلام قتل النساء؟.

قال : لا.

قالت : أليس إنمّا تدعوني الى دينك؟.

قال : بلى.

قالت : فاني قد دخلت فيه.

٦٤

فتركها ثم انتهى الى مدينة اخرى فأرسل صاحب المدينة الى (بلعم) وكان يقال ان (بلعم) قد أوتي الاسم الأعظم وهو الذي قال الله جل وعز عنه : (آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها).

نسأل الله الثبات وان يجعل ما أعطانا مستقرا ولا يجعله مستعارا مستودعا وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا من لدنه رحمة انّه هو الوهّاب.

قال : فركب (بلعم) حمارته ثم توجّه الى صاحب المدينة ليعين على (يوشع) فعثرت حمارته فقال لها : لم عثرت ولم تكوني تعثرين؟ قالت : ولم لا أعثر وهذا جبرئيل بيده الحربة ينهاك أن تدعو على أصحاب (يوشع).

فدخل (بلعم) على أصحاب المدينة وصاحبها وقال له : ادع الله عليهم.

فقال : ليس الى ذلك سبيل ولكن أشير عليك أن تزيّن النساء وتأمرهن أن يأتين عسكر (يوشع) فيتعرضن للرجال فإن الزنا لم يظهر في قوم قط إلّا بعث الله عليهم الموت ، ففعل ، فلما دخلت النساء العسكر وقع الرجال عليهن ، فوجد ابنا هارون ريح الخطيئة فخرجا فوجدا رجلا من بني اسرائيل قد وقع على امرأة فطعنه أحدهما بالرمح ، فقوى الله ـ عز ذكره ـ الرمح وذراع الفتى حتى شكهما جميعا فيه وشالهما عليه ، فصارت المرأة فوق الرجل على الرمح ، فأخرجهما الى بني إسرائيل ؛ حتى نظروا إليهما.

وأوحى الله الى (يوشع بن نون) ان شئت سلّطت عليهم عدوّهم ، وان شئت أهلكتهم بالسنين ، وان شئت فبموت حثيث.

فقال يوشع : انّهم بنو اسرائيل ولا أحبّ أن تسلّط عليهم عدوّهم ولا أن تهلكهم بالسنين ، ولكن بموت حثيث.

فمات في ثلاث ساعات سبعون ألفا بالطاعون.

وقد روي في «بلعم» أحاديث توجب انّه لم يخرج عن شيء من دينه وهو من ولد (لوط) عليه السّلام.

ثم خرجت «صفورا» بنت شعيب امرأة موسى على «يوشع» وركبت الزرافة وكان ظهر الزرافة كالسرج فلما حاربت حجّة الله وظفر بها ومن عليها صير الله ظهر الزرافة

٦٥

كالزلاقة وحماه فكانت الحرب لها أوّل النهار الى قبل زوال الشمس ثم صارت له الى آخر النهار فظفر بها وأشار عليه بعض من معه بقتلها ، فقال لهم : قد عرفني موسى أمرها وخروجها وأمرني أن أحفظه فيها وأحسن صونها فوكّل بها نساء متلثمات أركبهن الخيل في زي الرجال ووجّه بهن. فلما صارت هناك جمعت النساء والرجال وقالت : ان (يوشع ابن نون) أسرني وبعث بي مع رجال ليس فيهم محرم الى هذا المكان.

فكشف النساء اللثام حتى نظر بنو اسرائيل إليهن وكذبنها.

فلما حضرت يوشع الوفاة أوحى الله إليه ان يستودع ما في يده ابنه (فينحاس) فأحضره وسلّم إليه علوم النبيين ومواريثهم ومضى صلّى الله عليه.

فقام فينحاس ابنه (صلّى الله عليه) بأمر الله جل وعلا واتبعه المؤمنون من بني اسرائيل على قلّة عددهم الى أن حضرت وفاته فأوحى الله إليه ان يستودع ما في يده ابنه بشيرا فأحضره وأوصى إليه وسلّمه ما في يده ومضى صلّى الله عليه.

فقام بشير بن فينحاس عليه السّلام بأمر الله جل وعز مقام آبائه عليهم السّلام الى أن حضرته الوفاة فأوحى الله إليه ان يوصي الى ابنه (جبرئيل) فأوصى وسلّم ما في يده إليه ومضى.

فقام جبرئيل بن بشير عليه السّلام بأمر الله جل وعز مع من اتبعه من المؤمنين مقام آبائه عليهم السّلام الى أن حضرته وفاته ، فأوحى الله تعالى إليه أن يجعل الوصيّة في ابنه «ابلث» فأوصى وسلّم جميع ما في يده الى «ابلث» ابنه ومضى صلّى الله عليه.

وقام ابلث بن جبرئيل بن بشير عليه السّلام بأمر الله عز وجل على سبيل آبائه الى أن حضرته الوفاة ، وأوحى الله تعالى إليه الى ابنه «أحمر» فأحضره وسلّم إليه ما في يده ومضى عليه السّلام.

٦٦

فقام أحمر بن ابلث مقام أبيه ومن تقدّمه من آبائه عليهم السّلام بأمر الله جل جلاله ، حتى اذا حضرت وفاته أوحى الله إليه أن يستودع الاسم الأعظم والنور ابنه «محتان» فأحضره وسلّم إليه الوصيّة ومواريث الأنبياء ومضى عليه السّلام.

وقام محتان بن أحمر عليه السّلام بأمر الله جل وتعالى مقام أبيه الى أن حضرت وفاته فأوحى الله إليه أن يستودع ما في يده ويوصي الى ابنه «عوق» ففعل ومضى عليه السّلام.

وقام عوق (صلّى الله عليه) بأمر الله عز وجل مقام آبائه واتبعه المؤمنون ، وملك الأرض حينئذ (بهراسب) مائة وعشرين سنة ، وكان في ملكه العدل والأمن. وفي ملكه رجعت اليهود إلى الأرض المقدّسة فأقاموا فيها آمنين وكان يدبّر أمر الله عز وجل يومئذ (عوق) من ولد (يوشع) والمؤمنون متّبعون له ولمن تقدّمه من آبائه عليهم السّلام.

ولما حضرت الوفاة (عوق) أوحى الله إليه أن يستودع الاسم الأعظم وجميع مواريث الأنبياء (طالوت) فأحضره وسلّم إليه الوصية وجميع ذلك.

وقام طالوت عليه السّلام بأمر الله جل وعلا وأظهر أمر الله في أيام نبوّته وكان من ولد «بنيامين» بن يعقوب وكان راعيا فآتاه الملك والحكمة والعلم وخالف عليه بنو إسرائيل وهو قول الله جل جلاله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ).

وكان الملك في ذلك الزمان هو الذي يسيّر الجيوش ، والنبي يقيم أمر الله وينبئه بالخير من عند الله.

فلما قالوا ذلك لنبيّهم ، قال لهم : أليس عندكم ذمّة ولا وفاء ولا رغبة في الجهاد؟

قالوا : بلى قد أخرجنا من ديارنا وابنائنا ولا بد لنا من قتال عدوّنا وطاعة ربنا.

قال لهم : فان الله قد بعث لكم (طالوت) ملكا.

قالت عظماء بني اسرائيل : (طالوت) من سبط (بنيامين بن يعقوب) ، والملك والنبوّة

٦٧

في أولاد (يهودا) و (لاوي) ابني يعقوب ، فكيف يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه.

قال لهم : ان الله قد اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ، والملك لله عز وجل يضعه حيث يشاء وليس لكم ان تتجبروا على الله جل وعز في أمره وملكه وسلطانه ، وان آية ملكه أن يأتيكم التابوت من قبل الله تحمله الملائكة ، وهو الذي كنتم تهزمون به من لقيتم من أعدائكم. قالوا : ان جاءنا بالتابوت رضينا فسلمنا ، فروي ان التابوت كان على صورة البقرة وان السكينة على صورة الإنسان ، فجاء بالتابوت تحمله الملائكة فسلّموا حينئذ فقام بأمر الله ، وجيش الجيوش لقتال الجبار (جالوت) وكان أبو داود عليه السّلام شيخا كبيرا وله أربعة أولاد فوجّه الشيخ مع (طالوت) بأولاده كلّهم سوى داود فانّه خلفه في الغنم وفصل طالوت لقتال الجبار (جالوت) فقال الشيخ أبو داود لداود اذهب بسلاح قد صنعته الى اخوتك ليقووا به على عدوّهم ، وكان داود عليه السّلام قصيرا أزرق قليل الشعر فمضى الى اخوته فنزل في خيمتهم (وروي) انّه في طريقه مر بحجر فناداه الحجر يا داود خذني فاقتل بي جالوت فاني انما خلقت لقتله فأخذه فوضعه في مخلاته فلما دخل العسكر سمع الناس يعظّمون أمر جالوت وجنوده فقال لاخوته وللناس : ما تعظيمكم أمره؟ لئن عاينته لأقتلنه! فتحدّث الناس بهذا الحديث وارتفع الخبر به الى طالوت فأمر بإحضاره ثم قال له ما بلغ من قوّتك؟ فقال له داود قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه فأفكّ لحييه عنها وآخذها من فيه ، وكان الوحي قد نزل على طالوت عليه السّلام انّه لا يقتل جالوت إلا من لبس درعك فملأها ، وكان طالوت يلبس الدرع رجلا رجلا من أصحابه فيضطرب عليه. فدعا اخوة داود فسألهم عنه ثم قال لهم كيف صدقه ، قالوا ما جربنا عليه كذبا قط ، قال لهم فكيف عقله ، قالوا أحسن عقل وأوفره ، قال فكيف منزلته عند أبيه ، قالوا هو آثرنا عنده ، فدعا طالوت بالدرع فألبسها داود فانتقض فيها فتفضلت عليه فقال له : يا داود أنت الذي يقتل بإذن الله جالوت. فلما التقى الجمعان قال داود عليه السّلام أروني جالوت فأروه إيّاه فأخذ الحجر فجعله في مقلاع معه فرماه به فصك به بين عينيه فخر على وجهه صريعا. وكان طويلا جسيما فسقط ميّتا وبادر إليه فحز

٦٨

رأسه ووضعه في مخلاته ، فروي ان طالوت استخلفه في مجلس القضاء والفقه فكان يحكم بين الناس فلما حضرت طالوت الوفاة أوحى الله إليه أن يسلّم ما في يده من المواريث والعلوم الى (الياس) وداود عليهما السّلام وروي انّه أمر بتسليم ذلك إلى داود عليه السّلام فسلّم طالوت نور الله وحكمته وجميع ما في يديه الى داود عليه السّلام.

فقام داود صلّى الله عليه بأمر الله بعد طالوت واجتمعت بنو اسرائيل على داود ، وأنزل الله جل ذكره عليه الزبور ، وعلّمه صنعة الحديد ، وليّن الحديد في يديه ، وأمر الجبال والطير أن يسبّحن معه وأعطي صوتا لم يعطه أحد من الأنبياء قبله ، وأعطي النور والحكمة والتوراة وزاده الله الزبور وأقام في بني اسرائيل مستخفيا وأعطي القوة في العبادة ثم انّه سأل ربّه أن يجعله رابع أربعة من ولد اسرائيل يدعى بآلهه كما كان يدعى ابراهيم واسحاق ويعقوب حتى يقال وإلهه داود فأوحى الله إليه ان أولئك ابتليتهم فصبروا. فقال : يا رب ابتلني. فأوحى الله عز وجل إليه اني مبتليك في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا في ساعة كذا. فلما كان في ذلك اليوم تخلى داود في محرابه وكان يدعو على الخاطئين وكان أمره ما قصّ الله به من حديث الطائر والمرأة والملكين فأتاه جبرئيل فقال له : ان أردت أن يتوب الله عليك فاسأله بحق محمد وآل محمّد فبذلك سأل آدم ربّه وبذلك سأل ابراهيم حين ألقي في النار وبذلك سأل الأنبياء ربّهم. فقال : اللهم بحق محمّد وآل محمّد. فأجابه وتاب عليه فكان بعد ذلك يبتدئ بالدعاء للخاطئين (وروي) انّه كان في محرابه إذ مرّت به دودة تدبّ حتى انتهت الى موضع سجوده فنظر إليها فوجد في نفسه ، ثم قال : يا ربّ لم خلقت هذه؟ فأوحى الله إليها أن تكلّمه ، فقالت له : أنا على صغري وتهاونك بي أكثر لذكر الله منك يا داود. هل سمعت حسي أو تبينت أثري؟ فقال لها : لا. قالت : فان الله ليسمع دبيبي ونفسي وحسّي ويرى شخصي فاخفض من صوتك. وكان داود يكثر من الدعاء بأن يلهمه الله القضاء بين الناس بما هو عنده الحق فأوحى الله إليه ان الناس لا يحملون ذلك. فعاود في الدعاء فأوحى الله إليه اني سأفعل. فارتفع إليه رجلان استعدى أحدهما على الآخر فأمر المستعدى عليه أن يقوم الى المستعدى فيضرب

٦٩

عنقه ، ففعل ، فعظم ذلك على بني اسرائيل ، وقالوا : رجل جاء يتظلّم من رجل ظلمه.

فأمر الظالم أن يضرب عنق المظلوم. فقال : يا رب انقذني من هذه الورطة فاني بأمرك أمرت.

فأوحى الله إليه سألتني أن ألهمك القضاء بين عبادي بالحق ، فاعلم ان هذا المستعدي الذي هو عند الناس مظلوم قتل أبا من استعدي عليه سرّا وهو عندهم ظالم له. فألهمتك القود منه فهو المدفون في حائط كذا وكذا تحت شجرة. ناده باسمه فانّه يخبرك بقصته.

ففرّج عن داود وقال ذلك لبني اسرائيل ومضى الى الموضع فنادى القتيل : يا فلان.

فقال له : لبيك يا نبيّ الله.

قال : من قتلك؟.

فقال : فلان الفلاني قتلني.

وكانت بنو اسرائيل بعد ذلك يقولون لداود يا نبيّ الله وانما كانوا يقولون له يا خليفة الله.

ثم أوحى الله الى داود أن الناس لا يحتملون إلّا الظاهر دون الباطن فاسأل المدّعي البينة وأضف المدّعى عليه الى اسمي يعني اليمين بالله جل وعز.

قال : وصار إليه صاحب الحرث والزرع فتحاكما إليه فحكم داود بما حكمت به الأنبياء قبله وهو ان لصاحب الحرث رقاب الغنم بما أفسدت عليه من زرعه ، وكان كرما قد أينع ، فألهم الله (سليمان) في تلك الحال لما شاء أن يظهر من أمره ويدلّ الناس عليه أن قال أي غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلّا ما يخرج من بطون الغنم في تلك السنة فجرت السنّة بعد سليمان بذلك فحكم كلّ واحد منهما بحكم الله. وكانت هذه إشارة في سليمان عليه السّلام.

وروي ان الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود ان أردت أن أعطف عليك بقلوب عبادي فاحتجز الايمان بيني وبينك وتخلق للناس بأخلاقهم (وروي) ان الله عز وجل أوحى الى داود ان لي وللجن والانس يوم القيامة نبأ عظيما ، أخلقهم ويعبدون غيري ، وأرزقهم ويعبدون سواي.

٧٠

وروي انّه أوحى الله إليه يا داود كما لا تضيق الشمس على من جلس فيها كذلك لا تضيق رحمتي على من دخل فيها وكما لا يضر الطير من يتطير منها كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيرون وكما ان أقرب الناس من الله يوم القيامة المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون.

وروي انّه أوحى الله إليه يا داود مالي أراك منتبذا؟.

قال : أعيتني الخليقة فيك.

قال : فما ذا تحبّ؟.

قال : محبتك.

قال : من محبتي التجاوز عن عبادي فإذا رأيت لي مريدا فكن له خادما.

وولد (سليمان) فلما ترعرع أوحى الله إلى داود انّه القيم بالأمر بعدك.

فصعد داود المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ان الله جل جلاله أمرني أن استخلف سليمان عليكم بعدي.

فضجّت رؤساء أسباط بني اسرائيل وقالوا : غلام حدث يستخلف علينا وفينا من هو أعلم منه ونحن كبراء بني اسرائيل.

فبلغ ذلك داود فجمعهم وقال لهم : احضروا لي عصيّكم فأية عصا أورقت وأثمرت فصاحبها ولي الأمر بعدي.

فسروا بذلك وقالوا : قد رضينا.

وأحضروا العصي وكتب عليها أسماء أصحابها وأدخلها بيتا ، وغلق الباب ، وأجلس رؤساء الأسباط على الباب يحرسون عصيّهم فلما أصبح صلّى بهم الغداة ، ثم فتح الباب فأخرج عصيّهم وقد أورقت عصا سليمان وأثمرت.

وروي انّه حمل سليمان فطاف به في بني اسرائيل ينادي هذا خليفتي من بعدي.

ومات داود عليه السّلام وعقدوا الأمر لبعض أولاده غير سليمان ، واعتزلهم سليمان فاتصل الخبر بنبي من أنبياء بني اسرائيل يقال له (أرميا) وكان متخليا في بعض الجبال فنزل وصار الى سليمان فقال له : يا نبي الله ان بني إسرائيل قد عقدوا الأمر لغيرك.

٧١

فأمسك عنه سليمان عليه السّلام فلم يزل (أرميا) يسأله الى ان اقامه وأخرجه وأركبه بغلة داود وألبسه عمامته ووضع على رأسه شبيها بالقرن كان إذا وضع على رأس الامام يسمع له صوت كصوت خرير الماء ثم شدّ (أرميا) وسطه بشريط وأخذ بزمام بغلة سليمان عليه السّلام وطاف به مناديا في بني اسرائيل : هذا حجّة الله عليكم.

فانفضّ الناس عن الرجل الذي كانوا نصبوه وعادوا الى سليمان وكان الرجل المنصوب أحد أولاد داود وكان بنوا اسرائيل يميلون إليه لأن أمه كانت منهم ولم تكن أم سليمان منهم.

وروي ان داود عليه السّلام أوّل من صنع بناء بيت المقدس فبنى بعضه وتممه سليمان ونصب فيه المحاريب.

فقام سليمان (صلوات الله عليه) بأمر الله جل ذكره ونوره وحكمته وجميع مواريث الأنبياء.

ثم انّه لما استوى له الأمر قام خطيبا فذكر الله وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) وسخّر الله له الجنّ والانس والطير والهوام والسباع وكان لا يسمع بملك في ناحية من أقطار الأرض إلّا أتاه يذلّه ويدخله في الاسلام.

وروي ان القحط اشتد في زمانه فشكا الناس إليه ذلك وسألوه أن يستسقي لهم فخرج معهم فلما صار في بعض الطريق إذا هو بنملة رافعة يديها الى السماء واضعة رجليها في الأرض وهي تقول اللهم انّا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم.

فقال سليمان لأصحابه : ارجعوا فقد سقيتم بغيركم.

فسقوا في ذلك العام ما لم يسقوا مثله.

وروي ان الهدهد كان يدلّ أصحاب سليمان عليه السّلام فلم يلبث أن أتى سليمان (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ).

٧٢

فكتب معه بما قصّ الله جل وعز به واستعجله فقال له : كيف تستعجلني يا نبي الله وأنا أخاف سباع الطير يعني الجوارح تأكلني.

فأرسل معه الصقر ـ وروي العقاب ـ وأمره بحفظه ولذلك صار العقاب رئيس الجوارح.

فمضى الهدهد حتى ألقى الكتاب الى ملكة سبأ وهي على سرير الملك فجمعت أهل مملكتها وقالت (أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ). وروي انّه مختوم وان أوّله (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ثم قالت لهم : ما ذا تأمرون؟.

قالوا : نحن أولو قوّة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ما ذا تأمرين؟.

وقالت لهم ما قص الله به جل وتعالى ثم اهدت إليه من الوصائف والعبيد والخيل وساير الأصناف ما له مقدار جليل عظيم.

فقال سليمان عليه السّلام للرسل : (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ).

فرجع الرسل إليها فقالوا لها : ما هذا ملكا ومالنا به طاقة.

فبعثت إليه : اني قادمة عليك بملوك قومي حتى أمتثل أمرك.

ثم أمرت بسرير ملكها وكان من ذهب مرصّعا بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ وجعلته في سبعة أبيات بعضها في جوف بعض وغلقت الأبواب كلّها وكانت تخدمها ستمائة جارية فقالت لمن خلفت على سلطانها احتفظوا بسريري لا يصل إليه أحد حتى أرجع.

ثم خرجت نحو سليمان عليه السّلام وكان ملكها باليمن فشخصت في اثني عشر فيلا من أفيال اليمن والفيل الملك وجعل الجنّ يأتون سليمان بخبرها حتى اذا قربت (قالَ) ... (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ).

وكان من قصة العفريت ما قص الله به فقال آصف بن برخيا عليه السّلام (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ).

وكان آصف كاتب سليمان عليه السّلام في تلك الحال وابن عمّه ووصيّه وزوج ابنته فروي ان الأرض طويت حتى تناول السرير في أسرع وقت من طرف العين وأمر سليمان أن

٧٣

ينكر لها عرشها فنكر فلما قدمت وكان من أمرها ما قصّ الله به (قِيلَ) لها (أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ).

ثم أمر سليمان عليه السّلام بالصرح وقد عملته الشياطين من زجاج كأنّه الماء بياضا ثم أرسل الماء تحته ووضع سريره فيه وجلس «و (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) وأراد بذلك أن يريها ملكا أعظم من ملكها.

فلما رأته حسبته لجّة وكشفت عن ساقيها وجعلت تسأله حتى سألته عن الربّ جلّ جلاله وأخبرها ثم دعاها الى عبادة الله ونهاها عن عبادة الشيطان من دون الله وذكرها بأيام الله عز وجل فقالت عند ذلك (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وحسن اسلامها.

فلما فرغ من أمرها قال لها : اختاري لنفسك رجلا من قومك أزوّجك به.

فزوجها (ذا تبع) ملك همدان باختيارها وردّها الى اليمن ، فلم يزل ذو تبع ملكا باليمن الى أن قبض سليمان عليه السّلام.

قال وجلس سليمان يعرض الخيل لبعض الغزوات وكانت تعجبه فتشاغل بعرضها عن التسبيح حتى غابت الشمس وكان عددها أربعة عشر رأسا فلما أمسى ندم على ما صنع وقال : شغلتني الخيل عن ذكر ربي فأمر بها فعوقبت وضربت أعناقها.

فروي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام انّه قال قتل الخيل عند الله أعظم عن ترك التسبيح.

قال : فسقط خاتمه من اصبعه وكان حلقة من ياقوت أحمر من الجنّة عليها صورة كرسي فأعاده إلى اصبعه فسقط ثلاث مرّات فقال له آصف : انّه لن يتماسك الخاتم في يدك أربعة عشر يوما بعدد الخيل التي قتلتها فادفع إلي الخاتم حتى أقوم مقامك وأهرب الى الله عز وجل وآخذ بالاستغفار والتوبة. وكانت هذه اشارة من آصف عن نفسه.

وقال له : اني أسير في رعيتك وأهل بيوتك بسيرتك الى ان ترجع.

فدفع سليمان الخاتم الى (آصف) فلما جعله في اصبعه ثبت. فأقام في ملك سليمان يعمل عمله ، وألقى الله عليه شبه سليمان عليه السّلام فلم يفقد سليمان أحد من الناس إلّا حرمه.

٧٤

ثم رفع سليمان إلى مجلسه ، فلما بصر به قام على رجليه وتنحى له من مجلسه حتى جلس فيه فأخذ الخاتم ووضعه في يده فثبت.

وحدثه آصف بما عمل في تلك الأيام التي غاب فيها فدعا سليمان ربّه وناجاه وقال يا ربّ أتخوّف ان يعلم بنو اسرائيل بما كان مني فتنقص منزلتي عندهم «ف (هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ، فاعطي زيادة في ملكه وسخّر الله له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ثم أوحى إليه في تلك الحال (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) ثم أثنى الله عليه عند أهل مملكته وعالمه ان له عندنا لزلفى وحسن مآب ، وكان إذا أراد الركوب أمر بجمع العسكر وضربت له الخشب ثم جعل عليه الناس والدواب وآلة الحرب كلّها حتى اذا حمل على ذلك الخشب كلّ ما يريد أمر الريح فدخلت تحت الخشب وحملته حتى ينتهي به الى حيث يريد.

وروي انّه خرج في وقت من الأوقات من بيت المقدس على هذه السبيل عن يمينه ثلاثمائة كرسي عليها الانس وعن يساره ثلاثمائة ألف كرسي عليها الجن وأمر الطير فأظلتهم والريح تحملهم حتى ورد (المدائن) من يومه ثم رجع فبات ب (اصطخر) ثم غدا فانتهى الى (جزيرة كاوان) ثم أمر الريح أن تحفظهم حتى كادت أقدامهم تلحق الماء فقال بعضهم لبعض هل رأيتم ملكا أعظم من هذا؟.

فروي انّه مر برجل حراث من بني اسرائيل فلما رأى الرجل ذلك الملك قال : الحمد لله لقد أوتي آل داود ملكا عظيما.

فألقت الريح الكلام في اذن سليمان فمال إليه فلما رآه فزع فقال له : سليمان أي شيء قلت؟

فجحد ما قاله. فلم يزل به الى أن قال : قلت : الحمد لله أكثر ممّا أوتي داود آل داود.

وكان لسليمان ثلاثمائة زوجة مهيرة وسبعمائة سرية وملك مشارق الأرض ومغاربها وملك سبعمائة سنة وست عشرة سنة وستة أشهر ولم يزل يدبر أمر الله جل وعز فلما حضرت وفاته أوحى الله إليه ان يجعل وصيّه والمواريث والنور والحكمة الى (آصف بن برخيا) فأوصى وسلّم إليه ذلك ومضى عليه السّلام وكان في قبّة زجاج فكان من قصته ما نبأنا

٧٥

الله من أمر منسأته الى قوله (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ).

وقام آصف بن برخيا بأمر الله وأعطاه الله عز وجل من الاسم الأعظم حرفا وكان يرى المعجزات.

وفي أيامه ملك «كشتاسب» مائة وستا وعشرين سنة ، وفي أربعة وثلاثين سنة من ملكه ظهر أمر «الهرابذة» وبنى مدينة بفارس سمّاها «نشا» وتسلّط اليهود على نسل داود فقتلوا منهم مائة وعشرين نبيّا وقتلوا من شيعة الأنبياء خلقا كثيرا فعند ذلك لعنهم الله باللعنة التي لعن بها ابليس ومسخهم قردة وخنازير وأنواعا شتى من المسوخ في البر والبحر ومنهم الجري والمارماهي والزمار على حسب ذنوبهم وكفرهم مسخ كلّ صنف وكان أمر الله مفعولا.

ولما حضرت «آصف» الوفاة أوحى الله إليه أن يستودع نور الله وحكمته وجميع ما في يديه ابنه «صفورا» فدعاه وسلّم إليه التابوت والوصيّة ومضى.

وقام صفورا بن آصف عليهما السّلام بأمر الله جل وعز فاتبعه المؤمنون من بني اسرائيل فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه ان استودع الاسم الأعظم والتابوت والحكمة والنبوّة الى ابنك «مبنه» وأحضره وأوصاه وسلّم إليه ومضى.

وقام مبنه بن صفورا عليهما السّلام بأمر الله جل وعلا فعند ذلك وفي أيامه ملك أردشير بن اسفنديار مائة واثنتي عشرة سنة.

وفي خمس سنين من ملكه بنى مدينة بفارس وسماها «اصطخر» وسيكون فيها ملحمة عظيمة في آخر الزمان على ما روي عن عالم أهل البيت عليهم السّلام.

ولما حضرت مبنه الوفاة أوحى الله إليه ان يستودع ويوصي «هندوا» فأحضره وأوصى إليه وسلّمه ما في يديه ومضى.

٧٦

وقام هندو بن مبنه عليه السّلام بأمر الله جل وعز فلما حضرت وفاته أوحى الله إليه ان استودع مواريث الأنبياء ابنك «اسفر بن هندوا» فأحضره وسلّم إليه ومضى عليه السّلام.

فقام أسفرا بن هندوا بأمر الله جل وتعالى وتبعه المؤمنون فعند ذلك ملكت حماه بنت شهرزان ثلاثين سنة وكان في ملكها تخفيف الخراج وصلاح أمر الناس ولم يخرج عليها أحد إلّا ظهرت عليه ، وكانت امرأة بغية ، وكانت لها امرأة تخدمها تطلب لها كلّ ليلة رجلا شابّا جميلا تدخله إليها فيبيت عندها ليلتها فاذا أصبح أمرت به فقتل لئلا يشنع عليها ويذيع خبرها.

فعند ذلك ـ قال عالم أهل البيت عليهم السّلام ـ لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة لما أعطى ملكها امرأة بغية.

فلما حضرت «اسفر» الوفاة أوحى الله إليه ان استودع النور والحكمة والمواريث ابنك «رامن» فأحضره وأوصى إليه وسلّمه ما في يده ومضى عليه السّلام.

فقام رامين بن اسفر عليه السّلام بأمر الله عز وجل وتبعه المؤمنون وقد كانوا قلوا وفنوا وبقي منهم عدد يسير الى ان حضرت وفاته فأوحى الله إليه ان يستودع ما في يده «اسحاق» فأحضره وأوصى إليه وسلّمه جميع المواريث والنور والحكمة والاسم الأعظم ومضى.

وقام اسحاق بن رامين بأمر الله جل جلاله مقام آبائه عليهم السّلام فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه ان استودع الاسم الأعظم ابنك «أيم» فأحضره وأوصى إليه وسلّم ما في يديه ومضى صلّى الله عليه.

وقام ايم بن اسحاق بأمر الله جل وعز مقام آبائه عليهم السّلام فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه ان يستودع الاسم الأعظم ويوصي الى ابنه «زكريا» روي ان اسمه «زمرتا» فأحضره وأوصى إليه ومضى صلوات الله عليه.

٧٧

فقام زكريا عليه السّلام بأمر الله وهو «زكريا بن ايم» ويروى ابن (اردن) واتبعه المؤمنون من ولد داود من سبط يهودا.

وكان زكريا متزوجا (ايساع) اخت (حنة) (أم مريم أمّ عيسى).

وروي ان زكريا عليه السّلام لم يزل خائفا من اليهود مستخفيا ، ثم هرب منهم فالتجأ الى شجرة فنشرت لحاها ثم نادته «يا زكريا ادخلني» فدخلها فانضم عليه اللحاء فلم يوجد فاتاهم ابليس فدلهم عليه فاتوا الشجرة فنشروها ونشروه عليه السّلام معها فروي ان الله عز وجل قبض روحه قبل وصول المنشار إليه ، ورفع عنه الألم.

وكان الله أوحى إليه قبل ذلك أن يسلّم مواريث الأنبياء وما في يديه الى عيسى عليه السّلام وروي في خبر آخر ان الله أوحى الى زكريا أن يستودع النبوّة ومواريث الأنبياء وما في يديه الى نبي من بني اسرائيل يقال له (اليسابغ).

فقام اليسابغ عليه السّلام بما أوصاه به زكريا عليه السّلام من أمر الله جل وعلا وأعطاه ثلاث آيات متظاهرات بيّنات ليريها بني اسرائيل فأبى أكثرهم إلّا طغيانا وكفرا.

فعند ذلك ملك (دارا بن شهزادان) اثنتي عشرة سنة وهو أوّل من صنع السكك وأعد لنفسه الأموال والخزاين فلما أراد الله أن يقبض (اليسابغ) أوحى إليه أن يستودع النور والحكمة والاسم الأعظم ابنه «روبيل».

وقام روبيل بن اليسابغ بأمر الله جل وعز وتدبير ما استودعه وملك في أيامه (دارا بن شهزادان) أربع عشرة سنة وبعد سنة من ملكه بنى مدينة وسمّاها «داراجرد» ثم ملك بعده (الاسكندر) أربع عشرة سنة وذلك كلّه في وقت إمامة (روبيل).

وقتل «الاسكندر» (دارا بن دارا) وهدم بيوت النيران وقتل (الهرابذة) وكان في زمانه العدل والإنصاف فلما مات (الاسكندر) وكان أصحابه يعبدون الحجارة فحملوه في

٧٨

تابوت من ذهب الى بلاد الروم وكان بنى بعد سنتين من ملكه مدينة باصبهان سمّاها «جي» فأسرف كفرة بني اسرائيل في قتل المؤمنين وتعذيبهم فدعوا الله أن يخرجهم من بينهم ويبعد بين أقطارهم فبعث الله إليهم ملائكة فسيرهم على الماء ومعهم الكتاب المنزل على موسى عليه السّلام.

وملك عند ذلك (أشبح بن اشبحان) مائتي سنة وستين سنة ، وفي احدى وخمسين سنة من ملكه بعث الله عز وجل المسيح عيسى بن مريم عليه السّلام

فقال العالم عليه السّلام : ان امرأة عمران لما نذرت ما في بطنها محررا ، والمحرّر للمسجد وخدمة العلماء وقال في خبر آخر ان الله أوحى الى عمران اني أهب لك ابنا يبرئ الاكمه والأبرص ويحيي الموتى باذني.

فلما ولدت امرأته بنتا وهي مريم قالت انّي وضعتها انثى وليس الذكر كالانثى ـ تريد أن الانثى لا تكون نبيا مرسلا.

وانما كان الوعد لعمران بعيسى عليه السّلام من ابنته مريم فنشأت مريم أحسن نشوء ولزمت العبادة والصلاة في الكنائس والبيع مع العلماء وأحصنت .. لم ترغب في أحد من الرجال وكان زكريا قد كفلها في حياته فكان إذا دخل إليها وهي في المحراب وجد عندها رزقا. قال : يا مريم انّى لك هذا قالت هو من عند الله.

قال : كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف وروي انّه كان الرزق علما من العلوم وروي انّه حمل مريم كان ثلاث ساعات وروي سبع ساعات من النهار وروي تسعة أيام وان جبرئيل عليه السّلام أتاها بسبع تمرات من العجوة وهي الصرفان فأكلتها فحملت بعيسى وروي ان جبرئيل عليه السّلام نفخ في جيبها وقد دخلت الى المغتسل للتطهير فخرجت وقد انتفخ بطنها فخافت من حالتها ومن زكريا فخرجت هاربة على وجهها وان نساء بني اسرائيل ومن كان يتعبّد معها رأوا بطنها فشتمنها ونتفن شعرها وخمشن وجهها فأنطق الله المسيح عليه السّلام في بطنها فقال وحق النبي المبعوث بعدي في آخر الزمان لئن أخرجني الله من بطن أمي مريم لأقيمن عليكن الحد.

ومضت مريم على وجهها حتى أتت قرية في غربي الكوفة يقال لها «بشوشا»

٧٩

ويروى (بانقيا) وهي اليوم تعرف بالنخيلة. وفيها عظام هود وشعيب وصالح وعدّة من الأنبياء والأوصياء عليهم السّلام فاشتد بها الطلق فاستندت الى جذع نخلة نخرة قد سقط رأسها فولدته فاخضرت النخلة من وقتها وأثمرت وأينعت وسقط منها على مريم رطب جني ، وكان فيما روي في كانون من زمان الشتاء فلذلك تطعم النفساء التمر والرطب.

واشتد خوفها من زكريا ومن خالتها وكانت امها حنة قد ماتت وكفلتها ايساع حتى قالت (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) وروي انّها قالت يا ليتني قبل أن أرى في بني اسرائيل ما قد رأيت من الافتتان بسبي وباتهامهم لي إشفاقا منهم فناداها عيسى عليه السّلام (أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) يعني نفسه و (هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) ثم ضرب برجله فانبعث من تحت رجله عين ماء جار فقال لها «كلي (وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) أي صمتا (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا).

فطابت نفسها وأكلت وشربت ثم حملته ورجعت الى الشام وكان مجيئها من الشام الى الكوفة ورجوعها في ثلاثة أيام فلقيها زكريا عليه السّلام ومعه خالتها فكلّماها فأشارت إليه ان كلمهما فانطقه الله حتى (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) إلى قوله (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) فطابت نفس زكريا وايساع خالتها وظهرت حجّتهم عند أهل بيتهم وعند الناس.

فأقبلت الى منزلها وقد حملت عيسى عليه السّلام على صدرها فخرج من عواتق القرية سبعون عاتقا فقلن لها قد (جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) ... الآية ، فأشارت إليه ، فقال عيسى عليه السّلام لهن : يا ويلكن ا تفترين على أمي ، اني عبد الله ... إلى قوله (ما دُمْتُ حَيًّا).

وتكلّم بالحكمة ثم صمت بعد ذلك الى أن أذن الله له بالكلام وروي انّه بعد ذلك بسبع سنين وروي بعد أربع سنين فأوتي الحكمة فأخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.

وروي أن إبليس مضى في طلبه في وقت ولادته فلما وجده وجد الملائكة قد حفّت به فذهب ليدنو فصاحت به فقال : من أبوه؟ فقالوا له : مثله كمثل آدم. فقال : والله لأضلّن به أربعة أخماس الخلق.

٨٠