الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-190-4
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

الْمُتَّقِينَ) (١).

وزعمتم : أن لا حظوة لي ، ولا أرث من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟

أم هل تقولون : إن أهل ملتين لا يتوارثان؟

أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟

أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟

فدونكها مخطومة مرحولة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ..

ثم قالت «عليها‌السلام» لأبي بكر : سبحان الله ، ما كان أبي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن كتاب الله صادفا ، ولا لأحكامه مخالفا؟ بل كان يتبع أثره ، ويقفو سوره. أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور ، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل في حياته ، هذا كتاب الله حكما عدلا ، وناطقا فصلا ، يقول : (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (٢).

ويقول : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) (٣).

وبيّن عزوجل فيما وزع من الأقساط ، وشرع من الفرائض والميراث ، وأباح من حظ الذكران والإناث ، ما أزاح به علة المبطلين ، وأزال التظني والشبهات في الغابرين. كلا بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل ، والله

__________________

(١) الآية ١٨٠ من سورة البقرة.

(٢) الآيتان ٥ و ٦ من سورة الأحزاب.

(٣) الآية ١٦ من سورة النمل.

٢٨١

المستعان على ما تصفون (١).

وخلاصة القول :

إن الخلافة عن الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تعني : أخذ موقعه ، والتصدي لمهماته ، التي هي تعليم الأمة دينها ، وتربيتها تربية صحيحة وصالحة ، وتدبير أمورها وقيادتها إلى شاطئ الأمان ، وحفظها من أعدائها ، وقيادة جيوشها ، والقضاء والحكم فيما اختلفوا فيه ، بحكم الله ورسوله .. وما إلى ذلك ..

فإذا كان من يجلسون في موقعه ، وينتحلون مقامه ، لا يعرفون هذه الأحكام البديهية ، فكيف استحقوا إمامة الأمة .. وكيف يعلّمونها أحكام الدين ، وشرائع الإسلام ، وفيها ما هو دقيق وعميق ، ولا يعرفه إلا الأقلون ، وكان مما يقل الإبتلاء به ، وهو بعيد عن التداول؟؟

وإذا كانوا لا يعرفون هذه الآيات القرآنية ، التي يعرفها حتى الصبيان ، فكيف يعلّمون الناس القرآن ، ويستخرجون لهم دقائقه وحقائقه؟؟

وإذا كانوا بعد التعليم والبيان من قبل الزهراء «عليها‌السلام» في خطبتها هذه بالذات ، قد عجزوا عن التعلم ، فكيف يمكن لهم التصدي لشرح معاني القرآن ، واستكناه أسراره؟؟

وإذا كانوا قد عرفوا وأصروا على مخالفة أمر الله تعالى ، فأين هي عدالتهم اللازمة لهم في أبسط الأشياء ، والمطلوب توفرها في كل مسلم

__________________

(١) الإحتجاج ص ١٣١ ـ ١٤٩ والبحار ج ٢٩ ص ٢٢٠ ـ ٢٣٥ ومواقف الشيعة للأحمدي ج ١ ص ٤٥٩ ـ ٤٦٨ وبيت الأحزان ص ١٤١ ـ ١٥١ والأنوار العلوية ص ٢٩٣ ـ ٣٠١ واللمعة البيضاء ص ٦٩٤ ومجمع النورين ص ١٢٧ ـ ١٣٤.

٢٨٢

ومؤمن ، فضلا عمن يتبوأ منصب خلافة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟؟

وأين هي الأمانة على دين الله ، وعلى أموال المسلمين ، وعلى مصالحهم وشؤونهم؟؟

وإذا كانوا هم الذين يظلمون الناس في أحكامهم القضائية ، فكيف نتوقع منهم أن يحكموا بالعدل في سائر أفراد الأمة؟؟

وإذا كانوا هم الطرف في الدعوى ، والسبب في المشكلات ، فكيف يكونون هم الحكام والقضاة فيها؟؟

وإذا كانوا يضربون طرف الدعوى ويظلمونه قبل إدلائه بالحجة ، وقبل سماعها منه ، فكيف نتوقع أن يجرؤ على الإدلاء بحجته ، ويقدم أدلته؟؟

وإذا كان هذا الظلم يجري على أقدس إنسان على وجه الأرض ، وهو بنت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والتي يرضى الله لرضاها ، ويغضب لغضبها ، فكيف يكون حال الناس العاديين الذين لا قداسة ولا موقع لهم ، ولم يخبر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عنهم بأن الله يرضى لرضاهم ، أو يغضب لغضبهم؟؟ ..

وإذا كانوا قد فعلوا ذلك لجهلهم بأحكام القضاء ، فكيف صح أن يتصدوا لهذا المقام الذي هو للعارف بالقضاء؟؟

وإذا كانوا قد فعلوا ذلك تجاهلا وتعمدا لترك ما يجب عليهم ، فأين هي العدالة في القاضي؟ أليس اشتراطها فيه من أبده البديهيات ، وأوضح الواضحات؟؟

فقضية فدك إذن أوضحت : أن هؤلاء يفقدون الشرائط الأساسية للإمامة والخلافة ، ولا يصلحون لتولي شؤون دجاجة ، فضلا عن أن يكون

٢٨٣

لهم الحق في الولاية على أحد من البشر ، حتى على أولادهم ، فكيف يتولون شؤون الأمة بأسرها؟؟ وتكون قيمة ذلك هذا العدوان الظاهر السافر؟؟

واللافت هنا : أن هذه الشرائط التي يفقدونها ليست شرائط معقدة ، ولا يحتاج الإلتفات إليها ، وإدراك صحتها ، ولزوم توفرها إلى دراسة وتعمق ، ولا إلى أدلة وبراهين ، وثقافة ومعارف.

بل يكفي لإدراك لزومها في الحاكم ، وكذلك لمعرفة فعلية وجودها فيمن يدّعيها ، إلى أدنى التفات من أي إنسان ، حتى لو كان غير مسلم ، وغير موحّد أيضا ؛ لأن من البديهيات الأولية لدى البشر أن من يتصدى لإنجاز أمر ، فلا بد أن يملك القدرة والخبرة الكافية فيه ..

وهو ما نسميه هنا بعلم الشريعة. ولا بد أيضا أن يكون أمينا على ما اؤتمن عليه ، فلا يحيف ، ولا يخون ، ولا يظلم فيه ..

وأخيرا : نقول :

لنفترض : أن الإنسان قد يسهو عن بعض الأحكام حتى البديهية ، وقد يصدر حكما جائرا أحيانا بسبب غفلة ، أو نزوة هوى عرضت ، ولكن حين يعود إلى نفسه ، ويتهيأ له من ينقذه من غفلته ، ويجد الواعظ القريب ، والمؤدب اللبيب الذي خالف هواه ، وامتثل أوامر مولاه ، فإنه يثوب إلى رشده ، ويستيقظ من غفلته ، ويتوب إلى ربه ..

ولا يضر ذلك في صفة العدالة ، ولو كان يضر بها ، فإن عودته إلى الطريق المستقيم تصلح ما فسد ، وتعيد الأمور إلى نصابها ..

ولكن هؤلاء القوم ليس فقط لم يستيقظوا ، بل هم أصروا على اتباع الهوى بعد البيانات الواضحة ، والحجج اللائحة ، والتربية الصالحة ، ولم يراعوا أية

٢٨٤

حرمة ، ولم يقفوا عند أي حد حتى حدود المراعاة العرفية ، والمجاملات العادية ، وهذا خلل أخلاقي كبير ، لا يبقي مجالا لإغماض النظر عن الخطأ العارض.

بل هو خطأ مفروض ومحمي بشريعة الغاب ، وبقانون القوة الغاشمة ، والقهر والظلم ..

الأمر الذي يشير : إلى أن عنصر الأخلاق مفقود أيضا ، وهو عنصر هام وضروري للناس جميعا ، فكيف بمن يكون من جملة وظائفه تطهير النفوس ، وتربية الأمة على الأخلاق الحميدة ، وغرس الفضائل في النفوس ، وهدايتها نحو كمالاتها؟؟ ..

فإن هؤلاء يدّعون : أنهم يستحقون أن يكونوا في موقع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأن يقوموا بوظائفه ، ويضطلعوا بمهماته.

وقد بين الله سبحانه طرفا من وظائف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١).

وبذلك تكون فدك قد حسمت الأمور ، وكشفت الحقيقة ـ كل الحقيقة ـ للبشر جميعا ، وبمختلف فئاتهم وطبقاتهم ، ومذاهبهم ، وأديانهم. ويبقى الباب مفتوحا أمام الناس كلهم ، ليعرفوا الظالم من المظلوم ، والمحق من المبطل ، والمحسن من المسيء ، حتى لو لم تكن هناك نصوص ، أو كانت ، وادّعوا أنهم لا يؤمنون بها ، (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٢) ، والحاقدون ، والحاسدون.

__________________

(١) الآية ٢ من سورة الجمعة.

(٢) الآية ٣٢ من سورة التوبة.

٢٨٥
٢٨٦

الباب التاسع

بعد سقوط خيبر

الفصل الأول : لقاء الأحبة .. قدوم جعفر والمهاجرين

الفصل الثاني : المتعة .. ولحوم الحمر الإنسية ..

الفصل الثالث : سم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في خيبر

٢٨٧
٢٨٨

الفصل الأول :

لقاء الأحبة .. وقدوم جعفر والمهاجرين

٢٨٩
٢٩٠

قدوم جعفر من الحبشة :

كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل مسيره إلى خيبر ، أرسل عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ، عظيم الحبشة ، وطلب منه أن يحمل إليه جعفرا وأصحابه. فجهز النجاشي جعفرا وأصحابه بجهاز حسن ، وأولاهم بكسوة ، وحملهم في سفينتين (١) ، وكانوا ستة عشر نفرا ، سوى من توفي ، أو رجع قبل ذلك (٢).

وأرسل النجاشي معهم ابن أخيه إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليخدمه (٣).

__________________

(١) راجع : الطبقات الكبرى ج ١ ص ٢٠٨ و ٢٥٩ وج ٤ ص ٣٤٩ والبحار ج ٢١ ص ٢٣ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٤٥ و ٤٥٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٥ ص ٤٣٠ وإعلام الورى ج ١ ص ٢١٠ وميزان الحكمة ج ٤ ص ٣٤٢٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٦ وسبل الهدى ج ١١ ص ٣٦٥.

(٢) عن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٦ و ٢٠٧ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٧٩ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ١ ص ٥٨٩ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٤٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٩١.

(٣) البداية والنهاية ج ٣ ص ٧٨ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٣٣ ص ٩٩ وج ٥ ص ٣٥٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٣٠ وج ٤ ص ٦٥٨ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٤١٥.

٢٩١

ولما فتح الله خيبر ، وقدم جعفر بن أبي طالب «عليه‌السلام» من الحبشة : بعث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مولاه أبا رافع ، يتلقاه (١).

ولما رآه قام إليه واستقبله اثنتي عشر خطوة (٢) ، ضمه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى صدره ، وقبل ما بين عينيه ، وقال :

لا أدري بأيهما أنا أشد فرحا (أو أسرّ ، أو أشد سرورا) بفتح خيبر؟؟ أو بقدوم جعفر؟؟ (٣).

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٩ ص ١٣٣ والفايق في غريب الحديث للزمخشري ج ١ ص ٢٢٥ وغريب الحديث لابن قتيبة ج ١ ص ٣٣٥.

(٢) الخصال ج ٢ ص ٤٨٤ وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣١ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٢ ص ٢٢٦ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ٥٥٩ والبحار ج ٢١ ص ٢٤.

(٣) السيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة الخيرية ـ مصر) ج ٣ ص ١٩٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٨ و ٤٩ والمقنع للصدوق ص ١٣٩ والهداية للصدوق ص ١٥٣ ومنتهى المطلب (ط. ق) ج ١ ص ٣٥٩ والذكرى ص ٢٤٩ وروض الجنان ص ٣٢٧ ص ٣٢٧ ومدارك الأحكام ج ٤ ص ٢٠٦ وذخيرة المعاد ج ٢ ص ٣٤٩ والحدائق الناضرة ج ١٠ ص ٤٩٨ وجواهر الكلام ج ١٢ ص ٢٠٠ ومصباح الفقيه ج ٢ ق ٢ ص ٥٢٣ والعروة الوثقى (ط. ق) ج ٢ ص ١٠٥ و (ط. ج) ج ٣ ص ٤٠٤ وكتاب الصلاة ج ٧ ص ٣٥٦ والمبسوط للسرخسي ج ١٠ ص ٢٣ والخصال ص ٧٧ وتهذيب الأحكام ج ٣ ص ١٨٦ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ٨ ص ٥٠ و ٥٢ و (ط دار الإسلامية) ج ٥ ص ١٩٥ و ١٩٧ ومستدرك الوسائل ج ٦ ص ٢٢٧ والمسترشد للطبري ص ٣٣٣ ومقاتل الطالبيين ص ٦ وشرح الأخبار ج ٣ ص ٢٠٤ وذخائر العقبى ص ٢١٤ والأربعون حديثا للشهيد الأول ص ٥٣ وعمدة الطالب لابن عنبة ص ٣٥ والبحار ج ١٨ ـ

٢٩٢

وفي نص آخر : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» استقبله اثنتي عشرة خطوة ، وقبّل ما بين عينيه ، وبكى وقال : ما أدري بأيهما أنا أشد (سرورا) فرحا ، بقدومك يا جعفر ، أم بفتح الله على أخيك خيبر ، وبكى فرحا برؤيته (١).

__________________

ص ٤١٣ وج ٢١ ص ٢٣ و ٦٣ وج ٣٩ ص ٢٠٧ وج ٨٨ ص ٢٠٦ و ٢٠٨ و ٢١١ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٢٩٧ والمستدرك ج ٣ ص ٢٠٨ و ٢١١ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٣٠ وج ٩ ص ٤١٩ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٥١٦ وشرح معاني الآثار ج ٤ ص ٢٨١ والأحاديث الطوال ص ٤٥ والمعجم الكبير ج ٢ ص ١٠٨ و ١١١ ونصب الراية ج ٦ ص ١٥٢ و ١٥٣ وكنز العمال ج ١١ ص ٦٦٥ و ٦٦٦ وج ١٣ ص ٣٢٣ وتفسير مجمع البيان ج ٣ ص ٤٠١ ومنتقى الجمان ج ٢ ص ٢٧٢ والدرجات الرفيعة ص ٦٩ و ٧٤ وتهذيب المقال ج ٤ ص ١٨٧ والطبقات الكبرى ج ٤ ص ٣٥ والثقات ج ٢ ص ١٨ وتهذيب الكمال ج ٥ ص ٥٣ وسير أعلام النبلاء ج ١ ص ٢١٣ و ٤٣٧ وتهذيب التهذيب ج ٢ ص ٨٤ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٦ والتنبيه والإشراف ص ٢٢٣ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٩١ و ٩٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٣٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٤٠ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٢١٦ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٨١٨ وبشارة المصطفى ص ١٦٣ وإعلام الورى بأعلام الهدى ج ١ ص ٢١٠ وقصص الأنبياء للراوندي ص ٣٤٥ وكشف الغمة ج ١ ص ٣٨٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ١٦ و ٣٠ وج ٣ ص ٣٩٠ و ٣٩١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٦ وج ١١ ص ١٠٦ و ١٠٧ وينابيع المودة ج ١ ص ٤٦٨ واللمعة البيضاء ص ٢٩٥.

(١) راجع : البحار ج ٢١ ص ٢٤ والخصال ص ٤٨٤ وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣١ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٢ ص ٢٢٦ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ٥٩٥.

٢٩٣

بل جاء في رواية أبي هاشم الجعفري عن الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر «عليهم‌السلام» قال : لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على غلوة من معرسه بخيبر (١).

فلما رآه جعفر أسرع إليه هرولة ، فاعتنقه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وحادثه شيئا ، ثم ركب العضباء ، وأردفه ، فلما انبعثت بهما الراحلة أقبل عليه ، فقال : يا جعفر يا أخ ، ألا أحبوك؟ ألا أعطيك؟ ألا أصطفيك؟

قال : فظن الناس أنه يعطي جعفرا عظيما من المال.

قال : وذلك لما فتح الله على نبيه خيبر ، وغنمه أرضها وأموالها وأهلها.

فقال جعفر : بلى فداك أبي وأمي ، فعلمه صلاة التسبيح (٢). وهي المعروفة بصلاة جعفر.

وفي رواية : أن جعفرا لما رأى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حجل (أي صار يمشي على رجل واحدة) ، إعظاما منه لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

__________________

(١) أي : تلقاه مقدار غلوة سهم من موضع نزوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» راجع : البحار ج ٨٨ ص ١٩٣ ودرر الأخبار ص ٦٣٠ ومستدرك الوسائل ج ٦ ص ٢٢٥.

(٢) البحار ج ٨٨ ص ١٩٣ عن جمال الأسبوع ، ومستدرك الوسائل ج ٦ ص ٢٢٥ ودرر الأخبار ص ٦٢٠.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٦ وج ١١ ص ١٠٧ ودلائل النبوة ج ٤ ص ٢٤٦ البحار ج ٢١ ص ٢٣ وراجع : ذخائر العقبى ص ٢١٤ والمعجم الأوسط ج ٦ ص ٢٣٤ وكنز العمال ج ١٣ ص ٣٢٢ والدرجات الرفيعة ص ٧٠ وضعفاء العقيلي ج ٤ ص ٢٥٧ وميزان الإعتدال ج ٤ ص ٢٧٦ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٣٥ وإعلام الورى ج ١ ص ٢١٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٩١.

٢٩٤

الوفد القادم مع جعفر :

وقدم مع جعفر سبعون رجلا عليهم ثياب الصوف ، من أهل الصوامع ، منهم اثنان وستون من الحبشة ، وثمانية روميون من أهل الشام ، وقيل : ثمانون رجلا ، منهم ثمانية روميون ، وقيل : ثمانون رجلا ، أربعون من أهل نجران ، واثنان وثلاثون من الحبشة ، وثمانية روميون.

فقرأ عليهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سورة (يس) ، فبكوا ، وأسلموا ، وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى؟؟

ولعلهم هم الذين يقال : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قام يخدمهم بنفسه.

فقال له أصحابه : نحن نكفيك يا رسول الله.

فقال : إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين (١).

ونقول :

إن لنا هنا وقفات ، هي التالية :

ألف : فتح خيبر وقدوم جعفر ، مترابطان :

روي عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» ، أنه قال : ما مر بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم كان أشد عليه من يوم خيبر ، وذلك أن العرب تباغت

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٩ وراجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٣١ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٤٢٥ ومكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص ١١١ و ١١٢ والأحاديث الطوال للطبراني ص ٦٤ والبداية والنهاية ج ٢ ص ٧٦ و (ط دار إحياء التراث) ج ٣ ص ٩٩ والشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ج ١ ص ١٢٧.

٢٩٥

عليه (١). وقد بلغ جمعهم أربعة عشر ألف مقاتل.

لقد كان فتح خيبر أمرا مهما للغاية ، لما كان له من تأثير بالغ في بعث اليأس في قلوب كل القوى المناوئة للإسلام في الجزيرة العربية كلها ..

وكان له أيضا تأثيره القوي في اقتناع قريش بأن عليها أن تحرص على تنفيذ بنود عهد الحديبية ، فلا مجال للتعلل ، ولا لاختلاق العراقيل ، فقد تضاعفت قوة المسلمين عمّا كانت عليه ، إن من الناحية الإقتصادية ، أو من الناحية العددية ، أو لجهة زيادة التحالفات ، أو ازدياد النفوذ ، والقوة السياسية في المنطقة بأسرها ..

كما أن المسلمين قد تخلصوا من عدو يملك خبرة في إثارة الفتن ، وفي إثارة الشبهات والشكوك لدى ضعفاء النفوس ، أو الذين لا يملكون القدر الكافي من المعرفة والوعي الديني والسياسي ، وما إلى ذلك ..

وبفتح خيبر أصبح بالإمكان التفرغ لتركيز المعرفة الدينية في نفوس الناس ، والعمل على تصدير هذه المعرفة لسائر الأقطار .. وفقا للمتغيرات التي سوف تأتي بها الرسائل التي بعث بها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لملوك الأرض ..

كما أنه بذلك : تكون معظم المفردات المطلوبة لبدء تدفق الناس على الإسلام قد توفرت ، وأصبح من الضروري الإستعداد لاستقبال عشرات الألوف ، الذين سوف يعلنون دخولهم في هذا الدين بين لحظة وأخرى ، بمجرد استكمال بعض العناصر التي ليست أساسية ، بل يمكن تصنيفها في

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ١٧٢ والبحار ج ٢١ ص ١٣ و ١٨٠.

٢٩٦

عداد الأمور الإجرائية ، التي تزيل بقايا المخاوف ، بزوال ما تبقى من هيبة قوى الشرك والكفر في المنطقة بأسرها ..

وكل ذلك يشير : إلى قيمة منجزات حرب خيبر ، ودورها في إيصال الأوضاع إلى هذا الحد ، وكان قدوم جعفر ، ومن معه من أرض الحبشة هو التعبير الواضح عن هذه المرحلة ، وعن آثار هذا الحسم العسكري العظيم ..

ب : قدوم جعفر قيمة لا تضاهى :

وقد اعتبر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفس قدوم جعفر ، هو الأمر الذي لا يضاهى من حيث أهميته وقيمته ، وهو الموجب لفرحه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بدرجة فرحه بفتح خيبر ، أو يزيد ..

ونفس القدوم هو المفرح للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولذلك لم يذكر أن سلامة جعفر مثلا ، هي سبب سروره ، ولا أشار لأي شيء آخر ..

كما أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يشر : إلى الذين كانوا مع جعفر في الحبشة ، وقدموا معه ..

فمجرد قدوم هذا الإنسان يوازي فتح خيبر ، أو هو أعظم وأهم من ذلك عند الله ورسوله .. مع أن ذلك الفتح قد استوجب جهدا وجهادا ، وقدّم فيه شهداء؟؟ كما أنه أعطى تلك النتائج العظيمة التي أشرنا إليها في الفقرة السابقة ..

وهذا يدلنا على : أن القيمة ـ كل القيمة ـ هي لجعفر من حيث هو إنسان إلهي خالص ، لا لقرابته النسبية وكونه ابن عم الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولا لفروسيته وشجاعته في الحرب ، ولا لأي شيء من المزايا

٢٩٧

التي تطلب في هذه الحياة الدنيا ..

والدليل على ذلك : أن الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، ولم يكن ليبخس الناس أشياءهم ، فيحكم بأن : استشهاد الشهداء ، وتحقيق انتصار بهذا الحجم العظيم ؛ أدنى قيمة أو يساوي في قيمته قدوم جعفر ، لمجرد كونه ابن عمه ، أو لكونه شجاعا ، أو صديقا ، أو نحو ذلك .. بل هو تعبير عن ميزان القيمة عند الله تعالى ، ووفقا للمعايير الإلهية الصحيحة ..

ولا نجد في جعفر أية خصوصية توجب منحه هذا الوسام ، إلا أنه ذلك الإنسان الإلهي ، الذي جسد حقائق الإسلام في عمق وجوده وذاته ، لتصبح تلك الحقائق عقله ، ووعيه ، وخلقه ، وحركته وموقفه ، ويصبح كل وجوده فانيا في الإسلام ، ويصبح كل الإسلام متجسدا فيه ..

ج : عودة ظفر :

ومع غض النظر عن ذلك كله نقول :

لا شك في أن جعفرا قد عاد ظافرا من بلاد كانت تدين بالنصرانية ، حيث استطاع أن يترك فيها أعظم الأثر حين أقنع ملك تلك البلاد بالدخول في الإسلام. ولا شك أيضا في أن إقناع ملك ـ يملك درجة عالية ومتميزة من المعرفة والبصر بالأمور تخوله أن يسوس أمة بأسرها ـ بأن يدخل في دين جديد يتعرض في تعاليمه وأحكامه لكل تفاصيل حياته وسلوكه ، وربما يؤثر على ما يتمتع به من امتيازات.

نعم ، إن اعتناقه لدين له هذه المواصفات يعتبر إنجازا عظيما ، إذا قورن

٢٩٨

بما جرى لنفس النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الذي جاء بهذا الدين مع قومه وعشيرته ، وفي نفس بلده ..

وقد تزامن قدوم جعفر مع انتصار عظيم جدا على أتباع ديانة أخرى كانت تشكل نموذجا يحتذى بعند بعض العرب ، بل كثير منهم كقوة حضارية وإقتصادية وثقافية ، دفعهم إستكبارهم وحبهم للدنيا إلى إنكار المسلمات ، والتعالي والإستكبار عن قبول الواضحات ، وشن حرب مدمرة وباغية ، فأبار الله تعالى كيدهم ، وأسقط بغيهم ، ودارت الدوائر عليهم.

د : أم بفتح الله على يد أخيك :

إن الرواية المتداولة هي تلك التي تقول : «ما أدري بأيهما أنا أسرّ ، بقدوم جعفر ، أم بفتح خيبر»؟؟

ولكن الرواية الأخرى ، تقول : «بقدومك يا جعفر ، أم بفتح الله على يد أخيك خيبر»؟؟

ونرى أن هذه الرواية : تضمنت خصوصيات هامة جدا ، قد يكون هناك من الرواة من لا يحب لفت النظر إليها ، ولذلك اختصر الكلام ، وأبعد تلك اللطائف والمعاني عن دائرة التداول.

ونذكر من هذه اللطائف ما يلي :

١ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد نسب الفتح إلى الله تعالى مباشرة. وفي ذلك إعلان بالمزيد من التكريم لعلي «عليه‌السلام» ، الذي استحق أن ينال شرف تجسيد الإرادة الإلهية ، وإجرائها بكل عزم ، وحزم ، وقوة ، واندفاع ..

٢ ـ إن توجيه الخطاب إلى جعفر لهو أمر يسعده ، ويبهجه ويلذه ،

٢٩٩

ويعطيه نفحة من السكينة والرضا ، والإعتزاز بهذا التكريم الإلهي له ..

٣ ـ إن ذكر أخوّة علي «عليه‌السلام» لجعفر ، سوف يثير فيه أيضا شعورا آخر بالرضا والبهجة ، والسعادة ، لما يتضمنه من الإلماح إلى أن له شراكة في فتح خيبر أيضا ، وفي الرعاية الإلهية أيضا ، من خلال رابطة الأخوة القائمة بينه وبين علي «عليه‌السلام» ، الذي فتح الله تعالى خيبر على يديه ..

٤ ـ إن نفس تكريس حقيقة أن يكون الفتح على يد علي «عليه‌السلام» ، وحرمان كل الآخرين من هذا الشرف العظيم ، يعد خدمة عظيمة لهذا الدين ، لأن الفتح الإلهي لا يكون على يد من يريد أن يستفيد من هذا الفتح في احتكار الإمتيازات لنفسه أو لفريقه ، أو من يريد أن يحقق هذا الفتح ، ولو بقيمة أن يظلم الناس ، أو أن يتخذ منه ذريعة للإستطالة عليهم ، وإذلالهم ، أو من أجل تكريس واقع يأمر الله تعالى بنقضه وتغييره ..

بل الفتح الذي تصح نسبته إلى الله تعالى هو ذلك الذي يكون بيد الأولياء والأصفياء ، والأتقياء المخلصين ، الذين يريدون وجهه في كل فعل ، وقول ، وموقف.

ه : حقيقة لا بد من الجهر بها :

وبعد .. فإن من يدرس الوقائع التي مرت في تاريخ الإسلام ، وبالتحديد في عصر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يجد : أن المفاصل الأساسية ، والمواقف المصيرية لهذا الدين قد أنجزت على يد خصوص هذا النوع الفريد من الناس ، وبالتحديد على يد أهل البيت النبوي الطاهر ، وعلى رأسهم أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ..

٣٠٠