دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٤

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: ٤٤٢

وقال الفضل (١) :

كان عادة أرباب المباهلة أن يجمعوا : أهل بيتهم وقراباتهم ؛ ليشمل البهلة (٢) سائر أصحابهم ، فجمع رسول الله أولاده ، ونساءه.

والمراد بالأنفس ها هنا : الرجال ، كأنّه أمر بأن يجمع نساءه وأولاده ورجال أهل بيته.

فكان النساء : فاطمة ، والأولاد : الحسن والحسين ، والرجال :

رسول الله وعليّ.

وأمّا دعوى المساواة التي ذكرها ، فهي باطلة قطعا ، وبطلانها من ضروريات الدين ؛ لأنّ غير النبيّ من الأمّة لا يساوي النبيّ أصلا ، ومن ادّعى هذا فهو خارج عن الدين.

وكيف يمكن المساواة ، والنبيّ نبيّ مرسل خاتم الأنبياء ، وأفضل أولي العزم ، وهذه الصفات كلّها مفقودة في عليّ؟!

نعم ، لأمير المؤمنين عليّ في هذه الآية فضيلة عظيمة ، وهي مسلّمة ، ولكن لا تصير دالّة على النصّ بإمامته.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٦٢.

(٢) الابتهال : التضرّع ، والاجتهاد في الدعاء وإخلاصه لله عزّ وجلّ.

والبهل : اللعن ، والمباهلة : الملاعنة.

انظر مادّة « بهل » في : الصحاح ٤ / ١٦٤٢ ، لسان العرب ١ / ٥٢٢.

٤٠١

وأقول :

دعوى العادة كاذبة! ولا أدري متى اعتيد أصل المباهلة حتّى يعتاد فيها جمع الأهل والأقارب؟!

ولو كانت هناك عادة بذلك لاعترض النصارى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمخالفتها ، حيث لم يجمع من أهله وأقاربه إلّا القليل!

ولو سلّم ، فمخالفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعادة دليل على أنّ محلّ العناية الإلهيّة ، والكرامة النبويّة ، هو من جمعهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر الله سبحانه ، دون بقيّة أقاربه كالعبّاس وبنيه ، وسائر بني هاشم وبناتهم ، وبنات الزهراء عليها‌السلام ، ودون زوجاته ، مع أنّهنّ من نسائه ، ومن أهل بيت سكناه.

وقد عرف أنّهم محلّ عناية الله والشرف عنده ، ومحلّ الخطر والعظمة لديه ، أسقف نجران حيث قال ـ كما عن ابن إسحاق ، ورواه في « الكشّاف » ـ : « إنّي لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها » (١).

وفي تفسيري الرازي والبيضاوي : « لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها » (٢).

ثمّ قال الرازي : « واعلم أنّ هذه الرواية كالمتّفق على صحّتها بين أهل التفسير والحديث » (٣).

__________________

(١) تفسير الكشّاف ١ / ٤٣٤.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٩٠ ، تفسير البيضاوي ١ / ١٦٣.

(٣) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٩٠.

٤٠٢

فيا عجبا قد عرف ذلك لهم النصارى وأنكره من يدّعي الإسلام ، كالفضل وأمثاله! حتّى جعلوا جمعهم من العاديّات ، لا لكرامتهم وفضلهم عند الله تعالى وعزّتهم على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وما اكتفى الفضل بمشاركة سائر أقارب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونسائه لهم حتّى أضاف إليهم أصحابه ، فقال : « لتشمل البهلة سائر أصحابهم » ، وهو ضروري البطلان ؛ لأنّ شمولها لهم إن كان باعتبار التبعيّة ، فلا حاجة إلى إحضار الأربعة الأطيبين ؛ لأنّ الكلّ أتباعه ..

وإن كان لأجل المباشرة ، فالأصحاب كبقيّة الأقارب غير مباشرين.

ولو شملت البهلة غير الأربعة لأحضر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيرهم ، ولو واحدا من أفاضل الأقارب والأصحاب!

فلا بدّ أن يكون تخصيص الله والرسول للأربعة الطاهرين ؛ لعناية الله بهم ، وبيانه لفضلهم وكرامتهم عند النبيّ ، وعزّتهم عليه ، واستعانته بدعائهم ، كما قال سبحانه : ( ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) .. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا دعوت فأمّنوا » ، كما رواه الزمخشري والرازي والبيضاوي وغيرهم (١) ..

إذ كلّما كثر محلّ العناية ومنجع (٢) الاستجابة ، كان أدخل بالإجابة ؛ لأنّ الاستكثار منهم أظهر في إعظام الله والرغبة إليه ، ولذا يستحبّ في الأدعية كثرة تعظيم الله بأسمائه المقدّسة ، وشدّة إظهار الخضوع لجلاله.

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٤٣٤ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ٩٠ ، تفسير البيضاوي ١ / ١٦٣ ، وانظر : دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ٣٥٥ ح ٢٤٥ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٣٢.

(٢) المنجع ـ والجمع : مناجع ـ : محالّ ومواضع حصول التأثير والنفع والفائدة ؛ انظر مادّة « نجع » في : لسان العرب ١٤ / ٥٥ ، تاج العروس ١١ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠.

٤٠٣

وبذلك يعلم أفضليّة الحسن والحسين ، فضلا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام والزهراء عليها‌السلام ، على جميع الصحابة وأقارب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فإنّ استعانة سيّد النبيّين بهما في الدعاء بأمر الله سبحانه مع صغرهما ، ووجود ذوي السنّ من أقاربه ، وأصحابه ، لأعظم دليل على امتيازهما بالشرف عند الله ، وتميّزهما مع صغرهما بالمعرفة والفضل ، ولذا قال : ( ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) ، فجعل الحسنين ممّن تشمله اللعنة لو كانا من الكاذبين ، وأشركهما في تحقيق دعوة الإسلام ، وتأييد دين الله ..

فكانا شريكي رسول الله ، وأمير المؤمنين ، والزهراء في ذلك ، ممتازين على الأمّة كما امتاز عيسى وهو صبيّ على غيره.

فظهر دلالة الآية الكريمة على أفضلية الأربعة الأطهار ، ولا سيّما أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ لأنّها جعلته نفس النبيّ ، وعبّرت عنه بالأنفس بصيغة الجمع ، كما عبّرت عن فاطمة بالنساء للإعلام من وجه آخر بعظمهم.

وقول الفضل : « والمراد بالأنفس هاهنا الرجال » ، باطل لوجهين :

الأوّل : إنّ أمر الشخص نفسه ودعوته لها مستهجن ومخالف لما ذكره الأصوليّون من أنّ المتكلّم لا يشمله خطابه ، فإذا قال : يا أيّها الناس اتّقوا الله ؛ لا يكون من المخاطبين ، وإذا دعا الجماعة لا يكون من المدعوّين (١).

الثاني : ما نقله ابن حجر في ( صواعقه ) عند ذكر الآية ، وهي الآية التاسعة من الآيات النازلة في أهل البيت عليهم‌السلام ، عن الدارقطني : « إنّ عليّا

__________________

(١) انظر مثلا : التبصرة في أصول الفقه : ٧٣ ، إرشاد الفحول : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

٤٠٤

يوم الشورى احتجّ على أهلها فقال لهم : أنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرحم منّي ، ومن جعله نفسه ، وأبناءه أبناءه ، ونساءه نساءه ، غيري؟!

قالوا : اللهمّ لا » (١).

ونقل الواحدي وغيره ، عن الشعبي ، أنّه قال : ( أَبْناءَنا ) الحسن والحسين ، ( ونِساءَنا )فاطمة ، ( وأَنْفُسَنا ) عليّ بن أبي طالب (٢).

وأمّا ما ذكره الفضل من أنّ دعوى المساواة خروج عن الدين ، فخروج عن سنن الحقّ المبين ؛ لأنّ مقصود المصنّف رحمه‌الله هو المساواة في الخصائص والكمال الذاتي ، عدا خاصّة أوجبت نبوّته وميّزته عنه ، وهو مفاد ما حكاه في « كنز العمّال » في فضائل عليّ عليه‌السلام (٣) ، عن ابن أبي عاصم ، وابن جرير ، قال : وصحّحه ، وعن الطبراني في « الأوسط » ، وابن شاهين في « السنّة » ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ : « ما سألت الله لي شيئا إلّا سألت لك مثله ، ولا سألت الله شيئا إلّا أعطانيه ، غير أنّه قيل لي : إنّه لا نبيّ بعدك » (٤).

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣٩.

(٢) أسباب النزول : ٥٧ ، وانظر : دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ح ٢٤٤.

(٣) ص ٤٠٧ من الجزء السادس [ ١٣ / ١١٣ ح ٣٦٣٦٨ وص ١٥١ ح ٣٦٤٧٤ وص ١٧٠ ح ٣٦٥١٣ ]. منه قدس‌سره.

(٤) انظر : السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٨٢ ح ١٣١٣ ، المعجم الأوسط ٨ / ٨٢ ح ٧٩١٧ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٥١ ح ٨٥٣٢ و ٨٥٣٣ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٥٧ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٥٠ ح ١٧٨ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١١٠ ح ١١٧ وص ١٤٣ ح ١٦٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣١٠ ـ ٣١١ ، ذخائر العقبى : ١١٥ ، فرائد السمطين ١ / ٢٢٠ ـ ٢٢١ ح ١٧١ و ١٧٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٠.

٤٠٥

ويدلّ عليه ما روي مستفيضا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ عليّا منّي وأنا منه » (١).

فتدلّ الآية الشريفة على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ لأنّ مساواته للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خصائصه عدا مزية النبوّة تستوجب أن يكون مثله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأفضل من غيره بكلّ الجهات ، وأن يمتنع صيرورته رعيّتة ومأمورا لغيره ، كالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

بل يكفي في الدلالة على إمامته مجرّد دلالتها على أفضليّته من جميع الأمّة (٢).

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٢ ح ٩ وج ٥ / ٨٧ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٤ ح ١١٩ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٠ ـ ٥٩١ ح ٣٧١٢ وص ٥٩٣ ح ٣٧١٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٥ ح ٨١٤٦ و ٨١٤٧ وص ١٢٦ ـ ١٢٧ ح ٨٤٥٣ ـ ٣٤٥٥ وص ١٢٨ ح ٨٤٥٩ وص ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٨٤٧٤ ، مسند أحمد ٤ / ١٦٤ و ١٦٥ و ٤٣٧ ـ ٤٣٨ وج ٥ / ٣٥٦ ، مسند الطيالسي : ١١١ ح ٨٢٩ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٢٢٧ ح ٢٠٣٩٤ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٥ ح ٨ وص ٤٩٩ ح ٢٧ وص ٥٠٤ ح ٥٨ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٥٠ ح ١١٨٧ وص ٥٨٤ ح ١٣٢٠ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ ح ٣٥٥ ، مسند الروياني ١ / ٦٢ ح ١١٩ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤١ ـ ٤٢ ح ٦٨٩٠ ، المعجم الكبير ١٨ / ١٢٨ ح ٢٦٥ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٩ ح ٤٥٧٩ ، حلية الأولياء ٦ / ٢٩٤ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٠٦ ـ ٢١١ ح ٢٦٧ ـ ٢٧٦ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٢ ح ٤٧٦٥ و ٤٧٦٦ و ٤٧٦٨.

(٢) كما يمكن الاستدلال بآية المباهلة على إمامة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام بضميمة تفسير قوله تعالى : ( ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ) سورة التوبة ٩ : ١٢٠ ..

و ( نَفْسِهِ ) هنا هو عليّ عليه‌السلام ، ولو كان الضمير يعود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقال : « ولا يرغبوا بأنفسهم عنه » كما هو مقتضى البلاغة .. وخصوص المورد لا يخصّصه.

انظر : العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية : ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

٤٠٦

ويستفاد من الرازي في تفسير الآية تسليم دلالتها على أفضليّته من الصحابة ؛ لأنّه نقل عن الشيخ محمود بن الحسن الحمصي (١) أنّه استدلّ بجعل عليّ عليه‌السلام نفس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كونه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّ النبيّ أفضل منهم وعليّ نفسه.

ونقل عن الشيعة قديما وحديثا الاستدلال بذلك على فضل عليّ على جميع الصحابة.

وما أجاب الرازي إلّا عن الأوّل ، بدعوى الإجماع على أنّ الأنبياء أفضل من غيرهم قبل ظهور الشيخ محمود (٢).

وفيه : إنّ الإجماع إنّما هو على فضل صنف الأنبياء على غيره من الأصناف ، وفضل كلّ نبيّ على جميع أمّته ، لا فضل كلّ شخص من الأنبياء على كلّ من عداهم حتّى لو كان من أمم غيرهم.

فذلك نظير تفضيل صنف الرجال على صنف النساء ، حيث إنّه لم يناف فضل بعض النساء على كثير من الرجال.

ولم يختصّ تفضيل أمير المؤمنين على من عدا محمّد من الأنبياء

__________________

(١) هو : تاج الدين محمود بن علي بن الحسن الحمصي الرازي ، المعروف بتاج الرازي أو سديد الدين ، فقيه أصولي ، ورع ثقة ، متكلّم ، من علماء الإمامية الأعلام ، له تصانيف كثيرة منها : التعليق الكبير ، التعليق الصغير ، المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد ، التبيين والتنقيح في التحسين والتقبيح ، بداية الهداية ، نقض الموجز ، وغيرها ؛ توفّي في أوائل المئة السابعة.

انظر : فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنّفيهم : ١٦٤ رقم ٣٨٩ ، رياض العلماء ٥ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ، هديّة العارفين ٦ / ٤٠٨ ، طبقات أعلام الشيعة / الثقات العيون في سادس القرون : ٢٧٧ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٨٢٠ رقم ١٦٦٥٤.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٩١.

٤٠٧

بالشيخ محمود ، حتّى ينافي ما ادّعاه الرازي من الإجماع (١) ..

بل قال به الشيعة قبل وجود الشيخ محمود وبعده ، مستدلّين بالآية الكريمة ، وغيرها من الآيات والأخبار المتضافرة ، التي ليس المقام محلّ ذكرها ، وستعرف بعضها (٢).

__________________

(١) كما أجاب السيّد عليّ الحسيني الميلاني عن هذا الإجماع المدّعى ، في مبحث آية المباهلة من كتابه : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ١ / ٤٦١ ـ ٤٦٦ ؛ فراجع!

(٢) ومن المضحك الدالّ على إرادة القوم إطفاء أنوار آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما نقله السيوطي [ الدرّ المنثور ٢ / ٢٣٣ ] في تفسير الآية ، عن ابن عساكر [ تاريخ دمشق ٣٩ / ١٧٧ ] ، أنّه أخرج عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهما‌السلام ، في هذه الآية ، أنّه قال : « فجاء بأبي بكر وولده ، وبعمر وولده ، وبعثمان وولده ، وبعليّ وولده »!! ..

إذ لو صحّ هذا لملأ القوم به الطوامير ، ولما خفي أمره عليهم حتّى يظهره الإمام جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، ولكانت رواية عائشة له أقرب إلى فخرها من ذكر تقبيل النبيّ ٦ إيّاها ، ومسابقته معها ، ولعبها بالبنات في بيته ، وغناء الجواري لها بحضرته ، ووضع خدّها على خدّه بمنظر الأجانب وهي تنظر إلى لعب الحبشة .. إلى غير ذلك من مفاخرها!!

وما أدري أيّ ولد خلفائهم يصلح للمباهلة به؟!

أعبد الرحمن بن أبي بكر ، أم عبيد الله بن عمر ، الذي قتل نفسا بغير نفس ، وحارب الله ورسوله بحرب أمير المؤمنين بصفّين؟!

أم من تظاهرتا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتي حاربت إمام زمانها ، ولم تقرّ في بيتها ، وشتّتت أمر المسلمين ، وقتلت الآلاف العديدة منهم؟!

أم غيرهم من أولادهم ، كعبد الرحمن وعاصم ابني عمر بن الخطّاب ، اللذين شربا الخمر ، كما ذكره في العقد الفريد ، في أواخر الجزء السادس [ ٥ / ٢٨٣ ] ، تحت عنوان : « من حدّ من الأشراف في الخمر وشهّر بها » ، وذكر معهما أخاهما عبيد الله؟!

ويا عجبا ما اكتفى هذا الراوي بالكذب حتّى نسبه إلى جعفر الصادق وأبيه ، _

٤٠٨

وكيف كان ، فقد استفاضت الأخبار بنزول الآية بأهل الكساء ، حتّى روى مسلم والترمذي ـ كلاهما في باب فضائل عليّ عليه‌السلام ـ عن سعد بن أبي وقّاص ، قال : « لمّا نزلت هذه الآية : ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهمّ هؤلاء أهلي » (١).

ونقله السيوطي أيضا عن ابن المنذر ، والحاكم ، والبيهقي في سننه (٢).

ولا يخفى ما في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هؤلاء أهلي » من اختصاص أهل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأربعة الأطهار ، كما يدلّ عليه أيضا حديث الكساء ، وغيره.

ونقل السيوطي أيضا ، عن البيهقي في « الدلائل » ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب إلى أهل نجران .. وذكر خبرا طويلا قال في آخره :

« فلمّا أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقبل مشتملا على الحسن والحسين ،

__________________

اللذّين قد علم منهما الخلاف ، وتضافرت الأخبار عنهما باختصاص الآية بأهل الكساء!!

وليت شعري ألم يستح القوم من ذكر هذه الرواية المضحكة؟!!

منه قدس‌سره.

نقول : وقد استوفى السيّد عليّ الحسيني الميلاني البحث حول سند الحديث الموضوع ، المشار إليه آنفا في كلام الشيخ المظفّر قدّس سرّه ـ ، في كتابه : الرسائل العشر : الرسالة ٧ ـ رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة / الحديث الثاني ـ حديث المباهلة / ص ١٣ ـ ١٨ ، وكذا في مبحث آية المباهلة من كتابه : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ١ / ٤١٦ ـ ٤٢٠ ؛ فراجع!

(١) صحيح مسلم ٧ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٤.

(٢) الدرّ المنثور ٢ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، وانظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٣ ح ٤٧١٩ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٦٣.

٤٠٩

وفاطمة تمشي خلف ظهره ، للملاعنة ، وله يومئذ عدّة نسوة ... » (١) الحديث

وقد أشار بقوله : « وله عدّة نسوة » إلى أنّ أزواجه لسن من أهل المباهلة ، ولا من محلّ العناية!

.. إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة ، أو المتواترة ، التي تقدّمت الإشارة إلى بعضها في كلام الرازي وغيره.

* * *

__________________

(١) الدرّ المنثور ٢ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ، وانظر : دلائل النبوّة ٥ / ٣٨٥ ـ ٣٨٨.

٤١٠

٧ ـ آية : ( فَتَلَقَّى آدَمُ ... )

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ (١) :

السابعة : قوله تعالى : ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ ) (٢).

روى الجمهور ، عن ابن عبّاس ، قال : سئل رسول الله عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، قال : سأله بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليّ ؛ فتاب عليه (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٧٩.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٣٧.

(٣) انظر : مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ح ٨٩ ، الدرّ المنثور ١ / ١٤٧.

٤١١

وقال الفضل (١) :

اختلف المفسّرون في هذه الكلمات ..

فقال بعضهم : هو التسبيح والتهليل والتحميد (٢).

وقال بعضهم : هي مناسك الحجّ ، فيها غفر ذنوب آدم (٣).

وقال بعضهم : هي الخصال العشرة (٤) التي سمّيت خصال الفطرة ، وقد أمر آدم بالعمل بها ليتوب الله عليه (٥).

ولو صحّ ما رواه عن الجمهور ـ ولا نعرف هذا الجمهور ـ لدلّ على فضيلة كاملة لعليّ ، ونحن نقول بها ، ونعلم أنّ التوسّل بأصحاب العباء من أعظم الوسائل وأقرب الذرائع ، ولكن لا يدلّ على نصّ الإمامة ، فخرج الرجل من مدّعاه ؛ ويقيم الدلائل على فضائل عليّ من نصّ القرآن! وكلّ هذه الفضائل مسلّمة.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٧٧.

(٢) تفسير القرطبي ١ / ٢٢١ ـ ٢٢٢.

(٣) الدرّ المنثور ١ / ١٤٥ ، تفسير الفخر الرازي ٣ / ٢١.

(٤) كذا ، والصواب لغة : « العشر ».

(٥) لم نعثر على من سمّى الخصال العشر بخصال الفطرة ، وقد روي في تفسير الآية : ( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ ) سورة البقرة ٢ : ١٢٤ ، عن ابن عبّاس أنّه قال : هي عشر خصال ، كانت فرضا في شرعه وهي سنّة في شرعنا ، خمس في الرأس وخمس في الجسد ، أمّا التي في الرأس : فالمضمضة والاستنشاق وفرق الرأس وقصّ الشارب والسواك ، وأمّا التي في البدن : فالختان وحلق العانة ونتف الإبط وتقليم الأظفار والاستنجاء بالماء.

انظر : تفسير الفخر الرازي ٤ / ٤٢ ، فتح القدير ١ / ١٣٧.

ويبدو أن الأمر اختلط على الفضل ، إذ لا يخفى عدم ملاءمة هذا المعنى مع الآية الكريمة مورد البحث ، وهي : ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ ) ؛ فلاحظ!

٤١٢

وأقول :

لا مناسبة بين مناسك الحجّ ونحوها ـ ممّا هو من قسم الأفعال ـ وبين الكلمات التي هي من الأقوال ، فكيف يحسن أن تفسّر بها؟!

ولا يهمّنا اختلافهم بعد ما صرّحت أخبارهم بالمدّعى ..

ففي « الدرّ المنثور » ، عن ابن النجّار ، بسنده إلى ابن عبّاس ، قال : سألت رسول الله عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه.

قال : سأله بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليّ ؛ فتاب عليه (١).

ومثله في « ينابيع المودّة » (٢).

وفي « منهاج الكرامة » للمصنّف ، عن ابن المغازلي ، بسنده إلى ابن عبّاس ، إلّا أنّه قال : « سئل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » بالبناء للمجهول ، كما ذكره المصنّف رحمه‌الله هنا (٣).

ونقله ابن الجوزي ، عن الدارقطني ، بلفظ : « سألت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، قال الدارقطني : حدّثنا أبو ذرّ أحمد بن محمّد بن أبي بكر الواسطي ، حدّثنا محمّد بن علي بن خلف العطّار ، حدّثنا حسين الأشقر ، حدّثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس : « سألت

__________________

(١) الدرّ المنثور ١ / ١٤٧.

(٢) ينابيع المودّة ١ / ٢٨٨ ب‍ ٢٤ ح ٤.

(٣) منهاج الكرامة : ١٢٤ ، وراجع : مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ح ٨٩.

٤١٣

النبيّ ... » (١) الحديث.

وزعم ابن الجوزي في ( الأحاديث الموضوعة ) أنّه موضوع ، قال : « تفرّد به عمرو ، عن أبيه أبي المقدام ؛ وتفرّد به حسين ، عنه ..

وعمرو : قال يحيى [ بن معين ] : لا (٢) ثقة ، ولا مأمون.

وقال ابن حبّان : يروي الموضوعات عن الأثبات » (٣).

وفيه : إنّ التفرّد لو تمّ لا يقتضي الوضع ، ولا سيّما في فضائل آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذين يخشى من يروي لهم فضيلة أسنّة الضلال ، وألسنة الضلّال ، بل روايته في فضائلهم بتلك العصور تشهد بوثاقته ، كما سبق في المقدّمة (٤).

وأمّا ما حكاه عن يحيى ، فلو اعتبرناه فهو معارض بما حكاه عنه في « ميزان الاعتدال » أنّه قال : لا يكذب في حديثه (٥).

على أنّ ضعف الراوي لا يقتضي وضع روايته!

وأمّا ابن حبّان ، فمع عدم اعتبار قوله ـ كما عرفته في مقدّمة الكتاب (٦) ـ ، لا يقتضي كلامه وضع هذا الحديث بعينه ، مع أنّه قد شهد لعمرو ، أبو داود بالصدق في الحديث ، قال : ليس في حديثه نكارة.

وقال : هو رافضي خبيث ، وكان رجل سوء ، ولكنّه صدوقا في الحديث.

__________________

(١) الموضوعات ٢ / ٣.

(٢) في المصدر : « غير ».

(٣) الموضوعات ٢ / ٣.

(٤) انظر : ج ١ / ٧ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٥) ميزان الاعتدال ٥ / ٣٠٢ رقم ٦٣٤٦.

(٦) انظر : ج ١ / ٣٥ ـ ٣٦ من هذا الكتاب.

٤١٤

وقال أيضا : رافضي خبيث ، ولكن ليس يشبه حديثه أحاديث الشيعة ـ يعني أنّه مستقيم [ الحديث ] ـ.

كما ذكر ذلك كلّه ابن حجر في « تهذيب التهذيب » ، وذكر بعضه في « ميزان الاعتدال » (١).

وبالجملة : إنّ الرجل صدوق كما قاله أبو داود ، فلا يصحّ نسبة الوضع إليه ، وإنّما طعن به القوم لتشيّعه.

ويعضد هذا الحديث ما نقله السيوطي في « الدرّ المنثور » ، عن الديلمي في « مسند الفردوس » ، بسند أخرجه عن عليّ ، قال : سألت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قول الله تعالى : ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ ) (٢).

فقال : إنّ الله أهبط آدم بالهند ... إلى أن قال : حتّى بعث الله إليه جبرئيل ، قال : قل :

اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد ، سبحانك لا إله إلّا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي ، فاغفر لي ، إنّك أنت الغفور الرحيم.

اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد ، سبحانك لا إله إلّا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي ، فتب عليّ ، إنّك أنت التوّاب الرحيم.

فهذه الكلمات التي تلقّى آدم » (٣).

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٦ / ١٢٢ رقم ٥١٥٦ ، ميزان الاعتدال ٥ / ٣٠٣ رقم ٦٣٤٦.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٣٧.

(٣) الدرّ المنثور ١ / ١٤٧.

٤١٥

وأمّا دلالة هذه الآية مع تفسيرها بهذه الأخبار على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأوضح من أن تحتاج إلى بيان ؛ لأنّ توسّل شيخ النبيّين بمحمّد وآله ـ بتعليم الله سبحانه ـ وهم في آخر الزمان ، والإعراض عن أعاظم المرسلين وهم أقرب إليه زمانا ، لأدلّ دليل على فضلهم على جميع العالمين ، وعلى عصمتهم من كلّ زلل وإن كان مكروها.

فإنّ آدم إنّما عصى بارتكاب المكروه ، فلا يصحّ التوسّل بهم في التوبة عمّا ارتكب إلّا لأنّهم لم يرتكبوا معصية ومكروها ، فلا بدّ أن تنحصر خلافة الرسول بآله ؛ لفضلهم على الأنبياء ، وعصمتهم دون سائر أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكيف يكون المعصوم من كلّ زلّة الفاضل حتّى على أعاظم الأنبياء رعيّة ومأموما لسائر الناس ، ولا سيّما من أفنى أكثر عمره بالشرك ، وعبادة الأوثان ، وقضى باقيه بالفرار من الزحف ، والعصيان؟!

* * *

٤١٦

٨ ـ آية : ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً )

قال المصنّف ـ نوّر الله ضريحه ـ (١) :

الثامنة : قوله تعالى : ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) (٢).

روى الجمهور ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انتهت الدعوة إليّ ، وإلى عليّ ، لم يسجد أحدنا لصنم قطّ ، فاتّخذني [ الله ] نبيّا ، واتّخذ عليّا وصيّا »(٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٧٩.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٢٤.

(٣) مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ح ٣٢٢.

٤١٧

وقال الفضل (١) :

هذه الرواية ليست في كتب أهل السنّة والجماعة ، ولا أحد من المفسّرين ذكر هذا.

وإن صحّ ، دلّ على أنّ عليّا وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد بالوصاية : ميراث العلم والحكمة ، وليست هي نصّا في الإمامة كما ادّعاه.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٨٠.

٤١٨

وأقول :

قد نقل المصنّف رحمه‌الله هذه الرواية في « منهاج الكرامة » عن ابن المغازلي ، ولم ينكرها ابن تيميّة ، ولكنّه طالب بصحّتها (١).

وفيه : إنّه لا ريب بصحّتها ؛ لأنّ كلّ من يروي في ذلك الزمان فضيلة لآل محمّد فقد أوقع نفسه في خطري : الموت ، وسقوط الشأن ، ولا موجب له إلّا الوثاقة وحبّ الصدق بتلك الرواية ، كما عرفته في مقدّمة الكتاب (٢).

على أنّ سند الحديث ليس بأيدينا فعلا ، ولعلّه صحيح عندهم.

وأمّا دلالة الآية بضميمة الحديث على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ فلأنّ الحديث قد دلّ على استجابة دعوة إبراهيم في بعض ذرّيّته ، وصيرورتهم أئمّة للناس لكونهم أنبياء أو أوصياء ..

ودلّ على أنّ الدعوة انتهت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ عليه‌السلام ، فكانت إمامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتّخاذ الله له نبيّا ، وإمامة عليّ باتّخاذه وصيّا ، فوصايته لا بدّ أن تكون بإمامته للناس ومن أنواعها.

ولو سلّم أنّ المراد بالوصاية وراثة العلم والحكمة ، فهي من خواصّ الأئمّة ؛ لقوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ

__________________

(١) منهاج الكرامة : ١٢٥ ، وانظر : مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ح ٣٢٢ ، منهاج السنّة ٧ / ١٣٣.

(٢) انظر ج ١ / ٧ وما بعدها من هذا الكتاب.

٤١٩

لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١).

ثمّ إنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لم يسجد أحدنا لصنم قطّ » إشارة إلى انتفاء مانع النبوّة والإمامة عنهما ، أعني : المعصية والظلم المذكور في تلك الآية بقوله سبحانه : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٢).

فيكون معنى كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انتهت إليّ وإلى عليّ دعوة إبراهيم لذرّيّته ؛ لا نتفاء الظلم عنّا الذي جعله الله مانعا عن نيل الإمامة ، فاتّخذني نبيّا وعليّا وصيّا.

وإنّما خصّ السجود للصنم بالذكر دون سائر الظلم والمعصية ؛ لأنّه الفرد الأهمّ في الانتفاء ، وابتلاء عامّة قومه به.

فالمقصود إنّما هو بيان انتفاء المانع المذكور في الآية عنهما ، لا بيان أنّ عدم السجود للصنم علّة تامّة لانتهاء الدعوة إليهما ، حتّى تلزم إمامة كلّ من لم يسجد لصنم ، وإن كان جاهلا عاصيا ..

ولا بيان كون عدم السجود للصنم فضيلة مختصّة بهما في دائم الدهر ، حتّى يقال بمشاركة كلّ من ولد على الإسلام لهما.

ولا بيان أنّ عدم السجود للصنم سبب تامّ للأفضلية ، حتّى يقال : إنّ بعض من تاب عن الكفر أفضل ممّن ولد على الإسلام.

ثمّ إنّ المراد بانتهاء الدعوة إليهما : وصولها إليهما ، لا انقطاعها عندهما ؛ لتعديته ب‍ « إلى » ، فلا ينفي إمامة الحسن والحسين ، والتسعة من بعدهما ، وقد ظهر بذلك بطلان ما لفّقه ابن تيميّة في المقام (٣) ، ويظهر منه

__________________

(١) سورة يونس ١٠ : ٣٥.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٢٤.

(٣) انظر : منهاج السنّة ٧ / ١٣٣ ـ ١٣٥.

٤٢٠