دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٤

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: ٤٤٢

صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر أو العصر فسلّم في ركعتين ، فقال له ذو الشمالين ابن عبد عمرو ـ وكان حليفا لبني زهرة ـ : أخفّفت الصلاة أم نسيت؟!

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما يقول ذو اليدين؟!

قالوا : صدق يا نبيّ الله ؛ فأتمّ بهم الركعتين اللتين نقص ».

فهذه الرواية الصحيحة عندهم قد جمعت بين اللقبين ، وصرّحت بأنّه ابن عبد عمرو ، وأنّه حليف بني زهرة ، وما هو إلّا قتيل بدر.

وفي « كنز العمّال » (١) عن عبد الرزّاق مثلها ، سوى إنّه لم يذكر حلفه لبني زهرة (٢).

وقد جمعت رواية أخرى لأحمد (٣) بين اللقبين أيضا (٤).

وكذا رواية أخرى لعبد الرزّاق وابن أبي شيبة (٥) ، نقلها في « كنز العمّال » (٦).

وروى مالك في موطّئه (٧) رواية اشتملت على وصفه بذي الشمالين فقط ، ذكرها تحت عنوان ما يفعل من سلّم من ركعتين ساهيا.

__________________

(١) ج ٤ ص ٢١٥ [ ٨ / ١٤١ ح ٢٢٢٩١ ]. منه قدس‌سره.

(٢) وانظر : المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٢ / ٢٩٦ ح ٣٤٤١.

(٣) ج ٢ ص ٢٨٤. منه قدس‌سره.

(٤) وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ١ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ح ٥٦٤ ، سنن الدارمي ١ / ٢٥١ ح ١٥٠٠.

(٥) المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٢ / ٢٩٧ ح ٣٤٤٢ وص ٢٩٩ ح ٣٤٤٧ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ١ / ٤٨٨ ب‍ ٢٥٢ ح ٢.

(٦) ج ٤ ص ٢١٤ [ ٨ / ١٣٦ ح ٢٢٢٦٨ ]. منه قدس‌سره.

(٧) ص ٤٩ في حاشية الجزء الأوّل لمصابيح البغوي ، المطبوع بمصر ١٣١٨ ه‍ [ الموطّأ : ٨٠ ـ ٨١ ح ٦٥ ]. منه قدس‌سره.

٦١

وهي كغيرها في الدلالة على وحدة ذي اليدين وذي الشمالين.

وأمّا رواية عمران بن حصين ، الدالّة على أنّ ذا اليدين هو ( الخرباق ) (١) ، فلا تدلّ على التعدّد لجواز كون ( الخرباق ) لقبا لعمير بن عبد عمرو ، ويقرّبه أنّهم لم يعرفوا للخرباق أبا ، وإنّما يقول علماء رجالهم ( الخرباق السلمي ) (٢).

وقد عرفت أنّ عميرا أيضا منسوب إلى سليم ؛ لأنّه أحد أجداده ، كما سبق في كلام « الاستيعاب » (٣).

وبالجملة : لا تصلح هذه الرواية لإثبات التعدّد في مقابلة تلك الروايات ، فظهر أنّ الصحيح وحدتهما وفاقا للزهري ..

قال في « الاستيعاب » بترجمة ذي اليدين : « وقد كان الزهري مع علمه بالمغازي يقول : إنّه ذو الشمالين المقتول ببدر ، وإنّ قصّة ذي اليدين في الصلاة كانت قبل بدر ثمّ أحكمت الأمور بعد » (٤).

ثمّ قال في « الاستيعاب » : « وذلك وهم عند أكثر العلماء » (٥).

ووجه الوهم ـ كما يظهر من أوّل كلامه ـ أنّه صحّ عن أبي هريرة أنّ ذا اليدين راجع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر الصلاة ، فلا بدّ أن يكون ذو اليدين

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ / ٨٧ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ١ / ٤٨٩ ب‍ ٢٥٢ ح ٥ ، مسند أبي عوانة ١ / ٥١٤ ح ١٩٢٢ ، المعجم الكبير ١٨ / ١٩٤ ـ ١٩٥ ح ٤٦٤ و ٤٦٥ و ٤٦٧ و ٤٧٠.

(٢) الإصابة ٢ / ٢٧١ رقم ٢٢٤٠.

(٣) تقدّم قبل صفحتين في الهامش رقم ٤ عن الاستيعاب ٢ / ٤٦٩ رقم ٧١٦.

(٤) الاستيعاب ٢ / ٤٧٦ ضمن رقم ٧٢٤.

(٥) الاستيعاب ٢ / ٤٧٦ ضمن رقم ٧٢٤.

٦٢

غير ذي الشمالين ؛ لأنّ أبا هريرة أسلم عام خيبر ، وذا الشمالين قتل ببدر.

وفيه : إنّه بعد ما عرفت من صراحة الروايات بالاتّحاد لم يبق وجه للحكم بالتعدّد ، غاية الأمر أنّه يلزم من الاتّحاد كذب رواية أبي هريرة ، وهو غير مستغرب!

فإن قلت : لم يدّع أبو هريرة حضور الواقعة حتّى يكون كاذبا في الحكاية ، فلعلّه روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عمّن حضر من الصحابة؟!

قلت : قد صرّح أبو هريرة بحضوره بنفسه في بعض هذه الأخبار التي حكى فيها الواقعة ..

فقد روى البخاري عنه في الباب الثالث من أبواب ما جاء في السهو أنّه قال : « صلّى بنا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر أو العصر .. » (١) الحديث.

ونحوه في « صحيح مسلم » في باب السهو في الصلاة والسجود له (٢).

وروى مسلم في هذا الباب ما هو أصرح في ذلك ، قال : « بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة الظهر سلّم في الركعتين .. » (٣) وساق الحديث.

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ / ١٥٠ ح ٢٥٠.

(٢) صحيح مسلم ٢ / ٨٦ و ٨٧.

(٣) صحيح مسلم ٢ / ٨٧.

٦٣

قال المصنّف ـ رفع الله في الجنّة مقامه ـ (١) :

ونسبوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا من النقص ..

روى الحميدي في « الجمع بين الصحيحين » عن عائشة ، قالت :

كنت ألعب بالبنات عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت لي صواحب يلعبن معي ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل تقمّعن (٢) منه ، فيشير إليهنّ فيلعبن معي (٣).

وفي حديث الحميدي أيضا : كنت ألعب بالبنات في بيته ـ وهي اللعب ـ (٤).

مع أنّهم رووا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحاح الأحاديث أنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه صور مجسّمة أو تماثيل ، وتواتر النقل عنه بإنكار عمل الصور والتماثيل (٥) ..

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٤٧.

(٢) أي : تغيّبن ودخلن في بيت أو من وراء ستر ؛ انظر : لسان العرب ١١ / ٣٠٤ مادّة « قمع ».

(٣) الجمع بين الصحيحين ٤ / ١١٣ ح ٣٢٢٥ ، وانظر : صحيح البخاري ٨ / ٥٦ ح ١٥٤ ، صحيح مسلم ٧ / ١٣٥ ، سنن أبي داود ٤ / ٢٨٤ ح ٤٩٣١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٦٣٧ ح ١٩٨٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٣٠٥ ح ٨٩٤٦.

(٤) الجمع بين الصحيحين ٤ / ١١٣ ح ٣٢٢٥ ، وانظر : صحيح مسلم ٧ / ١٣٥ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٣٠٦ ح ٨٩٤٨.

(٥) انظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٣٥ ح ٣٤ ـ ٣٧ وص ٢٦٣ ح ١٢٦ وج ٧ / ٣٠٧ ح ١٦٠ وص ٣٠٩ ح ١٦٧ و ١٦٨ وص ٣١٠ ح ١٧١ ، صحيح مسلم ٦ / ١٥٦ ـ ١٦٢ ، سنن أبي داود ٤ / ٧١ ـ ٧٣ ح ٤١٥٢ ـ ٤١٥٨ ، سنن الترمذي ٤ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ح _

٦٤

فكيف يجوز لهم نسبة هذا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى زوجته ، من عمل الصور في بيته الذي أسّس للعبادة ، وهو محلّ هبوط الملائكة والروح الأمين في كلّ وقت؟!

ولمّا رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصور في الكعبة لم يدخلها حتّى محيت (١) ، مع أنّ الكعبة بيت الله تعالى ، فإذا امتنع من دخوله مع شرفه وعلوّ مرتبته ، فكيف يتّخذ في بيته ـ وهو أدون من الكعبة ـ صورا ، ويجعله محلّا له؟!

* * *

__________________

١٧٤٩ ـ ١٧٥١ وج ٥ / ١٠٦ ح ٢٨٠٤ ـ ٢٨٠٦ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٢٠٣ ـ ١٢٠٤ ح ٣٦٤٩ ـ ٣٦٥٣ ، سنن النسائي ١ / ١٤١ وج ٧ / ١٨٥ وج ٨ / ٢١٢ ، مسند أحمد ٤ / ٢٨ و ٢٩.

(١) انظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٧٨ ح ١٥٤ ، سنن أبي داود ٤ / ٧٢ ح ٤١٥٦ ، مسند أحمد ١ / ٣٦٥.

٦٥

وقال الفضل (١) :

قد صحّ أنّ عائشة كانت تلعب باللعب ، وكان هذا لكونها صغيرة غير مكلّفة .. فقد صحّ أنّه دخل عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي بنت تسع سنين ، وهذه اللعب ما كانت مصوّرة بصورة الإنسان ، بل كانت على صورة الفرس ، لما روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى عند عائشة أفراسا لها أجنحة .. فقال : الفرس يكون له جناحان؟! قالت عائشة : أما سمعت أنّ خيل سليمان كانت لها أجنحة؟! فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢)

وهيئة الفرس لا تسمّى صورة ؛ لأنّ الأطفال لا يقدرون على تصوير الصورة ، وإنّما يكون مشابها للصورة ، ولا حرمة في عمل اللعبة على هيئة الخيل ، بل هذا في الإنسان ، وقيل : في ما عبد من الحيوانات والملائكة والإنسان.

وأيضا : يحتمل أن يكون هذا قبل تحريم الصور ، فإنّ تحريم الصور كان عام الفتح على ما ثبت (٣) ، ولعب عائشة كان في أوائل الهجرة (٤).

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٣٥.

(٢) انظر : سنن أبي داود ٤ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ح ٤٩٣٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٣٠٦ ح ٨٩٥٠.

(٣) لم نجد لادّعائه هذا ما يثبته ، بل الثابت خلاف ذلك ، فإنّ تحريم التماثيل جاء في الآية ٥٢ من سورة الأنبياء ، وهي سورة مكّيّة بلا خلاف ؛ انظر مثلا : الإتقان في علوم القرآن ١ / ٤٥.

(٤) بل صريح الرواية السابقة المخرّجة عن سنن أبي داود والسنن الكبرى للنسائي ورواية البغوي في « مصابيح السنّة » الآتية بعد صفحتين أنّ لعب عائشة باللّعب كان

٦٦

وللصور شرائط إنّما تحرم عند وجودها ، وربّما لم يكن شرط من الشرائط موجودا ، ولمّا صحّ الأخبار وجب التأويل والجمع.

وليس أخبار الصحاح الستّة مثل أخبار الروافض ، فقد وقع إجماع الأئمّة على صحّتها.

* * *

__________________

بعد إحدى غزوات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تبوك أو خيبر أو حنين ؛ وسيأتي ما يخصّ هذا المطلب في ردّ الشيخ المظفّر قدس‌سره ، فراجع!

٦٧

وأقول :

من الغريب استدلاله على صغرها وعدم تكليفها حين اللعب بدخول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها وهي بنت تسع ، فإنّ بناءه بها وهي بهذا السنّ ـ كما يزعمون (١) ـ لا يقتضي أن يكون لعبها في أوّل زمن الدخول ، بل أخبارهم تدلّ على لعبها في أواخر أيّام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ففي مصابيح البغوي من الحسان ، في باب عشرة النساء ، من كتاب النكاح ، عن عائشة قالت : « قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غزوة تبوك أو حنين ، وفي بهوتها (٢) ستر ، فهبّت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة تلعب بها.

فقال : ما هذه يا عائشة؟!

قالت : بناتي.

__________________

(١) ربّ مشهور لا أصل له ، ومن ذلك القول بأنّ سنّ عائشة عند زواجها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان تسع سنين ؛ إذ إنّها تصغر أختها أسماء بعشر سنين ـ كما في : البداية والنهاية ٨ / ٢٧٦ ـ ، وقد كانت ولادة أختها أسماء قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة ـ كما في : معرفة الصحابة لأبي نعيم ٦ / ٣٢٥٣ رقم ٣٧٦٩ ، وأسد الغابة ٦ / ٩ رقم ٦٦٩٨ ، والإصابة ٧ / ٤٨٨ رقم ١٠٧٩٨ ، فتكون ولادة عائشة قبل الهجرة بسبعة عشرة سنة ، وهذا عمرها عند زواجها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فلاحظ!

(٢) البهو : البيت المقدّم أمام البيوت ؛ انظر : لسان العرب ١ / ٥٢٨ مادّة « بها ».

وفي المصدر : « سهوتها » وفي نسخة منه كما في المتن ، والسهوة : حائط صغير يبنى بين حائطي البيت ويجعل السقف على الجميع ، فما كان وسط البيت فهو سهوة ، وما كان داخله فهو المخدع ، وقيل : هي صفّة بين بيتين ، وقيل غير ذلك ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ٤١٥ مادّة « سها ».

٦٨

ورأى بينهنّ فرسا له جناحان من رقاع ، فقال : وما هذا الذي أرى وسطهنّ؟!

قالت : فرس.

قال : وما هذا الذي عليه؟!

قالت : جناحان.

قال : الفرس يكون له جناحان؟!

قالت : أما سمعت أنّ لسليمان خيلا لها أجنحة؟!

قالت : فضحك حتّى رأيت نواجذه » (١) ..

فإنّها صريحة في لعبها بعد إحدى الغزاتين ، وهما كانتا بعد فتح مكّة ، ومنه يعلم ما في قوله أخيرا : « ولعب عائشة كان في أوائل الهجرة ».

ولو سلّم أنّ لعبها كان في أوّل بناء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها ، وأنّها بنت تسع ، فبنت التسع التي تصلح للتزويج ولأحكامه مكلّفة على الأحقّ.

ولو سلّم أنّها غير مكلّفة ، فإشكال المصنّف رحمه‌الله ليس في لعبها حتّى يجاب بأنّها غير مكلّفة ، بل في إبقاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصور في بيته وهو محلّ هبوط الملائكة التي لا تدخل بيتا فيه صور ، وفي عدم إنكاره على عمل الصور ، وقد تواتر عنه النهي عنه.

وأمّا قوله : « وهذه اللعب ما كانت مصوّرة بصورة الإنسان » ..

فمناف لما تضافرت به أخبارهم من لعبها بالبنات ، التي هي عبارة

__________________

(١) مصابيح السنّة ٢ / ٤٥٢ ح ٢٤٤٢ ، وقد تقدّم تخريجه في الصفحة ٦٦ ه‍ ٢ عن أبي داود والنسائي.

٦٩

عمّا كان بصورة البنات من الناس ، وقد جمعت رواية البغوي السابقة بين ذكر البنات والفرس ، وهي التي ذكرها الخصم على الظاهر ، لكنّه تصرّف فيها بإسقاط لفظ البنات ليروّج مطلبه في الجملة!

وأمّا قوله : « وهيئة الفرس لا تسمّى صورة ؛ لأنّ الأطفال ... » إلى آخره ..

ففيه : إنّ الصورة هي : الشكل ، كما في القاموس (١) ، فتكون الهيئة منها ، وتعليله لا وجه له ؛ لأنّ عائشة لم تكن صغيرة حين اللعب بالأفراس ، بل كانت بنت سبع عشرة تقريبا على رأيهم ، لما سبق من تصريح رواية البغوي بلعبها بها بعد إحدى الغزاتين.

ولو سلّم أنّها كانت ـ حينئذ ـ صغيرة ، فمن الإزراء بحقّها أن ينسب إليها العجز عن تصوير الصورة ؛ لما زعموا أنّها في غاية الذكاء ، ومن تقدر في كبرها على قيادة الحرب العظيمة لا تعجز في صغرها عن تصوير الصورة!!

ولو سلّم عجزها ، فهو لا يقتضي عدم كمال هيئة الفرس ، بحيث لا تسمّى صورة ؛ لجواز أن يكون غيرها قد صنعها لها.

ولا تخفى ظرافة تسميته لها طفلا وقد تزوّجت وبلغت سنّ النساء!

وأمّا قوله : « ولا حرمة في عمل اللعبة على هيئة الخيل » ..

فباطل ؛ لإطلاق أخبارهم المستفيضة (٢) في حرمة تصوير ذوات

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ / ٧٥ مادّة « صور ».

(٢) وعدم وجود ما يصلح أن يكون مخصّصا أو مقيّدا لتلك الأخبار ، سوى ما ورد في رواية أبي طلحة ـ المروية في صحاحهم ، وقد تقدّم تخريجها في الصفحة ٦٤ _

٧٠

الأرواح (١) ..

وقد رواها البخاري في مقامات لا تحصى ، منها في آخر صحيحه ، ومنها في أواخر كتاب البيع ..

وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعضها : « من صوّر صورة فإنّ الله معذّبه بها حتّى ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ فيها أبدا » (٢) ..

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعضها : « إنّ أصحاب هذه الصور يعذّبون يوم القيامة ، ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم » (٣).

وروى مسلم طرفا منها في كتاب « اللباس والزينة » من صحيحه ، في باب : « لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة » (٤) ، وبعضها صريح في صور الخيل ذوات الأجنحة ..

فقد أخرج عن عائشة ، قالت : « قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سفر وقد سترت على بابي درنوكا (٥) فيه الخيل ذوات الأجنحة فأمرني

__________________

هـ ٥ ـ من استثناء الرّقم ، وهي لا تصلح لتخصيص أو تقييد محلّ البحث والنزاع!

والرّقم هو الصورة والرسم على الثوب والستر ، ورقم الثوب رقما : وشّاه وخطّطه وعلّمه ؛ انظر : تاج العروس ١٦ / ٢٩٧ مادّة « رقم ».

(١) راجع ه‍ ٥ من الصفحة ٦٤.

(٢) صحيح البخاري ٣ / ١٦٩ ح ١٦٨.

(٣) صحيح البخاري ٧ / ٣١٠ ح ١٧١.

(٤) انظر : صحيح مسلم ٦ / ١٥٥ ـ ١٦٢.

(٥) الدرنوك : ضرب من الثياب أو البسط ، له خمل قصير كخمل المناديل ، وبه تشبّه فروة البعير والأسد ، وجمعه : درانك.

انظر مادّة « درنك » في : الصحاح ٤ / ١٥٨٣ ، لسان العرب ٤ / ٣٤٠ ، تاج العروس ١٣ / ٥٥٧.

٧١

فنزعته » (١)

ويا هل ترى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يرضى بصورة الخيل على الدرنوك ويرضى بصورها المجسّمة ويبقيها في بيته؟!

وأمّا قوله : « وأيضا يحتمل أن يكون هذا قبل تحريم الصور ، فإنّ تحريم الصور كان عام الفتح ـ على ما ثبت ـ ولعب عائشة كان في أوائل الهجرة » ..

ففيه : إنّ رواية البغوي السابقة (٢) صريحة في لعبها بعد الفتح ، فلا يصحّ هذا الاحتمال ، ولا أعلم من أين ثبت عنده أنّ التحريم عام الفتح؟! والظاهر أنّه مستند إلى الهوى ونصرة المذهب!

وأمّا قوله : « وللصور شرائط إنّما تحرّم عند وجودها » ..

ففيه : إنّه إن أراد أنّ لتحريم الصور شرائط ، فباطل ؛ إذ لا يعتبر فيه أكثر من صدق تصوير الحيوان كما تدلّ عليه الأخبار السابقة وغيرها.

وإن أراد أنّ لتحريم اللعب بالصور شرائط ، فممنوع حتّى بمذهبه ..

فقد نقل هو في آخر الكتاب ـ في القضاء وتوابعه ـ عن الشافعي أنّ عدم حرمة اللعب بالشطرنج مشروط بأربعة شروط ، رابعها : أن لا تكون أسبابه مصوّرة بصورة الحيوانات (٣) ؛ ولم يقيّد هناك الصور بقيد ، ولم يعتبر فيها شروطا.

__________________

(١) صحيح مسلم ٦ / ١٥٨.

(٢) تقدّمت في الصفحة ٦٨ ـ ٦٩.

(٣) راجع : إحقاق الحقّ : ١١٧٦ الطبعة الحجرية.

٧٢

وذكر الخصم ثمّة أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام مرّ بقوم يلعبون بالشطرنج فقال : ( ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ ) (١) (٢) ، ورواه المصنّف هناك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣)

وهو دالّ على أنّ اللعب بصور الخيل كالعكوف على الأصنام فيحرم ، فكيف تلعب بها عائشة ولم يمنعها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لم تظهر منه الكراهة حتّى يرتدع الغير؟!

ولا يخفى أنّ أجوبة الخصم كلّها لا تصلح جوابا عمّا ذكره المصنّف من إشكال إبقاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للصور في بيته ، والحال أنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصور ، إلّا ما زعمه من عجز الأطفال عن تصوير الصور ، فإنّه يمكن جعله جوابا ولكن قد عرفت ما فيه.

وأمّا قوله : « وليس أخبار الصحاح الستّة مثل أخبار الروافض » ..

فقد صدق فيه ؛ لأنّ من يرفض الباطل لا يروي مثل تلك الخرافات ، ولا يعتمد على روايات من عرفت بعض أحوالهم في المقدّمة وأشباههم! (٤).

* * *

__________________

(١) سورة الأنبياء ٢١ : ٥٢.

(٢) انظر : السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١٠ / ٢١٢ ، الحاوي الكبير ٢١ / ١٩٢.

(٣) نهج الحقّ : ٥٦٨.

(٤) راجع الجزء الأوّل من هذا الكتاب.

٧٣

قال المصنّف ـ أسبغ الله عليه رحمته ـ (١) :

وروى الحميدي في « الجمع بين الصحيحين » : قالت عائشة : « رأيت النبيّ يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد ، فزجرهم عمر » (٢).

وروى الحميدي ، عن عائشة ، قالت : « دخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعندي جاريتان تغنّيان بغناء بعاث (٣) ، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال : مزمارة الشيطان عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأقبل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : دعها ؛ فلمّا غفل غمزتهما ، فخرجتا » (٤).

وكيف يجوز للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصبر على هذا مع أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ على تحريم اللعب واللهو (٥) ، والقرآن مملوء منه (٦) وبالخصوص مع زوجته؟!

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٤٩.

(٢) الجمع بين الصحيحين ٤ / ٥٢ ح ٣١٦٨.

(٣) بعاث : هو اسم حصن للأوس ، وبه سمّي يوم كانت فيه حرب بين الأوس والخزرج في الجاهلية ؛ انظر : لسان العرب ١ / ٤٣٩ مادّة « بعث ».

(٤) الجمع بين الصحيحين ٤ / ٥٣ ح ٣١٦٨ وفيه : « دعهما » بدل « دعها ».

(٥) انظر : سنن ابن ماجة ٢ / ٧٣٣ ح ٢١٦٨ ، سنن الترمذي ٣ / ٥٧٩ ح ١٢٨٢ ، الأدب المفرد : ٢١٦ ح ٨٠٥ ـ ٨٠٩ باب الغناء واللهو ، المعجم الكبير ١٩ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ح ٧٩٤ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٢ ح ٥٢٧ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١٠ / ٢٢١ ، مجمع الزوائد ٣ / ١٣ عن مسند البزّار.

(٦) كقوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) سورة لقمان ٣١ : ٦.

٧٤

وهلّا دخلته الحميّة والغيرة مع أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أغير الناس؟!

وكيف أنكر أبو بكر وعمر ومنعهما؟! فهل كانا أفضل منه؟!

وقد رووا عنه عليه‌السلام ، أنّه لمّا قدم المدينة من سفر خرجن إليه نساء المدينة يلعبن بالدفّ فرحا بقدومه ، وهو يرقّص بأكمامه! (١).

هل يصدر [ مثل ] هذا عن رئيس أو من له أدنى وقار؟!

نعوذ بالله من هذه السقطات ..

مع أنّه لو نسب أحدهم إلى مثل هذا قابله بالسبّ والشتم وتبرّأ منه ، فكيف يجوز نسبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مثل هذه الأشياء التي يتبرّأ منها؟!

* * *

__________________

(١) انظر مؤدّاه في : سنن الترمذي ٥ / ٥٧٩ ح ٣٦٩٠ ، مسند أحمد ٥ / ٣٥٣ ، مسند أبي يعلى ٦ / ١٣٤ ح ٣٤٠٩ ، المعجم الصغير ١ / ٣٢ ـ ٣٣.

٧٥

وقال الفضل (١) :

ضرب الدفّ ليس بحرام مطلقا ، وكذا اللهو كما ذكر في موضعه ..

وما ذكر من ضرب الجاريتين بالدفّ عند عائشة كان يوم عيد ، واتّفق العلماء على جواز اللهو وضرب الدفّ في أوقات السرور ، كالأعياد والختان والإملاك.

وأمّا منع أبي بكر عنه ، فإنّه كان لا يعلم جوازه في أيّام العيد.

وتتمّة الحديث أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأبي بكر : « دعهما ، فإنّها أيّام عيد » ، فلذلك منعه أبو بكر ، فعلّمه رسول الله أنّ ضرب الدفّ والغناء ليس بحرام في أيّام العيد.

وما ذكر أنّ نساء المدينة خرجن إليه من عوده من السفر ، فذلك كان من خصال نساء المدينة ، ولم يمنعهنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّها كانت قبل نزول الحجاب ، ولأنّهنّ كنّ يظهرنّ السرور بمقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو عبادة ..

وإنّ ترك المروءة في أمثال هذه الأمور ـ التي توجب الألفة ، والموافقة ، وتطييب الخاطر ، وتشريع المسائل ـ جائز ..

ولكنّه نعم ما قيل شعرا :

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٤٠.

٧٦

وعين الرضا عن كلّ عيب كليلة

ولكنّ عين السخط تبدي المساويا (١)

* * *

__________________

(١) البيت من شعر عبد الله بن معاوية بن عبد الله الجعفري ، قاله في صديق له يقال له : قصيّ بن ذكوان ، وكان قد عتب عليه ، وهو من أبيات مطلعها :

رأيت قصيّا كان شيئا ملفّفا

فكشّفه التمحيص حتّى بدا ليا

انظر : الأغاني ١٢ / ٢٥٠.

٧٧

وأقول :

ما استدلّوا به لإباحة اللهو غير صالح له ؛ لأمور :

الأوّل : إنّ كثيرا منها أدلّ على الحرمة ، كرواية الغزّالي التي سينقلها المصنّف (١) ، ورواية أحمد التي سنذكرها بعدها إن شاء الله تعالى (٢) ، فإنّهما أطلقتا الباطل على اللعب والغناء.

وكرواية الترمذي في مناقب عمر ، عن عائشة ، قالت : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالسا في المسجد ، فسمعنا لغطا وصوت صبيان ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا حبشيّة تزفن (٣) والصبيان حولها.

فقال : يا عائشة! تعالي وانظري.

فجئت فوضعت لحييّ على منكب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه ..

فقال : أما شبعت؟! [ أما شبعت؟! ].

فجعلت أقول : لا ؛ لأنظر منزلتي عنده ، إذ طلع عمر ، فارفضّ (٤) الناس عنها ..

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي لأنظر إلى شياطين الجنّ والإنس قد فرّوا

__________________

(١) ستأتي في الصفحة ١١١ ه‍ ٣ من هذا الجزء.

(٢) ستأتي في الصفحة ١١٥ ه‍ ١ من هذا الجزء.

(٣) الزّفن : الرّقص ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ٥٨ مادّة « زفن ».

(٤) ارفضّ : تفرّق ؛ انظر مادّة « رفض » في : لسان العرب ٥ / ٢٦٦ ، تاج العروس ١٠ / ٦٢.

٧٨

من عمر بن الخطّاب » (١).

فإنّ تعبير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشياطين دليل على حرمة عملها وعملهم ، وإنّ ذلك اللهو مجمع للشياطين فيحرم.

وكرواية الترمذي أيضا عن بريدة ، وصحّحها ـ كالرواية الأولى ـ هو والبغوي في ( مصابيحه ) ..

قال بريدة : « خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض مغازيه ، فلمّا انصرف جاءت جارية سوداء ، فقالت : يا رسول الله! إنّي كنت نذرت إن ردّك الله صالحا أن أضرب بين يديك بالدفّ وأتغنّى.

فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن كنت نذرت فاضربي ، وإلّا فلا.

فجعلت تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثمّ دخل عليّ وهي تضرب ، ثمّ دخل عثمان وهي تضرب ، ثمّ دخل عمر فألقت الدفّ تحت إستها ، ثمّ قعدت عليه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الشيطان ليخاف منك يا عمر ، إنّي كنت جالسا وهي تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثمّ دخل عليّ وهي تضرب ، ثمّ دخل عثمان وهي تضرب ، فلمّا دخلت أنت [ يا عمر ] ألقت الدفّ » (٢).

فإنّ تعبير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها بالشيطان دليل على حرمة فعلها ، إذ لو

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ / ٥٨٠ ح ٣٦٩١ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٣٠٩ ح ٨٩٥٧ ، الكامل في الضعفاء ٣ / ٥١ رقم ٦٠٨ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٥٩ ح ٤٧٣٧ ، تاريخ دمشق ٤٤ / ٨٢ و ٨٤.

(٢) سنن الترمذي ٥ / ٥٧٩ ـ ٥٨٠ ح ٣٦٩٠ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٥٨ ـ ١٥٩ ح ٤٧٣٦ ، وانظر : مسند أحمد ٥ / ٣٥٣ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١٠ / ٧٧.

٧٩

كان طاعة أو مباحا لم يصحّ ذمّها وتهجين عملها ، لا سيّما وقد كان وفاء للنذر.

كما إنّه لو كان مباحا لم يصحّ نهيها عنه بلا قرينة على إرادة الإباحة من النهي ، لو فرض أنّها لم تكن قد نذرت ؛ لظهور النهي في الحرمة وهي في وقت الحاجة والعمل.

الثاني : إنّ أخبار حلّيّة اللهو قد اشتملت جملة منها على إرادة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عائشة أن تنظر إلى اللعب وأهله ، وعلى أنّه يسترها وهي تنظر إلى الحبشة ، وهذا كذب صريح ؛ لأنّه مناف لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..

روى البغوي في ( مصابيحه ) ، من الحسان ، في باب النظر إلى المخطوبة وبيان العورات ، من كتاب النكاح ، عن أمّ سلمة رضي الله عنها : « أنّها كانت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وميمونة ، إذ أقبل ابن أمّ مكتوم فدخل عليه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : احتجبا عنه!

فقلت : يا رسول الله! أليس هو أعمى لا يبصرنا؟!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفعمياوان أنتما؟! ألستما تبصرانه؟! » (١)

ونحوه في الجزء السادس من مسند أحمد ، ص ٢٩٦ (٢).

فإذا كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأبى من نظر أزواجه إلى الأعمى ، فكيف يرضى لعائشة أن تنظر إلى أهل اللهو حال اللعب والخلاعة؟!

الثالث : إنّها منافية للغيرة والحياء ، بل بعضها مشتمل على التهتّك

__________________

(١) مصابيح السنّة ٢ / ٤٠٨ ح ٢٣١٦ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٣٩٣ ـ ٣٩٤ ح ٩٢٤٢.

(٢) وانظر : سنن أبي داود ٤ / ٦٢ ح ٤١١٢ ، سنن الترمذي ٥ / ٩٤ ح ٢٧٧٨ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٣٩٣ ح ٩٢٤١.

٨٠