الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-189-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٣

بل دور الدعاء هو : توثيق الصلة بالله سبحانه ، وإنشاء العلاقة الوجدانية والروحية به تعالى ..

وقد يستجيب الله تعالى دعاء الداعين ، ولكن بشروط أهمها أن لا تترك هذه الاستجابة أي أثر سلبي على الداعي نفسه من جهة ..

وأن لا تكون سببا في الإخلال بحقوق الآخرين من جهة أخرى ..

ومنها حق الاختيار لهم ، وحق الممارسة والتصرف فيما يختارونه ؛ لأن الاستجابة للدعاء إذا كانت تؤثر على اختيار الناس ، وتسلبهم القدرة عليه ، فإنها تدخل في دائرة العدوان عليهم ، والظلم لهم. ونقض السنة الإلهية القائمة ، والتي تقضي بحفظ ذلك لهم ، ليصح اعتبارها مناطا للعقوبة والمثوبة ، وللسعادة والشقاء.

فإذا كانت المخالفة تستتبع الدعاء من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأن يسلطه الله عزوجل على من يخالفه ، بحيث يفقد ذلك المخالف قدرته بهذا القهر ، ويتلاشى اختياره بهذا التسليط ، فذلك يعني أن يصبح إيمان هذا الشخص مولودا قسريا ، نشأ وترعرع تحت وطأة الخوف ، واستيلاء الرعب ، وهذا هو الإكراه في الدين ، الذي نفاه القرآن ، حيث ينتفي معه دور العقل والفكر ، والتأمل والتدبر المأمور به ، والذي يطلب أن يرتكز الإيمان إليه ، ويعتمد عليه ..

وإنما يطلب الأنبياء «عليهم‌السلام» من ربهم إهلاك قوم بأعيانهم ؛ حين يبادر أولئك الأقوام باختيارهم إلى فعل ما استحقوا به نزول العذاب عليهم ، ومعاجلتهم بالعقوبة التي هي نتيجة أعمالهم.

٢١

هدايا المقوقس :

وغني عن القول : إن لا فائدة من كل تلك الهدايا التي أرسلها المقوقس إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فإنها هدايا تفيده كشخص في حياته الخاصة ، ولا تفيد دعوته في شيء ، بل هو أراد أن يماطل بها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأن يدفعه عن التعرض بدعوته لأهل مملكته ، مع علمه المسبق أيضا : أن دعوته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ستصل إليهم ، وسيدخلون في دين الله أفواجا ، تماما كما علم بذلك قيصر ، وصرح به ..

ولكنه آثر أن يستمتع بزهرة الحياة الدنيا ، ولو إلى حين ، ورضي بأن يكون سببا في إبقاء قومه في ضلالتهم ، وأن يبوء ـ من ثم ـ بإثمهم ..

القبط لا تطاوعه :

وقد صرح المقوقس ـ كما فعل قيصر ـ : بأن القبط لا تطاوعه في اتباع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وأنه يضمن بملكه أن يفارقه ..

وهو كاذب في قوله هذا جزما ، فإنه ـ كما أشار إليه كتاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ هو الذي يبوء بإثم القبط ؛ لأنه يمنعهم من التعرف على دعوته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بما يلقيه إليهم من شبهات ، ويمارسه ضدهم من قهر واضطهاد ، وإرهاب ، واستضعاف لهم.

كما أنه يمنع رسل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، من القيام بواجب الدعوة إلى الله سبحانه فيهم ..

وحين ادّعى المقوقس أن القبط لا يطيعونه. هل جرب ذلك معهم بالأساليب الحكيمة؟! وبالتدبير السليم والذكي؟! أم أن هذا هو قرار

٢٢

الأهواء ، والمصالح ، والرغبات الشخصية ، الذي يريد التسويق له بهذه الطريقة الظالمة واللا إنسانية؟!

وهل أفسح المجال لدعاة الإسلام ، لكي يمارسوا دورهم في هذا السبيل؟!

وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم :

وبينما نرى المقوقس يرسل بالهدايا إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويعترف بالنبوة له ، حيث يقول :

«وجدت معه آلة النبوة ، بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى» ونحو ذلك.

فإنه يقول : إنه يضن بملكه أن يفارقه ..

فإنه إذا كان محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نبيا ، فعليه أن ينقاد له ، ويستجيب لدعوته ، وليس له أن يمتنع عليه ، ويعصيه ، ويؤثر الاحتفاظ بملكه على طاعته ، والانقياد له ..

بل إن هذه المداراة الظاهرة من ملك مصر للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإرساله الهدايا له. والبدء ب «بسم الله الرحمن الرحيم» ، ثم باسم رسول الله في رسائله له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حيث قال :

«بسم الله الرحمن الرحيم : لمحمد بن عبد الله ، من المقوقس ، عظيم القبط : سلام عليك ..»

وكذلك الحال بالنسبة لقيصر ، حين كتب إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

٢٣

«.. إلى أحمد رسول الله ، الذي بشر به عيسى ، من قيصر ملك الروم :

وفيه يقول : «وإني أشهد أنك رسول الله ، نجدك عندنا في الإنجيل ، بشرنا بك عيسى بن مريم».

إن هذه المداراة البالغة من هذين الرجلين ، تدل على أنهما كانا على يقين من صحة نبوة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. ولكنهما يحاولان التملص من مسؤوليات هذا الإيمان ، والتخلص من تبعاته ، فيلقيان بالمسؤولية على عاتق شعوبهما : الروم والقبط ، وأن هذه الشعوب هي التي تأبى الإيمان ، وبذلك يكون هذان الرجلان ـ بزعمهما ـ غير مسؤولين تجاهه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وغير ملزمين بالطاعة ..

مع أن هذا كلام فارغ ، فإنه لو صح أن قومهما قد رفضوا الإيمان ـ وقد تقدم أن هذا غير صحيح أيضا ـ فإن ذلك لا يعفي قيصر ولا المقوقس ، ولا غير هما من الدخول في هذا الدين ، ومن طاعة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والتعامل مع قومهما بالحكمة والموعظة الحسنة ، والسعي لتسهيل تقبلهما لدعوة الحق ، والدخول في دين الله تعالى ، والإيمان برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ولكن ماذا نصنع بمن غرتهم الحياة الدنيا ، وصدق عليهم إبليس ظنه ، فجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم؟!

كتاب آخر مشكوك فيه :

وقد نقلوا عن الواقدي : أن الذي كتب كتاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى المقوقس هو أبو بكر ، وأنه كتب فيه : بسم الله الرحمن

٢٤

الرحيم (١).

ولكن النص الذي ذكروه لهذا الكتاب مختلف عن النص الذي نقلناه.

كما أن هذا النص المدّعى يتضمن التهديد للمقوقس بالحرب ، مع أن الحديث عن الحرب في أول رسالة دعوة يرسلها «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليس له ما يبرره ، وليس هو الأسلوب الحكيم المتوقع من قبل رسول الله ، ولم يكن من عادته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يفعل ذلك ..

على أن كتاب فتوح الشام ، راوي هذه الرسالة والذي ينسب إلى الواقدي إنما كتبه مؤلفه بهدف إرغام الروافض كما صرح به مؤلفه (٢).

وقد أخذ العلماء على هذا الكتاب : أنه قد اعتمد أسلوب القصاصين ، وأن أمارات الاصطناع ظاهرة على أسلوبه ومضامينه (٣). فهو كتاب غير موثوق ، ولا يمكن الاعتماد عليه.

كلمات عن المقوقس :

والمقوقس بصيغة اسم الفاعل : هو لقب لكل من ملك مصر والإسكندرية. وكان نصرانيا تابعا لملك الروم ، ومنصوبا من قبله.

وقيل : إنه تضمّن مصر من قيصر بتسعة عشر ألف ألف دينار (٤).

__________________

(١) رسالات نبوية ص ٢٨٠ عن المصباح المضيء ج ٢ ص ١٤٧ عن الواقدي ، وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٣٨. وراجع : فتوح الشام ج ٢ ص ٢٣.

(٢) راجع : فتوح الشام ج ١ ص ١١٦ و ١٥٤.

(٣) راجع : مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤١٩.

(٤) راجع : معجم البلدان ج ٥ ص ١٤١ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٢٠.

٢٥

والقبط ـ بكسر القاف ـ هم : أهل مصر ، أو أهل مصر والإسكندرية (١).

لا تسمع القبط منك حرفا واحدا :

وقد أكرم المقوقس حاطب ابن أبي بلتعة ، وبقي عنده حاطب خمسة أيام (٢) ، ودفع له المقوقس مائة دينار ، وخمسة أثواب (٣).

وقال له : «القبط لا يطاوعونني في اتباعه ، ولا أحب أن تعلم بمجاورتي إياك ، وأنا أضن بملكي أن أفارقه ، وسيظهر على البلاد ، وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده.

فارجع إلى صاحبك ، وارحل من عندي ، ولا تسمع منك القبط حرفا واحدا.

وبعث معه جيشا إلى أن دخل إلى جزيرة العرب ، فوجد قافلة تريد المدينة ، فالتحق بها ، وردّ ذلك الجيش» (٤).

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٢٠ عن السيرة الحلبية ، وعن السيرة النبوية لدحلان ، ومن لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٥٠١ والبحار ج ٧ ص ١٧٦ وعون المعبود ج ١١ ص ١١٧ وكنز العمال ج ١٢ ص ٤٧٥.

(٢) الطبقات الكبرى (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ١٧ و (ط دار صادر) ج ١ ص ٢٦١ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٣٩٥ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٢٦ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٦٦٤.

(٣) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٢٦ عن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٨١ وعن السيرة النبوية لدحلان (مطبوع مع الحلبية) ج ٣ ص ٧١ ونصب الراية ج ٦ ص ٥٦٤ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٣٣٢.

(٤) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٢٦ و ٤٢٧ عن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٨٣ وعن

٢٦

وقد أظهرت هذه النصوص أمورا عديدة ، منها :

١ ـ ادّعاؤه أن القبط لا يطاوعونه ، مع أنه لم يعرض ذلك عليهم ، وقد دل على ذلك التعبير المذكور ، حيث لم يقل : لم يطيعوني ، ليدل ذلك على أنه قد عرض عليهم الإيمان فرفضوه ، بل قال : لا يطاوعوني ، الذي يستبطن : أنه يقول ذلك عن حدس واستنتاج.

٢ ـ لماذا لا يحب أن يعلم القبط بمجاورة حاطب للمقوقس؟! أليس ذلك إلا من أجل أن لا يتساءلوا عن السبب الذي جاء به إلى بلادهم ، وقد يبذلون بعض المساعي لسماع أنباء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أحد أتباعه ، إذ إن النفوس تتشوق وتتشوف لسماع أنباء من هذا القبيل.

وهي أنباء يشعر الناس كلهم : أنها تهمهم وتعنيهم ، ولها مساس بحياتهم ، وبمستقبلهم ، وبمصيرهم.

٣ ـ ألا يستفاد من هذه المطالب : أن المقوقس لم يعلم أحدا من القبط بقدوم رسول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟! وأنه قد حصر هذا الرسول ، وحاصره عنده ، وقد غمره بالإكرام والإنعام ، وأبقاه تحت السيطرة ، وتحت الرقابة التامة؟!

٤ ـ لماذا لا يريد المقوقس : أن تسمع منه القبط حرفا واحدا؟! أليس هذا من الأدلة الواضحة على سعيه لتجهيل قومه؟!

__________________

السيرة النبوية لدحلان (مطبوع مع الحلبية) ج ٣ ص ٧٢ وراجع : نصب الراية ج ٦ ص ٥٦٤ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٦٦٥ وعن السيرة النبوية لدحلان ج ٣ ص ٧٢ و ٧٣ وعيون الأثر ج ٢ ص ٣٣٢ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٣٨ وحياة الصحابة ج ١ ص ١١٨ وكنز العمال (ط الهند) ج ١٠ ص ٣٩٩.

٢٧

ولماذا يهتم بهذا التجهيل؟! وما الذي يخشاه من اطلاعهم على أخبار نبي يعترف هو بصحة نبوته ، وبعثته ، وهو الذي لم تزل كتبهم السماوية تعدهم به؟!

إن ذلك كله وسواه مما لم نذكره يدل على أن المقوقس كان يسعى لإبعاد شبح الإسلام عن نفسه ، وعن قومه ، وكان يستخدم الكلمات المعسولة ، والهدايا ، وسياسة المداراة للمسلمين من جهة ، ويتبع سياسة محاصرة قومه بالجهل ، والإبعاد عن مواقع المواجهة ، من جهة أخرى .. وذلك من أجل أن يبقي على نفوذه ، ويحتفظ بملكه ، ولو كان ذلك لقاء إطفاء نور الله تعالى ، وإشاعة الشبهات والضلالات في الناس.

كتابه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى النجاشي الأول من مكة :

«بسم الله الرحمن الرحيم.

من محمد رسول الله ، إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة :

سلام عليك.

فإني أحمد إليك الله ، الملك ، القدوس ، (السلام) المؤمن ، المهيمن ، (العزيز ، الجبار ، المتكبر).

وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة ، فحملت بعيسى ، فخلقه من روحه ونفخه ، كما خلق آدم بيده ونفخه.

وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له ، والموالاة على طاعته ، وأن تتبعني فتؤمن بي ، وبالذي جاءني ، فإني رسول الله.

٢٨

وقد بعثت إليكم ابن عمي جعفرا ، ومعه نفر من المسلمين ، فإذا جاؤوك ، فأقر ودع التجبر. وإني أدعوك وجنودك إلى الله عزوجل ، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا.

والسلام على من اتبع الهدى» (١).

__________________

(١) راجع مصادر هذا الكتاب في : مكاتيب الرسول للعلامة الأحمدي رحمه‌الله وهي التالية : إعلام الورى ص ٣٠ وفي (ط أخرى) ص ٥٦ والطبري ج ٢ ص ٢٩٤ وفي (ط أخرى) ص ٦٥٢ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٨٣ وإعلام السائلين ص ٤ وناسخ التواريخ في بيان سيرة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ص ٤٧٢ والحلبية ج ٣ ص ٢٧٩ وزيني دحلان (هامش الحلبية) ج ٣ ص ٦٧ وتأريخ الخميس ج ٢ ص ٣٠ وأعيان الشيعة ج ٢ ص ٢٠٧ وفي (ط أخرى) ج ١ ص ٢٤٣ وأسد الغابة ج ٤ ص ٨٦ وج ١ ص ٦١ في ترجمة أرمى بن أصحم ، والبحار ج ٢٠ ص ٣٩٢ وج ١٨ ص ٤١٨ و ٤١٩ وج ٢١ ص ٢٣ و ٤٣ عن إعلام الورى وقصص الأنبياء للراوندي ص ٣٢٤ وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٣٦ وصبح الأعشى ج ١ ص ٩١ وج ٦ ص ٣٥٨ و ٣٥٩ و ٤٦٥ ورسالات نبوية ص ٢٨٩ وتأريخ ابن خلدون ج ٢ ص ٧٩٠ و ٧٩١ وفي (ط أخرى) ج ٢ ق ٢ ص ٣٦ وثقات ابن حبان ج ٢ ص ٩ وحياة الصحابة ج ١ ص ١٠٣ والدلائل للبيهقي ج ٤ ص ٣٧٦ وج ٢ ص ٧٨ و ٧٩ وفي (ط أخرى) ص ٣٠٩ وربيع الأبرار ج ٣ ص ٢٩٧ والمصباح المضيء ج ٢ ص ٣٥ وزاد المعاد ج ٣ ص ٦٠ وإعجاز القرآن ص ١١٣ والمواهب اللدنية للقسطلاني شرح الزرقاني (كما في الجمهرة) ونشأة الدولة الإسلامية : ٣٠١ / ١٥ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٢٤١ والمنتظم ج ٣ ص ٢٨٧ والوثائق السياسية : ٩٩ / ٢١ عن جمع ممن تقدم ، وعن المواهب ج ١ ص ٢٩١ ونصب الراية للزيلعي ، ومنشآت السلاطين لفريدون بك ج ١ ص ٣٢ ووسيلة المتعبدين (مخطوطة بانكى

٢٩

إسلام النجاشي الأول :

وقد ذكر المؤرخون ـ والنص للعلامة الأحمدي «رحمه‌الله» (١) ـ :

أنه لما أوصل عمرو بن أمية الكتاب إلى النجاشي ، أخذه ووضعه على عينيه ، ونزل عن سريره ، وجلس على الأرض إجلالا وإعظاما ، ثم أسلم ، ودعا بحق من عاج ، وجعل فيه الكتاب ، وقال : لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته (٢).

__________________

پور) ص ٨ وإعجاز القرآن للباقلاني ص ٢٠٣ وإمتاع الأسماع للمقريزي (خطية كوپرلو إسطنبول) ص ١٠٢١ والمبعث والمغازي لإسماعيل التيمي (خطية كوپرلو) ورقة ١١٤ ورفع شأن الحبشان للسيوطي (خطية بروصة) ورقة ١١٠ والوفاء لابن الجوزي ص ٧٣٤. وراجع : التنبيه والإشراف ص ٢٢٦ والطبقات (ط ليدن) ج ٢ ق ١ ص ١٥ وق ١ ص ١٣٩ و (ط بيروت) ج ١ ص ٢٠٧ و ٢٥٨ وج ٤ ص ٢٤٩ وج ٨ ص ٩٧ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ١ ص ١١٤ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٢١٠ و ٢١٣ والإستيعاب (هامش الإصابة) ج ٢ ص ٤٩٧ وكنز العمال ج ١ ص ٢٣٩ وج ١٠ ص ٤١٩ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ١٦٥ و ١٩٧ واليعقوبي ج ٢ ص ٦٧ والمناقب ج ١ ص ١٦٤. قال في الوثائق : (قابل سعيد بن منصور : ٣ / ٢ / ٢٤٨٠ وانظر كايتاني ج ٦ ص ٥٣ واشپرنكر ج ٣ ص ٢٦٢). وراجع : الكامل ج ٢ ص ٢١٠ و ٢١٣ وحياة محمد لهيكل ص ٣٥٣ وأنساب الأشراف تحقيق محمد حميد الله ص ٤٣٨.

(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٤٧ و ٤٤٨ و ٤٤٩.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٤٧ عن الطبقات لابن سعد ج ٢ ق ١ ص ١٥ و ١٦ وعن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٧٩ وعن السيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٣ ص ٦٧ و ٦٨ والمصباح المضيء ج ٢ ص ٣٥. وراجع : ميزان الحكمة ج ٤

٣٠

كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عند النجاشي الأول :

وقالوا : إن عمرو بن أمية قال للنجاشي : يا أصحمة ، إن عليّ القول وعليك الاستماع ، إنك كأنك في الرقة علينا منا ، وكأنا في الثقة بك منك ، لأنا لم نظن بك خيرا قط إلا نلناه ، ولم نحفظك على شر قط إلا أمناه ، وقد أخذنا الحجة عليك من قبل آدم ، والإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد ، وقاض لا يجور ، وفي ذلك موقع الخير وإصابة الفضل ، وإلا فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسى بن مريم ، وقد فرق رسله إلى الناس ، فرجاك لما لم يرجهم له ، وأمنك على ما خافهم عليه ، لخير سالف وأجر ينتظر (١).

فقال النجاشي : أشهد بالله : أنه النبي الذي ينتظره أهل الكتاب ، وأن بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل ، وأنه ليس الخبر كالعيان ، ولكن أعواني من الحبشة قليل ، فانظرني حتى أكثر الأعوان ، وألين القلوب.

وفي رواية : لو أستطيع أن آتيه لأتيته (٢).

__________________

ص ٣٢٠٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٥ ص ٤٣٠ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ١ ص ٥٧٣ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٣٦٥.

(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٤٧ عن دحلان ج ٣ ص ٦٨ والحلبية ج ٣ ص ٢٧٩ وزاد المعاد ج ٣ ص ٦٠ والروض الأنف ج ٣ ص ٣٠٤ والمصباح المضيء ج ٢ ص ٣٩ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ١ ص ٥٧٢ وج ٢ ص ٦٥٤ وعيون الأثر ج ٢ ص ٣٢٩ والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج ١ ص ٢٥٩.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٤٨ عن السيرة النبوية لدحلان ج ٣ ص ٦٨ وعن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٨٠ وزاد المعاد ج ٣ ص ٦٠.

٣١

ونحن نرى : أن حامل رسالة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو جعفر بن أبي طالب ، إذ من المعلوم : أن النجاشي إنما أسلم على يدي جعفر فهذه الموعظة إن كانت قد صدرت من أحد فإنما صدرت من جعفر دون سواه باستثناء بعض الفقرات ، كما سنو ضحه في الفقرة التالية :

إنما يفتضح الفاجر :

هذا .. وقد ذكرت النصوص المتقدمة : أن عمرو بن أمية قال للنجاشي : «كأنك في الرقة علينا منا ، وكأننا في الثقة بك منك ، لأنا لم نظن بك خيرا قط إلا نلناه الخ ..».

ونقول :

قد نقل عن خط الشهيد رحمه‌الله ما يلي :

«قيل : كتب النجاشي كتابا إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعلي «عليه‌السلام» : أكتب جوابا ، وأوجز.

فكتب «عليه‌السلام» : «بسم الله الرحمن الرحيم : أما بعد ، فكأنك من الرقة علينا منّا ، وكأنّا من الثقة بك منك ، لأنّا لا نرجو شيئا منك إلا نلناه ، ولا نخاف منك أمرا إلا أمناه ، وبالله التوفيق».

فقال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : الحمد لله الذي جعل من أهلي مثلك ، وشد أزري بك» (١).

__________________

(١) البحار ج ٢٠ ص ٣٩٧ و (ط حجرية) ج ٦ ص ٥٧١ ومستدرك سفينة البحار ج ٩ ص ٥٤١ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٥٣ وراجع : ناسخ التواريخ ، ترجمة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٢٤٤.

٣٢

فالكلام المتقدم من إنشاء أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، ولكن الأيدي الخائنة التي تسعى إلى تزوير الحقائق ، وإلى سرقة جواهر كلام علي «عليه‌السلام» ، قد نسبت ذلك إلى عمرو بن أمية. ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، والمشركون ، وأن يفتضح الفجار والمزورون لحقائق الدين والإيمان ، وأن يحل بهم الخزي والعار ، وأن يصيبهم الخذلان والخزي ، والبوار ، ويكون فيهم كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار ، وينتقم منهم في الدنيا والآخرة العزيز الجبار.

كتاب النجاشي الأول إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقالوا أيضا : إن النجاشي أحضر جعفرا رضوان الله تعالى عليه وأصحابه ، وأسلم على يديه لله رب العالمين ، وكتب بذلك إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «بسم الله الرحمن الرحيم.

إلى محمد رسول الله ، من النجاشي الأصحم بن أبجر.

سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته ، من الذي لا إله إلا هو ، الذي هداني للإسلام.

أما بعد ..

فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى ، فورب السماء والأرض ، إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثفروقا (١) إنه كما قلت ، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا ، وقد قربنا ابن عمك وأصحابه ، فأشهد أنك

__________________

(١) الثفروق : الأقماع التي تلصق بالبسر.

٣٣

رسول الله ، صادق ، مصدق ، وقد بايعتك ، وبايعت ابن عمك ، وأسلمت على يديه لله رب العالمين ، وقد بعثت إليك بابني أرها بن الأصحم بن أبجر ، فإني لا أملك إلا نفسي ، وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله ، فإني أشهد أن ما تقول حق ، والسلام عليك يا رسول الله» (١).

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٤٨ عن المصادر التالية : عن السيرة النبوية لدحلان ج ٣ ص ٦٧ و ٦٨ وعن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٧٩ وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٦٥٢ وفي (ط أخرى) ص ٢٩٤ عن ابن إسحاق ، وإعلام الورى ص ٣٠ وفي (ط أخرى) ص ٥٦ والبحار ج ٦ ص ٣٩٨ و ٥٦٧ (الطبعة الحجرية) وج ١٨ ص ٤١٩ وج ٢٠ ص ٣٩٢ وأسد الغابة ج ١ ص ٦٢ و ٦٣ وأعلام السائلين ص ٤ وناسخ التواريخ ص ٢٧٣ من تأريخ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وثقات ابن حبان ج ٢ ص ٩ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٧٩ وحياة الصحابة ج ١ ص ١٠٣ ومجموعة الوثائق السياسية ص ٤٦ وفي (ط أخرى) ص ١٠٤ عن جمع ممن تقدم ، وعن صبح الأعشى ج ٦ ص ٣٧٩ و ٤٦٦ و ٤٦٧ وسواطع الأنوار للتيمي (خطية) ورقة ١١٤ / ب ، و ١١٥ / ألف ، ورفع شأن الحبشان للسيوطي (خطية) ورقة ١١٠ / ب ، وإمتاع المقريزي (خطية كوپرلو) ص ١٠٢١ والوفاء لابن الجوزي ص ٧٣٥ وراجع : الكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٦٣ والمواهب اللدنية (بشرح الزرقاوي) ج ٣ ص ٣٧٩ والمستدرك ج ٢ ص ٦٢٤ وتاريخ ابن خلدون ج ٢ ص ٧٩١ وفي (ط أخرى) ج ٢ ق ٢ ص ٣٦ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٨٤ وزاد المعاد لابن القيم ج ٣ ص ٦٠ و ٦١ والشفاء للقاضي عياض ج ١ ص ١٦٤ ونشأة الدولة الإسلامية : ٣٠٢ / ١٧ ورسالات نبوية ص ٢٩٠ وتأريخ الخميس ج ٢ ص ٣٠ والطبقات ج ٢ ق ١ ص ١٥ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٢٤٣ ونصب الراية للزيلعي ج ٤ ص ٤٢١ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٧٩ والمنتظم ج ٣ ص ٢٨٨ والمصباح المضيء ج ٢ ص ٣٧.

٣٤

وكتب النجاشي إليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في جواب كتابه في تزويج أم حبيبة ما يلي : «بسم الله الرحمن الرحيم.

إلى محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، من النجاشي أصحمة ..

سلام عليك يا رسول الله من الله ورحمة الله وبركاته.

أما بعد ..

فإني قد زوجتك امرأة من قومك ، وعلى دينك ، وهي السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وأهديتك هدية جامعة : قميصا ، وسراويل ، وعطافا ، وخفين ساذجين ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته» (١).

وكتب إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا في جواب كتابه في تجهيز المسلمين هذا الكتاب :

«بسم الله الرحمن الرحيم.

إلى محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، من النجاشي أصحمة ..

سلام عليك يا رسول الله من الله ورحمة الله وبركاته ، لا إله إلا الذي هداني للإسلام.

أما بعد ..

فقد أرسلت إليك يا رسول الله من كان عندي من أصحابك المهاجرين من مكة إلى بلادي ، وها أنا أرسلت إليك ابني أريحا في ستين

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٤٩ عن المصادر التالية : الوثائق ص ١٠٦ وفي (ط أخرى) ص ٤٨ عن سواطع الأنوار للتيمي ص ٨١ والطراز المنقوش لابن عبد الباقي ، الباب الأول. وابن الجوزي ص ٥٦٨ و ٥٦٩ ملخصا ونشأة الدولة الإسلامية : ٣٠٣ / ١٨.

٣٥

رجلا من أهل الحبشة ، وإن شئت أن آتيك بنفسي فعلت يا رسول الله ، فإني أشهد أن ما تقول حق ، والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته» (١).

رسول النجاشي الأول وهداياه :

لما طغت قريش وعتت ضد الإسلام والمسلمين ، وأفرطوا في تعذيبهم قال لهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لو خرجتم إلى الحبشة ، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد. وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه» (٢).

ثم بعث المهاجرين تحت كفالة جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليهما (٣)

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٤٩ عن : الوثائق ص ٤٨ وفي (ط أخرى) ص ١٠٤ عن الطراز المنقوش لابن عبد الباقي وسواطع الأنوار ص ٨٢ وقابل إعلام السائلين ص ٣ والمصباح المضيء ج ٢ ص ٣٧ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ١ ص ٥٧٦ وج ٢ ص ٦٦١.

(٢) البحار ج ١٨ ص ٤١٢ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٤٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٩ وعن فتح الباري ج ٧ ص ١٤٣ وعن مجمع البيان ج ٣ ص ٤٠٠ وسير أعلام النبلاء ج ١ ص ٢٠٨ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٧٠ وعن البداية والنهاية ج ٣ ص ٨٥ و ٩٢ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ١ ص ٥٥٥ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ٢١٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٤ و ١٧ وسبل الهدى والرشاد ج ١ ص ٢٢ وج ٢ ص ٣٦٣.

(٣) راجع : الجزء الثاني من هذا الكتاب ، ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٥٠. وراجع : والبداية والنهاية ج ٣ ص ٩٨ عن أبي موسى ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ١١ وراجع : كنز الدقائق ج ٣ ص ١٧٣ وتفسير علي بن إبراهيم ج ١ ص ١٧٦ ونور

٣٦

وكتب إلى النجاشي فيهم ، يوصيه بتكريمهم وقراهم. كما أن أبا طالب رضوان الله عليه أيضا كتب إليه في هذا المعنى كما تقدم في الأجزاء الأولى من هذا الكتاب ، حين استعرض أحداث هجرة المسلمين إلى الحبشة.

فأقام المسلمون هناك في رغد من العيش ، وأمن من الغوائل ، ورد النجاشي مبعوثي قريش ردا قبيحا ، وصار تكريمه للمسلمين سببا للثورة عليه ، ودفع الله تعالى عنه هذه المكائد.

وقد تقدم : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتب إلى النجاشي مع عمرو بن أمية في الدعوة إلى الإسلام ـ والظاهر : أن المكتوب إليه هو النجاشي الثاني ـ فآمن وصدق ، وكتب إليه أيضا في تزويج أم حبيبة ، فزوجها منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكتب إليه أيضا في إرسال جعفر صلوات الله عليه ، ومن معه من المسلمين ، فجهزهم وأرسلهم في سفينتين مع هدايا ، ومع الوفد الذي أرسله ، لينظروا إلى كلامه ومجلسه ومشربه ، فيشاهدوا آيات رسالته ، وأعلام نبوته ، وأن زيه ليس هو زي الملوك والجبابرة.

فوافوا المدينة ، وأكرمهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حتى قام يخدمهم بنفسه الشريفة ، فقال أصحابه : نحن نكفيك يا رسول الله.

فقال : إنهم كانوا لأصحابي مكرمين ، وإني أحب أن أكافيهم ، وقرأ

__________________

الثقلين ج ١ ص ٥٤٩ والبرهان ج ١ ص ٤٩٣ ومجمع البيان ج ٩ ص ٢٤٤ وفي أسد الغابة ج ١ ص ٤٤ «بعث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جعفرا في سبعين راكبا إلى النجاشي ..» وراجع ج ٥ ص ٢٥٠.

٣٧

عليهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» القرآن ، فبكوا ، ورجعوا إلى النجاشي (١).

الإقرار للنجاشي الأول بالملك :

وقد خاطب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» النجاشي بعنوان «ملك الحبشة» ، ولم يخاطب كسرى ولا قيصر ولا المقوقس بذلك .. لأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان على يقين من إيمان النجاشي ، ثم من عقله ، وحسن تدبيره ،

__________________

(١) اخترنا هذه النصوص من كتاب مكاتيب الرسول للعلامة الأحمدي «رحمه‌الله» تعالى فراجعه ، وراجع أحداث هجرة الحبشة في مختلف كتب السيرة والتاريخ ، ومنها على سبيل المثال : المصنف لعبد الرزاق ج ٥ ص ٢٨٤ وحياة الصحابة ج ١ ص ٣٣١ ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ٢١ وتأريخ الخميس ج ١ ص ٢٨٨ وج ٢ ص ٢١ والمعجم الكبير للطبراني ج ٢٥ ص ٢١٨ ـ ٢٢٣ وكشف الأستار ج ٢ ص ٢٩٧ والدلائل للبيهقي ج ٢ وج ٤ ص ٣٤٤ والبحار ج ١٨ ص ٤١٠ وج ٢١ ص ١٩ و ٢٣ و ٢٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ٣٤٤ وج ٤ ص ٣ والدر المنثور ج ٥ ص ١٣٣ وج ٢ ص ٣٠٢ و ٣٠٣ وسيرة ابن إسحاق ص ٢١٣ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٣ و ٢٤ وكنز الدقائق ج ٣ ص ١٧٣ ومجمع البيان ج ٣ ص ٢٣٣ وج ٩ ص ٢٤٤ ونور الثقلين ج ١ ص ٥٤٦ والبرهان (تفسير) ج ١ ص ٤٩٣ وتفسير القمي ج ١ ص ١٧٦ والشفاء للقاضي عياض ج ١ ص ٢٥٩ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٦٦ وج ٤ ص ٢٦٢ و ٢٠٥ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٧٦ وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف بمصر) ج ٢ ص ٣٢٨ وعن السيرة الحلبية ج ١ ص ٣٦٠ وج ٣ ص ٥٦ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ١ ص ٢٥١ وج ٢ ص ٢٥١.

٣٨

وأمانته ، وعدله ، فإنه ملك لا يظلم عنده أحد ، كما تقدم ، فلم يكن هناك أي محذور من الإقرار له بالملك على قومه ، وتفويض تدبير أمورهم إليه ، فإنه أحرى بذلك من كل أحد ..

وهكذا فعل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

سلام عليك :

وكان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ كما قلنا ـ يكتب إلى المسلم : سلام عليك ، أو سلم أنت ، أو نحو ذلك ، ويكتب إلى غير المسلم : السلام على من اتبع الهدى.

وقد لاحظنا هنا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يبدأ كتابه للنجاشي بقوله : «سلام عليك ، أو سلم أنت».

وهذا يشير إلى : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يعلم بقبول النجاشي بكل ما يرضي الله سبحانه ، ولا يتوقع منه أي تلكؤ أو استكبار عن قبول الدعوة الإلهية ، فهو يؤمن بعيسى «عليه‌السلام» ، من حيث إنه يرى : أن في ذلك الإيمان رضاه تعالى ، ولا بد أن يتواصل ويستمر هذا الإيمان ، ولا ينقطع.

بل هو يتنامى ويكبر ويتحول تلقائيا إلى الإسلام.

أحمد إليك الله :

ولسنا بحاجة للإشارة إلى : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ساق حمده لله حتى أوصله إلى النجاشي ، ليؤنسه ويسره به ، وليحببه إليه ، ولم يفعل ذلك مع كسرى وقيصر ..

وفي هذا دلالة أخرى على : أن النجاشي قريب إلى الله تعالى ، وهو يأنس

٣٩

بحمده ، والثناء عليه ، ولا يغتر بملكه وطاعة الناس له ، إلى حد الشعور بالاستغناء عنه تعالى ، والاستكبار عن طاعته ..

الملك :

وقد تقدم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد خاطب النجاشي : بأنه «ملك الحبشة» ولكنه عاد وذكّره : بأن الله تعالى هو الملك على الإطلاق ، وله دون سواه الملك الحقيقي ، الذي لا يخضع في مالكيته إلى جعل ، وإنشاء من أحد ، وأما من سواه ، فمالكيته وسلطانه محتاج إلى إنشاء واعتبار وجعل من قبل من بيده الأمر ، وهو المالك الحقيقي ، والخالق ، والمهيمن.

القدوس :

ثم عقب ذلك بذكر. سائر صفات الله سبحانه ، والتي يحاول الملوك ، أن يستأثروا بها لأنفسهم ، بنحو أو بآخر. فذكر من ذلك صفة «القدوس» التي هي من صيغ التكثير والتشديد (المبالغة) في تقديس الله وتنزيهه عن أي نقص ، أو عجز ، أو عيب ، أو حاجة وما إلى ذلك.

فلا معنى لأن ينسب إليه أحد ظلما ، أو جهلا ، أو بخلا ، أو .. أو ..

وبمقايسة بسيطة يتجلى للإنسان عجزه حتى لو كان ملكا ، وتظهر له عيوبه ، ويشعر بأنه محتاج إلى غيره ، حتى إلى رعيته ، أو إلى بعضهم ، ليرفع نقائصه ، وليصل إلى مراداته.

والمفروض بهذا الشعور الداخلي ، والإقرار الوجداني ، أن ينتهي به إلى التسليم لله الملك القدوس ، وأن يطلب منه سبحانه تلبية حاجاته ، وتقوية ضعفه ، وإكمال نقصه ، ورفع عجزه ..

٤٠