الزبدة الفقهيّة - ج ٦

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-59-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٤٨

١
٢

٣
٤

كتاب الوصايا

(كتاب الوصايا) وفيه فصول :

(الأول الوصية) مأخوذة (١) من وصى يصي ،

______________________________________________________

(١) الوصية مأخوذة من الثلاثي وصى يصي وصيا ، كما عن الشيخ في المبسوط والعلامة في التذكرة والمحقق في جامع المقاصد ، والوصي هو الوصل ، والوصية مأخوذة من الوصل لما فيها من وصل القربات الواقعة في حال الحياة بالقربات الواقعة بعد الممات ، أو لما فيها من وصل التصرف في حال الحياة بالتصرف الواقع بعد الممات ، وعليه فالوصية اسم مصدر.

والظاهر أن الوصية مأخوذة من الرباعي المضاعف وصّى يوصّي إيصاء ، أو من الرباعي المهموز أوصى يوصي توصية ، وهي اسم مصدر حينئذ بمعنى العهد ، ففي لسان العرب (أوصى الرجل ووصّاه : عهد إليه) ، ويشهد له تتبع استعمالها في القرآن الكريم ، قال تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) (١) ، وقال تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) (٢) ، وقال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ حُسْناً) (٣).

ومنه يظهر ضعف القول الأول ، ويظهر ضعف التردد من الشارح وغيره بأن الوصية قد تكون من الثلاثي وقد تكون من الرباعي ، بل قد عرفت تعين اشتقاق الوصية من الرباعي وأنها بمعنى العهد.

هذا ولا ريب في مشروعيتها ، قال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (٤) ، وقال تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا ـ

__________________

(١ و ٢) سورة النساء ، الآيتين : ١١ و ١٢.

(٣) سورة العنكبوت ، الآية : ٨.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ١٨٠.

٥

أو أوصى يوصي ، أو وصّى يوصّي ، وأصلها الوصل ، وسمي هذا التصرف وصية لما فيه من وصلة التصرف في حال الحياة به بعد الوفاة ، أو وصلة القربة في تلك الحال بها في الحالة الأخرى. وشرعا (١): (تمليك عين ، أو منفعة ، أو تسليط على)

______________________________________________________

ـ أَوْ دَيْنٍ) (١) ، وللأخبار.

منها : خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (الوصية حق وقد أوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فينبغي للمسلم أن يوصي) (٢) ، ومرسل المفيد في المقنعة (قال عليه‌السلام : ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه) (٣) ، ومرسله الآخر (قال عليه‌السلام : من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية) (٤) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من لم يحسن عند الموت وصيته كان نقصا في مروته وعقله) (٥) ، وفي خبر آخر (من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصا في مروته ولم يملك الشفاعة) (٦).

(١) عرفها المحقق في الشرائع بأنها تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة ، ونسب ذلك إلى أكثر الأصحاب ، وأشكل عليه بأنه غير جامع لعدم شموله الولاية إلى الغير بإنفاذ الوصية ، والولاية على الأطفال والمجانين الذين تجوز له الوصية عليهم ، مع أنها من الوصية ، ولذا زاد المحقق في النافع والشهيد على التعريف (أو تسليط على تصرف بعد الوفاة).

وقد قيل : إن الوصية غير الوصاية فلا يحتاج إلى الاحتراز عنها ، ولذا عنون الشهيد في الدروس كل واحد منها تحت عنوان وأشكل على هذا التعريف بأنه غير جامع أيضا بالوصية بالعتق ، فإنه فك ملك لا تمليك العبد نفسه ، وكذلك التدبير على القول بأنه وصية كما ذهب إليه الأكثر ، والوصية بإبراء المديون وبوقف المسجد ، فإنه فك ملك ، وبالوصية بالمضاربة والمساقاة ، فإنهما وإن أفادا ملك العامل للحصة من الربح والثمرة على تقدير ظهورهما ، إلا أن حقيقتهما ليست كذلك ، بل قد لا يحصل ربح ولا ثمرة فينتفي التمليك ، وهذا الإشكال أورده الشارح هنا وفي المسالك.

وقد رده صاحب الجواهر بقوله : (اللهم إلا أن يريدوا من ذلك أحد أفراد الوصية ، ولعل الظاهر ذلك ، وحينئذ فلا وجه لنقض التعريف المذكور بالوصاية وبالوصية بإبراء المديون) إلى آخر كلامه ، ومراده أنهم يريدون من الوصية خصوص الوصية التمليكية لا الأعم منها ومن العهدية.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٢.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الوصايا حديث ١ و ٧ و ٨.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوصايا حديث ١ و ٢.

٦

تصرف بعد الوفاة) فالتمليك بمنزلة الجنس يشمل سائر التصرفات المملكة من البيع ، والوقف ، والهبة. وفي ذكر العين والمنفعة تنبيه على متعلقي (١) الوصية ، ويندرج في العين : الموجود منها بالفعل كالشجرة ، والقوة كالثمرة المتجددة ، وفي المنفعة (٢) المؤبدة (٣) ، والمؤقتة (٤) والمطلقة (٥) ، ويدخل في التسليط على التصرف الوصاية إلى الغير بانفاذ الوصية ، والولاية على من (٦) للموصي عليه ولاية ، ويخرج ببعدية الموت الهبة ، وغيرها من التصرفات المنجّزة في الحياة المتعلقة بإحداهما (٧) ، والوكالة (٨) لأنها تسليط على التصرف في الحياة.

وينتقض في عكسه (٩) بالوصية بالعتق ، فإنه فك ملك ، والتدبيرية به عند الأكثر ، والوصية المديون ، وبوقف المسجد ، فإنه فك ملك أيضا ، وبالوصية بالمضاربة والمساقاة فإنهما وإن أفادا ملك العامل الحصة من الربح والثمرة على تقدير ظهورهما ، إلا أن حقيقتهما ليست كذلك ، وقد لا يحصل ربح ، ولا ثمرة فينتفي التمليك.

(وإيجابها (١٠) : أوصيت) لفلان بكذا ، (أو افعلوا كذا بعد وفاتي) هذا

______________________________________________________

(١) أي أن الوصية تارة تتعلق بالعين وأخرى بالمنفعة.

(٢) أي ويندرج في المنفعة.

(٣) ما لو أوصى بسكنى الدار أبدا.

(٤) ما لو أوصى بسكنى الدار سنة.

(٥) ما لو أوصى بسكنى الدار من غير تقييد.

(٦) كالطفل والمجنون.

(٧) أي بالعين أو المنفعة.

(٨) أي وتخرج ببعدية الموت الوكالة.

(٩) فلا يكون جامعا وقد تقدم.

(١٠) اعلم أن الوصية على قسمين : تمليكية وعهدية ، فالأولى الوصية بتمليك شي‌ء من ماله بعد وفاته لشخص ، والثانية الوصية بالتصرف بشي‌ء يتعلق ببدنه أو ماله بعد الوفاة لشخص.

والمشهور على أن الوصية التمليكية من العقود فتحتاج إلى قبول ، لأن القول بثبوت الملك للموصى له من غير قبوله موجب لإلحاق ضرر المنّة عليه ، ولأن الموصى به قد يكون شيئا يتضرر به الموصى له كالعبد الأعمى والزمن والمقعد ، فلو لزمه الملك من غير قبوله ـ

٧

القيد (١) يحتاج إليه في الصيغة الثانية خاصة ، لأنها أعم مما بعد الوفاة ، أما الأولى فمقتضاها كون ذلك بعد الوفاة ، (أو لفلان بعد وفاتي كذا) ، ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على المعنى المطلوب.

______________________________________________________

ـ لحقه الضرر من غير التزام منه ، ولأن الموصى به لو دخل في ملك الموصى له من غير قبول لكان الموصي صاحب سلطنة على الموصى له بإدخال ما يشاء في ملكه ، وهو مناف لسلطنته على نفسه.

وذهب البعض إلى أنها من الإيقاعات فلا تحتاج إلى القبول ، لأنها لو كانت عقدا لوجب التوالي بين الإيجاب والقبول مع أنه غير واجب إذ يجوز إيقاع القبول بعد الوفاة ، ولأن القبول على فرض اشتراطه في الوصية إنما يكون بعد وفاة الموصي على مبنى المشهور وهذا يتم بعد بطلان الإيجاب بموت الموصي ، فاشتراط القبول بعد بطلان الإيجاب كضم الحجر إلى جنب الإنسان.

وعلى فرض اشتراط القبول فهو شرط إذا كانت الوصية التمليكية لمعيّن كزيد ، وأما إذا كانت لغير معيّن كالفقراء فلا يشترط القبول ، لأن اعتباره من الجميع متعذر ومن البعض ترجيح بلا مرجح فيسقط اعتباره كما عن العلامة في التذكرة وجماعة ، وعن سيد الرياض اشتراط القبول مطلقا ولو كانت لغير معين ويتولاه الحاكم.

وعلى كل فالوصية التمليكية إن كانت من العقود فهي عقد جائز بلا خلاف لجواز رجوع الموصي فيما أوصى به ما دام حيا.

وأما الوصية العهدية فلا تحتاج إلى القبول على المشهور ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه كما في الحدائق ، وفي الجواهر : (أنها بهذا المعنى ليست من العقود قطعا بل ضرورة).

ثم إن إيجابها منعقد بكل لفظ دال عليها ، سواء كان لفظا مخصوصا وهو : أوصيت ، أو مشتركا مع قيام القرينة الدالة على خصوص الوصية كأن يقول : اعطوا فلانا بعد وفاتي كذا وكذا مع أنه يستعمل في الأمر كاستعماله في الوصية ، قال الشارح في المسالك : (واعلم أن التقييد بقوله بعد وفاتي في الإيجاب إنما يفتقر إليه في اللفظ المشترك بينه وبين غيرها ، كقوله اعطوا فلانا ، المشترك بين الوصية والأمر ، وقوله : لفلان كذا ، المشترك بينها وبين الإقرار له ، فلا بدّ من مائز يخرج ما يحتمله اللفظ من غيرها ، وهو يحصل بقوله : بعد وفاتي.

وأما قوله : أوصيت له بكذا فلا يفتقر إلى القيد ، لأنه صريح في العطية ونحوها بعد الموت) انتهى.

(١) أي بعد وفاتي.

٨

(والقبول الرضا) بما دل عليه الإيجاب ، سواء وقع باللفظ (١) أم بالفعل (٢) الدال عليه (٣) كالأخذ ، والتصرف ، وإنما يفتقر إليه (٤) في من يمكن في حقه كالمحصور لا غيره كالفقراء ، والفقهاء ، وبني هاشم ، والمسجد ، والقنطرة كما سيأتي.

واستفيد من افتقارها (٥) إلى الإيجاب والقبول أنها من جملة العقود ، ومن جواز رجوع الموصي ما دام حيا ، والموصى له كذلك (٦) ما لم يقبل بعد الوفاة كما سيأتي أنها من العقود الجائزة ، وقد تلحق باللازمة على بعض الوجوه كما يعلم ذلك من القيود (٧).

ولما كان الغالب عليها حكم الجواز لم يشترط فيها القبول اللفظي (٨) ، ولا مقارنته (٩) للإيجاب ، بل يجوز مطلقا سواء(تأخر) عن الإيجاب ، (أو قارن).

______________________________________________________

(١) أي باللفظ الدال على الرضا بالإيجاب.

(٢) كذلك الدال على الرضا بالإيجاب ، وقد تقدم جريان المعاطاة بالبيع فهنا أولى.

(٣) على الرضا بالإيجاب.

(٤) إلى القبول.

(٥) أي افتقار الوصية التمليكية.

(٦) أي ما دام حيا.

(٧) بحيث لو مات الموصي وقد قبل الموصى له بعد الوفاة فتصير الوصية لازمة.

(٨) بل لا يشترط القبول اللفظي في العقود اللازمة على ما تقدم بيانه في البيع.

(٩) لا يشترط مقارنة القبول للإيجاب لجواز وقوع القبول بعد الوفاة مع كون الإيجاب في زمن الحياة بلا خلاف من أحد بناء على اشتراط الوصية بالقبول.

وإنما وقع الخلاف بينهم في اشتراط وقوع القبول بعد الوفاة ، أو جواز وقوعه في زمن حياة الموصي ، ذهب الأكثر إلى الثاني ، لأن القبول في زمن الحياة قبول ما نقل إليه من الملك على الوجه الذي نقل إليه وإن لم يكن في وقته ، بل كما صح وقوع الإيجاب قبل وقت الانتقال فالقبول كذلك.

وذهب البعض منهم العلّامة والمحقق الثاني إلى الأول ، لأن القبول في حياة الموصي غير مطابق للإيجاب ، لأن الإيجاب تمليك بعد الوفاة فالقبول في زمن الحياة حينئذ كالقبول قبل الوصية.

٩

ويمكن أن يريد بتأخره تأخره عن الحياة ، ومقارنته للوفاة (١) ، والأول أوفق بمذهب المصنف ، لأنه يرى جواز تقديم القبول على الوفاة (٢) ، والثاني للمشهور (٣).

ومبنى القولين على أن (٤) الإيجاب في الوصية إنما يتعلق بما بعد الوفاة لأنها (٥) تمليك ، أو ما في حكمه (٦) بعد الموت ، فلو قبل قبله (٧) لم يطابق القبول الإيجاب ، وأن المتعلق (٨) بالوفاة تمام الملك على تقدير القبول والقبض (٩) لا إحداث سببه (١٠) ، فإن

______________________________________________________

(١) لو قال الشارح : ويمكن أن يريد بتأخره تأخره عن الوفاة ومقارنته لها كان أحضر وأظهر ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالتفسير الأول مبني على جواز وقوع القبول قبل الوفاة ، والثاني مبني على عدم جواز وقوع القبول قبل الوفاة فلا تغفل.

(٢) كما يظهر من كلامه في الدروس ، ولكن يحتمل تبدل رأيه في اللمعة لذا قال الشارح بأن الأول أوفق.

(٣) بل قد عرفت أن الثاني لغير المشهور ، وقد نسب الشارح الأول إلى المشهور في المسالك فراجع.

(٤) شروع في دليل القول الثاني الذي هو لغير المشهور ، القائل بحصر القبول بعد الوفاة.

(٥) أي الوصية.

(٦) أي حكم التمليك من التسليط.

(٧) قبل الموت.

(٨) شروع في دليل القول الأول الذي هو للمشهور القائل بجواز القبول قبل الوفاة.

(٩) اعلم أن النقل والانتقال في الوصية يتمان على تقدير تحقق الإيجاب والقبول وعلى تقدير تحقق وفاة الموصي ، هذا على المشهور ، أما الأول فلأن الملك بحاجة إلى سبب ناقل ، وسببه هو العقد المؤلف من الإيجاب والقبول ، وأما الثاني فلان الوفاة قد جعلت قيدا في الإيجاب فهي قيد في القبول أيضا فلا يتحقق الملك قبلها.

وذهب الشيخ في مبسوطه وابن سعيد في جامعه إلى أن القبض شرط في تحقق الملك أيضا قياسا على القبض في الهبة ، وهو ضعيف لعدم القول بالقياس ، على أن القبض في الهبة إنما تم لدليل خارجي وهو مفقود في الوصية.

وعلى كل فيتحقق الملك بعد الإيجاب والقبول ، وإن كان لا يتحقق تمامه إلا بعد الوفاة والقبض أو الوفاة فقط على اختلاف القولين ولازمه جواز القبول قبل الوفاة.

(١٠) أي لا أن الوفاة إحداث سبب الملك.

١٠

الإيجاب جزء السبب فجاز أن يكون القبول كذلك (١) وبالموت يتم (٢) ، أو يجعل الموت شرطا لحصول الملك بالعقد (٣) كالبيع على بعض الوجوه (٤).

وهذا أقوى ، وتعلّق الإيجاب بالتمليك بعد الموت لا ينافي قبوله قبله (٥) لأنه قبوله (٦) بعده أيضا ، وإنما يصح القبول على التقديرين(ما لم يردّ) الوصية قبله (٧) (فإن ردّ) حينئذ (٨) لم يؤثر القبول لبطلان الإيجاب برده (٩). نعم لو رده(في حياة)

______________________________________________________

(١) أي جزء السبب قبل الوفاة.

(٢) أي يتم الملك بتحقق سببه الآخر وهو الوفاة.

(٣) أي بسبب العقد المؤلف من الإيجاب والقبول الواقعين قبل الوفاة ، ويكون الموت شرطا متأخرا ، وهذا لم يذهب إليه أحد.

(٤) وهو رأي الشيخ كما في جامع المقاصد ، بحيث أن عقد البيع يفيد الملك ، وانقضاء الخيار شرط متأخر في تحققه.

(٥) قبل الموت ، وقد تقدم دليله.

(٦) أي قبول التمليك المذكور.

(٧) أي قبل القبول.

(٨) أي حين قبل القبول.

(٩) رد الموصى له للوصية مبطل لها إذا كان قبل حصول الملكية ، وإذا كان بعد حصولها لا يكون مبطلا لها كما هو واضح مع ضميمة أن الملكية متوقفة على الإيجاب والقبول ووفاة الموصي عند المشهور ، وعلى هذا مع ضميمة القبض على مبنى الشيخ وابن سعيد على ما تقدم.

فإذا تقرر ذلك فلو ردّ بعد موت الموصي وبعد القبول فلا أثر لهذا الرد لتحقق الملكية حينئذ فلا تزول بالرد ، لأن الرد هنا إعراض عن الملك ، والإعراض لا يوجب زوال الملك ، لأن زواله بعد ثبوته محتاج إلى سبب ناقل وهو غير متحقق ، نعم الإعراض يفيد إباحة التصرف للغير.

ولو ردّ بعد الموت وقبل القبول فتبطل الوصية لعدم تحقق الملكية ، ولكون الرد حينئذ موجبا لبطلان الإيجاب.

ولو رد قبل الموت سواء كان قبل القبول أم بعده ، فلا أثر لهذا الرد ، وله أن يجدد القبول بعد ذلك ، لأن الرد قد وقع قبل حصول الملكية فيقع لاغيا.

إن قلت ما الفرق بينه وبين الرد بعد الوفاة وقبل القبول ، مع أنهما رد قبل حصول ـ

١١

الموصي جاز القبول بعد وفاته) إذ لا اعتبار برده السابق ، حيث إن الملك لا يمكن تحققه حال الحياة ، والمتأخر (١) لم يقع بعد.

وهذا بمذهب من يعتبر تأخر القبول عن الحياة أوفق. أما على تقدير جواز تقديمه (٢) في حال الحياة فينبغي تأثير الرد حالتها (٣) أيضا ، لفوات أحد (٤) ركني العقد حال اعتباره (٥) ، بل يمكن القول بعدم جواز القبول بعد الرد مطلقا (٦) ، لإبطاله (٧) الإيجاب السابق ، ولم يحصل بعد ذلك (٨) ما يقتضيها (٩) كما لو رد المتّهب الهبة.

ولو فرّق (١٠) بأن المانع هنا (١١) انتفاء المقارنة بين القبول والإيجاب قلنا : مثله

______________________________________________________

ـ الملكية فيجب أن يؤثر الرد في إبطال الوصية في كليهما ، فلم حكم بالإبطال في ما بعد الوفاة دونه قبل الوفاة.

قلت إن الرد بعد الموت رد للإيجاب بعد كونه مقتضيا للتمليك ، والرد لما هو قابل للتمليك إبطال له ، بخلاف الرد قبل الموت فالإيجاب غير مقتضي للتمليك لأنه لا يكون مقتضيا إلا بعد الوفاة ، وعليه فالرد لغير المقتضي للتمليك لا يبطله بل يجوز له القبول بعد الرد قبل الوفاة.

(١) أي والرد المتأخر بعد الموت لم يقع بعد ، نعم لو وقع فقد عرفت أنه مبطل للوصية.

(٢) تقديم القبول.

(٣) حال الحياة ، لأن الرد في زمن الحياة رد للإيجاب بعد كونه مقتضيا للتمليك ، بناء على جواز تقديم القبول قبل الموت.

(٤) وهو الإيجاب.

(٥) أي حال اقتضائه للتمليك ، وإن كان تحقق التملك بعد الوفاة لأن الوفاة جزء في تحقق الملك كما تقدم.

(٦) سواء كان الرد في حال الحياة أم لا.

(٧) أي لإبطال الرد.

(٨) بعد الإبطال.

(٩) أي ما يقتضي الوصية من إيجاب جديد.

(١٠) أي فرق بين الوصية والهبة ، فالهبة مشروطة بمقارنة القبول للإيجاب ومع الرد لم تتحقق المقارنة ، وهذا غير جار في الوصية فالمقارنة غير شرط فالرد غير مانع.

(١١) في الهبة.

١٢

في رد الوكيل الوكالة فإنه ليس له التصرف بعد ذلك (١) بالإذن السابق وإن جاز تراخي القبول ، وفي الدروس نسب الحكم بجواز القبول حينئذ (٢) بعد الوفاة إلى المشهور مؤذنا بتمريضه ، ولعل المشهور مبني على الحكم المشهور السابق (٣) (وإن رد بعد الوفاة قبل القبول بطلت (٤) وإن قبض) اتفاقا ، إذ لا أثر للقبض من دون القبول(إن رد بعد القبول لم تبطل وإن لم يقبض) على أجود القولين ، لحصول الملك بالقبول فلا يبطله الرد ، كردّ غيره من العقود المملكة بعد تحققه ، فإن زوال الملك بعد ثبوته يتوقف على وجود السبب الناقل ولم يتحقق ، والأصل عدمه (٥).

وقيل يصح الرد (٦) على أن القبض شرط في صحة الملك (٧) كالهبة فتبطل بالرد قبله (٨).

ويضعّف ببطلان القياس (٩) وثبوت حكمها (١٠) بأمر خارج لا يقتضي المشاركة بمجرده وأصالة عدم الزوال بذلك (١١) ، واستصحابك ثابت (١٢).

(وينتقل حق القبول إلى الوارث) (١٣)

______________________________________________________

(١) بعد الرد ، بمعنى أن الوكالة كالوصية في عدم اشتراط المقارنة ، مع أن الرد مبطل للإيجاب في الوكالة فكذلك في الوصية.

(٢) أي حين الرد.

(٣) وهو عدم جواز تقديم القبول على الوفاة ، وقد عرفت أن توصيف هذا الحكم بالمشهوري ليس في محله ، بل هو قول غير المشهور.

(٤) أي الوصية.

(٥) أي والأصل عدم زوال الملك لو شككنا به بعد ثبوته.

(٦) بعد القبول وقبل القبض.

(٧) وهو قول الشيخ وابن سعيد وقد تقدم.

(٨) أي قبل القبض.

(٩) وهو قياس الوصية على الهبة.

(١٠) أي حكم الهبة.

(١١) أي وأصالة عدم زوال الملك لو شككنا بزواله بسبب الرد بعد القبول وقبل القبض.

(١٢) والفرق بين هذا وبين سابقه كالفرق بين استصحاب الموجود واستصحاب المعدوم.

(١٣) لو مات الموصى له قبل القبول قام وارثه مقامه في قبول الوصية وردها ، سواء كان ذلك ـ

١٣

لو مات الموصى له قبله (١) ، سواء مات في حياة الموصي أم بعدها على المشهور ، ومستنده رواية تدل بإطلاقها عليه.

______________________________________________________

ـ في حياة الموصي أم بعد وفاته على المشهور لخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أوصى لآخر ، والموصى له غائب فتوفى الموصى له قبل الموصي ، قال : الوصية لوارث الذي أوصى له ، ومن أوصى لأحد شاهدا كان أو غائبا فتوفى الموصى له قبل الوصي فالوصية لوارث الذي أوصى له ، إلا أن يرجع في وصيته قبل موته) (١) ، وأشكل بأن محمد بن قيس مشترك بين الثقة وغيره ، فلا يصلح الخبر مستندا للحكم كما في المسالك.

وفيه : إن ابن قيس هنا هو البجلي الثقة لا الأسدي الضعيف ، بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه ، على أن الخبر مؤيد بخبر الساباطي (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أوصى إليّ وأمرني أن أعطي عما له في كل سنة شيئا ، فمات العم فكتب : أعط ورثته) (٢) ، وخبر عباس بن عامر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقبا ، قال : اطلب له وارثا أو مولى فادفعها إليه) (٣) ، وذهب جماعة منهم ابن الجنيد والعلامة في المختلف إلى البطلان بموت الموصى له قبل القبول ، سواء كان موته في حياة الموصي أم لا ، بناء على أن عقد الوصية مفتقر إلى إيجاب وقبول ، وموت الموصى له قبل القبول يوجب عدم تحقق العقد ، ولصحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن رجل أوصى لرجل فمات الموصى له قبل الموصي ، قال : ليس بشي‌ء) (٤) ، وموثق منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن رجل أوصى لرجل بوصيته إن حدث به حدث ، فمات الموصى له قبل الموصي ، قال : ليس بشي‌ء) (٥).

وفصّل ثالث وهو المحقق كما في الدروس بين موته في حياة الموصي فتبطل ، وبين موته بعد موت الموصي فتصح للجمع بين الأخبار بحمل الطائفة الثانية على ما لو مات في حياة الموصي كما هو صريحها ، وبحمل الأول على ما لو مات بعد الموصي.

وفصّل رابع بين ما لو علم أن غرض الموصي خصوص الموصى له فتبطل ، وبين غيره فلورثته ، وقال الشهيد في الدروس : إن التفصيل المذكور حق وبه يجمع بين النصوص.

(١) قبل القبول.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الوصايا حديث ١ و ٣ و ٢.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الوصايا حديث ٤ و ٥.

١٤

وقيل تبطل الوصية بموته ، لظاهر صحيحة أبي بصير ، ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام.

وفصّل ثالث فأبطلها بموته في حياته ، لا بعدها.

والأقوى البطلان مع تعلق غرضه بالمورّث ، وإلا فلا. وهو مختار المصنف في الدروس ، ويمكن الجمع به (١) بين الأخبار لو وجب (٢).

ثم إن كان موته (٣) قبل موت الموصي لم تدخل العين في ملكه (٤) ، وإن كان بعده ففي دخولها (٥) وجهان مبنيان على أن القبول هل هو كاشف (٦) عن سبق الملك من حين الموت ، أم ناقل له من حينه (٧) ، أم الملك يحصل للموصى له

______________________________________________________

(١) بالتفصيل الأخير.

(٢) أي وجب الجمع بين الأخبار المتعارضة إذا كانت متكافئة من ناحية السند ، غير أن خبر ابن قيس الدال على انتقال القبول إلى الوارث ضعيف لاشتراك ابن قيس بين الثقة وغيره كما أشكل بذلك الشارح في المسالك ، وفيه : إن ابن قيس هنا هو الثقة لا الضعيف فالتعارض وارد غير أن الترجيح لخبر ابن قيس لأن الطائفة الثانية موافقة للعامّة حيث إن المنقول عنهم هو بطلان الوصية ، وفي مخالفتهم الرشد.

(٣) أي موت الموصى له ، وهذا شروع من الشارح في تأييد التفصيل القائل ببطلان الوصية لو مات الموصى له في حياة الموصي ، وبين انتقال حق القبول إلى الوارث لو مات الموصى له بعد موت الموصي.

(٤) أي في ملك الموصى له ، وذلك لأن انتقال الملك عن الموصي مشروط بموت الموصي والمفروض عدمه ، وهذا هو الشق الأول من التفصيل المذكور.

(٥) أي دخول العين في ملك الموصى له.

(٦) فيكون قبول الوارث كاشفا عن ملك مورّثه من حين موت الموصي ، وهو المفروض فالموصى له يكون حيا حينئذ ، وهذا القول بالكشف يؤيد الشق الثاني من التفصيل المتقدم لأنه يدل على كون الموصى له قبل وفاته وبعد وفاة الموصي هو قابل للملك ، وهذا دال على عدم بطلان الوصية على هذا الشق.

(٧) أي من حين قبول الوارث ، قال الشارح في المسالك : (نعم لو قيل بأن الوارث مع قبوله ينتقل الملك إليه ، ولا يدخل في ملك الميت كما اختاره العلامة أشكل هذا القول ـ أي الشق الثاني من التفصيل المتقدم ـ ، من حيث أن الموصى له لم يكن مالكا ولا صالحا ـ

١٥

بالوفاة (١) متزلزلا ويستقر بالقبول (٢) أوجه تأتي.

وتظهر الفائدة فيما لو كان الموصى به ينعتق على الموصى له الميت لو ملكه (٣).

(وتصح) الوصية(مطلقة) غير مقيدة بزمان ، أو وصف(مثل ما تقدم) من قوله : أوصيت ، أو افعلوا كذا بعد وفاتي ، أو لفلان بعد وفاتي ، (ومقيدة مثل) افعلوا(بعد وفاتي في سنة كذا ، أو في سفر كذا فتخصص) (٤) بما خصصه من السنة والسفر ، ونحوهما فلو مات في غيرها (٥) ، أو غيره (٦) بطلت الوصية (٧) ، لاختصاصها بمحل القيد فلا وصية بدونه.

(وتكفي الإشارة) الدالة على المراد (٨) قطعا (٩) في إيجاب الوصية(مع تعذر اللفظ) (١٠) لخرس ، أو اعتقال لسان بمرض ، ونحوه ، (وكذا) تكفي(الكتابة)

______________________________________________________

ـ للملك بسبب موته قبل القبول ، والوارث قبل موت مورثه ليس بقابل أيضا لملك الموصى به ، لأنه ليس بموصى له) انتهى.

(١) أي بوفاة الموصي.

(٢) أي بقبول الوارث ، ولكن قد عرفت أن القول بالكشف هو الذي يفيد ترجيح الشق الثاني من التفصيل المتقدم.

(٣) كما إذا كان الموصى به أبا للموصى له بحيث ينعتق على المورّث لو ملكه ، ولا ينعتق على الوارث لأنها زوجة الموصى له ، فعلى الأول والأخير ينعتق لدخوله في ملك المورّث ابتداء من حين موت الموصي.

وعلى القول بالنقل فيدخل في ملك الوارث ابتداء فلا ينعتق.

(٤) أي الوصية.

(٥) غير السنة.

(٦) غير السفر.

(٧) إن كان القيد المذكور قيدا في التمليك.

(٨) وهو إنشاء التمليك بعد الوفاة.

(٩) لا ظنا.

(١٠) تكفي الإشارة الدالة على المراد من العاجز عن النطق بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ذكر أن أباه حدثه عن أبيه أن أمامه بنت ـ

١٦

كذلك (١) (مع القرينة) الدالة قطعا (٢) على قصد الوصية بها (٣) ، لا مطلقا (٤) ، لأنها أعم ، ولا تكفيان مع الاختيار (٥) وإن شوهد كاتبا ، أو علم خطه ، أو علم الورثة

______________________________________________________

ـ أبي العاص بن الربيع ، وأمها زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت تحت علي عليه‌السلام بعد فاطمة ـ إلى أن قال ـ وتزوجها بعد علي عليه‌السلام المغيرة بن نوفل ، ذكر أنها توجّعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها ، فجاءها الحسن والحسين أبناء علي عليهم‌السلام ، لا تستطيع الكلام فجعلا يقولان لها ـ والمغيرة كاره لما يقولان ـ : أعتقت فلانا وأهله فتشير برأسها نعم ، وكذا وكذا فجعلت تشير برأسها نعم ، فلا تفصح بالكلام فأجاز ذلك لها) (١) ، وخبر علي بن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام (سألته عن رجل اعتقل لسانه عند الموت أو امرأة ، فجعل أهاليه يسائله أعتقت فلانا وفلانا فيومئ برأسه أو تومئ برأسها ، في بعض نعم وفي بعض لا ، وفي الصدقة مثل ذلك ، أيجوز ذلك؟ قال : نعم هو جائز) (٢).

(١) مع العجز عن النطق.

(٢) أي الدالة على المراد على نحو القطع لا الظن.

(٣) بالكتابة.

(٤) أي لا مطلق الكتابة ، لأن مطلق الكتابة أعم من الوصية لاحتمال أن يكون قد كتب ذلك ليوصي به فيما بعد.

(٥) أي لا تكفي الإشارة ولا الكتابة مع القدرة على النطق كما عن ابن إدريس والفاضل وولده والشهيدين والمحقق الثاني والقطيفي ، وفيه : إنه قد تقدم جريان المعاطاة في تحقق العقد للعرف ، ومثله نقول هنا في الكتابة ولا إشكال في صدق العقد على المكتوب الذي فيه إنشاء تمليك ، فالأقوى كفاية الكتابة الدالة على نحو القطع وإن كان قادرا على النطق ، ويدل عليه خبر إبراهيم بن محمد الهمداني (كتبت إلى ابن الحسن عليه‌السلام رجل كتب كتابا ، فيه ما أراد أن يوصي به ، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطه ، ولم يأمرهم بذلك فكتب عليه‌السلام إليه : إن كان له ولد ، ينفذون كل شي‌ء يجدونه في كتاب أبيهم في وجوه البر وغيره) (٣) ، وجملة من النصوص الناهية أن يبيت الإنسان إلا ووصيته تحت رأسه كقوله عليه‌السلام (ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه) (٤) وهذه دالة على كفاية الكتابة حال الاختيار.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوصايا حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب أحكام الوصايا حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام الوصايا حديث ٧.

١٧

ببعضها (١) ، خلافا للشيخ في الأخير ، أو قال (٢) : إنه بخطي وأنا عالم به ، أو هذه وصيتي فاشهدوا عليّ بها ، ونحو ذلك ، بل لا بد من تلفظه به (٣) ، أو قراءته عليه واعترافه بعد ذلك ، لأن الشهادة مشروطة بالعلم وهو (٤) منفي هنا ، خلافا لابن الجنيد حيث اكتفى به (٥) مع حفظ الشاهد له عنده (٦).

والأقوى الاكتفاء بقراءة الشاهد له (٧) مع نفسه (٨) مع اعتراف الموصي بمعرفه بما فيه وأنه يوصي به. وكذا القول في المقر (٩).

(والوصية للجهة العامة مثل الفقراء) ، والفقهاء ، وبني هاشم ، (والمساجد ، والمدارس لا تحتاج إلى القبول) (١٠) ، لتعذره إن أريد من الجميع ، واستلزامه الترجيح من غير مرجح إن أريد من البعض ، ولا يفتقر إلى قبول الحاكم ، أو منصوبه وإن أمكن كالوقف (١١).

______________________________________________________

(١) ببعض الوصية لأمور دلتهم على صحة هذا البعض فلا يلزمهم العمل بالجميع على مبنى المشهور ، وعن الشيخ في النهاية ألزمهم بالعمل بالجميع لمكاتبة الهمداني المتقدمة ، وقد ردت بقصورها سندا ودلالة ، وقد تقدم كفاية الكتابة من القادر لصدق العقد عرفا فيلزمهم العمل بالجميع مع العلم بكونها من المورّث.

(٢) لو كتب وصية وقال : إنها بخطي أو أنا عالم بما فيها ، أو هذه وصيتي فاشهدوا عليّ بها ، ففي القواعد لم تجز الشهادة حتى يسمعوا ما فيها أو تقرأ عليهم من قبله ، أو تقرأ عليه فيقرّ به ، لأن الشهادة مشروطة بالعلم فلا تصح الشهادة على ما فيها ، نعم تصح الشهادة على أصل الوصية.

(٣) بما كتب.

(٤) أي العلم بما في الوصية.

(٥) بالخط.

(٦) أي مع حفظ الخط عند الشاهد فيؤمن من التزوير.

(٧) للخط.

(٨) من دون قراءته على الموصي.

(٩) أي الحكم في المقر بكتاب الوصية كالحكم بالمقر بكتاب الإقرار ، فمع قراءة الشاهد لكتاب الإقرار مع اعتراف المقرّ بمعرفة ما فيه وأنه مقرّبه فتجوز الشهادة على الإقرار.

(١٠) قد تقدم الكلام فيه.

(١١) الذي هو غير محتاج إلى القبول.

١٨

وربما قيل فيه بذلك (١) ، ولكن لا قائل به هنا (٢). ولعل مجال الوصية أوسع ، ومن ثمّ (٣) لم يشترط فيها التنجيز (٤) ، ولا فورية القبول (٥) ، ولا صراحة الإيجاب (٦) ، ولا وقوعه بالعربية مع القدرة (٧).

(والظاهر أن القبول كاشف عن سبق الملك) للموصى له(بالموت) (٨) لا ناقل له من حينه ، إذ لولاه (٩) لزم بقاء الملك بعد الموت بغير مالك إذ الميت لا يملك ، لخروجه به عن أهليته كالجمادات ، وانتقال ماله عنه (١٠) ، ولا الوارث لظاهر قوله

______________________________________________________

(١) أي ربما قيل في الوقف بافتقاره إلى القبول.

(٢) في الوصية.

(٣) أي ولأن مجال الوصية أوسع.

(٤) لأنه قد علّق إنشاء التمليك في الإيجاب على وفاة الموصي.

(٥) حيث جاز بالاتفاق وقوع القبول بعد وفاة الموصي.

(٦) لجواز إيقاعه بكل لفظ دال عليه ولو بمعونة القرينة.

(٧) أي مع القدرة على العربية.

(٨) أي موت الموصي ، وقد وقع الخلاف بينهم في أن قبول الموصى له بعد وفاة الموصي هل هو كاشف عن سبق الملك للموصى له من حين موت الموصي كما هو المشهور ، أو أن القبول المذكور جزء السبب الناقل فيتعين تحقق الملك للموصى له بعد وفاة الموصي من حين القبول كما ذهب إليه العلامة في المختلف.

حجة الثاني : أن القبول معتبر في عقد الوصية فوجب أن لا يتحقق الملك قبله مطلقا وحجة الأول أن الله قد جعل ملك الوارث بعد الوصية والدين لقوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) (١) ، والوصية هنا موجودة فلا يجوز انتقال متعلقها إلى الوارث لظاهر الآية ، ولا يبقى على ملك الميت لانتفاء أهليته ، ولا ينتقل إلى غير الوارث وغير الموصى له بالاتفاق ، فلم يبق إلا الانتقال إلى ملك الموصى له انتقالا متوقفا على قبوله على نحو يكون القبول كاشفا عن سبق ملكه من حين الموت فرارا من المحذور المتقدم ، ولو ردّ الموصى له لكشف الرد عن ملك الوارث من حين الموت.

(٩) أي لو لا الكشف.

(١٠) أي عن الميت إلى الوارث وغيره.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١١.

١٩

تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) (١) فلو لم ينتقل إلى الموصى له لزم خلوه عن المالك ، إذ لا يصلح لغير من ذكر.

ووجه الثاني (٢) : أن القبول معتبر في حصول الملك ، فهو إما جزء السبب ، أو شرط كقبول البيع فيمتنع تقدم الملك عليه (٣) ، وكونها (٤) من جملة العقود يرشد إلى أن القبول جزء السبب الناقل للملك ، والآخر الإيجاب كما يستفاد من تعريفهم العقود بأنها الألفاظ الدالة على نقل الملك على الوجه المناسب له (٥) ، وهو (٦) العين في البيع ، والمنفعة في الإجارة ، ونحو ذلك ، فيكون الموت شرطا في انتقال الملك (٧) ، كما أن الملك للعين ، والعلم بالعوضين شرط فيه (٨) ،

فإن اجتمعت الشرائط قبل تمام العقد بأن كان مالكا للمبيع تحققت ثمرته به (٩) ، وإن تخلف بعضها (١٠) فقد يحصل منه بطلانه (١١) كالعلم بالعوض ، وقد تبقى موقوفة على ذلك الشرط (١٢) ، فإذا حصل تحقق تأثير السبب الناقل وهو

______________________________________________________

(١) النساء الآية : ١١.

(٢) أي النقل.

(٣) أي على القبول ودعوى انتفاء الملك عن الميت ممنوع كما لو قتل وقد وجبت الدية فإنها تدخل في ملكه وتؤدى منها ديونه ، وكما لو نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته ، فالصيد له ثم ينتقل إلى وارثه ، والآية المباركة يراد منها من بعد وصية مقبولة بدليل أنه مع عدم القبول يكون المال للوارث لا محالة من حين الموت وهذا دال على عدم تحقق الملك للموصى له من حين وفاة الموصي.

(٤) أي الوصية.

(٥) أي للملك.

(٦) أي الملك.

(٧) أي فيكون الموت شرطا في انتقال الملك في الوصية ، لأن إيجابها قد جعل التمليك متوقفا على الموت.

(٨) في نقل الملك بالبيع.

(٩) أي تحققت ثمرة عقد البيع بالقبول ، وثمرته النقل والانتقال.

(١٠) بعض الشرائط.

(١١) بطلان عقد البيع.

(١٢) أي الشرط المتخلف.

٢٠