الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٩

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٩

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-191-2
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٠

تأخذه الألسنة فيه؟ ولماذا يكون أشدهم عليه أبو بكر؟ ولماذا لا يترك هذا أمره لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

وإذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال : أرواحنا كانت بيد الله عزوجل فأرسلها أنى شاء .. فهل كان هؤلاء اللائمون أشد حرصا من نفس النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

الشيطان وبلال :

وأما حديث الشيطان وبلال ، فلا مجال لقبوله أيضا لأكثر من سبب ..

فأولا : إن بلالا قد شعر بهذا الشيطان حين جاء إليه ، وصار يهدئه ، حسبما صرحت به الرواية ، فلماذا لم يسأله ـ بلال ـ عن نفسه من هو؟ ..

وكيف اطمأن واستسلم إليه ، إلى حد أنه جعل يهدئه كما يهدئ الصبي حتى ينام؟! .. مع أنه شخص غريب عنه ، ولا يعرف عنه شيئا؟!

وألم يكن المفروض ببلال أن ينذر النائمين بوجود هذا الغريب؟!

وأليس ذلك هو مهمته التي سهر من أجلها؟!

ثانيا : إن الرواية تقول : إن الشيطان قد جاء إلى بلال وهو يصلي ، وصار يهدئه حتى ينام ، مع أن الروايات المتقدمة صرحت : بأن بلالا قد صلى ما شاء الله أن يصلي ، ثم أسند ظهره إلى بعيره ، واستقبل الفجر يراقبه ، فغلبته عينه ، فنام ..

ثالثا : بالنسبة لخروجهم من ذلك الوادي الذي كان به شيطان نسأل : لماذا لم يهرب الشيطان من ذلك الوادي بمجرد وصول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إليه؟! ..

٢١

وهل لذلك الشيطان دور في نومه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن صلاته؟! .. وكيف يكون له دور في ذلك ، والله تعالى يقول : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)؟! (١).

رابعا : أين كان عمر بن الخطاب آنذاك؟!

أليس يقولون : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال له : إن الشيطان ليخاف منك يا عمر؟! (٢) أو : ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك؟! (٣).

__________________

(١) الآية ٩٩ من سورة النحل.

(٢) أسد الغابة ج ٤ ص ٦٤ ونوادر الأصول للحكيم الترمذي ص ٥٨ ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٥٣ و ٣٥٤ باختلاف ، ودلائل الصدق ج ١ ص ٣٩٠ و ٣٩١ عن الترمذي وج ٢ ص ٢٩٣ وصححه هو والبغوي في مصابيحه ، وليراجع : الغدير ج ٨ ص ٦٤ و ٦٥. والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٦٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ١٠ ص ٧٧ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ١٣١.

(٣) عن صحيح البخاري ج ٤ ص ٩٦ و ١٩٩ وج ٧ ص ٩٣ و ١١٥ فضائل أصحاب النبي (٦) والأدب (٦٨) وبدء الخلق (١١) ، وعن صحيح مسلم ج ١٥ ص ١٦٥ والصحابة (٢٢) ومسند أحمد ج ١ ص ١٧١ و ١٨٢ و ١٨٧ والبحار ج ٣١ ص ٢٥ والغدير ج ٨ ص ٩٤ وإقحام الأعداء والخصوم ص ١٠٤ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٣٨ وج ١٠ ص ٣٩٩ وج ١١ ص ٤٥٧ والديباج على مسلم ج ٥ ص ٣٠٨ وتحفة الأحوذي ج ١٠ ص ١٢٢ و ١٢٣ وعن السنن الكبرى للنسائي ج ٦ ص ٦٠ ومسند أبي يعلى ج ٢ ص ١٣٣ وصحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٣١٦ ورياض الصالحين ص ٦٩٠ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٢ ص ١٧٨ وكنز العمال ج ١١ ص ٥٧٥ وج ١٢ ص ٦٠٢ وكشف الخفاء ج ٢ ص ٣٤٤ والجامع لأحكام القرآن ج ٨ ص ٢٠٥ والمستصفى للغزالي

٢٢

بل إن شياطين الجن والإنس يفرون منه (١) كما رووا عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

فلماذا لم يسلك هذا الشيطان المزعوم فجا آخر غير ذلك الوادي ، ألم يعلم : أن عمر قد نزل فيه؟!

إلا أن يقال : إن الشيطان قد استغل فرصة نوم عمر لينال من بلال!!

خامسا : لماذا يأمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أصحابه بالخروج من الوادي ، لأن فيه شيطانا؟! أليس في ذلك تخويف لهم من الشيطان إلى حد أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يحملهم على الهروب من الوادي!!

ألم يكن الأنسب أن يقويهم ، ويرفع من معنوياتهم ضد ذلك الشيطان؟! ويعلّمهم ما يوجب خزيه وهروبه؟!

__________________

ـ ص ١٧٠ والمحصول ج ٦ ص ١٣٤ والطبقات الكبرى ج ٨ ص ١٨١ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٤ ص ٧٨ و ٨٠ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٢٧٥.

(١) دلائل الصدق ج ١ ص ٣٩٠ والتاج الجامع للأصول ج ٣ ص ٣١٤ والغدير ج ٨ ص ٦٥ وعن مصابيح السنة ج ٢ ص ٢٧١ وعن مشكاة المصابيح ص ٥٥٠ وعن الرياض النضرة ج ٢ ص ٢٠٨ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٧٦٠ و ٧٦١ عن منتخب كنز العمال ج ٤ ص ٣٩٣ عن ابن عساكر ، وابن عدي ، والمشكاة ص ٢٧٢ عن الشيخين والمسترشد ص ١٨٥ وأضواء على الصحيحين ص ٣٠٤ وسنن الترمذي ج ٥ ص ٢٨٥ وتحفة الأحوذي ج ١٠ ص ١٢٤ وعن السنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ٣٠٩ والجامع الصغير ج ١ ص ٤٠١ وفيض القدير ج ٣ ص ١٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٤ ص ٨٢.

٢٣

رد الشمس لعلي عليه‌السلام في خيبر :

وذكروا : أن الشمس قد ردت ـ بعدما غربت ـ لعلي «عليه‌السلام» في الصهباء ، قرب خيبر (١).

وفي بعض الروايات : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان مشغولا بقسم الغنائم في خيبر.

وفي نص آخر : كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أرسله في حاجة فعاد ، فنام «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على ركبته ، وصار يوحى إليه .. فغابت الشمس ، أو كادت.

وفي بعض الروايات : أنها قد ردت إليه مرات عديدة ، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في كتابنا : «رد الشمس لعلي عليه‌السلام» ، فراجع.

غير أننا سوف نكتفي هنا : بالإلماح إلى نقاط يسيرة ، حول ما كان في

__________________

(١) مصادر ذلك كثيرة ، فراجع : مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج ٢ ص ٥١٧ ومشكل الآثار ج ٢ ص ٩ وج ٤ ص ٣٨٩ وكفاية الطالب ص ٣٨٥ والشفاء ج ١ ص ٢٨٤ والمعجم الكبير ج ٢٤ ص ١٤٥ وكنز العمال ج ١٢ ص ٣٤٩ وعمدة القاري ج ١٥ ص ٤٣ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٨٠ واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٣٨ و ٣٣٩ و ٣٤٠ ومنهاج السنة ج ٤ ص ١٩١ و ١٨٨ و ١٨٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٠١ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٨٦ و ٣٨٥ والبحار ج ٤١ ص ١٦٧ و ١٧٤ و ١٧٩ وج ٢١ ص ٤٢ و ٤٣ عن علل الشرائع ص ١٢٤ وعن المناقب ج ١ ص ٣٥٩ و ٣٦١ وعن الخرايج والجرايح ، ونسيم الرياض ج ٣ ص ١٠ و ١١ و ١٢ والمواهب اللدنية ج ٢ ص ٢٠٩ و ٢١٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٥٨ وعن المنتقى في مولد المصطفى للكازروني.

٢٤

غزوة خيبر ، فنقول :

رواة حديث رد الشمس :

إن حديث رد الشمس لعلي «عليه‌السلام» في المواضع المختلفة قد روي عن ثلاثة عشر صحابيا ، وقد وردت رواية اثني عشر منهم في مصادر أهل السنة أيضا. وهم :

١ ـ علي أمير المؤمنين «عليه‌السلام».

٢ ـ والإمام الحسين «عليه‌السلام».

٣ ـ وأسماء بنت عميس.

٤ ـ وأبو هريرة.

٥ ـ وأبو ذر.

٦ ـ وأم هانئ.

٧ ـ وعبد خير.

٨ ـ وأم سلمة.

٩ ـ وجابر بن عبد الله الأنصاري.

١٠ ـ وأبو سعيد الخدري.

١١ ـ وسلمان.

١٢ ـ وأنس.

١٣ ـ وأبو رافع مولى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

__________________

(١) تجد هذه الروايات في : كتاب مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٩٦ وميزان الإعتدال ج ٣ ص ١٧٠ ومشكل الآثار ج ٢ ص ٨ وج ٤ ص ٣٨٨ ـ ٣٩٠

٢٥

__________________

وكفاية الطالب ص ٣٨١ ـ ٣٨٨ وفتح الملك العلي ص ١٦ و ١٧ و ١٨ و ١٩ ـ ـ و ٢١ و ١٤١ و ١٤٤ وعن الرياض النضرة ص ١٧٩ و ١٨٠ ، وراجع : البداية والنهاية ج ٦ ص ٧٧ ـ ٨٧ والمناقب للخوارزمي ص ٣٠٦ و ٣٠٧ ولسان الميزان ج ٥ ص ٧٦ و ١٤٠ و ٣٠١ وكنز العمال ج ١٢ ص ٣٤٩ وج ١١ ص ٥٢٤ وج ١٣ ص ١٥٢ والشفاء لعياض ج ١ ص ٢٨٤ وترجمة الإمام علي «عليه‌السلام» من تاريخ ابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ج ٢ ص ٢٨٣ ـ ٣٠٧ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٥٨ وصفين لنصر بن مزاحم ص ١٣٥ وينابيع المودة للقندوزي ص ١٣٨ وتذكرة الخواص ص ٤٩ ـ ٥٣ ونزل الأبرار ص ٧٦ ـ ٧٩ والضعفاء الكبير للعقيلي ج ٣ ص ٣٢٧ و ٣٢٨ ولسان الميزان ج ٥ ص ١٤٠ والمعجم الكبير ج ٢٤ ص ١٤٥ ـ ١٥٨ ومنهاج السنة ج ٢ ص ١٨٦ ـ ١٩٥ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٥٠ وج ٨ ص ٢٩٧ وكشف الخفاء للعجلوني ج ١ ص ٢٢٠ و ٤٢٨ والمقاصد الحسنة للسخاوي ص ٢٢٦ والخصائص الكبرى للسيوطي ج ٢ ص ٣٢٤ وعمدة القاري للعيني ج ١٥ ص ٤٣ واللآلي المصنوعة للسيوطي ج ١ ص ٣٣٦ ـ ٣٤١ والفصل لابن حزم ج ٢ ص ٨٧ وج ٥ ص ٣ و ٤ عن كتاب رد الشمس للفضلي العراقي وفتح الباري ج ٦ ص ١٥٥ عن الطبراني في الكبير ، والحاكم ، والبيهقي في الدلائل ، والطحاوي ، وفرائد السمطين ج ١ ص ١٨٣ ، ونهج السعادة ج ١ ص ١١٧ وج ٧ ص ٤٤٨ و ٤٤٩ والإمام علي «عليه‌السلام» لأحمد الهمداني ص ١٧٧ ـ ١٧٩ وإفحام الأعداء والخصوم ص ٢٦ وشرح معاني الآثار ج ١ ص ٤٥ ـ ٤٧ وتذكرة الموضوعات للفتني ص ٩٦ وحقائق التأويل ص ٧٤ وشواهد التنزيل ج ١ ص ٩ و ١٠ ـ ١٦ ورجال النجاشي ص ٨٥ و ٤٢٨ والفهرست ص ٧٩ وتفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٢٢٥ وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي ج ١ ص ١١١ ـ ١١٤ و ١١٧ و ١١٨ و ١١٩ والإحتجاج (ط النجف) ج ١ ص ١٦٦ ومائة منقبة ص ٨ والمستجاد من

٢٦

__________________

الإرشاد ص ١٣٥ والصراط المستقيم ج ١ ص ١٦ و ٩٩ و ١٠٤ و ١٥٣ و ٢٠١ ـ ـ وحلية الأبرار ج ٢ ص ٣٢٧ وكشف الظنون ج ٢ ص ١٤٩٤ وبشارة المصطفى ، ومرآة الجنان ج ٤ ص ١٧٨ والجامع لأحكام القرآن ج ١٥ ص ٩٧ وعلل الشرائع ج ٢ ص ٤٨ ـ ٥٠ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٠١ و ٢٠٢ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٨٣ ـ ٣٨٧ والبحار ج ٤١ ص ١٦٦ ـ ١٩١ وج ٢١ ص ٤٣ وج ٩٧ ص ٢١٧ وج ٩٩ ص ٣٠ وج ١٧ ص ٣٥٧ و ٣٥٨ وج ٥٥ ص ١٦٦ وج ٨٠ ص ٣١٧ و ٣١٨ و ٣٢٤ و ٣٢٥ وقرب الإسناد ص ٨٢ والخرايج والجرايح ج ٢ ص ٥٠٠ و ٥٠٢ والمناقب لابن شهر آشوب (ط الحيدري) ج ٣ ص ٥١ ، وعن أمالي المفيد ص ٩٤ ، وعن الكافي ج ٤ ص ٥٦١ و ٥٦٢ وأمالي ابن الشيخ ص ٦٤ وعن السرائر وعدة الداعي ص ٨٨ والإرشاد للمفيد ج ١ ص ٣٤٦ وتفسير العياشي ج ٢ ص ٧٠ وتفسير البرهان ج ٢ ص ٩٨ وج ٤ ص ٣٨٧ ونسيم الرياض ج ٣ ص ١٠ ـ ١٤ وشرح الشفاء للملا علي القاري (بهامش نسيم الرياض) ج ٣ ص ١٠ ـ ١٣ وإحقاق الحق (قسم الملحقات) ج ١٦ ص ٣١٦ ـ ٣٣١ وج ٥ ص ٥٢١ ـ ٥٣٩ وج ٢١ ص ٢٦١ ـ ٢٧١ وفيض القدير ج ٥ ص ٤٤٠ والمواهب اللدنية ج ٢ ص ٢٠٩ ـ ٢١١ وشرح المواهب للزرقاني ج ٦ ص ٢٨٤ ـ ٢٩٤.

وراجع أيضا : عيون المعجزات ص ٧ و ٤ و ١٣٦ وبصائر الدرجات ص ٢١٧ و ٢٣٩ و ٢٣٧ وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ٢ ص ١٣٥ ـ ١٣٨ وكتاب المزار الكبير لابن المشهدي ص ٢٥٨ و ٢٠٥ وإقبال الأعمال ج ٣ ص ١٣٠ والمزار للشهيد الأول ص ٩١ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج ٥ ص ٨١ وج ١٤ ص ٢٥٥ وج ٣ ص ٤٦٩ وج ١٠ ص ٢٧٧ وج ٣٠ ص ٣٠ و ٣٨ وج ١٩ ص ٣٢٨ و ٣٤٠ ومن لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١٣٠ و ٦١١ والهداية الكبرى ص ١٢٣ ـ ١٣٠ والمسترشد ص ٢٦٥ ومناقب أمير المؤمنين ج ٢ ص ٥١٦ و

٢٧

وهذا الحدث متواتر ، فلا حاجة إلى امتكم حول اسانيده وقد صححه ، أو حسنه عدد من الحفاظ ، من علماء أهل السنة أنفسهم ، مثل الطحاوي ، وعياض ، وأبي زرعة ، والطبراني ، وأبي الحسن الفضلي ، والقسطلاني ، ودحلان ، وغيرهم (١).

وقال الدياربكري : وهذا حديث ثابت الرواية عن ثقات (٢).

بل قال بعضهم : يتعذر الحكم على هذا الحديث بالضعف (٣).

__________________

٥١٨ و ٥١٩ و ٥٢٠ و ٥٢١ وخاتمة المستدرك ج ٤ ص ٩٤ و ٢٢٤ و ٢٢٦ ـ ـ وروضة الواعظين ص ١٢٩ و ١٣٠ وخصائص الأئمة ص ٥٢ و ٥٦ و ٥٧ والخصال ص ٥٥٠ ومعالم العلماء ص ٥٦ و ٧٨ و ١١٣ و ١٥٢ وإيضاح الإشتباه ص ١٠٢ ورجال ابن داود ص ٣٩ ونقد الرجال ج ١ ص ١٢٩ وج ٥ ص ٣٥٣ و ٣٥١ وجامع الرواة ج ١ ص ٥٣ وج ٢ ص ٥٣١ والفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم ج ٢ ص ٧٧ وتهذيب المقال ج ٢ ص ٢٢ وج ٣ ص ٣٥٣ و ٣٥٦ وج ٤ ص ٤٥٣ وتذكرة الحفاظ ج ٣ ص ١٢٠٠ وسير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٥٤٤ والكشف الحثيث ص ٤٤ وإعلام الورى ج ١ ص ٣٥٠ و ٣٥١ وقصص الأنبياء للراوندي ، ونهج الإيمان لابن حجر ص ٧٠ وكشف اليقين ص ١١٢ ودفع الشبهة عن الرسول للحصني الدمشقي ص ٢٠٦ ومدينة المعاجز ج ١ ص ١٩٦ و ١٩٧ و ٢٠٢ و ٢٠٥ و ٢٠٧ و ٢١٠ و ٢١٧ وج ٤ ص ٢٥٨ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٢ و ٤١٧ و ٤١٩ وخلاصة عبقات الأنوار ج ١ ص ١٤٧.

(١) راجع كتابنا : رد الشمس لعلي «عليه‌السلام» ، فصل : الأسانيد والرواة.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٥٨ والبحار ج ٢١ ص ٤٣ عن المنتقى في مولد المصطفى.

(٣) راجع : البحار ج ٤١ ص ١٧٥ عن مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٣٥٩ ـ ٣٦٥ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٧٩ و ٨٠ و ٨٧ والمواهب اللدنية ج ٢

٢٨

لماذا لم تنقل الأمم ذلك؟!

وقد حاولوا التشكيك بهذا الحادثة ، بأن الشمس لو ردّت بعدما غربت لرآها المؤمن والكافر ، وهو أمر غريب تتوفر الدواعي على نقله ، فالمفروض أن ينقله جماعة كثيرة من الأمم المختلفة (١).

والجواب :

أولا : إن الدواعي لدى كثير من أهل الإسلام كانت متوفرة على كتمان هذا الحديث ، لأنه مرتبط بعلي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، الذي سبوه حوالي ألف شهر على منابرهم ، ولم يدخروا وسعا في تصغير قدره ، وإبطال أمره ، والتشكيك بفضائله ، وإنكار مقاماته إن أمكنهم ذلك.

ورغم ذلك ، فإن هذه الحادثة قد نقلت عن ثلاثة عشر صحابيا.

ثانيا : إن الشمس قد حبست ليوشع بالاتفاق ، وهو حدث كوني أيضا ، وإنما وصل إلينا خبر ذلك بواسطة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم (٢). ولم تنقله الأمم في كتاباتها ، ولا أهل الأخبار في مروياتهم.

وقد عبرت بعض الروايات : بحبس الشمس لعلي «عليه‌السلام» ..

كما أن بعضها قال : إن الشمس حين ردّت ، كانت قد غابت ، أو كادت

__________________

ص ٢١١ ومنهاج السنة ج ٤ ص ١٨٧ و ١٨٩ وغير ذلك.

(١) راجع : البحار ج ٤١ ص ١٧٥ عن المناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٣٥٩ ـ ٣٦٥ ، وراجع : البداية والنهاية ج ٦ ص ٧٩ و ٨٠ وراجع ص ٨٧ والمواهب اللدنية ج ٢ ص ٢١١ ومنهاج السنة ج ٤ ص ١٨٧ و ١٨٩. وغير ذلك ..

(٢) منهاج السنة ج ٤ ص ١٨٤.

٢٩

تغيب (١).

فلماذا لا يقال : إن الشمس حبست في بعض المرات ، وردّت في بعضها الآخر ، في وقت كان نورها لا يزال غامرا للأفق ، فلم يلتفت الناس إلى ما جرى ، إلا الذين كانوا يراقبونها ، كأولئك الذين جرت القضية أمامهم ، ويريد الله ورسوله أن يريهم هذه الكرامة لعلي «عليه‌السلام» ..

ثالثا : سيأتي إن شاء الله تعالى : أن حصول هذا الأمر كان على سبيل الكرامة والإعجاز الإلهي ، وإنما يجب أن يري الله تعالى معجزته لمن أراد سبحانه إقامة الحجة عليه وإظهار كرامة له ، كما سيتضح.

لم تحبس الشمس إلا ليوشع :

وزعم أبو هريرة : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : لم تحبس الشمس على أحد إلا ليوشع ، أو نحو ذلك. وقد تمسك البعض بهذا الحديث لإنكار حديث رد الشمس (٢).

__________________

(١) راجع : البحار ج ١٧ ص ٣٥٩ وج ٨٠ ص ٣٢٤ عن صفين للمنقري ، وعن الخرائج والجرائح ، وراجع : البداية والنهاية ج ٦ ص ٧٧ ، وتاريخ مدينة دمشق (بتحقيق المحمودي) ترجمة الإمام على ج ٢ ص ٢٩٢ و (ط دار الفكر) ج ٤٢ ص ٣١٤ والموضوعات لابن الجوزي (ط أولى) ج ١ ص ٥١ وغير ذلك كثير.

(٢) السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٨٥ وراجع الحديث في : مشكل الآثار ج ٢ ص ١٠ وج ٤ ص ٣٨٩ وعن المعتصر من المختصر ، وتذكرة الخواص ص ٥١ ونزل الأبرار ص ٧٨ وميزان الإعتدال ج ٣ ص ١٧٠ والضعفاء الكبير للعقيلي ج ٣ ص ٣٢٨ وكنز العمال ج ١١ ص ٥٢٤ وفتح الباري ج ٦ ص ١٥٤ والبداية والنهاية ج ٦

٣٠

ويرد عليه :

أولا : إن أبا هريرة لا يؤتمن فيما يرويه على علي «عليه‌السلام» ، كيف وقد ضرب على صلعته في باب مسجد الكوفة ، ثم روى لهم حديث : من أحدث في المدينة أو آوى محدثا فعليه لعنة الله. ثم شهد بالله أن عليا «عليه‌السلام» أحدث في المدينة (١).

مكذبا بذلك آية التطهير ، وجميع أقوال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حق علي «عليه‌السلام» ، مثل أن عليا مع الحق والحق مع علي ، ونحو ذلك ..

ومن جهة أخرى ، فقد روي عن علي «عليه‌السلام» قوله : ألا إن أكذب الناس ، أو أكذب الأحياء على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أبو هريرة (٢).

__________________

ص ٧٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٠٢ ونسيم الرياض ج ٣ ص ١٠ و ١١ وبهامشه شرح الشفاء للقاري ج ٣ ص ١١ و ١٣ والجامع الصغير حديث رقم (٧٨٨٩) ومسند أحمد (ط دار الحديث في القاهرة) ج ٨ ص ٢٧٥ والمواهب اللدنية ج ٢ ص ٢١٠.

(١) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٦٧ وأضواء على السنة المحمدية لمحمود أبي رية ص ٢١٨ وشيخ المضيرة أبو هريرة لمحمود أبي رية ص ٢٣٧ والغارات للثقفي ج ٢ ص ٦٥٩ وخلاصة عبقات الأنوار للنقوي ج ٣ ص ٢٥٥ والنص والإجتهاد ص ٥١٤ وكتاب الأربعين لمحمد طاهر الشيرازي ص ٢٩٦ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج ١ ص ٤٥.

(٢) الإيضاح لابن شاذان ص ٤٩٦ والغارات للثقفي ج ٢ ص ٦٦٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٦٨ وأضواء على السنة المحمدية لمحمود أبي رية ص ٢٠٤ ـ

٣١

وقد وضع معاوية قوما من الصحابة والتابعين على رواية أخبار قبيحة في علي «عليه‌السلام» ، تقتضي الطعن فيه ، والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب فيه ، فاختلقوا ما أرضاه. منهم أبو هريرة (١).

ثانيا : لو صح هذا الحديث ، فلعل أبا هريرة قد دلس فيه ، ورواه عن شخص آخر. ويكون صدور هذا الحديث عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل رد الشمس لعلي «عليه‌السلام» في خيبر وفي بدر ..

ثالثا : إن هذا الحديث لو صح : فإنما ينفي حبس الشمس لغير يوشع ، ولا ينفي ردها ..

رابعا : قد روي حبسها لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صبيحة الإسراء ، وفي الخندق (٢).

خامسا : قد حبست الشمس ، وردّت لغير رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا ، فقد روي : أنها حبست لداود «عليه‌السلام».

__________________

وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص ١٦٠ وشيخ المضيرة أبو هريرة ، لمحمود أبي رية ص ١٣٥ عن سير أعلام الذهبي ج ٢ ص ٤٣٥. وراجع : تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص ١٦.

(١) المناقب للخوارزمي ص ٢٠٥ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٤ ص ٦٣ و ٦٤.

(٢) راجع : عمدة القاري ج ١٥ ص ٤٢ و ٤٣ ، وراجع : فتح الباري ج ٦ ص ١٥٥ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٠٢ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٨٣ ونسيم الرياض ج ٣ ص ١١ و ١٢ و ١٣ وبهامشه شرح الشفاء للقاري ج ٣ ص ١٣ وفيض القدير ج ٥ ص ٤٤٠ والبحار ج ١٧ ص ٣٥٩ والمواهب اللدنية ج ٢ ص ٢١٠ و ٢١١.

٣٢

وردت لسليمان «عليه‌السلام».

وحبست لموسى «عليه‌السلام».

وزعموا : أنها حبست لأبي بكر.

وحبست في أيام حزقيل.

وزعموا : أنها حبست للحضرمي (١).

سادسا : قال الشافعي : إن الشمس إذا كانت قد حبست ليوشع ليالي قتال الجبارين ، فلا بد أن يقع نظير ذلك في هذه الأمة أيضا (٢).

الذين يرون المعجزة :

وبعد .. فإن الذين يجب أو يمكن أن يروا المعجزة هم :

إما الصفوة الأخيار ، الذين تزيدهم يقينا وإيمانا.

وإما الذين يراد إقامة الحجة عليهم ، أو ردّ التحدي الوارد من قبلهم ، وتحطيم كبريائهم ، وبغيهم.

ويراها أيضا أولئك الذين خدعوا بهؤلاء ، من أجل تعريفهم بزيفهم ، وبباطلهم ، وجحودهم ..

وأما الآخرون الغافلون فقد يجب أن لا يراها الكثيرون منهم ، وهم الذين يصابون بالخوف ، والهلع ، الذي يفقد إيمانهم قدرته على التأثير في جلب المثوبة لهم ، لأن المناط في جلب المثوبة هو الإختيار ، البعيد عن أجواء

__________________

(١) راجع كتابنا : رد الشمس لعلي «عليه‌السلام» ص ٦٣ ـ ٦٥ للاطلاع على بعض تفاصيل ذلك ، وعلى بعض مصادره.

(٢) نسيم الرياض ج ٣ ص ١٢ واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٤١.

٣٣

الإلجاء ، والاضطرار ، ليكون إيمانا مستندا إلى الوعي والالتفات ، وإلى القناعة الناتجة عن روية وتبصر ، وعن تأمل وتفكر ، ووعي وتدبر.

إختلال النظام الكوني :

وقد زعموا أيضا : أن رد الشمس لعلي «عليه‌السلام» غير ممكن ، لأنه يوجب اختلال الأفلاك (١).

ونقول :

أولا : إن أمر الكون بيد الله تعالى ، فهو يخضعه للمعجزة ، دون أن يوجب حدوثها أي اختلال في نظامه .. لأن صانع المعجزة هو إله قادر عالم حكيم .. وليس عاجزا ولا جاهلا.

ثانيا : إن هذا الكلام لو صح للزم تكذيب جميع المعجزات التي لها ارتباط بالنظام الكوني ، ومن ذلك معجزة انشقاق القمر. ومعجزة حبس الشمس ليوشع. وغير ذلك ..

لو ردت لعلي عليه‌السلام لردت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقالوا : لو ردت الشمس لعلي «عليه‌السلام» لردت للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حينما نام هو وأصحابه عن صلاة الصبح في الصهباء ، وهو راجع من غزوة خيبر نفسها (٢).

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٨٥ والبحار ج ٤١ ص ١٧٥ وتذكرة الخواص ص ٥٢ وعن مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٣٥٩ ـ ٣٦٥.

(٢) البداية والنهاية ج ٦ ص ٧٩ و ٨٠ و ٨٧ وراجع : منهاج السنة ج ٤ ص ١٨٧ و ١٨٩.

٣٤

ونقول :

أولا : تقدم : أن حديث نوم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن صلاة الصبح لا يمكن قبوله.

ثانيا : تقدم أيضا : أن الشمس ردت على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في غزوة الخندق وغيرها ، وحبست له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين الإسراء.

وتقدم أيضا : أنها ردّت وحبست لغيره من الأنبياء والأوصياء السابقين ..

بل زعموا : أن ذلك قد حصل لغير هؤلاء أيضا من هذه الأمة ، حيث تقدم أنهم زعموا : أنها حبست للحضرمي ، ولأبي بكر أيضا.

ثالثا : قال الخفاجي : «إنما ردت إلى علي «عليه‌السلام» ببركة دعائه «صلى‌الله‌عليه‌وآله». مع أن كرامات الأولياء في معنى معجزات الأنبياء».

إلى أن قال : «مع أن المفضول قد يوجد فيه ما لا يوجد في الفاضل. كما يلزم منه القول بعدم حبسها ليوشع» (١).

ولعله يقصد بقوله : قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل : أن بعض المصالح قد توجب حدوث أمر للمفضول ، ولا يكون هناك ما يوجب حدوثه للفاضل ..

فإذا كان هناك من سوف يعاند عليا «عليه‌السلام» في إمامته ، وفي خصوصيته ، وفي أفضليته على البشر جميعا ، باستثناء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فإن الله يختصه بكرامات تثبت لهم ذلك كله ، وتقيم عليهم الحجة فيهم ، فيولد علي «عليه‌السلام» في الكعبة ، ولا يولد رسول الله

__________________

(١) شرح الشفاء للقاري (مطبوع مع نسيم الرياض) ج ٣ ص ١٣.

٣٥

«صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيها ، ويقلع علي «عليه‌السلام» باب حصن خيبر ، وترد له الشمس و .. و .. الخ .. ولا يكون هناك ما يقتضي حدوث ذلك لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

علي عليه‌السلام لا يترك الصلاة :

وقالوا : إن عليا «عليه‌السلام» أجلّ من أن يترك الصلاة (١). فإذا ورد ما ينسب ذلك إليه ، فلا بد من ردّه.

ونقول :

أولا : صرح النص الذي ذكر رد الشمس لعلي «عليه‌السلام» في منزل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في المدينة ، بأن عليا «عليه‌السلام» قد صلى إيماء ، وأراد الله أن يظهر كرامته ، فردها عليه ليصلي صلاة المختار.

ثانيا : ذكرت بعض النصوص : أن الله تعالى رد الشمس عليه ، أو حبسها له بعدما كادت تغرب.

وهذا معناه : أن صلاة العصر لم تكن قد فاتته ، لأن وقتها يمتد إلى وقت غروب الشمس.

وقد قال ابن إدريس في السرائر : «ولا يحل أن يعتقد أن الشمس غابت ، ودخل الليل ، وخرج وقت العصر بالكلية ، وما صلى الفريضة «عليه‌السلام» ، لأن هذا من معتقده جهل بعصمته «عليه‌السلام» ، لأنه يكون مخلا بالواجب المضيق عليه. وهذا لا يقوله من عرف إمامته ، واعتقد

__________________

(١) منهاج السنة ج ٤ ص ١٨٦ و ١٩٥.

٣٦

بعصمته» (١).

وعلى كل حال : فإن مناوئي علي «عليه‌السلام» قد سعوا بكل ما لديهم من طاقة وحول إلى إبطال هذه الكرامة الكبرى له «عليه‌السلام» ، أو إثارة الشبهات والتشكيكات حولها ، ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره ، ولو كره الشانئون ، والحاقدون ، والحاسدون لعلي «عليه‌السلام» ، وللأئمة الطاهرين من ولده «عليهم‌السلام» ..

فمن أراد الاطلاع على المزيد مما يرتبط بهذا الموضوع ، فليرجع إلى كتابنا الموسوم ب : «رد الشمس لعلي عليه‌السلام» ، والله الموفق ، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

عصى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فوجد ما يكره :

ولما انتهى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى الجرف ليلا ، نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا ، فطرق رجل أهله ، فرأى ما يكره ، فخلى سبيلها ولم يهجر ، وضنّ بزوجته أن يفارقها ، وكان له منها أولاد ، وكان يحبها ، فعصى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ورأى ما يكره (٢).

جبل أحد يحبنا ونحبه :

قالوا : ولما نظر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى جبل أحد ، قال :

__________________

(١) راجع : السرائر ج ١ ص ٢٦٥ والبحار ج ٨٠ ص ٣١٨.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٠ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٤٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤١٤.

٣٧

«هذا جبل يحبنا ونحبه ، اللهم إني أحرم ما بين لابتي المدينة» (١).

ونقول :

١ ـ قد يحب الإنسان جبلا أو مكانا بعينه ، باعتبار أنه مصدر أنس له ، لكونه يتلذذ بمنظره ، أو لأجل ذكريات عزيزة كانت له فيه ، أو ما إلى ذلك .. ولكنها تبقى حالة مرتبطة بالفرد ، وبمشاعره الشخصية ، ولا تتعداه إلى غيره ..

ولا نرى أن حب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لجبل أحد كان من أجل هذا أو ذاك ، بل هو حب يتناسب مع أهدافه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ومع ما يفيد في تأييد هذا الدين ، وزيادة اليقين.

٢ ـ يضاف إلى ذلك : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يحصر الأمر بنفسه الشريفة ، بل هو تحدث عن نفسه وعن غيره ، فقال : نحبه ، ولم يقل : أحبه. وقال : يحبنا. ولم يقل : يحبني.

وهذا يؤكد على أن في جبل أحد خصوصية ومعنى يجعل الإنسان المؤمن

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ٣٦٨ وج ٥ ص ١٥٠ وراجع : الأحكام ج ٢ ص ٥٤٦ وعن كتاب الموطأ ج ٢ ص ٨٨٩ و ٨٩٣ وعن مسند أحمد ج ٣ ص ١٤٩ و ١٥٩ و ٢٤٣ وعن صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٢٣ و ٢٢٥ وج ٤ ص ١١٨ وج ٥ ص ٤٠ وج ٦ ص ٢٠٧ وج ٨ ص ١٥٣ وعن صحيح مسلم ج ٤ ص ١١٤ وسنن الترمذي ج ٥ ص ٣٧٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٩٧ وج ٦ ص ٣٠٤ وج ٩ ص ١٢٥ وعن فتح الباري ج ٦ ص ٦٤ وتحفة الأحوذي ج ١٠ ص ٢٩٢ ومسند أبي يعلى ج ٦ ص ٣٧٠ و ٣٧١ وشرح معاني الآثار ج ٤ ص ١٩٣ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ١٧٨ وذيل تاريخ بغداد ج ٣ ص ٦٩ وفضائل المدينة ص ٢١.

٣٨

يحب هذا الجبل .. فما هي تلك الخصوصية ، وما هو ذلك المعنى يا ترى؟!

وربما يفيد في الإجابة على هذا السؤال القول : بأن هذا الجبل كان يحتضن أجسادا طاهرة لشهداء أحد ، وفي مقدمتهم أسد الله وأسد رسوله الشهيد حمزة بن عبد المطلب ، عم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقد كانت الزهراء «عليها‌السلام» تزور قبورهم بصورة رتيبة ودائمة ، وقد صنعت سبحتها من تراب قبر حمزة «عليه‌السلام».

كما أن لجبل أحد ارتباطا ظاهرا بوقائع حرب أحد ، فإن الاستناد إليه قد وفّر مانعا لجيوش الشرك من الالتفاف على أهل الإيمان ، والإيقاع بهم.

فلأجل هذا وذاك لا بد أن تتعلق به قلوب المؤمنين ، وأن يحبوه ، وأن يقصدوه لزيارة الأولياء والشهداء.

٣ ـ وأما أن جبل أحد يحب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والمسلمين ، فذلك أمر قد يصعب إدراكه للوهلة الأولى ، غير أن مما لا شك فيه : أن كل شيء يتعامل معه الإنسان بروح الاستقامة والطهر ، والتقوى ، يتأثر إيجابا بالصلاح وبالطهر ، والتقوى ، وكذلك يتأثر سلبا بالفساد والإفساد ، فإن لخبث الباطن ولطهره تأثيرهما على الأرواح والأجساد ، بل على النّفس الذي يتنفسه ، وعلى الأشياء التي يلامسها. وعلى الهواء الذي يستنشقه وما إلى ذلك ..

ولعل في بعض الآيات الشريفة إشارات إلى ذلك أيضا ، فلاحظ قوله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ..) (١) وغير ذلك

__________________

(١) الآية ٤١ من سورة الروم.

٣٩

من آيات ..

وفي الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن آثار الأعمال وعن تأثيراتها في الأمور الخارجية الكثير مما يدل على ذلك ، فبسبب الأعمال الصالحة يكون النماء والبركة ، وبسبب الأعمال السيئة تسلب البركة ، وتشح الأرزاق ، وتظهر الأسواء في كل اتجاه .. بل إن للنوايا الصالحة والسيئة تأثيراتها في ذلك أيضا ..

ولا شك أن ما ترتاح إليه الموجودات وتنتعش فيه ، وتمتلئ حيوية ونشاطا هو ما ينسجم مع طبيعتها ، ومع الهدف الذي أوجدها الله تعالى من أجله ..

ومن جهة أخرى فإن الآيات قد دلت على أن للجبال خشية وخشوعا إلى حد التصدع ، وإلى أن لها تأويبا وتسبيحا ، وإلى أن تجلي شيء من عظمة الله تعالى للجبل يجعله دكا ..

إلى غير ذلك مما ألمحت إليه وصرحت به الآيات والروايات الشريفة ، فلا غرو إذن إذا كان جبل أحد يحب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويحب المؤمنين ، ويبغض أهل الكفر والجحود ، ويمقت المنحرفين والفاسقين ..

٤٠