الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-189-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٣

جهد (وقتل محمود بن مسلمة) (١).

ثم أرسل عمر ، فأخذ راية رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ، ثم رجع ، ولم يكن فتح.

وفي حديث عن علي «عليه‌السلام» عند البيهقي : أن الغلبة كانت لليهود في هذين اليومين (٢). انتهى.

وفي نص آخر : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أرسل عمر في اليوم الأول ، ثم أرسل أبا بكر في اليوم الثاني ، ثم أرسل عمر في اليوم الثالث ، ولم يكن

__________________

والمناقب للخوارزمي (ط النجف) ص ١٠٣ وفي (طبعة أخرى) ص ١٦٧ والبحار ج ٢١ ص ٣ وج ٣٩ ص ١٠ ومناقب أهل البيت للشيرواني ص ١٣٩ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٣٧ وعن فتح الباري ج ١٠ ص ١٢٩ ومجمع البيان ج ٩ ص ٢٠١ وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص ١٥٦ وتفسير الميزان ج ١٨ ص ٢٩٥ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٠٠ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢١٣ ونهج الإيمان لابن جبر ص ٣٢٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٥٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٤.

(١) راجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٥ فما بعدها عن البيهقي ، وراجع ما تقدم من مصادر في الإحالة السابقة. غير أننا ذكرنا فيما تقدم : أن محمود بن مسلمة قد قتل في حصن ناعم.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٤ فما بعدها ودلائل النبوة ج ٤ ص ٢٠٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٤١ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٠ وحلية الأولياء ج ١ ص ٦٢ ومعالم التنزيل (ط مصر) ج ٤ ص ١٥٦ وتذكرة الخواص ص ٢٥ ومنتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج ٤ ص ١٢٨ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٨.

٢٢١

فتح (١).

وفي نص آخر عن بريدة : حاصرنا خيبر ، فأخذ اللواء أبو بكر ، فانصرف ولم يفتح له ، ثم أخذه عمر من الغد ، فخرج ورجع ، ولم يفتح له. وأصاب الناس يومئذ شدة جهد ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إني دافع اللواء الخ .. (٢).

وعند الطبري : فانكشف عمر وأصحابه ، فرجعوا إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، يجبّنه أصحابه ويجبّنهم ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لأعطين الراية ـ اللواء ـ غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويجبه الله ورسوله.

فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر ، وعمر ، فدعا عليا «عليه‌السلام» الخ .. (٣).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٨ وراجع : مناقب أهل البيت للشيرواني ص ١٤١.

(٢) مسند أحمد ج ٥ ص ٣٥٣ وراجع : الخصائص للنسائي (ط التقدم بمصر) ص ٥ والسيرة النبوية لابن هشام (المطبعة الخيرية بمصر) ج ٣ ص ١٧٥ وأسد الغابة ج ٤ ص ٣٣٤ وشرح أصول الكافي ج ١٢ ص ٤٩٤ والعمدة لابن البطريق ص ١٤٠ والطرائف لابن طاووس ص ٥٥ والبحار ج ٣٢ ص ١٣٣ وج ٣٩ ص ٧ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ١٥٠ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ١٠٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٩٢ و ٩٣ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٣٧٣ ونهج الإيمان لابن جبر ص ٣١٨ وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج ١ ص ١٥٥.

(٣) تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٣٠ ومنتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج ٤ ص ١٢٧ و ١٢٨ ولم يذكروا غير عمر في هذا النص ، وكذا في الرياض النضرة

٢٢٢

وعن أبي ليلى ، وعن ابن عباس : بعث أبا بكر فسار بالناس ، فانهزم حتى رجع إليه ، وبعث عمر فانهزم بالناس حتى انتهى إليه ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لأعطين الخ .. (١).

زاد بعضهم قوله : ثم بعث رجلا من الأنصار فقاتل ورجع ، ولم يكن فتح (٢).

فأخبر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بذلك فقال : «لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ، ليس بفرار ، يحب الله ورسوله ، يأخذها عنوة».

وفي لفظ : «يفتح الله على يديه».

قال بريدة : فبتنا طيبة أنفسنا أن يفتح غدا ، وبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها.

__________________

(ط محمد أمين بمصر) ج ١ ص ١٨٥ ـ ١٨٨ والإرشاد للمفيد (ط مؤسسة آل البيت) ج ١ ص ١٢٦ والبحار ج ٢١ ص ٢٨ عن الخرايج والجرايح وراجع ص ٣ وج ٣٩ ص ١٠ ، وراجع : العمدة لابن البطريق ص ١٥٠ والطرائف لابن طاووس ص ٥٨ وتفسير مجمع البيان للطبرسي ج ٩ ص ٢٠١ وخصائص الوحي لابن البطريق ص ١٥٦ وتفسير الميزان ج ١٨ ص ٢٩٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٩٣ ونهج الإيمان لابن جبر ص ٣٢٢.

(١) منتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج ٥ ص ٤٤ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٣ وراجع : مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٣١٨ والبحار ج ٣ ص ٥٢٥ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٣٧ وعن المصنف لابن أبي شيبة ج ١ ص ٤٩٧ وج ٨ ص ٥٢٢ وكنز العمال ج ١٣ ص ١٢١.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٧ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٥٤.

٢٢٣

فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كلهم يرجو أن يعطاها.

قال أبو هريرة : قال عمر : فما أحببت الإمارة قط حتى كان يومئذ (١).

قال بريدة : فما منا رجل له من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» منزلة إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل ، حتى تطاولت أنا لها ، ورفعت رأسي لمنزلة كانت لي منه ، وليس منة (٢).

وفي حديث سلمة ، وجابر : وكان علي تخلف عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لرمد شديد كان به لا يبصر ، فلما سار رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : لا ، أنا أتخلف عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»!!

فخرج فلحق برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الطريق ، أو بعد وصوله إلى خيبر (٣).

ثم ذكر البخاري وغيره ، قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لأعطين الراية غدا ..

إلى أن قال : فنحن نرجوها ، فقيل : هذا علي ، فأعطاه ، ففتح عليه (٤).

__________________

(١) ستأتي مصادر كثيرة لهذا الحديث إن شاء الله تعالى.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٤ ومنتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج ٤ ص ١٢٨ وراجع : كنز العمال ج ١٠ ص ٤٦٣ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٤ ص ٢١٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٥٤ ومصادر أخرى كثيرة.

(٣) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٤ وراجع : صحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج ٥ ص ١٧١ وراجع ص ٢٣.

(٤) صحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج ٥ ص ١٧١.

٢٢٤

وفي نص آخر : فإذا نحن بعلي ، وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي الخ .. (١).

قال بريدة : وجاء علي «عليه‌السلام» حتى أناخ قريبا ، وهو رمد ، قد عصب عينية بشق برد قطري.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : ما لك؟

قال «عليه‌السلام» : رمدت بعدك.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : ادن مني.

فدنا منه ، ثم ذكر أنه أعطاه الراية ، فنهض بها معه ، وعليه حلة أرجوان حمراء ، قد أخرج خملها ، فأتى خيبر الخ .. (٢).

وفي نص آخر : قال بريدة : فلما أصبح رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صلى الغداة ، ثم دعا باللواء ، وقام قائما.

قال ابن شهاب : فوعظ الناس ، ثم قال : «أين علي»؟

قالوا : يشتكي عينيه.

قال : «فأرسلوا إليه».

قال سلمة : فجئت به أقوده ، قالوا كلهم : فأتي به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ما لك»؟

__________________

(١) صحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج ٥ ص ٢٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٤ والخصائص الكبرى ج ١ ص ٢٥١ و ٢٥٢.

(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٥ فما بعدها ، وراجع : تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٠١ وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص ١٥٦ والمناقب للخوارزمي ص ١٦٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٥٥ والكامل في التاريخ (ط دار صادر) ج ٢ ص ٢٢٠.

٢٢٥

قال : رمدت حتى لا أبصر ما قدامي.

قال : «ادن مني».

وفي حديث علي عند الحاكم : فوضع رأسي عند حجره ، ثم بزق في ألية يده ، فدلك بها عيني.

قالوا : فبرئ ، كأن لم يكن به وجع قط ، فما وجعهما علي حتى مضى لسبيله ، ودعا له ، وأعطاه الراية (١).

__________________

(١) راجع هذه الكرامة الجليلة في المصادر التالية : منتخب كنز العمال (مطبوع مع مسند أحمد) ج ٤ ص ١٢٧ و ١٢٨ والصواعق المحرقة (ط الميمنية) ص ٧٤ وحياة الحيوان (مطبعة الشرفية بالقاهرة) ج ١ ص ٢٣٧ ومشكاة المصابيح (ط دهلي) ص ٥٦٤ والإصابة ج ٢ ص ٥٠٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٠٧ ومناقب الإمام علي لابن المغازلي (ط المكتبة الإسلامية) ص ١٧٦ ومصابيح السنة (ط الخيرية بمصر) ج ٢ ص ٢٠١ والإستيعاب (مع الإصابة) ج ٣ ص ٣٦٦ ومعالم التنزيل ج ٤ ص ١٥٦ والشفاء (ط مصر) ج ٢ ص ٢٧٢ وجامع الأصول ج ٩ ص ٤٦٩ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ٢٥٨ وكفاية الطالب ص ١٣٠ و ١١٦ و ١١٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٤ و ١٨٥ فما بعدها وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي) ص ٧٤ والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج ٢ ص ١٨٨ وج ١ ص ٥٠ وصحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج ٥ ص ١٧١ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٩٥ وج ٧ ص ١٢٠ ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٣٣ و ٣٥٣ و ٣٥٨ والجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٦٣٨ والخصائص للنسائي (مطبعة التقدم بمصر) ص ٤ و ٥ و ٦ و ٧ والسيرة النبوية لابن هشام (المطبعة الخيرية بمصر) ج ٣ ص ١٧٥ وطبقات ابن سعد (مطبعة الثقافة الإسلامية) ج ٣ ص ١٥٧ والمعجم الصغير ص ١٦٣ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٨ و ١٠٨ و ١١٦ وراجع ص ١٢٥ ولباب التأويل ج ٤ ص ١٥٢ و ١٥٣ وتاريخ

٢٢٦

وذكروا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أرسل سلمة بن الأكوع إلى علي «عليه‌السلام» ، فجاء يقوده وهو أرمد (١).

قال سهل : فقال علي : يا رسول الله ، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟

فقال : «أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم. ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى ، وحق رسوله. فو الله ، لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم» (٢).

__________________

الخميس ج ٢ ص ٤٨ و ٤٩ والبحار ج ٢١ ص ٢٩ عن الخرايج والجرايح ، ومعارج النبوة ص ٢١٩ والخصائص الكبرى ج ١ ص ٢٥١ فما بعدها وتاريخ الخلفاء (ط مطبعة السعادة) ص ١٦٨ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٣٠ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٤٣٧ وحلية الأولياء ج ١ ص ٦٢ وتذكرة الخواص ص ٢٤ و ٢٥ والكامل في التاريخ (ط دار صادر) ج ٢ ص ٢١٩ و ٢٢٠ وأسد الغابة ج ٤ ص ٢١ و ٢٥ و ٢٨ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٣ و ١٢٢ ومصادر كثيرة أخرى.

(١) صحيح مسلم ج ٥ ص ١٩٥ ومسند أحمد ج ٤ ص ٥٤ وطبقات ابن سعد (مطبعة الثقافة الإسلامية) ج ٣ ص ١٥٧ ومناقب آل أبي طالب لابن المغازلي (ط المكتبة الإسلامية) ص ١٧٦ ومعالم التنزيل ج ٤ ص ١٥٦ ومنتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج ٤ ص ١٣٠ وحياة الحيوان (مطبعة الشرفية بالقاهرة) ج ١ ص ٢٣٧ والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج ١ ص ١٨٥ ـ ١٨٧ ولباب التأويل للخازن ج ٤ ص ١٥٢ و ١٥٣.

(٢) صحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج ٥ ص ١٧١ وصحيح مسلم ج ٧ ص ٢١ ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٣٣ والخصائص للنسائي ص ٦ وحلية الأولياء ج ١ ص ٦٢ والسنن الكبرى ج ٩ ص ١٠٧ وتذكرة الخواص ص ٢٤ وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٨ ومشكاة المصابيح (ط دهلي) ص ٥٦٤ والبداية والنهاية ج ٤

٢٢٧

وقال أبو هريرة : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لعلي : «اذهب فقاتلهم حتى يفتح الله عليك ، ولا تلتفت».

قال : علام أقاتل الناس؟

قال : «قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله».

فخرجوا ، فخرج بها ـ والله يأيح ـ يهرول هرولة ، وإنّا لخلفه نتبع أثره. حتى ركزها تحت الحصن.

فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال : من أنت؟

قال : علي.

أو قال : أنا علي بن أبي طالب.

فقال اليهودي : غلبتهم (أو علوتم) ، والذي أنزل التوراة على موسى. فما رجع حتى فتح الله تعالى على يديه (١).

__________________

ص ١٨٤ فما بعدها وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي) ص ٧٤ وراجع : الرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج ٢ ص ١٨٤ و ١٨٨.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٤ و ١٢٥ والأنس الجليل (ط الوهبية) ص ١٧٩ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٥ و ٣٦ و ٣٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ١٧٥ وحلية الأولياء ج ١ ص ٦٢ والإكتفاء للكلاعي (ط مكتبة الخانجي) ج ٢ ص ٢٥٨ والكامل (ط دار صادر) ج ٢ ص ٢٢٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٤ و ١٨٥ فما بعدها ، وذخائر العقبى ص ١٨٤ ـ ١٨٨ والخصائص الكبرى ج ١ ص ٢٥١ و ٢٥٢ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٩ والبحار ج ٢١ ص ١٦.

٢٢٨

وعن حذيفة : «لما تهيأ علي «عليه‌السلام» للحملة ، قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

«يا علي ، والذي نفسي بيده ، إن معك من لا يخذلك. هذا جبريل «عليه‌السلام» عن يمينك ، بيده سيف لو ضرب الجبال لقطعها ، فاستبشر بالرضوان والجنة.

يا علي : إنك سيد العرب ، وأنا سيد ولد آدم».

وفي رواية : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ألبسه درعه الحديد (١) ، وشد ذا الفقار في وسطه ، وأعطاه الراية ، ووجّهه إلى الحصن.

فقال علي «عليه‌السلام» : يا رسول الله ، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ الخ .. (٢).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٩ وراجع : تحف العقول ص ٣٤٦ وعن عون المعبود ج ٨ ص ١٧٢ والسيرة الحلبية.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٧ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٩ وراجع : شرح اللمعة للشهيد الثاني ج ٧ ص ١٥٢ وزبدة البيان للأردبيلي ص ١٢ وشرح أصول الكافي ج ٦ ص ١٣٦ وج ١٢ ص ٤٩٤ ومناقب أمير المؤمنين للكوفي ج ٢ ص ٥٠٧ و ٥٠٨ وعن الإحتجاج ج ١ ص ١٦٧ والعمدة ص ١٤٢ و ١٤٦ و ١٤٨ و ١٤٩ و ١٥٧ والطرائف لابن طاووس ص ٥٦ وعن ذخائر العقبى ص ٧٣ والبحار ج ٢١ ص ٣ وج ٣٩ ص ٨ و ١٢ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ٢٨٧ و ٢٨٨ ومناقب أهل البيت ص ١٣٧ والغدير ج ٢ ص ٤١ ومستدرك سفينة البحار ج ٣ ص ١٠ وأضواء على الصحيحين للنجمي ص ٣٤١ وفضائل الصحابة ص ١٦٦ وعن مستدرك أحمد ج ٥ ص ٣٣٣ وعن صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٠ و ٢٠٧ وج ٥ ص ٧٧ وعن صحيح مسلم ج ٧ ص ١٢٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩

٢٢٩

فخرج علي بها ، وهو يهرول» (١).

وفي نص آخر : أركبه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم خيبر ، وعممه بيده ، وألبسه ثيابه ، وأركبه بغلته ، ثم قال له : «امض يا علي ، وجبرئيل عن يمينك ، وميكائيل عن يسارك ، وعزرائيل أمامك ، وإسرافيل

__________________

ص ١٠٧ وعن فتح الباري لابن حجر ج ٧ ص ٣٦٦ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ٤٦ و ١١٠ و ١٣٧ وعن الخصائص للنسائي ص ٥٦ وشرح معاني الآثار ج ٣ ص ٢٠٧ وصحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٣٧٨ والمعجم الكبير ج ٦ ص ١٥٢ و ١٩٨ ورياض الصالحين ص ١٤٥ ونظم درر السمطين ص ٩٩ وفيض القدير ج ٦ ص ٤٦٥ ومجمع البيان للطبرسي ج ٩ ص ٢٠١ وتفسير الميزان ج ١٨ ص ٢٩٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٨٦ و ٨٨ وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٨ وعن الإصابة لابن حجر ج ١ ص ٣٨ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٤ ص ٢١١ وبشارة المصطفى ص ٢٩٧ ونهج الإيمان لابن جبر ص ٣٢٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٥١ وجواهر المطالب ج ١ ص ١٧٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٥ وينابيع المودة ج ١ ص ١٥٣ ومعجم النورين للمرندي ص ٢٤٢.

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٧ وراجع : الأربعون حديثا لابن بابويه ص ٥٦ ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ١٢٨ والعمدة ص ١٥٣ والطرائف لابن طاووس ص ٥٧ والبحار ج ٣٩ ص ٩ وج ٧٢ ص ٣٣ وبغية الباحث ص ٢١٨ والمعجم الكبير ج ٧ ص ٣٥ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ١٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٨٩ و ٩٠ والجواهر في نسب علي وآله للبري ص ٧٠ والبداية النهاية ج ٤ ص ١١٢ وج ٧ ص ٣٧٣ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٧٩٨ والجمل للمفيد ص ١٩٦ ومصادر كثيرة أخرى.

٢٣٠

وراءك ، ونصر الله فوقك ، ودعائي خلفك» (١).

رايتان أم ثلاث؟!

وقد ذكر في بعض النصوص : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أرسل أبا بكر ، فرجع منهزما ، ثم أرسل عمر ، فرجع منهزما أيضا ..

وبعضها اقتصرت على عمر ..

وبعضها ذكر : أنه أرسل عمر مرتين ، مرة قبل أبي بكر ، ومرة بعده.

لكن الذي لفت نظرنا هو : إضافة راية ثالثة لرجل من الأنصار ، وأنه رجع منهزما أيضا (٢).

والظاهر : أن المقصود بذلك هو : سعد بن عبادة ، بل لقد صرح الواقدي باسمه ، وبأنه قد رجع مجروحا (٣).

مع أن الذي ذكرته الروايات الكثيرة ، هو : هزيمة أبي بكر وعمر ، وربما اقتصرت بعض الروايات على ذكر عمر أيضا. فهل السبب في هذه الإضافة لسعد ، وربما لابن مسلمة وغيره ، هو إخراج هذا الأمر عن دائرة قريش ، وعن دائرة الذين استأثروا بالأمر بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لتشمل الهزيمة زعيم الأنصار ، الذي نافسهم في السقيفة ، فأرادوا أن ينيلوه شرف الهزيمة والفرار الذي باؤوا به؟!

__________________

(١) راجع : البحار ج ٢١ ص ١٨ و ١٩ وفي هامشه عن مناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٧٨ وعن الإرشاد.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٥٣ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٧.

(٣) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٥٣.

٢٣١

وإلا ، فلماذا اختاروا سعد بن عبادة دون سواه لهذا الأمر؟!

إرسال عمر مرتين :

وقد لوحظ أيضا : أن بعض النصوص تقول : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أرسل عمر إلى اليهود مرتين ، مرة قبل إرسال أبي بكر ، ومرة بعده ..

وربما يمكن تفسير ذلك أيضا : بأن عمر كان يدّعي لنفسه الشدة والصلابة ، ويظهر ذلك للناس ، حتى إنه يأمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بقتل هذا ، وبقلع ثنايا ذاك ، ويصر على قتل الأسرى في بدر .. وعلى القتال في الحديبية .. و .. و ..

فكأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد أن يظهر : أن هذا كله لم يكن لأجل شجاعة فيه ، بل هو لأمور أخرى ..

والشاهد على ذلك : هذا الذي جرى في خيبر ، فإن أمكن لعمر أن يتعلل بشيء في هزيمته في اليوم الأول ، فبأي شيء يعتذر أو يتعلل في اليوم الثاني؟!

ثم إن إرسال أبي بكر ، وغيره ، قد جاء ليؤكد على : أن هذا السنخ من الناس ليس هو الذي يفتح الله تعالى على يده الحصون ، ويقرّ بقلع أبوابها العيون ..

بل الذي يقوم بهذه المهمات الجسيمة ، والإنجازات الهائلة والعظيمة هو نوع آخر من الناس ، مطمئنة نفسه ، وراضية بلقاء الله تعالى .. كرار .. غير فرار .. لا يتمنى الإمارة لنفسه ، حتى في ذلك اليوم ، بل هو يرى أنه لا أحد أن يستطيع أن يمنع ما يعطيه ، فيقول : «اللهم لا مانع لما أعطيت».

٢٣٢

أين ابن مسلمة ، والحباب ، والزبير؟!

ويبقى أمامنا سؤال يقول : لماذا لم يعط النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الراية في اليوم الثاني لمحمد بن مسلمة ، أو للحباب ، أو للزبير؟! الذين ينسبون لهم البطولات العظيمة في خيبر ، حتى ليدّعون أن ابن مسلمة هو الذي قتل مرحبا.

نعم ، لماذا صرف النظر عن هؤلاء جميعا؟! وأطلق تعريضه بهم ليشمل وصف الفرار كل واحد منهم ، بعد أن حصر وصف الكرار بعلي «عليه‌السلام» دون سواه؟!

فلماذا لم يحفظ لهم ماء الوجه ، لو كانوا قد ثبتوا ولم يهربوا مع الهاربين؟!

ونحن نكاد نطمئن إلى أنهم قد أهملوا ذكر ابن مسلمة مع الفارين بالراية ـ كما سيأتي ـ لأنهم ادخروه لقتل مرحب ، بدلا من علي «عليه‌السلام» كما سنرى ..

كتائب اليهود تهاجم الأنصار :

وقد ذكر الواقدي ، ما جرى بطريقة تشير إلى أمور يحسن لفت النظر إليها ، فهو يقول ما ملخصه : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دفع لواءه إلى أحد المهاجرين ، فرجع ولم يصنع شيئا.

فدفعه إلى آخر : فكذلك.

فدفع لواء الأنصار إلى رجل منهم : فكذلك أيضا.

فحث «صلى‌الله‌عليه‌وآله» المسلمين على الجهاد.

وسالت كتائب اليهود ، أمامهم الحارث أبو زينب يهدّ الأرض هدا ،

٢٣٣

فأرجعهم صاحب راية الأنصار إلى الحصن.

فخرج ياسر [أو أسير] معه عاديته (١) ، وكشف الأنصار حتى انتهى إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في موقفه ، فاشتد ذلك على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبات مهموما.

[وخرج مع ذلك سعد بن عبادة].

وكان سعد بن عبادة قد جرح ، وجعل يستبطئ أصحابه ، وجعل صاحب راية المهاجرين يستبطئ أصحابه ، ويقول : أنتم ، وأنتم.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إن اليهود جاءهم الشيطان ، فقال لهم : إن محمدا يقاتلكم على أموالكم ، نادوهم :

قولوا : لا إله إلا الله ، ثم قد أحرزتم أموالكم ودماءكم ، وحسابكم على الله.

فنادوهم بذلك ، فنادت اليهود : إنّا لا نفعل. ولا نترك عهد موسى والتوراة بيننا.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله (٢) ، ليس بفرار (٣).

أبشر يا محمد بن مسلمة ، غدا إن شاء الله يقتل قاتل أخيك ، وتولّي عادية اليهود.

__________________

(١) أي معه الجماعة الذين يعدن للحرب.

(٢) في الإمتاع لم يذكر كلمة : «ويحب الله ورسوله». فراجع ص ٣١٤.

(٣) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٥٣ و ٦٥٤ والإمتاع ص ٣١٣ و ٣١٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٤.

٢٣٤

وفي نص المقريزي : «ثم خرج مرحب ، فحمل على علي ، وضربه ، فاتقاه بالترس ، فأطن ترس علي رضي‌الله‌عنه ، فتناول بابا كان عند الحصن ، فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده حتى فتح الله عليه الحصن.

وبعث رجلا يبشر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بفتح حصن مرحب.

ويقال : إن باب الحصن جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا.

وروي من وجه ضعيف عن جابر : ثم اجتمع عليه سبعون رجلا ، فكان جهدهم أن أعادوا الباب الخ ..» (١).

ونقول :

إن لنا مع هذا النص وقفات ، نجملها على النحو التالي :

ألف : تعمد التعتيم على الحقائق :

إن أول ما يطالع من يقرأ هذه الرواية ، هو تعمد التكتم على المهاجرين

__________________

(١) الإمتاع ص ٣١٤ و ٣١٥ والإرشاد للمفيد ج ١ ص ٣٣٣ وقال في الهامش : انظر حديث فتح خيبر في تاريخ مدينة دمشق ج ١ ص ١٧٤ و ٢٤٨ والثاقب في المناقب ص ٢٥٧ ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ١٢٥ والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) للعلامة الحلي ص ١٢٨ والبحار ج ٢١ ص ١ وج ٤١ ص ٢٧٩ والإمام علي للهمداني ص ٦١٣ وكشف الخفاء ج ١ ص ٢٣٢ و ٣٦٦ ومجمع البيان ج ٩ ص ٢٠٢ والميزان ج ١٨ ص ٢٩٦ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢١٦ عن دلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢١٢ ونهج الإيمان لابن جبر ص ٣٢٣ عن المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٣٢٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٥٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٩.

٢٣٥

اللذين فرّا أولا ، وذلك بأساليب متعددة ، منها :

١ ـ كتمان اسميهما .. وقد جاء ذلك في نصوص أخرى أيضا.

مع ملاحظة : أن ثمة إيحاء بالتكتم على اسم الأنصاري الثالث ، بالرغم من أن الراوي يتعمد التصريح أخيرا باسم سعد بن عبادة الذي جرح ، حيث يظهر بوضوح أنه هو المقصود ، فإنه جعله في مصاف المهاجرين اللذين فرا ، ولم يصنعا شيئا.

ثم أوغل الراوي في حشد الأمارات والدلالات عليه ، حين ذكر : أن ذلك الأنصاري جعل يستبطئ أصحابه .. تماما كما جعل المهاجريان يستبطئان أصحابهما ..

٢ ـ إنه غيّر في التعابير بطريقة لا يفهم القارئ أن هؤلاء قد هربوا ، فضلا عن أن يكون الهروب مخزيا ..

بل هو قد أبعد ذهن القارئ عن موضوع الفرار بصورة تامة ، ويكاد لا يشير إليه ، بل هو يهيء الأجواء ليفهم الناس عكس الحقيقة ، إذ غاية ما يفهم من الكلام ، أنهما قد بذلا جهدا ، وحاربا ولم يتمكنا من فتح الحصن.

٣ ـ إنه تكتم أيضا على أمر آخر قد صرحت به الروايات ، وهو : أن الهارب الأول صار يجبّن أصحابه (أي يتهمهم بأنهم جبناء) ، ويجبّنه أصحابه (أي يتهمونه هو بأنه جبان) ، فذكر الراوي هنا عوضا عن ذلك عبارة : يستبطئ أصحابه ويقول : أنتم ، وأنتم ..

ب : لواء الأنصار ، أم لواء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟!

ويلاحظ أيضا : أن الراوي هنا .. قد نسب اللواء الذي أخذه المهاجري

٢٣٦

الأول ، والمهاجري الثاني إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. فقال : دفع لواءه إلى أحد المهاجرين ..

ولكنه : نسب اللواء الذي أعطاه للأنصاري إلى الأنصار ، لا إلى رسول الله ، فقال : «فدفع لواء الأنصار إلى رجل منهم».

وهذا يدل : على أن فرار ذلك الأنصاري إنما كان بلواء الأنصار ، لا بلواء الجيش كله .. فهو لواء لفرقة خاصة.

وأما فرار الأولين ، وهما من المهاجرين ، فقد كان بلواء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». وهو لواء الجيش.

فإن كان الراوي يريد إعطاء امتياز للمهاجريين (وهما أبو بكر وعمر طبعا) على ذلك الأنصاري (وهو سعد بن عبادة المنافس لهما في يوم السقيفة) .. فإنه يكون قد وقع في أمر لا يريده ، وهو أمر بالغ الخطورة.

حيث أوضح : أنهما قد هربا بلواء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ومن الواضح : أن الهزيمة لحامل لوائه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ وهو لواء الجيش كله ـ تبقى هي الأشر ، والأضر ، والأخطر ، والأمر ، عليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعلى الإسلام والمسلمين ، وهي جريمة عظيمة وهائلة ..

ج : حفظ ماء وجه الأنصاري :

ويلاحظ : أن الراوي نفسه ، الذي يريد أن يكرس الامتيازات للرجلين المهاجريين ، بالتأكيد على فرار أحد منافسيهما ، وهو ابن عبادة ، قد أقر لسعد بن عبادة بأنه حقق إنجازا ـ مهما كان متواضعا ـ عجز ذانك الرجلان عن تحقيقه ، حيث ذكر : أنه قد أرجع كتائب اليهود إلى الحصن ، ومعهم قائدهم

٢٣٧

الحارث أبو زينب ، الذي كان يهدّ الأرض هدا.

د : أين كان المهاجرون؟!

والسؤال المحير هنا هو : لماذا يتصدى خصوص ذلك الأنصاري والأنصار الذين كانوا معه للحارث أبي زينب ، وللكتائب التي كانت معه ، حتى ردّوهم إلى الحصن. وأين كان المهاجريان اللذان أخذا لواء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وهربا به؟!! ..

والأغرب من ذلك : أنه بعد ما عادت كتائب اليهود مع الحارث أبي زينب إلى الحصن بجهد الأنصار فقط ، قد عادت لتخرج من جديد بقيادة ياسر اليهودي ، وتهاجم الأنصار ، دون سواهم مرة أخرى ..

ولا ندري لماذا لا تتعرض للمهاجرين في هذه المرة .. أيضا؟!

كما أننا لا ندري : لماذا لم يعن المهاجرون الأنصار؟!

ولماذا تركوا اليهود يزيلون الأنصار عن مراكزهم ، حتى انتهوا إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في موقفه؟!

فإن كانوا لا يحبذون إعانة الأنصار لأمر مّا كان في نفوسهم عليهم ، فهل من المعقول أن يتركوا اليهود يخلصون إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في موقفه؟!

وماذا سيكون عذرهم لو أن اليهود تمكنوا من إلحاق الأذى به «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟! ..

ه : نداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في اليهود :

وقد ذكرت تلك الرواية المتقدمة أيضا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. قد

٢٣٨

أخبر عن مقالة الشيطان لليهود : إن محمدا يقاتلكم على أموالكم ..

وهو نداء شيطاني حقا ، من شأنه أن يثير حفيظة أناس يعرف الناس كلهم : أن حبهم للمال يفوق كل حب ، والمال هو هاجسهم الأول والأخير ، ويرون : أن فقدهم للمال يوازي فقدهم للحياة.

وقد أمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بنداء يبطل تأثير مقولة الشيطان هذه ، ويفقدهم ذريعة كانوا يرون أنها تكفي لتبرير طغيانهم عليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أظهر في ندائه لهم : أن أموالهم ، وكذلك دماؤهم ليست هدفا له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، رغم كل ما فعلوه معه ، من نقض عهود ، ومن تحريض ، ومن تآمر ، وسعي للإعداد والاستعداد لحربه ، وإنما هدفه هو : أن يعلنوا أنهم ملتزمون بتوحيد الله سبحانه ..

مع تقديم تعهد صريح منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بالاكتفاء منهم بهذا الإعلان ، فلا يكون هناك أي بحث عن دخائلهم ، وعن مكنونات نفوسهم ، ولا يتعرض للكشف عن ضمائرهم ، فإن حسابهم على الله وحده ، وليس لأحد غيره الحق في التعرض لشيء من ذلك.

فنلاحظ : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يطلب لنفسه منهم مالا ، ولا سلطة ، ولا سعى لمحاسبتهم على ما بدر منهم ، ولا غير ذلك.

ولكن اليهود رفضوا حتى الإعلان عن الالتزام بالوحدانية ، وأكدوا التزامهم بالخط الذي هم عليه ، رغم ظهور الحجة ، وسطوع البرهان على نبوته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حتى إنهم ليجدونه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، وهم يعرفونه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كما

٢٣٩

يعرفون أبناءهم.

و : الصحابة يفرون حتى عن علي عليه‌السلام!!

وقد صرحت الرواية : بأن الذين ذهبوا مع علي «عليه‌السلام» قد فروا عنه «صلوات الله وسلامه عليه» أيضا ، وتركوه ، ليواجه كتائب اليهود وحده ، وكانت بقيادة الحارث أخي مرحب. فقتله علي «عليه‌السلام» .. وهرب الذين كانوا مع الحارث إلى الحصن ، وأغلقوا عليهم ..

ثم خرج مرحب ، فقتله علي «عليه‌السلام» أيضا على الباب ، وفتح الباب ..

والذي يبدو لنا : أن الرواة المغرضين قد حاولوا تلطيف أمر هذا الفرار ، فقالوا : إن عليا قد أخذ الراية وهرول نحو الحصن وفتحه ، وقلع بابه ودخله ، قبل أن يلحق آخر الناس أولهم ، أو قبل أن يلبس الناس سلاحهم ، أو قبل أن يتم اصطفاف الخيل ، أو نحو ذلك مما سنذكره فيما سيأتي إن شاء الله ، تحت عنوان : علي يفتح خيبر وحده.

تعابير ذات مغزى :

وعن ابن عباس : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا ، يحب الله ورسوله.

قال : فاستشرف لها من استشرف.

قال : أين علي «عليه‌السلام»؟!

قالوا : هو في الرحل ، يطحن.

قال : وما كان أحدكم ليطحن؟

٢٤٠