الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-189-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٣

فتواضعوا يرفعكم الله ، وإن العفو يزيد صاحبه عزا ، فاعفوا يعزكم الله» (١).

كتابه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى النجاشي الثالث :

«بسم الله الرحمن الرحيم.

هذا كتاب من محمد رسول الله ، إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة.

سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأدعوك بدعاية الله ، فإني أنا رسوله ، فأسلم تسلم. (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ، فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك» (٢).

__________________

(١) راجع : مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٥٤ عن الكافي ج ٢ ص ١٢١ وقال راجع : البحار ج ٧٢ ص ١٢٤ وراجع شرحه هناك ، ومرآة العقول ج ٨ ص ٢٤٣ وأمالي الشيخ ج ١ ص ١٣ وأمالي المفيد ص ٢٣٨ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣٠٧ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٤٠٤ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١١ ص ٢١٨.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٥٥ و ٤٥٦ عن المصادر التالية : دلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٧٨ وفي (ط أخرى) ج ٢ ص ٣٠٨ وزيني دحلان هامش الحلبية ج ٣ ص ٦٩ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٨٣ عن البيهقي في الدلائل ، ورسالات نبوية ص ٢٩١ وسيرة ابن إسحاق (الجزء المطبوع) ص ٢١٠ وفي (ط أخرى) ص ٢٢٨ والمستدرك للحاكم ج ٢ ص ٦٢٣ والوثائق : ١٠٣ / ٢٢ قال : وقابل إعلام السائلين ، وشرح المواهب للزرقاني ج ٣ ص ٣٤٦ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣٠٢ والأموال لأبي عبيد ص ٣٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ق ٢ ص ٣٦ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٤١.

٦١

ويبدو كما قلنا : أن المقصود بالنجاشي هنا : هو النجاشي الثالث الذي خرق كتاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حسبما أوضحناه آنفا.

هذا .. وقد شرحنا مضامين هذا الكتاب ، حين تكلّمنا عن كتابه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لكسرى ، فيمكن الرجوع إلى هناك.

وحسبنا ما ذكرناه في هذا السياق ، ولننتقل إلى الحديث عن غزوة خيبر في الفصول التالية :

٦٢

الباب الخامس

حصون خيبر

الفصل الأول : من المدينة .. إلى خيبر

الفصل الثاني : قبل أن يبدأ القتال

الفصل الثالث : فتح حصن ناعم

الفصل الرابع : فتح سائر حصون النطاة والشق

٦٣
٦٤

الفصل الأول :

من المدينة إلى خيبر

٦٥
٦٦

تقديم :

فقد كانت هدنة الحديبية قد أعطت الانطباع بأن المسلمين قد أصبحوا قوة كبيرة ، فرضوا هيبتهم في المنطقة بأسرها .. الأمر الذي دعا قريشا إلى القبول بالهدنة ، بعد أن أنهكتها الحروب المتتالية معهم ..

بل إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أصبح يعمل على نشر دعوته في كل بقاع الدنيا ، وهو يرسل إلى أعظم ملوك الأرض ـ طالبا منهم الدخول في دينه ـ في خطاب قوي وحازم.

ولم يعد في المحيط الذي يعيش فيه قوة كبيرة متماسكة ، يمكن أن يحسب لها حساب ، إلا يهود منطقة خيبر ، الذين كانوا قادرين على تجهيز عشرة آلاف مقاتل ، بل أكثر من ذلك. وهي قوة لا يستهان بها ، إذ لديهم حصون منيعة ، وقدرات اقتصادية ، ولسوف تكون المواجهة صعبة معهم ، ولا سيما إذا أرادوا اتباع أسلوب التسويف ، وإتلاف الوقت ، بالاستفادة من الحصون الكثيرة التي تحت يدهم ، التي كان فيها من المؤن ، والأقوات ما يكفي لأشهر طويلة.

وليبقى الجيش الإسلامي ، الذي لم يكن يملك الكثير من ذلك ، ليبقى في العراء يعيش الملل ، ويكابد لحظات الانتظار الطويلة ، والثقيلة ، دون أن

٦٧

تلوح له في الأفق بارقة أمل ، وليرهقه الخمول والكسل ، حيث لا مجال له للقيام بأي عمل ..

وكانت استعراضات يهود خيبر لقوتهم ، وظهور اغترارهم بها ، وركونهم إليها ، قد لفتت الأنظار ، ولعلها تركت آثارا على بعض الضعفاء في المنطقة ، مثل غطفان ، وسواها.

ولكن الأمور قد سارت في غير الاتجاه الذي توقعوه ، إذ سرعان ما تهاوت أحلامهم ، ودكت حصونهم ، وخابت آمالهم ، وأنجز الله تعالى لنبيه وعده ، ونصر جنده ، وهزم جموع اليهود وحده ، وكانت كلمة الله هي العليا ، وكلمة الباطل هي السفلى. كما سنبينه في سياق حديثنا هذا.

بداية :

إن الذي يراجع المصادر والموسوعات التاريخية ، والحديثية ، يلاحظ : أن ثمة فرقا بين ما دوّنوه من أحداث ، وأشاروا إليه من جزئيات وتفاصيل في تاريخهم لمرحلة ما قبل الحديبية وخيبر ، ثم في تاريخهم للحديبية ولخيبر فما بعدهما ..

حيث يلاحظ : أن المرحلة السابقة تعرض فيها الأحداث بما لها من طابع كلي وعام ، ولا تجد فيها من الاستغراق في الجزئيات والتفاصيل ما يقترب إلى مستوى ما حفلت به الأحداث المتأخرة عن الحديبية ..

ولعل من أسباب ذلك هو : أن الحديبية قد أفسحت المجال لاختلاط المسلمين مع غيرهم في التجارات ، وإنشاء العلاقات ، وجهر بالإسلام من كان متسترا به ، ودخلت فئات كثيرة في هذا الدين ، أو كانت تتهيأ لذلك ،

٦٨

وهي تقوم برصد حركة الواقع ، وبملاحقة الأمور بعين الرضا والقبول .. إما بهدف تحصيل القناعة والاعتقاد التام ، أو من أجل الحفاظ على المصالح ، والحصول على الامتيازات ، أو ما إلى ذلك ..

وبعد وفاة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حاول كل أولئك الذين يريدون أن يبرروا لمواقف وسياسات ، وممارسات ، وأقاويل ، ومذاهب بعينها ـ حاولوا ـ أن يرجعوا إلى هذه الفترة التي عاشوها مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، واستفادوا من مشاهداتهم لحركاته وسكناته ، ومواقفه ، وكل أحواله منها ، فاتخذوا منها مرتكزا لإنشاء منظومة التعاليم والتوجيهات والسياسات ، والمذاهب الاعتقادية ، والفقهية ، التي لم تكن لتجد طريقها إلى عقل ، ووجدان وحياة الناس لو لم تستمد شرعيتها من حياته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ومن أقواله ، وأفعاله ، ومواقفه ..

أما الفترة التي سبقت هذا المفصل التاريخي فقد غاب عنها أكثر هؤلاء ، وجهلوا الكثير من جزئياتها وتفاصيلها ، فأنتج ذلك عجزا عن التوسل بها في إنشاء تلك المنظومة ، وفق ما يريدون ، وعلى حسب ما يشتهون.

وبعد هذه الإلماحة السريعة نقول :

ماذا عن خيبر؟!

خيبر اسم منطقة تقع على ثلاثة أيام من المدينة ، على يسار الحاج القادم من الشام. وبينها وبين المدينة ثمانية برد (والبريد أربعة فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال ، وكل ميل أربعة آلاف خطوة ، وكل خطوة ثلاثة أقدام).

٦٩

والخيبر بلسان اليهود : هو الحصن ، ولذا سميت خيابر أيضا (١).

وفي هذه المنطقة حصون ومزارع ، ونخل كثير ، حتى قالوا : كان في الكتيبة ، أربعون ألف عذق. وتوصف خيبر بكثرة التمر (٢).

وفي خيبر ثمانية حصون ، هي : النطاة ، والوطيح ، والسلالم ، والكتيبة ، والشق ، والصعب ، وناعم ، والقموص.

قال الماوردي وغيره : «وكان أول حصن فتحه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيها ناعم ، ثم القموص ، ثم حصن الصعب بن معاذ. وكان أعظم حصون خيبر ، وأكثرها مالا ، وطعاما ، وحيوانا ، ثم الشق ، والنطاة ، والكتيبة.

فهذه الحصون الستة فتحها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عنوة ، ثم افتتح الوطيح والسلالم ، وهو آخر فتوح خيبر صلحا. بعد أن حاصرهم.

وملك من هذه الحصون الثمانية ثلاثة حصون : الكتيبة ، والوطيح ، والسلالم. أما الكتيبة ، فأخذها بخمس الغنيمة ، وأما الوطيح والسلالم فهما مما أفاء الله عليه ؛ لأنه فتحهما صلحا ، فصارت هذه الحصون الثلاثة بالفيء» (٣).

__________________

(١) راجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٢ وراجع : تهذيب المقال ج ٥ ص ٤٢١ وتاج العروس ج ٣ ص ١٦٨.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٢ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢١٠.

(٣) الأحكام السلطانية ج ١ ص ٢٠٠ وراجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٧٠ و ٦٧١ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٠٩ وعمدة الأخبار ص ٣١٥ وتاريخ الأمم والملوك

٧٠

ولكن هذا الكلام الأخير غير مقبول في فقه أهل البيت «عليهم‌السلام» ، وسيأتي البحث عن ذلك إن شاء الله.

كما أن ما ذكره : من أن فتح حصن الصعب قد كان بعد فتح حصن القموص غير دقيق ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

خيبر مقدسة!!

قال الصالحي الشامي : «ولابن زبالة حديث : «ميلان في ميل من خيبر مقدس».

وحديث : «خيبر مقدسة والسوارقية مؤتفكة».

وحديث : «نعم القرية في سنيات الدجال خيبر» ..» (١).

والسوارقية : «قرية أبي بكر ، بين مكة والمدينة ، وهي نجدية ، فيها مزارع ونخل كثير» (٢).

ونقول :

إن الحديث عن كون خيبر نعم القرية في زمن الدجال موضع ريب

__________________

ج ٢ ص ٣٠٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٢١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع مع الحلبية) ج ٣ ص والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٥١.

(١) راجع ما تقدم : في سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٢ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢١٠.

(٢) مراصد الاطلاع ج ٢ ص ٧٥١ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٣٨ ومعجم البلدان ج ٣ ص ٢٧٦.

٧١

وشك ، ولعله من أفائك اليهود أنفسهم.

إلا أن يكون المقصود بهذا الحديث : أنها تكون موضعا مأمونا ، بسبب وجود سبعين ألفا من اليهود مع الدجال ، على كل رجل منهم ساج وسيف محلى (١).

ومن الطبيعي : أن يهتم يهود خيبر بأمر الدجال ، ما دام أن الدجال يأتمر بأوامرهم ، وينتهي إلى مقاصدهم ..

وربما تكون هذه الأحاديث من موضوعات اليهود لتعظيم البلاد التي كانوا يسكنونها ، وللإيحاء بأن حرب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لهم فيها كانت انتهاكا لحرمة ما هو مقدس ..

على أننا لا ندري : ما الذي جعل قرية أبي بكر ؛ «مؤتفكة» أي تفعل الأفك والافتراء ، دون سائر القرى والله هو العالم ..

تاريخ غزوة خيبر :

لما قدم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى المدينة من الحديبية ، وذلك في ذي الحجة ـ كما قال ابن إسحاق ـ من سنة ست ، مكث بها عشرين ليلة ، أو قريبا منها ، ثم خرج في المحرم إلى خيبر.

وكان الله عزوجل وعده إياها ، وهو بالحديبية ، فقد نزلت عليه سورة الفتح ، فيما بين مكة والمدينة ، وفيها قوله تعالى : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً

__________________

(١) وفاء الوفاء ج ١ ص ٦٢ عن أحمد ، والطبراني في الأوسط ، ورجال أحمد رجال الصحيح ، ومسند أحمد ج ٣ ص ٢٩٢ والآحاد والمثاني ج ٢ ص ٤٤٩ وكنز العمال ج ١٢ ص ٢٤٨.

٧٢

تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) (١) يعني خيبر (٢).

وعن ابن عباس : أقام بعد الحديبية في المدينة عشر ليال (٣).

وعن سليمان التيمي : خمسة عشر يوما (٤).

وقيل : أقام شهرا وبعض شهر (٥).

وقال مالك : كانت خيبر سنة ست ، وإليه ذهب محمد بن حزم. والجمهور ـ كما في زاد المعاد ـ أنها في السابعة (٦).

ويمكن الجمع : بأن من أطلق سنة ست فإنما جاء كلامه بناء على ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقي وهو ربيع الأول. وابن حزم من هؤلاء أيضا ، فإنه يرى : ابتداء السنة الهجرية من شهر ربيع الأول (٧).

ونقل الحلبي عن الجمهور : أنه سار إلى خيبر بعد أن مضى من محرم

__________________

(١) الآية ٢٠ من سورة الفتح.

(٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١٥ و ١٥٢ و ١٥٣ عن ابن عقبة ، وابن إسحاق ، وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١ والبحار ج ٢١ ص ١ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٣.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٣.

(٤) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٣.

(٥) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١.

(٦) الإمتاع للمقريزي ج ١ ص ٣١٠ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٢ و ١٥٣ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١.

(٧) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٣ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٢ عن المواهب اللدنية.

٧٣

السنة السابعة ، عشرون يوما ، أو قريبا من ذلك (١).

وقال محمد بن موسى الخوارزمي : غزاها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين مضى ست سنين وثلاثة أشهر وواحد وعشرون يوما للهجرة (٢).

وهذا معناه : أنها كانت في آخر جمادى الأولى ، بناء على : أن أول السنة محرم ، أو في آخر جمادى الثانية بناء على : أن أول السنة الهجرية هو ربيع الأول.

في أي شهر كانت؟!

قيل : إن غزوة خيبر كانت في شهر صفر (٣).

وقيل : في ربيع الأول (٤).

وقيل : في جمادى الأولى (٥).

وقيل أيضا : إنها في شهر رمضان (٦).

ولعل سبب هذا القول الأخير هو : تصحيف كلمة حنين بكلمة خيبر. فإن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد سار إلى حنين بعد الفتح ، وقد كان الفتح في شهر رمضان (٧).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١.

(٢) معجم البلدان ج ٢ ص ٤٠٩ و ٤١٠.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٢ و ١٥٣ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٣٤.

(٤) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٣ وراجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٣٤.

(٥) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٢.

(٦) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٣.

(٧) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٣.

٧٤

مدة حصار خيبر :

وقالوا : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أقام يحاصر خيبر بضع عشرة ليلة ، إلى أن فتحها في صفر (١).

وسيأتي : أن ذلك غير دقيق ، وأن حصارها قد تعدى الأيام إلى الأشهر كما سنرى ، ولعله يتحدث عن حصار بعض حصونها فقط ..

مدة إقامته صلى‌الله‌عليه‌وآله في خيبر :

وقد روي عن ابن عباس : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أقام بخيبر ستة أشهر يجمع بين الصلاتين (٢).

وعنه أيضا : أنه أقام بها أربعين يوما ، وسنده ضعيف (٣).

وأن حساب أيام الحصار للحصون المختلفة ، وفق ما ورد في النصوص التاريخية ، والروائية يعطي : أن الحصار قد دام عشرات الأيام .. وإن لم يصل إلى ستة أشهر ..

الاستنفار إلى خيبر :

قال الواقدي : أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أصحابه بالخروج ، فجدوا في ذلك ، واستنفروا من حوله ممن شهد الحديبية ، يغزون معه.

وجاء المخلّفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٢ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٢.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٦ عن الطبراني في الأوسط.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٦ عن البيهقي.

٧٥

ولأنها ريف الحجاز طعاما وودكا وأموالا ، فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

«لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد ، فأما الغنيمة فلا» (١).

ثم أمر مناديا ينادي بذلك ، فنادى به (٢).

ونقول :

١ ـ إن غزوة الحديبية كانت بمثابة امتحان للكثيرين ، من حيث إن نتائجها لم تكن واضحة لكثير من الناس الذين يرصدون سير الأمور فيها.

مع أن الحقيقة هي : أنه قد كان فيها ما لم يكن متوقعا ، فإن النتائج كانت باهرة على أكثر من صعيد ، وفي أكثر من اتجاه.

٢ ـ ومن النتائج التي ظهرت : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أصبح قادرا على المبادرة لإزالة الشوكة الجارحة من خاصرة الكيان الإسلامي ، المتمثلة باليهود ، الذين ما فتئوا يسعون في إثارة الناس ضده ، ويحرضون القبائل المختلفة على حربه ، ويشاركون في هذه الحروب بالمال والرجال ، وإفساد القلوب ، وتسميم الأجواء باستمرار.

٣ ـ إن العدو الذي كان له امتداد طبيعي في المنطقة ، بسبب موقعه من المقدسات ، وبسبب علاقاته ، ونفوذه الديني والتجاري ، والاجتماعي في المنطقة ـ إن هذا العدو ـ قد لجم ، وأقصي عن موقع التأثير المباشر ، وتهيأت الفرصة لكثير من الناس لممارسة حرياتهم ، في التعرف على دعوة الإسلام

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١ والإمتاع للمقريزي ص ٣١٠ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٣٤.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١ والإمتاع للمقريزي ص ٣١٠ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٣٤.

٧٦

عن قرب ، ومن دون خوف أو رهبة من أحد ..

وأصبح بإمكان الكيان الإسلامي أن يرتب أوضاعه الداخلية ، وأن يعالج المشاكل التي يفرضها عليه ، أو يخلقها له أعداؤه الذين يعيشون في محيطه ، أو في المحيط القريب منه ، والشديد التأثير عليه ..

٤ ـ إن الإنجاز الذي حققه المسلمون في الحديبية قد أذكى فيهم الطموح ، وبعث فيهم ثقة بأنفسهم ، وأعطاهم حيوية ونشاطا غير عادي.

وبدا للكثيرين منهم أن رحلتهم إلى خيبر كانت رحلة الاستيلاء على المغانم ، والفوز بها.

وقد رسخ هذا الاعتقاد لدى الكثيرين منهم الوعد الإلهي بهذه المغانم ، فقد قال تعالى : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ ..) (١).

حيث فسرت هذه الآية بما مكنهم الله تعالى منه في خيبر .. حسبما تقدم في أواخر الحديث عن صلح الحديبية ..

٥ ـ إن ما فعله المخلفون في قضية الحديبية كان شديد الخطورة في أكثر من اتجاه ، فعدا عن أنه يعبر عن ضعفهم الإيماني ، وعن حبهم للدنيا ، فإنه يجرئ الآخرين على ممارسة هذا الأسلوب في التعاطي مع أوامر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، الأمر الذي يمهد لاختلالات خطيرة ، ربما تؤثر على الكيان الإسلامي كله.

٦ ـ ثم إن النداء بحرمان هؤلاء ، وبتخصيص أولئك ، لابد أن يثير الشعور لدى أهل الحديبية بالعزة والكرامة ، ويقابله شعور آخر بالخزي

__________________

(١) الآية ٢٠ من سورة الفتح.

٧٧

وبالذنب لدى الذين تخلفوا حرصا على الحياة بالأمس ، وشدوا الرحال طمعا بالغنيمة اليوم.

وكفى بذلك محفزا لمزيد من التضحية والإقدام لأولئك ، ورادعا عن تكرار ما حدث لدى هؤلاء ، ودرسا لغيرهم ممن لعلهم يسيرون على نفس الطريق.

المستخلف على المدينة :

وقال ابن هشام وغيره : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» استخلف على المدينة «نميلة» ـ بالتصغير ـ ابن عبد الله الليثي (١).

وقيل : بل استخلف سباع بن عرفطة ـ بضم العين والفاء (٢).

وقيل : أبا ذر (٣).

ولعل سبب هذه الاختلافات الكثيرة في أمثال هذه الأمور هو : أن الرواة كانوا يروون من حفظهم ، وكانت الغزوات كثيرة ، والمعلومات

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١٥ عن ابن هشام ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١ والإمتاع ص ٣١٠.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١٥ عن أحمد ، وسعيد بن منصور ، والبخاري في التاريخ الصغير ، وابن خزيمة ، والطحاوي ، والحاكم ، والبيهقي عن أبي هريرة ، والتاريخ الصغير ج ١ ص ٤٣ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٩٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١ والإصابة ج ٢ ص ١٣ والإمتاع ص ٣١٠ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٦٣٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٢.

(٣) الإمتاع ص ٣١٠ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٣٧.

٧٨

غزيرة ، فيتفق أن يختلط الأمر على بعض الرواة بين غزوة وأخرى ..

كما أنه قد يكون هناك سياسات أو عصبيات ، أو مصالح لدى بعض الفئات تقضي بإقصاء فريق ، وبإعطاء المواقف ، وإيكال المهمات إلى فريق آخر ..

خدمة أنس للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقد ادّعى أنس : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال لأبي طلحة ، حين أراد الخروج إلى خيبر : التمسوا لي غلاما من غلمانكم يخدمني ، فخرج أبو طلحة مردفي ، وأنا غلام قد راهقت ، فكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إذا نزل خدمته ، فسمعته كثيرا ما يقول : إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والبخل ، والجبن ، وضلع الدين ، وغلبة الرجال (١).

ومما يؤيد أن يكون أول اتصال لأنس بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في خيبر : أنهم يقولون : إنه غزا مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثمان غزوات فقط (٢).

وهذا يكذب ما زعموه ، من أن أمه أتت به إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقالت له : هذا غلام كاتب.

قال : فخدمته تسع سنين فما قال لشيء صنعته : أسأت ، أو بئس ما

__________________

(١) مسند أحمد ج ٣ ص ١٥٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١٥ والسنن الكبرى ج ٩ ص ١٢٥ وسنن النسائي ج ٨ ص ٢٧٤ وعن البخاري ج ١١ ص ١٧٧ (٦٣٦٣) والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١.

(٢) الإصابة ج ١ ص ٧١.

٧٩

صنعت (١).

وفي رواية أخرى : أنها قالت : هذا أنس غلام يخدمك فاقبله.

وذكروا : أنه خرج معه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى بدر يخدمه (٢).

نعم ، وقد كان أنس يستحق هذه الأوسمة ، فإنه كان على السقاية في البحرين من قبل أبي بكر (٣).

وكان يبث أقاويل تفيد في تأييد خلافة مناوئي علي «عليه‌السلام» ، ويحجب حقائق حساسة ، يستفيد من حجبها ، وإنكارها هذا الفريق بالذات.

فهو من أجل هذا وذاك يستحق أن تزجى له المدائح ، وأن تسطر له المآثر ، ليصبح كلامه أكثر وقعا ، وأعظم أثرا ..

وقد استحق من جهة أخرى أن يدعو عليه أمير المؤمنين «عليه‌السلام» بسبب كتمانه حديث الغدير مرة ، وحديث الطير أخرى ، ولموقفه من طلحة والزبير في حرب الجمل ثالثة ، فأصيب بالبرص ، وعدّ في جملة البرصان!! (٤).

ولكن كل أباطيلهم وأضاليلهم لم تستطع حجب الحقيقة ، فقد روي عن الصادق «عليه‌السلام» أنه قال : ثلاثة كانوا يكذبون على النبي «صلى

__________________

(١) أسد الغابة ج ١ ص ١٢٨.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ١ ص ٧٢ وراجع : الإصابة ج ١ ص ٧١.

(٣) الإصابة ج ١ ص ٧٢.

(٤) راجع : إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ص ٤٥ والمعارف لابن قتيبة ص ٥٨٠ والإرشاد للمفيد ص ١٦٦ و ١٦٧ والخصال ص ٢١٩ والأمالي للصدوق المجلس ٢٦ ص ١٠٦ و ٥٢١ و ٥٢٢.

٨٠