الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-189-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٣

الله عليه وآله» : أبو هريرة ، وأنس بن مالك ، وامرأة (١).

أم سلمة في خيبر أيضا :

وأخرج «صلى‌الله‌عليه‌وآله» معه إلى خيبر أم المؤمنين أم سلمة «رحمها الله» (٢). مع أنها كانت معه في غزوة الحديبية أيضا ..

ولنا وقفة مع هذا الأمر بالذات :

فإنه إذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقرع بين نسائه ، لتعيين التي تخرج معه في سفره كما يدّعون ، فإن القرعة تكون قد وقعت على أم سلمة مرتين ..

وإذا كان الله تعالى يسدد نبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لتصيب قرعته ما يحبه الله تعالى ، أو ما فيه مصلحة لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فإن هذا يدل على اجتماع هذين الأمرين معا في حق أم سلمة رضوان الله تعالى عليها ؛ فإن هذه المرأة الفاضلة ، والتي هي أفضل نساء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد خديجة ، كان الله يحبها وكانت المصلحة تقضي بأن تكون هي دون سواها معه في غزوتين هما من أخطر ما مر برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وبالمسلمين ، وأشده حساسية ، ويحتاج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيها إلى هدوء البال ، وإلى إبعاد أي نوع من أنواع الأذى أو النكد ، والمنغصات له ..

__________________

(١) الخصال ج ١ ص ١٨٩ و ١٩٠ والإيضاح ص ٥٤١ والبحار ج ٢ ص ٢١٧ وج ٢٢ ص ١٠٢ و ٢٤٢ وج ٣١ ص ٦٤٠ عن الخصال وج ١٠٨ ص ٣١ ومعجم رجال الحديث ج ٤ ص ١٥١ وج ١١ ص ٧٩ ومستدرك سفينة البحار ج ٩ ص ٨١.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٢.

٨١

وكما كان واضحا أنه : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ..) (١) بل لابد من الطاعة والإنقياد.

فإن من الواضح أيضا : أن لا حق للنساء بمرافقة أزواجهن في السفر من الناحية الشرعية ، ويستطيع الزوج أن يختار أيتهن شاء لمرافقته .. ولكن الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» التزم بالقرعة بينهن.

فذلك يعني : أنه قد جعل لهن ما يشبه الحق ، رفقا منه بهن ، وعطفا منه عليهن ..

وإنما جعل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» طريقا للتعيين ـ مع علمه بأن الله تعالى هو الذي يتولى تسديده ، وهو الذي يختار له ـ من أجل تسكين خواطرهن ، وعدم إثارة أي من المشاعر السلبية لديهن ، حتى لو كن يظلمن أنفسهن وغيرهن ، ويظلمن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا في ذلك ..

ولو لا ما ذكرنا ، لأمكن أن يقال : لقد كان بإمكانه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن لا يخرج معه منهن أحدا ، أو أن يخرجهن في أسفاره بصورة متوالية ، وفق تراتبية القسم والليلة لهن. أو وفق قرعة تحدد هذه التراتبية.

إحساس يهود المدينة بالخطر :

قال الصالحي الشامي :

ولما تجهز رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والناس ، شق على يهود المدينة الذين هم موادعو رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعرفوا أنه إن دخل

__________________

(١) الآية ٣٦ من سورة الأحزاب.

٨٢

خيبر أهلك أهل خيبر ، كما أهلك بني قينقاع ، والنضير ، وقريظة.

ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد من المسلمين حق إلا لزمه ، وطالبه به.

وعن ابن أبي حدرد ، بسند صحيح : أنه كان لأبي الشحم اليهودي خمسة دراهم.

ولفظ الطبراني ، والواقدي : أربعة دراهم ، في شعير أخذه لأهله فلزمه.

فقال : أجلني ، فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقك إن شاء الله ، قد وعد الله ـ تعالى ـ نبيه أن يغنمه خيبر.

فقال أبو الشحم حسدا وبغيا : أتحسبون أن قتال خيابر مثل ما تلقون من الأعراب؟ فيها : ـ والتوراة ـ عشرة آلاف مقاتل.

وترافعا إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أعطه حقه».

قال عبد الله : والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها.

قال : أعطه حقه.

قال : وكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إذا قال : ثلاثا لم يراجع.

قال عبد الله : فخرجت ، فبعت أحد ثوبي بثلاثة دراهم ، وطلبت بقية حقه ، فدفعت إليه ، ولبست ثوبي الآخر. وأعطاني ابن أسلم بن حريش ـ بفتح الحاء وكسر الراء ـ ثوبا آخر.

ولفظ الطبراني : فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق ، وعلى رأسه عصابة ، وهو يأتزر بمئزر ، فنزع العمامة عن رأسه فأتزر بها ، ونزع البردة فقال : اشتر مني هذه ، فباعها منه بالدراهم ، فمرت عجوز فقالت : ما لك يا

٨٣

صاحب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟ فأخبرها.

فقالت : ها دونك هذا البرد ، فطرحته عليه.

فخرجت في ثوبين مع المسلمين ، ونفلني الله ـ تعالى ـ من خيبر ، وغنمت امرأة بينها وبين أبي الشحم قرابة ، فبعتها منه (١).

ونقول :

١ ـ إن يهود المدينة قد جربوا حظهم في الحرب مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ورأوا بأم أعينهم كيف أن الله تعالى نصره عليهم .. وعرفوا مسبقا نتائج حركته باتجاه خيبر .. وقد كانت ردة الفعل لديهم غريبة وعجيبة ، من حيث إنها اقتصرت على السعي لحفظ أموالهم مهما كانت زهيدة ، حتى ما كان بمقدار أربعة دراهم في شعير ، فصاروا يلحون بمطالبة غرمائهم ، ويلزمونهم بدفعها ، وكأنهم يظنون : أن انتصار المسلمين في خيبر سوف ينشأ عنه ضياع تلك الأموال ..

وربما كان المحفز على تفكيرهم هذا هو : اعتقادهم أن ضعف وحاجة المسلمين إليهم ، وحاجتهم إلى تسكين الأوضاع ، التي كانت دقيقة وحساسة بسبب القوة الضاربة التي كانت لليهود في المنطقة ، هو الذي يفرض على المسلمين إلى الوفاء بالعهود ، وقضاء الديون.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١٥ و ١١٦ عن الواقدي عن شيوخه ، وعن أحمد ، والطبراني ، ومسند أحمد ج ٣ ص ٤٢٣ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ١٢٩ والطبراني في المعجم الصغير ص ٢٣٤ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٣٤ و ٦٣٥ ، وراجع : نيل الأوطار ج ٩ ص ١٨٢ وفيض القدير ج ٥ ص ١٩٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٧ ص ٣٤٣ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٤٢.

٨٤

فهم قد قاسوا المسلمين على أنفسهم ، فإن هذا بالذات هو طريقة وديدن اليهود في التعامل مع الآخرين ، وهذه هي معاييرهم وأساليبهم حيث إنهم يخضعون لقوة المال ، أو لقهر السلطان ، أو سيمارسون مكرا واستدراجا ، أو ما إلى ذلك.

وقد فاتهم أن المسلمين ـ حتى العاديين منهم ـ إنما يتعاملون معهم ومع غيرهم بالمبادئ والقيم ، وبموجبات الأخلاق والذمم.

ولقد صدق الذي قال : وكل إناء بالذي فيه ينضح.

٢ ـ ورغم خوف اليهود الشديد من أن يكون مصير أهل خيبر مثل مصير بني قينقاع والنضير وقريظة ، وقد رأوا بأم أعينهم ، كيف أن المسلمين قد انتصروا على أعدائهم ، رغم كثرة العدد ، وحسن العدة لدى أولئك الأعداء ، مع قلة في العدد وضعف في العدة في جانب المسلمين.

وقد تكرر هذا النصر أكثر من مرة ومرتين ، فلا مجال لأن يتوهم أحد أن الصدفة هي التي فرضته ، بل هو سنة إلهية ، ولطف رباني أجراه الله على أيديهم ، ولهج به القرآن ، وأصبح تشريعا يفرض على المسلمين الالتزام بمقتضياته.

نعم ، رغم ذلك كله ، فإن اليهود توهموا : أن كثرة العدد سيكون لها شأن في مسار الحرب ، ومصير القائمين بها.

إجراءات في الطريق إلى خيبر :

وقال المؤرخون أيضا :

وجاء أبو عبس ابن جبر ، فقال : يا رسول الله ، ما عندي نفقة ، ولا زاد ، ولا ثوب أخرج فيه ، فأعطاه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» شقة سنبلانية :

٨٥

(جنس من الغليظ ، شبيه بالكرباس).

قال سلمة : خرجنا مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى خيبر ، فسرنا ليلا ، فقال رجل من القوم ، لعامر بن (سنان) الأكوع : ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ وكان عامر رجلا شاعرا ، فنزل يحدو بالقوم ، يقول :

اللهم لو لا أنت ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فاغفر فداء لك ما اتقينا

وألقين سكينة علينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

إنا إذا صيح بنا أتينا

وبالصياح عولوا علينا

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «من هذا السائق»؟

قالوا : عامر بن الأكوع.

قال : «يرحمه‌الله».

وفي رواية : «غفر لك ربك».

قال : وما استغفر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لإنسان يخصه إلا استشهد.

فقال عمر ، وهو على جمل : وجبت يا رسول الله ، لو لا أمتعتنا بعامر.

وفي نص آخر : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الذي طلب ذلك من عامر ، فقال عامر : يا رسول الله ، قد تولى قولي. أي الشعر.

فقال له عمر : اسمع ، وأطع. فنزل يرتجز الخ .. (١).

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١ وراجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٣٨ و ٦٣٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١٦ وفي الهامش : وأخرجه البخاري ج ٧ ص ٥٣٠ (٤١٩٦) وأخرجه مسلم ج ٣ ص ١٤٢٧ (١٢٣ / ١٨٠٢).

٨٦

وروى الحارث بن أبي أسامة ، عن أبي أمامة. والبيهقي عن ثوبان : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال في غزوة خيبر : «من كان مضعفا أو مصعبا فليرجع».

وأمر بلالا فنادى بذلك ، فرجع ناس ، وفي القوم رجل على صعب ، فمر من الليل على سواد فنفر به فصرعه ، فلما جاؤوا به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «ما شأن صاحبكم»؟.

فأخبروه ، فقال : «يا بلال ، ما كنت أذنت في الناس ، من كان مضعفا أو مصعبا فليرجع»؟

قال : نعم. فأبى أن يصلي عليه.

زاد البيهقي : وأمر بلالا فنادى في الناس : «الجنة لا تحل لعاص» ثلاثا (١).

قال محمد بن عمر : وبينا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الطريق في ليلة مقمرة ، إذ أبصر رجلا يسير أمامه عليه شيء يبرق في القمر ، كأنه في شمس وعليه بيضة ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «من هذا»؟.

فقيل : أبو عبس بن جبر.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أدركوه».

قال : فأدركوني فحبسوني ، فأخذني ما تقدم وما تأخر ، فظننت أنه قد

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١٦ و ١١٧ وفي هامشه قال : أخرجه البخاري ج ٧ ص ٥٣٠ (٤١٩٦) وأخرجه مسلم ج ٣ ص ١٤٢٧ (١٢٣ / ١٨٠٢) ، والبيهقي في الدلائل ج ٤ ص ٢٠١ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١ و ٣٢ و ٥٣ و ٥٤ والبحار ج ٢١ ص ٢ و ٣ وبغية الباحث ص ٩٩ وغريب الحديث ج ١ ص ٧١٧ والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج ٣ ص ٢٩.

٨٧

أنزل فيّ أمر من السماء ، فجعلت أتذكر ما فعلت حتى لحقني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : «ما لك تقدم الناس لا تسير معهم»؟.

قلت : يا رسول الله ، إن ناقتي نجيبة.

قال : فأين الشّقيقة التي كسوتك؟

قلت : يا رسول الله ، بعتها بثمانية دراهم ، فتزودت بدرهمين وتركت لأهلي درهمين ، وابتعت هذه البردة بأربعة دراهم.

فتبسم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثم قال : «أنت والله يا أبا عبس وأصحابك من الفقراء. والذي نفسي بيده ، لئن سلمتم وعشتم قليلا ليكثرن زادكم ، وليكثرن ما تتركون لأهليكم ، ولتكثرن دراهمكم وعبيدكم ، وما ذلك لكم بخير».

قال أبو عبس : فكان والله كما قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قال سويد بن النعمان : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما وصل إلى الصهباء ـ وهي أدنى خيبر ـ صلى العصر ، ثم دعا بالأزواد ، فلم يؤت إلا بالسويق ، فأمر به فثري ، فأكل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأكلنا معه. ثم قام إلى المغرب ، فمضمض ومضمضنا ، ثم صلى ، ولم يتوضأ. رواه البخاري (١) والبيهقي.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١٧ وفي هامشه عن البخاري ج ٧ ص ٥٢٩ (٤١٩٥) والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٣٥ و ٦٣٦ وراجع : الموطأ لمالك ج ١ ص ٢٦ ومسند أحمد ج ٣ ص ٤٦٢ وعن صحيح البخاري ج ١ ص ٥٩ وج ٤ ص ١٣ وج ٥ ص ٧٢ وج ٦ ص ١٩٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ١ ص ١٦٠ والمصنف للصنعاني ج ١ ص ١٧٨ عن البخاري من طريق مالك والحميدي

٨٨

زاد محمد بن عمر : ثم صلى بالناس العشاء ، ثم دعا بالأدلاء ، فجاء حسيل بن خارجة ، وعبد الله بن نعيم الأشجعي ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لحسيل : يا حسيل : امض أمامنا حتى تأخذ بنا صدور الأودية ، حتى تأتي خيبر من بينها وبين الشام ، فأحول بينهم وبين الشام ، وبين حلفائهم من غطفان».

فقال حسيل : أنا أسلك بك ، فانتهى به إلى موضع له طرق ، فقال : يا رسول الله ، إن لها طرقا تؤتى منها كلها.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «سمها لي». وكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يحب الفأل الحسن ، والاسم الحسن ، ويكره الطيرة ، والاسم القبيح.

فقال : لها طريق يقال لها : حزن ، وطريق يقال لها : شاش ، وطريق يقال لها : حاطب ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لا تسلكها».

قال : لم يبق إلا طريق واحد يقال له : مرحب ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «اسلكها» (١).

__________________

عن ابن عيينة ، وشرح معاني الآثار ج ١ ص ٦٦ وصحيح ابن حبان ج ٣ ص ٤٣٢ والمعجم الكبير ج ٧ ص ٨٧ وكنز العمال ج ٩ ص ٥٠٥ وأسد الغابة ج ٢ ص ٣٨١ ومعجم ما استعجم ج ٣ ص ٨٤٤.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١٧ و ١١٨ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٣٩ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٢.

٨٩

ونقول :

إن لنا ههنا وقفات هي التالية :

لمن الشعر المتقدم؟!

قد ذكرت الرواية المتقدمة : أن الشعر المذكور : «اللهم لو لا الله ما اهتدينا» إنما هو لعامر بن الأكوع.

مع أنه قد روي في الصحاح ، ومنها كتاب البخاري ، في كتاب الجهاد : أنه من شعر عبد الله بن رواحة (١).

قال الصالحي الشامي : «فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما تواردا عليه ، بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر ، واستعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة» (٢).

ويحتمل أيضا : أن يكون عامر قد أخذه كله من ابن رواحة ؛ لأنه مجرد حاد ، يختار ما يناسبه من الحداء ، ولو كان قد نطق به أو نظمه غيره.

الخطأ في مضمون شعر عامر :

هذا ، ولا معنى لقوله في ذلك الشعر مخاطبا الله تعالى : «فاغفر فداء لك ما اتقينا» ، إذا لا معنى لأن يفدي أحد الله بالنفس ، لأن ذلك يستبطن توقع حلول مكروه بالمفدي ـ ليجعل المتكلم نفسه فداء له من ذلك ، وهذا

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٣ والبخاري (المغازي ص ٣٨) و (الأدب ص ٩٠) وصحيح مسلم (الجهاد ص ١٢٣) ومسند أحمد ج ٤ ص ٤٨.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٣.

٩٠

يستبطن جواز الفناء على الله تعالى ، وأنه لو لم يحصل الفداء له ، لأمكن أن تحل المصيبة به ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

ارتجاز عامر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقد يقال : إن الذي كان يرتجز لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في أسفاره هو البراء بن مالك ، لا عامر بن الأكوع.

ويجاب : بأن المقصود : أنه كان يرتجز له في غالب أسفاره ، أو في بعضها كما صرحت به بعض الروايات (١).

الإستغفار أمارة الشهادة :

وقد ذكرت الروايات المتقدمة : أن عمر بن الخطاب قد خاف على عامر ، حتى قال لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لو لا أمتعتنا بعامر. وذلك لأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان إذا استغفر لإنسان استشهد.

غير أننا نقول : إن ذلك لا يمكن قبوله :

فأولا : لم يثبت : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» استغفر لعامر ، فقد اختلفت الروايات في ذلك ، حيث يقول بعضها : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : يرحمه‌الله.

ثانيا : لنفرض : أنه قد ثبت استغفار النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعامر ، ولكن قولهم : إنه ما استغفر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لإنسان يخصه إلا استشهد ..

لا يمكن أن يصح ، لأن كتب الحديث والتاريخ مشحونة بالأخبار المصرحة باستغفاره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للكثيرين من صحابته ، ولم يصبهم

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٢.

٩١

شيء ، بل عاشوا بعده عشرات السنوات ، فراجع :

١ ـ استغفاره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأبي بكر (١).

٢ ـ واستغفاره لأبي موسى الأشعري (٢).

٣ ـ واستغفاره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لحذيفة ، ولأمه (٣).

٤ ـ واستغفر للمقصرين في الحديبية ..

وغير ذلك ..

لا تحل الجنة لعاص :

إن هناك أمورا قد يستهين الإنسان بها ، فلا يطيع الأوامر الصادرة بشأنها ، زعما منه : أنه قادر على تجاوز سلبياتها ..

غير أن هذا المنطق : مرفوض في الإسلام جملة وتفصيلا ، لأكثر من جهة ..

فأولا : ليس بالضرورة أن يكون ما اعتقد أنه المبرر لقرارات القيادة هو المبرر الحقيقي لها فعلا ؛ لأن للقيادة آفاقها ، وعلاقاتها ، ووسائلها التي تمكنها من المواجهة الصحيحة ، من خلال رصد الأمور بصورة أدق وأشمل ، يمكّنها من وضع كل الأمور في مواضعها الصحيحة وفي الدائرة الأوسع في المحيط الذي تتحرك فيه ، ضمن سلسلة من الدواعي والمقتضيات التي ربما

__________________

(١) مسند أحمد ج ٥ ص ٦٥ وعن صحيح البخاري (فضائل أصحاب النبي ص ٥).

(٢) عن صحيح البخاري (دعوات ص ١٩ الترجمة ص ٤٩ المغازي ص ٥٥) وصحيح مسلم (فضائل الصحابة ص ١٦٥).

(٣) مسند أحمد ج ٥ ص ٣٩١ و ٣٩٢.

٩٢

لا تخطر للآخرين على بال ، أو لا تمر لهم في خيال ، بحكم محدودية نظرتهم ، وضآلة حجم معارفهم ، وقلة اطلاعهم على ذلك كله ..

ثانيا : إنه حين يكون لدى كثيرين من الناس مراكب تصعب السيطرة عليها ، وتحتاج إلى بذل جهد ، وربما إلى تعاون ، وتعاضد ، فذلك معناه إشغال الناس عن قضيتهم الأساس ، في شأن داخلي غير ذي جدوى ، تضيع فيه الجهود ، التي يفترض توفيرها لتصرف في سبيل ما هو أهم ، ونفعه أعم ، هذا عدا عما ينشأ عن ذلك من تشويش في الفكر ، وإخلال بالنظام العام.

ثالثا : إن عدم صلاة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على ذلك الذي لم يمتثل للأمر ، قد أظهر أن خلاف هذا الرجل لم يكن ناشئا عن مجرد حالة عفوية ، أو تلبية لرغبة شخصية ، أو نتيجة غفلة حدثت له ، أو نحو ذلك.

بل كان قاصدا لهذا الخلاف ، عامدا إليه ، وربما يصل ذلك إلى حد المؤامرة الهادفة إلى إحداث بلبلة ، وتشويش ، وإخلال.

بالإضافة إلى : إسقاط حرمة الأوامر النبوية ، وتجريء الناس على خلافه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعصيان أوامره ، والاستهانة بتوجيهاته ..

ولعل هذا هو السبب في : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد رفض أن يشرفه بالصلاة عليه.

ورابعا : إن الإعلان بطريقة النداء في الناس : لا تحل الجنة لعاص ، لابد أن يكون له تأثيره القوي في ردع الناس عن محاكاة ذلك العاصي في فعله ، وبالتالي فرض الالتزام بالنظام ، وتنفيذ القرارات الصادرة ، بانضباطية تامة ، وبدقة وأمانة.

٩٣

الكثرة لا خير فيها :

وقد ذكرت الروايات قصة أبي عبس مع رسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ووجدنا أنها تشير إلى عدة أمور ، نذكر منها :

١ ـ أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد بادر إلى السؤال عن حالة رأى أنها قد خالفت النظم الطبيعي لمسيرة الجيش ، وهي انفراد أبي عبس عن الناس. وتقدّمه عليهم.

والنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإن لم يكن قد ألزم الناس برعاية نظم بعينه ، ولكن ذلك لا يعني السماح بالحالة التي قد تبدو نشازا بحسب ما جرت عليه طريقة الناس في حالات كهذه ..

وجاء تفسير أبي عبس كافيا وربما مرضيا لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ؛ فإن الاستعانة بالناقة النجيبة يريح رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، في مسير كهذا ..

٢ ـ ثم أتبع «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سؤاله الأول بسؤال آخر يفضي إلى إعطاء توضيحات عن لباس أبي عبس المميز ، الذي يثير أكثر من شبهة وسؤال عن مكونات أبي عبس ، وعن روافده ومصادره. فالبريق القوي ، يضخم التصورات ويوهم : أن أبا عبس قد أصاب كنزا ، أو استولى على ثروة بطريقة قد تكون مشروعة ، وقد لا تكون!!

ومهد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للإجابة المقنعة ، والقاطعة لكل احتمال ، وظن وشبهة ، حين ضمّن سؤاله تعريف الناس بمصدر المال. حتى لم يعد أبو عبس بحاجة إلى تقديم إثبات بذلك ، بل اقتصرت مهمته على بيان موارد مصارف ذلك المال ، وصحة تصرفه فيه .. وبذلك يكون «صلى

٩٤

الله عليه وآله» قد جنّبه غضاضة الإحساس بأن ثمة تهمة تموج في نظرات الناس إليه ، وأنه يحتاج إلى إعداد وسائل دفعها عن نفسه ..

٣ ـ ثم إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد تقدم خطوة أخرى باتجاه حسم الأمر لصالح أبي عبس ، حين أعلن براءة أبي عبس من أية شبهة من هذا القبيل ، وبيّن أنه يعيش حالة الفقر والحاجة حقا ، ليس وحده ، وإنما هو وأصحابه الفقراء.

٤ ـ ثم شفع ذلك بالإخبار عن أمر غيبي ، من شأنه : أن يفرح الكثيرين من الناس من طلاب الدنيا ، حيث أخبره : أنه هو وأصحابه ، إن سلموا وعاشوا فسيكثر زادهم ، وما يتركونه لأهليهم ، وستكثر دراهمهم وعبيدهم.

وقد تضمن هذا الخبر الإشارة إلى أمرين :

أحدهما : أنه قد إشار إلى احتمال سلامتهم وبقائهم على قيد الحياة ، ولكنه لم يجزم لهم بذلك.

حيث قال : لئن سلمتم وعشتم ، وذلك لكي يعطيهم الفرصة لإخلاص النية في الجهاد ، وليمكنهم من الإقدام على ما فيه احتمالات الشهادة ، ولا يحرمهم من السعي لنيل هذا المقام الجليل ..

الثاني : أنه قد بيّن لهم : أن تحقيق ما يخبرهم به لا ينبغي أن يكون من أسباب اغترارهم بأنفسهم ، وتخيّل أن ذلك عطية وكرامة إلهية لهم ، بسبب رفعة مقامهم في طاعته ، وعلو درجتهم في الإخلاص له ..

بل ذلك امتحان وابتلاء ، لا بد لهم من أن يحذروا منه ، حتى لا يقعوا في فخ الركون إلى الدنيا ، والاغترار بزبارجها ، وبهارجها ..

وبذلك يكون قد أعطاهم القاعدة الصحيحة في التعامل مع الكثرات

٩٥

الدنيوية ، ومنحهم النظرة الصائبة ، والتقييم السليم لمثل هذا الأمر الخطير ..

أكذوبة الفتاة الحائض :

ورووا : أن إحدى النساء اللواتي حضرن خيبر قالت : فأردفني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على حقيبة رحله ، قالت : فلما كان الصبح ، وأناخ راحلته ، ونزلت عن حقيبة رحله ، وإذا بها دم مني. وكانت أول حيضة حضتها.

قالت : فتقبضت إلى الناقة ، واستحييت.

فلما رأى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حالي ، قال : ما لك ، لعلك نفست؟

قلت : نعم.

قال : فأصلحي من نفسك ، ثم خذي إناء من ماء فاطر حي فيه ملحا ، ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم ، ثم عودي لمرتحلك.

قالت : فكنت لا أطهر من حيضة إلا جعلت في طهري ملحا. وأوصت أن يجعل ذلك في غسلها حين ماتت (١).

ونقول :

إننا نشك في صحة هذه الرواية ، بل لا نرتاب في كذبها ، وذلك لما يلي :

أولا : لا معنى لجعل الملح في طهرها ، ولا في غسلها ، فإن غسل الدم

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٦ و ٥٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٨٧ ومسند أحمد ج ٦ ص ٣٨٠ وسنن أبي داود ج ١ ص ٧٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٢ ص ٤٠٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٣٢ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٨٠٤.

٩٦

الذي أصاب حقيبة الرحل بالماء والملح شيء ، وجعله في طهرها شيء آخر ..

على أننا لا ندري داعيا لوضع الملح في الماء ، فإن الماء يكفي لغسل حقيبة الرحل ..

ثانيا : إنه لا ريب في أن بلوغ البنت إنما هو بإتمامها تسع سنين .. والفتيات إنما يحضن ـ غالبا ـ في سن الثالثة عشرة.

ومن الواضح : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يمكن أن يردف خلفه من تكون في هذه السن ، أو أقل من ذلك أيضا ..

وقد تحدثنا عن موضوع بلوغ الفتاة بشيء من التفصيل في غزوة بني قريظة ، فراجع ..

ثالثا : إن الكل يعلم : أن عليا «عليه‌السلام» كان لا يلقي السلام على الشابة من النساء (١) فكيف برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

__________________

(١) راجع : الكافي ج ٥ ص ٥٣٥ ومن لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ٤٦١ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ٤٥٨ ومستدرك الوسائل ج ٨ ص ٣٧٣ وج ١٤ ص ٢٩٠ ومكارم الأخلاق ص ٢٣٥ ومشكاة الأنوار للطبرسي ص ٢٤٧ والبحار ج ١٠١ ص ٣٧ وجواهر الكلام ج ١١ ص ١١٨ وج ٢٩ ص ٩٩ وجامع المقاصد ج ١٢ ص ٣٤ ومسالك الأفهام ج ٧ ص ٥٦ ومجمع الفائدة للمحقق الأردبيلي ج ٢ ص ٤٩٥ وج ٣ ص ١٢١ والحدائق الناضرة ج ٩ ص ٨٣ ومستند الشيعة ج ١٦ ص ٦١.

(٢) راجع : الكافي ج ٢ ص ٦٤٨ والبحار ج ٤٠ ص ٢٣٥ وج ١٦ ص ٢١٥ و ٢٢٩ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ٤٥٢ وفي هامشه عن من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٥٢.

٩٧

وورد النهي عن الجلوس في مجلس تقوم عنه المرأة حتى يبرد (١).

فهل يرضى بأن يردف خلفه فتاة في سن من تحيض؟!

رابعا : ما معنى : أن يردف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هذه الفتاة الأجنبية عنه ، ولماذا لم يردف زوجته أم سلمة ، أو أيا من زوجاته في أية غزوة من الغزوات؟!

وهل لم يوجد من يتبرع بارتداف هذه الفتاة سوى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

ومن كان يردف أم زياد الأشجعي ، التي خرجت إلى خيبر في خمسة نسوة ليداوين الجرحى ، ولغير ذلك ، فأسهم لهن تمرا؟! (٢).

بل لقد حضر خيبر عشرون امرأة.

فلماذا لم يجعل هذه الفتاة معهن؟! أو مع زوجته أم سلمة في هودجها؟!

خامسا : هل ارتدفها «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على ناقته ، أم على فرسه ، أم على حماره؟!

فقد تقدم : أنهم قد اختلفوا في أنه : هل كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» راكبا فرسا ، أم حمارا مخطوما برسن من ليف ، وتحته أكاف من ليف!!

وقد ذكرنا ما يدل : على هذا وذاك فيما يأتي تحت عنوان : «وصول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى خيبر».

__________________

(١) راجع : الوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٤ ص ١٨٥ وفي هامشه عن الكافي (الفروع) ج ٢ ص ٧٧ وعن من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ١٨٣.

(٢) مسند أحمد ج ٥ ص ٢٧١ وفي التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٥١١ عن أبي داود : حنين بدل خيبر. ولعله تصحيف ؛ لأجل عدم وجود نقط للحروف في تلك الأزمنة.

٩٨

وقد رجحوا : أنه قد ركب الحمار في الطريق إلى خيبر ، ثم ركب الفرس ، حين نشب القتال ..

وأما الحديث الذي صرح : بأن الناقة مأمورة ، فلا دلالة فيه على أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان راكبا عليها.

وحتى لو دل على ذلك ، فإنه يصبح متعارضا مع حديث ركوبه للحمار ، أو الفرس ، حسبما أوضحناه ..

وفي جميع الأحوال نقول :

إذا كان راكبا للفرس ، فلماذا لا تركب هي على الناقة ، أو الحمار؟ وإن كان راكبا على الحمار فيمكن أن تركب هي الناقة أو الفرس ، وكذا لو كان قد ركب الناقة ، فالحمار والفرس صالحان للركوب ، فلا حاجة ـ في جميع الأحوال ـ إلى إردافها خلفه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

إختيار الطريق إلى خيبر :

وعن حديث طلب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من الدليل : أن يأخذ بهم في صدور الأودية ، حتى يأتي بهم إلى خيبر من جهة الشام ، نقول :

١ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يكون بذلك قد تحاشى الظهور على قمم الجبال ، وعلى جوانبها التي تظهر للرائي البعيد ، لكي يتحاشى رؤية الناس لجيشه الضارب ، ويكون في منأى عن مواقع الرصد التي ربما يكون العدو قد أقامها في المواقع المشرفة ..

٢ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد اختار أن يسلك الدليل طريقا تؤدي بهم إلى خيبر من جهة الشام ، وهو الطريق الذي يشعر اليهود بالأمن من

٩٩

جهته ، ولا يشعرون بالحاجة إلى رصده بدقة وبفعالية ..

٣ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أوضح أيضا : أنه يريد أن يقطع عن اليهود المدد من جهة الشام ، سواء أكان المدد مالا ، أم رجالا ، أم عتادا ، أم طعاما ، أم غير ذلك.

٤ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يريد أيضا : أن يحول بين اليهود وبين حلفائهم من غطفان ، وسيأتي : أن هذا هو ما حصل بالفعل ، وذلك حين جاءت غطفان لمعونتهم ، ثم تراجعت خوفا من أن يتمكن «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من مهاجمة ديارهم وأهليهم.

التطير والتفاؤل :

واللافت هنا قولهم : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد طلب من الدليل أن يسمي له الطرق إلى خيبر ؛ لأنه كان يحب الفأل الحسن ، فسماها له ، فاختار أحدها.

ونقول :

أولا : إن من الواضح : أن طلب تسميتها ليس بالضرورة أن يكون من أجل أن يتفاءل بأسمائها ، فإن ذلك بعيد عن شأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ومقامه. وقد تكلمنا عن بعض ما يرتبط بذلك في جزء سابق من هذا الكتاب.

ثانيا : إن من جملة الطرق التي سماها الدليل طريقا باسم «شاس» وليس في هذه الكلمة التفاؤل ، أو التشاؤم.

ثالثا : من أين ثبت لهم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد رفض السير في تلك الطريق من منطلق التشاؤم والتفاؤل ، فقد يكون الغرض هو :

١٠٠