دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٤

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: ٤٤٢

ولا أدري أيّ نبوّة لمن يخشى على نفسه من رسول الله إليه؟! ..

وأيّ رسالة لمن يحقّقها بقول نصراني ، ويتعرّفها بقول امرأة ، حتّى تثبّته عليها بذلك الطريق الوحشي؟!

ولعمري إنّ امرأة تثبّت نبيّا نبوّته وتعلّمه بها لأحقّ منه بالنبوّة! وعلى ذلك يكون ورقة وخديجة أوّل الناس إسلاما والسابقين فيه حتّى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا بالخرافات والكفر أشبه!

الثالث : إنّه كيف يريد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلقاء نفسه من شواهق الجبال وهو فعل من لا عقل له ، وقد حرّمه الشرع كتابا وسنّة! حتّى روى أحمد (١) ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : « من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يردى في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها ».

فيا حسرة لسيّد النبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! ويا أسفا على شأنه من شانئيه! مرّة ينسبونه إلى الهجر في القول ، ومرّة إلى الهجر في العمل ، لعمر الله لقد فضحنا هؤلاء المتّسمون بالمسلمين عند الملل الخارجة!

فيا هل ترى إذا جاء الرجل منهم وفتح أصحّ كتاب بعد كتاب الله بزعم جمهور من يدّعي الإسلام ، ونظر إلى أوّل صفحة منه ، ورأى فيها هذه الخرافة والشناعة ، كيف يقع في ذهنه الإسلام؟! وفي أيّ محلّ يجعل النبيّ الأطيب من الصدق والمعرفة والعقل؟!

وممّا يكذّب هذا الحديث ما رواه البخاري في تفسير سورة المدّثّر ، عن أبي سلمة ، قال : سألت جابر بن عبد الله : أيّ القرآن أنزل أوّل؟

فقال : ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) (٢).

__________________

(١) مسند أحمد ٢ / ٢٥٤ و ٤٣٥ و ٤٧٨ و ٤٨٨. منه قدس‌سره.

(٢) سورة المدّثّر ٧٤ : ١.

١٤١

فقلت : أنبئت أنّه : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) (١).

فقال : لا أخبرك إلّا بما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت في حراء ، فلمّا قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي ، فنوديت ، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي ، فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض ، فأتيت خديجة فقلت : دثّروني وصبّوا عليّ ماء باردا ، وأنزل [ عليّ ] : ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) (٣).

فإنّه صريح في تكذيب الحديث السابق المبنيّ على أنّ أوّل آية نزلت قوله تعالى : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) وقد يقال : إنّ الحديثين متكاذبان فيلغيان ، وهما باللغو متشابهان!

[ ٢ ـ حديث تأبير النخل ]

ومن الأخبار التي نسبوا الأنبياء فيها إلى ما لا يليق ، ما رواه مسلم في كتاب الفضائل ، في باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي (٤).

ورواه أحمد (٥) ، عن عائشة ، قالت : « إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع أصواتا

__________________

(١) سورة العلق ٩٦ : ١.

(٢) سورة المدّثّر ٧٤ : ١ ـ ٣.

(٣) صحيح البخاري ٦ / ٢٨٣ ح ٤١٧ ، وانظر : صحيح مسلم ١ / ٩٩ ، مسند أحمد ٣ / ٣٠٦ و ٣٩٢.

(٤) صحيح مسلم ٧ / ٩٥.

(٥) مسند أحمد ٦ / ١٢٣. منه قدس‌سره.

وانظر : سنن ابن ماجة ٢ / ٨٢٥ ح ٢٤٧١.

١٤٢

فقال : ما هذه الأصوات؟!

قالوا : النخل يؤبّرونه (١).

فقال : لو لم يفعلوا لصلح ـ وفي رواية : كان خيرا ـ!

فلم يؤبّروا عامئذ ، فصار شيصا (٢) ، فذكروا ذلك للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : إذا كان شيئا من أمر دنياكم فشأنكم به ، وإذا كان شيئا من أمر دينكم فإليّ ».

فليت شعري كيف لا يعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ النخل لا يصلح بغير تأبير وهو في محلّ النخل فعلا ، وفي قربه سابقا ، وقد قارب عمره الستّين أو تجاوز؟!.

ولو فرض أنّه لا يعلم ، كيف يقول : « لو لم يؤبّروا لصلح ـ أو : كان خيرا ـ »؟! فيكذب ـ حاشاه ـ من غير رويّة ، ويرسل من غير سدد!

وهل يوثق به بعد هذا أو يسترشد برأيه في الأمور العامة ومصادر الزعامة؟!

ولو نسب هذا إلى أحد لكان مسخرة لمن سمع ، وأعجوبة لمن عقل ، فكيف ينسب إلى سيّد النبيّين ، العالم بأسرار الأشياء ، المعلّم من ربّ الأرض والسماء ، الذي لا ينطق إلّا عن وحي ، ولم يعط مثله أحد جوامع الكلم؟!

__________________

(١) أبر وأبّر النخل : لقّحه ، ونخلة مؤبّرة ومأبورة ؛ انظر : لسان العرب ١ / ٤٢ مادّة « أبر ».

(٢) الشّيص : رديء التمر ، والتمر الذي لا يشتدّ نواه ويقوى وقد لا يكون له نوى أصلا ، وإنما يشيّص إذا لم يلقح ؛ انظر : لسان العرب ٧ / ٢٥٦ مادّة « شيص ».

١٤٣

[ ٣ ـ حديث إسقاط النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آيات من القرآن ]

ومنها : ما رواه البخاري في كتاب الدعوات ، في باب قول الله تعالى : ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ... ) (١) ، عن عائشة ، قالت : « سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا يقرأ في المسجد ، فقال : رحمه الله! لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها في سورة كذا وكذا » (٢).

ورواه مسلم بهذا اللفظ ، وبلفظ « أنسيتها » بدل « أسقطتها » في باب الأمر بتعهّد القرآن ، من أبواب فضائل القرآن (٣).

ورواه أبو داود ، في أوّل كتاب الحروف والقراءة ، من سننه ، عن عائشة أيضا ، بلفظ : « كأيّن من آية أذكرنيها الليلة كنت قد أسقطتها » (٤).

وهذا من أكذب الأحاديث ؛ لقوله سبحانه : ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ) (٥) ، ولأنّه أبلغ الأمور نقصا بالنبيّ ؛ لأنّ من ينسى ما أرسل به ، وما هو معجزة له ، لم يكن محلّ الوثوق والاعتماد في التبليغ ، فلا يصلح للرسالة.

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٠٣.

(٢) صحيح البخاري ٨ / ١٣٢ ح ٣١ ، وانظر : ج ٣ / ٣٣٩ ح ٢١ وج ٦ / ٣٣٤ ح ٦٣ ، مسند أحمد ٦ / ٦٢ و ١٣٨ ، مسند أبي عوانة ٢ / ٤٥٩ ح ٣٨٢٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٣ / ١٢ ، الجمع بين الصحيحين ٤ / ٩٨ ح ٣٢١٢ ، شرح السنّة ٣ / ٢٧٢.

(٣) صحيح مسلم ٢ / ١٩٠ ، وانظر : صحيح البخاري ٦ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ح ٥٧ ـ ٥٩ ، مسند أبي عوانة ٢ / ٤٥٩ ح ٣٨٢٧.

(٤) سنن أبي داود ٤ / ٣٠ ح ٣٩٧٠ ، وانظر : ج ٢ / ٣٨ ح ١٣٣١ ، مصنّف عبد الرزّاق ٣ / ٣٦١ ح ٥٩٧٥ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٣ / ١٢.

(٥) سورة الأعلى ٨٧ : ٦.

١٤٤

وروى مسلم في الباب المذكور ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : بئسما لأحدهم أن يقول : نسيت آية كيت وكيت ؛ وقال : بئسما للرجل أن يقول :

نسيت سورة كيت وكيت ، وأنسيت آية كيت وكيت (١).

فكيف يذمّ غيره على ذلك وهو يتّصف به؟!

[ ٤ ـ حديث نوم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صلاة الصبح ]

ومنها : ما رواه مسلم في باب قضاء الصلاة ، آخر كتاب المساجد ، من الأخبار الكثيرة المتضمّنة لنوم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صلاة الصبح حتّى أيقظه وأصحابه حرّ الشمس ، وفي بعضها كان أبو بكر أوّل من استيقظ ، ثمّ استيقظ عمر ، فقام عند نبيّ الله فجعل يكبّر ويرفع صوته بالتكبير حتّى استيقظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢)!

وروى البخاري نحو ذلك في كتاب التيمّم ، في باب الصعيد الطيّب وضوء المسلم ، وفي كتاب الصلاة ، في باب الأذان بعد ذهاب الوقت (٣).

فما أدري أأصدّق نوم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عبادة ربّه الواجبة ، وقد كان

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ / ١٩١ ، وانظر : صحيح البخاري ٦ / ٣٣١ ح ٥١ وص ٣٣٣ ح ٦٠ ، سنن الترمذي ٥ / ١٧٧ ح ٢٩٤٢ ، سنن النسائي ٢ / ١٥٤ ـ ١٥٥ ، سنن الدارمي ٢ / ٢٩٧ ح ٣٣٤٢ ، مسند أحمد ١ / ٤١٧ و ٤٢٣ و ٤٢٩ و ٤٣٨ و ٤٤٩ و ٤٦٣ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٢ / ٧٠ ح ٧٥٩ و ٧٦٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ٣٩٥ ، شرح السنّة ٣ / ٢٧١ ح ١٢٢٢.

(٢) صحيح مسلم ٢ / ١٣٨ ـ ١٤٢.

(٣) صحيح البخاري ١ / ١٥٢ ح ١٠ وص ٢٤٤ ح ٧١ ، وانظر : سنن أبي داود ١ / ١١٦ ـ ١١٧ ح ٤٣٥ ـ ٤٣٧ ، سنن ابن ماجة ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ح ٦٩٧ ، سنن النسائي ١ / ٢٩٧ ـ ٢٩٩ ، مسند أحمد ٤ / ٤٣٤ و ٤٤١ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ٩٤ ح ٩٨٧ ، مسند أبي عوانة ١ / ٥٦٣ ـ ٥٦٦ ح ٢٠٩٨ ـ ٢١٠١.

١٤٥

تنام عيناه ولا ينام قلبه؟! أم أصدّق ثقل نومه حتّى يحتاج إلى أن يرفع عمر صوته بالتكبير عنده؟! أم أصدّق نوم الجيش كلّه بلا حارس ، وهو ممّا لم يتّفق؟!!

وروى البخاري في أثناء أبواب التقصير ، في باب إذا نام ولم يصلّ بال الشيطان في أذنه ، وفي كتاب بدء الخلق ، في باب صفة إبليس وجنوده ، أنّه ذكر عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل نام ليله حتّى أصبح ، فقال : « ذلك رجل بال الشيطان في أذنه » (١).

ورواه مسلم في باب الحثّ على صلاة الوقت ، من كتاب صلاة المسافرين (٢).

فهل يجوز عند القوم أن يفعل الشيطان ذلك بنبيّهم؟! قبّح الله آراءهم!

[ ٥ ـ حديث ترك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة العصر ]

ومنها : ما رواه البخاري في بابين من أواخر كتاب المواقيت ، وفي باب قول الرجل : ما صلّينا ، من كتاب الأذان ، وفي أواخر كتاب الجمعة :

« إنّ عمر بن الخطّاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسبّ كفّار قريش ، قال : يا رسول الله! ما كدت أصلّي العصر حتّى كادت الشمس تغرب.

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ / ١٢١ ح ١٧٤ وج ٤ / ٢٤٩ ح ٧٩.

(٢) صحيح مسلم ٢ / ١٨٧ ، وانظر ، سنن النسائي ٣ / ٢٠٤ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٢٢ ح ١٣٣٠ ، مسند أحمد ١ / ٣٧٥ و ٤٢٧ وج ٢ / ٢٦٠ و ٤٢٧ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٢ / ١٧٣ ب‍ ١٠٠ ح ٧ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٣ / ١٥.

١٤٦

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما صلّيتها!

فقمنا إلى ضجنان (١) فتوضّأ للصلاة وتوضّأنا لها ، فصلّى العصر بعد ما غربت ، ثمّ صلّى بعدها المغرب » (٢).

ورواه مسلم في باب الدليل لمن قال : الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ، من كتاب المساجد (٣).

وهذا الحديث أسوأ من الحديث الذي قبله ؛ لأنّ ترك الصلاة في اليقظة أعظم من تركها للنوم!

فلو فرض صدق هذا الخبر كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصداقا لقوله تعالى : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) (٤)! ..

وكذلك المسلمون جميعا سوى عمر! وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخالفا لأمر الله بالسبق إلى الخيرات والمسارعة إلى المغفرة ، ولما حثّ عليه هو بنفسه من الصلاة في أوّل وقتها!

__________________

(١) كذا في الأصل ، والظاهر أنّه تصحيف ، والصواب كما في المصدر وفتح الباري ٢ / ٨٧ ـ ٨٨ ح ٥٩٦ : « بطحان » ؛ إذ إنّ وقعة الخندق كانت في المدينة ، وبطحان ـ أو : بطحان ـ : واد في المدينة ، وهو أحد أوديتها الثلاثة ، وهي : العقيق وبطحان وقناة ؛ انظر : معجم البلدان ١ / ٥٢٩ رقم ١٩٦٦.

أمّا ضجنان : فهو جبل بناحية تهامة ، وقيل : جبيل على بريدة من مكّة ، وقيل : بينه وبين مكّة ٢٥ ميلا ، وقيل غير ذلك ؛ انظر : معجم البلدان ٣ / ٥١٤ رقم ٧٧٣٩.

(٢) صحيح البخاري ١ / ٢٤٥ ح ٧٢ وص ٢٦١ ح ٣٧ وج ٢ / ٥٢ ح ٦٨ وج ٥ / ٢٤١ ح ١٤٨.

(٣) صحيح مسلم ٢ / ١١٣ ، وانظر : سنن الترمذي ١ / ٣٣٨ ح ١٨٠ ، سنن النسائي ٣ / ٨٤ ـ ٨٥ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ٩٨ ح ٩٩٥ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ٢ / ٢١٩ ، شرح السنّة ٢ / ٥١ ح ٣٩٦.

(٤) سورة الماعون ١٠٧ : ٤ و ٥.

١٤٧

وليت شعري كيف نسيها يوم الخندق ولا حرب ، وهو لم ينسها في سائر المشاهد عند تقابل الصفوف وتلاقي السيوف؟!

ولا أدري كيف عمّ النسيان المسلمين جميعا غير عمر؟!

فلا ريب أنّ استثناء عمر هو الداعي لوضع هذا الحديث وتوهين مقام الرسالة .. كما أنّ ذكره وذكر صاحبه بطرف فضيلة هو الداعي لوضع الحديث الذي قبله.

[ ٦ ـ حديث إذا لعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدا فهو له زكاة ]

ومنها : ما رواه مسلم في كتاب البرّ والصلة والآداب ، في باب من لعنه النبيّ أو سبّه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجرا ورحمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهمّ إنّما أنا بشر ، فأيّما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته ، فاجعلها له زكاة ورحمة » (١).

وفي رواية : « اللهمّ إنّما محمّد بشر يغضب كما يغضب البشر » (٢).

وروى نحو ذلك عن عائشة وغيرها (٣).

وكذا رواه البخاري في باب قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من آذيته فاجعل ذلك له قربة إليك » ، من كتاب الدعوات (٤).

__________________

(١) صحيح مسلم ٨ / ٢٥.

(٢) صحيح مسلم ٨ / ٢٦.

(٣) صحيح مسلم ٨ / ٢٤.

(٤) صحيح البخاري ٨ / ١٣٩ ح ٥٤.

١٤٨

وأخرجه أحمد (١).

وهو كذب صريح ، ونقص في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبير ؛ لأنّه مستلزم ـ وحاشا النبيّ ـ لفسقه ، لما

رواه البخاري ومسلم في كتاب الإيمان ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر » (٢)

وكيف يلعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسلما وهو

يقول : « لعن المؤمن كقتله » كما رواه مسلم في باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه ، من كتاب الإيمان (٣)

ويقول : « لا يكون اللعّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة » ..

ويقول : « لا ينبغي لصدّيق أن يكون لعّانا » ..

كما رواهما مسلم ، في باب النهي عن لعن الدوابّ ، من كتاب البرّ والصلة (٤)

__________________

(١) مسند أحمد ٢ / ٢٤٣. منه قدس‌سره.

وانظر : مسند أحمد ٢ / ٤٨٨ وج ٣ / ٤٠٠ وج ٥ / ٤٥٤ ، مسند أبي يعلى ٤ / ١٨٤ ـ ١٨٥ ح ٢٢٧١ ، المعجم الأوسط ٣ / ٦٥ ح ٢٣٣٠ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٨٩ ب‍ ٦٢ ح ٣ و ٤.

(٢) صحيح البخاري ١ / ٣٣ ح ٤٧ وج ٨ / ٢٧ ح ٧٢ وج ٩ / ٩٠ ح ٢٥ ، صحيح مسلم ١ / ٥٨ ، وانظر : سنن الترمذي ٤ / ٣١١ ح ١٩٨٣ وج ٥ / ٢٢ ح ٢٦٣٥ ، سنن النسائي ٧ / ١٢١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٢٧ ح ٦٩ وج ٢ / ١٢٩٩ ـ ١٣٠٠ ح ٣٩٣٩ ـ ٣٩٤١ ، مسند أحمد ١ / ١٧٦ و ١٧٨ و ٣٨٥ و ٤١١ و ٤٣٣ و ٤٣٩ و ٤٥٤.

(٣) صحيح مسلم ١ / ٧٣ ، وانظر : صحيح البخاري ٨ / ٢٧ ـ ٢٨ ح ٧٥ ، مسند أحمد ٤ / ٣٣ ، المعجم الكبير ٢ / ٧٢ ح ١٣٢٦ ، مسند أبي عوانة ١ / ٥٠ ح ١٢٩.

(٤) صحيح مسلم ٨ / ٢٣ ـ ٢٤ ، وانظر : سنن الترمذي ٤ / ٣٢٦ ح ٢٠١٩ ، سنن أبي داود ٤ / ٢٧٩ ح ٤٩٠٧ ، مسند أحمد ٢ / ٣٣٧ و ٣٦٦ وج ٦ / ٤٤٨ ، الأدب المفرد : ١٠٠ ح ٣١٩ و ٣٢٠ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ١١١ ح ١٤٩ ، حلية الأولياء ٣ / ٢٥٩ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١٠ / ١٩٣ ، شرح السنّة ٧ / ٣٦٥ ح ٣٥٥٤.

١٤٩

وروى مسلم في هذا الباب ، عن أبي هريرة : « أنّه قيل : يا رسول الله! ادع على المشركين؟ قال : إنّي لم أبعث لعّانا ، وإنّما بعثت رحمة » (١)

وروى فيه أيضا : « أنّه سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض أسفاره امرأة لعنت ناقتها ، فقال : خذوا ما عليها ودعوها ، فإنّها ملعونة (٢).

وفي رواية : « لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة » (٣)

مع أنّ ذلك ليس من أخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد كان كما وصفه الله تعالى : ( إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٤) ، فكيف يكون سيّئ الخلق لعّانا؟!

وروى البخاري في كتاب الآداب ، في باب لم يكن النبيّ فاحشا ولا متفحّشا ، عن أنس ، قال : « لم يكن [ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] سبّابا ، ولا فحّاشا ، ولا لعّانا ، كان يقول لأحدنا عند المعتبة ما له ترب جبينه » (٥)

وروى في الباب عن عائشة : « أنّ يهودا أتوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : السام عليكم.

__________________

(١) صحيح مسلم ٨ / ٢٤ ، وانظر : الأدب المفرد ١٠١ ب‍ ١٤٩ ح ٣٢٤ ، مسند أبي يعلى ١١ / ٣٥ ح ٦١٧٤ ، مصابيح السنّة ٤ / ٥٦ ح ٤٥٣١.

(٢) صحيح مسلم ٨ / ٢٣ ، وانظر : سنن أبي داود ٣ / ٢٦ ح ٢٥٦١ ، سنن الدارمي ٢ / ١٩٩ ح ٢٦٧٣ ، مسند أحمد ٤ / ٤٢٩ و ٤٣١ ، المعجم الكبير ١٨ / ١٩٠ ح ٤٥٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٦ / ١٦٢ ب‍ ٩٧ ح ١.

(٣) صحيح مسلم ٨ / ٢٣ ، وانظر : مسند أحمد ٤ / ٤٢٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٥ / ٢٥٤.

(٤) سورة القلم ٦٨ : ٤.

(٥) صحيح البخاري ٨ / ٢٣ ح ٥٩ وص ٢٧ ح ٧٤ ، وانظر : الأدب المفرد : ١٢٧ ح ٤٣٥ ، مسند أحمد ٣ / ١٢٦ و ١٤٤ و ١٥٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١٠ / ١٩٣.

١٥٠

فقالت عائشة : عليكم ، ولعنة الله وغضب الله عليكم.

قال : مهلا يا عائشة! عليك بالرفق ، وإيّاك والعنف والفحش » (١) .. الحديث

فكيف يكون سبّابا للمؤمنين كأقلّ البشر؟!

أو كيف يجلد أحدا جورا وهو

يقول : « المسلم من سلم الناس من يده ولسانه » كما في أوائل صحيح البخاري (٢)؟!

نعم ، ربّما يلعن بعض المنافقين وفراعنة الأمّة ، الّذين ينزون على منبره نزو القردة (٣) ؛ لكشف حقائقهم ، إذ يعلم بابتلاء الأمّة بهم ، كبني أميّة ، الشجرة الملعونة في القرآن (٤) ، لكنّ أتباعهم

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ / ٢٢ ح ٥٨ ، وانظر : ج ٤ / ١١٧ ح ١٤٦ وج ٨ / ٢١ ح ٥٣ وص ١٠٣ ح ٢٩ ، صحيح مسلم ٧ / ٤ ـ ٥ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٧ ـ ٥٨ ح ٢٧٠١ ، مسند أحمد ٦ / ٣٧ و ١٣٤ ـ ١٣٥ و ١٩٩ ، مسند أبي يعلى ٧ / ٣٩٤ ح ٤٤٢١.

(٢) صحيح البخاري ١ / ١٦ ح ٩ ، وانظر : ج ٨ / ١٨٣ ح ٧١ ، صحيح مسلم ١ / ٤٨ ، سنن أبي داود ٣ / ٤ ح ٢٤٨١ ، سنن الترمذي ٥ / ١٨ ح ٢٦٢٧ ، سنن النسائي ٨ / ١٠٥ و ١٠٧ ، سنن الدارمي ٢ / ٢٠٧ ح ٢٧١٢ ، مسند أحمد ٢ / ١٦٣ و ١٩٢ و ٢٠٥ و ٢٠٩.

(٣) إشارة إلى ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه رأى في المنام أنّ بني أميّة ينزون على منبره نزو القردة ؛ انظر : مسند أبي يعلى ١١ / ٣٤٨ ح ٦٤٦١ ، تفسير الطبري ٨ / ١٠٣ ح ٢٢٤٣٣ ، المستدرك على الصحيحين ٤ / ٥٢٧ ح ٨٤٨١ وصحّحه على شرط الشيخين وأقرّه الذهبي في « التلخيص » على شرط مسلم ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٥١١ ، تاريخ بغداد ٩ / ٤٤ ، تفسير القرطبي ١٠ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤ وقال : « رواه أبو يعلى ، ورجاله رجال الصحيح غير مصعب بن عبد الله بن الزبير وهو ثقة » ، الدرّ المنثور ٥ / ٣٠٩ ـ ٣١٠ ، كنز العمّال ١١ / ١٦٧ ح ٣١٠٦٤ وص ٣٥٨ ح ٣١٧٣٦.

(٤) تقدّم تخريج ذلك عن أمّهات مصادر القوم في ج ١ / ١٦٨ ه‍ ٤ ، فراجع.

١٥١

وضعوا الحديث الذي صيّروا فيه اللعنة زكاة ليعمّوا على الناس أمرهم ، ويجعلوا لعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم لغوا ، ودعاءه على معاوية بأن « لا يشبع الله بطنه » (١) باطلا ، فجزاهم الله تعالى عن نبيّهم ما يحقّ بشأنهم!

[ ٧ ـ حديث نفي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عذاب القبر ]

ومنها : ما رواه أحمد (٢) ، عن عائشة ، أنّ يهودية قالت لها : « وقاك الله عذاب القبر.

قالت : فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ ، فقلت : هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة؟

قال : لا ، وعمّ ذلك؟!

قالت : هذه يهودية قالت : وقاك الله عذاب القبر.

قال : كذبت يهود ، وهم على الله أكذب ، لا عذاب دون يوم القيامة.

ثمّ مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث ، فخرج ذات يوم نصف النهار مشتملا بثوبه ، محمرّة عيناه ، وهو ينادي بأعلى صوته : أيّها الناس! ستعيذوا بالله من عذاب القبر ، فإنّ عذاب القبر حقّ ».

وروى أيضا عن عائشة (٣) ، قالت : « سألتها امرأة يهودية فأعطتها ، فقالت لها : أعاذك الله من عذاب القبر ؛ فأنكرت عائشة ذلك ، فلمّا رأت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت له ، فقال : لا.

__________________

(١) انظر : أنساب الأشراف ٥ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ٢ / ١٣٥ ح ١٢٤٠ ؛ وراجع ج ١ / ١٠ ـ ١١ ه‍ ١ فقد فصّلنا تخريج الحديث هناك.

(٢) مسند أحمد ٦ / ٨١. منه قدس‌سره.

(٣) مسند أحمد ٦ / ٢٣٨. منه قدس‌سره.

١٥٢

قالت عائشة : ثمّ قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك : إنّه أوحي إليّ أنّكم تفتنون في قبوركم ».

فهذا الحديث لو صدق لا قتضى أن يكون نفي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعذاب القبر كذبا وقولا بغير علم! بل تقوّلا على الله تعالى ؛ لأنّه يخبر بما هو نبيّ ، والله سبحانه يقول : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (١).

واقتضى أن يكون قوله : « كذبت يهود » ظلما لهم وحيفا عليهم ، حمله عليه الهوى ، والله سبحانه يقول : ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (٢).

فكيف جاز لهؤلاء القوم أن ينسبوا ذلك إلى سيّد النبيّين؟!

[ ٨ ـ حديث حبّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعائشة ]

ومنها : ما رواه أحمد (٣) ، عن عائشة ، قالت : « أرسلت أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة [ بنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] فاستأذنت والنبيّ مع عائشة في مرطها (٤) ، فأذن لها ، فدخلت عليه فقالت : يا رسول الله! إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي بنيّة! ألست تحبّين ما أحبّ؟!

__________________

(١) سورة الحاقّة ٦٩ : ٤٤ ـ ٤٦.

(٢) سورة النجم ٥٣ : ٣ و ٤.

(٣) مسند أحمد ٦ / ٨٨. منه قدس‌سره.

(٤) المرط ، وجمعه مروط : كساء من خزّ أو صوف أو كتّان ؛ انظر : لسان العرب ١٣ / ٨٣ مادّة « مرط ».

١٥٣

فقالت : بلى.

فقال : أحبّي هذه لعائشة.

فقامت فاطمة وخرجت ، فجاءت أزواج النبيّ فحدّثتهنّ بما قالت وبما قال لها ..

فقلن لها : ما أغنيت عنّا من شيء ، فارجعي إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقالت فاطمة : والله لا أكلّمه فيها أبدا.

فأرسل أزواج النبيّ زينب بنت جحش ، فاستأذنت ، فأذن لها ، فدخلت فقالت : يا رسول الله! أرسلنني إليك أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة.

قالت [ عائشة ] : ثمّ وقعت بي زينب » .. الحديث.

وروى أيضا نحوه (١).

ورواه مسلم في باب فضل عائشة (٢).

وهو دالّ على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعدل بين أزواجه ، وكان يقدّم عائشة عليهنّ حبّا لها ، وهو خلاف ما أمر الله تعالى به ، مع أنّه

قد روى أحمد (٣) ، عن أبي هريرة ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى ، جاء يوم القيامة وأحد شقّيه ساقط ».

ومثله في مسند أحمد (٤).

ونحوه في سنن أبي داود ، في باب القسم بين النساء ، من كتاب

__________________

(١) مسند أحمد ٦ / ١٥٠. منه قدس‌سره.

(٢) صحيح مسلم ٧ / ١٣٥ ، وانظر : صحيح البخاري ٣ / ٣١٠ ح ١٦ ، سنن النسائي ٧ / ٦٥ ـ ٦٧.

(٣) مسند أحمد ٢ / ٣٤٧. منه قدس‌سره.

(٤) مسند أحمد ٢ / ٤٧١. منه قدس‌سره.

١٥٤

النكاح (١)

وروى البغوي في باب القسم ، من كتاب النكاح ، من ( مصابيحه ) ، من الحسان : « إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا كانت عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما ، جاء يوم القيامة وشقّه ساقط » (٢)

وليت شعري إذا عجز عدل رسول الله عن المساواة بين أزواجه اتّباعا لهواه في عائشة ، فكيف يعدل بين الناس والدواعي لخلاف العدل فيهم أكثر وأعظم؟!

وما باله لم يتّبع أمر الله تعالى ـ حاشاه ـ إذ يقول : ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ) (٣) ، فلا يتزوّج غير عائشة ، أو يطلّق من عداها ويقيم معها في مرطها؟!

ولست أعجب من عائشة في رواية مثل ذلك ، وهي لا تبالي بنقص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لإظهار حبّه لها! ولكنّ العجب ممّن يروي عنها ذلك ونحوه ولا يرعى حرمة سيّد الرسل!!

فكم رووا عنها من خرافات كثيرة متشدّقين بها ، مثل ما رواه أحمد (٤) ، عن عائشة ، قالت : « كانت عندنا أمّ سلمة ، فجاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ / ٢٤٩ ح ٢١٣٣.

(٢) مصابيح السنّة ٢ / ٤٤١ ح ٢٤١٤ ، وانظر : سنن الترمذي ٣ / ٤٤٧ ح ١١٤١ ، سنن النسائي ٧ / ٦٣ ، سنن ابن ماجة ١ / ٦٣٣ ح ١٩٦٩ ، سنن الدارمي ٢ / ١٠٠ ح ٢٢٠٢ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٦ / ٢٠٤ ح ٤١٩٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٢٩٧.

(٣) سورة النساء ٤ : ٣.

(٤) مسند أحمد ٦ / ١٣٠. منه قدس‌سره.

وانظر : سنن أبي داود ٤ / ٢٧٦ ح ٤٨٩٨ وفيه : « زينب بنت جحش » بدل « أمّ سلمة ».

١٥٥

عند جنح الليل ، قالت : فذكرت شيئا صنعه بيده ، وجعل لا يفطن لأمّ سلمة ، وجعلت أومئ إليه حتّى فطن ..

قالت أمّ سلمة : أهكذا [ الآن ]؟! أما كانت واحدة منّا عندك إلّا في خلابة (١) كما أرى ، ـ وسبّت عائشة ـ!

وجعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهاها فتأبى ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سبّيها! فسببتها [ حتّى غلبتها ].

فانطلقت أمّ سلمة إلى عليّ وفاطمة ، فقالت : إنّ عائشة سبّتها ، وقالت لكم وقالت لكم.

فقال عليّ لفاطمة : إذهبي فقولي : إنّ عائشة قالت لنا وقالت لنا.

[ فأتته ] فذكرت ذلك له ، فقال لها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّها حبّة (٢) أبيك وربّ الكعبة.

فرجعت إلى عليّ فذكرت له الذي قال لها.

فقال : أما كفاك إلّا أن قالت لنا عائشة وقالت لنا حتّى أتتك فاطمة فقلت لها : إنّها حبّة أبيك وربّ الكعبة ».

فأنت ترى أنّ عائشة قد رمت أمّ سلمة الطاهرة بأنّها سبّتها ظلما ، ولم تنته بنهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم تراع حرمته ، وأنّها أرادت الفتنة بينها وبين أمير المؤمنين والزهراء عليهما‌السلام ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يجب بضعته إلّا بأنّ عائشة حبّته!

__________________

(١) الخلابة : المخادعة ، وقيل : الخديعة باللسان ؛ انظر : لسان العرب ٤ / ١٦٥ مادّة « خلب ».

(٢) الحبّ ـ والأنثى بالهاء ـ : الحبيب والمحبوب ؛ انظر : لسان العرب ٣ / ٧ ـ ٨ مادّة « حبب ».

١٥٦

فإن كانت أمّ سلمة صادقة في ما نسبته إلى عائشة بالنسبة إلى أمير المؤمنين والزهراء ، فلم لم ينتصف من عائشة لأخيه وبضعته؟!

وإن كانت كاذبة ، فلم لم يطيّب قلبيهما بتكذيب أمّ سلمة؟!

فهل أغفله عشقه لعائشة عن ذلك كما أغفله عن العدل بين نسائه وطاعة الله تعالى ، وعن فعل ما لا يليق بشرفه وشأنه؟!

وليس هذا الخبر إلّا من وضع القصّاصين المخنّثين .. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

وروى البخاري في باب قبول الهدية ، من كتاب الهبة ، عن عائشة :

« إنّ الناس كانوا يتحرّون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

ورواه مسلم عن عائشة ، في باب فضلها (٢).

وهو أشبه بالخرافات ، إذ كيف يجمل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك الإنصاف بين أزواجه ـ تبعا لهواه ـ حتّى أظهره للناس وعرّفه العامّة فطلبوا مرضاته في مراعاة جانب عائشة؟! فأشبه العشّاق الوالهين لا رسل الله ربّ العالمين!!

فالله حسيب من ينسب إليه هذه الأباطيل الكاذبة!

وروى أحمد (٣) ، عن عائشة : « قالت : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا كنّا بالحرّ انصرفنا وأنا على جمل ، وكان آخر العهد منهم وأنا أسمع صوت

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ / ٣٠٨ ح ٩.

(٢) صحيح مسلم ٧ / ١٣٥.

(٣) مسند أحمد ٦ / ٢٤٨. منه قدس‌سره.

وانظر : مجمع الزوائد ٩ / ٢٢٨ ، مسند عائشة : ٢٦٨ ح ٧١٢.

١٥٧

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بين ظهري ذلك السمر وهو يقول : وا عروساه! » .. الحديث.

وروى عنها أيضا (١) ، قالت : « خرجت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن ، فقال للناس : تقدّموا! فتقدّموا.

ثمّ قال لي : تعالي حتّى أسابقك ؛ فسابقته ، فسبقته.

فسكت عنّي حتّى إذا حملت اللحم وبدنت ، ونسيت ، خرجت معه في بعض أسفاره ، فقال للناس : تقدّموا! فتقدّموا.

ثمّ قال : تعالي أسابقك ؛ فسابقته ، فسبقني.

فجعل يضحك وهو يقول : هذه بتلك ».

فيا عجبا كيف يصنع رسول الله ذلك وهو الوقور الذي ضحكه التبسّم ، وهو الحييّ الذي كان أشد حياء من العذراء في خدرها؟!

فهلّا غلبه الحياء أو خاف أن يستخفّه الناس إذ يأمرهم بالتقدّم وهو أميرهم ، وينفرد بزوجته ، ثمّ يسابقها ولا يخشى من ناظر ينظر؟!

وأعظم من ذلك ما رواه أحمد عنها (٢) ، قالت في حديث تزويجها بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ثمّ دخلت بي [ أمّي ] (٣) فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس على

__________________

(١) مسند أحمد ٦ / ٢٦٤. منه قدس‌سره.

وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٣٠٣ ـ ٣٠٥ ح ٨٩٤٢ ـ ٨٩٤٥ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٧١٩ ب‍ ١٦٩ ح ١ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١٠ / ١٨.

(٢) مسند أحمد ٦ / ٢١١. منه قدس‌سره.

وانظر : مجمع الزوائد ٩ / ٢٢٥ ـ ٢٢٧ عن الطبراني وأحمد ، أزواج النبيّ : ٨١ ـ ٨٣ عن الطبراني وأحمد والبيهقي.

(٣) إضافة توضيحه منه قدس‌سره.

١٥٨

سرير في بيتنا وعنده رجال ونساء من الأنصار ، فأجلستني في حجره ... فوثب الرجال والنساء [ فخرجوا ] وبنى بي » .. الحديث.

وهذا من أعجب الأحاديث وأفظعها! إذ كيف لا يستنكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الفعل الخاسر الوحشي ولا تحمله الغيرة على إباء هذا الفعل الشنيع؟!

لعمر سيّد المرسلين لو كان له عند القوم حرمة وشأن لما استمعوا إلى عائشة في نقل هذه الأمور وتناقلتها أفواههم وأقلامهم!

ولا يسع المقام استيفاء هذه الكذبات والشناعات ، وربّما تسمع بعضها في ما يأتي إن شاء الله تعالى.

[ ٩ ـ حديث فرار الحجر من النبيّ موسى عليه‌السلام ]

ومن أخبارهم التي ذكرت في الأنبياء ما لا يليق ، ما رواه البخاري في باب من اغتسل عريانا وحده ، من كتاب الغسل ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض ، وكان موسى يغتسل وحده ، فقالوا : والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلّا أنّه آدر (١).

فذهب مرّة يغتسل ، فوضع ثوبه على حجر ، ففرّ الحجر بثوبه ، فخرج موسى في أثره يقول : ثوبي يا حجر! ثوبي يا حجر! حتّى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى ، فقالوا : والله ما بموسى من بأس.

وأخذ ثوبه ، فطفق بالحجر ضربا!

__________________

(١) الأدرة : نفخة في الخصية ، ويقال : رجل آدر ؛ انظر : لسان العرب ١ / ٩٤ مادّة « أدر ».

١٥٩

فقال أبو هريرة : والله إنّه لندب بالحجر ستّة أو سبعة ضرب بالحجر » (١).

وروى نحوه أيضا في كتاب بدء الخلق ، بعد حديث الخضر مع موسى (٢).

وروى نحوه مسلم ، في فضائل موسى ، وفي باب تحريم النظر إلى العورات ، وقال فيه : « حتّى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى » (٣).

ولا أدري من أيّ شيء أعجب؟! ..

أمن هتك الله نبيّه المقرّب وإيذائه إيّاه لمجرّد دفع وهم الجاهلين في ما لا يضرّ؟!

أم من انحصار طرق التبرئة على الله بإخراجه إلى الملأ عاريا عاديا؟!

أم من خروج موسى لقومه بادي العورة وارتكابه الحرام؟!

أم من تأديبه لما لا يعقل؟!

أم من عدم تصوّر موسى عليه‌السلام أنّ عدو الحجر إنّما هو من أمر الله وفعله فلا يستحقّ الضرب؟!

انظر وتبصّر! ولا أعدّ هذه الخرافة من مختصّات أبي هريرة ، بل

__________________

(١) صحيح البخاري ١ / ١٢٩ ح ٣٠.

(٢) صحيح البخاري ٤ / ٣٠٥ ح ٢٠٤.

(٣) صحيح مسلم ١ / ١٨٣ وج ٧ / ٩٩ ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٣٣٥ ح ٣٢٢١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٦ / ٤٣٧ ح ١١٤٢٤ ، مسند أحمد ٢ / ٣١٥ ، تفسير الطبري ١٠ / ٣٣٧ ح ٢٨٦٧٣ ـ ٢٨٦٧٥ ، تفسير البغوي ٣ / ٤٧٠ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١٦١.

١٦٠