دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٤

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: ٤٤٢

ويوم الدوح دوح غدير خمّ

أبان له الولاية لو أطيعا

ولكنّ الرجال تبايعوها (١)

فلم أر مثله خطرا (٢) مبيعا (٣)

قال السبط : ولهذه الأبيات قصّة عجيبة حدّثنا بها شيخنا عمرو بن صافي الموصلي ، قال : أنشد بعضهم هذه الأبيات فبات مفكّرا ، فرأى عليّا عليه‌السلام في المنام فقال له : أعد عليّ أبيات الكميت.

فأنشده إيّاها حتّى بلغ قوله : « خطرا مبيعا » فأنشده عليّ عليه‌السلام بيتا آخر من قوله زيادة فيها :

فلم أر مثل ذلك اليوم يوما

ولم أر مثله حقّا أضيعا (٤)

ثمّ ذكر السبط أبياتا من نحو هذا (٥) للسيّد الحميري (٦) وبديع الزمان

__________________

(١) وفي نسخة : « تدافعوها ». منه قدس‌سره.

(٢) الخطر : ارتفاع القدر والمال والشرف والمنزلة ، ورجل خطير : أي له قدر وخطر ؛ انظر : لسان العرب ٤ / ١٣٧ مادّة « خطر ».

(٣) تذكرة الخواصّ : ٣٩ ؛ وانظر : رسالة في أقسام المولى في اللسان : ٤١ ، كنز الفوائد ١ / ٣٣٣.

(٤) تذكرة الخواصّ : ٤٠.

(٥) راجع الأبيات في تذكرة الخواصّ : ٤٠.

(٦) هو : إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميريّ ، يلقّب بالسيّد ، ويكنّى أبا هاشم ، توفّي سنة ١٧٣ ه‍.

أمّه امرأة من الأزد ، ثمّ من بني الحدّان ، وجدّه يزيد بن ربيعة شاعر مشهور ، وهو الذي هجا زياد ابن أبيه وبنيه ، ونفاهم عن آل حرب ، وحبسه عبيد الله بن زياد لذلك وعذّبه ، ثمّ أطلقه معاوية.

كان شاعرا متقدّما مطبوعا ، يقال : إنّ أكثر الناس شعرا في الجاهلية والإسلام ثلاثة : بشّار ، وأبو العتاهية ، والسيّد.

وإذا سئل عن التشيّع من أين وقع له؟ قال : غاصت عليّ الرحمة غوصا.

انظر ترجمته في : الأغاني ٧ / ٢٤٨ ـ ٢٥٠.

٣٤١

الهمداني (١).

ولا يمكن استيفاء ما قاله الشعراء ، فإنّه ممّا يمتنع حصره.

هذا ، وقد أورد القوم على الحديث بأمور حقيقة بالإعراض عنها لو لا إرادتنا استيفاء ما عندهم ..

الأوّل : منع صحّته :

قال في « المواقف » وشرحها : « ودعوى الضرورة في العلم بصحّته لكونه متواترا ، مكابرة! كيف؟! ولم ينقله أكثر أصحاب الحديث ، كالبخاري ومسلم وأضرابهما ، وقد طعن بعضهم فيه ، ك‍ [ ابن ] (٢) أبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي ، وغيرهما من أئمّة الحديث! » (٣).

__________________

(١) هو : أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى الهمذاني ، أحد أئمّة الكتاب ، له : « المقامات » ، أخذ الحريري أسلوب مقاماته عنها ، وكان شاعرا ، وطبقته في الشعر دون طبقته في النثر ، ولد في همذان سنة ٣٥٨ ه‍ ، وأنتقل إلى هراة سنة ٣٨٠ ، فسكنها ، ثمّ ورد نيسابور سنة ٣٨٢ ه‍ فلقي أبا بكر الخوارزمي فشجر بينهما ما دعاهما إلى المساجلة ، فطار ذكر الهمذاني في الآفاق ، كان قويّ الحافظة يضرب المثل بحفظه ، ويذكر أنّ أكثر مقامته ارتجال ، وله ديوان شعر ، ورسائل عدّتها ٢٣٣ رسالة ، ووفاته في هراة مسموما سنة ٣٩٨ ه‍.

انظر : يتيمة الدهر ٤ / ٢٩٣ رقم ٦٤ ، وفيات الأعيان ١ / ١٢٧ رقم ٥٢.

(٢) أثبتناه من « شرح المواقف » ، وهي إضافة يقتضيها المقام ؛ انظر الهامش التالي.

(٣) المواقف : ٤٠٥ ، شرح المواقف ٨ / ٣٦١.

هذا ، وقد قال الشريف المرتضى في معرض ردّه على القاضي عبد الجبّار ما نصّه : فإن قال : أليس قد حكي عن ابن أبي داود السجستاني دفع الخبر ، وحكي مثله عن الخوارج ، وطعن الجاحظ في كتاب « العثمانية » فيه؟!

قيل له : أوّل ما نقوله إنّه لا معتبر في باب الإجماع بشذوذ كلّ شاذّ عنه ، بل _

٣٤٢

__________________

الواجب أن يعلم أنّ الذي خرج عنه ممّن يعتبر قول مثله في الإجماع ، ثمّ يعلم أنّ الإجماع لم يتقدّم خلافه ، فابن أبي داود والجاحظ لو صرّحا بالخلاف لسقط خلافهما بما ذكرناه من الإجماع ، خصوصا بالذي لا شبهة فيه من تقدّم الإجماع ، وفقد الخلاف ، وقد سبقهما ثمّ تأخّر عنهما.

على أنّه قد قيل : إنّ ابن أبي داود لم ينكر الخبر ، وإنّما أنكر كون المسجد الذي بغدير خمّ متقدّما ، وقد حكي عنه التنصّل من القدح في الخبر ، والتبرّي ممّا قذفه به محمّد بن جرير الطبري.

والجاحظ أيضا لم يتجاسر على التصريح بدفع الخبر ، وإنّما طعن في بعض رواته ، وأدّعى اختلاف ما نقل من لفظه ، ولو صرّحا وأمثالهما بالخلاف لم يكن قادحا ؛ لما قدّمناه.

انظر : الشافي ٢ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

ويضاف إلى ذلك أنّ ما طعن به ابن أبي داود ـ لو ثبت ـ معارض برواية أبيه ـ صاحب « السنن » ـ للحديث كما في السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٠ ح ٨٤٦٧ وص ١٣٢ ح ٨٤٧٣ وص ١٣٤ ح ٨٤٧٨.

كما إنّ ابن أبي داود كان منحرفا عن الإمام عليّ عليه السلام ، وأشتهر ببغضه له عليه السلام ، وتكلّم فيه جمع من كبار الأئمّة والأعلام وفي مقدّمتهم أبوه ، فقد قال : « ابني عبد الله يكذب » ، حتّى قال ابن صاعد : « كفانا ما قال فيه أبوه ».

انظر : سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

أمّا طعن أبي حاتم في الحديث فلا يعبأ به ؛ لتعنّته وتسرّعه في الطعن بغير دليل وبدون تورّع ، فقد قال الذهبي فيه : « إذا ليّن رجلا ، أو قال فيه : لا يحتجّ به ، فتوقّف حتّى ترى ما قال غيره فيه ، فإن وثّقه أحد ، فلا تبن على تجريح أبي حاتم ، فإنّه متعنّت في الرجال » ، وقد نسب كتابا للبخاري إلى نفسه ، وما صنعه من أقبح الأشياء وأشنعها!

راجع : سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٦٠ ، طبقات الشافعية الكبرى ـ للسبكي ـ ٢ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

ثمّ إنّ طعن أبي حاتم معارض برواية ابنه للحديث كما في الدرّ المنثور ٣ / ١١٧ ، والمعروف عند أهل الفنّ أنّ ابنه عبد الرحمن أشهر من أبيه وأوثق

٣٤٣

أقول :

إن أريد بمنع صحّته ، أنّه لم يرو بسند صحيح ، كذّبهم تصحيح الحاكم (١) وغيره له ، حتّى إنّ الذهبي على نصبه ، وابن حجر على تعصّبه ، اعترفا بصحّة كثير من طرقه كما سبق (٢).

وإن أريد عدم إفادته اليقين بالصدور ، لعدم كونه متواترا عندهم ، فمتّجه في الجملة من حيث حصول الشبهة في الإمامة عندهم.

ولكن الحقّ أنّه لا محلّ لمنع تواتره ، لاستفاضة طرقه بينهم ـ فضلا عنّا ـ استفاضة توجب أعلى مراتب التواتر عند من أنصف.

وقد اعترف السيوطي ـ كما عرفت ـ بتواتره ، وكذلك ابن الجزري ، حتّى نسب منكر تواتره إلى الجهل والتعصّب (٣).

وأمّا عدم ذكر البخاري ومسلم له فغير عجيب ؛ إذ كم أهملا أخبارا صحيحة عندهم واستدركها أصحابهما.

ولست ألومهما على إهمالهما لهذا الحديث الصحيح المتواتر ، لا لمجرّد عدم موافقته لمذهبهما ، بل لرعاية ملوك زمانهما وهوى قومهما ، والناس على دين ملوكهم!

وبهذا تعلم عذر السجستاني وأبي حاتم!

__________________

وأعرف بالرواية والحديث والجرح والتعديل ، ومن راجع مصنّفات ابنه ك‍ « الجرح والتعديل » و « علل الحديث » تبيّن له ذلك.

(١) انظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦ و ٤٥٧٧.

(٢) راجع الصفحة ٣٢١ وما بعدها من هذا الجزء.

(٣) راجع الصفحة ٣٢١ من هذا الجزء.

٣٤٤

قال سنّيّ لشيعيّ : ما لكم تنوحون على الحسين في كلّ وقت وقد مضت على قتله السنون؟!

فقال : نخاف أن تنكروا قتله ومظلوميّته كما أنكرتم بيعة الغدير!

الثاني : إنّ عليّا لم يكن يوم الغدير مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه كان باليمن.

ويرد عليه : إنّ رجوعه من اليمن وحضوره الحجّ مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا تضافرت به الأخبار ، كما ستعرف بعضها في تحريم عمر للمتعتين ، وقد عرفت إقرار ابن حجر بثبوت ذلك (١).

الثالث : إنّ أكثر رواته لم يرووا مقدّمة الحديث ، وهي : « ألست أولى بكم من أنفسكم؟! ».

وفيه : إنّه لو سلّم عدم ذكر الأكثر لها ، كفانا وجودها في الصحاح الكثيرة والأخبار المتضافرة ، وقد نصّ ابن حجر والذهبي والحاكم وغيرهم على صحّتها كما سبق (٢).

الرابع : إنّ « مفعل » بمعنى « أفعل » لم يذكره أحد من أئمّة العربية ، مع أنّ الاستعمال على خلافه ؛ لجواز أن يقال : هو أولى من كذا ، دون : مولى من كذا ؛ ولو سلّم ، فأين الدليل على أنّ المراد : الأولى بالتصرّف والتدبير؟!

بل يجوز أن يراد الأولى في أمر من الأمور كما قال تعالى : ( إِنَّ

__________________

(١) انظر الصفحة ٣٢١ من هذا الجزء ، وراجع : الصواعق المحرقة : ٦٤ الشبهة ١١.

(٢) انظر الصفحة ٣٢١ وما بعدها من هذا الجزء ، وراجع : الصواعق المحرقة : ٦٤ ـ ٦٦ ، تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٤٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦.

٣٤٥

أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ... ) (١) (٢) ، وأراد الأولويّة في الاتّباع والاختصاص به والقرب منه ، لا في التصرّف به.

ولصحّة الاستفسار ؛ إذ يجوز أن يقال : في أي شيء هو أولى؟ أفي نصرته أو محبّته أو التصرّف فيه؟

ولصحّة التقسيم ؛ بأن يقال : كونه أولى به ، إمّا في نصرته ، وإمّا في ضبط أمواله ، وإمّا في تدبيره والتصرّف فيه.

وحينئذ لا يدلّ الحديث على إمامته.

هذا ما ذكره في « المواقف » وشرحها (٣).

وفيه أوّلا : إنّ أبا عبيدة فسّر « المولى » في قوله تعالى : ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) (٤) بالأولى بكم ، كما حكاه عنه في « شرح التجريد » للقوشجي (٥).

وثانيا : إنّ من يفسّر « المولى » في الحديث ب‍ « الأولى بالتصرّف » لم

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٦٨.

(٢) القول بأنّ « مفعل » بمعنى « أفعل » لم يذكره أحد من أئمّة العربية مجازفة شنيعة ، وتغافل بيّن ، فقد قال به جمع كبير من الأعلام ، كابن عبّاس ، وزيد بن عليّ ، ومحمّد بن السائب الكلبي ، والفرّاء ، وأبي عبيدة معمر بن المثنّى ، وابن قتيبة ، والمبرّد ، وأبي العبّاس ثعلب النحوي ، والزجّاج ، وغيرهم.

انظر : تفسير تنوير المقياس : ٥٧٧ ، تفسير غريب القرآن : ٤٠٨ ، العمدة ـ لابن بطريق ـ : ١٥٨ ـ ١٥٩ ، تفسير الفخر الرازي ٢٩ / ٢٢٨ ، رسالة في معنى المولى : ٣٧ ، صحيح البخاري ٦ / ٢٥٩ ، شحر المعلّقات ـ للزوزني ـ : ١٤٨ ، تفسير الطبري ١١ / ٦٨٠ ، معالم التنزيل ـ للبغوي ـ ٤ / ٢٧٠ ، الكشّاف ٤ / ٦٤.

(٣) المواقف : ٤٠٥ ، شرح المواقف ٨ / ٣٦١.

(٤) سورة الحديد ٥٧ : ١٥.

(٥) شرح تجريد الاعتقاد : ٤٧٧.

٣٤٦

يرد أنّه اسم تفضيل مثله ، حتّى يرد عليه أنّه يقال : هو أولى من كذا ، ولا يقال : مولى من كذا.

بل أراد التفسير بحاصل المعنى ، بقرينة مقدّمة الحديث ، وهي قوله : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟! ».

فإنّ هذه المقدّمة تدلّ على أنّ المراد بمولاهم : الأولى بهم من أنفسهم ، وهو عبارة أخرى عن الأولى بالتصرّف.

وإن شئت أن تفسّر المولى بمالك الأمر ، كما هو معناه الحقيقي ، كان أحسن ، فيكون معنى الحديث : من كنت مالك أمره لكوني أولى به من نفسه ، فعليّ مثلي مالك أمره ، كقوله : « أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها » (١) أي مالك أمرها.

وكيف كان ، فالنتيجة واحدة ، وهي أنّ عليّا عليه‌السلام مالك أمر الأمّة ، وإمامها ، وأولى بها من أنفسها في التصرّف ، كالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا ما زعماه من جواز أن يراد الأولى في أمر من الأمور غير التصرّف ، وما زعماه من صحّة الاستفسار والتقسيم ، فخطأ ظاهر ؛ لابتناء ذلك على إجمال الحديث.

وقد عرفت أنّ مقدّمته وغيرها من القرائن تدلّ على أنّ المراد

__________________

(١) انظر : سنن أبي داود ٢ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ح ٢٠٨٣ ، سنن الترمذي ٣ / ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ح ١١٠٢ ، سنن الدارمي ٢ / ٩٦ ح ٢١٨٠ ، مسند أحمد ٦ / ٤٧ و ٦٦ و ١٦٦ ، مسند الحميدي ١ / ١١٢ ح ٢٢٨ ، سنن سعيد بن منصور ١ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ح ٥٢٨ و ٥٢٩ ، مختصر المزني على كتاب الأمّ ٩ / ١٧٦ ، المعجم الأوسط ١ / ٣٦٠ ح ٨٧٧ وج ٦ / ٣٣٧ ح ٦٣٥٢ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٨٢ ح ٢٧٠٦ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٨٥.

٣٤٧

بالمولى : الأولى بهم من أنفسهم في التصرّف ، ومالك أمرهم ، وإمامهم.

كيف؟! ولو كان الحديث مجملا مع تلك القرائن ، حتّى يدخله الاحتمال المذكور ، ويجوز فيه الاستفسار والتقسيم ، لكانت كلمة الشهادة أولى بالإجمال ؛ لإمكان الاستفسار فيها بأنّ المراد هل هو : لا إله إلّا الله في السماء أو في الأرض ، أو : لا إله إلّا الله في آسيا أو أوربّا أو غيرهما .. إلى غير ذلك ؛ ولإمكان التقسيم أيضا بنحو ذلك ، وهذا لا يقوله ذو معرفة.

الخامس : إنّه لو سلّم دلالة الحديث على إمامة عليّ عليه‌السلام فلا نسلّم دلالته على كونها بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل ، حتّى تنتفي إمامة الثلاثة.

وفيه : إنّ هذا مكابرة ظاهرة ، إذ كيف يترك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حال نصب إمام للمسلمين لحضور أجله ـ ذكر ثلاثة وينصّ على من بعدهم ، الذي يكون إماما بعد خمس وعشرين سنة من وفاته؟!

ولو جاز ذلك ، لكان جميع ولاة العهد محلّ كلام ، إذ لا يقول السلطان : هذا وليّ عهدي بلا فصل ؛ بل على احتمالات القوم لو قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعليّ مولاه بعدي ؛ لقالوا : لا منافاة بين البعديّة والفصل بغيره ، كما صنع القوشجي في

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت وصيّي وخليفتي من بعدي (١).

بل لو قال : فعليّ مولاه بعدي بلا فصل ؛ لقالوا : يحتمل أن يكون المعنى بلا فصل من غير الثلاثة.

ولا عجب ممّن نشأ على التعصّب وحبّ العاجلة ، وقال : إنّا وجدنا آباءنا على ملّة!

__________________

(١) راجع : شرح تجريد الاعتقاد : ٤٧٨ ـ ٤٧٩.

٣٤٨

بقي شيء : وهو ما ذكره الفضل في تأويل الحديث ..

فنقول : يظهر منه أنّ المراد ب‍ « المولى » في الحديث : المحبوب والمنصور ؛ لأنّه قال : « أراد أن يوصي العرب بحفظ محبّة أهل بيته وقبيلته » إلى أن قال : « وساواه بنفسه في وجوب الولاية والنصرّة والمحبّة معه ؛ ليتّخذه العرب سيّدا ... » إلى آخره.

فإنّ هذا يقتضي أن يكون معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، من كنت محبوبه أو منصورا له ، فعليّ كذلك.

وفيه ـ مع أنّ « المولى » لم يستعمل بمعنى المحبوب والمنصور _ :

إنّك عرفت أنّ القرائن الحالية والمقالية تقتضي إرادة مالك الأمر كما هو واضح ، حتّى ظهر الحقّ على لسان قلمه من حيث يريد إخفاءه ، فإنّ مساواة عليّ بنفس النبيّ في وجوب محبّته ونصرته على الإطلاق ، لا تتمّ إلّا بثبوت منزلته له من الرئاسة العامّة والعصمة.

ولذا كانت النتيجة كما ذكرها الفضل أن يتّخذه العرب سيّدا.

وأمّا ما عرّض به من الإنصاف ، فيا حبّذا لو سلك سبيله ، فإنّه إذا أقرّ بجلافة أولئك العرب وكفرهم بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأتّخاذهم الأنبياء فيهم كمسيلمة وسجاح ، فقد كان الأنسب بهم مخالفة النصّ الصريح وأتّخاذ خليفة غير الخليفة الحقّ ، ولا سيّما أنّ أبا بكر كان مستعينا بظاهر الصحبة وتمويه الأقران.

وما أدري من أين فهم الفضل إرادة النبيّ الوصيّة بحفظ محبّة مطلق قبيلته ، لو لا عدم الإنصاف وكراهة تخصيص أمير المؤمنين عليه‌السلام بالفضل والنصّ؟!

٣٤٩

ولو رأيت ما ذكره ابن حجر في « الصواعق » بالنسبة إلى الجواب عن الحديث ، من الخرافات والآراء السخيفة وأخبارهم الكاذبة ، لعرفت إلى أين يبلغ عنادهم للحقّ وتعصّبهم للهوى! (١).

* * *

__________________

(١) انظر : الصواعق المحرقة : ٦٣ ـ ٧٢.

٣٥٠

٣ ـ آية التطهير

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :

الثالثة : قوله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢).

أجمع المفسّرون (٣) ، وروى الجمهور ، كأحمد بن حنبل وغيره ، أنّها نزلت في [ رسول الله و ] عليّ وفاطمة والحسن والحسين (٤).

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٧٣.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٣) انظر مثلا : تفسير الطبري ١٠ / ٢٩٦ ـ ٢٩٨ ح ٢٨٤٨٥ ـ ٢٨٥٠٢ ، تفسير الحبري : ٢٩٧ ـ ٣١١ ح ٥٠ ـ ٥٩ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ / ٥٢٩ ، تفسير الثعلبي ٨ / ٤٢ ـ ٤٣ ، تفسير الماوردي ٤ / ٤٠١ ، أسباب النزول ـ للواحدي _ : ١٩٨ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٠ ـ ٩٢ ح ٦٣٧ ـ ٧٧٤.

وسيأتي ذكر غير هذه المصادر في محالّها من البحث في ردّ الشيخ المظفّر قدس‌سره.

(٤) مسند أحمد ١ / ٣٣١ وج ٣ / ٢٥٩ وص ٢٨٥ وج ٤ / ١٠٧ وج ٦ / ٢٩٢ و ٣٠٤ و ٣٢٣ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٧٢٧ ـ ٧٢٨ ح ٩٩٤ ـ ٩٩٦ ، وانظر : صحيح مسلم ٧ / ١٣٠ ، سنن الترمذي ٥ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨ ح ٣٢٠٥ وص ٦٢١ ح ٣٧٨٧ وص ٦٥٦ ـ ٦٥٧ ح ٣٨٧١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٠٧ ـ ١٠٨ ح ٨٣٩٩ ، مسند البزّار ٣ / ٣٢٤ ح ١١٢٠ ، مسند أبي يعلى ٧ / ٥٩ ـ ٦٠ ح ١٢٢٣ ـ ١٢٢٤ وج ١٢ / ٣١٣ ح ٦٨٨٨ وص ٣٤٤ ح ٦٩١٢ وص ٤٥١ ح ٧٠٢١ وص ٤٥٦ ح ٧٠٢٦ ، المعجم الكبير ٣ / ٥٢ ـ ٥٦ ح ٢٦٦٢ ـ ٢٦٧٣ وج ٩ / ٢٥ ـ ٢٦ ح ٨٢٩٥ وج ٢٣ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤ ح ٧٦٨ ـ ٧٧١ و ٧٧٣ وص ٣٣٧ ح ٧٨٣ ، المعجم الأوسط ٣ / ٣٩ ح ٢٢٨١ وج ٧ / ٣٦٩ ح ٧٦١٤ ، المعجم الصغير ١ / ٦٥ و ١٣٥ ، مسند _

٣٥١

وروى أبو عبد الله محمّد بن عمران المرزباني ، عن أبي الحمراء ، قال : خدمت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعة أشهر أو عشرة ، وكان عند كلّ فجر لا يخرج من بيته حتّى يأخذ بعضادتي باب عليّ فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فيقول علي وفاطمة والحسن والحسين : عليك السلام يا نبيّ الله ورحمه الله وبركاته.

ثمّ يقول : الصلاة رحمكم الله ، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ؛ ثمّ ينصرف إلى مصلّاه (١).

__________________

الطيالسي : ٢٧٤ ح ٢٠٥٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠١ ح ٣٩ ـ ٤٠ وص ٥٢٧ ح ٤ ، مسند عبد بن حميد : ١٧٣ ح ٤٧٥ وص ٣٦٧ ـ ٣٧٨ ح ١٢٢٣ ، التاريخ الكبير ٨ / ٢٥ رقم ٢٠٥ كتاب الكنى ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٨٩ ح ١٣٥١ ، ٢ لإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٦١ ح ٦٩٣٧ ، الكنب والأسماء ـ للدولابي ـ ٢ / ١٢١ ، الذرّيّة الطاهرة : ١٤٩ ـ ١٥٠ ح ١٩٢ ـ ١٩٤ ، نوادر الأصول ـ للحكيم الترمذي ـ ٢ / ١٠٨ ، مشكل الآثار ١ / ٢٢٧ ـ ٢٣١ ح ٧٧٠ ـ ٧٨٥ ، الغيلانيات ١ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ح ٢٥٩ ، أخلاق النبيّ ـ لأبي الشيخ ـ : ١١٥ ح ٢٧٩ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٤٥١ ح ٣٥٥٨ ـ ٣٥٥٩ وج ٣ / ١٦٠ ح ٤٧٠٩ ، تاريخ أصبهان ١ / ١٤٣ رقم ٩٥ وج ٢ / ٢٢٣ رقم ١٥٢٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٤٩ وج ٧ / ٦٣ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٠ رقم ١٨٥٥ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ـ للخطيب البغدادي ـ ٢ / ٣١٢ ـ ٣١٣ رقم ٣٥٧ ، تاريخ بغداد ١٠ / ٢٧٨ رقم ٥٣٩٦ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٥٤ ـ ٢٥٧ ح ٣٤٥ ـ ٣٥١ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٨٣ ح ٤٧٩٦ ، الشفا ـ للقاضي عياض ـ ٢ / ٤٨ ، تاريخ دمشق ١٣ / ٢٠٢ ـ ٢٠٧ وص ٢٦٨ ـ ٢٧٠ وج ١٤ / ١٣٧ ـ ١٤٨.

(١) انظر : التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٨ / ٢٥ ـ ٢٦ رقم ٢٠٥ كتاب الكنى ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٣ / ٥٦ ح ٢٦٧٢ ، مسند عبد بن حميد : ١٧٣ ح ٤٧٥ ، تفسير الحبري : ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ح ٥٧ ، تفسير الطبري ١٠ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ح ٢٨٤٩١ ، تفسير الثعلبي ٨ / ٤٤ ، شواهد التنزيل ٢ / ٤٧ ـ ٥٢ ح ٦٩٤ ـ ٧٠٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢١ و ١٦٨.

٣٥٢

والكذب من الرجس ، ولا خلاف في أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ادّعى الخلافة لنفسه ، فيكون صادقا.

* * *

٣٥٣

وقال الفضل (١) :

أمّا إجماع المفسّرين على أنّ الآية نزلت في عليّ فخلاف الواقع ، ولم يجمعوا على ذلك ، بل أكثر المفسّرين على أنّ الآية نزلت في شأن الأزواج ، وهو المناسب لنظم القرآن ..

قوله تعالى : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢).

هذا نصّ القرآن يدلّ على أنّها نزلت في أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّه مذكور في قرن حكاياتهنّ والمخاطبة معهنّ.

ولكن لمّا عدل عن صيغة خطاب الإناث إلى خطاب الذكور ، فلا يبعد أن تكون نازلة في شأن كلّ أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الرجال والنساء ، فشملت عليّا وفاطمة والحسن والحسين وأزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعلى هذا فليس الرجس هاهنا محمولا على الطهارة من كلّ الذنوب ، بل المراد من الرجس : الشرك وكبائر الفواحش كالزنا ، كما يدلّ عليه سابق الآية ، وهو قوله تعالى : ( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) (٣).

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٥٦٣.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٢ و ٣٣.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٢.

٣٥٤

ولو سلّمنا هذا فلا نسلّم أنّ عليّا ادّعى الإمامة لنفسه ، ولو كان يدّعيها لما كان يدّعيها بالعجز والخفية ؛ لوجود القوّة والشجاعة والأعوان ، وكثرة القبائل والعشائر وشرف القوم وغيرها من الفضائل.

ثمّ لو كان الرجس محمولا على الذنب لما كانت عائشة مؤاخذة بذنبها في وقعة الجمل ؛ لأنّ الآية نزلت فيها وفي أزواج النبيّ غيرها على قول أكثر المفسّرين ، فلا يتمّ له الاستدلال بهذه الآية.

* * *

٣٥٥

وأقول :

لم يبعد أن يكون مراد المصنّف بإجماع المفسّرين على ذلك هو اجتماع الشيعة والسنّة على القول به ، أي أنّه من مقول الطرفين معا وإن لم يجمع عليه السنّة.

أو يكون مراده إجماع من يعتدّ بقوله في مثل ذلك ، فإنّ المخالف هو عكرمة ومقاتل (١) وأشباههما ، ممّن لا يجوز حتّى للقوم الاعتداد بقوله في مقام النزول وشبهه ؛ لأنّ قول المفسّر إنّما يؤخذ به في ذلك إذا كان رواية عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو من يعتبر قوله من الصحابة ؛ لأنّه من باب الإخبار.

وعكرمة كذّاب خارجيّ كما سبق بعض ترجمته في مقدّمة الكتاب (٢) ، فلا يعتدّ بخبره في ذلك ، فضلا عن رأيه ، ولا سيّما أنّه متعلّق بفضل آل محمّد.

وكذا مقاتل ، كان كذّابا ، حتّى قال النسائي : الكذّابون المعروفون بوضع الحديث على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعة ؛ وعدّه منهم (٣).

__________________

(١) هو : أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير ، الأزدي بالولاء ، المروزي الخراساني ، وأصله من بلخ ، انتقل إلى البصرة ، ودخل بغداد وحدّث بها ، وكان له باع في التفسير ، وله تفسيره المعروف ، وبحوث أخرى في التفسير ، أخذ الحديث عن مجاهد بن جبر ، وعطاء بن أبي رباح ، لم يوثّقه أغلب علماء الجرح والتعديل ، وكذّبه وكيع والنسائي ، توفّي سنة ١٥٠ ه‍ بالبصرة.

انظر : تاريخ بغداد ١٣ / ١٦٠ رقم ٧١٤٣ ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٥٥ رقم ٧٣٣ ، شذرات الذهب ١ / ٢٢٧.

(٢) راجع ج ١ / ١٩١ ـ ١٩٣ رقم ٢٢٤ من هذا الكتاب.

(٣) تهذيب التهذيب ٨ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ رقم ٧١٤٦.

٣٥٦

وكان يأخذ علم القرآن من اليهود والنصارى ، وكان دجّالا جسورا أسند ظهره إلى القبلة وقال : سلوني عمّا دون العرش ؛ فسئل عن النملة أين أمعاؤها ، في مقدّمها أو مؤخّرها؟ فلم يحر جوابا!

وسئل عن آدم حين حجّ من حلق رأسه؟ فبقي ضالّا!

راجع « ميزان الاعتدال » و « تهذيب التهذيب » و « وفيات الأعيان » ، تجد ما ذكرناه من بعض أحواله الخبيثة (١).

وقس على هذين الكذّابين ، اللذين هما من رؤوس مفسّريهم ، غيرهما!

وأمّا قول الفضل : « أكثر المفسّرين على أنّ الآية نزلت في شأن الأزواج » ..

فغير صحيح ؛ لأنّ ابن حجر أكثر منه اطّلاعا ، قال في « الصواعق » عند ذكر الآية في فضائل أهل البيت عليهم‌السلام : « أكثر المفسّرين على أنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين » (٢).

بل الحقّ أنّ القائلين بنزولها في شأن الأزواج خاصّة أقلّ القليل بالنسبة إلى غيرهم ؛ لأنّ جميع مفسّري الشيعة وأكثر مفسّري السنّة قالوا ـ كما عرفت ـ : بنزولها في عليّ وفاطمة والحسنين ، لكن مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندنا (٣).

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦ رقم ٨٧٤٧ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٣٢٠ ـ ٣٢٥ ، رقم ٧١٤٦ ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦ رقم ٧٣٣.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٢٠.

(٣) انظر مثلا : مجمع البيان ٨ / ١٣٧ و ١٣٨ ، تفسير فرات ١ / ٣٣١ وما بعدها.

٣٥٧

وقال بعض مفسّريهم بنزولها في بني هاشم (١).

وقال جملة منهم بنزولها في آل النبيّ الأربعة المذكورين والأزواج (٢).

فلم يبق من المفسّرين من يقول بنزولها في الأزواج خاصّة إلّا القليل (٣).

وكيف كان ، فلا عبرة بهم حتّى لو كانوا الأكثر ؛ لامتناع إرادة الأزواج ولو منضمّات ؛ لأنّهنّ غير مطهّرات من الرجس ، حتّى لو أريد به الشرك وكبائر الذنوب ؛ لتقدّم الشرك منهنّ ، وحدوث الكبائر من بعضهنّ ، كعائشة ، حيث خرجت على إمام زمانها الذي قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حربك حربي » (٤) ، وقتلت الآلاف العديدة ، وخالفت

__________________

(١) تفسير البغوي ٣ / ٤٥٦ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١١٩ ، فتح القدير ٤ / ٢٨٠ ، البحر المحيط ٧ / ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، روح المعاني ٢٢ / ٢٠.

(٢) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢١٠.

(٣) انظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٤٦٥.

(٤) مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢١٦ ح ٢٨٥ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٢٩ ح ١٤٣ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ١٩٣.

كما ورد أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام : « أنا حرب لمن حاربتم ـ أو : حاربكم ؛ أو : حاربهم ـ ».

فانظر : سنن الترمذي ٥ / ٦٥٦ ح ٣٨٧٠ ، سنن ابن ماجة ١ / ٥٢ ح ١٤٥ ، مسند أحمد ٢ / ٤٤٢ ، المعجم الكبير ٣ / ٤٠ ح ٢٦١٩ ـ ٢٦٢١ وج ٥ / ١٨٤ ح ٥٠٣٠ و ٥٠٣١ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥١٢ ب‍ ٢٣ ح ٧ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٦١ ح ٦٩٣٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦١ ح ٤٧١٣ و ٤٧١٤ ولم يتعقّبهما الذهبي في « التلخيص ».

هذا ، وقد أسقطت يد الخيانة اسم أمير المؤمنين عليه‌السلام من مصنّف ابن أبي شيبة والإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ؛ فلاحظ!!

٣٥٨

أمر الله سبحانه في نصّ كتابه بقرارها في بيتها (١) ..

كما تظاهرت مع صاحبتها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذبتا عليه ، فأنزل الله تعالى به قرآنا مبينا ، لعظيم مكرهما وفعلهما (٢) ، وضرب لأجلهما المثل بامرأتي نوح ولوط (٣).

مع أنّ إرادة الأزواج مخالفة للأخبار المتواترة المشتملة على الصحيح

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ... ) ( وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٢) إشارة إلى عائشة وحفصة في قوله تعالى : ( إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ * عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً ) سورة التحريم ٦٦ : ٤ ـ ٥.

انظر : صحيح البخاري ٣ / ٢٦٦ ح ٤١ وج ٦ / ٢٧٥ ـ ٢٧٨ ح ٤٠٦ ـ ٤٠٩ وج ٧ / ٥٠ ح ١٢١ وص ٢٧٧ ـ ٢٧٩ ح ٦١ ، صحيح مسلم ٤ / ١٨٨ ـ ١٩٤ ، سنن الترمذي ٥ / ٣٩١ ـ ٣٩٤ ح ٣٣١٨ ، سنن النسائي ٤ / ١٣٧ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٢ / ٧٢ ح ٢٤٤٢ وج ٥ / ٣٦٦ ح ٩١٥٧ ، مسند أحمد ١ / ٣٣ و ٤٨ ، مسند أبي داود الطيالسي : ٦ ، مسند البزّار ١ / ٣٠٣ ح ١٩٥ وص ٣١٨ ح ٢٠٦ وص ٣٢٩ ح ٢١٢ ، مسند أبي يعلى ١ / ١٤٩ ـ ١٥٣ ح ١٦٤ وص ١٦٢ ح ١٧٨ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٨ / ١٤٧ ـ ١٥٣ ، تفسير الحبري : ٣٢٥ ح ٦٨ ، تفسير الطبري ١٢ / ١٥٣ ح ٣٤٤١٠ ـ ٣٤٤١٦ ، مسند أبي عوانة ٣ / ١٦٣ ـ ١٧٢ ح ٤٥٧٢ ـ ٤٥٨١ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٦ / ٢٢٩ ـ ٢٣٢ ح ٤٢٥٤ ، سنن الدارقطني ٤ / ٢٦ ح ٣٩٦٩ ، تفسير الماوردي ٦ / ٤٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٣٥٣ ، تفسير البغوي ٤ / ٣٣٥.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) سورة التحريم ٦٦ : ١٠.

انظر : تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس : ٦٠٥ ، تفسير الماوردي ٦ / ٤٧ ، الكشّاف ٤ / ١٣١ ، زاد المسير ٨ / ٨٤ ، تفسير الفخر الرازي ٣٠ / ٥٠ ، تفسير القرطبي ١٨ / ١٣٢ ، تفسير الخازن ٤ / ٢٨٨ ، فتح القدير ٥ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦.

٣٥٩

الكثير عندهم ، الدالّة على نزول الآية في خصوص أمير المؤمنين وفاطمة وأبنيهما عليهم‌السلام ، وبعضها نصّ بخروج الأزواج ..

فمنها : ما رواه مسلم ، في باب فضائل أهل البيت عليهم‌السلام ، عن عائشة ، قالت : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غداة ، وعليه مرط مرجّل (١) من شعر أسود ، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فدخل معه ، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ، ثمّ جاء عليّ فأدخله ، ثمّ قال : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) (٣).

ونقله السيوطي في « الدّر المنثور » أيضا عن أحمد ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم (٤).

ورواه الحاكم (٥) بسند آخر عن عائشة ، وصحّحه على شرط

__________________

(١) كذا في الأصل ، وفي المصدر : مرحّل.

والمرط ، وجمعه مروط : كساء من خزّ أو صوف أو كتّان ؛ انظر : لسان العرب ١٣ / ٨٣ مادّة « مرط ».

والمرجّل : أي فيه صور كصور الرجال ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ١٥٥ مادّة « رجل ».

والمرحّل : ضرب من برود اليمن ، سمّي مرحّلا لأنّه موشّى وشيا وعليه تصاوير رحل وما ضاهاه ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ١٧١ مادّة « رحل » ، الفائق في غريب الحديث ٣ / ٣٦٠.

ولعل الصحيح هو ما في المصدر ، وما في المتن تصحيف.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٣) صحيح مسلم ٧ / ١٣٠ باب فضائل أهل البيت عليهم‌السلام.

(٤) الدرّ المنثور ٦ / ٦٠٥ ؛ وانظر : مسند أحمد ٦ / ١٦٢ ولكنّ يد الخيانة بترت الحديث فيه من بعد كلمة « مرجّل » فجاء الحديث ناقص المعنى!! ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠١ ب‍ ١٨ ح ٣٩.

(٥) ص ١٤٧ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٥٩ ح ٤٧٠٧ ]. منه قدس‌سره.

٣٦٠