إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي

إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ٣
ISBN: 964-438-486-5
الصفحات: ٢٧٩

اذا بلغ الأمر منك ما قلت فينا فأقصد الله تبارك وتعالى فيك.

فما انقضت ايام الجمعة حتى خرجت من الحبس.

وحدّثني بعض الثقات قال : كان بين المتوكل وبين بعض عمّاله من الشيعة معاملة فعملت له مؤامرة ألزم فيها ثمانون ألف درهم فقال المتوكل : ان باعني غلامه الفلاني بهذا المال فليؤخذ منه ويخلى له السبيل؟

قال الرجل : فأحضرني عبيد الله بن يحيى وكان يعنى بأمري ويحبّ خلاصي فعرّفني الخبر ووصف سروره بما جرى وأمرني بالاشهاد على نفسي ببيع الغلام ، فأنعمت له ، ووجه لإحضار العدول وكتب العهدة.

فقلت في نفسي : والله ما بعته غلاما وقد ربيته وقد عرف بهذا الأمر واستبصر فيه فيملكه طاغوت فان هذا حرام عليّ.

فلما حضر الشهود وأحضر الغلام فأقرّ لي بالعبودية ، قلت للعدول : اشهدوا انّه حرّ لوجه الله.

فكتب عبيد الله بن يحيى بالخبر ، فخرج التوقيع ان يقيّد بخمسين رطلا ويغلّ بخمسين ويوضع في أضيق الحبوس.

قال : فوجّهت بأولادي وجميع أسبابي الى أصدقائي واخواني يعرفونهم الخبر ويسألونهم السعي في خلاصي وكتبت بعد ذلك بخبري الى أبي الحسن عليه السّلام فوقع إليّ : لا والله لا يكون الفرج حتى تعلم ان الأمر لله وحده.

قال : فأرسلت الى جميع من كنت راسلته وسألته السعي في أمري أسأله أن لا يتكلّم ولا يسعى في أمري ، وأمرت أسبابي ألا يعرفوا خبري ولا يسيروا الى زاير منهم.

فلما كان بعد تسعة أيام فتحت الأبواب عني ليلا فحملت فأخرجت بقيودي فادخلت الى عبيد الله بن يحيى فقال لي وهو مستبشر : ورد علي الساعة توقيع أمير المؤمنين يأمرني بتخلية سبيلك.

فقلت له : اني لا أحب أن يحل قيودي حتى تكتب إليه تسأله عن السبب في إطلاقي.

٢٤١

فاغتاظ عليّ واستشاط غضبا وأمرني فنحيت من يديه.

فلما أصبح ركب إليه ثم عاد فأحضرني وأعلمني انّه رأى في المنام كأنّ آتيا أتاه وبيده سكين ، فقال له : لئن لم تخل سبيل فلان بن فلان لأذبحنك. وانّه انتبه فزعا فقرأ وتعوّذ ونام. فأتاه الآتي فقال له : أليس أمرتك بتخلية سبيل فلان ، لئن لم تخل سبيله الليلة لأذبحنك. فانتبه مذعورا وداخله شأن في تخليتك ونام. فعاد إليه الثالثة فقال له : والله لئن لم تخل سبيله في هذه الساعة لأذبحنّك بهذا السكين. قال : فانتبهت ووقعت إليك بما وقعت. قال : ثم نمت فلم أر شيئا.

فقلت له : اما الآن فتأمر بحل قيودي.

فحلوها فخرجت الى منزلي وأهلي ولم أرد من المال درهما.

ثم قتل المتوكل في اليوم الرابع من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين وسنة سبع وعشرين من إمامة أبي الحسن عليه السّلام وبويع لابنه محمد بن جعفر المنتصر فكان من حديثه مع أبي الحسن عليه السّلام ومع جعفر بن محمود ما رواه الناس. وملك ستة أشهر توفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين.

وبويع لأحمد بن محمد المستعين بن المعتصم بالله فكانت مدته أربع سنين وشهر مع منازعته المعتزلة ومحاربته إياه وكانت الفتنة والحرب بينهما أكثر أيامه الى أن خلع ، وبويع للمعتز ابن المتوكل ، ويروى ان اسمه الزبير ، في سنة اثنين وخمسين ومائتين ، وذلك في اثنين وثلاثين سنة من امامة أبي الحسن عليه السّلام.

الحسن العسكري عليه السّلام

واعتل أبو الحسن علّته التي مضى فيها صلّى الله عليه في سنة أربع وخمسين ومائتين فاحضر أبا محمد ابنه عليه السّلام فسلّم إليه النور والحكمة ومواريث الأنبياء والسلاح وأوصى إليه ومضى صلّى الله عليه وسنّه أربعون سنة وكان مولده في رجب سنة أربع عشرة ومائتين من الهجرة فأقام مع أبيه عليهما السّلام نحو سبع سنين وأقام منفردا بالإمامة ثلاث وثلاثين سنة وشهورا.

٢٤٢

وحدّثنا جماعة كلّ واحد منهم يحكي انّه دخل الدار وقد اجتمع فيها جملة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين واجتمع خلق من الشيعة ولم يكن ظهر عندهم أمر أبي محمّد عليه السّلام ولا عرف خبره إلّا الثقات الذين نصّ أبو الحسن عندهم عليه فحكوا انّهم كانوا في مصيبة وحيرة. فهم في ذلك إذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادم آخر : يا رياش خذ هذه الرقعة وامض بها الى دار أمير المؤمنين واعطها الى فلان وقل له : هذه رقعة الحسن بن علي.

فاستشرف الناس لذلك ثم فتح من صدر الرواق باب وخرج خادم أسود ثم خرج بعده أبو محمد عليه السّلام حاسرا مكشوف الرأس مشقوق الثياب وعليه مبطنة بيضاء وكان وجهه وجه أبيه عليه السّلام لا يخطئ منه شيئا وكان في الدار أولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهود فلم يبق أحد إلّا قام على رجله. ووثب إليه أبو محمد الموفق فقصده أبو محمد عليه السّلام فعانقه ثم قال له : مرحبا بابن العم.

وجلس بين بابي الرواق والناس كلّهم بين يديه وكانت الدار كالسوق بالأحاديث. فلما خرج وجلس أمسك الناس ، فما كنّا نسمع شيئا إلّا العطسة والسعلة وخرجت جارية تندب أبا الحسن عليه السّلام فقال أبو محمد ما هاهنا من يكفي مئونة من هذه الجاهلة.

فبادر الشيعة إليها فدخلت الدار ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد عليه السّلام فنهض (صلّى الله عليه) وأخرجت الجنازة وخرج يمشي حتى اخرج بها الى الشارع الذي بازاء دار موسى بن بقا.

وقد كان أبو محمّد (صلّى الله عليه) قبل أن يخرج الى الناس وصلّى عليه لمّا اخرج المعتمد ثم دفن في دار من دوره. واشتد الحر على أبي محمّد عليه السّلام وضغطه الناس في طريقه ومنصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه ، فصار في طريقه الى دكان بقال رآه مرشوشا فسلّم واستأذنه في الجلوس فاذن له وجلس ، ووقف الناس حوله. فبينا نحن كذلك إذ أتاه شاب حسن الوجه نظيف الكسوة على بغلة شهباء على سرج ببرذون أبيض قد نزل عنه فسأله ان يركبه ، فركب حتى أتى الدار ونزل وخرج في تلك العشية الى الناس ما كان يحزم عن أبي الحسن عليه السّلام حتى لم يفقدوا منه إلّا الشخص.

٢٤٣

وتكلّمت الشيعة في شق ثيابه وقال بعضهم : هل رأيتم أحدا من الأئمة شق ثوبه في مثل هذه الحال؟

فوقع الى من قال ذلك : يا أحمق ما يدريك ما هذا؟ قد شقّ موسى على هرون عليهما السّلام.

وقام أبو محمد الحسن بن علي مقام أبيه عليهما السّلام وروي عن العالم عليه السّلام انّه قال : لما ادخلت سليل أم أبي محمّد عليه السّلام على أبي الحسن عليه السّلام قال : سليل مسلولة من الآفات والعاهات والأرجاس والأنجاس.

ثم قال لها : سيهب الله حجّته على خلقه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

وحملت أمه به بالمدينة وولدته بها فكانت ولادته ومنشؤه مثل ولادة آبائه صلّى الله عليهم ومنشئهم. وولد في سنة إحدى وثلاثين ومأتين من الهجرة ؛ وسنّ أبي الحسن عليه السّلام في ذلك الوقت ستة عشرة سنة وشهورا وشخص بشخوصه الى العراق في سنة ست وثلاثين ومأتين وله أربع سنين وشهور.

وروى سعد بن عبد الله بن أبي خلف عن داود بن القاسم الجعفري قال : كنت عند أبي الحسن لما مضى ابنه محمد ففكّرت في نفسي فقلت : كانت قصّة أبي محمد مثل قصّة اسماعيل وأبي الحسن موسى عليه السّلام.

فالتفت إليّ فقال : نعم يا أبا هاشم هو كما حدّثتك نفسك وان كره المبطلون. أبو محمد ابني الخلف من بعدي عنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الامامة والحمد لله ربّ العالمين.

وحدّثنا الحميري عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى باسناده عن أبي الحسن عليه السّلام قال أبو محمد : ابني الخلف من بعدي.

وحدثني الحميري بهذا الاسناد عن علي بن مهزيار قال : قلت لأبي الحسن عليه السّلام : اني كنت سألت أباك عن الامامة بعده فنصّ عليك ، ففيمن الامامة بعدك؟

فقال : الى أكبر ولدي.

ونص على أبي محمد عليه السّلام ثم قال : ان الامامة لا تكون في الأخوين بعد الحسن والحسين عليهما السّلام.

وعنه عن أحمد بن الحسن عن أحمد بن محمد الحصيبي قال : كنت بحضرة أبي

٢٤٤

الحسن عليه السّلام ؛ وأبو محمد عليه السّلام بين يديه فالتفتّ إليه فقال : يا بني أحدث لله شكرا فقد أحدث الله فيك أمرا.

وروى سعد بن عبد الله عن الحسن بن الحسين من ولد الأفطس قال : حضرنا دار أبي الحسن عليه السّلام نعزيه عن ابنه محمد وكنّا نحو مائة وخمسين رجلا وما زاد من أهله ومواليه وساير الناس إذ نظر الى أبي محمّد عليه السّلام قد جاء حتى قام عن يمينه فقال له : يا بني أحدث لله شكرا فقد جدّد الله فيك أمرا.

فقال أبو محمد : الحمد لله ربّ العالمين وإيّاه اسأل تمام نعمه لنا فيك وانّا لله وإنّا إليه راجعون.

فسأل من لم يعرف ، فقال : من هذا الصبي؟

فقال : هذا الحسن ابنه.

وعنه عن أبي جعفر محمد بن أحمد العلوي عن أبي هاشم الجعفري قال : سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول : الخلف بعدي ابني الحسن فكيف بالخلف بعد الخلف؟

فقلت : ولم جعلني الله فداك؟

قال : انّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه.

قلت : فكيف نذكره؟

فقال : قولوا : الحجّة من آل محمّد صلّى الله عليه.

وروى إسحاق بن محمد عن محمد بن يحيى بن رئاب قال : حدّثني أبو بكر الفهفكي قال : كتبت الى أبي الحسن عليه السّلام أسأله عن مسائل فلما نفذ الكتاب قلت في نفسي : اني كتبت فيما كتبت أسأله عن الخلف من بعده وذلك بعد مضي محمد ابنه. فأجابني عن مسائلي وكنت أردت أن تسألني عن الخلف. وأبو محمد ابني أصح آل محمّد صلّى الله عليه غريزة وأوثقهم عقيدة بعدي وهو الأكبر من ولدي ، إليه تنتهي عرى الامامة وأحكامها. فما كنت سائلا عنه فسله ، فعنده علم ما يحتاج إليه والحمد لله.

وحدّثنا الحميري عن جعفر بن محمد الكوفي عن سنان بن محمد البصري عن علي بن عمر النوفلي قال : كنت مع أبي الحسن عليه السّلام في صحن داره فمر بنا أبو جعفر ابنه

٢٤٥

محمد ، فقلت : جعلني الله فداك هذا صاحبنا؟

فقال : لا وصاحبكم الحسن.

وعنه عن علان الكلابي عن اسحاق بن اسماعيل النيسابوري قال : حدّثني شاهويه ابن عبد الله الجلاب قال : كنت رويت دلائل كثيرة عن أبي الحسن عليه السّلام في ابنه محمد فلما مضى بقيت متحيّرا وخفت أن اكتب في ذلك فلا أدري ما يكون. فكتبت اسأل الدعاء.

فخرج الجواب بالدعاء لي ، وفي آخر الكتاب : أردت أن تسأل عن الخلف وقلعت ، لذلك فلا تغتمّ فان الله عز وجل لا يضلّ قوما بعد إذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتّقون ، وصاحبك بعدي أبو محمد ابني عنده علم ما تحتاجون إليه يقدم الله ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، قد كتبت بما فيه تبيان لذي لب يقظان.

وعن سعد بن عبد الله عن هارون بن مسلم قال : كتبت الى أبي محمد عليه السّلام بعد مضي أبي الحسن عليه السّلام انا وجماعة نسأله عن وصي أبيه.

فكتب : قد فهمت ما ذكرتم ، وان كنتم الى هذا الوقت في شك فانّها المصيبة العظمى ، أنا وصيّه وصاحبكم بعده عليه السّلام بمشافهة من الماضي أشهد الله تعالى وملائكته وأولياءه على ذلك ، فان شككتم بعد ما رأيتم خطي وسمعتم مخاطبتي فقد أخطأتم حظ أنفسكم وغلطتم الطريق.

وعنه عن أحمد بن محمد بن رجا صاحب الترك قال : قال أبو الحسن عليه السّلام : ابني القائم من ولدي.

ونشأ أبو محمد عليه السّلام وقد نص عليه بهذه الأخبار وغيرها عند الخاصة فقام بأمر الله عز وجل وسنّه ثلاث وعشرون سنة فظهر من دلائله في اليوم الذي مضى فيه أبو الحسن عليه السّلام ما هو مثبت في باب أبي الحسن صلّى الله عليه.

وبعد سنة وشهور من إمامته بويع لمحمد بن الواثق المهتدي وكانت من قصته مع أبي محمد عليه السّلام ما نحن مثبتوه من الدلائل في مواضعه من هذا الباب.

وفي سنتين وشهور من إمامته قتل المهتدي وبويع لأحمد بن جعفر المعتمد سنة ست وخمسين ومائتين.

٢٤٦

وروى علان الكلابي عن اسحاق بن اسماعيل النيسابوري قال : حدّثني الربيع بن سويد الشيباني قال : حدّثني ناصح البادودي قال : كتبت الى أبي محمد عليه السّلام أعزيه في أبي الحسن وقلت في نفسي وأنا أكتب : لو قد حير ببرهان يكون حجّة لي؟

فأجابني عن تعزيتي وكتب بعد ذلك : من سأل آية أو برهانا فأعطي ثم رجع عمّن طالب منه الآية عذب ضعف العذاب ، ومن صبر أعطي التأييد من الله ، والناس مجبولون على جبلة ايثار الكتب المنشرة ، فاسأل السداد فانما هو التسليم أو العطب ، ولله عاقبة الامور.

وحدّثني علان عن الحسن بن محمد عن محمد بن عبيد الله قال : لما مضى أبو الحسن عليه السّلام انتهبت الخزانة فأخبر أبو محمد عليه السّلام ، فأمر باغلاق الباب الكبير ثم دعا بالحريم والعيال والغلمان فجعل يقول لواحد واحد : رد كذا وكذا ؛ ويخبره بما أخذ ، فيردّه حتى ما فقد من الخزانة شيء إلّا رد بعلامته وعينه والحمد لله ربّ العالمين.

وعنه قال : كنت يوما كتبت إليه أخبره باختلاف الموالي وأسأله اظهار دليل ، فكتب : انما خاطب الله عز وجل ذوي الألباب وليس أحد يأتي بآية أو يظهر دليلا أكثر مما جاء به خاتم النبيين وسيّد المرسلين ، فقالوا كاهن وساحر كذّاب ، فهدى الله من اهتدى ، غير ان الأدلة يسكن إليها كثير من الناس ، وذلك ان الله جل جلاله يأذن لنا فنتكلّم ويمنع فنصمت ، ولو أحبّ الله ألا يظهر حقّا لما بعث النبيين مبشّرين ومنذرين يصدعون بالحق في حال الضعف والقوّة في أوقات ، وينطقون في أوقات ؛ ليقضي الله أمره وينفذ في الناس حكمه ؛ في طبقات شتى. فالمستبصر على سبيل نجاة مستمسك بالحق متعلّق بفرع أصيل غير شاك ولا مرتاب لا يجد عنه ملجأ. وطبقة لم تأخذ الحق من أهله فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه. وطبقة استحوذ عليهم الشيطان شأنهم الردّ على أهل الحق ودفعهم بالباطل والهوى كفّارا ؛ حسدا من عند أنفسهم. فدع من ذهب يمينا وشمالا فان الراعي اذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في أهون سعي. ذكرت اختلاف موالينا فاذا كانت الوصيّة والكتب فلا ريب من جلس مجلس الحكم فهو أولى بالحكم ، أحسن رعاية من استرعيت وإيّاك والإذاعة وطلب الرئاسة ، فانّهما يدعوان الى

٢٤٧

الهلكة.

ثم قال : ذكرت شخوصك الى فارس فاشخص خار الله لك وتدخل مصر إن شاء الله آمنا واقرأ من تثق به من موالينا السلام ومرهم بتقوى الله العظيم واداء الامانة واعلمهم ان المذيع علينا حرب لنا.

قال : فلما قرأت خار الله لك في دخولك مصر إن شاء الله آمنا لم أعرف المعنى فيه فقدمت بغداد عازما على الخروج الى فارس فلم يقيّض لي وخرجت الى مصر.

قال : ولمّا همّ المستعين في أمر أبي محمّد عليه السّلام بما همّ وأمر سعيد الحاجب بحمله الى الكوفة وان يحدث في الطريق حادثة ، انتشر الخبر بذلك في الشيعة فأقلقهم ، وكان بعد مضي أبي الحسن عليه السّلام بأقل من خمس سنين فكتب إليه محمد بن عبد الله والهيثم بن سبابة : قد بلغنا ـ جعلنا الله فداك ـ خبر أقلقنا وغمّنا وبلغ منّا.

فوقّع : بعد ثلاثة يأتيكم الفرج.

قال : فخلع المستعين في اليوم الثالث وقعد المعتز وكان كما قال صلّى الله عليه.

وحدث محمد بن عمر الكاتب عن علي بن محمد بن زياد الصيمري صهر جعفر بن محمود الوزير على ابنة أم أحمد وكان رجلا من وجوه الشيعة وثقاتهم ومقدما في الكتابة والأدب والعلم والمعرفة قال : دخلت على أبي أحمد عبد الله بن عبد الله بن طاهر وبين يديه رقعة من أبي محمّد عليه السّلام فيها : اني نازلت الله عز وجل في هذا الطاغي يعني المستعين وهو آخذه بعد ثلاث ، فلما كان في اليوم الثالث خلع وكان من أمره ما رواه الناس في احداره الى واسط وقتله.

وحدّثنا الحميري عن أبي جعفر العامري عن علان بن حمويه الكلابي عن محمد بن الحسن النخعي عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي محمّد عليه السّلام إذ دخل عليه شاب حسن الوجه فقلت في نفسي : ترى من هذا فقال أبو محمد : هذا ابن أم غانم صاحب الحصاة التي طبع فيها آبائي عليهم السّلام وقد جاءني بها لأطبع له فيها. هات حصاتك.

قال : فاخرج فاذا فيها موضع أملس فطبع بخاتم في اصبعه فانطبع.

قال : واسم هذا الشاب اليماني مهجع بن سمعان بن غانم بن أم غانم اليمانية.

٢٤٨

وعنه عن أبي هاشم قال : شكوت الى أبي محمد عليه السّلام ضيق الحبس وكلب القيد فكتب الي : أنت تصلّي اليوم في منزلك الظهر.

فصلّيت في منزلي كما قال عليه السّلام ؛ لأني اطلقت من وقتي.

وعنه عن جعفر بن محمد القلانسي قال : كتب محمد أخي الى أبي محمّد عليه السّلام وامرأته حامل تسأله الدعاء بخلاصها وان يرزقها الله ذكرا أو تسأله أن تسميه فكتب إليه : رزقك الله ذكرا سويّا ، ونعم الاسم محمّد وعبد الرحمن.

فولدت ابنين توأما فسمّى أحدهما محمّدا والآخر عبد الرحمن.

وعنه عن أبي هاشم الجعفري قال : سأل محمّد بن صالح الأرمني أبا محمّد عليه السّلام عن قول الله عز وجل (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) فقال : هل يمحو إلّا ما كان ، وهل يثبت الّا ما لم يكن؟

فقلت في نفسي : هذا خلاف ما يقول هشام الفوطي. انّه لا يعلم الشيء حتى يكون.

فنظر إليّ شزرا وقال : تعالى الله الجبّار العالم بالشيء قبل كونه الخالق إذ لا مخلوق والربّ إذ لا مربوب والقادر قبل المقدور عليه.

فقلت : اشهد انّك وليّ الله وحجّته والقائم بقسطه وانّك على منهاج أمير المؤمنين عليه السّلام.

وعنه قال : قال لي أبو هاشم : كنت عند أبي محمد عليه السّلام فسأله محمد بن صالح الأرمني عن قول الله عز وجل (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) فقال أبو محمد : ثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه.

قال أبو هاشم : فجعلت أتعجب في نفسي من عظيم ما أعطى الله الى أوليائه عليهم السّلام فأقبل أبو محمّد عليه السّلام فقال : الا ما أعجب أعجبت منه يا أبا هاشم؟ ما ظنّك بقوم من عرفهم عرف الله ، ومن أنكرهم أنكر الله ، ولا مؤمن إلّا وهو لهم مصدّق وبمعرفتهم موقن.

وعن الحميري أيضا قال : قال لي أبو هاشم : سمعته عليه السّلام يقول : من الذنوب التي لا تغفر قول الإنسان : ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا.

فقلت في نفسي : ان هذا لهو العلم الدقيق وقد ينبغي للرجل أن يتفقد من نفسه كل

٢٤٩

شيء.

فأقبل عليّ فقال : صدقت يا أبا هاشم ، فالزم ما حدّثتك به نفسك ، فان الاشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على الصفاء في الليلة الظلماء ومن دبيبه على المسح الأسود.

وعنه عن أبي هاشم قال سمعت أبا محمّد عليه السّلام يقول : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ *) اقرب الى اسم الله الأعظم من سواد العين الى بياضها.

وعنه عن محمد بن الحسن بن شموذ عمّن حدّثه قال : كتبت الى أبي محمد عليه السّلام حين أخذ المهتدي : يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنّا فقد بلغني انّه يتهدّد شيعتك ويقول والله لأجلينهم عن جديد الأرض فوقّع بخطّه عليه السّلام : ذاك أقصر لعمره عد من يومك هذا خمسة أيام فانّه يقتل من يوم السادس بعد هوان واستخفاف وذلّ يلحقه.

فكان كما قال عليه السّلام.

وعن محمد بن الحسن بن شموذ قال : كتب إليه ابن عمّنا محمد بن زيد يشاوره في شراء جارية نفيسة بمائتي دينار لابنه فكتب : لا تشترها فان بها جنونا وهي قصيرة العمر مع جنونها.

قال فأضرت عن أمر هاشم مررت بعد أيام ومعي ابني علي مولاها فقلت اشتهي أن استعيد عرضها وأراها فأخرجها إلينا ، فبينما هي واقفة بين أيدينا حتى صار وجهها في قفاها ، فلبثت على تلك الحال ثلاثة أيام وماتت.

وعنه عن أبي غانم قال : سمعت أبا محمد عليه السّلام يقول : سنة ستين تفترق شيعتنا.

وروى سعد بن عبد الله عن أبي هاشم قال : كنت عن أبي محمد عليه السّلام وكنت في إضافة فأردت أن أطلب منه دنانير فاستحييت فلما صرت الى منزلي وجّه إليّ بمائة دينار وكتب إليّ : اذا كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحتشم واطلبها يأتك ما تحب إن شاء الله.

وعنه عن أبي هاشم عن الحجاج بن سفيان العبدي قال : خلفت ابني بالبصرة عليلا وكتبت الى أبي محمّد عليه السّلام اسأله الدعاء فوقع : رحم الله ابنك انّه كان مؤمنا.

قال الحجاج : فورد عليّ الكتاب : انّه توفي في ذلك اليوم وكان شاكّا في الإمامة

٢٥٠

للاختلاف الذي وقع في السنة.

وعن سعد بن عبد الله عن علان بن محمد الكلابي عن إسحاق بن محمد النخعي قال : حدّثني محمد بن رئاب الرقاشي قال : كتبت الى أبي محمّد عليه السّلام اسأله عن مشكاة وان يدعو لامرأتي وكانت حاملا ان يرزقها ذكرا وان يسميه فرجع الجواب :

المشكاة قلب محمّد صلّى الله عليه وآله.

وكتب في آخر الكتاب : أعظم الله أجرك وأخلف عليك.

فولدت ولدا ميتا وحملت بعده فولدت غلاما.

وعنه عن إسحاق قال حدّثني علي بن حميد الذارع قال : كتبت الى أبي محمّد عليه السّلام أسأله الدعاء بالفرج ممّا نحن فيه من الضيق ، فرجع الجواب : الفرج سريع. يقدم عليك مال من ناحية فارس.

فمات ابن عم لي بفارس ورثته وجاءني مال بعد أيام يسيرة.

وعنه عن اسحاق عن محمد بن عبد العزيز البلخي قال : أصبحت يوما وجلست في شارع سوق الغنم فاذا أنا بأبي محمّد عليه السّلام قد أقبل يريد باب العامة بسر من رأى فقلت في نفسي : تراني ان صحت يا أيها الناس هذا حجّة الله عليكم فاعرفوه يقتلوني.

فلما دنا مني ونظرت إليه أومأ إليّ بإصبعه السبابة ووضعها على فيه ان اسكت ، فأسرعت إليه حتى قبّلت رجله ، فقال لي : اما انّك لو أذعت لهلكت.

ورأيته تلك الليلة يقول : انما هو الكتمان أو القتل فابقوا على أنفسكم.

وعنه عن أحمد بن محمد الأقرع قال حدّثني أبو حمزة قصر الخادم قال : سمعت مولاي أبا محمد غير مرّة يكلّم غلمانه الروم بالرومية والصقالبة بالصقلبية والاتراك بالتركية فعجبت من ذلك وقلت في نفسي : هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى أبوه عليه السّلام ، فأقبل عليّ فقال : ان الله تبارك وتعالى يبيّن الحجّة من ساير الناس ويعطيه اللغات ومعرفة الأنساب والآجال والحوادث ولو لا ذلك لم يكن بين الحجّة والمحجوج فرق.

وعنه قال : كتبت الى أبي محمد عليه السّلام أسأله هل يحلم الامام؟ فقلت في نفسي بعد

٢٥١

نفوذ الكتاب : الاحتلام شيطاني وقد أعاذ الله أولياءه من ذلك. فوقع إليّ : حال الائمة في النوم مثل حالهم في اليقظة لا يغيّر النوم منهم شيئا وقد أعاذ الله أولياءه لمة الشيطان كما حدثتك نفسك.

وروى الكلابي عن أبي الحسين بن علي بن بلال وأبو يحيى النعماني قالا : ورد كتاب من أبي محمد ونحن حضور عند أبي طاهر من بلال فنظرنا فيه فقال النعماني : فيه لحن أو يكون النحو باطلا ـ وكان هذا بسر من رأى ـ فنحن في ذلك إذ جاءنا توقيعه : ما بال قوم يلحنوننا وان الكلمة نتكلّم بها تنصرف على سبعين وجها ؛ فيها كلّها المخرج منها والمحجّة.

وعنه عن إسماعيل بن محمد العباسي قال : قعدت لأبي محمّد عليه السّلام على ظهر الطريق فلما مر بي قمت إليه وشكوت الحاجة وحلفت له انّه ليس عندي درهم فما فوقه فقال لي : تحلف بالله كاذبا قد دفنت مائتي دينار وليس قولي هذا دفعا عن العطية. اعطه يا غلام إذا صرت الى الدار مائة دينار.

ثم قال : اما انّك تحرمها أحوج ما تكون إليها ـ يعني المائتين.

فاضطررت بعد ذلك الى ما أنفقه فمضيت لأنبشها فاذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب.

علان الكلابي عن إسحاق عن علي بن زيد بن علي قال : كان لي فرس وكنت به متعجبا فدخلت على أبي محمّد عليه السّلام فقال لي : ما فعل فرسك؟

قلت : كان تحتي وهو على الباب.

فقال : استبدل به قبل المساء ان قدرت.

فقمت من عنده مفكّرا في بيعه ثم نفست فيه وكان الراغب فيه الطالب له كثير بأوفر الثمن فلما كان في الليل أتاني السائس باكيا صارخا فقال : نفق الفرس فاغتممت.

قال : ودخلت عليه بعد أيام وقد فكّرت في أن يخلف عليك يا غلام ادفع إليه برذوني الكميت الذي أركبه ، هذا أفره من فرسك وأطول عمرا وأشد وأقوى.

سعد عن أبي هاشم قال : كنت محبوسا عند أبي محمد عليه السّلام في حبس المهتدي فقال

٢٥٢

لي : يا أبا هاشم ان هذا الطاغية أراد أن يعبث بأمر الله عز وجل في هذه الليلة وقد بتر الله عمره وجعله للمتولي بعده وليس لي ولد وسيرزقني الله ولدا بمنّه ولطفه.

فلما أصبحنا شغبت الاتراك على المهتدي وأعانهم العامة لمّا عرفوا من قوله بالاعتزال والقدر فقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد وبايعوا له ، وكان المهتدي قد صحح العزم على قتل أبي محمّد عليه السّلام فشغله الله بنفسه حتى قتل ومضى الى أليم عذاب الله.

وعنه عن أبي هاشم قال كنت عند أبي محمّد عليه السّلام قال : اذا قام القائم أمر بهدم المنابر التي في المساجد.

فقلت في نفسي : لأي معنى هذا؟

فقال لي : معنى هذا انّها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجّة.

الحميري عن الحسن بن علي عن إبراهيم بن مهزيار عن محمد بن أبي الزعفران عن أم أبي محمّد عليهما السّلام قال : قال لي يوما من الأيام : يصيبني في سنة ستين ومائتين حرارة أخاف ان أنكب منها نكبة.

قالت : فأظهرت الجزع وأخذني البكاء.

قال : لا بد من وقوع أمر الله لا تجزعي.

فلما كان في صفر سنة ستين ومائتين أخذها المقيم والمقعد وجعلت تخرج في الاحايين الى خارج المدينة تجسس الأخبار حتى ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي بن جرين وحبس أخاه جعفرا معه وكان المعتمد يسأل عليّا عن أخباره في كلّ مكان ووقت فيخبره انّه يصوم النهار ويصلّي بالليل فسأله يوما من الأيام عن خبره فأخبره بمثل ذلك فقال له أمض الساعة إليه واقرأه مني السلام وقل له انصرف الى منزلك مصاحبا.

قال علي بن جرير فجئت الى باب السجن فوجدت حمارا مسرّجا فدخلت إليه فوجدته جالسا وقد لبس خفّه وطيلسانه وشاشيته فلما رآني نهض فأديت إليه الرسالة وركب فلما استوى على الحمار وقف فقلت له : فما وقوفك يا سيدي؟ فقال لي : حتى يخرج جعفر ، فقلت : انما أمرني بإطلاقك دونه.

٢٥٣

فقال : ترجع إليه فتقول له : خرجنا من دار واحدة جميعا فاذا رجعت وليس هو معي كان في ذلك ما لا خفاء به عليك.

فمضى وعاد فقال له : يقول لك : قد أطلقت جعفرا لك لأني قد حبسته بجنايته على نفسه وعليك وما يتكلّم به.

وخلّى سبيله فصار معه الى دار الحسن بن سهل عن علي بن محمد بن الحسن.

قال : خرج السلطان بريد صاحب البصرة ، خرج أبو محمد بشيعته فنظرنا إليه ماضيا معه وكنّا جماعة من شيعته فجلسنا ما بين الحائطين ننتظر رجوعه فلما رجع فحاذانا وقف علينا ثم مد يده الى قلنسوته فأخذها من رأسه وأمسكها بيده ثم أمرّ يده الاخرى على رأسه وضحك في وجه رجل منّا فقال الرجل مبادرا : اشهد انّك حجّة الله وخيرته.

فسألناه : ما شأنك؟

فقال : كنت شاكّا فيه فقلت في نفسي ان رجع وأخذ قلنسوته من رأسه قلت بإمامته.

وقد روى هذا الحديث جماعة من الصميريين من ولد اسماعيل بن صالح : ان الحسن بن اسماعيل بن صالح كان في أوّل خروجه الى سر من رأى للقاء أبي محمد عليه السّلام ومعه رجلان من الشيعة وافق قدومهم ركوب أبي محمد عليه السّلام.

قال الحسن بن اسماعيل : فتفرّقنا في ثلاث طرق وقلنا : ان رجع في أحدها رآه رجل منّا. فانتظرناه ، فعاد عليه السّلام في الطريق الذي قعد فيه الحسن بن اسماعيل. فلما طلع وحاذاه قال : قلت في نفسي : اللهم إن كان حجّتك حقّا وامامنا فليمس قلنسوته.

فلم أستتم ذلك حتى مسّها وحرّكها على رأسه ، فقلت : يا ربّ ان كان حجّتك فليمسها ثانيا.

فضرب بيده فأخذها عن رأسه ثم ردّها.

وكثر عليه الناس بالسلام عليه والوقوف على بعضهم فتقدمه الى درب آخر فلقيت صاحبي وعرفتهما ما سألت الله في نفسي وما فعل ، فقالا : فتسأل ونسأل الثالثة فطلع عليه السّلام وقربنا منه فنظر إلينا ووقف علينا ثم مدّ يده الى قلنسوته فرفعها عن رأسه وأمسكها بيده وأمرّ يده الاخرى على رأسه وتبسّم في وجوهنا وقال : كم هذا الشكّ؟

٢٥٤

قال الحسن : فقلت اشهد ان لا إله إلّا الله وانّك حجّة الله وخيرته.

قال : ثم لقيناه بعد ذلك في داره وأوصلنا إليه ما معنا من الكتب وغيرها.

وروي عن علي بن محمد بن زياد الصيمري قال : كنت جعلت على نفسي أن أحمل في كلّ سنة النصف من خالص ارتفاع ضيعتين لي بالبصرة لم يكن في ضياعي أجلّ منهما ولا أكثر دخلا الى أبي محمّد عليه السّلام فكانت تزكو غلاتها وتريع أضعاف الريع قبل ذلك. فأعددت ألفي دينار لأحملها ، فوجّه الى ابن عمي محمد بن اسماعيل بن صالح الصيمري بأموال حملتها إليه عليه السّلام مع أموالي في كتابي ولا فصلت ماله من مالي ، فورد عليّ الجواب : وقد وصل ما حملته وفي جملته ما حمله إلينا على يدك الاسماعيلي قرابتك فعرّفه ذلك.

وعنه عن جعفر بن محمد بن موسى قال : كنت جالسا في الشارع بسر من رأى فمرّ بي أبو محمّد عليه السّلام وهو راكب وكنت أشتهي الولد شهوة شديدة فقلت في نفسي : ترى اني أرزق ولدا؟

فأومأ إليّ برأسه : نعم.

فقلت : ذكرا؟

فقال برأسه : لا.

فحمل لي حمل وولدت لي بنت.

وعنه عن المحمودي قال : رأيت خط أبي محمّد عليه السّلام لما اخرج من حبس المعتمد : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).

الحميري عن أحمد بن اسحاق قال : دخلت على أبي محمّد عليه السّلام فقال لي : يا أحمد ما كان حالكم فيما كان الناس فيه من الشكّ والارتياب؟

قلت : يا سيدي لما ورد الكتاب بخبر سيّدنا ومولده لم يبق منّا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلّا قال بالحقّ.

فقال : أما علمتم ان الأرض لا تخلو من حجّة الله.

ثم أمر أبو محمّد عليه السّلام والدته بالحجّ في سنة تسع وخمسين ومائتين وعرّفها ما يناله

٢٥٥

في سنة الستين وأحضر الصاحب عليه السّلام فأوصى إليه وسلّم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إليه.

وخرجت أم أبي محمد مع الصاحب عليهم السّلام جميعا الى مكّة ، وكان أحمد بن محمد ابن مطهر أبو علي المتولي لما يحتاج إليه الوكيل فلما بلغوا بعض المنازل من طريق مكّة تلقى الاعراب القوافل فأخبروهم بشدّة الخوف وقلّة الماء فرجع أكثر الناس إلّا من كان في «الناحية» فانّهم نفذوا وسلموا.

وروي انّه ورد عليهم عليه السّلام بالنفوذ ومضى أبو محمّد عليه السّلام في شهر ربيع الآخر سنة ستين ومائتين ودفن بسر من رأى الى جانب أبيه أبي الحسن (صلّى الله عليهما) فكان من ولادته الى وقت مضيه تسع وعشرون سنة منها مع أبي الحسن ثلاث وعشرون سنة وبعده منفردا بالإمامة ست سنين.

٢٥٦

قيام صاحب الزمان وهو الخلف الزكيّ

بقيّة الله في أرضه وحجّته على خلقه

المنتظر لفرج أوليائه من عباده عليه السّلام ورحمته وتحياته.

روي عن العالم عليه السّلام : انّ الله عز وجل اذا أراد أن يخلق الامام أنزل قطرة من المزن فسقطت على ثمار الأرض فيأكلها الحجّة صلّى الله عليه فاذا وقعت في الموضع الذي تستقر فيه ومضى له أربعون يوما سمع الصوت ، فاذا أتت له أربعة أشهر كتب على عضده الأيمن : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ، فاذا قام بالامر رفع له عمود من نور في كلّ بلد ينظر به الى أعمال العباد.

قال المؤلف لهذا الكتاب : روى لنا الثقات من مشايخنا ان بعض أخوات أبي الحسن عليه السّلام علي بن محمد عليه السّلام كانت لها جارية ولدت في بيتها وربّتها تسمّى نرجس فلما كبرت وعبلت دخل أبو محمّد عليه السّلام فنظر إليها فأعجبته.

فقالت عمّته : أراك تنظر إليها؟

فقال صلّى الله عليه : اني ما نظرت إليها إلّا متعجبا!

أما ان المولود الكريم على الله ـ جل وعلا ـ يكون منها.

ثم أمرها ان تستأذن أبا الحسن في دفعها إليه ، ففعلت ، فأمرها بذلك.

وروى جماعة من الشيوخ العلماء ؛ منهم علان الكلابي وموسى بن محمد الغازي وأحمد بن جعفر بن محمد بأسانيدهم ان حكيمة بنت أبي جعفر عليه السّلام عمّة أبي محمّد عليه السّلام كانت تدخل الى أبي محمّد فتدعو له أن يرزقه الله ولدا وانها قالت : دخلت عليه يوما فدعوت له كما كنت أدعو. فقال لي : يا عمّة اما انّه يولد في هذه الليلة ـ وكانت ليلة

٢٥٧

النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ـ المولود الذي كنّا نتوقعه ، فاجعلي افطارك عندنا ـ وكانت ليلة الجمعة ـ.

فقلت له : ممّن يكون هذا المولود يا سيدي؟

فقال : من جاريتك نرجس.

قالت : ولم يكن في الجواري أحبّ إليّ منها ولا أخف على قلبي وكنت اذا دخلت الدار تتلقاني وتقبّل يدي وتنزع خفي بيدها.

فلما دخلت إليها ففعلت بي كما كانت تفعل ، فانكببت على يدها فقبلتها ومنعتها ممّا تفعله ، فخاطبتني بالسيادة ، فخاطبتها بمثله ، فأنكرت ذلك ، فقلت لها : لا تنكري ما فعلته ، فان الله سيهب لك في ليلتنا هذه غلاما سيّدا في الدّنيا والآخرة.

قالت : فاستحيت.

قالت حكيمة : فتعجبت ، وقلت لأبي محمّد : اني لست أرى بها أثر حمل!

فتبسّم (صلّى الله عليه) وقال لي : انّا معاشر الأوصياء لا نحمل في البطون ولكنّا نحمل في الجنوب. وفي هذه الليلة مع الفجر يولد المولود المكرّم على الله إن شاء الله.

قالت : فنمت بالقرب من الجارية ، وبات أبو محمد عليه السّلام في صفة في تلك الدار فلما كان وقت صلاة الليل قمت ؛ والجارية نائمة .. ما بها أثر الولادة ، وأخذت في صلاتي ثم أوترت.

فبينا أنا في الوتر حتى وقع في نفسي : ان الفجر قد طلع ودخل في قلبي شيء ، فصاح أبو محمّد عليه السّلام من الصفة : لم يطلع الفجر يا عمّة بعد ، فأسرعت الصلاة وتحرّكت الجارية فدنوت منها وضممتها إليّ وسمّيت عليها ثم قلت لها : هل تحسين شيئا؟

قالت : نعم.

فوقع عليّ سبات ، لم أتمالك معه ان نمت ، ووقع على الجارية مثل ذلك ، فنامت وهي قاعدة. فلم تنتبه إلّا وهي تحس مولاي وسيدي تحتها وبصوت أبي محمد عليه السّلام وهو يقول : يا عمتي هات ابني إليّ.

فكشفت عن سيّدي صلّى الله عليه فاذا أنا به ساجدا منقلبا الى الأرض بمساجده

٢٥٨

وعلى ذراعه الأيمن مكتوب جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا.

فضممته إليّ فوجدته مفروغا منه ـ يعني مطهّر الختانة ـ

ولففته في ثوب وحملته الى أبي محمد عليه السّلام فأخذه وأقعده على راحته اليسرى وجعل يده اليمنى على ظهره ثم أدخل لسانه في فيه وأمرّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله ثم قال : تكلّم يا بني.

فقال : «أشهد أن لا إله إلّا الله وان محمّدا رسول الله وان عليّا أمير المؤمنين».

ثم لم يزل يعدّ السادة الأوصياء صلّى الله عليهم الى أن بلغ الى نفسه فدعا لأوليائه على يديه بالفرج ، ثم صمت عليه السّلام عن الكلام.

قال أبو محمد عليه السّلام : اذهبي به الى أمه ليسلّم عليها ورديه إليّ.

فمضيت به فسلّم عليها فرددته ، فوقع بيني وبينه كالحجاب ، فلم أر سيدي فقلت له : يا سيدي اين مولاي؟

فقال : أخذه من هو أحق منك ومنّا.

فاذا كان في اليوم السابع جئت فسلّمت وجلست فقال عليه السّلام : هلم ائتني به فجئت بسيدي وهو في ثياب صفر ، ففعل كفعاله الأول ، وجعل لسانه في فيه ثم قال له تكلّم يا بني.

فقال له : «أشهد أن لا إله إلّا الله» وثنى بالصلاة على محمّد وأمير المؤمنين والأئمة عليهم السّلام حتى وقف على أبيه ثم قرأ هذه الآية :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).

بعد أربعين يوما دخلت دار أبي محمّد عليه السّلام فاذا بمولاي يمشي في الدار فلم أر وجها أحسن من وجهه (صلّى الله عليه) ولا لغة أفصح من لغته. فقال أبو محمّد عليه السّلام : هذا المولود الكريم على الله جلّ وعلا.

قلت : يا سيدي ترى من أمره ما أرى وله أربعون يوما.

٢٥٩

فتبسّم عليه السّلام وقال : يا عمتي أو ما علمت انّا معاشر الأوصياء ننشأ في اليوم مثل ما ينشأ غيرنا في الجمعة وننشأ في الجمعة مثل ما ينشأ غيرها في الشهر وننشأ في الشهر مثل ما ينشأ غيرنا في السنة.

فقمت فقبّلت رأسه وانصرفت.

ثم عدت وتفقدته فلم أره فقلت لسيدي أبي محمّد عليه السّلام : ما فعل مولانا؟.

فقال : يا عمّة استودعناه الذي استودعت أم موسى.

وحدّثني موسى بن محمد انّه قرأ المولد عليه عليه السّلام فصححه وزاد فيه ونقص وتقرّر بالروايات على ما ذكرناه.

وروي عن أبي محمد عليه السّلام انّه قال : لما ولد الصاحب عليه السّلام بعث الله عز وجل ملكين فحملاه الى سرادق العرش حتى وقف بين يدي الله فقال له : مرحبا بك ، وبك أعطي وبك أعفو وبك أعذّب.

وروى علان الكلابي عن محمد بن يحيى عن الحسين بن علي النيسابوري الدقّاق عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله موسى بن جعفر عن أحمد بن محمد السياري قال :

حدّثني نسيم ومارية قالتا : لما خرج صاحب الزمان من بطن أمه سقط جاثيا على ركبتيه رافعا سبابته نحو السماء ثم عطس فقال : الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله من عبد داخر لله غير مستنكف ولا مستكبر ، ثم قال : زعمت الظلمة أن حجّة الله داحضة ولو اذن لنا في الكلام زال الشك.

وروى علان باسناده ان السيد عليه السّلام ولد سنة خمس وخمسين ومأتين بعد مضي أبي الحسن عليه السّلام بنحو سنتين.

وحدّثني حمزة بن نصر غلام أبي الحسن عليه السّلام قال : ولد السيد عليه السّلام فتباشر أهل الدار بمولده فلما أنشأ خرج الى الأمر ان ابتاع في كلّ يوم من اللحم قصب مخ وقيل ان هذا لمولانا الصغير.

وحدّثني الثقة من اخواننا عن إبراهيم بن إدريس قال : وجّه إليّ مولاي أبو محمّد عليه السّلام بكبشين وقال : عقهما عن ابني فلان وكل واطعم اخوانك.

٢٦٠