دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٤

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: ٤٤٢

يشاركه فيها كلّ راو لها ومصدّق بها!

[ ١٠ ـ حديث طواف النبيّ سليمان عليه‌السلام بمئة امرأة ]

ومنها : ما رواه البخاري في باب طلب الولد للجهاد ، من كتاب الجهاد والسير ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « قال سليمان ابن داود : لأطوفنّ الليلة على مئة امرأة أو تسع وتسعين ، كلّهنّ يأتي بفارس مجاهد في سبيل الله.

فقال له صاحبه : قل إن شاء الله.

فلم يقل ( إن شاء الله ) ، فلم يحمل منهنّ إلّا امرأة واحدة جاءت بشقّ رجل » (١) .. الحديث.

وروى أيضا نحوه في آخر ورقة من كتاب النكاح (٢).

وفي كتاب بدء الخلق ، في باب قول الله : ( وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) (٣) (٤).

وفي كتاب الأيمان والنذور ، في باب الاستثناء في الأيمان (٥).

وروى نحوه مسلم أيضا ، في باب الاستثناء ، من كتاب النذور (٦).

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ٧٩ ح ٣٥.

(٢) صحيح البخاري ٧ / ٦٩ ح ١٧١.

(٣) سورة ص ٣٨ : ٣٠.

(٤) صحيح البخاري ٤ / ٣١٤ ح ٢٢٣.

(٥) صحيح البخاري ٨ / ٢٦٢ ح ١٣ ، وانظر : ج ٩ / ٢٤٧ ح ٩٥.

(٦) صحيح مسلم ٥ / ٨٧.

١٦١

وأحمد في مسنده (١).

وهو من أسخف الحكايات! فإنّ من يقول هذا القول ينبغي أن يكون قد اغترّ بكثرة الأولاد ، وأنّه ولد له قبل ذلك آلاف من البنين ، وهو غير واقع.

وكيف يحلف نبيّ الله على فعل الله وحده ، أو يتهاون بقول « إن شاء الله » ، لا سيّما بعد تنبيه صاحبه له ، المعبّر عنه بالملك في بعض هذه الأحاديث ، وهو من أعظم الدعاة إلى الله ، الموصوف في الكتاب العزيز : ب : ( نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )؟!

وكيف يستطيع بشر أن يواقع في ليلة واحدة مائة امرأة ، أو تسعا وتسعين ، أو تسعين ، أو سبعين ، على اختلاف أقوال أبي هريرة أو أشباهه من الرواة عنه؟!

[ ١١ ـ حديث حرق نبيّ قرية للنمل ]

ومنها : ما رواه البخاري في أواخر كتاب الجهاد ، عن أبي هريرة ، قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : قرصت نملة نبيّا من الأنبياء ، فأمر بقرية النمل فأحرقت ، فأوحى الله إليه : أفي (٢) إن قرصتك نملة أحرقت

__________________

(١) مسند أحمد ٢ / ٢٢٩ و ٢٧٥. منه قدس‌سره.

وانظر : سنن الترمذي ٤ / ٩٢ ح ١٥٣٢ ، سنن النسائي ٧ / ٢٥ ، مسند أبي عوانة ٤ / ٥٢ ـ ٥٣ ح ٥٩٩٩ ـ ٦٠٠١ ، مشكل الآثار ٢ / ٢٥٨ ح ٢٠٥٨ ، حلية الأولياء ٢ / ٢٧٩ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١٠ / ٤٤ ، مصابيح السنّة ٤ / ٢٧ ح ٤٤٤٨.

(٢) كذا في الأصل وصحيح مسلم ، وفي سنن أبي داود : « في » ، ولم ترد في صحيح البخاري.

١٦٢

أمّة من الأمم تسبّح الله؟! » (١).

ورواه ونحوه مسلم ، في باب النهي عن قتل النمل ، من كتاب قتل الحيّات (٢).

ليت شعري كيف يصحّ أن ينسب مثل ذلك إلى نبيّ من الأنبياء؟!

.. إلى غير ذلك من أخبارهم المعتبرة عندهم التي نسبت الأنبياء إلى ما لا يليق!

وليتهم اكتفوا بها ولم يمسّوا قدس جلال الله تعالى بخرافاتهم ..

[ ١٢ ـ حديث وضع الربّ رجله في جهنّم ]

فمنها : ما رواه البخاري في تفسير سورة « ق » ، عن أبي هريرة :

« يقال لجهنّم : هل امتلأت ، وتقول : هل من مزيد ، فيضع الربّ تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول : قط قط » (٣).

وفي رواية أخرى : « فأمّا النار فلا تمتلئ حتّى يضع رجله ، فتقول : قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من خلقه أحدا » (٤).

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ١٤٨ ح ٢٢٢.

(٢) صحيح مسلم ٧ / ٤٣ ، وانظر : سنن أبي داود ٤ / ٣٦٨ ح ٥٢٦٦ ، سنن النسائي ٧ / ٢١٠ ـ ٢١١ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٠٧٥ ح ٣٢٢٥ ، مسند أحمد ٢ / ٤٠٣ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٥ / ٢١٣.

(٣) صحيح البخاري ٦ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ح ٣٤٣.

(٤) صحيح البخاري ٦ / ٢٤٦ ح ٣٤٤.

١٦٣

وروى نحو ذلك ، عن أنس ، في كتاب التوحيد ، في باب قول الله تعالى ، وهو العزيز الحكيم : ( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (١) ، قال : حتّى يضع فيها ربّ العالمين قدمه ، فيزوى بعضها إلى بعض ، ثمّ تقول : قد قد بعزّتك وكرمك » (٢).

وكذا عن أبي هريرة ، في باب ما جاء في قول الله تعالى : ( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) (٣) من الكتاب المذكور ، قال : « فتقول :

هل من مزيد ؛ ثلاثا ، حتّى يضع فيها قدمه فتمتلئ ، ويردّ بعضها إلى بعض وتقول : قط قط قط » (٤).

وروى أيضا نحو ذلك عن أنس ، في باب الحلف بعزّة الله وصفاته ، من كتاب الأيمان والنذور ، وقال : « لا تزال تقول : هل من مزيد ، حتّى يضع ربّ العزّة فيها قدمه ، فتقول : قط قط وعزّتك » (٥).

وروى مسلم أخبارا كثيرة من هذا النحو ، في باب النار يدخلها الجبّارون والجنّة يدخلها الضعفاء ، من كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها (٦).

__________________

(١) سورة الصافّات ٣٧ : ١٨٠.

(٢) صحيح البخاري ٩ / ٢٠٩ ح ١٣.

(٣) سورة الأعراف ٧ : ٥٦.

(٤) صحيح البخاري ٩ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ح ٧٥.

(٥) صحيح البخاري ٨ / ٢٤١ ـ ٢٤٢ ح ٣٧.

(٦) صحيح مسلم ٨ / ١٥١ ـ ١٥٢.

وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٣٦٤ ح ٣٢٧٢ ، مسند أحمد ٢ / ٢٧٦ و ٣١٤ و ٥٠٧ وج ٣ / ١٣٤ و ١٤١ و ٢٣٠ و ٢٣٤ ، سنن الدارمي ٢ / ٢٣٣ ح ٢٨٤٤ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٢٣١ ـ ٢٣٦ ح ٥٢٥ ـ ٥٣٥ ، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ : ٩٧ ـ ٩٨ ، الأسماء والصفات ـ للبيهقي ـ ٢ / ٨٤ ـ ٨٦.

١٦٤

وهي كما ترى كفر صريح ؛ لاقتضائها الجسمية والحلول بالمكان ، وفيها تكذيب لله سبحانه حيث يقول في سورة الأعراف : ( اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ) (١).

وقال تعالى في سورة ص : ( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ ) (٢).

وقال تعالى في سورة ألم السجدة : ( وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (٣).

فإنّ هذه الآيات الشريفة صريحة في أنّها تمتلئ بإبليس وأتباعه ، فكيف يقال : لا تمتلئ حتّى يضع قدمه؟!

ولعلّ الذي أوهم أبا هريرة وأنسا ، أو الرواة عنهما ، هو قوله تعالى :

( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) (٤) ، حيث تخيّلوا منه أنّها لا تزال تقول : « هل من مزيد » ولم تمتلئ بالعصاة أصلا ، لا في حين سؤال الله تعالى لها عن امتلائها!

وغفلوا عن بقية الآيات المذكورة ، فأحدثوا رواية خيالية ، وكذبوا على حسب ما تقتضيه عقولهم ، وأخذ عنهم الخرافيّون والقصصيّون من دون معرفة أيضا.

ولا يخفى أن قول أبي هريرة : « ولا يظلم الله من خلقه أحدا » (٥) دالّ على أنّه سبحانه لو ألقى فيها أحد غير من فيها كان ظالما له ، وهو خلاف

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ : ١٨. منه قدس‌سره.

(٢) سورة ص ٣٨ : ٨٥. منه قدس‌سره.

(٣) سورة السجدة ٣٢ : ١٣. منه قدس‌سره.

(٤) سورة ق ٥٠ : ٣٠.

(٥) صحيح البخاري ٦ / ٢٤٦ ح ٣٤٤ وج ٩ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ح ٧٥.

١٦٥

مذهب الأشاعرة (١)!

كما لا يخفى سخافة هذا ؛ لأنّ معناه أنّ الله سبحانه يعذّب نفسه إجابة لطلب النار ولا يظلم من خلقه أحدا!

ولا أدري أتحترق رجل ربّهم المدّعى فتطلب من الله المزيد ، أم تبقى تحت آلام النار بالتخليد؟!!

[ ١٣ ـ حديث خلق الله آدم على صورته ]

ومنها : ما رواه مسلم ، في باب النهي عن ضرب الوجه ، من كتاب البرّ والصلة والآداب ، عن أبي هريرة ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا قاتل أحدكم (٢) أخاه فليجتنب الوجه ، فإنّ الله خلق آدم على صورته » (٣).

ونحوه في مسند أحمد (٤).

__________________

(١) إذ يقولون : إنّه لا يقبح من الله شيء ، ولا يجب عليه شيء ، وله أن يعذّب المؤمنين بالنار ، ويدخل الكافرين الجنّة ، وله أن يؤلم الأطفال في الآخرة ، وكلّ هذا عدل منه ، لأنّه في ملكه ، ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون.

انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ١١٥ ـ ١١٦ ، المسائل الخمسون : ٦١ ، تفسير الفخر الرازي ٧ / ١٤٤ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٠.

(٢) كان في الأصل : « أحدهم » ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) صحيح مسلم ٨ / ٣٢.

(٤) مسند أحمد ٢ / ٢٤٤ و ٤٦٣. منه قدس‌سره.

وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٩ / ٤٤٤ ح ١٧٩٥٠ ، مسند الحميدي ٢ / ٤٧٦ ح ١١٢١ ، مسند عبد بن حميد : ٢٨٣ ح ٩٠٠ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٢٢٨ ح ٥١٦ ، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ : ٣٦ ـ ٣٧ ، الشريعة ـ للآجري ـ : ٣١٩ ح ٧٣٤ و ٧٣٦ ، الأسماء والصفات ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٧.

١٦٦

وروى فيه (١) ، عن أبي هريرة أيضا ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ، ولا يقل : قبّح الله وجهك ، ووجه من أشبه وجهك ، فإنّ الله خلق آدم على صورته ».

فهذه الأخبار قد أثبتت لله صورة مثل صورة الإنسان ، وشبّهته بخلقه ، وهو تجسيم وكفر ولا يمكن تأويلها ، فقبّح الله وجه من زوّرها! وكم لهم مثلها!

روى البخاري في تفسير سورة ( ن * وَالْقَلَمِ ) ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « يكشف ربّنا عن ساقه ، فيسجد له كلّ مؤمن ومؤمنة » (٢).

وروى أيضا في تفسير سورة الزمر : « إنّ حبرا جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمّد! إنّا نجد أنّ الله يجعل السموات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر [ على إصبع ] ، والماء [ والثرى ] على إصبع ، وسائر الخلائق على إصبع ، فيقول : أنا الملك.

فضحك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ، ثمّ قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) (٣) » (٤).

__________________

(١) مسند أحمد ٢ / ٢٥١ و ٤٣٤. منه قدس‌سره.

وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٩ / ٤٤٥ ح ١٧٩٥٢ ، مسند الحميدي ٢ / ٤٧٦ ح ١١٢٠ ، الأدب المفرد : ٦٧ ح ١٧٣ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ح ٥١٩ و ٥٢٠ ، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ : ٣٦ ، الشريعة ـ للآجري ـ : ٣١٩ ح ٧٣٧ ، الأسماء والصفات ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٧.

(٢) صحيح البخاري ٦ / ٢٧٩ ح ٤١٢ ، وانظر : مسند أبي عوانة ١ / ١٤٦ ح ٤٣٣ ، مصابيح السنّة ٣ / ٥٢٩ ح ٤٢٩٤ ، مشكاة المصابيح ٣ / ٢٠٠ ح ٥٥٤٢ وقال : « متّفق عليه ».

(٣) سورة الأنعام ٦ : ٩١.

(٤) صحيح البخاري ٦ / ٢٢٥ ح ٣٠٦.

١٦٧

وروى نحوه في آخر صحيحه ، في كتاب التوحيد ، في باب قوله : ( إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا ) (١) (٢).

وفي باب كلام الربّ يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم (٣).

وروى مسلم نحو ذلك في باب صفة القيامة والجنّة والنار ، من كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (٤).

وروى فيه أيضا : « إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ قال : ] يأخذ الله سماواته وأرضيه بيده فيقول : أنا الله ؛ ويقبض أصابعه ويبسطها ويقول : أنا الملك » (٥).

وروى البخاري ، في باب قول الله : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) (٦) ، من كتاب التوحيد ، في حديث طويل عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فيه : « وتبقى هذه الأمّة ... ، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون ، فيقول : أنا ربّكم.

فيقولون : أنت ربّنا ؛ فيتبعونه ـ إلى أن قال : ـ ثمّ يفرغ الله من القضاء

__________________

(١) سورة فاطر ٣٥ : ٤١.

(٢) صحيح البخاري ٩ / ٢٤٠ ح ٧٧.

(٣) صحيح البخاري ٩ / ٢٦٤ ح ١٣٩.

(٤) صحيح مسلم ٨ / ١٢٥ ـ ١٢٦ ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦ ح ٣٢٣٨ و ٣٢٣٩ ، مسند أحمد ١ / ٤٢٩ و ٤٥٧ ، مسند أبي يعلى ٩ / ٩٣ ح ٥١٦٠ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ح ٥٤١ ـ ٥٤٣ ، تفسير الطبري ١١ / ٢٥ ح ٣٠٢١٧ ـ ٣٠٢٢٢ ، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ : ٧٦ ـ ٧٧ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٢١٣ ح ١ / ٧٢٨ و ٧٢٨٢ ، الشريعة ـ للآجري ـ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ح ٧٥٠ ـ ٧٥٣ ، الأسماء والصفات ـ للبيهقي ـ ٢ / ٦٧ ـ ٦٩ ، مصابيح السنّة ٣ / ٥٢٣ ح ٤٢٧٩.

(٥) صحيح مسلم ٨ / ١٢٦ ـ ١٢٧ ، وراجع الهامش السابق.

(٦) سورة القيامة ٧٥ : ٢٢ و ٢٣.

١٦٨

بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار ، هو آخر أهل النار دخولا إلى الجنّة ، فيقول : أي ربّ! اصرف وجهي عن النار؟ فيدعو بما يشاء أن يدعوه ، ثمّ يقول الله : هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسألني غيره.

فيقول : لا وعزّتك ، لا أسألك غيره ؛ ويعطي ربّه من عهود ومواثيق ما شاء ، فيصرف الله وجهه عن النار ».

ثمّ ذكر ما حاصله : « إنّه يسأل أيضا القرب من الجنّة ، فيقول الله : ما أغدرك! فيدعو الله ويعطيه المواثيق أن لا يسأله غيره ، فيقدّمه إلى باب الجنّة ، ثمّ يقول : أي ربّ! أدخلني الجنّة؟

فيقول الله : ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت. ويقول : يابن آدم! ما أغدرك!

فلا يزال يدعو حتّى يضحك الله منه ، فإذا ضحك منه قال له : ادخل الجنّة » (١).

وروى مسلم نحوه في باب رؤية المؤمنين في الآخرة لربّهم ، من كتاب الإيمان ، وقال فيه : « فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول : أنا ربّكم.

فيقولون : نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا ، فإذا جاء ربّنا عرفناه ؛ فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون » (٢).

__________________

(١) صحيح البخاري ٩ / ٢٢٨ ـ ٢٣١ ح ٦٥ ، وانظر : ج ٢ / ٢ ـ ٤ ح ١٩٣ وج ٨ / ٢١١ ـ ٢١٤ ح ١٥٦.

(٢) صحيح مسلم ١ / ١١٣ ، وانظر : مسند أحمد ١ / ٣٩١ ـ ٣٩٢ و ٤١٠ ـ ٤١١ وج ٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، المعجم الكبير ١٠ / ٩ ـ ١٠ ح ٩٧٧٥ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم _ :

١٦٩

.. إلى غير ذلك من خرافاتهم التي ينكر القلم نشرها لولا إرادة التنبيه على سقطاتهم ، ولولا نسبتها إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما ضرّنا روايتهم لها ، وإنّا لنعلم أنّ الخرافيّين والقصّاصين منهم ، كأبي هريرة وأضرابه ، إنّما أخذوا رواية خلق آدم على صورته ـ ونحوها من الهزليّات ـ عن اليهود والنصارى (١) ، فلولا نسبتها إلى النبيّ لهان أمرها!

* * *

__________________

٢٠٦ ـ ٢٠٩ ح ٤٧٥ ـ ٤٧٩ ، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٢٥٨ ـ ٢٦١ ح ٧٣٨٦ ـ ٧٣٨٨ ، الشريعة ـ للآجري _ : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ح ٦٥٨ ، الإيمان ـ لابن مندة ـ ٢ / ٧٨٤ ـ ٧٩٠ ح ٨٠٣ ـ ٨٠٧ ، الأسماء والصفات ـ للبيهقي ـ ٢ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، مصابيح السنّة ٣ / ٥٤٤ ـ ٥٤٧ ح ٤٣٢٤ ـ ٤٣٢٦.

(١) الكتاب المقدّس : سفر التكوين / الأصحاح ٥ الفقرة ١.

١٧٠

لزوم المحالات من إنكار عصمة الأنبياء

قال المصنّف ـ طيّب الله ثراه ـ (١) :

فيلزمهم من ذلك محالات :

منها : جواز الطعن على الشرائع وعدم الوثوق بها ، فإنّ المبلّغ إذا جوّزوا عليه الكذب وسائر المعاصي جاز أن يكذب عمدا أو نسيانا ، أو يترك شيئا ممّا أوحي إليه ، أو يأمر من عنده ، فكيف يبقى اعتماد على أقواله؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٥٧.

١٧١

وقال الفضل (١) :

قد علمت في ما سبق مذهب الأشاعرة ، وأنّهم لا يجوّزون الكذب عمدا على الأنبياء ولا سهوا (٢) ، وهذا مذهبهم.

وأمّا السهو في غير الكذب فيجوّزونه ولا بأس فيه ؛ لأنّ الله هو الذي يوقع عليه السهو ليجعله سببا للتشريع (٣).

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٦٩.

(٢) انظر الصفحة ٢٠ من هذا الجزء.

(٣) التبصرة في أصول الفقه : ٥٢٤ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ٢ / ١١٦ ـ ١١٧ ، شرح المقاصد ٥ / ٤٩ ـ ٥١ ، شرح المواقف ٨ / ٢٦٣ و ٢٦٥.

١٧٢

وأقول :

لا وجه لإنكار تجويزهم الكذب على الأنبياء سهوا ، فإنّ الخصم نفسه قد نقل سابقا عنهم الخلاف في تجويز الكذب في التبليغ سهوا (١).

ونحن نقلنا عن « المواقف » أنّ أكثرهم أجازوا صدور الكبائر عنهم سهوا ومنها الكذب في غير التبليغ (٢).

ومعلوم أنّه يكفي في لزوم المحال تجويزهم الكذب سهوا في التبليغ وغيره فضلا عن العمد ، فيجوز أن يكذب النبيّ ويأمر من عنده سهوا ، بل يترك للسهو شيئا ممّا أوحي إليه ، إذ ليس هو من موارد العصمة ولا يقتضيها مذهبهم ، ولذا رووا ـ كما سبق ـ أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسي بعض آيات الكتاب العزيز (٣) ، بل عرفت أنّ كثيرا منهم قالوا بعدم عصمتهم عن الكبائر عمدا (٤) ، فيجوز أن يترك ما أوحي إليه عمدا ، ويكذب في غير التبليغ عمدا وقصدا ، بل وفي التبليغ كما تقتضيه رواية الغرانيق (٥) ، بل مقتضى هذه الرواية وقوع الكفر عنهم عمدا كما تساعد عليه رواية شكّ إبراهيم عليه‌السلام ونحوها (٦).

ومن نظر إلى الأدلّة التي استدلّ بها بعضهم على ذنوب الأنبياء كما في

__________________

(١) انظر الصفحة ٢٠ من هذا الجزء.

(٢) راجع الصفحة ٢٨ من هذا الجزء ، وانظر : المواقف : ٣٥٨.

(٣) انظر الصفحة ١٤٤ ـ ١٤٥ من هذا الجزء.

(٤) انظر الصفحتين ٣٢ و ٣٣ من هذا الجزء.

(٥) انظر الصفحات ١٨ و ٢٥ و ٣٥ فما بعدها من هذا الجزء.

(٦) انظر الصفحة ١٠٣ من هذا الجزء.

١٧٣

« المواقف » (١) ، عرف أنّهم أجازوا عليهم كلّ ذنب ، وهو الذي تقتضيه الروايات التي ذكرها المصنّف وغيرها ، فمع هذا كيف يعتمد على الأنبياء ، إذ لا أقلّ من احتمال السهو فيهم والنسيان؟!

وأمّا ما ذكره من التشريع فقد عرفت ما فيه (٢).

* * *

__________________

(١) المواقف : ٣٦١ ـ ٣٦٥.

(٢) انظر الصفحة ٥٥ وما بعدها من هذا الجزء.

١٧٤

قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ (١) :

ومنها : إنّه إذا فعل المعصية فإمّا أن يجب علينا اتّباعه فيها ، فيكون قد وجب علينا فعل ما وجب تركه واجتمع الضدّان ، وإن لم يجب انتفت فائدة البعثة.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٥٧.

١٧٥

وقال الفضل (١) :

قد ذكرنا هذا الدليل في ما مضى من قبل الأشاعرة (٢) ، وهو حجّة على من يجوّز المعاصي على الأنبياء ، وهذا ليس مذهب الأشاعرة ، والصغائر التي يجوّزونها ما يقع على سبيل الندرة ، ولا يقدح هذا في ملكة العصمة كما قدّمنا (٣) ، ويجب أن يكون في محلّ يعلم أنّها واقعة منهم على سبيل الندرة ، والنبيّ يبيّن أنّ هذا ليس محلّ المتابعة.

وبالجملة : قد قدّمنا أنّ تجويز المعصية على الأنبياء مطلقا محلّ تأمّل (٤) ؛ لهذا البرهان ، والله أعلم.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٧٠.

(٢) انظر الصفحتين ٢١ و ٢٢ من هذا الجزء.

(٣) انظر الصفحة ٢٣ ـ ٢٥ من هذا الجزء.

(٤) لا محلّ لهذا التأمّل ، إذ لا يمكن الفصل بين مفردات المعصية ؛ للملازمة بينها بناء على وحدة الملاك.

١٧٦

وأقول :

هذا الدليل جار في الصغائر والكبائر بلا فرق ، فالتفصيل بينهما لا وجه له وإن وقعت الصغيرة على وجه الندرة ، كما لا فرق في جريانه بين العمد والسهو ، لكنّ الأشاعرة أجازوا الكبائر عليهم سهوا وأجازها بعضهم عمدا كما سبق (١).

وأيضا : لم يقيّدوا وقوع الصغيرة بالندرة ، وبيان أنّها ليست محلّ الاتّباع كما زعمه الخصم لضيق الخناق ، على أنّه لا نفع فيه ، إذ لو بيّن النبيّ أنّ ذلك ليس محلّ الاتّباع لم يعتمد عليه ، لأنّه في محلّ المعصية والإقرار بها فتنتفي فائدة البعثة ، ولعلّه في هذا البيان كان ساهيا أو موهما وليس ذلك بمحال عندهم!

ولو سلّم ، فهو مصحّح أيضا لوقوع الكبيرة ، والخصم لا يقول به.

وأجاب القوشجي عن الدليل بأنّه لا يجب الاتّباع إلّا في ما يتعلّق بالشريعة وتبليغ الأحكام ، لا في ما يصدر عن بذلة وطبع (٢).

وفيه : إنّ فعل النبيّ كلّه ممّا يتعلّق بالشريعة ، ولذا عدّوا فعله من

__________________

(١) انظر الصفحة ٢٨ وما بعدها من هذا الجزء.

(٢) شرح التجريد : ٤٦٤.

والبذلة : الثوب الخلق ، وكلّ ما لا يصان من الثياب ، على الاستعارة هنا تشبيها للفعل الخسيس الساقط به ؛ انظر : تاج العروس ١٤ / ٤٨ مادّة « بذل ».

والطّبع : الوسخ الشديد من الصدأ ، ومجازا : هو الشّين والعيب في دين أو دنيا ؛ انظر : تاج العروس ١١ / ٣١٨ مادّة « طبع ».

والمراد منهما هنا : هو الكلام الصادر على عواهنه من غير رويّة وحساب دقيق.

١٧٧

السنّة كقوله وتقريره ، ولو لم يجب اتّباع فعله لما صحّ الاستدلال بالأخبار الناقلة له ، وهو خلاف الضرورة ، وكلّ عاقل إذا رأى المشرّع فاعلا لشيء يستدلّ به على جوازه.

فظهر أنّ ذكرهم لهذا الدليل قول بلا عمل ، بل بلا قول في الكبائر سهوا والصغائر مطلقا ، وهو إنّما ذكره بعضهم تبعا للإمامية ، ولذا لم يلتزموا بلوازمه.

* * *

١٧٨

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ (١) :

ومنها : إنّه لو جاز أن يعصي لوجب إيذاؤه والتبرّي منه ؛ لأنّه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لكن الله تعالى قد نصّ على تحريم إيذاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) (٢).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٥٧.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

١٧٩

وقال الفضل (١) :

قد ذكرنا هذا الدليل من قبل الأشاعرة (٢) ، وهو حجّة على من يجوّز الكبائر ..

وأمّا الصغائر ، فمن لم يباشر الكبيرة ، فهو معفوّ عنه ، فلا زجر ولا تعنيف ولا إيذاء.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٧٠.

(٢) انظر الصفحة ٢١ ـ ٢٢ من هذا الجزء.

١٨٠