الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٩

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٩

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-191-2
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٠

١
٢

٣
٤

الباب العاشر

بين خيبر ومؤتة

الفصل الأول : فتح وادي القرى .. ورد الشمس

الفصل الثاني : سرايا بين وادي القرى وعمرة القضاء

الفصل الثالث : شخصيات وأحداث .. إلي عمرة القضاء

الفصل الرابع : تكبيرات صلاة الميت .. وصلاة الغائب

الفصل الخامس : إلي مكة .. لأجل العمرة

الفصل السادس : من مكة إلي المدينة

الفصل السابع : سرايا وأحداث إلي مؤنة

٥
٦

الفصل الأول :

فتح وادي القرى .. ورد الشمس

٧
٨

انصراف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من خيبر إلى وادي القرى :

وبعد فتح خيبر ، انصرف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى وادي القرى ..

قال محمد بن عمر : لما انصرف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن خيبر ، وأتى الصهباء سلك على برمة ، حتى انتهى إلى وادي القرى ، يريد من بها من يهود.

قال أبو هريرة : نزلناها أصيلا مع مغرب الشمس ، رواه ابن إسحاق.

قال البلاذري : فدعا أهلها إلى الإسلام ، فامتنعوا من ذلك ، وقاتلوا ، ففتحها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عنوة ، وغنمه الله أموال أهلها ، وأصاب المسلمون منهم أثاثا ومتاعا ، فخمس رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك ، وتركت الأرض والنخل في أيدي يهود ، وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر (١).

وكان أبو هريرة يحدث فيقول : خرجنا مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من خيبر إلى وادي القرى ، وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي قد

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٤٨ و ١٤٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٩ ومعجم البلدان ج ٥ ص ٣٤٥ وفتوح البلدان ج ١ ص ٣٩ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٥١.

٩

وهب لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عبدا أسود يقال له : مدعم وكان يرحّل لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فلما نزلنا بوادي القرى انتهينا إلى يهود ، وقد ضوى إليها ناس من العرب ، فبينما مدعم يحط رحل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقد استقبلتنا يهود بالرمي حيث نزلنا ، ولم نكن على تعبئة ، وهم يصيحون في آطامهم ، فيقبل سهم عائر ، فأصاب مدعما فقتله ، فقال الناس : هنيئا له الجنة.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «كلا والذي نفسي بيده ، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم ، لم يصبها المقسم ، تشتعل عليه نارا» (١).

فلما سمع الناس بذلك ، جاء رجل إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بشراك أو شراكين ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «شراك من نار ، أو شراكان من نار».

وعبأ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أصحابه للقتال ، وصفّهم ، ودفع

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٤٨ و ١٤٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٩ وعن صحيح البخاري ج ٧ ص ٢٣٥ والمحلى ج ٧ ص ٣٥٠ ونيل الأوطار ج ٨ ص ١٣٦ وعن صحيح مسلم للنووي ج ١ ص ٧٦ وعن سنن أبي داود ج ١ ص ٦١٥ وسنن النسائي ج ٧ ص ٢٤ والديباج على مسلم ج ١ ص ١٣٠ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ١٨٨ والطبقات الكبرى ج ١ ص ٤٩٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤ ص ٢٨٣ وفتوح البلدان ج ١ ص ٣٩ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٤١ و ٢٤٨ وج ٥ ص ٣٤١ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٤٠ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٥٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤٠١ و ٤١٢ وج ٤ ص ٦٣١.

١٠

لواءه إلى سعد بن عبادة ، وراية إلى الحباب بن المنذر ، وراية إلى سهل بن حنيف ، وراية إلى عباد بن بشر.

ثم دعاهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى الإسلام ، وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم ، وحقنوا دماءهم ، وحسابهم على الله تعالى.

فبرز رجل منهم ، فبرز له الزبير بن العوام فقتله.

ثم برز آخر ، فبرز له الزبير فقتله ، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» فقتله.

ثم برز آخر ، فبرز إليه أبو دجانة فقتله.

ثم برز آخر فبرز له أبو دجانة فقتله. حتى قتل منهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أحد عشر رجلا ، كلما قتل رجل دعا من بقي إلى الإسلام (١).

ولقد كانت الصلاة تحضر يومئذ ، فيصلي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأصحابه ، ثم يعود فيدعوهم إلى الله ورسوله ، فقاتلهم حتى أمسوا.

وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس حتى أعطوا بأيديهم ، وفتحها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عنوة ، وغنّمه الله تعالى أموالهم ، وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا.

وأقام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بوادي القرى أربعة أيام.

وقسّم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى ، وترك الأرض والنخيل بأيدي يهود ، وعاملهم عليها.

قال البلاذري : وولاها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عمرو بن سعيد

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٤٨ و ١٤٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٩.

١١

بن العاص ، وأقطع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جمرة بن هوذة العذري رمية بسوطه من وادي القرى.

ونلاحظ هنا أمورا نجملها فيما يلي :

١ ـ إن من حق كل أحد أن يدعو الآخرين إلى دينه ، فإما أن يرفضوا ، أو يقبلوا ، ولا يستطيع أحد أن يكره أحدا على هذا الأمر ، لأن القضية ترتبط بالعقل والقلب معا. فالعقل ، وإن استسلم للدليل ، لكن ليس بالضرورة أن يتحقق الإيمان ، إذ قد يلجأ إلى الجحود ، والإنكار ، رغم وضوح الأمر لديه ، وذلك على قاعدة : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (١).

٢ ـ وإن بعض الناس لا يكتفون بالجحود ، فيتجاوزونه إلى الحرب والقتال ، تماما كما فعل مشركو مكة ، وكما فعل يهود وادي القرى ، فإن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دعاهم إلى الله تعالى ، ومن حقه ذلك .. ولكنهم لم يكتفوا بالإمتناع عن قبول الحق ، بل أعلنوا الحرب عليه ، وقاتلوه بغيا منهم ، وكانوا هم الذين بدأوه بالعدوان ، واستقبلت سهامهم المسلمين بمجرد وصولهم ، وقبل أي سؤال أو جواب ، وقتلوا أحد أصحابه حتى وهو ينزل رحل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى الأرض.

فكان لا بد أن يواجهوا جزاء هذا البغي ، وفتح الله تعالى بلدهم عنوة ، وغنّم الله المسلمين أموالهم ، وصارت أرضهم للمسلمين ..

٣ ـ إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يرد أن يمعن في مجازاتهم بما يستحقونه ، بل اتخذ سبيل السهولة والعفو ، فقبّلهم (أي كتب لهم بها

__________________

(١) الآية ١٤ من سورة النمل.

١٢

قبالات ، وجعلها بتصرفهم) الأرض ، وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر.

٤ ـ وإن هذا العدوان السافر ، الذي باشروه ، قبل أي سؤال أو جواب ، لم يمنع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أن يعاملهم بالرحمة والشفقة ، فهو في نفس الوقت الذي يهيئ فيه جيشه ، ويرفع من مستوى استعداده للردع ـ حيث عبأه ، وأعطى الألوية والرايات لأهلها ـ لم يبادر إلى المقابلة بالمثل ، بل دعاهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما لهم إن أسلموا ، وأعلمهم أنه ليس له طمع بأموالهم ، بل المطلوب منهم هو الكف عن العدوان أولا ، ثم إنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم .. فالمطلوب منهم هو إعلان الإسلام ، والحال أنه ليس مسؤولا عن دخائلهم ، وما في ضمائرهم. بل حسابهم في ذلك على الله تعالى ..

وقد يقال : بأن دعوة الناس إلى الإسلام بهذا الشكل ـ أعني مجرد إعلان الشهادتين ـ قد تشجع الناس على النفاق ، لحقن دمائهم ، وحفظ أموالهم ، وهذا يشكل تهديدا حقيقيا للإسلام فيما بعد؟!!

ونجيب :

إن هذا المحذور غير وارد ، من حيث إن ذلك لا يشجع على النفاق ، بل هو أول خطوة هامة جدا في سلسلة التنازلات ، التي تسقط الإصرار على المقاومة ، وتهيئ للإندماج الثقافي ، واعطاء المجال لإعمال الفكر والتعقل والتدبر في أمر هذا الدين ورفع العوائق عن ممارسة الحوار البناء الذي هو الخطوة الأهم على طريق الوصول إلى أسلمة المجتمعات تدريجا من خلال طي مراحل من التنازلات ، التي تبقى تحت السيطرة والهيمنة في نطاق

١٣

سياسة احتواء النشاطات المعادية ومنعها عن التحرك بشكل علني وسافر ، قد يشجع الكثيرين لاتخاذ نفس النهج العدواني الذي يمنع الكثيرين من رؤية الحقايق ، ومن التعامل معها بروية وأناة ..

٥ ـ بل هو «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكف عن دعوتهم إلى الله تعالى ، حتى حين بدأت الحرب واستمرت .. بل كان كلما قتل رجل منهم جدّد دعوته لمن بقي منهم إلى الإسلام .. أي أنه أبقى باب النجاة أمامهم مفتوحا ، ولم يتخذ بغيهم وعدوانهم ذريعة للإيقاع بهم ، رغم أن ذلك أن من حقه ، وهذا هو الجزاء العادل لهم ، بل هو قد استمر على معاملتهم بالإحسان ، الذي هو فوق العدل ..

وكان كلما حضر وقت الصلاة انصرف إليها ، فيصلي بأصحابه ، ثم يعود إليهم فيدعوهم إلى الله ورسوله ..

٦ ـ ما ذكرته الرواية المتقدمة : من أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أعطى لواءه إلى سعد بن عبادة ، وأعطى رايات إلى عباد بن بشر ، والحباب بن المنذر ، وسهل بن حنيف .. لا يمكن قبوله ، فقد تقدم في غزوة أحد : أن عليا «عليه‌السلام» كان صاحب لواء ـ أو صاحب راية ـ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في بدر ، وفي كل مشهد ..

٧ ـ بالنسبة لما ذكرته الرواية : من أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد حكم على مدعم بكونه ليس من أهل الجنة ؛ لأن الشملة التي غلها من غنائم خيبر تشتعل عليه نارا .. نقول :

قد تقدم منا حين الحديث عن غنائم خيبر ، في فقرة الغلول في خيبر : أن أمثال هذه القضايا والأخبار تحتاج إلى مزيد من التأمل والتدقيق في صحتها ،

١٤

لأكثر من سبب ولا أقل من أنه أغراض بعض اصحاب المأرب الدنيئة حيث يتخذون منها وسلية للتستر ، وتبرير وتقليل من بشاعة وشناعة فعل المجترئين على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حيث اتهموه بأنه قد عل حتى احتاج إلى نزول الوحي في هذا .. فتأتي هذه الأباطيل لتقدم المبررات لشكوكهم والمسوغات ، لإطلاق تلك التهم الشنيعة .. والله هو العالم بالحقائق.

نوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صلاة الصبح :

روى مسلم ، وأبو داود عن أبي هريرة ، وأبو داود عن ابن مسعود ، وابن إسحاق عن سعيد بن المسيب ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، قالوا :

انصرف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من وادي القرى راجعا بعد أن فرغ من خيبر ووادي القرى ، فلما كان قريبا من المدينة سرى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليلته ، حتى إذا كان قبيل الصبح بقليل نزل وعرّس ، وقال : ألا رجل صالح حافظ لعينه ، يحفظ علينا الفجر ، لعلنا ننام؟

قال بلال : يا رسول الله ، أنا أحفظه عليك.

فنزل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقام بلال يصلي ما شاء الله أن يصلي. ثم استند إلى بعيره ، واستقبل الفجر يرقبه ، فغلبته عينه ، فنام ، فلم يستيقظ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٤٩ وج ٨ ص ١٦٠ ، وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٩ والبحار ج ٢١ ص ٤٢ وج ١٧ ص ١٢٠ وعن الكازروني في كتاب المنتقى ، وعن الموطأ ج ١ ص ١٣ وتنوير الحوالك ص ٣٣ والمحلى ج ١ ص ٦ وعن صحيح مسلم ج ٢ ص ١٣٨ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٢٢٧ و ٢٢٨ وسنن أبي داود ج ١ ـ

١٥

وفي بعض الروايات : أن الألسنة أخذت بلالا وكان أشدهم عليه أبو بكر.

وذكرت الروايات أيضا : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أول أصحابه هبّ ، فقال : «ما صنعت بنا يا بلال»؟

قال : يا رسول الله ، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك.

قال : «صدقت».

ثم اقتاد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعيره غير كثير ، ثم أناخ ، وأناخ الناس فتوضأ ، وتوضأ الناس ، وأمر بلالا فأقام الصلاة ، فلما فرغ ، قال : «إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها ، فإن الله عزوجل يقول : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (١)» (٢).

__________________

ص ١١٨ و ١١٩ حديث رقم (٤٣٥) والسنن الكبرى للبيهقي ج ٢ ص ٢١٧ وعن فتح الباري ج ١ ص ٣٨٠ وعون المعبود ج ٢ ص ٧٣ وشرح معاني الآثار ج ١ ص ٤٠٢ وصحيح ابن حبان ج ٥ ص ٤٢٣ وإرواء الغليل ج ١ ص ٢٩٢ والدر المنثور ج ٤ ص ٢٩٣ والكامل ج ٥ ص ٣٢٦ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٤٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤٠٣ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧١١ و ٧١٢ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ٧٧ وصحيح البخاري باب ٣٨٧ من أبواب مواقيت الصلاة أبواب.

(١) الآية ١٤ من سورة طه.

(٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٩ والبحار ج ٢١ ص ٤٢ عن المنتقى في مولد المصطفى للكازروني ، والثقات ج ٢ ص ٢٢ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٠٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣

١٦

وفي رواية : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» التفت إلى أبي بكر ، وقال له : إن الشيطان أتى بلالا ، وهو قائم يصلي ، فلم يزل يهدئه كما يهدئ الصبي حتى نام.

ثم دعا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بلالا ، فأخبر بلال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بمثل ما أخبر به «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أبا بكر.

فقال أبو بكر : أشهد أنك رسول الله (١).

وفي رواية : فاستيقظ القوم وقد فزعوا ، فأمرهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي ، وقال : هذا واد به شيطان ، فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي (٢).

ونقول :

إن ذلك لا يصح ، وقد تحدثنا عنه أكثر من مرة ، فإن هؤلاء القوم ما زالوا في المواطن المختلفة يذكرون هذا الأمر عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وقد قلنا : إن رواياتهم ظاهرة الاختلاف فيما بينها ..

__________________

ص ٣٥٥ وعن الموطأ ج ١ ص ١٥ وراجع : كتاب الأم ج ١ ص ٩٧ والمغازي ـ ـ للواقدي ج ٢ ص ٧١١ و ٧١٢ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ٧٧ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٢٢٧ و ٢٢٨ وسنن أبي داود ج ١ ص ١١٨ و ١١٩ وصحيح البخاري باب ٣٨٧ من أبواب مواقيت الصلاة.

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٩ وكتاب الموطأ ج ١ ص ١٥.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٩ و ٦٠ والموطأ ج ١ ص ١٤ وكتاب الأم ج ١ ص ٩٧ وراجع : السنن الكبرى للبيهقي ج ٢ ص ٤٤٩ والجامع لأحكام القرآن ج ١٠ ص ٤٨ والشفا بتعريف حقوق المصطفى ج ٢ ص ١٢١ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٤٦٠.

١٧

فهي تارة تقول : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان أول من استيقظ ، حسبما تقدم.

وأخرى تقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» استيقظ على كلام جرى بين أصحابه (١).

ومن جهة أخرى : فإنهم تارة يقولون : إن ذلك كان في حال رجوعه من الحديبية.

وأخرى : في مرجعه من حنين.

وثالثة : في مرجعه من تبوك.

ورابعة : في مرجعه من وادي القرى (٢).

ومن جهة ثالثة : فتارة يقولون : إن حارسهم كان بلالا كما تقدم.

وأخرى : ابن مسعود (٣).

وثالثة : أنه ذو مخبر (٤). وهو رجل حبشي كان يخدم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٥٥ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٢٢٦ وسنن أبي داود ج ١ ص ١١٨ و ١١٩ ونصب الراية ص ٢٨٢ و ٢٨٣.

(٢) راجع ما تقديم في المصادر التي ذكرناها في الهوامش المتقدمة بالإضافة إلى : تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٣٦٨ والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج ٥ ص ٤٢٣ ومجمع الزوائد ج ١ ص ٣١٨ و ٣٢٣ وسنن أبي داود ج ١ ص ١٢٢٢ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ١٠١٥.

(٣) نصب الراية ج ١ ص ٢٨٢ ومجمع الزوائد ج ١ ص ٣١٨ و ٣١٩.

(٤) مجمع الزوائد ج ١ ص ٣١٩ و ٣٢٠.

١٨

ورابعة : أنس (١).

وخامسة تقول : إنهم كانوا سبعة أشخاص ، وقد ناموا كلهم (٢).

وإن لا نستسيغ حتى احتمال حدوث هذه الواقعة ، فضلا عن تكرارها مرات كثيرة ، فإننا نبادر إلى القول : بأن ذلك كله يدل : على أن ثمة إصرارا قويا على نسبة هذا الأمر إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ومما يدلنا على عدم صحة هذه الترهات :

أولا : إذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد سرى في الناس في تلك الليلة ، فذلك يعني أن الجميع مرهقون ، وأنهم كلهم بحاجة إلى النوم ، فالطلب من أي واحد منهم أن يبقى مستيقظا يكون على خلاف ما يقتضيه الرفق ، بل فيه ترجيح من دون مرجح ظاهر ، إذ لماذا ينعم هؤلاء بالراحة ، والنوم الهادىء ، والأحلام اللذيذة ، ويبقى ذاك الآخر يغالب نفسه ليقهرها على مواصلة السهر ، ومعاناة التعب؟!

ثانيا : إن هذا النوم الذي يستغرق فيه جميع الجيش باستثناء شخص واحد ، وهو نوم يأتي بعد الضنى ، والتعب ، والسهر ، يفسح المجال لأي إنسان أو مجموعة شريرة للتسلل تحت جنح الظلام ؛ للسرقة أو للفتك بمن أرادوا

__________________

(١) سنن أبي داو باب من نام عن الصلاة ج ١ ص ١١٩.

(٢) مسند أحمد ج ٥ ص ٢٩٨ وصحيح مسلم ج ٢ ص ١٣٩ ومسند ابن الجعد ص ٤٥٠ وصحيح ابن خزيمة ج ٢ ص ٢١٤ واللمع في أسباب ورود الحديث للسيوطي ص ٣٧ والطبقات الكبرى ج ١ ص ١٨١ وتاريخ مدينة دمشق ص ٢٨ ص ٦٩ وج ٦٧ ص ١٤٤ والبداية والنهاية ج ٦ ص ١٠٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ٢٤٨ وسنن أبي داو باب من نام عن الصلاة ج ١ ص ١١٨ و ١١٩ ح ٤٣٧.

١٩

منهم ، حتى برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لا سيما إذا كان الحارس مشغولا بالصلاة ، ومتوجها إلى جهة واحدة ، ولا يراقب سائر الجهات ، وبالأخص إذا كان ذلك بالليل ، حيث الظلام يصد البصر في كل اتجاه ..

يضاف إلى ذلك : أنه إذا نام ألف وخمس مائة رجل ومعهم من الإبل والخيل المئات فإن المساحة التي يحتاجون إليها في نزولهم سوف تكون واسعة وشاسعة ، يصعب مراقبة حالها حتى في وسط النهار ، وحتى لو تشارك في هذا الأمر عدد من الرجال. فكيف إذا كان ذلك في الليل ، فإن حراسة هذا الجيش من أي مكروه يتعرض له تحتاج إلى عشرات الرجال ..

ثالثا : إننا لم نجد مبررا لأن يسري بهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» طوال الليل إلى قريب الصبح ، إذ ليس هناك من عدو يخشى أن يسبقه إلى جهة لا يريد أن يسبقه إليها ، ولا شيء يخشى فواته ، ليجهد نفسه ، ويجهدهم من أجل الوصول إليه ، والحصول عليه ..

رابعا : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إنما تنام عيناه ، ولا ينام قلبه (١). فكيف ينام عن صلاة الصبح؟! ..

خامسا : إن ما حصل لم يكن باختيار بلال ، فلماذا يلام عليه؟ ولماذا

__________________

(١) أرشد في كتاب المعجم المفهرس لألفاظ السنة النبوية إلى المصادر التالية : صحيح البخاري ، (التهجد) باب ١٦ (والتراويح) باب ١ (والمناقب) باب ٢٤ وصحيح مسلم (مسافرين) ١٢٥ وسنن أبي داود (طهارة) ٧٩ (تطوع) ٢٦ والجامع الصحيح (مواقيت) ٢٠٨ (فتن) ٦٣ وسنن النسائي (ليل) ٣٦ والموطأ (ليل) ٩ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٢٠ و ٢٧٨ وج ٢ ص ٢٥١ و ٤٣٨ وج ٥ ص ٤٠ و ٥٠ وج ٦ ص ٣٦ و ٧٣ و ١٠٤.

٢٠