الإكتفا - ج ١

أبي الربيع سليمان بن موسى بن سالم الحميري الكلاعي الأندلسي

الإكتفا - ج ١

المؤلف:

أبي الربيع سليمان بن موسى بن سالم الحميري الكلاعي الأندلسي


المحقق: محمّد عبدالقادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2943-0
ISBN الدورة:
2-7451-2943-0

الصفحات: ٦٣٠
الجزء ١ الجزء ٢

بقيع الغرقد ، وهو يومئذ أثل وطرفاء ، ثم انطلقوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلفوا فى رحلهم أحدثهم سنا ، فنام عنه ، وأتى سارق فسرق عيبة لأحدهم فيها أثواب له ، وانتهى القوم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلموا عليه وأقروا له بالإسلام ، وكتب لهم كتابا فيه شرائع الإسلام ، وقال لهم : «من خلفتم فى رحالكم؟» قالوا : أحدثنا يا رسول الله ، قال : «فإنه قد نام عن متاعكم حتى أتى آت فأخذ عيبة أحدكم» ، فقال أحد القوم : يا رسول الله ، ما لأحد من القوم عيبة غيرى. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد أخذت ، وردت إلى موضعها» فخرج القوم سراعا حتى أتوا رحلهم ، فوجدوا صاحبهم ، فسألوه عما خبرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : فزعت من نومى ففقدت العيبة ، فقمت فى طلبها ، فإذا رجل قد كان قاعدا ، فلما رآنى ثار يعدو منى ، فانتهيت إلى حيث انتهى ، فإذا أثر حفر ، وإذا هو قد غيب العيبة ، فاستخرجتها ، فقالوا : نشهد أنه رسول الله ، فإنه قد أخبرنا بأخذها ، وأنها قد ردت ، فرجعوا إلى النبيّ فأخبروه ، وجاء الغلام الذي خلفوه فأسلم.

وأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبى بن كعب (١) ، فعلمهم قرآنا ، وأجازهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما كان يجيز الوفود ، وانصرفوا.

وفد بنى الحارث بن كعب (٢)

قال ابن إسحاق (٣) : وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد فى شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر إلى بنى الحارث بن كعب بنجران ، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا ، فإن استجابوا فأقبل منهم ، وإن لم يفعلوا فقاتلهم ، فخرج خالد بن الوليد حتى قدم عليهم ، فبعث الركبان يضربون فى كل وجه ، ويدعون إلى الإسلام ، ويقولون : أيها الناس ، أسلموا تسلموا ، فأسلم الناس ، ودخلوا فيما دعوا إليه ،

__________________

(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٦) ، الإصابة الترجمة رقم (٣٢) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٣٤) ، طبقات خليفة (٨٨ ، ٨٩) ، تاريخ خليفة (١٦٧) ، الجرح والتعديل (٢ / ٢٩٠) ، حلية الأولياء (١ / ٢٥٠) ، شذرات الذهب (١ / ٣٢ ، ٣٣) ، تهذيب التهذيب (١ / ١٨٧) ، تهذيب الكمال (٧٠) ، خلاصة تذهيب الكمال (٢٤) ، طبقات القراء (١ / ٣١) ، تذكرة الحفاظ (١ / ١٦) ، العبر (١ / ٢٣) ، الاستبصار (٤٨).

(٢) راجع : المنتظم لابن الجوزى (٣ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠) ، طبقات ابن سعد (١ / ٢ / ٧٢) ، تاريخ الطبرى (٣ / ١٢٦) ، البداية والنهاية (٥ / ٨٨).

(٣) انظر : السيرة (٤ / ٢١٥ ـ ٢١٧).

٦٢١

فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه ، وبذلك كان أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن هم أسلموا ولم يقاتلوا. ثم كتب خالد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم ، لمحمد النبيّ رسول الله من خالد بن الوليد ، السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو : أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك فإنك بعثتنى إلى بنى الحارث بن كعب ، وأمرتنى إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام ، وأن أدعوهم إلى الإسلام ، فإن أسلموا قبلت منهم ، وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه ، وإن لم يسلموا قاتلهم ، وإنى قدمت عليهم ، فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام ، كما أمرنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعثت فيهم ركبانا ، فقالوا : يا بنى الحارث ، أسلموا تسلموا ، فأسلموا ولم يقاتلوا ، وأنا مقيم بين أظهرهم ، آمرهم بما أمرهم الله به ، وأنهاهم عن ما نهاهم الله عنه ، وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى يكتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

فكتب إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد النبيّ ، رسول الله إلى خالد بن الوليد ، سلام عليك ، فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد ، فإن كتابك جاءنى مع رسولك يخبر أن بنى الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم ، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام ، وشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن قد هداهم الله بهداه فبشرهم وأنذرهم وأقبل وليقبل معك وفدهم ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته».

فأقبل خالد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأقبل معه وفد بنى الحارث بن كعب ، منهم قيس بن الحصين (١) ذو الغصة ، ويزيد بن عبد المدان (٢) ، ويزيد بن المحجل ، وعبد الله بن قراد الزيادى (٣) ، وشداد بن عبد الله القنانى (٤) ، وعمرو بن عبد الله الضبابى (٥) ، فلما قدموا

__________________

(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢١٥٢) ، الإصابة الترجمة رقم (٧١٧٥) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٤٣٤٠) ، تجريد أسماء الصحابة (٢ / ١٩) ، الثقات (٣ / ٣٤١) ، الطبقات الكبرى (١ / ٢٦٨ ، ٣٣٩) ، الجرح والتعديل (٧ / ٩٥).

(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢٨١٦) ، الإصابة الترجمة رقم (٩٣٠٩) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٥٥٨٦).

(٣) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٦٥٣) وفيه : «عبد الله بن قريط الزيادى» ، الإصابة الترجمة رقم (٤٩١١) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٣١٢٩).

(٤) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١١٦٥) ، الإصابة الترجمة رقم (٣٨٧٣) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٢٣٩٧).

(٥) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٩٥٥) ، الإصابة الترجمة رقم (٥٩١١) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٣٩٧٨).

٦٢٢

على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرآهم قال : «من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند؟» يعنى فى الطول والسمرة قيل : يا رسول الله ، هؤلاء بنو الحارث بن كعب ، فلما وقفوا عليه سلموا ، وقالوا : نشهد أنك لرسول الله ، وأنه لا إله إلا الله ؛ قال : «وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله» ، ثم قال : «أنتم الذين إذا زجروا استقدموا» ، فسكتوا ، فلم يراجعه منهم أحد ، ثم أعادها الثانية ، فلم يراجعه منهم أحد ، ثم أعادها الثالثة ، فلم يراجعه منهم أحد ، ثم أعادها الرابعة ، فقال يزيد بن عبد المدان : نعم ، يا رسول الله ، نحن الذين إذا زجروا استقدموا ، قالها أربع مرات ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو أن خالدا لم يكتب إلى بأنكم أسلمتم ولم تقاتلوا لألقيت رءوسكم تحت أقدامكم». فقال يزيد بن عبد المدان : أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالدا ، قال : «فمن حمدتم؟» قالوا : حمدنا الله الذي هدانا بك يا رسول الله ، قال : «صدقتم» ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بم كنتم تغلبون من قاتلكم فى الجاهلية»؟ قالوا : لم نك نغلب أحدا ؛ قال : «بلى ، قد كنتم تغلبون من قاتلكم». قالوا : كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله ، إنا كنا نجتمع ولا نفترق ولا نبدأ أحدا بظلم ؛ قال : «صدقتم». وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بنى الحارث بن كعب قيس بن الحصين (١).

فرجع وفد بنى الحارث إلى قومهم فى بقية شوال أو فى صدر ذى القعدة ، فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر ، حتى توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث إليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم (٢) ، ليفقههم فى الدين ، ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام ، ويأخذ منهم صدقاتهم ، وكتب لهم كتابا

__________________

(١) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٥ / ٤١١ ، ٤١٢) ، الطبقات الكبرى لابن سعد (١ / ٣٣٩ ، ٣٤٠).

(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٩٢٩) ، الإصابة الترجمة رقم (٥٨٢٦) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٣٩٠٥) ، نسب قريش (٢٣٣) ، طبقات خليفة (٢٠) ، التاريخ الكبير (٦ / ٣٠٥) ، تاريخ الثقات للعجلى (٣٦٣) ، المعرفة والتاريخ (١ / ٣٢٣) ، أنساب الأشراف (١ / ٢٢٨) ، مشاهير علماء الأمصار الترجمة رقم (٢٨٦) ، مروج الذهب (١٨٩٦) ، الجرح والتعديل (٦ / ٢٢٦) ، سير أعلام النبلاء (٣ / ٤١٧) ، العقد الثمين (٦ / ٣٦٨) ، تهذيب التهذيب (٨ / ١٧) ، تقريب التهذيب (٢ / ٦٧) ، تذهيب التهذيب (٢٤٤) ، تاريخ الإسلام (٢ / ٤٩٢) ، شذرات الذهب (١ / ٩٥).

٦٢٣

عهد إليه فيه عهده ، وأمره فيه أمره :

«بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا بيان من الله ورسوله ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة : ١] ، عهد من محمد النبيّ رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمرو بن حزم ، حين بعثه إلى اليمن ، أمره بتقوى الله فى أمره كله ، فإن الله مع الذين اتقوا. والذين هم محسنون ، وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله ، وأن يبشر الناس بالخير ، ويأمرهم به ، ويعلم الناس القرآن ويفقههم فيه ، وينهى الناس ، فلا يمس القرآن إنسان إلا وهو طاهر ، ويخبر الناس بالذى لهم ، والذي عليهم ، ويلين للناس فى الحق ، ويشتد عليهم فى الظلم ، فإن الله كره الظلم ونهى عنه ، فقال : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ، ويبشر الناس بالجنة وبعملها ، وينذر الناس النار وعملها ، ويتألف الناس حتى يفقهوا فى الدين ، ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه ، وما أمر الله به ، والحج الأكبر ، والحج الأصغر هو العمرة وينهى الناس أن يصلى أحد فى ثوب واحد صغير ، إلا أن يكون ثوبا يثنى طرفيه على عاتقيه ، وينهى أن يجتبى أحد فى ثوب واحد يفضى بفرجه إلى السماء ، وينهى أن لا يعقص أحد شعر رأسه فى قفاه ، وينهى إذا كان بين الناس هيج عن الدعاء إلى القبائل والعشائر ، ولتكن دعواهم إلى الله وحده لا شريك له. فمن لم يدع إلى الله ، ودعا إلى القبائل والعشائر فليقطفوا بالسيف ، حتى تكون دعواهم إلى الله وحده لا شريك له ، ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى الكعبين ، ويمسحوا برءوسهم كما أمرهم الله ، وأمر بالصلاة لوقتها وإتمام الركوع والسجود يغلس بالصبح ، ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس ، وصلاة العصر والشمس فى الأرض مدبرة ، والمغرب حين يقبل الليل ، لا تؤخر حتى تبدو النجوم فى السماء ، والعشاء أول الليل ، وأمره بالسعى إلى الجمعة إذا نودى لها ، والغسل عند الرواح إليها ، وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله ، وما كتب على المؤمنين فى الصدقة من العقار عشر ما سقت السماء وسقت العين ، وعلى ما سقى الغرب نصف العشر ، وفى كل عشر من الإبل شاتان ، وفى كل عشرين أربع شاة ، وفى كل أربعين من البقر بقرة ، وفى كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة ، وفى كل أربعين من الغنم سائمة وحدها ، شاة ، فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين فى الصدقة ، فمن زاد خيرا فهو خير له ، وإنه من أسلم من يهودى أو نصرانى إسلاما خالصا من نفسه ، ودان بدين الإسلام ، فإنه من المؤمنين ، له مثل ما لهم ، وعليه مثل ما عليهم ، ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يرد عنها أى لا يفتن وعلى كل حالم : ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، دينار واف أو عوضه ثيابا.

٦٢٤

فمن أدى ذلك ، فإن له ذمة الله وذمة رسوله ومن منع ذلك ، فإنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين جميعا ، صلوات الله على محمد ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته» (١).

وفد بنى حنيفة (٢)

وقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفد بنى حنيفة ، فيهم مسيلمة بن حبيب الحنفى الكذاب.

قال ابن إسحاق (٣) : فحدثنى بعض علمائنا من أهل المدينة : أن بنى حنيفة أتت به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تستره بالثياب ، ورسول الله جالس فى أصحابه ، معه عسيب من سعف النخل ، فى رأسه خوصات ؛ فلما انتهى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم يسترونه بالثياب ، كلمه وسأله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو سألتنى هذا العسيب ما أعطيتكه» (٤).

قال : وقد حدثني شيخ من بنى حنيفة من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا.

زعم أن وفد بنى حنيفة اتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلفوا مسيلمة فى رحالهم ، فلما أسلموا ذكروا مكانه ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد خلفنا صاحبا لنا فى رحالنا أو فى ركابنا يحفظها لنا ، قال : فأمر له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمثل ما أمر به للقوم ، وقال : «أما إنه ليس بشركم مكانا» أى لحفظه ضيعة أصحابه ذلك الذي يريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥).

قال : ثم انصرفوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجاءوه بما أعطاه ، فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم ، وقال : إنى قد أشركت فى الأمر معه ، وقال لوفده الذين كانوا معه : ألم يقل لكم حين ذكرتمونى له : «أما إنه ليس بشركم مكانا»؟ ما ذاك إلا لما كان يعلم إنى قد أشركت فى الأمر معه ؛ ثم جعل يسجع لهم ، ويقول فيما يقول مضاهاة للقرآن : لقد أنعم الله على الحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشى ، وأحل لهم الخمر والزنا ، ووضع عنهم الصلاة ، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله

__________________

(١) انظر الحديث فى : سنن النسائى (٨ / ٤٨٦٨) ، مستدرك الحاكم (١ / ٣٩٧) ، السنن الكبرى للبيهقى (٨ / ٧٣ ، ١٠٠).

(٢) راجع : المنتظم لابن الجوزى (٣ / ٣٨٢) ، البداية والنهاية لابن كثير (٥ / ٤٥) ، تاريخ الطبرى (٣ / ١٣٧).

(٣) انظر : السيرة (٤ / ٢٠١ ـ ٢٠٣).

(٤) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٥ / ٣٥٠) ، صحيح البخاري (٧ / ٤٣٧٣).

(٥) انظر الحديث فى : فتح البارى لابن حجر (٧ / ٦٩١) ، الطبقات الكبرى لابن سعد (١ / ٣١٧).

٦٢٥

صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه نبى ، فأصفقت معه حنيفة على ذلك. فالله أعلم أى ذلك كان (١).

وذكر الواقدى إنه قدم فى وفد بنى حنيفة الرحال بن عنفوة ، وأنه كان أيام مقام الوفد يختلف إلى أبى كعب ، يتعلم القرآن وشرائع الإسلام ، حتى كان الرحال عندهم أفضل من كان وفد عليهم لما يرون من حرصه ، فلما تنبأ مسيلمة بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم له الرحال بن عنفوة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشركه فى الأمر ، فافتتن الناس.

وفد همدان

قال ابن هشام (٢) : وقدم وفد همدان على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم مالك بن نمط ، وأبو ثور ، وهو ذو المشعار ، ومالك بن أيفع ، وضمام بن مالك السلمانى ، وعميرة ابن مالك الخارقى ، فلقوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرجعه من تبوك ، وعليهم مقطعات الحبرات ، والعمائم العدنية ، برحال الميس على المهرية والأرحبية ، ومالك بن نمط ورجل آخر يرتجزان بالقوم ، يقول أحدهما :

همدان خير سوقة وأقيال

ليس لها فى العالمين أمثال (٣)

محلها الهضب ومنها الأبطال

لها إطابات وآكال (٤)

ويقول الآخر :

إليك جاوزن سواد الريف

فى هبوات الصيف والخريف

مخطمات بحبال الليف (٥)

فقام مالك بن نمط (٦) بين يديه ، ثم قال : يا رسول الله ، نصيّة من همدان ، من كل حاضر وباد ، أتوك على قلص نواج ، متصلة بحبائل الإسلام ، لا تأخذهم فى الله لومة لائم ، من مخلاف خارف ، ويام وشاكر ، أهل السواد والقود ، أجابوا دعوة الرسول

__________________

(١) انظر : السيرة (٤ / ٢٠٢).

(٢) انظر : السيرة (٤ / ٢٢٠).

(٣) السوقة : الذين دون الملوك من الناس ، الأقيال : هم الذين يلون الملك فى المنزلة.

(٤) الهضب : الأمكنة المرتفعة ، واحدها هضبة. الأطابات : الأموال الطيبة.

(٥) انظر الأبيات فى : السيرة (٤ / ٢٠٢).

(٦) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢٢٣٨) ، الإصابة الترجمة رقم (٧٧١٠) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٤٦٥١).

٦٢٦

وفارقوا آلهات الأنصاب ، عهدهم لا ينقض ما أقامت لعلع ، وما جرى اليعفور بصلع.

فكتب لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتابا فيه : «بسم الله الرحمن الرحيم ، كتاب من رسول الله لمخلاف خارف ، وأهل جناب الهضب ، وخقاف الرمل ، مع وافدها ذى المشعار مالك بن نمط ، ومن أسلم من قومه ، على أن لهم فراعها ووهاطها ، ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ، يأكلون علافها ، ويرعون عافيها ، لهم بذلك عهد الله وذمام رسوله ، وشاهدهم المهاجرون والأنصار» (١).

فقال فى ذلك مالك بن نمط (٢) :

ذكرت رسول الله فى فحمة الدجى

ونحن بأعلى رحرحان وصلدد

وهن بنا خوض طلائع تغتلى

بركبانها فى لا حب متمدد

على كل فتلاء الذراعين جسرة

تمر بنا مرا لهجف الخفيدد

حلفت برب الراقصات إلى منى

صوادى بالركبان من ظهر قردد

بأن رسول الله فينا مصدق

رسول أتى من عند ذى العرش مهتد

فما حملت من ناقة فوق رحلها

أشد على أعدائه من محمد

وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه

وأمضى بحد المشرفى المهند

وفد النخع

قال الواقدى : وقدم على رسول الله وفد النخع ، وهم آخر وفد ، قدموا للنصف من المحرم سنة إحدى عشرة من الهجرة ، فى مائتى رجل ، فنزلوا دار الأضياف ، ثم جاءوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقرين بالإسلام ، وقد كانوا بايعوا معاذ ابن جبل باليمن. فقال رجل منهم ، يقال له زرارة بن عمرو (٣) : يا رسول الله إنى رأيت فى سفرى هذا عجبا ، قال : «وما رأيت»؟ قال : رأيت أتانا تركتها فى الحى كأنها ولدت جديا أسفع أحوى ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل تركت أمة لك مصرة على حمل»؟ قال : نعم ، قال : «فإنها قد

__________________

(١) ذكره ابن الأثير فى أسد الغابة (٥ / ٥١ ، ٥٢) ، ابن حجر فى الإصابة (٦ / ٣٦).

(٢) انظر الأبيات فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢٣٢٨) ، الإصابة الترجمة رقم (٧٧١٠) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٤٦٥١) ، السيرة (٤ / ٢٢١ ـ ٢٢٢).

(٣) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٨١٤) ، الإصابة الترجمة رقم (٢٨٠٢) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٧٣٩) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٨٩) ، الثقات (٣ / ١٤٣) ، الوافى بالوفيات (١٤ / ١٩٢) ، الجرح والتعديل (٣ / ٢٧٢٤).

٦٢٧

ولدت غلاما وهو ابنك» ، قال : يا رسول الله ، فما باله أسفع أحوى؟ قال : «ادن منى». فدنا منه ، فقال : «هل بك من برص تكتمه؟» قال : والذي بعثك بالحق ، ما علم به أحد ، ولا اطلع عليه غيرك. قال : «فهو ذلك». قال : يا رسول الله ورأيت النعمان بن المنذر عليه قرطان ودملجان ومسكتان. قال : «ذلك ملك العرب رجع إلى أحسن زيه وبهجته». قال : يا رسول الله ، ورأيت عجوزا شمطاء ، خرجت من الأرض. قال : «تلك بقية الدنيا». قال : ورأيت نارا خرجت من الأرض فحالت بينى وبين ابن لى يقال له : عمرو ، وهى تقول : لظى لظى ، بصير وأعمى ، أطعمونى آكلكم (آكلكم) : أهلكم ومالكم. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تلك فتنة تكون فى آخر الزمان». قال : يا رسول الله ، وما الفتنة؟ قال : «يقتل الناس إمامهم ، ويشتجرون اشتجار أطباق الرأس وخالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصابعه يحسب المسيء فيها أنه محسن ، ويكون دم المؤمن أحل من شرب الماء ، إن مات ابنك أدركت الفتنة ، وإن مت أنت أدركها ابنك».

قال : يا رسول الله ، ادع الله أن لا أدركها. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم لا يدركها». فمات وبقى ابنه ، وكان ممن خلع عثمان (١).

وهذا الذي تيسر لنا ذكره من شأن الوفود ، وهم أكثر من هذا ، ومعظم من ذكرنا إنما هو من كتاب الواقدى مع من ذكره ابن إسحاق منهم.

انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثانى

وأوله «بعث رسول الله إلى الملوك وكتابه إليهم»

__________________

(١) انظر الحديث فى : طبقات ابن سعد (٥ / ٣٨٨) ، الاستيعاب الترجمة رقم (٨١٤).

٦٢٨

فهرس محتويات الجزء الأول

مقدمة التحقيق

أ

عمه أبى طالب

٢٤٦

مقدمة المصنف

٣

ذكر عرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسه على قبائل العرب

٢٤٩

ذكر نسب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما

٧

بدء إسلام الأنصار وذكر العقبة الأولى

٢٥٨

ذكر أولية بيت الله المحرم وركنه المستلم ومن تولى بناءه من ملائكته وأنبيائه صلى الله على جميعهم وسلم

٣٠

إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير على يدى مصعب بن عمير رضى الله عنه

٢٦١

ذكر دخول الحبشة أرض اليمن واستيلائهم على ملكها وذكر السبب فى ذلك مع ما يتصل به من أمر الفيل

٨٣

ذكر العقبة الثانية

٢٦٤

ذكر حفر عبد المطلب زمزم وما يتصل بذلك من حديث مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

١٠٠

بدء الهجرة إلى المدينة

٢٧٢

ذكر بنيان قريش الكعبة مع ذكر ما أحدثوه فى المناسك

١٣٠

ذكر الحديث عن خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٢٨١

ذكر ما حفظ عن الأحبار والرهبان والكهان من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل مبعثه سوى ما تقدم من ذلك مع ذكر شيء مما سمع من ذلك عند الأصنام أو هتفت به الهواتف

١٣٥

وأبى بكر الصديق رضى الله عنه مهاجرين إلى المدينة

٢٨١

ذكر المبعث

١٦٣

شروع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حرب المشركين وذكر مغازيه التي أعز الله بها الإيمان والمؤمنين

٣١٧

ذكر إسلام حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه

١٨٥

غزوة بدر الكبرى

٣٢٤

ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة

١٩٦

أمر بنى قينقاع

٣٦٥

ذكر الحديث عن إسلام عمر بن الخطاب

٢٠٥

سرية زيد بن حارثة

٣٦٦

ذكر الحديث عن مسرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٢٣٣

مقتل كعب بن الأشرف

٣٦٧

ذكر خروج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الطائف بعد مهلك

غزوة أحد

٣٧٠

غدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٤٠٤

غزوة بئر معونة

٤٠٨

ذكر غزوة بنى النضير والسبب الذي هاج الخروج إليهم

٤١٠

غزوة ذات الرقاع

٤١٤

٦٢٩

غزوة الخندق

٤١٩

وفد فروة بن مسيك المرادى

٥٩٦

مقتل سلام بن أبى الحقيق

٤٤٤

وفد زبيد عمرو بن معدى كرب

٥٩٨

ذكر إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد رضى الله عنهما

٤٤٦

وفد بنى ثعلبة

٥٩٩

غزوة بنى لحيان

٤٤٨

وفد بنى سعد هذيم

٦٠٠

غارة عيينة بن حصن على سرح المدينة وخروج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى أثره ، وهى غزوة ذى قرد

٤٤٩

وفد بنى فزارة

٦٠١

غزوة بنى المصطلق وهى غزوة المريسيع

٤٥٤

وفد بنى أسد

٦٠٢

غزوة الحديبية

٤٦٤

وفد بهراء

٦٠٣

غزوة خيبر

٤٧٧

وفد بنى غدرة

٦٠٣

عمرة القضاء

٤٩٠

وفد بلى

٦٠٤

وهى غزوة الأمن

٤٩٠

ضمام بن ثعلبة

٦٠٥

غزوة مؤتة من أرض الشام

٤٩٢

وفد عبد القيس

٦٠٧

غزوة الفتح

٤٩٨

وفد بنى مرة

٦٠٨

غزوة حنين

٥١٨

وفد خولان

٦٠٩

غزوة الطائف

٥٣١

وفد محارب

٦١٠

غزوة تبوك

٥٤٧

وفد طىء

٦١١

ذكر إسلام ثقيف

٥٦١

وفد كندة

٦١٤

ذكر حج أبى بكر الصديق رضى الله عنه بالناس سنة تسع وتوجيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بن أبى طالب بعده بسورة براءة

٥٦٨

وفد صداء

٦١٥

السرايا

٥٦٩

وفد غسان

٦١٧

ذكر الوفود على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ملخصا من كتاب ابن إسحاق والواقدى وغيرهما

٥٨٩

وفد سلامان

٦١٨

وفد بنى تميم

٥٩٠

وفد بنى عبس

٦١٩

وفد بنى عامر

٥٩٣

وفد الأزد ووفد جرش

٦١٩

وفد تجيب

٥٩٥

وفد غامد

٦٢٠

وفد بني الحارث بن كعب

٦٢١

وفد بني حنيفة

٦٢٥

وفد همدان

٦٢٦

وفد النخع

٦٢٧

الفهرس

٦٢٩

٦٣٠