دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٤

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: ٤٤٢

٤ ـ آية المودّة في القربى

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ (١) :

الرابعة : قوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢).

روى الجمهور في الصحيحين ، وأحمد بن حنبل في مسنده ،

والثعلبي في تفسيره ، عن ابن عبّاس ، قال :

لمّا نزل : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى )

قالوا : يا رسول الله! من قرابتك الّذين وجبت علينا مودّتهم؟

قال : عليّ وفاطمة وأبناهما (٣)

ووجوب المودّة يستلزم وجوب الطاعة.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٧٥.

(٢) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٣) فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٣٢ ـ ٨٣٣ ح ١١٤١ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٣ / ٤٧ ح ٢٦٤١ وج ١١ / ٣٥١ ح ١٢٢٥٩ ، تفسير الثعلبي ٨ / ٣١٠ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ح ٣٥٢ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٣٠ ـ ١٣٤ ح ٨٢٢ ـ ٨٢٨ ، الكشّاف ٣ / ٤٦٧ ، تفسير الفخر الرازي ٢٧ / ١٦٧ ، الجامع لأحكام القرآن ١٦ / ١٦ ، فرائد السمطين ٢ / ١٣ ح ٣٥٩ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨ ، تفسير ابن كثير ٤ / ١١٤ ـ ١١٥.

٣٨١

وقال الفضل (١) :

اختلفوا في معنى الآية ، فقال بعضهم : الاستثناء منقطع (٢) ، والمعنى :

لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا ، لكن المودّة في القربى حاصلة بيني وبينكم ، فلهذا أسعى وأجتهد في هدايتكم وتبليغ الرسالة إليكم (٣).

وقال بعضهم : الاستثناء متّصل (٤) ، والمعنى : لا أسألكم عليه أجرا من الأجور إلّا مودّتكم في قرابتي (٥).

وظاهر الآية على هذا المعنى شامل لجميع قرابات النبيّ ، ولو خصّصناه بمن ذكر لا يدلّ على خلافة عليّ ، بل يدلّ على وجوب مودّته.

ونحن نقول : إنّ مودّته واجبة على كلّ المسلمين ، والمودّة تكون مع الطاعة ، ولا كلّ مطاع يجب أن يكون صاحب الزعامة الكبرى.

والعجب من هذا الرجل أنّه يستدلّ على المطلوب ، وكلامه في غاية البعد عنه وهو لا يفهم هذا.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ١٩.

(٢) الاستثناء المنقطع : هو أن لا يكون المستثنى بعضا ممّا قبله ، ولذا صحّ وضع « لكن » في مكان « إلّا » ، مثل : ما حضر الأساتذة إلّا طلبتهم ؛ انظر : شرح ابن عقيل ٢ / ٤٧٢.

(٣) تفسير الطبري ١١ / ١٤٥ ذ ح ٣٠٦٨٦ ، تفسير الفخر الرازي ٢٧ / ١٦٦ ، تفسير القرطبي ١٦ / ١٥ ، الكشّاف ٣ / ٤٦٦ ، روح المعاني ٢٥ / ٤٨.

(٤) الاستثناء المتّصل : هو أن يكون المستثنى بعضا ممّا قبله ، مثل : سقيت الأشجار إلّا شجرة ؛ انظر : شرح ابن عقيل ٢ / ٤٧٢.

(٥) تفسير الكشّاف ٣ / ٤٦٦ ، تفسير القرطبي ١٦ / ١٦ ، روح المعاني ٢٥ / ٤٨.

٣٨٢

وأقول :

ينبغي قبل الكلام في الآية ذكر بعض الأخبار التي رواها القوم ، الدالّة على أنّ المراد بالقربى آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..

فمنها : الحديث الذي ذكره المصنّف رحمه‌الله ، وقد رواه الزمخشري في تفسير الآية ، واستدلّ لصحّته بأخبار كثيرة تستلزم معناه (١).

ونقله السيوطي في « الدرّ المنثور » ، عن ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه (٢).

ونقله في « ينابيع المودّة » عند ذكر الآية ، عن أحمد ، والثعلبي ، والحاكم في « المناقب » ، والواحدي في « الوسيط » ، وأبي نعيم في « الحلية » ، والحمويني في « فرائد السمطين » (٣).

ونقله في « الصواعق » في الآية الرابعة عشرة من الآيات الواردة في أهل البيت ، عن أحمد ، والطبراني ، وابن أبي حاتم ، والحاكم (٤).

ومنها : ما نقله الحاكم في « المستدرك » ، في تفسير حم عسق ، من كتاب التفسير (٥) ، عن البخاري ومسلم ، قال : [ هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه ، إنّما ] اتّفقا في تفسير هذه الآية ـ أي آية المودّة _

__________________

(١) تفسير الكشّاف ٣ / ٤٦٧.

(٢) الدرّ المنثور ٧ / ٣٤٨.

(٣) ينابيع المودّة ١ / ٣١٥ ب‍ ٣٢ ح ١.

(٤) الصواعق المحرقة : ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(٥) ص ٤٤٤ من الجزء الثاني [ ٢ / ٤٨٢ ذ ح ٣٦٥٩ ]. منه قدس‌سره.

٣٨٣

على حديث عبد الملك بن ميسرة الزرّاد ، عن طاووس ، عن ابن عبّاس ، أنّه في قربى آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولعلّ هذا هو الذي أراده المصنّف بما عن البخاري ومسلم.

ومنها : ما في « الدرّ المنثور » أيضا ، قال : أخرج ابن جرير ، عن أبي الديلم : « لمّا جيء بعليّ بن الحسين عليه‌السلام فأقيم على درج دمشق ، قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم وأستأصلكم.

فقال له عليّ بن الحسين عليه‌السلام : أقرأت القرآن؟!

قال : نعم.

قال : أما قرأت : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى )؟!

قال : فإنّكم لأنتم هم؟!

قال : نعم » (١).

ونحوه في « الصواعق » ، عن الطبراني (٢).

ومنها : ما في « الصواعق » ، قال : « روى أبو الشيخ وغيره ، عن عليّ عليه‌السلام : فينا الـ ( حم ) (٣) آية ، لا يحفظ مودّتنا إلّا كلّ مؤمن.

ثمّ قرأ : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٤).

__________________

(١) الدرّ المنثور ٧ / ٣٤٨ ، وانظر : تفسير الطبري ١١ / ١٤٤ ح ٣٠٦٧٧.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٥٩ ، وانظر : المعجم الكبير ٣ / ٤٧ ح ٢٦٤١ وج ١١ / ٣٥١ ح ١٢٢٥٩.

(٣) سورة الشورى ٤٢ : ١.

(٤) الصواعق المحرقة : ٢٥٩ ، جواهر العقدين : ٣١٧.

٣٨٤

ومنها : ما في « الصواعق » أيضا ، قال : « أخرج البزّار والطبراني ، عن الحسن عليه‌السلام ، من طرق بعضها حسان ، أنّه خطب خطبة من جملتها :

من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد.

ثمّ تلا : ( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ ... ) (١) الآية.

ثمّ قال : أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير.

ثمّ قال : وأنا من أهل البيت الّذين افترض الله عزّ وجلّ مودّتهم وموالاتهم ، فقال في ما أنزل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ).

قال : وفي رواية : الّذين افترض الله مودّتهم على كلّ مسلم ، وأنزل فيهم : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) (٢) ، واقتراف الحسنات مودّتنا أهل البيت » (٣).

وروى الحاكم هذه الخطبة في فضائل الحسن عليه‌السلام من « المستدرك » (٤) ، قال الحسن عليه‌السلام في آخرها :

« وأنا من أهل البيت الّذين افترض الله مودّتهم على كلّ مسلم ، فقال تبارك وتعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ : ٣٨.

(٢) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٣) الصواعق المحرقة : ٢٥٩ ، وانظر : المعجم الأوسط ٢ / ٤٠١ ـ ٤٠٢ ح ٢١٧٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٤٦ عن البزار وغيره.

(٤) ص ١٧٢ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ح ٤٨٠٢ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : الذرية الطاهرة : ١٠٩ ـ ١١١ ح ١١٤ ـ ١١٥.

٣٨٥

فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) ، فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت ».

ومنها : ما في « الصواعق » أيضا ، عن الثعلبي والبغوي ، عن ابن عبّاس ، أنّه لمّا نزل قوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قال قوم في نفوسهم : ما يريد إلّا أن يحثّنا على قرابته من بعده ، فأخبر جبرئيل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّهم اتّهموه ، فأنزل : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) (١) الآية.

فقال القوم : يا رسول الله! إنّك لصادق ..

فأنزل الله : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ) (٢) (٣).

.. إلى غير ذلك من الأخبار.

ويؤيّدها الأخبار المستفيضة الدالّة على وجوب حبّ أهل البيت ، وأنّه مسؤول عنه يوم القيامة (٤).

وذكر في « الكشّاف » أخبارا أخر جعلها دليلا لإرادة عليّ وفاطمة والحسنين من القربى (٥).

وكذا يؤيّدها الأخبار المفسّرة للحسنة في تتمّة الآية بحبّ أهل

__________________

(١) سورة الشورى ٤٢ : ٢٤.

(٢) سورة الشورى ٤٢ : ٢٥.

(٣) الصواعق المحرقة : ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ، وانظر : تفسير الثعلبي ٨ / ٣١٥ ، تفسير البغوي ٤ / ١١٢.

(٤) انظر : المعجم الكبير ١١ / ٨٣ ـ ٨٤ ح ١١١٧٧ ، المعجم الأوسط ٣ / ٩ ح ٢٢١٢ وص ٢٦ ح ٢٢٥١ وج ٩ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ح ٩٤٠٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٧٢ وج ١٠ / ٣٤٦ ، ذخائر العقبى : ٦٣ ، جواهر العقدين : ٣٢٦ و ٣٢٧.

(٥) تفسير الكشّاف ٣ / ٤٦٧.

٣٨٦

البيت ، كما سمعته في بعض الروايات المذكورة (١).

وقال ابن حجر عند كلامه في الآية : أخرج أحمد ، عن ابن عبّاس : ( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) ، قال : المودّة لآل محمّد (٢).

ومثله في « الدرّ المنثور » ، عن ابن أبي حاتم ، عن ابن عبّاس (٣).

وقال في « الكشّاف » : ( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً ) ، عن السدّي أنّها المودّة في آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

ولكن يا للأسف! ما هان على القوم رواية تلك الأخبار حتّى رووا عن ابن عبّاس ما ينافي رواياته السابقة ، فنسبوا إليه مخالفة النبيّ والوحي!! ..

روى البخاري في كتاب « التفسير » من صحيحه ، في تفسير الآية :

« أنّه سئل ابن عبّاس عنها ، فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمّد.

فقال ابن عبّاس : عجلت ؛ لم يكن بطن في قريش إلّا كان له فيهم قرابة ، فقال : إلّا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة » (٥).

والمعنى على حسب ظاهر هذا التفسير : لا أسألكم على التبليغ أجرا إلّا صلتكم لي لما بيني وبينكم من القرابة ، حيث إنّ له قرابة في بطون قريش كلّها.

__________________

(١) مرّت في الصفحة السابقة.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٥٩.

(٣) الدرّ المنثور ٧ / ٣٤٨ ، وانظر : تفسير القرطبي ١٦ / ١٧ ، جواهر العقدين : ٣١٩.

(٤) الكشّاف ٣ / ٤٦٨ ، وانظر : مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٦٣ ح ٣٦٠.

(٥) صحيح البخاري ٦ / ٢٣١ ح ٣١٤.

٣٨٧

وفيه : مع مخالفته لقول من أنزل عليه القرآن ، ولظاهر اللفظ ، إنّه لا معنى لسؤال الأجر على التبليغ ممّن لم يعترف له بالرسالة ؛ لأنّ المقصود على هذا التفسير هو السؤال من الكافرين ، ولذا قال في « الكشّاف » في بيانه : « والمعنى : إن أبيتم تصديقي فاحفظوا حقّ قرابتي ولا تؤذوني » (١).

أقول : وفي جعل معنى ( لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) : « إن أبيتم تصديقي » نظر ظاهر.

ومثل هذا المحكيّ عن ابن عبّاس في البطلان ، ما ذكره الفضل من المعنى على الاستثناء المنقطع ، فإنّ المنقطع عبارة عن إخراج ما لو لا إخراجه لتوهّم دخوله في حكم المستثنى منه نظير الاستدراك.

وأنت تعلم أنّ المستثنى الذي ذكره الفضل أجنبيّ عمّا قبله بكلّ وجه ، فلا يتوهّم دخوله في حكمه حتّى يستثنى منه.

وأعظم من هذين التفسيرين في البطلان ، ما رواه بعض القوم عن ابن عبّاس ، من أنّ المعنى : « لا أسألكم أجرا على التبليغ إلّا مودّة الله بالتقرّب إليه » (٢) ، فإنّ القربى لم تأت بمعنى التقرّب ، مع أنّه مناف للأخبار السابقة المعتبرة عن ابن عبّاس (٣).

والحقّ أنّ هذه التفاسير من تحريف الكلم عن مواضعه ، الذي يدعو إليه العناد والتعصّب ، فلا ريب لكلّ منصف في أنّ المراد بالقربى : القرابة ، وأنّ المقصود : عليّ وفاطمة والحسنان ، كما نطقت به الأخبار.

وقول الفضل : « وظاهر الآية على هذا المعنى شامل لجميع قرابات

__________________

(١) الكشّاف ٣ / ٤٦٧.

(٢) انظر : تفسير القرطبي ١٦ / ١٦ ـ ١٧ ، جواهر العقدين : ٣٢٣.

(٣) راجع الصفحات ٣٨١ و ٣٨٣ و ٣٨٧ من هذا الجزء.

٣٨٨

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، باطل ؛ لمنافاته للقرينة اللفظية ـ وهي الأخبار السابقة وغيرها ـ .. وللقرينة الحاليّة ؛ لأنّ المعلوم من حال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاعتناء بعليّ وفاطمة والحسنين ، لا من ناوأه من أقربائه ولم يسلموا إلّا بحدود السيوف والغلبة .. وللقرينة العقليّة ؛ إذ لا يتصوّر أن يكون ودّ من لم يوادّ الله ورسوله أجرا للتبليغ والرسالة.

فلا بدّ أن يكون المراد مودّة من يكمل الإيمان بمودّته ، وتحصل السعادة الأبديّة بموالاته ، ولذا قال سبحانه في آية أخرى : ( قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) (١).

بل بلحاظ شأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما يعدّ قرابة له من هو منه ، لا من بان عنه معنى ومنزلة ، ولذا قال تعالى لنوح : ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) (٢).

وقال الرازي في تفسير آية المودّة التي نحن فيها : « آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الّذين يؤول أمرهم إليه ، فكلّ من كان مآل أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل.

ولا شكّ أنّ فاطمة وعليّا والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول الله أشدّ التعلّقات.

وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل » (٣).

أقول : ونحو هذا آت في لفظ « القربى » ، فيتعيّن أن يكون المراد بالآية الأربعة الأطهار.

__________________

(١) سورة سبأ ٣٤ : ٤٧.

(٢) سورة هود ١١ : ٤٦.

(٣) تفسير الفخر الرازي ٢٧ / ١٦٧.

٣٨٩

وهي تدلّ على أفضليّتهم ، وعصمتهم ، وأنّهم صفوة الله سبحانه ؛ إذ لو لم يكونوا كذلك لم تجب مودّتهم دون غيرهم ، ولم تكن مودّتهم بتلك المنزلة التي ما مثلها منزلة ؛ لكونها أجرا للتبليغ والرسالة الذي لا أجر ولا حقّ يشبهه ..

ولذا لم يجعل الله المودّة لأقارب نوح وهود أجرا لتبليغهما ، بل قال لنوح : ( وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ ) (١).

وقال لهود : ( يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (٢) ..

فتنحصر الإمامة بقربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إذ لا تصحّ إمامة المفضول مع وجود الفاضل ، لا سيّما بهذا الفضل الباهر ..

مضافا إلى ما ذكره المصنّف رحمه‌الله من أنّ وجوب المودّة مطلقا يستلزم وجوب الطاعة مطلقا ؛ ضرورة أنّ العصيان ينافي الودّ المطلق ..

ووجوب الطاعة مطلقا يستلزم العصمة التي هي شرط الإمامة ، ولا معصوم غيرهم بالإجماع ، فتنحصر الإمامة بهم ، ولا سيّما مع وجوب طاعتهم على جميع الأمّة.

وقد فهم دلالة الآية على الإمامة الصحابة ، ولذا اتّهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضهم فقالوا : « ما يريد إلّا أن يحثّنا على قرابته بعده » ، كما سمعته في بعض الروايات السابقة (٣).

وكلّ ذي فهم يعرفها من الآية الشريفة ، إلّا أنّ القوم أبوا أن يقرّوا

__________________

(١) سورة هود ١١ : ٢٩.

(٢) سورة هود ١١ : ٥١.

(٣) تقدّم في الصفحة ٣٨٦ من هذا الجزء.

٣٩٠

بالحقّ ويؤدّوا أجر الرسالة ، فإذا صدرت من أحدهم كلمة طيّبة لم تدعه العصبيّة حتّى يناقضها! ..

ولذا لمّا نطق الرازي بما حكيناه عنه سابقا عقّبه بقوله :

« المسألة الثالثة : قوله تعالى : ( إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) فيه منصب عظيم للصحابة ؛ لأنّه تعالى قال : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (١) ، فكلّ من أطاع الله كان مقرّبا عند الله ، فدخل تحت قوله تعالى : ( إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ).

والحاصل : إنّ هذه الآية تدلّ على وجوب حبّ آل رسول الله وحبّ أصحابه » (٢).

فانظر إلى هذه الكلمات الهزلية ، بل لا يتصوّر لكلامه معنى إلّا أن يراد بالقربى المقرّبون ، وهو ليس من معاني القربى.

ولو سلّم ، فاللازم وجوب ودّ كلّ من أطاع الله بلا خصوصيّة للصحابة ، فكيف تدلّ الآية على عظيم منصب للصحابة؟!

ثمّ إنّ بعض القوم أورد على نزول الآية بعليّ وفاطمة والحسنين عليهم‌السلام بأنّ سورة الشورى مكّيّة وعليّ حينئذ لم يتزوّج بفاطمة ، فضلا عن ولادة الحسنين عليهما‌السلام (٣).

وفيه : إنّ أخبار نزول الآية الشريفة بالأربعة الطاهرين حجّة قطعيّة وكثيرة معتبرة ، فلا يعتنى بدعوى كون السورة مكّية .. على أنّه جاء في

__________________

(١) سورة الواقعة ٥٦ : ١٠ و ١١.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٢٧ / ١٦٧ ـ ١٦٨.

(٣) كابن تيميّة في منهاج السنّة ٤ / ٢٧ و ٥٦٢ وج ٧ / ٩٩ ، وأبن كثير في تفسيره ٤ / ١١٤ ، والقسطلاني في إرشاد الساري ١١ / ٥٠.

٣٩١

بعض أخبارهم أنّها مدنيّة.

ولو سلّم ، فكون السورة مكيّة إنّما هو بلحاظ أكثرها ، فلا ينافي نزول آية منها بالمدينة (١).

* * *

__________________

(١) لم نعثر على أحد من أهل الفنّ قال بأنّ آية المودّة مكّية ، فضلا عن إطلاق القول بأنّ سورة الشورى مكّية ، فكثير من السور نزلت في مكّة ولم يكتمل نزولها إلّا في المدينة ، ومنها سورة الشورى التي منها آية المودّة ، فقد صرّح القرطبي عن ابن عبّاس وقتادة بأنّ السورة مكّية إلّا أربع آيات نزلت بالمدينة ، منها آية المودّة ، كما في تفسيره ١٦ / ٣ ، ومثل ذلك في تفسير الخازن ٤ / ٨٩ ، فذكر أنّها مكّية إلّا أربع آيات نزلت بالمدينة أوّلها آية المودّة ، وذكر ذلك أبو حيّان في تفسيره النهر المادّ ٥ / ١٠٥ ، والسيوطي في الإتقان ١ / ٤٦ من قوله تعالى : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى ) إلى قوله : ( بَصِيرٌ ) ، والشوكاني في تفسيره فتح القدير ٤ / ٥٢٤ ، والآلوسي في روح المعاني ٢٥ / ١٦.

يضاف إلى ذلك أنّ ما رواه الطبراني في المعجم الكبير ١٢ / ٢٦ ـ ٢٧ ح ١٢٣٨٤ ، وفي المعجم الأوسط ٦ / ١٠٣ ـ ١٠٤ ح ٥٧٥٨ ، ما يؤكّد نزول آية ١٢٣٨٤ ، وفي المعجم الأوسط ٦ / ١٠٣ ـ ١٠٤ ح ٥٧٥٨ ، ما يؤكّد نزول آية المودّة وبعدها أربع آيات في المدينة.

وراجع ما كتبه السيّد عليّ الحسيني الميلاني في ما يتعلّق بآية المودّة من مباحث علمية في كتابه : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ١ / ٢٣١ ـ ٣٤١.

٣٩٢

٥ ـ آية : ( مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ )

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :

الخامسة : قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) (٢).

قال الثعلبي : ورواه ابن عبّاس : أنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام لمّا هرب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المشركين إلى الغار ، خلّفه لقضاء دينه وردّ ودائعه ، فبات على فراشه ، وأحاط المشركون بالدار ..

فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل : إنّي قد آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟

فاختار كلّ منهما الحياة ، فأوحى الله إليهما : ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب؟! آخيت بينه وبين محمّد ، فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه!

فنزلا ، فكان جبرئيل عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، فقال جبرئيل : بخ بخ! من مثلك يابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة (٣)؟!

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٧٦.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٠٧.

(٣) انظر : تفسير الثعلبي ٢ / ١٢٥ ـ ١٢٦.

وانظر : مسند أحمد ١ / ٣٣١ ، فضائل الصحابة ـ له ـ ٢ / ٨٥١ ح ١١٦٨ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١١٣ ح ٨٤٠٩ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٧ ح ١٢٥٩٣ ، المعجم _

٣٩٣

__________________

الأوسط ٣ / ٢٤١ ـ ٢٤٢ ح ٢٨٣٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٨٩ ح ١٣٥١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٣ ح ٤٦٥٢ ، تلخيص المتشابه ١ / ٤١٤ رقم ٦٨٩ ، شواهد التنزيل ١ / ٩٦ ـ ١٠٢ ح ١٣٣ ـ ١٤٢ ، إحياء علوم الدين ٤ / ٣٧ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٢٦ ح ١٤٠ و ١٤١ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٩٩ ـ ١٠٢ ، تفسير الفخر الرازي ٥ / ٢٢٢ ، تفسير القرطبي ٣ / ١٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٩ ـ ١٢٠.

٣٩٤

وقال الفضل (١) :

اختلف المفسّرون أنّ الآية نزلت في من؟ ..

قال كثير منهم : نزلت في صهيب الرومي ، وأنّه كان غريبا بمكّة ، فلمّا هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قصد الهجرة ، فمنعه قريش من الهجرة ، فقال : يا معشر قريش! إنّكم تعلمون أنّي كثير المال ، وإنّي تركت لكم أموالي ، فدعوني أهاجر في سبيل الله ولكم مالي.

فلمّا هاجر ، وترك الأموال ، أنزل الله هذه الآية.

فلمّا دخل صهيب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ عليه الآية وقال له : ربح البيع (٢).

وأكثر المفسّرين على أنّها نزلت في الزبير بن العوّام ، ومقداد بن الأسود لمّا بعثهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لينزلوا خبيب بن عديّ من خشبته التي صلب عليها ، فكان صلب بمكّة ، وحوله أربعون من المشركين ، ففديا أنفسهما حتّى أنزلاه ، فأنزل الله الآية (٣).

ولو كان نازلا في شأن أمير المؤمنين عليّ ، فهو يدلّ على فضله واجتهاده في طاعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبذل الروح له.

وكلّ هذه مسلّمة لا كلام لأحد فيه ، ولكن ليس هو بنصّ في إمامته كما لا يخفى.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٨.

(٢) الكشّاف ١ / ٣٥٣ ، تفسير الفخر الرازي ٥ / ٢٢٢ ، تفسير القرطبي ٣ / ١٥ ـ ١٦ ، الدرّ المنثور ١ / ٥٧٥.

(٣) تفسير البغوي ١ / ١٣٢ ، روح المعاني ٢ / ١٤٦.

٣٩٥

وأقول :

إنّ استدلالنا بشيء لا يتوقّف على انحصار أقوالهم وأخبارهم فيه ، بل يكفينا وجوده في رواياتهم لنتّخذه حجّة عليهم ، من دون أن يعارضه ما يخالفه من أقوالهم ورواياتهم ؛ لأنّها ليست حجّة علينا ، وحينئذ يكفينا روايتهم نزول الآية في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما نقله المصنّف رحمه‌الله عن الثعلبي ..

ونقله في « ينابيع المودّة » أيضا ، عنه ، وعن ابن عقبة في ملحمته ، وأبي السعادات في « فضائل العترة الطاهرة » ، والغزّالي في « الإحياء » عن ابن عبّاس ، وأبي رافع ، وهند بن أبي هالة ربيب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

ورواه الرازي في تفسيره بمثل ما عن الثعلبي (٢).

وروى الحاكم ما يدلّ على ذلك في « المستدرك » (٣) ، وصحّحه هو والذهبي ، عن ابن عبّاس ، من حديث قال فيه : « شرى عليّ نفسه ، ولبس ثوب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ نام مكانه ».

ومثله في مسند أحمد (٤).

وروى الحاكم بعد الحديث المذكور عن عليّ بن الحسين ، قال :

__________________

(١) ينابيع المودّة ١ / ٢٧٤ ح ٣ ، وانظر : إحياء علوم الدين ٤ / ٣٧ في بيان الإيثار وفضله.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٥ / ٢٢٢.

(٣) ص ٤ من الجزء الثالث [ ٣ / ٥ ح ٤٢٦٣ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٣ ح ٤٦٥٢ وصحّحه هو والذهبي.

(٤) ص ٣٣١ من الجزء الأوّل. منه قدس‌سره.

٣٩٦

« أوّل من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله عليّ بن أبي طالب .. وذكر شعرا لأمير المؤمنين في مبيته على فراش النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

ونقل في « ينابيع المودّة » نزولها في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، عن أبي نعيم بسنده عن ابن عبّاس .. إلى غير ذلك ممّا في « الينابيع » وغيرها (٢).

ولو ضممت إليه أخبارنا كان متواترا (٣) ..

فكيف يعتنى برواية الفضل في نزولها بصهيب (٤)؟!

وأمّا ما ذكره من قول أكثر المفسّرين بنزولها في الزبير والمقداد ، فكذب صريح ..

كيف؟! ولم يذكره الرازي في تفسيره ، وهو قد جمع فيه جميع أقوالهم! ..

ولا ذكره الزمخشري أيضا ، ولا تعرّض السيوطي في « الدرّ المنثور » لرواية تتعلّق به ، مع أنّه قد جمع فيه عامّة أخبارهم ، ولا سيّما إذا كانت في فضل مثل الزبير (٥)!

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥ ح ٤٢٦٤.

(٢) ينابيع المودّة ١ / ٢٧٤ ح ٢ ، وانظر : الصفحة ٣٩٣ ه‍ ٣ من هذا الجزء.

(٣) انظر : مجمع البيان ٢ / ٥٧ و ٥٨ ، تفسير فرات ١ / ٦٥ ح ٣١ ـ ٣٣ ، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ١ / ٣١٠ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ٧٦ ـ ٧٧ ، تفسير الصافي ١ / ٢٤١ رقم ٢٠٧ ، بحار الأنوار ٣٦ / ٤٠ وما بعدها.

(٤) لا سيّما ونحن نعرفه بعداوة آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصداقة أعدائهم ؛ ولذا أوصى عمر إليه بالصلاة في الناس أيّام الشورى ، وقال في حقّه : « نعم العبد صهيب ، لو لم يخف الله لم يعصه »!! ومن المعلوم أنّ كلّ عدوّ لآل محمّد منافق لا فضل له ولا كرامة. منه قدس‌سره.

(٥) راجع : تفسير الكشّاف ١ / ٣٥٢ ـ ٣٥٣ ، تفسير الفخر الرازي ٥ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، الدرّ المنثور ١ / ٥٧٥ ـ ٥٧٨.

٣٩٧

وذكر في « الاستيعاب » بترجمة خبيب ، أنّ الذي أرسله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لإنزاله هو عمرو بن أميّة الضمري ، وما ذكر الزبير ، ولا المقداد (١)!

هذا في نزول الآية ..

وأمّا دلالتها على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ فلأنّ نزولها فيه كاشف عن أفضليّته وامتيازه بالمعرفة والإخلاص ؛ لأنّ كثيرا من المسلمين غيره قد بذلوا أنفسهم في الجهاد ، وحفظ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونشر الدعوة ولم ينالوا ما ناله أمير المؤمنين عليه‌السلام من شهادة الله له ، بأنّه شرى نفسه ابتغاء مرضاته حتّى باهى به سادة ملائكته ، وذكره بالأخوّة لسيّد أنبيائه ، وقال له جبرئيل : « من مثلك؟! » (٢) الدالّ على عدم المماثل له .. والأفضل هو الإمام!

* * *

__________________

(١) الاستيعاب ٢ / ٤٤٢ رقم ٦٣٢.

(٢) كما في رواية الثعلبي المتقدّمة آنفا في الصفحة ٣٩٣.

٣٩٨

٦ ـ آية المباهلة

قال المصنّف ـ قدس‌سره ـ (١) :

السادسة : آية المباهلة (٢) ، أجمع المفسّرون على أنّ ( أَبْناءَنا ) إشارة إلى الحسن والحسين ، ( ونِساءَنا ) إشارة إلى فاطمة ، ( وأَنْفُسَنا ) إشارة إلى عليّ عليه‌السلام (٣).

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٧٧.

(٢) وهي قوله تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) سورة آل عمران ٣ : ٦١.

(٣) انظر : تفسير السدّي : ١٧٩ ، تفسير الحبري : ٢٤٧ ـ ٢٤٨ ح ١٢ ـ ١٣ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ح ٧١٧٨ و ٧١٧٩ و ٧١٨٦ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢ / ٢٣ ، تفسير الثعلبي ٣ / ٨٥ ، تفسير الماوردي ١ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩ ، أسباب النزول ـ للواحدي ـ : ٥٧ ، شواهد التنزيل ١ / ١٢٠ ـ ١٢٨ ح ١٦٨ ـ ١٧٦ ، تفسير البغوي ١ / ٢٤٠ ، تفسير الكشّاف ١ / ٤٣٤ ، أحكام القرآن ـ لابن عربي ـ ١ / ٣٦٠ ، زاد المسير ١ / ٧٣٢٤ تفسير الفخر الرازي ٨ / ٨٩ ـ ٩٠ ، تفسير القرطبي ٤ / ٦٧ ، تفسير النسفي ١ / ١٦١ ، البحر المحيط ٢ / ٤٧٩ ـ ٤٨٠ ، تفسير القرآن العظيم ـ لابن كثير ـ ١ / ٣٥٠ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٣١ ـ ٢٣٣ ، تفسير أبي السعود ١ / ٣٧٣ ، فتح القدير ١ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، روح المعاني ٣ / ٣٠٣.

وانظر : صحيح مسلم ٧ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، سنن الترمذي ٥ / ٢١٠ ح ٢٩٩٩ وص ٥٩٦ ح ٣٧٢٤ ، مسند أحمد ١ / ١٨٥ ، فضائل الصحابة ـ له ـ ٢ / ٩٧٤ ـ ٩٧٥ ح ١٣٧٤ ، مسند سعد ـ للدورقي ـ : ٥١ ح ١٩ ، تاريخ المدينة ـ لابن شبّة ـ ٢ / ٥٨٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٣ ح ٤٧١٩ ، معرفة علوم الحديث : ٥٠ ، المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ج ٢٠ ق ١ / ١٤٢ ، دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم _

٣٩٩

فجعله الله نفس محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد المساواة ، ومساوي الأكمل الأولى بالتصرّف ، أكمل وأولى بالتصرّف.

وهذه الآية أدلّ دليل على علوّ مرتبة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ لأنّه تعالى حكم بالمساواة لنفس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه تعالى عيّنه في استعانة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الدعاء.

وأيّ فضيلة أعظم من أن يأمر الله نبيّه بأن يستعين به على الدعاء إليه ، والتوسّل به؟!

ولمن حصلت هذه المرتبة؟!

* * *

__________________

٢ / ٣٥٣ ـ ٣٥٥ ح ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٦٣ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٣١ ـ ٢٣٢ ح ٣١٠ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٨٣ ح ٤٧٩٥ ، الشفا ـ للقاضي عياض ـ ٢ / ٤٨ ، جواهر العقدين : ٢٧٨ عن الدارقطني ، كنز العمّال ٢ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ح ٤٣٠٧.

٤٠٠