تجويز نبوّة من كان كافرا ، بل وقوعها ، فإنّه لمّا أنكر كون عدم السجود للصنم موجبا للفضل على من كان كافرا ثمّ تاب ، استدلّ عليه بأنّ لوطا آمن لإبراهيم ثمّ بعثه الله نبيّا ، وأنّ شعيبا قال : ( قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها ) (١) ، وأنّ الله سبحانه قال : ( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا ) (٢).
وإذا كان هؤلاء أنبياء ، فمن المعلوم أنّ الأنبياء أفضل من غيرهم ، فلا يكون عدم السجود للأصنام موجبا للأفضليّة (٣).
وفيه : إنّ إيمان لوط لإبراهيم لا يستدعي سبق الكفر منه ـ وحاشاه ـ ؛ لاحتمال ولادته بعد نبوّة إبراهيم ، أو أنّه كان متديّنا بشريعة سابقة ، وآمن به في أوّل نبوّته.
وأمّا إطلاق العود في الآيتين الأخيرتين ، فمن باب التغليب بلحاظ أتباعهم.
ثمّ إنّ مقتضى استدلال ابن تيميّة بالآية الأخيرة ؛ كون الرسل كلّهم أو أكثرهم ـ بزعمه ـ كانوا كفّارا ، وهو خلاف ضرورة الإسلام والمسلمين!
وما الداعي له إلى هذا الضلال إلّا إنكار فضل أمير المؤمنين على أقوام أفنوا أكثر أعمارهم في الكفر ، ولمزيد نصبه أنكر عدم سجود أخ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم للأصنام قبل إسلامه (٤) ، خلافا لإجماع المسلمين! حتّى إنّ
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ : ٨٩.
(٢) سورة إبراهيم ١٤ : ١٣.
(٣) انظر : منهاج السنّة ٧ / ١٣٣ ـ ١٣٥.
(٤) انظر : منهاج السنّة ٧ / ١٣٤.
قومه السنّيّين إذا ذكروا عليّا عليهالسلام قالوا : « كرّم الله وجهه » إشارة إلى عدم سجوده للأصنام أصلا.
ولم يزل يتمحّل لإنكار فضل وليّ المؤمنين تلك التمحّلات ، ويتقلّب بهاتيك الجهالات ، فالله حسيبه ، والنبيّ شاهده ، وعليّ خصمه.
* * *
٩ ـ آية : ( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا )
قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :
التاسعة : قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا ) (٢).
روى الجمهور ، عن ابن عبّاس ، قال : نزلت في أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ؛ قال : الودّ : المحبّة في قلوب المؤمنين (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٨٠.
(٢) سورة مريم ١٩ : ٩٦.
(٣) المعجم الكبير ١٢ / ٩٦ ح ١٢٦٥٥ ، المعجم الأوسط ٦ / ١٠ ح ٥٥١٦ ، تفسير الحبري : ٢٨٩ ح ٤٣ ، تفسير الثعلبي ٦ / ٢٣٣ ، ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ١٢٩ و ١٣٢ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ح ٣٧٤ ، شواهد التنزيل ١ / ٣٥٩ ـ ٣٦٧ ح ٤٨٩ ـ ٥٠٩ ، الطيوريات : ٣٩٨ ـ ٣٩٩ ح ٧٠٢ ، الكشّاف ٢ / ٥٢٧ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٢٧٨ ح ٢٦٨ ، زاد المسير ٥ / ١٩٧ ، تذكرة الخواصّ : ٢٦ ، كفاية الطالب : ٢٤٩ ، تفسير القرطبي ١١ / ١٠٧ ، ذخائر العقبى : ١٥٩ ، الرياض النضرة ٣ / ١٧٩ ، فرائد السمطين ١ / ٧٩ ح ٤٩ ، التسهيل لعلوم التنزيل ٣ / ١٠ ، الدرّ المنثور ٥ / ٥٤٤ ، جواهر العقدين : ٣٢٧.
وقال الفضل (١) :
ليست هذه الرواية في تفاسير أهل السنّة (٢) ، وإن صحّت دلّت على وجوب محبّته ، وهو واجب بالاتّفاق ، ولم يثبت به النصّ على الإمامة وهو المدّعى.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٨٧.
(٢) راجع الهامش رقم ٣ من الصفحة السابقة.
وأقول :
قال السيوطي في « الدرّ المنثور » : أخرج الطبراني وابن مردويه ، عن ابن عبّاس ، قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا ) ، قال : محبّة في قلوب المؤمنين (١).
وقال السيوطي أيضا : أخرج ابن مردويه والديلمي ، عن البراء ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ : قل : اللهمّ اجعل لي عندك عهدا ، واجعل لي عندك ودّا ، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة.
فأنزل الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا ) ، قال : نزلت في عليّ » (٢).
وروي مثل الأخير في « الكشّاف » (٣).
ونقله سبط ابن الجوزي في « تذكرة الخواصّ » عن « تفسير الثعلبي » (٤).
وكذا نقله عنه المصنّف رحمهالله في « منهاج الكرامة » مع الحديث الأوّل عن أبي نعيم (٥).
__________________
(١) الدرّ المنثور ٥ / ٥٤٤ ، وانظر : المعجم الكبير ١٢ / ٩٦ ح ١٢٦٥٥ ، المعجم الأوسط ٦ / ١٠ ح ٥٥١٦.
(٢) الدرّ المنثور ٥ / ٥٤٤.
(٣) تفسير الكشّاف ٢ / ٥٢٧.
(٤) تذكرة الخواصّ : ٢٦.
(٥) منهاج الكرامة : ١٢٥ ، وانظر : ما نزل من القرآن في عليّ : ١٢٩ و ١٣٢.
وقال في « الصواعق » ، في المقصد الثاني من المقاصد المتعلّقة بالآية الرابعة عشرة من الآيات النازلة في أهل البيت عليهمالسلام : « أخرج الحافظ السلفي ، عن محمّد بن الحنفية ، أنّه قال في تفسير هذه الآية : لا يبقى مؤمن إلّا وفي قلبه ودّ لعليّ وأهل بيته » (١).
والظاهر أنّ ما رواه في « الكشّاف » مذكور في « تفسير الرازي » ، كما نقله السيّد السعيد عنه (٢) ، فإنّ عمدة ما ذكره الرازي هنا مأخوذ من « الكشّاف » ، لكنّ نسخة « تفسير الرازي » التي رأيتها خالية عن تلك الرواية ، فلا يبعد أنّ فيها سقطا.
وأمّا دلالة الآية على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام دون غيره ، فمحتاجة إلى بيان معناها أوّلا ..
قال في « الكشّاف » : « المعنى : سيحدث لهم في القلوب مودّة ، ويزرعها لهم فيها من غير تودّد منهم ، ولا تعرّض للأسباب التي توجب الودّ ويكتسب بها الناس مودّات القلوب ، من قرابة ، أو صداقة ، أو اصطناع بمبرّة ، أو غير ذلك .. وإنّما هو اختراع منه ابتداء ، اختصاصا منه لأوليائه بكرامة خاصّة ، كما قذف في قلوب أعدائهم الرعب [ والهيبة ] إعظاما لهم وإجلالا لمكانهم » (٣).
ومثله في « تفسير الرازي » (٤).
ولا يخفى أنّ هذه العناية الإلهية ، والبشارة الربّانية التي استحقّت
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ٢٦١.
(٢) انظر : إحقاق الحقّ ٣ / ٨٧.
(٣) تفسير الكشّاف ٢ / ٥٢٧.
(٤) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ٢٥٦.
الذكر في الكتاب المجيد ، ناشئة من أهليّة من به العناية ، وامتيازه بالقرب إلى الله تعالى ، وارتقائه على كلّ المؤمنين بالفضل والطاعة ، وهي مختصّة بأمير المؤمنين ؛ ولذا نزلت الآية به دون غيره من الصحابة.
فيكون أفضل الأمّة وإمامها بشهادة تعظيم الله سبحانه له ، حيث عبّر عنه : ب ( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) ، كناية عن أنّه بمنزلتهم جميعا في الإيمان والعمل الصالح ، لكونه إمامهم ، وسبب إيمانهم وعملهم الصالحات ؛ ولذا قال رسول الله في حقّه يوم الخندق : « برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه » (١) .. وقال : « ضربة عليّ تعدل عبادة الثقلين » (٢).
ثمّ إنّه بمقتضى رواية « الصواعق » (٣) تكون العناية ثابتة أيضا لأبناء أمير المؤمنين الطاهرين ، فتثبت لهم الإمامة أيضا.
وأمّا ما ذكر الفضل من دلالة الآية على وجوب محبّته عليهالسلام ، فخلاف الظاهر ؛ لأنّ المراد بالجعل فيها على الأظهر هو التكوين لا التكليف كما عرفته من كلام « الكشّاف » (٤).
ولو سلّم ، فهو أيضا دالّ على الإمامة ؛ لأنّ إيجاب المودّة على الإطلاق مستلزم لوجوب الطاعة مطلقا ، المستلزم للإمامة وللعصمة التي هي شرط الإمامة ، فإذا فقد هذا الشرط عن غيره بالإجماع والضرورة تعيّنت إمامته عليهالسلام.
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٨٥ ، حياة الحيوان ـ للدميري ـ ١ / ٢٧٤ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٨١ ح ٢ وص ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ضمن ح ٧.
(٢) المواقف : ٤١٢ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٩٨ ، شرح المواقف ٨ / ٣٧١ ، السيرة الحلبية ٢ / ٦٤٢ ـ ٦٤٣.
(٣) الصواعق المحرقة : ٢٦١.
(٤) الكشّاف ٢ / ٥٢٧.
١٠ ـ آية : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ )
قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :
العاشرة : قوله تعالى : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (٢).
نقل الجمهور ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أنا المنذر ، وعليّ الهادي ، وبك يا عليّ يهتدي المهتدون [ من بعدي ] » (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٨٠.
(٢) سورة الرعد ١٣ : ٧.
(٣) انظر : مسند أحمد ١ / ١٢٦ ، زوائد عبد الله بن أحمد بن حنبل على المسند : ٣٥٥ ح ١٤٨ ، المعجم الأوسط ٢ / ٩٤ ح ١٣٨٣ ، المعجم الصغير ١ / ٢٦١ ، تفسير الحبري : ٢٨١ ـ ٢٨٣ ح ٣٨ و ٣٩ ، تفسير الطبري ٧ / ٣٤٤ ح ٢٠١٦١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٠ ح ٤٦٤٦ ، تفسير الثعلبي ٥ / ٢٧٢ ، ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ١١٧ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٣٧٢ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٩٣ ـ ٣٠٣ ح ٣٩٨ ـ ٤١٦ ، فردوس الأخبار ١ / ٤٢ ح ١٠٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، زاد المسير ٤ / ٢٣٦ ، تفسير الفخر الرازي ١٩ / ٢٠ ، كفاية الطالب : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، فرائد السمطين ١ / ١٤٨ ح ١١١ و ١١٢ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٤٨٣ ، مجمع الزوائد ٧ / ٤١ ، الدرّ المنثور ٤ / ٦٠٨.
وقال الفضل (١) :
ليس هذا في تفاسير السنّة ، ولو صحّ دلّ على أنّ عليّا هادي ، وهو مسلّم ، وكذا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هداة ؛ لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أصحابي كالنجوم ، بأيّهم اقتديتم اهتديتهم » (٢) ، ولا دلالة فيه على النصّ.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٩٣.
(٢) لسان الميزان ٢ / ١١٨ رقم ٤٤٨.
وأقول :
نقل الحديث المذكور بعينه في « كنز العمّال » بفضائل عليّ عليهالسلام (١) ، عن الديلمي في كتاب « الفردوس » (٢).
ونقله عنه أيضا المصنّف رحمهالله في « منهاج الكرامة » (٣).
وذكر السيوطي في « الدرّ المنثور » أخبارا أربعة في نزولها بعليّ عليهالسلام (٤) :
الأوّل : ما أخرجه ابن جرير ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في « المعرفة » ، والديلمي ، وابن عساكر ، وابن النجّار ، عن ابن عبّاس ، قال : « لمّا نزلت : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ، وضع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يده على صدره فقال : « أنا المنذر » ، وأومأ بيده إلى عليّ عليهالسلام فقال : « أنت الهادي يا عليّ ، بك يهتدي المهتدون من بعدي » (٥).
ولعلّه هو حديث الديلمي السابق.
الثاني : ما أخرجه ابن مردويه ، عن أبي برزة الأسلمي : « سمعت رسول الله يقول : « إنّما أنت منذر » ووضع يده على صدره ، ثمّ وضعها
__________________
(١) ص ١٥٧ من الجزء السادس [ ١١ / ٦٢٠ ح ٣٣٠١٢ ]. منه قدسسره.
(٢) فردوس الأخبار ١ / ٤٢ ح ١٠٣.
(٣) منهاج الكرامة : ١٢٦.
(٤) وقد توسّع السيّد عليّ الحسيني الميلاني بدراسة تفسير الآية الكريمة وما ورد في ذلك من أحاديث ، سندا ودلالة ، في موسوعته : نفحات الأزهار ٢٠ / ٢٩٧ ـ ٣٦٨ ؛ فراجع!
(٥) انظر : معرفة الصحابة ١ / ٨٧ ـ ٨٨ ح ٣٤٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٥٩.
على صدر عليّ وهو يقول : ( لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (١).
الثالث : ما أخرجه ابن مردويه ، والضياء في « المختارة » ، عن ابن عبّاس ، قال : « رسول الله المنذر ، وعليّ بن أبي طالب الهادي » (٢).
الرابع : ما أخرجه عبد الله بن أحمد في « زوائد المسند » ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في « الأوسط » ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، في قوله تعالى : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ، قال : « رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المنذر ، وأنا الهادي » (٣).
قال السيوطي : وفي لفظ : « والهادي رجل من بني هاشم » ، يعني نفسه (٤).
وقد ذكر الحاكم هذا الحديث في « المستدرك » (٥) ، وقال : « صحيح الإسناد » ؛ وما تعقّبه الذهبي إلّا ببهت النصب وتحكّم الضلالة ، فقال : « بل كذب ، قبّح الله واضعه ».
وقد نقل جماعة هذا الحديث باللفظ الثاني عن الثعلبي مع أوّل الأحاديث التي ذكرها السيوطي ، منهم صاحب « ينابيع المودّة » ، وهو أيضا نقل الحديث الأخير باللفظ الثاني عن الحمويني ، قال : « أخرجه بسنده عن أبي هريرة » (٦).
ونقل أيضا خبرا آخر عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني ، بسنده عن
__________________
(١) الدرّ المنثور ٤ / ٦٠٨.
(٢) الدرّ المنثور ٤ / ٦٠٨.
(٣) الدرّ المنثور ٤ / ٦٠٨.
(٤) الدرّ المنثور ٤ / ٦٠٨.
(٥) ص ١٢٩ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٤٠ ح ٤٦٤٦ ]. منه قدسسره.
(٦) ينابيع المودة ١ / ٢٩٦ ح ٥ و ٦.
بريدة الأسلمي ، قال : دعا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بماء للطهور ، فأخذ بيد عليّ ـ بعد ما تطهّر ـ فألصق يده بصدره ، فقال : « أنا المنذر » ، ثمّ ردّ يده إلى صدر عليّ ، فقال : أنت ( لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ).
ثمّ قال له : « أنت منادي (١) الأنام ، وغاية الهدى ، وأمير الغرّ المحجّلين ، أشهد لك إنّك كذلك » (٢).
ثمّ قال في « الينابيع » : « المالكي أيضا أخرجه عن ابن عبّاس » (٣).
ويعني بالمالكي : علي بن أحمد ، صاحب « الفصول المهمّة » ، ونقل أيضا أخبارا كثيرة من هذا النحو (٤).
ونقل الرازي في تفسيره الخبر الأوّل من أخبار السيوطي ، وذكر في الآية أقوالا ثلاثة ، ثالثها ما دلّ عليه هذا الخبر (٥).
ولا ريب أنّه المتّبع ؛ لأنّه تفسير بالرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والقولان الأوّلان تفسير بالرأي ، ولو فرض ورود رواية بهما فلا تكون حجّة علينا ، ولا تعارض تلك الروايات ؛ لاتّفاق الفريقين عليها ، فقول الفضل : « ليس هذا في تفاسير السنّة » كما ترى!
وقد ذكر السيّد السعيد رحمهالله ، أنّ ابن عقدة صنّف كتابا في هذه الآية وروايات نزولها في شأن أمير المؤمنين عليهالسلام (٦).
__________________
(١) في شواهد التنزيل : منارة.
(٢) ينابيع المودّة ١ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ح ٧ ، وانظر : شواهد التنزيل ١ / ٣٠١ ـ ٣٠٢ ح ٤١٤.
(٣) ينابيع المودّة ١ / ٢٩٧ ذ ح ٧ ، وانظر : الفصول المهمّة : ١٢٣.
(٤) ينابيع المودّة ١ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ح ٥ ـ ١٠.
(٥) تفسير الفخر الرازي ١٩ / ٢٠.
(٦) إحقاق الحقّ ٣ / ٩٣.
وأمّا دلالتها على إمامته دون غيره فأوضح من أن تحتاج إلى بيان ؛ لأنّ الله تبارك وتعالى جعله في قرن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّ له الإنذار ولعليّ الهداية ، أي إراءة الطريق ، وعمّم هدايته لكلّ قوم ، وذلك من آثار الإمامة ، لا سيّما وقد قال له رسول الله : « وبك يهتدي المهتدون من بعدي » (١)
فإنّه بمقتضى تقديم الجار والمجرور دالّ على حصر الهداية به بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مع أنّه قد أثنى عليه في رواية الحسكاني بما يناسب الإمامة (٢).
وممّا بيّنّا يعلم ما في قول الفضل : « دلّ على أنّ عليّا هاد » ، مريدا به عدم دلالة الآية والرواية على اختصاص الهداية به.
وأمّا ما رواه من حديث « أصحابي كالنجوم » ، فهو باطل متنا وسندا (٣) ..
أمّا الأوّل : فلأنّ عمومه لكلّ أصحابه مخالف للضرورة ؛ لأنّ أكثرهم من الجاهلين ..
وكثيرا منهم من المرتدّين بعده كما دلّت عليه أخبار الحوض ، بل بعضها دالّ على ارتداد الكلّ إلّا مثل همل النعم (٤) ..
__________________
(١) كما في رواية ابن جرير وابن مردويه وأبي نعيم والديلمي وابن عساكر وابن النجّار ، عن ابن عبّاس.
(٢) تقدّمت آنفا في الصفحة ٤٣١ ـ ٤٣٢.
(٣) وانظر : رسالة في حديث « أصحابي كالنجوم » ، وهي الرسالة الأولى من كتاب « الرسائل العشر » ، للسيّد عليّ الحسيني الميلاني ، فقد توسّع في بحثه سندا ودلالة ، على ضوء كلمات علماء وحفّاظ أهل السنّة وآرائهم ؛ فراجع!
(٤) تقدّم تخريج ذلك مفصّلا في ج ٢ / ٢٧ ـ ٢٨ ه ١ ، وانظر : الصفحة ٢١٢ ـ ٣١٣ ه ١ من هذا الجزء.
كما أنّ بعضهم من المنافقين في وقته ، قال تعالى : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (١) ..
وبعضهم من القاسطين والناكثين والمارقين (٢) ..
وبعضهم من الزنّائين ، والفاسقين ، كالمغيرة والوليد وأشباههما (٣).
فكيف يقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « بأيّهم اقتديتم اهتديتم »؟! وهو يقتضي العصمة ، ولا أقلّ من العدالة ، ويقتضي العلم والإحاطة بما جاء به الرسول وأكثرهم من الجاهلين!
فلا بدّ أن يكون المراد بالأصحاب في الحديث ـ على فرض صحّته ـ ثقل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وسفينة النجاة ، وهم آله كما فسّر بهم عليهمالسلام (٤).
وأمّا الثاني : فلما نقله السيّد السعيد رحمهالله عن شارح « الشفاء » للقاضي عياض ، أنّه قال : « اعلم أنّ حديث : ( أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ) أخرجه الدارقطني في ( الفضائل ) وابن عبد البرّ في ( العلم ) ، من طريق من حديث جابر ، وهذا إسناد لا يقوم به حجّة ؛ لأنّ الحارث بن
__________________
(١) سورة التوبة ٩ : ١٠١.
(٢) سيأتي الكلام عنهم.
(٣) استفاضت الأخبار بزنا المغيرة في الجاهلية والإسلام حتّى ضرب بزناه المثل ، وقصّته مع أمّ جميل أثناء ولايته على البصرة مشهورة ؛ راجع : فتوح البلدان : ٣٤٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٤٩٢ ـ ٤٩٤ ، الأغاني ١٦ / ١٠٣ ـ ١١٠ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥ ، البداية والنهاية ٧ / ٦٦ ـ ٦٧.
أمّا الوليد ، فقد نزل فيه قوله تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... ) سورة الحجرات ٤٩ : ٦ ؛ انظر : تفسير الطبري ١١ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ح ٣١٦٨٦ ـ ٣١٦٩٢ ، تفسير البغوي ٤ / ١٩١ ، الكشّاف ٣ / ٥٥٩ ، تفسير الفخر الرازي ٢٨ / ١٢٠ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢١٠.
(٤) انظر : معاني الأخبار : ١٥٦ ح ١.
غضين : مجهول.
ورواه عبد بن حميد في مسنده ، من رواية عبد الرحيم بن زيد ، عن أبيه ، عن [ ابن ] المسيّب ، عن [ ابن ] عمر ؛ قال البزّار : منكر لا يصحّ.
ورواه ابن عديّ في ( الكامل ) ، من رواية حمزة بن أبي حمزة النصيبي ، عن نافع عن [ ابن ] عمر بلفظ : ( بأيّهم أخذتم بقوله ) بدل ( اقتديتم ) ، وإسناده ضعيف لأجل حمزة ؛ لأنّه متّهم بالكذب.
ورواه البيهقي في ( المدخل ) ، من حديث ابن عبّاس ، وقال : متنه مشهور ، وأسانيده ضعيفة لم يثبت منها في هذا الباب إسناد.
وقال ابن حزم : مكذوب موضوع باطل ».
انتهى كلام شارح « الشفاء » (١).
* * *
__________________
(١) شرح الشفاء ٢ / ٩١ ـ ٩٢ ، ولم يرد فيه قول ابن حزم ، وانظر : جامع بيان العلم وفضله ٢ / ١١٠ ـ ١١١ ، الكامل في الضعفاء ٢ / ٣٧٧ رقم ٥٠٢.
وراجع : إحقاق الحقّ ٣ / ٩٥ ـ ٩٩.
فهرس المحتويات
مباحث النبوة
نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم
المسألة الرابعة : في النّبوّة........................................................ ٧
المبحث الأوّل : في نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم............................................. ٧
ردّ الفضل بن روزبهان:...................................................... ١٠
ردّ الشيخ المظفّر............................................................. ١٣
عصمة الأنبياء
المبحث الثاني : في أنّ الأنبياء معصومون......................................... ١٧
ردّ الفضل بن روزبهان:...................................................... ٢٠
ردّ الشيخ المظفّر............................................................. ٢٨
كلام العلامة الحلي في نسبتهم السهو إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الصلاة................. ٥٠
ردّ الفضل بن روزبهان :..................................................... ٥١
ردّ الشيخ المظفّر............................................................. ٥٣
كلام العلامة الحلي في نسبتهم كثيراً من النقص إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.................. ٦٤
ردّ الفضل بن روزبهان:...................................................... ٦٦
ردّ الشيخ المظفّر............................................................. ٦٨
كلام العلامة الحلي في ما نسبوه من تجويز الغناء إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.................. ٧٤
ردّ الفضل بن روزبهان:...................................................... ٧٦
ردّ الشيخ المظفّر............................................................. ٧٨
كلام العلامة الحلي في ما قالوه موسى عليهالسلام فقأ عين ملك الموت.................. ٨٨
ردّ الفضل بن روزبهان :..................................................... ٨٩
ردّ الشيخ المظفّر............................................................. ٩٠
كلام العلامة الحلي في ما نسبوه من الكذب إلى إبراهيم عليهالسلام..................... ٩٧
ردّ الفضل بن روزبهان :..................................................... ٩٨
ردّ الشيخ المظفّر............................................................. ٩٩
كلام العلامة الحلي في ما نسبوه من الشك إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم..................... ١٠٣
ردّ الفضل بن روزبهان :.................................................... ١٠٤
ردّ الشيخ المظفّر........................................................... ١٠٦
كلام العلامة الحلي في ما نسبوه من استماع اللهو إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.............. ١١١
ردّ الفضل بن روزبهان :.................................................... ١١٢
ردّ الشيخ المظفّر........................................................... ١١٣
كلام العلامة الحلي في نسبتهم السهو والنسيان إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم................. ١١٦
ردّ الفضل بن روزبهان :.................................................... ١١٨
ردّ الشيخ المظفّر........................................................... ١١٩
كلام العلامة الحلي في أكل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مما لم يذكر اسم الله عليه............... ١٢٨
ردّ الفضل بن روزبهان :.................................................... ١٢٩
ردّ الشيخ المظفّر........................................................... ١٣٠
كلام العلامة الحي في نسبتهم البول قائماً إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم...................... ١٣١
ردّ الفضل بن روزبهان :.................................................... ١٣٢
ردّ الشيخ المظفّر........................................................... ١٣٣
من الأحاديث الموضوعة
في توهين الأنبياء والخالق
١ ـ حديث بدء الوحي................................................... ١٣٧
٢ ـ حديث تأبير النخل................................................... ١٤٢
٣ ـ حديث إسقاط النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم آيات من القرآن ........................... ١٤٤
٤ ـ حديث نوم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن صلاة الصبح .............................. ١٤٥
٥ ـ حديث ترك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن صلاة العصر.............................. ١٤٦
٦ ـ حديث إذا لعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أحدا فهو له زكاة.......................... ١٤٨
٧ ـ حديث نفي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عذاب القبر................................... ١٥٢
٨ ـ حديث حبّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لعائشة...................................... ١٥٣
٩ ـ حديث فرار الحجر من النبيّ موسى عليهالسلام................................ ١٥٩
١٠ ـ حديث طواف النبيّ سليمان عليهالسلام بمئة امرأة في ليلة واحدة............... ١٦١
١١ ـ حديث حرق نبيّ قرية للنمل قرية للنمل............................... ١٦٢
١٢ ـ حديث وضع الربّ رجله في جهنّم.................................... ١٦٣
١٣ ـ حديث خلق الله آدم على صورته..................................... ١٦٦
لزوم المحالات
من إنكار عصمة الأنبياء عليهالسلام
منها : جواز الطعن على الشرائع وعدم الوثوق بها............................. ١٧١
ردّ الفضل بن روزبهان :.................................................... ١٧٢
ردّ الشيخ المظفّر........................................................... ١٧٣
منها : وجوب متابعة العاصي وأنتفاء فائدة البعثة............................... ١٧٥
ردّ الفضل بن روزبهان :.................................................... ١٧٦
ردّ الشيخ المظفّر........................................................... ١٧٧
منها : إنه لو جاز أن يعصي لوجب إيذاؤه والتبري منه......................... ١٧٩
ردّ الفضل بن روزبهان :.................................................... ١٨٠
ردّ الشيخ المظفّر........................................................... ١٨١
منها : سقوط محله ورتبته عند العوامّ......................................... ١٨٢
ردّ الفضل بن روزبهان :.................................................... ١٨٤
ردّ الشيخ المظفّر........................................................... ١٨٥
نزاهة النبيّ
عن دناءة الآباء وعهر الأمّهات
المبحث الثالث : وجوب كون النبي منزَّهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمّهات ١٨٩
قول الإمامية والأشاعرة..................................................... ١٨٩
ردّ الفضل بن روزبهان :.................................................... ١٩١
ردّ الشيخ المظفّر........................................................... ١٩٢
قول المعتزلة............................................................... ١٩٦
ردّ الفضل بن روزبهان :.................................................... ١٩٨
ردّ الشيخ المظفّر........................................................... ١٩٩
مباحث الإمامة
المسألة الخامسة : في الإمامة.................................................. ٢٠٥
وجوب عصمة الإمام
المبحث الأوّل : وجوب عصمة الإمام......................................... ٢٠٥
ردّ الفضل بن روزبهان :.................................................... ٢٠٨
ردّ الشيخ المظفّر........................................................... ٢١١
الإمام أفضل من رعيّته
المبحث الثاني : في أنّ الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيّته..................... ٢٣٣
ردّ الفضل بن روزبهان :.................................................... ٢٣٥
ردّ الشيخ المظفّر........................................................... ٢٣٧
طريق تعيين الإمام
المبحث الثالث : في طريق تعيين الإمام......................................... ٢٤١