الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-189-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٣

وفي جميع الأحوال نقول :

لا ندري لماذا يتدخل عمر ، ويصدر الأوامر بهذه الطريقة ، فلو أنهم أطاعوه في أوامر كهذه ، فهل سيرضي ذلك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟

يضاف إلى ذلك : أننا قد ذكرنا في أواخر غزوة أحد : أن عمر كان يطلب ضرب عنق هذا وذاك في موارد ومناسبات مختلفة ، وكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يرفض ذلك. كما أنه قد طلب من عدد من الصحابة أن يبادروا إلى قتل بعض الناس ، وكانوا يرفضون قبول ذلك منه ، كما كان الحال بالنسبة لأبي جندل ، الذي كان يحثه عمر ، على قتل أبيه في الحديبية. فرفض أبو جندل ذلك.

فلماذا يصر عمر على مثل هذا الأمر في المواضع المختلفة؟!

ولماذا لا يبادر هو إلى قتل هذا وذاك ممن يصدر الأوامر لغيره بقتلهم؟! ولماذا؟! ولماذا؟!

لا يعرف المنجنيق إلا هذا اليهودي :

وقد زعمت الرواية المتقدمة : أنه كان في حصن الصعب موضع فيه منجنيق ، ودبابات ، ودروع ، وسيوف. وأنه لا يعرف ذلك الموضع إلا ذلك اليهودي الأسير.

ونقول :

إن كان ذلك اليهودي هو الذي وضع تلك الأسلحة في ذلك الموضع ، دون علم أحد ، لأن اليهود كلفوه بذلك أو لأن تلك الأسلحة كانت ملكا خاصا به ، فمن الطبيعي أن لا يعرفها أحد سواه ..

٢٠١

وأما إذا كانت هذه الأسلحة قد هيأها أهل الحصن للدفاع بها عن حصنهم ، فاللازم هو : أن يعرف زعماء اليهود ، والقيمون على أمر الحرب بالموضع الذي وضعت فيه ، ليستفيدوا منها حين تعرض الحاجة ، إذ لا يعقل أن يكونوا قد نسوا هذه الأسلحة ، أو نسوا موضعها ..

وفي جميع الأحوال نقول :

لم يكن هذا اليهودي هو الزعيم الأوحد لليهود كلهم ، ولا ملّكوه أسرار حصونهم ، ولم يجعلوا أسلحتهم تحت سلطته ، ليتولى هو تغييبها عنهم وعن غيرهم.

لماذا خص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ابن مسلمة بخطابه؟!

وقد ذكرت الرواية المتقدمة أيضا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، قال لمحمد بن مسلمة : لأعطين الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ، ويحبانه.

غير أننا نقول :

أولا : لا بد أن نسأل من جديد : لماذا يتم توجيه الخطاب لمحمد بن مسلمة دون سواه؟! فهل هو بهدف التعريض به لأنه كان قد فرّ في تلك الأيام السبعة ، التي كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يخرجه فيها إلى القتال .. حتى صح أن يطلق عليه اسم فرّار؟!

ولماذا وعده بأن يمكنه الله تعالى من قاتل أخيه ، مع أن ابن مسلمة نفسه لم يتمكن من ذلك طيلة تلك المدة ، وما بعدها وإلى آخر أيام حرب خيبر .. حيث إن عليا «عليه‌السلام» هو الذي تمكن من ذلك القاتل ، وليس ابن مسلمة ..

٢٠٢

ولماذا يهتم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بقتل قاتل أخي ابن مسلمة ، ولا يذكر من عداه من الشهداء؟! ولا يعلن أنه يريد من علي «عليه‌السلام» قتل الذين قتلوهم؟! .. فهل لأن قاتله هو مرحب لعنه الله ، وهو رأس الحربة لليهود ، وأعظم فرسانهم ، فإذا قتل مرحب ، تقع الهزيمة بهم ، ويحل الفشل والرعب فيهم؟! .. ويكون لذلك النصر العظيم نوع ارتباط ببني مسلمة ويكون ذلك بمثابة مكافأة لهم على خدماتهم للخليفة الثاني ، من خلال محمد بن مسلمة بالذات حسبما أشرنا إليه في جزء سابق.

ثانيا : إن هذا القول : «لأعطين الراية غدا رجلا الخ ..» إنما كان بعد فتح حصون النطاة والشق كلها ، وبعد وصوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى حصن القموص ـ وهو أعظم حصون خيبر ـ وهو من حصون الكتيبة وهو آخر حصن فتح في خيبر كلها ، أو قبل آخرها ..

إسهامات عمر في فتح خيبر :

وهل يمكن أن نفهم من هذه الرواية ، التي جعلت أسر اليهودي في نوبة حراسة عمر : أنهم أرادوا أن يجعلوا لعمر بن الخطاب سهما كبيرا في فتح خيبر؟! بهدف تقليص الفارق بينه وبين علي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» الذي قتل مرحبا ، وفتح الله تعالى خيبر على يديه ، واقتلع باب الحصن ، واتخذه ترسا. رغم عجز عشرات الأشخاص من حمله ، أو عن إعادته إلى موضعه؟!

فإذا أخذ رجل في نوبة حراسة عمر ، وأدلى ذلك الرجل بمعلومات تؤدي إلى فتح أحد حصون خيبر ، فلربما يفيد ذلك في إعادة رذاذ من ماء

٢٠٣

الوجه الذي أريق في فرار عمر المتعاقب وكذلك فرار أبي بكر ، وغير هما. حتى صح أن تستعمل في حقهما صيغة المبالغة وهي كلمة : «فرّار» (أي كثير الفرار) في مقابل «الكرّار» (أي كثير الكر). وهو علي «عليه‌السلام» دون سواه ..

قتل مرحب في القموص لا في الصعب :

وقد فهم من الرواية المتقدمة : أن قول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

«لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله الخ ..» كان في حصون النطاة ، وبالذات في الحصن الصعب ، مما يعني : أن فرار عمر وأبي بكر ، وغيرهما ، وانهزامهم ، وهم يجبّنون أصحابهم ويجبّنهم أصحابهم ، قد كان في هذا الحصن بالذات.

مع أن كلمة المؤرخين متفقة والنصوص متضافرة ، والروايات متواترة في أن محمود بن مسلمة قد قتل في حصن ناعم ، وأن فرار عمر وأبي بكر ومبارزة مرحب وقتله على يد علي «عليه‌السلام» ، ثم قلع باب الحصن ، إنما كان في حصن القموص. وذلك بعد فتح حصون النطاة ، وحصون الشق كلها ، بل إن القموص آخر حصون خيبر فتحا ، أو قبل آخرها.

إلا أن يقال : إن مراد الرواية هو وصف الحصن بأنه صعب ولذلك أدخل الألف واللام على كلمة الحصن ، وليس المراد الحصن المسمى بحصن الصعب بن معاذ.

وهذا يبقى مجرد احتمال ، ولكنه احتمال ليس بالقوي.

٢٠٤

حصون الشق :

قد ذكر الصالحي الشامي تبعا لغيره :

أنه لما فرغ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من النطاة تحول إلى الشق.

وقد روى البيهقي ، عن محمد بن عمر ، عن شيوخه ، قالوا : لما تحول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى الشق ، وبه حصون ذوات عدد ، كان أول حصن بدأ به حصن أبي ، فقام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على قلعة يقال لها : سموان ، فقاتل عليها أهل الحصن ، قتالا شديدا.

وخرج رجل من يهود يقال له : غزول ، فدعا إلى البراز ، فبرز له الحباب بن المنذر ، فاقتتلا ، فاختلفا ضربات ، ثم حمل عليه الحباب ، فقطع يده اليمنى من نصف الذراع ، فوقع السيف من يد غزول ، فبادر راجعا منهزما إلى الحصن ، فتبعه الحباب ، فقطع عرقوبه ، فوقع فذفف عليه.

فخرج آخر ، فصاح : من يبارز؟

فبرز له رجل من المسلمين من آل جحش ، فقتل الجحشي.

وقام مكانه يدعو إلى البراز ، فبرز له أبو دجانة ، وقد عصب رأسه بعصابته الحمراء ، فوق المغفر ، يختال في مشيته ، فبدره أبو دجانة فضربه ، فقطع رجله ، ثم ذفف عليه ، وأخذ سلبه ، درعه وسيفه ، فجاء به إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فنفله رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك.

وأحجم اليهود عن البراز ، فكبر المسلمون ، ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه ، يقدمهم أبو دجانة ، فوجدوا فيه : أثاثا ، ومتاعا ، وغنما ، وطعاما.

وهرب من كان فيه من المقاتلة ، وتقحموا الجدر ، كأنهم الظباء ، حتى صاروا إلى حصن النزار بالشق.

٢٠٥

وجعل يأتي من بقي من فلّ النطاة إلى حصن النزال ـ وفي الحلبية : يقال له : حصن البريء ، وهو الحصن الثاني من حصني الشق ـ فغلقوه ، وامتنعوا فيه أشد الامتناع.

وزحف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إليهم في أصحابه ، فقاتلهم ، فكانوا أشد أهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة ، ورسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» معهم ، حتى أصابت النبل ثياب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعلقت به.

فأخذ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» النبل فجمعها ، ثم أخذ لهم كفا من حصى ، فحصب به حصنهم ، فرجف الحصن بهم ، ثم ساخ في الأرض ، حتى جاء المسلمون ، فأخذوا أهله أخذا (١).

ونقول :

إننا نشير إلى ما يلي :

١ ـ لا ندري إلى أي حد كان أولئك الذين يطلبون البراز بين الصفين مغرورين بأنفسهم ، وواثقين بقوتهم!! خصوصا إذا كنا مقتنعين ، بأن الدافع الديني لم يكن هو المؤثر في اندفاعهم إلى الحرب ، ولا في اتخاذ القرار بشأنها.

ولعلنا نستطيع أن نؤكد : أن حب الدنيا ، وحب الشهرة فيها ، جعلهم عاجزين عن تقييم الأمور بصورة منصفة وموضوعية ، وسد عليهم باب التعقل ، والتدبر ، والإنصاف ، حتى لأنفسهم ، فكيف ينصفون غيرهم.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٣ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٢٤ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٦٧ و ٦٦٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٠.

٢٠٦

إن من يريد أن ينال بقتل الناس مجدا وشهرة ، وأن يتلذذ بهذا المجد وبتلك الشهرة لا يملك أدنى حد من الشعور والوجدان الإنساني ..

وغني عن البيان : أن صدود هؤلاء عن قبول الحق بعد وضوحه لهم يثبت بصورة قاطعة : أن أحدا لا يطلب الجنة بقتاله ، ولا يسعى لتنفيذ أمر إلهي يخشى العقوبة على مخالفته ..

٢ ـ وتعود الروايات المتقدمة للحديث عن الحباب بن المنذر من جديد ، لتجعل له حصة في فتح هذا الحصن أيضا ، وقد قدمنا عن قريب بعض ما يفيد في تلمّس الإشارات التي تعطي الانطباع عن حقيقة دوافع هؤلاء لنسبة مواقف وإنجازات لأناس لا يستحقونها في أنفسهم ، وإنما تأتي على شكل مكافآت لهم على مواقف اتخذوها ، أو نهج اتبعوه ، أو أيدوه ..

٣ ـ وعن تبختر أبي دجانة نقول : قد مر الحديث عن تبختر علي «عليه‌السلام» في غزوة الخندق ، حينما قتل عمرو بن عبد ود ، وأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أعلن لكل الناس حينئذ : أنها مشية يبغضها الله تعالى إلا في هذا الموضع ، الذي يطلب فيه إرهاب العدو ، وإضعاف شوكته ، والحد من ميله للحرب ، فإن ذلك يفيد في حفظ أرواح المسلمين ، ودفع ويلات الحرب عنهم ، فلعل الله سبحانه يقبل بقلوب هؤلاء الجاحدين ، أو بقلوب من يلوذ بهم إلى الإسلام والإيمان ، فيما لو أدركوا رعايته تعالى لمسيرة الإيمان ، حيث يجد اليأس سبيله إلى قلوبهم من أن يستطيع باطلهم أن يتماسك أمام سطوة الحق وأهله ..

٤ ـ والغريب هنا : أن الرواية المتقدمة : تذكر أنهم حين اقتحموا الحصن كان أبو دجانة يقدمهم ، ولا ندري أيضا أين كان أسد الله وأسد رسوله

٢٠٧

الغالب ، الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» ، الذي هو صاحب لواء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في كل مشهد؟!

إذ يبدو لنا : أن هؤلاء قد انتهزوا فرصة الإشاعة الباطلة عن أنه «عليه‌السلام» كان مبتلى بالرمد ، وأن التحاقه بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في خيبر قد تأخر إلى أيام حصن القموص ، ونسوا : أن ذلك قد ثبت بطلانه ، وزيفه.

حيث سيأتي إثبات رمد عينيه «عليه‌السلام» إنما اتفق له في آخر أيام حصار حصن القموص ، حيث قتل مرحب ..

وسيأتي : أنه لو صح ذلك لم يكن «عليه‌السلام» هو صاحب لوائه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في خيبر وفي كل مشهد ..

ويضاف إلى ذلك : أنه إذا كان حصاره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لحصن القموص الذي قتل علي «عليه‌السلام» فيه مرحبا قد دام عشرين ليلة ، فإن رمد عيني علي «عليه‌السلام» لم يستمر كل هذه المدة الطويلة ..

وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله ..

وعلينا ألّا ننسى أن رمد علي «عليه‌السلام» ، قد كان من ألطاف الله تعالى ، فإنه تعالى قد صنع له ذلك ، لكي يفرّ أولئك الناس مرة بعد أخرى ، ويظهر للناس من هو الفرّار ، ومن هو الكرّار ..

٥ ـ وأما بالنسبة لارتجاف الحصن ، وأنه ساخ في الأرض لما حصبه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بكف من حصى. فهي إذا ثبتت تكون معجزة عظيمة للنبي الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وقد كان المفروض باليهود بعد حصول هذا الأمر العظيم : أن يستسلموا لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأن يؤمنوا به.

٢٠٨

إذ لا يعقل : أن يستمروا على العناد والجحود ، وهم يرون هذا العذاب الأليم يحيق بإخوانهم الذين كانوا في ذلك الحصن.

٦ ـ إنه إذا صحت هذه الحادثة فلا بد أن يزيد يقين أصحاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وتتأكد صلابتهم في مواجهة أعداء الله تعالى ، فلا يفرون في تلك الحرب مرة بعد أخرى ، حتى وصفهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأنهم فرّارون ..

٧ ـ لا ندري الحكمة في جمع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للنبال التي رماهم اليهود بها .. ونحن نرتاب أيضا في صحة الرواية التي ذكرت ذلك.

ماذا عن فتح حصن النزار؟!

وقد رووا : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نظر إلى حصن النزار ، فقال : هذا آخر حصون خيبر كان فيه قتال ..

فلما فتحنا هذا الحصن لم يكن بعده قتال ، حتى خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من خيبر.

ونقول :

لا شك : في أن عليا «عليه‌السلام» قد قتل مرحبا وياسرا في حصن القموص ، وهو من حصون الكتيبة ، وإنما انتقل إليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد فراغه من حصون النطاة والشق.

فما معنى قولهم : إنه لم يحصل قتال بعد حصن النزار؟! لا سيما وأن أبا بكر وعمر ، وسواهما قد أخذوا الراية في حصن القموص ، ورجعوا ولم يكن فتح ـ كما تصرح به الروايات ـ.

٢٠٩

ويمكن أن يجاب : بأن المقصود : أن أبا بكر وعمر وسواهما ، وإن أخذوا الراية والجيش ، وتوجهوا نحو الحصن ، ولكنهم بمجرد أن رأوا مرحبا واليهود فروا خوفا ورعبا ، وصاروا يجبّنون أصحابهم ، ويجبّنهم أصحابهم ..

كما أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أرسل المسلمين مع علي «عليه‌السلام» ، فهربوا عنه ، وتركوه وحده ، فقتل مرحبا ، وسائر الفرسان ، ولم يكن قتال إلا ذلك ..

وهذا يوجب الشك : في أن يكون الزبير أو محمد بن مسلمة قد قتل أحدا من الفرسان أيضا ..

ولأجل ذلك : صرحت الروايات والنصوص : بأن فتح حصون الكتيبة قد كان بيد علي «عليه‌السلام» وحده. ولا صحة لما زعموه : من حرب وقتال لأحد سواه «عليه‌السلام».

ولعل هذا يفسر لنا أيضا ما سيأتي : من أن الكتيبة والوطيح وسلالم كانت لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. بالإضافة إلى فدك ..

صفية في حصن النزار :

وقد ذكروا هنا أيضا : أن صفية بنت حيي ، وابنة عمها قد أخذتا من حصن النزار ، وذلك لأن اليهود أخرجوا النساء والذرية إلى الكتيبة ، وفرغوا حصن النطاة للمقاتلة.

ولكن كنانة بن الحقيق قد رأى أن حصن النزار أحصن ما هنالك ،

٢١٠

فأبقاها فيه ، هي ونسيبات معها ؛ فأسرت تلك النسوة في حصن النزار (١).

ونقول :

إن هناك نصوصا كثيرة تقول : إن عليا «عليه‌السلام» هو الذي فتح الحصن ، وجاء بصفية إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

فإن كانت صفية قد سبيت في حصن النزار ، فذلك يعني : أن عليا «عليه‌السلام» : هو الذي فتح هذا الحصن أيضا ، كما فتح حصن القموص ، وذلك يدل على وجود تصرف خطير في الحقائق التاريخية ، ومحاولة تحريف خطيرة لها ..

يضاف إلى ذلك : أن هذا النص يفيد : أن رمد عيني علي «عليه‌السلام» الذي هيأ الفرصة لأخذ أبي بكر وعمر وغيرهما الراية في حصن القموص ، وفرارهما ـ إن رمد عينيه «عليه‌السلام» هذا ـ قد كان بعد فتح حصن النزار ، وفي أيام حصار حصن القموص ، الذي استمر عشرين ليلة ، كما سيأتي ..

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٦٨ و ٦٦٩.

(٢) قد ذكرنا مصادر ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب ، وراجع : البحار ج ٢١ ص ٢٢ وعن الخصائص للنسائي ص ٦٣ وفي هامشه عن أعلام النساء ج ٢ ص ٣٣٣ وأسد الغابة ج ٥ ص ٤٩٠ والدر المنثور ج ١ ص ٢٦٣.

٢١١
٢١٢

الباب السادس

فتح خيبر

الفصل الأول : المنهزمون الفاشلون

الفصل الثاني : وقفات لابد منها

الفصل الثالث : قتل مرحب .. أحداث وتفاصيل

الفصل الرابع : قلع باب خيبر .. أحداث وتفاصيل

٢١٣
٢١٤

الفصل الأول :

المنهزمون الفاشلون

٢١٥
٢١٦

بداية :

إننا نستميح القارئ عذرا إذا رأى ـ في هذا الفصل بالخصوص ـ أن ثمة تبدلا في طريقة العرض والمناقشة ، حيث آثرنا : أن نقدم في البداية عرضا لطائفة كبيرة من النصوص .. ثم ألحقناها ببعض ما اقتضته الحال من مناقشات لبعضها ، وتوضيحات لبعضها الآخر ، بالإضافة إلى ملاحظات ، أو استفادات رأينا أن من المفيد الإلماح إليها ، والوقوف عندها ، في نطاق عرض الأحداث التي سجلوها على أنها سيرة وتاريخ ..

وسوف نقتصر على أقل القليل من ذلك ، حرصا منا على عدم إرهاق القارئ بالجزئيات والتفاصيل ، فنقول ، ونتوكل على خير مأمول ، وأكرم مسؤول :

القموص أعظم حصون خيبر :

قالوا : لقد كان بخيبر أربعة عشر ألف يهودي في حصونهم ، فجعل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يفتحها حصنا حصنا ، وكان من أشد حصونهم ، وأكثرها رجالا القموص (١).

__________________

(١) البحار ج ٢١ ص ٢١ عن إعلام الورى ج ١ ص ٢٠٧.

٢١٧

وقالوا أيضا : لما فتح رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حصون النطاة ، والشق ، انهزم من سلم منهم إلى حصون الكتيبة.

وهي : القموص ، والوطيح ، والسلالم.

وأعظم حصونها : القموص ، وكان حصنا منيعا (١). بل هو حصن خيبر الأعظم (٢).

قال ابن وهب : قلت لمالك : وما الكتيبة؟!

قال : من أرض خيبر ، وهي أربعون ألف عذق (٣).

حصار القموص :

وقد فتح الله هذا الحصن العظيم على يد علي «عليه‌السلام» ، بعد أن حاصره المسلمون عشرين ليلة (٤).

وذكر موسى بن عقبة : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حاصره

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٤ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٧٠ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٢٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٧٦.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٨ ومعجم ما استعجم للبكري الأندلسي ج ٢ ص ٥٢٢.

(٣) إمتاع الأسماع ص ٣١٩ و ٣٢٠ وراجع : سنن أبي داود ج ٢ ص ٣٧ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٣١٨ وعون المعبود ج ٨ ص ١٧٥ ونصب الراية للزيعلي ج ٤ ص ٢٥٣ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٢٩ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٤٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٨٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٢.

(٤) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤١ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٤.

٢١٨

قريبا من عشرين ليلة. وكانت أرضا وخمة.

وقال الواقدي : «وبالكتيبة من اليهود ، ومن نسائهم ، وذراريهم أكثر من ألفين.

فلما صالح رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أهل الكتيبة أمن الرجال والذرية ، ودفعوا إليه الأموال : البيضاء والصفراء ، والحلقة ، والثياب إلا ثوبا على إنسان» (١).

ثم ذكر : أن فلول النطاة والشق جاءتهم إلى الكتيبة ، والوطيح وسلالم ، فتحصنوا معهم في القموص أشد التحصين مغلقين عليهم لا يبرزون ، حتى هم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يرميهم بالمنجنيق (٢).

رعب اليهود :

ويذكر الواقدي أيضا : أن كنانة ابن أبي الحقيق كان راميا ، يرمي بثلاثة أسهم في ثلاث مائة ذراع ، فيدخلها في هدف شبرا في شبر. فما هو إلا أن قيل له : هذا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أقبل من الشق في أصحابه ، وقد تهيأ أهل القموص ، وقاموا على باب الحصن بالنبل .. فنهض كنانة إلى قوسه ، فلم يستطع أن يوترها لشدة الرعدة التي انتابته ..

ثم ذكروا : أنه أرسل إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليلتقيه .. ويكلمه في الصلح .. فوقع الصلح بينهما كما سيأتي (٣).

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٦٩ وإمتاع الأسماع ص ٣١٩.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٧٠.

(٣) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٧٠.

٢١٩

ونقول :

لعل هذا النص يريد أن يقول :

إن الصلح كان على بقية حصون الكتيبة ، أما حصن القموص فقد فتحه علي «عليه‌السلام» وحده ، كما هو صريح كلمات المؤرخين ورواياتهم.

رايات الفاشلين :

وروى الشيخان ، عن سهل بن سعد.

والبخاري ، وابن أبي أسامة ، وأبو نعيم ، عن سلمة بن الأكوع.

وأبو نعيم ، والبيهقي ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه.

وأبو نعيم ، عن ابن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي سعيد الخدري ، وعمران بن حصين ، وجابر بن عبد الله ، وأبي ليلى.

ومسلم ، والبيهقي ، عن أبي هريرة.

وأحمد ، وأبو يعلى ، والبيهقي ، عن علي «عليه‌السلام».

قال بريدة : كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تأخذه الشقيقة ، فيمكث اليوم واليومين لا يخرج ، فلما نزل خيبر أخذته الشقيقة ، فلم يخرج إلى الناس ، فأرسل أبا بكر ، فأخذ راية رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ وكانت بيضاء (١) ـ ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ، ثم رجع ، ولم يكن فتح. وقد

__________________

(١) الرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج ١ ص ١٨٤ ـ ١٨٨ والإرشاد للمفيد (ط مؤسسة آل البيت) ج ١ ص ١٢١ وراجع : شرح الأخبار للقاضي النعمان ج ١ ص ١٤٧ والعمدة لابن البطريق ص ١٥٠ عن تفسير الثعالبي ، والطرائف لابن طاووس ص ٥٨ وإحقاق الحق ج ٥ ص ٣٧٣ ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٥٨

٢٢٠