الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-190-4
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

١
٢

٣
٤

الفصل الرابع :

قلع باب خيبر : أحداث وتفاصيل

٥
٦

علي عليه‌السلام قالع باب خيبر :

وقالوا أيضا : «وقتل علي يومئذ ثمانية من رؤسائهم ، وفر الباقون إلى الحصن ، فتبعهم المسلمون. فبينما علي يشتد في أثرهم ، إذ ضربه يهودي على يده ضربة سقط منها الترس ، فبادر يهودي آخر ، فأخذ الترس ، فغضب علي ، فتناول باب الحصن ، وكان من حديد ، فقلعه ، وتترس به عن نفسه» (١).

قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن حسن ، عن بعض أهله ، عن أبي رافع مولى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : خرجنا مع علي بن أبي طالب ـ رضي‌الله‌عنه ـ حين بعثه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» برايته ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود ـ وقد صرحوا بأنه مرحب (٢) ـ فطرح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فترّس به عن نفسه ، فلم يزل في يده ، وهو يقاتل ، حتى فتح الله تعالى عليه الحصن.

ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم ، نجهد

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٥١.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٧.

٧

على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه (١).

وعن زرارة ، عن الإمام الباقر «عليه‌السلام» : انتهى إلى باب الحصن ، وقد أغلق الباب في وجهه ، فاجتذبه اجتذابا ، وتترس به ، ثم حمله على ظهره ، واقتحم الحصن اقتحاما ، واقتحم المسلمون والباب على ظهره ..

إلى أن قال «عليه‌السلام» : ثم رمى بالباب رميا الخ .. (٢).

قال الديار بكري : ثم لما وضعت الحرب أوزارها ألقى علي ذلك الباب الحديد وراء ظهره ثمانين شبرا .. وفي هذا قال الشاعر :

علي رمى باب المدينة خيبر

ثمانين شبرا وافيا لم يثلم (٣)

غير أن الحلبي قال : «قال بعضهم : في هذا الخبر جهالة وانقطاع ظاهر.

قال : وقيل : ولم يقدر على حمله أربعون رجلا. وقيل : سبعون.

وفي رواية : أن عليا كرم الله وجهه لما انتهى إلى باب الحصن اجتذب أحد أبوابه ، فألقاه بالأرض ، فاجتمع عليه بعده سبعون رجلا ، فكان جهدا

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام (ط المكتبة الخيرية بمصر) ج ٣ ص ١٧٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٣٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٨ وراجع : الإصابة ج ٢ ص ٥٠٢ وتذكرة الخواص ص ٢٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٥ فما بعدها وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي) ص ٧٤ و ٧٥ والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج ١ ص ١٨٥ ـ ١٨٨ ومعارج النبوة ص ٢١٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٧ ومسند أحمد ج ٦ ص ٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٥١ عن المنتقى ، والتوضيح ، عن الطبراني ، وأحمد.

(٢) البحار ج ٢١ ص ٢٢ عن إعلام الورى ج ١ ص ٢٠٧ ومدينة المعاجز ج ١ ص ١٧٧.

(٣) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٥١ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٧.

٨

أن أعادوه إلى مكانه» (١).

وقال القسطلاني : «قلع علي باب خيبر ، ولم يحركه سبعون رجلا إلا بعد جهد».

وروى البيهقي من طريقين : عن المطلب بن زياد ، عن ليث بن أبي سليم ، عن أبي جعفر محمد بن علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن آبائه ، قال : حدثني جابر بن عبد الله : أن عليا «عليه‌السلام» حمل الباب يوم خيبر ، حتى صعد عليه المسلمون فافتتحوها ، وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا. رجاله ثقات إلا ليث بن أبي سليم ، وهو ضعيف (٢).

وفي شواهد النبوة : روي أن عليا «عليه‌السلام» بعد ذلك حمله على ظهره ، وجعله قنطرة حتى دخل المسلمون الحصن (٣).

وهذا إشارة إلى وجود خندق كان هناك ، فلما أغلقوا باب الحصن صار أمير

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٧ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٥١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٨ والإصابة ج ٢ ص ٥٠٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٤ وعن البيهقي ، والحاكم.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٨ و ١٢٩ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢١٢ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٩٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٧ وراجع : تذكرة الخواص ص ٢٧ والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج ١ ص ١٨٥ ـ ١٨٨ ومعارج النبوة ص ٢١٩ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٥١ عن الحاكم ، والبيهقي ، والبحار ج ٢١ ص ١٩ وفي هامشه عن المجالس والأخبار ص ٦.

(٣) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٥١ وراجع : تحف العقول ص ٣٤٦.

٩

المؤمنين «عليه‌السلام» إليه ، فعالجه حتى فتحه ، وأكثر الناس من جانب الخندق لم يعبروا معه ، فأخذ أمير المؤمنين «عليه‌السلام» باب الحصن فجعله على الخندق جسرا لهم ، حتى عبروا ، فظفروا بالحصن ، ونالوا الغنائم.

فلما انصرفوا من الحصن أخذه أمير المؤمنين «عليه‌السلام» بيمناه ، فدحا به أذرعا من الأرض. وكان الباب يغلقه عشرون رجلا (١).

وقيل : لما قلع علي «عليه‌السلام» باب الحصن اهتز الحصن ، فسقطت صفية عن سريرها ، وشجت وجهها.

وقالوا أيضا : إن ضربته «عليه‌السلام» على رأس مرحب بلغت إلى السرج ، فقده نصفين (٢).

وخبّر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن رميه «عليه‌السلام» باب خيبر أربعين شبرا ، فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : والذي نفسي بيده ، لقد أعانه عليه أربعون ملكا (٣).

قال القسطلاني : قال شيخنا : «قال بعضهم : وطرق حديث الباب كلها واهية ، ولذا أنكره بعض العلماء» (٤).

وفي بعضها قال الذهبي : إنه منكر.

وفي الإمتاع : وزعم بعضهم : أن حمل علي كرم الله وجهه الباب لا أصل

__________________

(١) البحار ج ٢١ ص ١٦ وج ٤١ ص ٢٨١ والإرشاد للمفيد ج ١ ص ١٢٨ وعن مناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ١٢٦ ومدينة المعاجز ج ١ ص ١٧٥.

(٢) معارج النبوة ص ٣٢٣ و ٢١٩.

(٣) البحار ج ٢١ ص ١٩ وفي هامشه عن مناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٧٨.

(٤) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٥١ عن المواهب اللدنية وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٧.

١٠

له ، وإنما يروونه عن رعاع الناس ، وليس كذلك. ثم ذكر جملة ممن خرجه من الحفاظ» (١).

ونقول :

إن لنا مع هذه النصوص العديد من الوقفات ، نجملها فيما يلي :

إختلافات لا تضر : أربعون أم سبعون :

وقد يقال : إن اختلاف الروايات في عدد الذين جربوا حمل ذلك الباب ، بين ثمانية رجال ، وأربعين ، وسبعين .. دليل على عدم صحة الرواية ، وعلى أن ثمة من يتعمد الكذب في هذا الأمر.

غير أننا نقول :

إن الاختلاف الذي يضر : هو ذلك الذي يشير إلى تناقض لا مجال للخروج منه وعنه ..

ولكن الأمر هنا ليس كذلك ، إذ لعل جميع هذه الروايات صحيحة ، على اعتبار : أن محاولات حمل أو قلب ذلك الباب قد تعددت ، وفشلت كلها. فأخبر كل واحد من الرواة عن الواقعة التي رآها.

باب واحد ، أم بابان في خيبر؟؟ :

وقد يقال أيضا : إن حديث اقتلاع باب خيبر قد جاء بصور مختلفة ، حيث إن بعضها ذكر : أن عليا «عليه‌السلام» اقتلع باب حصن خيبر.

وبعضها يقول : إن ترسه طرح من يده ، فوجد عند الحصن بابا ، فأخذه

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٧.

١١

فترّس به نفسه. فإذا كانت الرواية متناقضة فلا يمكن الأخذ بها ..

ونقول :

أولا : إن تناقض الرواية لا يعني أن جميع نصوصها مكذوبة.

ثانيا : إن من الممكن : أن يكون هناك بابان ، ترّس «عليه‌السلام» بأحدهما عن نفسه ، ثم لما انتهى إلى الحصن طرحه ، وأخذ باب الحصن بيده ، فاقتلعه ، وجعله جسرا للمسلمين ، ليصعدوا عليه ، وهو حامل له ..

وربما يكون أحدهما : هو الذي لم يستطع الثمانية أن يقلبوه ..

والآخر : هو الذي عجز عن حمله ، الأربعون تارة ، والسبعون أخرى ..

وربما يكون أحدهما من الحديد ، والآخر من الحجر ، وقد يختلط الأمر على الرواة ، فيصفون أحدهما بما يكون للآخر ..

التكبير من السماء :

وقد ذكرت الروايات : أن الناس سمعوا تكبيرا من السماء في ذلك اليوم ، وسمعوا نداء يقول :

لا سيف إلا ذوالفقار

ولا فتى إلا علي

وقد أشرنا : إلى بعض ما يستفاد من هذا النداء في واقعة أحد ، في الجزء السابع من هذا الكتاب (الطبعة الخامسة) ، فلا بأس بمراجعة ما ذكرناه هناك ..

ونضيف هنا أمورا ثلاثة :

أحدها : أن هذا التكبير ، وذلك النداء هما بمثابة إعطاء الدليل الحاسم لكل عاقل يحترم نفسه بحقانية هذا الدين ، وبأنه مرعي من رب الأرض والسماء ، ولا بد أن يزيد هذا الأمر من صلابة الإنسان المؤمن في الدفاع عن

١٢

دينه ، ويزيل أي شك ، أو ريب من قلبه ..

فلا مجال بعد هذا للتفكير بالفرار من الزحف ، ولا مبرر للضعف أمام مظاهر القوة ، ولا يصح الانبهار بكثرة الأعداء .. فلا مبرر إذن لأي فرار يحدث ، أو ضعف يظهر بعد ذلك ، كالذي حدث في حنين وفي خيبر ، أو في غيرهما.

كما لا مبرر لاستمرار اليهود على عنادهم ، وكفرهم ، بعد أن رأوا هذه الآية السماوية الظاهرة.

فإصرار هم على الحرب يدل : على أنهم ليسوا طلاب حق وحقيقة ، وأنهم لا يتخذون مواقفهم تلك بسبب شبهة عرضت لهم ، أو لأنهم بحاجة إلى المزيد من الدلالات على الحق.

بل كل ما في الأمر هو : أنهم ينقادون لشهواتهم ، وأن الشيطان يزين لهم أعمالهم ، ويعدهم ، ويمنيهم ، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.

الثاني : أن ذلك التكبير والنداء ، الذي جاء بعد تحقيق هذا الإنجاز العظيم ، يمثل إدانة للذين هربوا ، أو ضعفوا ، وإعلان أن سيوفهم ، ليست سيوفا حقيقية ، وأن مظاهر الرجولة ، والفتوة ، والقوة فيهم ليست واقعية ، فإنه :

لا سيف إلا ذوالفقار

ولا فتى إلا علي

الثالث : أن هذا التكبير قد جاء ليكون هو المفردة التي اختيرت لإعلان هذا النصر ، وربما يكون فيه أيضا إلماحة : إلى أن السبب فيما جرى للمسلمين ، هو : اغترارهم بكثرتهم ، وشعورهم بأنهم قد سجلوا انتصارات عظيمة ، حين كانوا دون هذا العدد .. كما في بدر وأحد ، والخندق .. مع أن تلك الإنتصارات لم تكن على أيديهم ، بل كانت على يد علي «عليه‌السلام» بالذات ..

١٣

كما أن اليهود قد غرتهم أيضا كثرتهم ، وحسن عدتهم ، ومناعة حصونهم ، ووفرة المال في أيديهم .. رغم أنهم قد رأوا ماذا كان مصير أهل العدة من المشركين ، وكذلك من إخوانهم الذين حاربوا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في بدر ، وأحد ، والخندق ، وقريظة ، وقينقاع ، والنضير ، وغير ذلك ..

وقد كان نصيب هؤلاء وأولئك هو الفرار ، والهزيمة ، والبوار ، وظهر لهم جميعا ؛ أن كل شيء يعتمدون عليه سوى الله ما هو إلا يباب وسراب ، فلا شيء أكبر من الله ، ولا يصح الاعتماد إلا عليه ، ولا اللجوء إلا إليه.

وقد جاء هذا البيان الإلهي ، بهذه الطريقة الغيبية ، ليخاطب وجدان الإنسان وضميره ، ويجعل هذا الوجدان هو الطريق إلى القلب ، الذي يوظف المشاعر الإيمانية ، ونداء الفطرة ، وما يقدمه العقل من شواهد ودلالات في تمهيد السبيل إليه ، واقتباس الدليل الواضح عليه ..

لا سيف إلا ذو الفقار في خيبر أيضا :

ورووا أيضا : أن عليا «عليه‌السلام» لما شطر مرحبا شطرين نزل جبرئيل من السماء متعجبا ، فقال له النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : ممّ تعجبت؟

فقال : إن الملائكة تنادي في صوامع جوامع السماوات :

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي (١)

وذكر أحمد في الفضائل : أنهم سمعوا تكبيرا من السماء في ذلك اليوم ،

__________________

(١) البحار ج ٢١ ص ٤٠ عن مشارق أنوار اليقين ، وراجع : حلية الأبرار للبحراني ج ٢ ص ١٦٢ وإحقاق الحق ج ٨ ص ٣١٩ ومجمع النورين ص ١٧٨ و ١٩٤.

١٤

وقائلا يقول :

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي

فاستأذن حسان بن ثابت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن ينشد شعرا ، فأذن له ، فقال :

جبريل نادى معلنا

والنقع ليس بمنجلي

والمسلمون قد أحدقوا

حول النبي المرسل

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي (١)

قال سبط ابن الجوزي : «فإن قيل : قد ضعّفوا لفظة : لا سيف إلا ذو الفقار.

قلنا : الذي ذكروه : أن الواقعة كانت في يوم أحد.

ونحن نقول : إنها كانت في يوم خيبر».

وكذا ذكر أحمد بن حنبل في الفضائل : وفي يوم أحد ، فإن ابن عباس قال : لما قتل علي «عليه‌السلام» طلحة بن أبي طلحة حامل لواء المشركين صاح صائح من السماء :

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي

قالوا : في أسناد هذه الرواية عيسى بن مهران ، تكلم فيه ، وقالوا : كان شيعيا.

__________________

(١) راجع : الإحتجاج للطبرسي ج ١ ص ١٦٧ ونهج الإيمان لابن جبر ص ١٧٧ وشرح إحقاق الحق ج ٦ ص ١٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٥٢ والغدير ج ٢ ص ٥٩ وج ٧ ص ٢٠٥ وتذكرة سبط ابن الجوزي ص ١٦.

١٥

أما يوم خيبر فلم يطعن فيه أحد من العلماء (١).

وقيل : إن ذلك كان يوم بدر. والأول أصح.

تشكيكهم بقلع باب خيبر :

وحين تصل النوبة إلى تضحيات علي «عليه‌السلام» وكراماته ، فإن الأذهان تتفتق ، والمواهب تشرئب ، والعبقريات الخارقة تنشط من عقالها .. والبراعة الفائقة تتجلى ، ونظارة التنقيب والاستقصاء تنطلق لتتحرى ، وتبحث وتنقب ، لتستخرج المدخرات ، ولتنثر الجواهر والدرر من جعبتها ، فيقولون لك :

هذا الخبر فيه جهالة ، وذاك فيه انقطاع ظاهر ، وذلك الخبر ضعيف ، أو منكر.

بل تجد من يقول : طرق حديث الباب كلها واهية ، أو حديث الباب لا أصل له ، أو أنه يروى عن رعاع الناس ..

وقد فات هؤلاء الناس :

أولا : إذا ثبت حديث قلع الباب ، وغيره من طريق أهل البيت «عليهم‌السلام» ، فلا نبالي ما يقول فلان ، وما يسطره علان .. لأن أهل البيت «عليهم‌السلام» أدرى بما فيه ، وهم أحد الثقلين اللذين لن يضل من تمسك بهما.

ولذلك تجدنا مطمئنين لما عندنا من حقائق لا يخالجنا فيها شك ، ولا تأخذنا في التمسك بها والحرص عليها لومة لائم ..

__________________

(١) الغدير للأميني ج ٢ ص ٦٠ عن تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص ١٦.

١٦

ثانيا : إن حديث قلع الباب ثابت حتى من طرق غير أهل البيت «عليهم‌السلام» وشيعتهم الأبرار.

ولبيان زيف تضعيفاتهم لهذا الخبر نقول :

إن الذين روي عنهم حديث قلع علي «عليه‌السلام» باب خيبر ، وأن أربعين أو سبعين رجلا قد عجزوا عن حمله ، أو عن قلبه ، هم من غير الشيعة ، فإن كان ثمة اختلاق لهذا الخبر ، فلا تصح نسبته إلى الشيعة ..

ثالثا : إن كون الطريق ضعيفا لا يعني : أن مضمونه لا أصل له. فإن الكذّاب والوضّاع لا يكون جميع ما يرويه مختلقا وموضوعا .. بل يكون أكثر ما يرويه صحيحا ، ولكنه يدخل فيه بعض الموضوعات أو التحريفات ، التي تخدم أغراضه ..

ولو كان جميع ما يرويه مختلقا لوجد نفسه في موضع الإفلاس ، ولم يجد من يأخذ منه ، وعنه .. فما معنى حكمهم الجازم على حديث قلع الباب بالاختلاق والوضع ، أو نحو ذلك؟؟

رابعا : لقد حكموا على بعض طرق الحديث : بأن فيه انقطاعا.

وقالوا عن خبر آخر : إن رجاله ثقات ، باستثناء شخص واحد هو ليث بن أبي سليم ، مع أنه وإن ضعّف الكثيرون منهم ليثا هذا ، ولكن آخرين منهم قد أثنوا عليه ، ووصفوه بالصلاح والعبادة ، وبغير ذلك ، ولم يصفه أحد بالكذب ، ولا بالوضع على الإطلاق ..

بل قالوا عنه : إنه ضعيف في الحديث ، أو مضطرب الحديث ، أو ليّن الحديث ، أو نحو ذلك ..

وذكروا هم أنفسهم أن سبب ذلك : هو أنه اختلط في آخر عمره. فهذا

١٧

هو السبب إذن في طعنهم عليه وتضعيفه.

بل إنهم قد وثقوه ، ووصفوه بأنه صدوق ، وصاحب سنة ، وصالح ، وعابد ونحو ذلك ..

فذلك يدل على : أنه في نفسه ليس من رعاع الناس ، وإليك طائفة من كلماتهم فيه ، نأخذها من كتاب تهذيب التهذيب متنا وهامشا.

قال الذهبي : أحد العلماء ، كوفي.

وقال ابن حجر في تقريب التهذيب : صدوق ، اختلط أخيرا ، ولم يتميز حديثه ، فترك.

وقال العجلي : جائز الحديث.

وقال عبد الوارث : من أوعية العلم.

وقال ابن معين : منكر الحديث ، صاحب سنة.

وقال عثمان ابن أبي شيبة : صدوق ضعيف الحديث.

وقال ابن شاهين : في الثقات.

وقال الساجي : صدوق فيه ضعف ، كان سيّئ الحفظ ، كثير الغلط.

وقال البزار : كان أحد العبّاد ، إلا أنه أصابه اختلاط ، فاضطرب حديثه ، وإنما تكلم فيه أهل العلم بهذا ، وإلا فلا نعلم أحدا ترك حديثه ..

وقال ابن سعيد : كان رجلا صالحا عابدا .. وكان ضعيفا في الحديث ..

ثم ذكر : أنه كان يسأل عطاء ، وطاووسا ، ومجاهدا ، فيختلفون فيه ، فيروي أنهم اتفقوا من غير تعمد.

وقال ابن حبان : اختلط في آخر عمره ، فكان يقلب الأسانيد ، ويرفع المراسيل الخ ..

١٨

وقال الدار قطني : صاحب سنة ، يكتب حديثه ، إنما أنكر عليه الجمع بين عطاء ، وطاووس ، ومجاهد حسب ..

وسئل عنه يحيى ، فقال : لا بأس به.

وقال ابن عدي : له أحاديث صالحة ، وقد روى عنه شعبة والثوري ، ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه.

وقال محمد : ليث صدوق ، يهم.

وقال فضيل بن عياض : كان ليث أعلم أهل الكوفة بالمناسك.

وسأل ابن أبي حاتم أباه عنه ، فقال : ليث عن طاووس أحب إلي من سلمة بن وهرام عن طاووس.

قلت : أليس تكلموا في ليث؟

قال : ليث أشهر من سلمة. ولا نعلم روى عن سلمة إلا ابن عيينة ، وربيعة.

فهذه العبارات وأمثالها قد أفادت : أن اختلاطه في آخر عمره هو السبب في تكلمهم في حديثه ، أما هو نفسه فقد وصفوه بأجل الأوصاف كما رأينا ..

فإذا حصل الاطمئنان : بأن ما رواه إنما رواه قبل الاختلاط ، خصوصا إذا تأيدت صحته من طرق أخرى ، كما في رواية عبد الله بن حسن ، عن بعض أهله ، عن أبي رافع ، وكذلك غيرها من الطرق التي ذكرها البيهقي في دلائل النبوة ، وما أورده في الإمتاع ، فإن الرواية تصبح صحيحة ، ولا يكون رواتها من الرعاع ، وليس فيها انقطاع ولا جهالة ، ولا غير ذلك.

رابعا : قد ذكر العلماء : أن تعدد طرق الحديث يعد من الشواهد التي

١٩

توصله إلى درجة الحسن (١).

وقال الزرقاني : «.. ومن القواعد : أن تعدد الطرق يفيد : أن للحديث أصلا» (٢).

خامسا : ما معنى وصف رواة هذا الحديث بأنهم من رعاع الناس .. وفيهم جعفر بن محمد ، عن آبائه «عليهم‌السلام» ، وفيهم أبو رافع ، وعبد الله بن حسن ، وسواهم ممن يعتمد عليهم نفس هؤلاء الجارحين ، ويصفونهم بالأوصاف الحميدة ، ويثنون عليهم الثناء الجميل ، ويعظمونهم؟؟

سادسا : إن رواة هذه القضايا ، والذين دوّنوها في مجاميعهم الحديثية والتاريخية ـ وهم من غير الشيعة ـ إنما رووها ودونوها باختيارهم ، وبمبادرة منهم.

وقد ذكروا لها أسانيد فيها رجال يحترمونهم ، ويعتمدون عليهم ، ويأخذون عنهم معالم دينهم ، فهل من المعقول أن يكذب هؤلاء على علمائهم ، وأن ينسبوا لهم الموضوعات ، والمختلقات؟؟

فكيف إذا كان هؤلاء الرواة ممن لا يحبون إظهار فضائل علي «عليه‌السلام»؟؟ حتى إذا رووا فضيلة له «عليه‌السلام» ، فإنما يضطرهم إلى روايتها ظهور شهرتها ، وذيوع صيتها ، وعدم تمكنهم من تجاهلها ، لأن إهمالهم لها يضعف الثقة بعلمهم ، وبإحاطتهم ، وبصحة معارفهم ..

ولأجل ذلك : يحاولون الإبهام والإيهام فيها قدر الإمكان ، ويسعون إلى

__________________

(١) راجع : نسيم الرياض ج ٣ ص ١٠ و ١١.

(٢) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٦ ص ٤٩٠.

٢٠