الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-190-4
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

الذين كانوا لا يتبركون به «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا ..

٦ ـ ويؤيد ما ذكرناه : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد اقتصر أخيرا على قوله : ولكن حسبك أنك مني ، وأنا منك.

حيث إنه لا يريد بكلامه هذا : أنه منه في النسب ، أو في المعرفة والعلم ، أو أنه قد أسهم في صنع إيمان علي «عليه‌السلام» وإسلامه ، كما أسهم علي «عليه‌السلام» في إبقاء الإسلام ، الذي هو رسالته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

بل المقصود :

١ ـ ما هو أعمق من ذلك ، وأبعد. وهو المعنى الذي ينسجم مع أخذ التراب من تحت قدميه «عليه‌السلام» ، وأخذ فضل طهوره للاستشفاء به.

٢ ـ أن الحقيقة المحمدية والعلوية شيء واحد ، ونور واحد ، انقسم إلى نصفين ، فاختص أحدهما بمقام النبوة .. واختص الآخر بمقام الولاية ، فهما من بعضهما البعض على الحقيقة ..

وقد بينت الأحاديث الشريفة تفاصيل هامة عن هذا الموضوع ، فيمكن أن يرجع إليها من أراد الوقوف على ذلك ..

اللمسات الأخيرة :

قال العليمي المقدسي : كان فتح خيبر في صفر على يد علي «عليه‌السلام» (١).

وعن آية : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ..) (٢) قال جابر : «أولى الناس بهذه الآية علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» لأنه

__________________

(١) الأنس الجليل (ط الوهبية) ص ١٧٩.

(٢) الآية ١٨ من سورة الفتح.

٤١

تعالى قال : (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (١) أجمعوا على أنه فتح خيبر. وكان ذلك بيد علي بإجماع منهم» (٢).

وفي هذه المناسبة يقول حسان بن ثابت :

وكان علي أرمد العين يبتغي

دواء فلما لم يحس مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلة

فبورك مرقيا وبورك راقيا

وقال سأعطي راية القوم فارسا

مكينا شجاعا في الحروب مجاريا

يحب إلهي والإله يحبه

به يفتح الله الحصون الأوابيا

فخص لها دون البرية كلها

عليا وسماه الولي المؤاخيا (٣)

والبيت الأوسط حسب رواية المفيد كما يلي :

وقال سأعطي الراية اليوم صارما

كميا محبا للرسول مواليا (٤)

وجاء في خطبة الإمام الحسن «عليه‌السلام» بعد شهادة أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، قوله : منها قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، ويقاتل جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، ثم لا ترد رايته حتى يفتح الله عليه (٥).

__________________

(١) الآية ١٨ من سورة الفتح.

(٢) كفاية الطالب (ط الغري) ص ١٢٠ عن الخوارزمي.

(٣) الفصول المهمة لابن الصباغ ص ١٩ والإرشاد للمفيد ج ١ ص ١٢٨ والبحار ج ٢١ ص ١٦.

(٤) الإرشاد للمفيد (ط مؤسسة آل البيت) ج ١ ص ١٢٨.

(٥) راجع : ينابيع المودة (ط أسلامبول) ص ٢٠٨.

٤٢

الباب السابع

غنائم وسبايا

الفصل الأول : كنز آل أبي الحقيق

الفصل الثاني : غنائم وسبايا خيبر

الفصل الثالث : أبو هريرة .. والغنائم

الفصل الرابع : لمسات أخيرة ..

٤٣
٤٤

الفصل الأول :

كنز آل أبي الحقيق

٤٥
٤٦

كنز آل أبي الحقيق :

وأخذ المسلمون في جملة غنائم غزوة خيبر حلي آل أبي الحقيق ، التي كانوا يعتزون بها.

قال محمد بن عمر : كان الحلي في أول الأمر في مسك حمل ، فلما كثر ، جعلوه في مسك ثور ، ثم في مسك جمل ، وكان ذلك الحلي يكون عند الأكابر من آل أبي الحقيق ، وكانوا يعيرونه العرب (١).

وقال الصالحي الشامي : روى ابن سعد والبيهقي ، عن ابن عمر ، وابن سعد ـ بسند رجاله ثقات ـ عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ وهو صدوق سيئ الحفظ ـ عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس :

أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما ظهر على أهل خيبر صالحهم على أن يخرجوا بأنفسهم وأهليهم ، وللنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الصفراء والبيضاء ، والحلقة ، والسلاح ، ويخرجهم ، وشرطوا للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن لا يكتموه شيئا ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٢ وراجع : السير الكبير للشيباني ج ١ ص ٢٧٩.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣١ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٢٩ وراجع : ـ

٤٧

قال ابن عباس : فأتي بكنانة ، والربيع ، وكان كنانة زوج صفية ، والربيع أخوه أو ابن عمه ، فقال لهما رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أين آنيتكما التي كنتم تعيرونها أهل مكة»؟ (١).

وفي الحلبية عن الإقناع : سأل كنانة بن أبي الحقيق.

وقال ابن عمر : قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعم حيي : «ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير»؟

فقال : وقال ابن عباس : قالا : «هربنا ، فلم نزل تضعنا أرض وترفعنا أخرى ، فذهب في نفقتنا كل شيء» (٢).

وقال ابن عمر : أذهبته النفقات والحروب.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «العهد قريب ، والمال أكثر من ذلك» (٣).

__________________

شرح مسلم ج ٩ ص ٢٢١ عن فتح الباري ج ٧ ص ٣٦٧ وعن الطبقات الكبرى ج ٢ ص ١١٠.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٢ وعن الطبقات الكبرى ج ٢ ص ١١٢ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٩٨ والبحار ج ١٨ ص ١٣٧.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٢ وعن سنن أبي داود ج ٢ ص ٣٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٣٧ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ٦٠٧ ونصب الراية ج ٤ ص ٢٥٣ وموارد الظمآن ص ٤١٢ وتاريخ المدينة ج ٢ ص ٤٦٦ وفتوح البلدان ج ١ ص ٢٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٢٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٧٧.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٢ وعن الطبقات الكبرى ج ٢ ص ١١٢.

٤٨

وقال ابن عباس : فقال لهما رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إنكما إن تكتماني شيئا فاطلعت عليه استحللت به دماءكما وذراريكما»؟؟

فقالا : نعم (١).

وقال عروة ومحمد بن عمر ، فيما رواه البيهقي عنهما : فأخبر الله عزوجل رسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بموضع الكنز ، فقال لكنانة : «إنك لمغتر بأمر السماء» (٢).

قال ابن عباس : فدعا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» رجلا من الأنصار فقال : «اذهب إلى قراح كذا وكذا ، ثم ائت النخل ، فانظر نخلة عن يمينك ، أو عن يسارك ، مرفوعة ، فأتني بما فيها».

فجاءه بالآنية والأموال ، فقومت بعشرة آلاف دينار ، فضرب أعناقهما ، وسبى أهليهما ، بالنكث الذي نكثاه (٣).

وقد وجدوا فيه أساور ، ودمالج ، وخلاخل ، وأقرطة ، وخواتيم الذهب ، وعقود الجواهر ، والزّمرّد ، وعقود أظفار مجزع بالذهب (٤).

وقال ابن إسحاق : أتي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بكنانة بن الربيع ، وكان عنده كنز بني النضير ، فسأله عنه ، فجحد أن يكون يعلم

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٢ والبحار ج ١٨ ص ١٣٧ وعن الطبقات الكبرى ج ٢ ص ١١٢.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٢.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٢ وعن الطبقات الكبرى ج ٢ ص ١١٢.

(٤) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٢.

٤٩

مكانه ، فأتي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» برجل من يهود ، قال ابن عقبة : اسمه ثعلبة ، وكان في عقله شيء ، فقال لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لكنانة : «أرأيت إن وجدناه عندك ، أقتلك»؟

قال : نعم.

فأمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالخربة فحفرت ، وأخرج منها بعض كنزهم.

ثم سأله عما بقي ، فأبى أن يؤديه ، فأمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الزبير بن العوام ، فقال : «عذبه حتى تستأصل ما عنده».

فكان الزبير يقدح بزنده في صدره ، حتى أشرف على نفسه ، ثم دفعه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى محمد بن مسلمة ، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة (١).

وفي نص آخر : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سأل عن المسك ، سعية بن عمرو ، أو سعية بن سلام بن أبي الحقيق (وهو عم حيي بن أخطب).

فدفع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سعية بن عمرو للزبير ، فمسّه

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٢ و ٤٣ والبحار ج ٢١ ص ٣٤ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٠٢ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٤٤ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٨٠٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٧٤.

٥٠

بعذاب ، فقال : رأيت حييا يطوف في خربة ههنا.

فذهبوا إلى الخربة ، ففتشوها ، فوجدوا ذلك الجلد (١).

أيّ ذلك الصحيح؟؟

وفي حديث الكنز أسئلة عديدة :

فهل الذي دفن الكنز في الخربة هو كنانة بن أبي الحقيق ، حين رأى أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فتح حصن النطاة ، وتيقن أنه سوف ينتصر عليهم؟

أو أن الذي دفنه هو حيي بن أخطب (٢)؟

وهل الذي أعلمه بالكنز هو الوحي؟ أم الرجل اليهودي الذي اسمه ثعلبة؟ أم أنه سعية بن عمرو؟؟

ربما يقال : إن كلا منهما أخبره بقسم منه ، فأخبره أحدهما بما في الخربة ، وأخبره الآخر بالباقي الذي عند النخلة.

وهل استخرج الكنز كله ، أو بعضه؟

وهل سأل سعية ، أم سأل كنانة؟

وهل عذب الزبير كنانة ، أم عذب سعية؟

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٢ ونصب الراية ج ٤ ص ٢٥٣ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٤٣ وفتوح البلدان ج ١ ص ٢٦ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ٦٠٨ وموارد الظمآن ص ٤١٢ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٢٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٧٧ والسنن الكبرى ج ٩ ص ١٣٧.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٢.

٥١

وهل أخبره قبل أن يعذبه بسبب اختلال عقله؟ أم أخبره بعد أن مسه بعذاب؟.

وهل؟؟ وهل؟؟

التعذيب لماذا؟؟

ويزعمون : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أمر الزبير بتعذيب كنانة ، أو سعية.

قال الحلبي : «أخذ منه جواز العقوبة لمن يتهم ليقر بالحق ، فهو السياسة الشرعية» (١).

ونقول :

لو قبلنا : أن ابن أبي الحقيق قد عذّب فعلا ، فلا ضير في هذا التعذيب الذي لم يكن من أجل قتل محمود بن مسلمة ، بل لأنه عالم بأمر كان قد أعطى عهدا بعدم كتمانه ، وأنه إن كتم شيئا فقد برئت منه ذمة الله تعالى ، وذمة رسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

بل هو قد صرح لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : بأنه إن وجد الكنز ، فله أن يقتله ، وأنه راض بهذا القتل. وقد وجد الكنز فعلا.

وكان لهذا الكنز دور قوي في قوة اليهود الروحية والمعنوية ، وله أثر كبير في تماسكهم وإصرارهم على باطلهم.

ويكفي أن نذكر : أنه لما جرى إجلاء بني النضير ، كان سلام بن أبي

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٣.

٥٢

الحقيق رافعا ذلك الحلي ، ليراه الناس ، وهو يقول بأعلى صوته : «هذا أعددناه لرفع الأرض وخفضها» (١).

فإن كان ابن أبي الحقيق قد قبل بمبدأ أن يقتل ، إن تبيّن أنه كاذب ، وقد تبيّن ذلك بالفعل ، بعد أن استخرج قسم من الكنز ، فلماذا لا يجبر على الإقرار بباقيه ، ما دام أنه هو نفسه قد أعطى عهده بذلك؟؟

العهد قريب ، والمال أكثر من ذلك :

ويلاحظ هنا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يقبل منهم قولهم : إن حليهم أذهبتها النفقات ، بالاستناد إلى عدم التناسب بين الحاجات والنفقات التي تلزم في مثل تلك المدة ، وبين حجم المال الذي يدّعى أنه قد أنفق.

وهذا يدل : على أن هذا المقدار من عدم التناسب كاف في عدم قبول العذر ، وإبقاء التهمة على قوتها ، ثم التصرف على أساسها ..

أخذ العهد عليهم من جديد :

ويلاحظ : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإن كان قد أخذ منهم في بادئ الأمر عهدا بأن لا يكتموه شيئا ، وببراءة الذمة ممن فعل ذلك ..

ولكنه بعد ظهور هذا الإنكار منهم ، عاد فجدد أخذ العهد عليهم ، حيث صرحوا بالرضا بالقتل لو ظهر هذا الكنز الذي ينكرون وجوده ، ويقدمون المبررات لإنكارهم.

ولعل تجديد أخذ العهد ، والإقرار بالرضا بذلك منهم ، من أجل أن لا

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٢.

٥٣

يشعروا : بأنهم قد ظلموا بهذا الاستقصاء الذي يواجهونه ، متوهمين أنهم إنما أعطوا العهد على أن يعاملوهم وفق الأحوال العادية. وأما هذا الاستقصاء فهو أمر طارئ ، ولو أنهم علموا به ، فربما يعيدون النظر في عهدهم ذاك ..

فأراد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يزيل حتى هذا الوهم ، فقال لهما على سبيل التقرير ، وأخذ الرضا : إنكما إن كتمتماني شيئا فاطلعت عليه ، استحللت به دماءكما ، وذراريكما؟؟

قالا : نعم ..

وليلاحظ كلمة : «به» ، التي أسندت هذا الاستحلال ، إلى نفس هذا الكتمان الجديد. لتكون هذه الخيانة سببا مستقلا للعقوبة التي رضوا بأن يعرضوا أنفسهم لها ، من حيث إنها دليل على حقيقتهم ، وعلى نهجهم الخياني كله ، هذا النهج الذي لم يؤثر فيه كل ما جرى ويجري لهم ، مما جنوه على أنفسهم ، وإنما على نفسها جنت براقش ..

إنك لمغتر بأمر السماء :

ويزيد الأمر وضوحا : أن هؤلاء الناس ، رغم أنهم يجدون هذا النبي مكتوبا عندهم في التوراة ، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، ويرون المعجزات والكرامات له رأي العين ، وقد اقتلع وصيه علي «عليه‌السلام» باب حصنهم ، وجعله ترسا ، ومعبرا للمقاتلين ، وهو ممسك به ، وحامل له .. ولكنهم لا يعتبرون ، ولا يؤمنون ، وكأنهم يكافحون الله تعالى في الأرض ، حيث لم يقدروا على مكافحته في السماء.

والمفروض : أن يمنعهم علمهم بصدق هذا النبي من الكذب عليه ،

٥٤

لأنهم يعلمون أن الله تعالى يخبر أنبياءه بأمرهم ، ويفضح كيدهم ..

فإذا أصروا على ممارسة هذا الكذب ، فذلك يعني : أنهم لا يهتمون لغيب الله سبحانه ، تماما كما قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لكنانة : «إنك لمغتر بأمر السماء».

ومن كان كذلك ، فإنه يكون محاربا لله سبحانه ، لا يصح الرفق به ، ولا يجوز العفو عنه ..

٥٥
٥٦

الفصل الثاني :

غنائم وسبايا خيبر

٥٧
٥٨

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يرضخ للنساء :

قال الحلبي : «ورضخ «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للنساء ، أي وكن عشرين امرأة ، فيهن صفية عمته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأم سليم ، وأم عطية الأنصارية» (١).

وقال ابن إسحاق : وشهد خيبر مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من نساء المسلمين فرضخ لهن من الفيء ، ولم يضرب لهن بسهم (٢).

وروى ابن إسحاق ، عن امرأة من غفار قالت : أتيت رسول الله «صلى

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٦ وعن الطبقات الكبرى ج ٨ ص ٤٥٦ وراجع : النهاية ج ٢ ص ٢٢٨.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٤٤ وراجع : الإيضاح ص ١٨٧ ومواقف الشيعة ج ٣ ص ٣٨٩ وكتاب المسند ص ٢٠٧ و ٣١٩ وعن مسند أحمد ج ١ ص ٣٠٨ و ٣٥٢ وعن صحيح مسلم ج ٥ ص ١٩٧ وعن سنن أبي داود ج ١ ص ٦٢٠ وسنن الترمذي ج ٣ ص ٥٧ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٣٣٢ وج ٩ ص ٢٢ و ٣٠ والمصنف لابن أبي شبة ج ٧ ص ٦٦٧ ومسند أبي يعلى ج ٥ ص ٤٢ والمنتقى من السنن المسندة ص ٢٧٣ والمعجم الكبير ج ١٠ ص ٣٣٦ ونصب الراية ج ٤ ص ٢٨٤ وتاريخ المدينة ج ٢ ص ٦٤٨ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٠٤ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٣٢ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٨٠٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٨٧.

٥٩

الله عليه وآله» في نسوة من بني غفار فقلن : يا رسول الله ، قد أردنا الخروج معك إلى وجهك هذا ـ وهو يسير إلى خيبر ـ فنداوي الجرحى ، ونعين المسلمين ما استطعنا.

فقال : «على بركة الله تعالى».

قالت : فخرجنا معه.

قالت : فلما فتح رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خيبر رضخ لنا من الفيء ، وأخذ هذه القلادة فوضعها في عنقي ، فو الله لا تفارقني أبدا. وأوصت أن تدفن معها (١).

وعن عبد الله بن أنيس قال : خرجت مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى خيبر ومعي زوجتي ـ وهي حبلى ـ فنفست في الطريق ، فأخبرت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : «انقع لها تمرا ، فإذا أنعم بلّه ، فامرثه لتشربه». ففعلت ، فما رأت شيئا تكرهه.

فلما فتحنا خيبر أحذى النساء ولم يسهم لهن ، فأحذى زوجتي وولدي الذي ولد (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٤٤ وفي هامشه عن مسند أحمد ج ٦ ص ٣٨٠ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٤٠٧ وعن الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ ص ٢١٤ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٤ وعن أبي داود ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٨٨ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٨٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٤٤ عن الواقدي ، ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٤٣ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٥ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٨٨ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٨٦.

٦٠