الإكتفا - ج ١

أبي الربيع سليمان بن موسى بن سالم الحميري الكلاعي الأندلسي

الإكتفا - ج ١

المؤلف:

أبي الربيع سليمان بن موسى بن سالم الحميري الكلاعي الأندلسي


المحقق: محمّد عبدالقادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2943-0
ISBN الدورة:
2-7451-2943-0

الصفحات: ٦٣٠
الجزء ١ الجزء ٢

وأذن الله تبارك وتعالى ، عند ذلك لنبيه فى الهجرة.

ذكر الحديث عن خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وأبى بكر الصديق رضى الله عنه مهاجرين إلى المدينة

حدث (١) عروة بن الزبير ، عن عائشة رضى الله عنها قالت : كان لا يخطئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يأتى بيت أبى بكر أحد طرفى النهار ، إما بكرة وإما عشية ، حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله فى الهجرة والخروج من مكة من بين ظهرانى قومه ، أتانا بالهاجرة فى ساعة كان لا يأتى فيها ، قالت : فلما رآه أبو بكر قال : ما جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الساعة إلا من حدث.

فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره ، فجلس عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وليس عند أبى بكر إلا أنا وأختى أسماء ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أخرج عنى من عندك. فقال : يا نبى الله ، إنما هما ابنتاى ، وما ذاك فداك أبى وأمى؟.

فقال : «إن الله قد أذن لى فى الخروج والهجرة». فقال أبو بكر : الصحبة يا رسول الله ، قال : «الصحبة». قالت : فو الله ما شعرت قط قبل ذلك أن أحدا يبكى من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكى يومئذ!.

ثم قال : يا نبى الله ، إن هاتين الراحلتين قد كنت أعددتهما لهذا. وكان أبو بكر رجلا ذا مال ، فكان حين استأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الهجرة ، فقال له : «لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا» ، قد طمع بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما يعنى نفسه ، فابتاع راحلتين ، فحبسهما فى داره يعلفهما إعدادا لذلك.

واستأجر عبد الله بن أريقط رجلا من بنى الديل بن بكر وكان مشركا ، يدلهما الطريق ، ودفعا إليه راحلتيهما فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما.

قال ابن إسحاق (٢) : ولم يعلم بخروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين خرج أحد ، إلا على بن أبى طالب ، وأبو بكر الصديق ، وآل أبى بكر. أما على فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبره بخروجه ، وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الودائع التي كانت

__________________

(١) انظر : السيرة (٢ / ٩١).

(٢) انظر : السيرة (٢ / ٩٢).

٢٨١

عنده للناس ، ولم يكن بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته.

فلما أجمع عليه‌السلام الخروج أتى أبا بكر فخرجا من خوخة (١) لأبى بكر فى ظهر بيته ، ثم عمدا إلى غار بثور ، جبل بأسفل مكة ، فدخلاه.

وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهارا ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون فى ذلك اليوم من الخبر ، فكان يفعل ذلك ، وأمر عامر بن فهيرة (٢) مولاه أن يرعى غنمه نهاره ، ثم يريحها عليهما إذا أمسى فى الغار ، فكان عامر يرعى رعيان أهل مكة فإذا أمسى أراح عليهما ، فاحتلبا وذبحا ، فإذا غدا عبد الله بن أبى بكر من عندهما إلى مكة ، تبع عامر أثره بالغنم حتى يعفى عليه ، وكانت أسماء بنت أبى بكر تأتيهما من الطعام بما يصلحهما.

وذكر ابن هشام (٣) عن الحسن بن أبى الحسن قال : انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا فدخل أبو بكر قبله فلمس الغار لينظر فيه سبع أو حية ، يقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنفسه (٤).

ولما فقدت قريش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طلبوه بمكة أعلاها وأسفلها ، وبعثوا القافة يتبعون أثره فى كل وجه ، فوجد الذي ذهب قبل ثور أثره هناك ، فلم يزل يتبعه حتى انقطع له لما انتهى إلى ثور. وشق على قريش خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنهم ، وجزعوا لذلك ، فطفقوا يطلبونه بأنفسهم فيما قرب منهم ، ويرسلون من يطلبه فيما بعد عنهم ، وجعلوا مائة ناقة لمن رده عليهم ، ولما انتهوا إلى فم الغار ، وقد كانت العنكبوت ضربت على بابه بعشاش بعضها على بعض ، بعد أن دخله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما ذكروا ، قال قائل منهم : ادخلوا الغار ، فقال أمية بن خلف : وما أربكم إلى الغار؟ إن عليه لعنكبوتا أقدم من ميلاد محمد!.

__________________

(١) خوخة : هى الكوة فى الجدار تؤدى الضوء ، وقيل : هى باب صغير كالنافذة الكبيرة تكون بين بيتين ينصب عليها باب. انظر : اللسان (مادة خوخ).

(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٣٤٦) ، الإصابة الترجمة رقم (٤٤٣٣) ، تلقيح المقال (٢ / ٦٠٥٩).

(٣) انظر : السيرة (٢ / ٩٢ ـ ٩٣).

(٤) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ١٨٠) ، فتح البارى لابن حجر (٧ / ٢٧٩).

٢٨٢

قالوا : فنهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ عن قتل العنكبوت ، وقال : «إنها جند من جنود الله»(١).

وخرج أبو بكر البزار فى مسنده من حديث أبى مصعب المكى ، قال : أدركت زيد ابن أرقم ، والمغيرة بن شعبة ، وأنس بن مالك ، يحدثون : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما كان ليلة بات فى الغار ، أمر الله تبارك وتعالى شجرة فنبتت فى وجه الغار فسترت وجه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمر الله العنكبوت فنسجت على وجه الغار ، وأمر الله عزوجل ، حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار ، وأتى المشركون من كل بطن حتى إذا كانوا من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قدر أربعين ذراعا ، معهم قسيهم وعصيهم ، تقدم رجل منهم فنظر فرأى الحمامتين ، فرجع فقال لأصحابه : ليس فى الغار شيء ، رأيت حمامتين على فم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد.

فسمع قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعرف أن الله قد درأ بهما عنه ، فشمت عليهما وفرض جزاءهما ، واتخذت فى حرم الله ففرخن. أحسبه قال : فأصل كل حمام فى الحرم من فراخهما.

وذكر قاسم بن ثابت فيما تولى شرحه من الحديث أن الله أنبت الراءة على باب الغار لما دخله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبو بكر رضى الله عنه ، قال : وهى شجرة معروفة. قال غيره : تكون مثل قامة الإنسان ، ولها زهر أبيض تحشى به المخاد للينه وخفته.

وحكى الواقدى : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دخل الغار ، دعا بشجرة كانت أمام الغار ، فأقبلت حتى وقفت على باب الغار ، فحجبت أعين الكفار وهم يطوفون فى الجبل.

وقال أبو بكر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ : يا رسول الله ، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه. فقال : «يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما!» (٢).

وأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر معه فى الغار ثلاثا ، حتى إذا مضت الثلاثة وسكن عنهما الناس ، أتاهما صاحبهما الذي استأجرا ببعيريهما ، وأتتهما أسماء بنت أبى بكر بسفرتهما ، ونسيت أن تجعل لها عصاما (٣) ، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس

__________________

(١) ذكره السيوطى فى الدر المنثور (٣ / ٢٤٠).

(٢) انظر الحديث فى : سنن الترمذى (٣٠٩٦) ، مسند الإمام أحمد (١ / ٤) ، طبقات ابن سعد (٣ / ١ / ١٢٣) ، الدر المنثور للسيوطى (٣ / ٢٤٢) ، كنز العمال للمتقى الهندى (٣٢٦١٤ ، ٣٢٥٦٨) ، شرح السنة للبغوى (١٣ / ٣٦٦) ، إتحاف السادة المتقين للزبيدى (٧ / ٦٨ ، ١١١) ، مشكاة المصابيح للتبريزى (٥٨٦٨).

(٣) العصام : الحبل أو شبهه يشد على فم المزادة ونحوها ليحفظ باقيها أو تعلق منها فى وتد.

٢٨٣

فيها عصام ، فتحل نطاقها فتجعله عصاما ، ثم تعلقها به ، فكان يقال لها : ذات النطاق لذلك فيما ذكر ابن إسحاق (١).

وأما ابن هشام (٢) فذكر أنها إنما يقال لها : ذات النطاقين ، وهو المشهور عنها رضى الله عنها ، وذكر أنه سمع غير واحد من أهل العلم يفسره بأنها شقت نطاقها باثنين ، فعلقت السفرة بواحد وانتطقت بالآخر.

قال ابن إسحاق : فلما قرب أبو بكر الراحلتين إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدم له أفضلهما ، ثم قال : اركب فداك أبى وأمى. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنى لا أركب بعيرا ليس لى. قال : فهى لك يا رسول الله بأبى أنت وأمى. قالا : لا ، ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به؟ قال : كذا وكذا. قال : قد أخذتها بذلك. فركبا وانطلقا ، وأردف أبو بكر خلفه مولاه عامر بن فهيرة ليخدمهما فى الطريق (٣).

قال (٤) : فحدثت عن أسماء بنت أبى بكر قالت : لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل ، فقالوا : أين أبوك يا ابنة أبى بكر؟ قلت : لا أدرى والله. فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا فلطم خدى لطمة طرح منها قرطى ، ثم انصرفوا فمكثنا ثلاث ليال ما ندرى أين وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب ، وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه ، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول :

جزى الله رب الناس خير جزائه

رفيقين حلا خيمتى أم معبد

هما نزلا بالبر ثم تروحا

فأفلح من أمسى رفيق محمد

ليهن بنى كعب مكان فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

قالت أسماء : فلما سمعنا قوله عرفنا حيث وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأن وجهه إلى المدينة(٥).

__________________

(١) انظر : السيرة (٢ / ٩٣).

(٢) انظر : السيرة (٢ / ٩٣ ـ ٩٤).

(٣) انظر الحديث فى : صحيح البخاري كتاب الإجارة (٢٢٦٣) ، مسند الإمام أحمد (٦ / ٤٧٣ ، ٤٧٥).

(٤) انظر : السيرة (٢ / ٩٤).

(٥) انظر الحديث فى : الحاكم فى المستدرك (٣ / ٩ ، ١٠) ، ابن كثير فى البداية والنهاية (٣ / ١٩٢ ـ ١٩٤).

٢٨٤

وعن غير ابن إسحاق وهو عندنا بالإسناد من طرق ، أن أم معبد هذه امرأة من بنى كعب من خزاعة ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر ومولاة عامر بن فهيرة ودليلهما الليثى عبد الله بن الأريقط مروا على خيمتى أم معبد الخزاعية (١) وكانت امرأة برزة جلدة تحتبى بفناء القبة ثم تسقى وتطعم ، فسألوها لحما وتمرا ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، وكان القوم مرملين مسنتين ، فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى شاة فى كسر الخيمة فقال : «ما هذه الشاة يا أم معبد؟» قالت : شاة خلفها الجهد عن المغنم. قال : «هل بها من لبن؟» قالت : هى أجهد من ذلك. قال : «أتأذنين أن أحلبها؟» قالت : نعم ، بأبى أنت وأمى إن رأيت بها حلبا فاحلبها ، فدعا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمسح بيده ضرعها وسمى الله ودعا لها فى شاتها فتفاجت عليه ودرت واجترت ، ودعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء ، ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم ، ثم أراضوا ، ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء حتى ملأ الإناء ، ثم غادره عندها وبايعها وارتحلوا عنها.

فقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد (٢) يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزلا ضخامهن قليل ، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال : من أين لك هذا اللبن يا أم معبد ؛ والشاء عازب حيال ولا حلوب فى البيت؟ قالت : لا والله ، إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا. قال : صفيه لى يا أم معبد : قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم يعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم فى عينيه دعج وفى وعج وفى أشفاره غطف وفى عنقه سطع وفى صوته صحل وفى لحيته كثافة ، أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل وأبهاه من بعيد وأحسنه وأجمله من قريب ، حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ، ربعة لا يائس من طول ولا تقتحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا لقوله وإن أمر تبادروا لأمره محفود محشود لا عابس ولا مفند.

__________________

(١) هى : عاتكة بنت خالد بن منقذ بن ربيعة ، أم معبد الخزاعية ، ويقال : عاتكة بنت خالد بن مهاجرا. انظر ترجمتها فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٣٤٥٧) ، الإصابة الترجمة رقم (١١٤٥١) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٧٠٨٦).

(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٣٢٠٩) ، الإصابة الترجمة رقم (١٠٥٥١) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٦٢٦٢).

٢٨٥

قال أبو معبد : هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا (١). وأصبح صوت بمكة عال يسمعون الصوت بمكة علا يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه ، وهو يقول :

جزى الله رب الناس خير جزائه

رفيقين قالا خيمتى أم معبد

هما نزلاها بالهدى فاهتدت به

فقد فاز من أمسى رفيق محمد

فيا لقصى ما زوى الله عنكم

به من فعال لا تجارى وسؤدد

ليهن بنى كعب مقام فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها

فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلبت

له بصريح ضرة الشاة مزبد

فغادرها رهنا لديها لحالب

يرددها فى مصدر ثم مورد

فلما سمع بذلك حسان بن ثابت جعل يجاوب الهاتف ويقول :

لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم

وقدس من يسرى إليهم ويغتدى

ترحل عن قوم فضلت عقولهم

وحل على قوم بنور مجدد

هداهم به بعد الضلالة ربهم

وأرشدهم من يتبع الحق يرشد

وهل يستوى ضلال قوم تسكعوا

عمى وهداة يهتدى بمهتدى

لقد نزلت منهم على أهل يثرب

ركاب هدى حلت عليهم بأسعد

نبى يرى ما لا يرى الناس حوله

ويتلو كتاب الله فى كل مسجد

وإن قال فى يوم مقالة غائب

فتصديقها فى اليوم أو فى ضحى الغد

ليهن أبا بكر سعادة جده

بصحبته من يسعد الله يسعد

وذكر أبو منصور محمد بن سعد الماوردى بإسناد له إلى قيس بن النعمان قال : لما انطلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر معه يستخفيان فى الغار فمرا بعبد يرعى غنما فاستسقياه من اللبن فقال : والله ما لى شاة تحلب ، غير أن هاهنا عناقا حملت أول الشاء. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ائتنا بها». فدعا لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبركة ثم حلب عسا فسقى أبا بكر ، ثم حلب آخر فسقى الراعى ، ثم حلب فشرب.

فقال العبد : من أنت؟ فو الله ما رأيت مثلك قط! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتراك إن

__________________

(١) انظر الحديث فى : طبقات ابن سعد (١ / ١ / ١٥٥) ، دلائل النبوة للبيهقى (١ / ٢٧٨) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦ / ٥٦) ، إتحاف السادة المتقين للزبيدى (٧ / ١٥٩ ، ١٨٦) ، مشكاة المصابيح للتبريزى (٥٩٤٣) ، كنز العمال للمتقى الهندى (٤٦٣٠٠).

٢٨٦

حدثتك تكتم على؟» قال : نعم ، قال : «فإنى محمد رسول الله». قال : أنت الذي تزعم قريش أنك صابئ؟ قال : «إنهم ليقولون ذلك».

قال العبد : فإنى أشهد أنك رسول الله ، وأن ما جئت به الحق ، وأنه ليس يفعل فعلك إلا نبى ، ثم قال العبد : أتبعك؟ قال : «لا ، حتى تسمع بنا أنا قد ظهرنا» (١).

وخرج البرقانى فى مصافحته من حديث البراء بن عازب (٢) رضى الله عنهما ، وأورده الإمامان البخاري ومسلم فى صحيحيهما من حديثه قال : اشترى أبو بكر رضى الله عنه ، من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما ، فقال أبو بكر لعازب : مر البراء أن يحمله إلى أهلى. فقال له عازب : حتى تحدثنى كيف صنعت أنت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين خرجتما من مكة والمشركون يطلبونكم.

قال : ارتحلنا من مكة فأحثثنا يومنا وليلتنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة ، فرميت ببصرى هل أرى من ظل نأوى إليه ، فإذا أنا بصخرة فانتهيت إليها فإذا بقية ظل لها ، فنظرت بقية ظلها فسويته وفرشت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فروة وقلت : اضطجع يا رسول الله ، فاضطجع ، ثم ذهبت أنظر ما حوله هل أرى من الطلب أحدا ، فإذا أنا براعى غنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي أريد ، يعنى الظل. فسألته فقلت : لمن أنت يا غلام؟ قال : فلان ، رجل من قريش سماه ، فعرفته ، فقلت : هل فى غنمك من لبن؟ قال : نعم ، قلت : هل أنت حالب لى؟ قال : نعم ، فاعتقل شاة من غنمه فأمرته أن ينفض ضرعها من الغبار ، ثم أمرته أن ينفض كفيه ، فقال هكذا ، فضرب إحدى يديه على الأخرى فحلب لى كثبة من لبن وقد رويت معى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إداوة على فمها خرقة ، فصببت على اللبن حتى برد أسفله ، فانتهيت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد استيقظ ، قلت : يا رسول الله اشرب ، فشرب حتى رضيت ، وقلت : قد آن الرحيل يا رسول الله ، فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم (٣) على فرس له ،

__________________

(١) ذكره ابن حجر فى المطالب العالية (٤٢٩٥).

(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٧٤) ، الإصابة الترجمة رقم (٦١٨) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٣٨٩) ، مشاهير علماء الأمصار الترجمة رقم (٢٧٢) ، جمهرة أنساب العرب (٣٤١) ، العقد الفريد (٥ / ٢٨٢) ، الوافى بالوفيات (١٠ / ١٠٤) ، مرآة الجنان (١ / ١٤٥) ، تقريب التهذيب (١ / ٩٤) ، خلاصة تذهيب التهذيب (٤٦) ، شذرات الذهب (١ / ٧٧ ، ٧٨) ، طبقات الفقهاء (٥٢) ، تاريخ الطبرى (١٠ / ١٩٢).

(٣) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٩٢١) ، الإصابة الترجمة رقم (٣١٢٢) ، أسد الغابة ـ

٢٨٧

فقلت : هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله ، وبكيت ، قال : «لا تحزن إن الله معنا!».

قال : فلما دنا فكان بيننا وبينه قدر رمحين أو ثلاثة قلت : هذا الطلب يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد بلغنا ، وبكيت ، قال : «ما يبكيك؟» فقلت : أما والله ما على نفسى أبكى ، ولكنى أبكى عليك ، فدعا عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم اكفناه بما شئت» ، فساخت فرسه فى الأرض إلى بطنها ، فوثب عنها وقال : يا محمد ، قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجينى مما أنا فيه ، فو الله لأعمين على من ورائى من الطلب ، وهذه كنانتى فخذ منها سهما فإنك ستمر على إبلى وغنمى بمكان كذا وكذا ، فخذ منها حاجتك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا حاجة لى فى إبلك» ، ودعا له ، فانطلق راجعا إلى أصحابه. وفى حديث البخاري ومسلم : فجعل لا يلقى أحدا إلا قال : قد كفيتكم ما هنا. فلا يلقى أحدا إلا ردة. قال : ووفى لنا (١).

وعن سراقة بن مالك بن جعشم فيما أورده ابن إسحاق (٢) قال : لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم. قال : فبينما أنا جالس فى نادى قومى أقبل رجل منا حتى وقف علينا فقال : والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا على آنفا ، إنى لأراهم محمدا وأصحابه ، قال : فأومأت إليه ، يعنى أن أسكت ، ثم قلت : إنما هم بنو فلان يتبعون ضالة لهم. قال : لعله. ثم سكت.

فمكثت قليلا ثم قمت فدخلت بيتى ، ثم أمرت بفرسى فقيد لى إلى بطن الوادى وبسلاحى فأخرج لى من دبر حجرتى ، ثم أخذت قداحى التي أستقسم بها ، ثم انطلقت فلبست لامتى ، ثم أخرجت قداحى ، فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره : لا يضره. وكنت أرجو أن أرده على قريش فآخذ المائة ، فركبت على أثره ، فبينا فرسى يشتد بى عثر بى فسقطت عنه ، فقلت : ما هذا؟! ثم أخرجت قداحى فاستقسمت بها

__________________

ـ الترجمة رقم (١٩٥٥) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٢١٠) ، تقريب التهذيب (١ / ٢٨٤) ، تهذيب التهذيب (٣ / ٤٥٦) ، تهذيب الكمال (١ / ٤٦٦) ، شذرات الذهب (١ / ٣٥) ، الأعلام (٣ / ٨٠) ، الأنساب (٧ / ١١٦) ، العقد الثمين (٤ / ٥٢٣).

(١) انظر الحديث فى : صحيح البخاري (٤ / ٢٤٦ ، ٥ / ٤) ، صحيح مسلم (٢٣١٠) ، مسند الإمام أحمد (١ / ٢ ، ٣) ، مصنف ابن أبى شيبة (١٤ / ٣٢٨) ، دلائل النبوة للبيهقى (٢ / ٤٧٨ ، ٤٨٥) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦ / ٥٢) ، شرح السنة للبغوى (١٣ / ٣٦٩) ، الدر المنثور للسيوطى (٣ / ٢٣٩) ، فتح البارى لابن حجر (٧ / ٨).

(٢) انظر : السيرة (٢ / ٩٦ ـ ٩٧).

٢٨٨

فخرج السهم الذي أكره : لا يضره. فأبيت إلا أن أتبعه ، فركبت فى أثره ، فبينا فرسى يشتد بى عثر بى فرسى وذهبت يداه فى الأرض وسقطت عنه ، ثم انتزع يديه من الأرض وتبعها دخان كالإعصار ، فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع منى وأنه ظاهر ، فناديت القوم : أنا سراقة بن جعشم ، انظرونى أكلمكم ، فو الله لا أريبكم ولا يأتيكم منى شيء تكرهونه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبى بكر رضى الله عنه : «قل له : ما تبتغى؟» قال : تكتبوا لى كتابا يكون آية بينى وبينك. قال : «اكتب يا أبا بكر».

فكتب لى كتابا فى عظم أو فى رقعة أو فى خرقة ثم ألقاه إلى ، فأخذته فجعلته فى كنانتى ، ثم رجعت فلم أذكر شيئا مما كان ، حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفرغ من حنين والطائف خرجت ومعى الكتاب لألقاه فلقيته بالجعرانة فدخلت فى كتيبة من خيل الأنصار فجعلوا يقرعوننى بالرماح ويقولون : إليك إليك ما ذا تريد؟ ، فدنوت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو على ناقته ، والله لكأنى أنظر إلى ساقه فى غرزه كأنها جمارة ، فرفعت يدى بالكتاب ثم قلت : يا رسول الله هذا كتابك لى ، أنا سراقة بن جعشم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يوم وفاء وبر ادن. فدنوت فأسلمت. ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنه فما أذكره ، إلا أنى قلت : يا رسول الله الضالة من الإبل تغشى حياضى وقد ملأتها لإبلى ، هل لى من أجر فى أن أسقيها؟ قال : «نعم ، فى كل ذات كبد حرى أجر» (١). ثم رجعت إلى قومى فسقت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صدقتى.

وفى حديث آخر عن غير ابن إسحاق أن سراقة بن مالك بن جعشم هذا كان شاعرا مجيدا ، وأنه قال يخاطب أبا جهل بن هشام بعد انصرافه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

أبا حكم والله لو كنت شاهدا

لأمر جوادى إذ تسوخ قوائمه

علمت ولم تشكك بأن محمدا

رسول ببرهان فمن ذا يقاومه

عليك بكف القوم عنه فإننى

أرى أمره يوما ستبدو معالمه

بأمر يود الناس فيه بأسرهم

بأن جميع الناس طرا يسالمه

وذكر ابن إسحاق من رواية يونس بن بكير عنه شعرا نسبه إلى أبى بكر الصديق

__________________

(١) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٤ / ١٧٥) ، سنن ابن ماجه (٣٦٨٦) ، مستدرك الحاكم (٣ / ٦١٩) ، مسند الحميدى (٩٠٢) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٣ / ١٣١) ، وقال : رواه أحمد ورجاله ثقات.

٢٨٩

رضى الله عنه يذكر فيه مسيره مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقصة الغار وأمر سراقة ، وهو :

قال النبيّ ولم يجزع يوقرنى

ونحن فى سدفة من ظلمة الغار

لا تخش شيئا فإن الله ثالثنا

وقد توكل لى منه بإظهار

وإنما كيد من تخشى بوادره

كيد الشياطين كادته لكفار

والله مهلكهم طرا بما كسبوا

وجاعل المنتهى منهم إلى النار

وأنت مرتحل عنهم وتاركهم

إما غدوا وإما مدلج سارى

وهاجر أرضهم حتى يكون لنا

قوم عليهم ذوو عز وأنصار

حتى إذا الليل وارتنا جوانبه

وسد دون الذي نخشى بأستار

سار الأريقط يهدينا وأنيقه

ينعين بالقرم نعيا تحت أكوار

يعسفن عرض الثنايا بعد أطولها

وكل سهب رقاق الترب موار

حتى إذا قلت قد أنجدن عارضها

من مدلج فارس فى منصب وار

يردى به مشرف الأقطار معتزم

كالسيد ذى اللبدة المستأسد الضارى

فقال كروا فقلنا إن كرتنا

من دونها لك نصر الخالق البارى

إن يخسف الأرض بالأحوى وفارسه

فانظر إلى أربع فى الأرض غوار

فهيل لما رأى أرساغ مقربه

قد سخن فى الأرض لم تحفر بمحفار

فقال هل لكم أن تطلقوا فرسى

وتأخذوا موثقى فى نصح أسرار

وأصرف الحى عنكم إن لقيتهم

وأن أعور منهم عين عوار

فادع الذي هو عنكم كف عدوتنا

يطلق جوادى وأنتم خير أبرار

فقال قولا رسول الله مبتهلا

يا رب إن كان منه غير إخفار

فنجه سالما من شر دعوتنا

ومهر مطلقا من كلم آثار

فأظهر الله إذ يدعو حوافره

وفاز فارسه من هول أخطار

وسراقة بن مالك هذا الذي أظهر الله فيه هذا العلم العظيم من أعلام نبوة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد أظهر الله فيه أثرا آخر من الآثار الشاهدة له عليه‌السلام بأن الله أطلعه من الغيب فى حياته ما ظهر مصداقه بعد وفاته.

روى سفيان بن عيينة ، عن أبى موسى ، عن الحسن ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لسراقة بن مالك : «كيف بك إذا لبست سوارى كسرى؟!» (١) قال : فلما أتى عمر رضى الله عنه ، بسوارى كسرى ومنطقته وتاجه دعا سراقة بن مالك فألبسه إياهما.

__________________

(١) انظر الحديث فى : إتحاف السادة المتقين للزبيدى (٧ / ١٨) ، كشفا الخفاء للعجلونى (١ / ٦٧٤).

٢٩٠

وكان سراقة رجلا أزب كثير شعر الساعدين ، وقال له : ارفع يديك فقل : الله أكبر! الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز الذي كان يقول : أنا رب الناس ، وألبسهما سراقة بن مالك بن جعشم أعرابيا من بنى مدلج!! ورفع بها عمر رضى الله عنه ، صوته.

قال ابن إسحاق (١) : وذكر إسنادا رفعه إلى أسماء بنت أبى بكر ، قالت : لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخرج معه أبو بكر احتمل أبو بكر ماله كله ، خمسة آلاف أو ستة ، فدخل علينا جدى أبو قحافة وقد ذهب بصره ، فقال : والله إنى لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه. فقلت : يا أبت إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا. فأخذت أحجارا فوضعتها فى كوة كان أبى يضع ماله فيها ، ثم وضعت عليها ثوبا ثم أخذت بيده فقلت : يا أبت ضع يدك على هذا المال. قالت : فوضع يده عليه ثم قال : لا بأس إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن ، وفى هذا بلاغ لكم ، ولا والله ما ترك لنا شيئا ، ولكنى أردت أن أسكن الشيخ بذلك (٢).

وذكر ابن إسحاق الطريق التي سلك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبأبى بكر الصديق رضى الله عنه دليلهما عبد الله بن أريقط ، والمناقل التي سار بهما عليهما إلى أن قدم بهما قباء على بنى عمرو بن عوف لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول يوم الاثنين ، حين اشتد الضحى وكادت الشمس تعتدل (٣).

وقال غير ابن إسحاق : قدمها لثمان خلون من ربيع الأول.

وقال ابن الكلبى : خرج من الغار يوم الاثنين أول يوم من ربيع الأول ، ووصل المدينة يوم الجمعة لاثنتى عشرة منه. فالله تعالى أعلم.

وذكر ابن إسحاق (٤) : من حديث عبد الرحمن بن [عويم] (٥) بن ساعدة ، قال : حدثني رجال من قومى من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا : لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة توكفنا قدومه ، فكنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظره ، فو الله

__________________

(١) انظر : السيرة (٢ / ٩٥ ـ ٩٦).

(٢) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٦ / ٣٥٠) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦ / ٥٩).

(٣) انظر : السيرة (٢ / ٩٨ ـ ٩٩).

(٤) انظر : السيرة (٢ / ١٠٠).

(٥) ما بين المعقوفتين ورد فى الأصل : «عويمر» ، والتصحيح من السيرة والاستيعاب.

وانظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٤٥٦) ، الإصابة الترجمة رقم (٦٢٤٤) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٣٣٧٢) ، التاريخ الكبير (٥ / ٣٢٥).

٢٩١

ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال ، فإذا لم نجد ظلا دخلنا ، وذلك فى أيام حارة.

حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه جلسنا كما كنا نجلس ، حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا ، وقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين دخلنا البيوت ، فكان أول من رآه رجل من يهود وقد رأى ما كنا نصنع وأنا ننتظر قدوم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علينا ، فصرخ بأعلى صوته : يا بنى قيلة هذا جدكم قد جاء.

فخرجنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو فى ظل نخلة ومعه أبو بكر فى مثل سنه ، وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل ذلك ، وركبه الناس ، وما يعرفونه من أبى بكر حتى زال الظل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقام أبو بكر فأظله بردائه فعرفناه عند ذلك (١).

قال ابن إسحاق (٢) : فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يذكرون على كلثوم بن هدم (٣) ، أخى بنى عمرو بن عوف. ويقال : بل نزل على سعد بن خيثمة.

ويقول من يذكر نزوله على كلثوم أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا خرج من منزل كلثوم جلس للناس فى بيت سعد بن خيثمة ، لأنه كان عزبا لا أهل له ، فمن هناك يقال : نزل عليه. وكان يقال لبيت سعد : بيت العزاب ، لأنه كان منزل المهاجرين منهم. فالله أعلم أى ذلك كان(٤).

ونزل أبو بكر الصديق رضى الله عنه ، على خبيب بن إساف (٥) ، أحد بنى الحارث ابن الخزرج بالسنج ، ويقال : على خارجة بن زيد بن أبى زهير (٦) منهم.

__________________

(١) انظر الحديث فى : صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار (٧ / ٢٨١ ، ٢٨٢) ، طبقات ابن سعد (١ / ٢٣٣) ، دلائل النبوة للبيهقى (٢ / ٤٩٨ ، ٤٩٩) ، شرح السنة للبغوى (٧ / ١٠٩).

(٢) انظر : السيرة (٢ / ١٠٠).

(٣) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢٢٣٧) ، الإصابة الترجمة رقم (٧٤٥٩) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٤٤٩٤) ، طبقات ابن سعد (٣ / ٢ / ١٤٩) ، تاريخ خليفة (٥٥) ، الاستبصار (٢٩٣).

(٤) ذكره الطبرى فى تاريخه (١ / ٥٧١) ، ابن كثير فى السيرة (٢ / ٢٧٠) ، ابن سعد فى الطبقات (١ / ٢٣٣).

(٥) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٦٥١) ، الإصابة الترجمة رقم (٢٢٢٤) ، أسد الغابة الترجمة رقم (١٤١٣) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ١٥٦) ، الاستبصار (١٨٦) ، تبصير المنتبه (٣ / ٩٢٧) ، الطبقات الكبرى (٨ / ٣٦٠).

(٦) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٦٠٨) ، الإصابة الترجمة رقم (٢١٤٠) ، أسد الغابة ـ

٢٩٢

وأقام على بن أبى طالب بمكة ثلاث ليال وأيامها ، حتى أدى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الودائع التي كانت عنده للناس ، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزل معه. فكان على رضى الله عنه ، وإنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين ، يقول : كانت بقباء امرأة مسلمة لا زوج لها ، فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه.

قال : فاستربت شأنه ، فقلت لها : يا أمة الله ، من هذا الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدرى ما هو ، وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك؟ قالت : هذا سهل بن حنيف ، قد عرف أنى امرأة لا أحد لى ، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ثم جاءنى بها فقال : احتطبى بهذا! فكان على رضى الله عنه ، يأثر ذلك فى أمر سهل بن حنيف ، حين هلك عنده بالعراق (١).

قال ابن إسحاق (٢) : فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقباء فى بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وأسس مسجدهم (٣) ، ثم أخرجه الله تعالى ، من بين أظهرهم يوم الجمعة. وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك ، فالله أعلم.

فأدركت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الجمعة فى بنى سالم بن عوف فصلاها فى المسجد الذي فى بطن الوادى ، وادى رانوناء ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة (٤).

فأتاه عتبان بن مالك (٥) ، وعباس بن عبادة بن نضلة (٦) ، فى رجال من بنى سالم ، فقالوا : يا رسول الله ، صلى الله عليك ، أقم عندنا فى العدد والعدة والمنعة. قال : «خلوا سبيلها فإنها مأمورة لناقته ، فخلوا سبيلها».

__________________

ـ الترجمة رقم (١٣٣٠) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ١٤٧) ، سير أعلام النبلاء (٤ / ٤٣٧ ، ٤٤٦) ، روضات الجنات (٣ ، ٢٧٥) ، الاستبصار (١ / ١١٥) ، الثقات (٣ / ١١١).

(١) ذكره الصالحى فى السيرة الشامية (٣ / ٣٧٩) ، ابن سيد الناس فى عيون الأثر (١ / ٣١٢).

(٢) انظر : السيرة (٢ / ١٠٢).

(٣) انظر الحديث فى : صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار (٣٩٣٢).

(٤) ذكره الطبرى فى تاريخه (٢ / ٧) ، ابن كثير فى البداية والنهاية (٣ / ٢١٣ ، ٢١٤).

(٥) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢٠٤٢) ، الإصابة الترجمة رقم (٥٤١٢) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٣٥٤١).

(٦) انظر ترجمته فى : الاستيعاب (١٣٨٥) ، الإصابة الترجمة رقم (٢٥٢٥) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٢٧٩٨).

٢٩٣

فانطلقت حتى إذا وازنت دار بنى بياسة تلقاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو ، فى رجال من بنى بياضة ، فقالوا : يا رسول الله ، هلم إليها إلى العدد والعدة والمنعة. «قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، فخلوا سبيلها».

حتى إذا مرت بدار بنى ساعدة اعترضاه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو فى رجال منهم ، فقالوا : يا رسول الله ، هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة ، قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، فخلوا سبيلها ، فانطلقت حتى إذا وازنت دار بنى الحارث بن الخزرج اعترضاه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد بن أبى زهير ، وعبد الله بن رواحة فى رجال من بلحارث ، فقالوا : يا رسول الله ، هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة. قال : خلو سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها ، فانطلقت حتى إذا مرت بدار بنى عدى بن النجار وهم أخواله دنيا أم عبد المطلب ، سلمى بنت عمرو إحدى نسائهم ، اعترضاه سليط بن قيس وأبو سليط أسيرة بن أبى خارجة ، فى رجال منهم ، فقالوا : يا رسول الله ، هلم إلى أخواله دنيا أم عبد المطلب ، سلمى بنت عمرو إحدى نسائهم ، اعترضاه سليط بن قيس وأبو سليط أسيرة بن أبى خارجة ، فى رجال منهم ، فقالوا : يا رسول الله ، هلم إلى أخوالك إلى العدد والعدة والمنعة. قال. «خلوا سبيلها» ، حتى إذا أتت دار بنى مالك بن النجار بركت على باب مسجده ، وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بنى مالك بن النجار ، فى حجر معاذ بن عفراء ، فلما بركت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليها لم ينزل وثبت ، فسارت غير بعيد ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ، ثم التفتت خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ، ثم تحلحلت ورزمت ووضعت جرانها ، فنزل عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاحتمل أبو أيوب رحله فوضعه فى بيته.

ونزل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بنى مسجده ومساكنه ، وسأل عن المربد لمن هو؟ فقال له معاذ بن عفراء : هو يا رسول الله لسهل وسهيل ابنى عمرو ، وهما يتيما له وسأرضيهما منه ، فاتخذه مسجدا ، فأمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يا بنى ، وعمل فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليرغب المسلمين فى العمل فيه ، فعمل فيه المهاجرون والأنصار ودأبوا (١).

فقال قائل من المسلمين :

لئن قعدنا والنبيّ يعمل

لذاك منا العمل المضلل

وحدث (٢) أبو أيوب قال : لما نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى بيتى نزل فى السفل وأنا

__________________

(١) انظر الحديث فى : صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار (٣٩٠٦) ، صحيح مسلم كتاب الجهاد (٣ / ١٢٩) ، مسند الإمام أحمد (٢ / ٣٨١) ، سنن أبى داود حديث رقم (٤٥٣). سنن ابن ماجه (٧٤٢).

(٢) انظر : السيرة (٢ / ١٠٦ ـ ١٠٧).

٢٩٤

وأم أيوب فى العلو ، فقلت له : يا نبى الله بأبى أنت وأمى! إنى لأكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتى ، فاظهر أنت فكن فى العلو وننزل نحن فنكون فى السفل. فقال : «يا أبا أيوب ، إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن تكون فى سفل البيت» (١).

فلقد انكسر حب لنا فيه ماء ، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء ، تخوفا أن يقطر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منه شيء فيؤذيه.

فكنا نصنع له العشاء ثم نبعث به إليه ، فإذا رد علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب موضع يده فأكلنا منه ، نبتغى بذلك البركة ، حتى بعثنا إليه بعشائه وقد جعلنا له فيه بصلا أو ثوما ، فرده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم أر ليده فيه أثرا ، فجئته فزعا فقلت : يا رسول الله ، بأبى أنت وأمى رددت عشاءك ولم أر فيه موضع يدك ، وكنت إذا رددته علينا تيممت أنا وأم أيوب موضع يدك نبتغى بذلك البركة. قال : إنى وجدت فيه ريح هذه الشجرة وأنا رجل أناجى ، فأما أنتما فكلوه. فأكلناه ولم نصنع له تلك الشجرة بعد (٢).

قال ابن إسحاق (٣) : وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يبق بمكة منهم أحد إلا مفتون أو محبوس ، ولم يوعب أهل هجرة من مكة بأهليهم وأموالهم إلى الله تبارك وتعالى وإلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلا أهل دور مسمون ، بنو مظعون من بنى جمح ، وبنو جحش ابن رئاب ، حلفاء بنى أمية ، وبنو البكير من بنى سعد بن ليث ، حلفاء بنى عدى بن كعب ، فإن دورهم غلقت بمكة هجرة ، ليس فيها ساكن.

فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة ، بنى له فيها مسجده ومساكنه. قال : وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما بلغنى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن ، نعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما لم يقل ، أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : «أما بعد ، أيها الناس ، فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ، ثم ليقولن له ربه ، ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه : ألم يأتك رسولى فبلغك وآتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك؟ فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم. فمن استطاع أن يقى وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل ، ومن لم

__________________

(١) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٥ / ٤١٥) ، صحيح مسلم كتاب الفتن (٣ / ١٧١).

(٢) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ٢٠١) ، مستدرك الحاكم (٣ / ٤٦٠) ، ورواه أبو بكر بن أبى شيبة وابن أبى عاصم كما فى الإصابة (١ / ٤٠٥).

(٣) انظر : السيرة (٢ / ١٠٧).

٢٩٥

يجد فبكلمة طيبة ، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» (١).

قال ابن إسحاق (٢) : ثم خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس مرة أخرى فقال : «إن الحمد لله أحمده وأستعينه ، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إن أحسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى ، قد أفلح من زينه الله فى قلبه ، وأدخله فى الإسلام بعد الكفر ، فاختاره على ما سواه من أحاديث الناس ، إنه أحسن الحديث وأبلغه ، أحبوا ما أحب الله ، أحبوا الله من كل قلوبكم ، ولا تملوا كلام الله وذكره ، ولا تقس عنه قلوبكم ، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفى ، فقد سماه الله خيرته من الأعمال ومصطفاه من العباد ، والصالح من الحديث ومن كل ما أوتى الناس الحلال والحرام ، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا واتقوه حق تقاته ، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم ، وتحابوا بروح الله بينكم ، إن الله يغضب أن ينكث عهده ، والسلام عليكم» (٣).

قال ابن إسحاق (٤) : وكتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم ، واشترط عليهم وشرط لهم (٥).

__________________

(١) انظر ذكر أول خطبة للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى : المنتظم لابن الجوزى (٣ / ٦٥) ، تاريخ الطبرى (٢ / ٣٩٤) ، البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ٢١٣).

(٢) انظر : السيرة (٢ / ١٠٩).

(٣) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (٣ / ٢١٤).

(٤) انظر : السيرة (٢ / ١٠٩).

(٥) ذكر ابن هشام فى السيرة نص ما اشتراطه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المهاجرين والأنصار ، فقال : «بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من محمد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم ، فلحق بهم ، وجاهد معهم ، إنهم أمة واحدة من دون الناس ، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم ، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون الأولى ، كل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو ساعدة على رعبتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم ـ

٢٩٦

__________________

ـ الأولى ، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو النبت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف فى فداء أو عقل «وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه ، وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم ، أو ابتغى دسيعة ظلم ، أو إثم ، أو عدوان ، أو فساد بين المؤمنين ، وإن أيديهم عليه جميعا ، ولو كان ولد أحدهم ، ولا يقتل مؤمن مؤمنا فى كافر ، ولا ينصر كافر على مؤمن ، وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم ، وإن المؤمنين بعضهم موالى بعض دون الناس ، وإنه من تبعنا من يهود ، فإن له النصر والأسوة ، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم ، وإن سلم المؤمنين واحدة ، لا يسالم مؤمن دون مؤمن فى قتال فى سبيل الله ، إلا على سواء وعدل بينهم ، وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا ، وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم فى سبيل الله ، وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه ، وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ، ولا يحول دونه على مؤمن ، وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة ، فإنه قود به إلا أن يرضى ولى المقتول ، وإن المؤمنين عليه كافة ، ولا يحل لهم إلا قيام عليه ، وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما فى هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر ، أن ينصر محدثا ولا يؤويه ، وأنه من نصره أو آواه ، فإن عليه لعنة الله وغصبه يوم القيامة ، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل ، وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء ، فإن مرده إلى الله عزوجل ، وإلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، وإن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم ، إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يوتغ إلا نفسه ، وأهل بيته ، وإن اليهود بنى النجار مثل ما ليهود بنى عوف ، وإن ليهود بنى الحارث مثل ما ليهود بنى عوف ، وإن ليهود بنى ساعدة مثل ما ليهود بنى عوف ، وإن ليهود بنى جشم مثل ما ليهود بنى عوف ، وإن ليهود بنى الأوس مثل ما ليهود بنى عوف ، وإن ليهود بنى ثعلبة مثل ما ليهود بنى عوف ، إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته ، وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم ، وإن لبنى الشطيبة مثل ما ليهود بنى عوف ، وإن البر دون الإثم ، وإن موالى ثعلبة كأنفسهم ، وإن بطانة يهود كأنفسهم ، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنه لا ينحجز على ثار جرح ، وإنه من فتك فبنفسه فتك ، وأهل بيته ، إلا من ظلم ، وإن الله على أبر هذا وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم ، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ، وإن بينهم النصح والنصيحة ، والبر دون الإثم ، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه ، وإن النصر للمظلوم ، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة ، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم ، وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها ، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده ، فإن مرده إلى ـ

٢٩٧

وآخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فقال فيما بلغنا ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل : تآخوا فى الله أخوين أخوين. ثم أخذ بيد على بن أبى طالب فقال : هذا أخى. فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد ، وعلى بن أبى طالب أخوين.

ثم سمى ابن إسحاق نفرا ممن آخى بينهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أصحابه تركنا ذكرهم اختصارا (١).

قال : وهلك فى تلك الأشهر أبو أمامة أسعد بن زرارة ، والمسجد يا بنى ، أخذته الذبحة أو الشهقة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بئس الميت أبو أمامة ليهود ولمنافقى العرب ، يقولون : لو كان نبيا لم يمت صاحبه! ولا أملك لنفسى ولا لصاحبى من الله شيئا» (٢).

ولما مات أبو أمامة اجتمعت بنو النجار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان أبو أمامة نقيبهم ، فقالوا : يا رسول الله ، إن هذا كان منا حيث قد علمت ، فاجعل منا رجلا مكانه يقيم فى أمرنا ما كان يقيم. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنتم أخوالى وأنا أولى بكم ، فأنا نقيبكم» (٣). وكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخص بها بعضهم دون بعض. فكان من فضل بنى النجار الذي يعدون على قومهم أن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نقيبهم.

__________________

ـ الله عزوجل ، وإلى محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن الله على أتقى ما فى هذه الصحيفة وأبره ، وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها ، وإن بينهم النصر على من دهم يثرب ، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه وتلبسونه ، فإنهم يصالحونه ويلبسونه ، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك ، فإنه لهم على المؤمنين ، إلا من حارب فى الدين ، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم ، وإن يهود الأوس ، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة ، مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة».

قال ابن هشام : ويقال : مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة.

قال ابن إسحاق : «وإن البر دون الإثم ، لا يكسب كاسب إلا على نفسه ، وإن الله على أصدق ما فى هذه الصحيفة وأبره ، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم ، وإنه من خرج آمن ، ومن قعد آمن بالمدينة ، إلا من ظلم أو أثم ، وإن الله جار لمن بر واتقى ، ومحمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

انظر : السيرة (٢ / ١٠٩ ـ ١١٢) ، البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ٢٢٤ ، ٢٢٥) ،

(١) انظر السيرة (٢ / ١١٣ ـ ١١٦).

(٢) انظر الحديث فى : سنن ابن ماجه (٣٤٩٢) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٥ / ٩٨) ، مستدرك الحاكم (٤ / ٢١٤).

(٣) انظر الحديث فى : مستدرك الحاكم (٣ / ١٨٦) ، طبقات ابن سعد (٣ / ٦١١).

٢٩٨

قال ابن إسحاق (١) : فلما اطمأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين واجتمع أمر الأنصار ، استحكم أمر الإسلام فقامت الصلاة وفرضت الزكاة والصيام ، وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام وتبوأ الإسلام بين أظهرهم ، وكان هذا الحى من الأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان.

وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قدمها إنما يجتمع إليه الناس للصلاة فى حين مواقيتها بغير دعوة ، فهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعل بوقا كبوق يهود الذي يدعون به لصلاتهم ، ثم كرهه ، ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين للصلاة.

فبيناهم على ذلك رأى عبد الله بن زيد أخو بلحارث بن الخزرج النداء ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : يا رسول الله ، إنه طاف فى هذه الليلة طائف ، مر بى رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا فى يده ، فقلت : يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس؟ قال : وما تصنع به؟ قلت : ندعوا به إلى الصلاة. قال : أفلا أدلك على خير من ذلك؟ قلت : وما هو؟ قال : تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حى على الصلاة ، حى على الصلاة ، حى على الفلاح ، حى على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله.

فلما أخبر بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنها لرؤيا حق إن شاء الله ، فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها فإنه أندى صوتا منك».

فلما أذن بها بلال سمعها عمر بن الخطاب وهو فى بيته ، فخرج إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يجر رداءه وهو يقول : يا نبى الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فلله الحمد» (٢).

وذكر ابن هشام (٣) عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب بينا هو يريد أن يشترى خشبتين للناقوس عند ما ائتمر به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه إذ رأى فى المنام أن لا تجعلوا الناقوس ، بل أذنوا بالصلاة ، فذهب عمر إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليخبره بالذى رأى ، فما راعه إلا

__________________

(١) انظر : السيرة (٢ / ١١٧).

(٢) انظر الحديث فى : سنن أبى داود (٤٩٩) ، مسند الإمام أحمد (٤ / ٤٣) ، السنن الكبرى للبيهقى (١ / ٣٩١) ، سنن الدارمى (١١٨٧) ، سنن الترمذى (١٨٩) ، سنن الدارقطنى (١ / ٢٤١) ، تلخيص الحبير لابن حجر (٢ / ٢٠٨) ، البخاري فى خلق أفعال العباد (ص ٤٨) ، الإرواء للألبانى (١ / ٢٦٥).

(٣) انظر : السيرة (٢ / ١١٨).

٢٩٩

بلال يؤذن ، وقد جاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوحى بذلك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أخبره : «سبقك بذلك الوحى» (١).

قال ابن إسحاق (٢) : فلما اطمأنت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم داره وأظهر الله بها دينه وسره بما جمع من المهاجرين والأنصار من أهل ولايته.

قال أبو قيس صرمة بن أبى أنس (٣) ، أخو بنى عدى بن النجار ، يذكر ما أكرمهم الله تبارك وتعالى ، به من الإسلام ، وما خصهم به من نزول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم :

ثوى فى قريش بضع عشرة حجة

يذكر لو يلقى صديقا مواتيا

ويعرض فى أهل المواسم نفسه

فلم ير من يؤوى ولم ير داعيا

فلما أتانا أظهر الله دينه

فأصبح مسرورا بطيبة راضيا

وألفى صديقا واطمأنت به النوى

وكان له عونا من الله [هاديا] (*)

يقص لنا ما قال نوح لقومه

وما قال موسى إذ أجاب المناديا

فأصبح لا يخشى من الناس واحدا

قريبا ولا يخشى من الناس نائيا

بذلنا له الأموال من جل مالنا

وأنفسنا عند الوغى والتآسيا

ونعلم أن الله لا شيء غيره

ونعلم أن الله أفضل هاديا

نعادى الذي عادى من الناس كلهم

جميعا وإن كان الحبيب المصافيا

أقول إذا أدعوك فى كل بيعة

تباركت قد أكثرت لاسمك داعيا

أقول إذا جاوزت أرضا مخوفة

حنانيك لا تظهر على الأعاديا

فطأ معرضا إن الحتوف كثيرة

وإنك لا تبقى لنفسك باقيا

فو الله ما يدرى الفتى كيف يتقى

إذا هو لم يجعل له الله واقيا

ولا تجعل النخل المقيمة ربها

إذا أصبحت ريا وأصبح ثاويا

وكان أبو قيس هذا رجلا قد ترهب فى الجاهلية ولبس المسوح وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة وتطهر من الحائض من النساء وهم بالنصرانية ، ثم أمسك عنها ، ودخل بيتا له فاتخذه مسجدا لا يدخل عليه فيه طامث ولا جنب ، وقال : أعبد رب

__________________

(١) انظر الحديث فى : مصنف عبد الرازق (١ / ٤٥٦).

(٢) انظر : السيرة (٢ / ١١٩).

(٣) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٢٤٤) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٢٥٠١) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٢٦٤) ، الأعلام (٣٠ / ٢٠٣) ، تبصرة المنتبه (٣ / ٩٩٨).

(*) ما بين المعقوفتين كذا فى الأصل وورد فى السيرة «باديا».

٣٠٠