الزبدة الفقهيّة - ج ٦

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-59-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٤٨

والقبول. والترتيب (١) كيف اتفق غير مخلّ بالمقصود (٢).

ويزيد النكاح على غيره من العقود. أن الإيجاب من المرأة وهي تستحي غالبا من الابتداء به (٣) فاغتفر (٤) هنا ، وإن خولف في غيره (٥) ، ومن ثمّ ادعى بعضهم الإجماع على جواز تقديم القبول هنا ، مع احتمال عدم الصحة كغيره (٦) ، لأن القبول إنما يكون للإيجاب فمتى وجد قبله (٧) لم يكن قبولا (٨). وحيث يتقدّم يعتبر كونه بغير لفظ قبلت ، كتزوجت ونكحت وهو حينئذ في معنى الإيجاب.

(و) كذا(لا) يشترط(القبول بلفظه) أي بلفظ الإيجاب (٩) ، بأن يقول : زوجتك. فيقول : قبلت التزويج ، أو أنكحتك. فيقول : قبلت النكاح ، (فلو قال : زوجتك فقال : قبلت النكاح صح) ، لصراحة اللفظ ، واشتراك الجميع في الدلالة على المعنى.

(ولا يجوز) العقد إيجابا وقبولا(بغير العربية (١٠) مع القدرة) عليها ، لأن

______________________________________________________

(١) بين الايجاب والقبول.

(٢) إن كان القبول المتقدم بمعنى الايجاب.

(٣) بالايجاب.

(٤) أي اغتفر ابتداء المرأة بالايجاب في النكاح لمقام حيائها.

(٥) أي في غير النكاح ، بل لا بد من الابتداء بالايجاب ولو كان من المرأة ، إلا الصلح على ما تقدم بيانه.

(٦) أي كغيره من العقود.

(٧) قبل الايجاب.

(٨) وفيه : إنه مما تقدم تعرف أنه ليس قبولا بل هو من باب صدور الايجاب ممن وظيفته القبول ، وليس من باب تقديم القبول على الايجاب.

(٩) لأنه لا يشترط في لفظ القبول مطابقته لعبارة الايجاب ، بل يصح الايجاب بلفظ والقبول بلفظ آخر ، فلو قال الولي : زوجتك ، فقال الزوج : قبلت النكاح أو نكحت ، أو قال الولي : أنكحتك ، فقال الزوج : قبلت التزويج أو تزوجت ، صح بلا خلاف ولا إشكال لإطلاق الأدلة ، وقد تقدم بحثه.

(١٠) بل تعتبر العربية في عقد النكاح على المشهور للاجماع المدعى عن المبسوط والتذكرة ، وللتأسي بالمعصوم عليه‌السلام حيث تزوج بالعربية ، ولأصالة الفساد في العقود عند الشك ـ

١٦١

ذلك (١) هو المعهود (٢) من صاحب الشرع كغيره من العقود اللازمة ، بل أولى (٣).

وقيل : إن ذلك مستحب لا واجب ، لأن غير العربية من اللغات من قبيل المترادف يصح أن يقوم مقامه ، ولأن الغرض ايصال المعاني المقصودة إلى فهم المتعاقدين فيتأدى بأي لفظ اتفق ، وهما (٤) ممنوعان (٥).

واعتبر ثالث كونه بالعربية الصحيحة فلا ينعقد بالملحون ، والمحرّف (٦) مع

______________________________________________________

ـ في اعتبار شي‌ء وهو المسمى بأصالة عدم ترتب الأثر وقد خرج عن ذلك العقد بالعربية فغيره باق لعدم الدليل على الخروج ، ولأصالة الاحتياط في الفروج ، ولعدم صدق العقد على غير العربي ، ولأن اعتبار الماضوية في العقد مستلزم لاعتبار العربية من باب أولى.

وفيه : أما الاجماع فلم يثبت كونه تعبّديّا ، وأما التأسي فغير لازم في كل ما كانوا عليه ، فقد كانوا في الحجاز أو كانوا يتكلمون العربية في محاوراتهم العرفية ولا يتوهم أحد محبوبية ذلك ، وأصالة الفساد مع أصالة الاحتياط لا مجال لهما مع إطلاق العقد عرفا على ما لو تم بغير العربية فيندرج تحت قوله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، ومنه تعرف ضعف عدم صدق العقد على غير العربي ، وأما اعتبار الماضوية فهي غير معتبرة كما تقدم ، ولو سلم فهي ليست من خصوصيات اللغة العربية حتى يقال بأن اعتبارها مستلزم لاعتبار العربية ، ولذا ذهب ابن حمزة وجماعة من المتأخرين إلى جوازه بغير العربية ، وجعل ابن حمزة كونه بالعربية مستحبا ولعله للتأسي وقد عرفت ما فيه.

(١) أي العربية.

(٢) دليل التأسي.

(٣) أي بل النكاح أولى بالعربية من بقية العقود اللازمة التي صدرت من الشارع ، للاحتياط في مسألة الفروج.

(٤) أي الدليلان المذكوران سابقا.

(٥) لأن في النكاح شوبا من العبادة ، المقتضي للتوقيفية ، وفيه ما قد عرفت من أنه لا مجال له بعد إطلاق أدلة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢).

(٦) اللحن هو الغلط في الاعراب ، والتحريف هو الغلط في الحروف أو في مخارجها ، قال في المسالك : (وبالجملة فمن جوّز التعبير بغير العربية جوّز اللحن في اللفظ العربي إذا لم ـ

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ١.

١٦٢

القدرة على الصحيح ، نظرا إلى الواقع من صاحب الشرع (١) ولا ريب أنه أولى ، ويسقط مع العجز عنه (٢).

والمراد به (٣) ما يشمل المشقة الكثيرة في التعلم ، أو فوات (٤) بعض الأغراض المقصودة ، ولو عجز أحدهما (٥) اختصّ بالرخصة ، ونطق القادر بالعربية بشرط أن يفهم كل منهما كلام الآخر ولو بمترجمين عدلين (٦).

وفي الاكتفاء بالواحد (٧) وجه (٨) ، ولا يجب على العاجز التوكيل وإن قدر عليه (٩) ، للأصل (١٠).

(والأخرس) يعقد ايجابا وقبولا(بالإشارة) المفهمة للمراد (١١) ، (ويعتبر في)

______________________________________________________

يغيّر المعنى ، ومن شرط العربي ظاهره عدم اشتراط الإعراب أيضا ، لأن تركه لا يخلّ بأصل اللفظ العربي ، واشترط بعضهم الاعراب مع القدرة لما مرّ في اشتراط أصل العربي هذا كله مع القدرة) انتهى ، والأولى أن اللحن والغلط إن كان مغيّرا للمعنى فلا يجزي ، لعدم تحقق إنشاء الإيجاب والقبول به ، وإن لم يكن مغيّرا فلا بأس به.

(١) حيث لم يصدر منه غلط لا باللحن ولا بالتحريف.

(٢) عن الصحيح ، هذا والعجز عنه لا يصحح كون غير الصحيح عقدا إن كان النكاح توقيفيا ، ومنه تعرف عدم توقيفية النكاح إلا في اشتراط الايجاب والقبول اللفظيين ، وفي انحصار الايجاب بلفظي (زوجتك وأنكحتك).

(٣) أي العجز.

(٤) أي والتعلم موجب لفوات.

(٥) أحد الزوجين.

(٦) لأنهما بينة.

(٧) أي المترجم الواحد.

(٨) قد قواه سيد الرياض لكفاية قول الثقة إذا لم يفد القطع وإلا فلا ريب في كفايته.

(٩) على التوكيل.

(١٠) وهو أصالة عدم وجوب التوكيل عليه ، ويظهر من التذكرة على ما قيل اتفاقهم على جواز النطق بغير العربية عند العجز عن تعلمها ولا يجب عليه التوكيل. لفحوى اجتزاء الأخرس بالإشارة في الطلاق على ما ورد في الخبر.

(١١) سواء كان خرسه أصليا أو طارئا بلا خلاف فيه ، ولفحوى ما ورد من أن طلاق الأخرس الإشارة على ما سيأتي بيانه في باب الطلاق.

١٦٣

(العاقد الكمال (١) ، فالسكران باطل عقده ولو أجاز بعده) (٢) واختصه بالذكر تنبيها

______________________________________________________

(١) الكمال يتحقق بالبلوغ والعقل ، فلا عبرة بعبارة الصبي إيجابا وقبولا ، لنفسه ولغيره سواء كان مميزا أم لا ، وكذا المجنون حال جنونه سواء كان إطباقيا أم أدواريا ، لحديث رفع القلم (١) ، وبالجملة فالمعتبر هو قصد المكلف إلى العقد ، وقصد غيره منزل منزلة العدم ولذا قيل إن الشارع قد جعل الصبي والمجنون مسلوبي العبارة.

(٢) أي لو أجاز العقد بعد السكر ، هذا وقد عرفت أن شرط صحة العقد القصد إليه ، والسكران الذي بلغ به السكر حدا أزال عقله وارتفع قصده فنكاحه باطل كغيره من عقوده ، سواء في ذلك الذكر والأنثى ، على ما تقتضيه القواعد المتقدمة ، ومتى كان عقده باطلا لعدم القصد من رأس فلا تنفعه الإجازة بعد الإقامة ، لأن الإجازة لا تصحح ما وقع باطلا من أصله ، نعم لو وقع العقد صحيحا غير أنه غير مستجمع لتمام شرائط الصحة كعقد الفضولي كانت الإجازة نافعة ومحققة للشرط المتخلف ، ومع تحققه يؤثر العقد أثره حينئذ.

إذا تقرر ذلك فاعلم أنه قد ورد في صحيح إسماعيل بن بزيع (سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ ، فسكرت فزوجت نفسها رجلا في سكرها ، ثم أفاقت فأنكرت ذلك ، ثم ظنت أنه يلزمها ففزعت منه ، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، أحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ، ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال عليه‌السلام : إذا أقامت بعد ما أفاقت فهو رضا منها ، قلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال عليه‌السلام : نعم) (٢) ، وظاهره صحة عقد السكران إن تعقبته الإجازة حال الإفاقة ، وقد عمل بها الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج ، وحكي عن الصدوق في الفقيه والمقنع ، هذا والمشهور أعرضوا عنه لمخالفته لما تقدم من القواعد ، وقد حملها العلامة في المختلف على السكر الذي لم يبلغ حد إزالة القصد ، وأورد عليه في المسالك بأنه حينئذ يكون العقد صحيحا بلا حاجة إلى تقريرها ورضاها فيما بعد ، وحملها الفاضل الهندي في كشف اللثام على ما لو كان الزوج جاهلا بسكرها فلا يسمع في حقه قول المرأة وتجري عليهما أحكام الزوجية ظاهرا وهو حمل بعيد لا شاهد له من الخبر ، وحملها صاحب الجواهر على توكيلها في التزويج حال السكر فيكون العقد فضوليا تنفعه الإجازة بعد الإفاقة ، وفي الأخير ضعف ظاهر حيث ورد في الخبر (فزوجت نفسها) وهو ظاهر في المباشرة لا التوكيل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمات العبادات حديث. ١١

١٦٤

على ردّ ما روي من «أن السّكرى لو زوجت نفسها ثم أفاقت فرضيت ، أو دخل بها فأفاقت وأقرته كان ماضيا» (١) والرواية صحيحة ، إلا أنها مخالفة للأصول الشرعية فأطرحها الأصحاب ، إلا الشيخ في النهاية(ويجوز تولي المرأة العقد عنها ، وعن غيرها إيجابا وقبولا) (٢) بغير خلاف عندنا ، وإنما نبّه على خلاف بعض العامة المانع منه (٣).

(ولا يشترط الشاهدان) في النكاح الدائم مطلقا (٤) (ولا الولي (٥) في نكاح)

______________________________________________________

(١) قد نقل الشارح الرواية بالمعنى.

(٢) لأن عبارة المرأة معتبرة في العقد ، بمعنى غير مسلوبة العبارة ، إذا كانت بليغة رشيدة سواء قلنا بثبوت ولاية الأب عليها أم لا ، فيجوز لها حينئذ إجراء عقد النكاح إيجابا وقبولا عن نفسها وعن الغير ، لإطلاق الأدلة من غير مقيد.

وعن الشافعي سلب عبارتها مطلقا في النكاح فليس لها أن تتولاه لنفسها ولا لغيرها وإن أذن لها الولي أو وكّلت فيه وهو معلوم البطلان ، لأن ولاية الأب عليها لا يسلبها عبارتها ويجعلها كالصبي.

(٣) من تولي العقد.

(٤) سواء كانت المرأة رشيدة أم لا ، بل ولا تشترط الشهادة في المنقطع والتحليل لأصالة عدم الاشتراط بعد عدم الدليل عليه إلا ما ورد في خبر المهلب الدلال (أنه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام أن امرأة كانت معي في الدار ، ثم إنها زوجتني نفسها ، وأشهدت الله وملائكته على ذلك ، ثم إن أباها زوّجها من رجل آخر فما تقول؟ فكتب عليه‌السلام : التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين ، ولا يكون تزويج متعة ببكر ، استر على نفسك واكتم رحمك الله) (١).

وهو ضعيف السند وموافق للعامة وقد أعرض الأصحاب عنه ، إلا ابن أبي عقيل حيث اعتمد عليه وحكم باشتراط الشهادة في الدائم وهو ضعيف لما سمعت.

(٥) سيأتي تحقيقه مفصلا إن شاء الله ، وإنما ذكره المصنف هنا إجمالا باعتبار أن المخالف للمشهور والذي ذهب إلى اشتراط الشاهدين والولي قد اعتمد على الخبر المتقدم ، فأراد أن ينبّه على عدم اشتراط الشهادة لضعف الخبر وذكر حكم الولي معه إجمالا مع إحالة التفصيل على ما يأتي.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة حديث ١١.

١٦٥

(الرشيدة وإن كانا (١) أفضل) على الأشهر ، خلافا لابن أبي عقيل حيث اشترطهما (٢) فيه (٣) استنادا إلى رواية ضعيفة تصلح سندا للاستحباب ، لا للشرطية.

(ويشترط تعيين الزوجة والزوج) (٤) بالإشارة ، أو بالاسم ، أو الوصف

______________________________________________________

(١) أي الشاهدان والولي.

(٢) أي الشاهدين والولي.

(٣) في النكاح الدائم.

(٤) يشترط في النكاح بأقسامه تعيين الزوجة عن غيرها من النساء ، كما أنّه يشترط تعيين الزوج عن غيره من الرجال بلا خلاف فيه ، لأن الاستمتاع يستدعي فاعلا ومنفعلا معينين ، والتعيين يحصل بأمور ثلاثة : الإشارة كما لو كانت الزوجة حاضرة فقال الولي : زوجتك هذه أو هذه المرأة ، والتسمية سواء كانت الزوجة حاضرة أو غائبة بأن يقول الولي : زوجتك فاطمة ، والصفة الخاصة بأن يقول : زوجتك ابنتي الكبيرة أو الصغيرة أو الوسطى أو البيضاء أو السمراء ، نعم لو اختلف الاسم والوصف ، أو أحدهما مع الإشارة أخذ بما هو المقصود وألغي ما وقع غلطا ، فمثلا لو قال : زوجتك الكبرى من بناتي فاطمة ، وتبين أن اسمها خديجة ، صح العقد على خديجة التي هي الكبرى ، ولو قال : زوجتك فاطمة وهي الكبرى ، فتبين أنها الصغرى صح العقد على فاطمة لأنها المقصود ، ويكون توصيفها بالكبرى لغوا ، وكذا لو قال : زوجتك هذه وهي فاطمة أو وهي الكبرى فتبين أن اسمها خديجة أو أنها الصغرى فيصح العقد على المشار إليها وتسميتها بفاطمة أو توصيفها بالكبرى يقع لاغيا لأنه وقع غلطا.

إذا تقرر ذلك فلو زوجه إحدى بناته وكان عنده أكثر من واحدة ولم يسمّها واقعا بحيث لم يقصد واحدة بعينها بطل العقد لعدم تحقق التعيين ، وهو شرط كما تقدم ، ولو قصد واحدة معينة واتفق القصد عليها من الولي والزوج صح العقد لتحقق شرط التعيين وإن لم تسمى في العقد ، وعليه فلو اختلفا في المعقود عليها بعد ذلك فالقول قول الأب مع يمينه في التعيين مع رؤية الزوج للجميع ، وإلا كان العقد باطلا كما عليه الأكثر لصحيح أبي عبيدة (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل كنّ له ثلاث بنات أبكار فزوّج إحداهنّ رجلا ولم يسمّ التي زوّج للزوج ولا للشهود ، وقد كان الزوج قد فرض لها صداقها ، فلما بلغ إدخالها على الزوج بلغ الزوج أنها الكبرى من الثلاثة فقال الزوج لأبيها : إنما تزوجت منك الصغيرة من بناتك ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إن كان الزوج رآهنّ كلهنّ ولم يسمّ له واحدة منهن ، فالقول في ذلك قول الأب ، وعلى الأب فيما بينه وبين الله أن يدفع إلى الزوج الجارية التي نوى أن يزوّجها إياه عند عقدة النكاح ، وإن كان الزوج لم

١٦٦

الرافعين للاشتراك ، (فلو كان له بنات وزوّجه واحدة ولم يسمّها فإن أبهم ولم يعين (١) شيئا في نفسه بطل) العقد ، لامتناع استحقاق الاستمتاع بغير معين ، (وإن عين) في نفسه من غير أن يسميها لفظا(فاختلفا (٢) في المعقود عليها حلف الأب إذا كان الزوج رآهن ، وإلا بطل العقد) ومستند الحكم رواية أبي عبيدة الحذاء عن الباقر عليه‌السلام ، وفيها (٣) على تقدير قبول قول الأب أن عليه فيما بينه وبين الله تعالى أن يدفع إلى الزوج الجارية التي نوى أن يزوجها إياه عند عقد النكاح.

ويشكل بأنه إذا لم يسمّ للزوج واحدة منهن فالعقد باطل (٤) سواء رآهن أم

______________________________________________________

ـ يرهنّ كلهنّ ولم يسمّ له واحدة منهن عند عقدة النكاح فالنكاح باطل) (١).

والرواية منافية لما تقرر من القاعدة المتقدمة التي اشترطت التعيين حال العقد حيث دلت الرواية على صحة العقد عند رؤية الجميع وإن اختلف القصد ، وإلى بطلان العقد عند عدم الرؤية ، مع أنه مع اختلاف القصد يجب الحكم بالبطلان لما تقدم ، ومن الواضح أن الرؤية لا مدخلية لها في الصحة ولا عدمها له مدخلية في البطلان لأن المعتبر هو التعيين فقط.

وقد ردها ابن إدريس واستجوده الشارح في المسالك لأن العقد لم يقع على معيّنة مخصوصة والتعيين شرط الصحة ، وقد نزّلها الفاضلان المحقق والعلامة في الشرائع والمختلف على أنه عند رؤية الزوج للجميع فيكون قد أوكل التعيين للأب بحسب الظاهر وعليه أن يسلّم الزوج من نواها ولذا يقدم قول الأب مع يمينه لأن الاختلاف حينئذ في فعله وتعيينه فيرجع إليه فيه لأنه أعلم به ، ومع عدم الرؤية فلا توكيل بحسب الظاهر ولا قصد مشترك منهما إلى معيّن فيبطل العقد ، وفيه : إن رؤية الجميع لا تدل على التوكيل ولا عن الرضا بما عيّنه الأب لأن الرؤية أعم فلا يمكن حمل الرواية على ذلك فاللازم إما العمل بمدلول الرواية كما فعل الشيخ وأتباعه وإما ردها كما فعل ابن إدريس.

(١) أي الولي.

(٢) بعد قصد الزوج وتعيينه أيضا.

(٣) أي كما أن الحكم السابق مذكور فيها ، فقد ذكر فيها أيضا.

(٤) لعدم تعينها عند الزوج.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ١.

١٦٧

لا ، لما تقدم (١) ، وأن رؤية (٢) الزوجة غير شرط في صحة النكاح ، فلا مدخل لها (٣) في الصحة والبطلان. ونزّلها الفاضلان على أن الزوج إذا كان قد رآهن فقد رضي بما يعقد عليه الأب منهنّ ، ووكل الأمر إليه (٤) فكان كوكيله وقد نوى الأب واحدة معينة فصرف العقد إليها ، وإن لم يكن رآهن بطل ، لعدم رضاء الزوج بما يسميه الأب.

ويشكل بأن رؤيته لهن أعمّ من تفويض التعيين إلى الأب ، وعدمها (٥) أعم من عدمه (٦) ، والرواية مطلقة ، والرؤية غير شرط في الصحة (٧) فتخصيصها (٨) بما ذكر (٩) والحكم به (١٠) لا دليل عليه (١١) ، فالعمل بإطلاق الرواية (١٢) كما صنع جماعة ، أو ردها مطلقا (١٣) ، نظرا إلى مخالفتها لأصول المذهب كما صنع ابن إدريس وهو الأولى ، أولى.

ولو فرض تفويضه إليه (١٤) التعيين ينبغي الحكم بالصحة ، وقبول قول الأب مطلقا (١٥) ، نظرا إلى أن الاختلاف في فعله(١٦) ، وأن نظر الزوجة ليس بشرط في

______________________________________________________

(١) من اشتراط تعيين الزوجة.

(٢) إشكال ثان.

(٣) أي لرؤية الزوجة.

(٤) في تعيين ما شاء منهنّ.

(٥) أي عدم الرؤية.

(٦) عد التفويض المذكور.

(٧) إذ شرط الصحة هو التعيين.

(٨) أي الرواية.

(٩) من صورة التفويض.

(١٠) أي بما ذكر من التفويض فيصح العقد ، ومع عدمه فيبطل العقد.

(١١) من الرواية.

(١٢) تبعا للرؤية لا للتفويض.

(١٣) سواء رآهن أم لا كما فعل ابن إدريس لعدم التعيين.

(١٤) أي تفويض الزوج للأب.

(١٥) مع الرؤية وعدمها.

(١٦) أي في فعل الأب الوكيل.

١٦٨

صحة النكاح ، وإن لم يفوض إليه التعيين بطل مطلقا (١).

(ولا ولاية في النكاح لغير الأب (٢) والجد له) وإن علا ، (والمولى والحاكم)

______________________________________________________

(١) مع الرؤية وعدمها.

(٢) الولاية منحصرة بالأب والجد والوصي والحاكم والمولى ، ولا ولاية لغير هؤلاء على المشهور ، وذهب ابن أبي عقيل إلى ولاية الأم وتنزيلها وآبائها منزلة الأب وآبائه لما ورد عند العامة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أنه أمر نعيم بن النخاع أن يستأمر أم ابنته في أمرها ، وقال : وأتمروهن في بناتهن) (١) وهو ضعيف ، هذا ومما يدل على ولاية الأب بالجملة أخبار كثيرة.

منها : صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن عليه‌السلام (عن الصبية يزوجها أبوها يموت وهي صغيرة ، فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، يجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال عليه‌السلام : يجوز عليها تزويج أبيها) (٢) ، وصحيح عبد الله بن الصلت عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها ، لها أمر إذا بلغت؟ قال عليه‌السلام : لا ، ليس لها مع أبيها أمر) (٣) وصحيح الفضل بن عبد الملك (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير ، قال عليه‌السلام : لا بأس ، قلت : يجوز طلاق الأب؟ قال عليه‌السلام : لا) (٤).

ومما يدل على ولاية الجد أخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام (إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه) (٥) وصحيح هشام بن سالم ومحمد بن حكيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا زوج الأب والجد كان التزويج للأول ، فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجد أولى) (٦) ، ومنه يظهر ضعف ابن أبي عقيل من نفي ولاية الجد ، وهذه النصوص الأخيرة ظاهرة في كون الجد هو أب الأب ، فلا يشمل أب الأم هذا من جهة ومن جهة أخرى فالمشهور على أن ولاية الجد غير مشروطة بحياة الأب ، لأن ولاية الجد ثابتة حال حياة الأب فتستصحب عند موته ، ولأن ولايته أقوى فلا يؤثر فيها موت الأب ، ووجه الأقوائية أنه لو صدر زواجها من الجد والأب معا فتزويج الجد هو المقدم كما في صحيح هشام بن سالم ومحمد ـ

__________________

(١) مسند أحمد ج ٢ ص ٩٧ ، وسنن البيهقي ج ٧ ص : ١١٦.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ١ و ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المهور حديث ٢.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ١ و ٣.

١٦٩

(والوصي) لأحد الأولين (١) (فولاية القرابة) للأولين ثابتة(على الصغيرة ، والمجنونة ، والبالغة السفيهة ، وكذا الذكر) المتصف بأحد الأوصاف الثلاثة (٢) (لا على) البكر البالغة(الرشيدة في الأصح) (٣).

______________________________________________________

ـ بن حكيم المتقدم ، ولموثق زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ، ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر ، فقال عليه‌السلام : (الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن الأب زوّجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب والجد) (١) ، وعن الشيخ والصدوق وبني الجنيد وزهرة والبراج ، وأبي الصلاح وسلار أنه يشترط حياة الأب لخبر الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الجد إذا زوّج ابنة ابنه وكان أبوها حيا ، وكان الجد مرضيا جاز) (٢) ، وفيه مع ضعف السند منع الدلالة فإنها بالمفهوم الوصفي ـ على ما في المسالك ـ وهو غير معتبر عند المحققين ، ولعل ذكر حياة الأب من باب الرد على العامة القائلين باشتراط ولاية الجد عند موت الأب ، ومن جهة ثالثة فولاية الأب والجد ثابتة على الصغيرين من ذكر أو أنثى لما تقدم من الأخبار ، وولايتهما ثابتة على المجنونين من ذكر أو أنثى إذا كان الجنون متصلا بالبلوغ بلا خلاف فيه ويقتضيه الاستصحاب ، وأما لو كان الجنون منفصلا ففيه خلاف وعن التحرير والتذكرة أنها تعود واستقربه الفاضل الهندي في كشف اللثام لأن ولايتهما ذاتية منوطة بإشفاقهما وتضررهما بما يتضرر به الولد) وفيه : إنه استحسان لا يصلح لإثبات الحكم الشرعي ، وربما قيل بولاية الحاكم حينئذ لأنه ولي من لا ولي له ، ومن جهة رابعة فالبالغ السفيه وكذا البالغة كذلك يحتاج إلى إذن الولي في النكاح كما يحتاج إلى إذنه في الماليات ، فلهما الولاية على السفيه لإطلاق خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا بلغ ونبت عليه الشعر جاز أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا) (٣).

(١) من الأب أو الجد.

(٢) من الصغر والجنون والسفه.

(٣) قد تقدم أن الأنثى إذا كانت صغيرة أو مجنونة أو سفيهة فلا إشكال في ثبوت الولاية عليها ، وأعلم أنه لا خلاف أيضا في سقوط الولاية عن الثيب الرشيدة بلا خلاف فيه إلا من ابن أبي عقيل من بقاء الولاية عليها وهو قول شاذ للأخبار الكثيرة. ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الحجر حديث ٥.

١٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في المرأة الثيب تخطب إلى نفسها ، قال عليه‌السلام : هي أملك بنفسها تولي أمرها من شاءت إذا كان كفؤا بعد أن كانت قد نكحت رجلا قبله) (١) ، ومثله خبر عبد الخالق (٢) وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٣) ، ومثلها غيرها من النصوص ، وكذا لا خلاف في عدم الولاية على البالغ البكر الرشيد لخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت له : إني أريد أن أتزوج امرأة وإن أبواي أرادا أن يزوجاني غيرها ، فقال عليه‌السلام : تزوج التي هويت ودع التي يهوي أبواك) (٤) ، وخبر أبان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا زوّج الرجل ابنه كان ذلك إلى ابنه ، وإذا زوّج ابنته جاز ذلك) (٥) وأما ثبوت الولاية على البكر البالغة الرشيدة ففيه خلاف على أقوال :

الأول : ثبوت ولايتهما عليها على نحو الاستقلال ، وهو المنسوب إلى الشيخ في أكثر كتبه والصدوق والعماني وكاشف اللثام وصاحب الحدائق ، بل هو المنسوب إلى مشهور القدامى واستدل له بجملة من النصوص.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر؟ فقال عليه‌السلام : ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب) (٦) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، وليس لها مع الأب أمر ، وقال عليه‌السلام : يستأمرها كل أحد ما عدا الأب) (٧) ، وخبر علي بن جعفر (سألته عن الرجل هل يصلح له أن يزوج ابنته بغير إذنها ، قال عليه‌السلام : نعم ، ليس للولد مع الوالد أمر ، إلا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك ، فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن تستأمر) (٨) ومثلها غيرها ، وقد استقصى شيخنا الأعظم هذه الأخبار في رسالته وقال (فهذه ثلاث وعشرون رواية تدل على استمرار ولاية الأب على البالغة الباكرة) انتهى.

الثاني : عدم الولاية عليها مطلقا بل لها تمام الاستقلال وهو المنسوب إلى المشهور بين ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ٤ و ٢ و ١٢.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ١ و ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ١١.

(٧) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ٣.

(٨) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ٨.

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ القدماء والمتأخرين للإجماع على زوال الولاية في المال فكذا في النكاح ، وللأخبار :

منها : صحيح الفضلاء ـ الفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وزرارة وبريد بن معاوية كلهم ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام (المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولىّ عليها تزويجها بغير ولي جائز) (١) ، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (تستأمر البكر وغيرها ، ولا تنكح إلا بأمرها) (٢) ، وخبر سعدان بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن وليها) (٣) ، ولما روته العامة عن ابن عباس (أن جارية بكرا جاءت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : إن أبي زوّجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أجيزي ما صنع أبوك ، فقالت : لا رغبة لي فيما صنع أبي ، قال : فاذهبي فانكحي من شئت ، فقالت : لا رغبة لي عن ما صنع أبي ، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء في أمور بناتهم شي‌ء) (٤) ، وخبره الآخر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (الأيّم أحق بنفسها من وليّها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها) (٥) بالإضافة إلى الأصل من عدم اشتراط ولاية الولي ولا إذنه في صحة العقد بعد انتفاء ولايته عنها في غير النكاح.

الثالث : التفصيل بين الدوام والانقطاع ، باستقلالها في الأول دون الثاني ، وقد حكاه في الشرائع والتذكرة قولا ، ولم يعرف قائله ، لصحيح البزنطي عن الرضا عليه‌السلام (البكر لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها) (٦) وصحيح أبي مريم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها) (٧) ، وبه يجمع بين الطائفتين الأولى والثانية.

وتخصيص المنقطع بالولاية لأن استقلالها بالمتعة إضرار بالأولياء لما يشتمل المنقطع على الغضاضة والعار بسبب الإباء الطبيعي.

الرابع : عكس الثالث باستقلالها في المنقطع دون الدائم كما عن الشيخ في كتابي الأخبار للجمع بين الأخبار ، ولخبر أبي سعيد (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن التمتع من الإبكار اللواتي بين الأبوين ، فقال : لا بأس ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب) (٨) ، وخبر ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ١ و ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ٤.

(٤) سنن ابن ماجه ج ١ ص ٥٧٨.

(٥) سنن البيهقي ج ٧ ص ١١٨.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة حديث ٥ و ١٢.

(٨) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة حديث ٦.

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ الحلبي (سألته عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها قال : لا بأس ما لم يفتض ما هناك) (١). وتخصيص الدائم بالولاية لكثرة أحكام الدائم وكثرة حقوق الزوج فيه مع أن المرأة قاصرة النظر في تحصيل المناسب فوكل أمرها إلى الولي في الدائم لتعذر استدراك فائته بخلاف المنقطع.

وفي القولين ضعف ظاهر ، لأن الجمع بين أخبار الطائفتين الأولى والثانية بما تقدم جمع تبرعي لا شاهد عليه من نفسها أو من غيرها ، وأخبار تمتع البكر بدون إذن وليها معارضة بأخبار لابديّة إذن وليها على ما تقدم عرض بعضها.

الخامس : التشريك بمعنى اعتبار إذنهما معا كما عن المفيد والحلبيين وظاهر الوسائل للأخبار :

منها : صحيح العلاء بن رزين عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تتزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن) (٢) ، وخبر أبي مريم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها) (٣) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (لا ينقض النكاح إلا الأب) (٤) ، وموثق صفوان (استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه‌السلام في تزويج ابنته لابن أخيه ، فقال عليه‌السلام : افعل ويكون ذلك برضاها ، فإن لها في نفسها نصيبا ، قال : واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر عليه‌السلام في تزويج ابنته علي بن جعفر ، فقال عليه‌السلام : افعل ويكون ذلك برضاها ، فإن لها في نفسها حظا) (٥) ومثلها غيرها من الأخبار ، وبه يتم الجمع بين الأخبار المتقدمة الواردة في استقلال الولي واستقلالها ، نعم عن المفيد اختصاص التشريك بين المرأة وأبيها دون غيره من الأولياء لظاهر هذه الأخبار ، وقد حملت على الغالب من كون الولي هو الأب ، وإلا فقد تقدم أن ما يثبت للأب يثبت للجد ثم على القول بثبوت الولاية على البكر فلو ذهبت بكارتها بغير الوطء من وثبة ونحوها فقد صرح جماعة منهم الشارح وصاحب الجواهر ببقاء الولاية للاستصحاب ، وبصدق الباكرة عليها لأنها لم تمس ، وبعدم صدق الثيب عليها ، لأن الثيب من تزوجت ، ولخبر علي بن جعفر المتقدم حيث قال عليه‌السلام (نعم ليس للولد مع الوالد أمر ، إلا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة حديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ٦.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ٢ و ١ و ٥.

١٧٣

الآية (١) والأخبار والأصل.

وما ورد من الأخبار الدالة على أنها لا تتزوج إلا بإذن الولي محمولة على كراهة الاستبداد جمعا ، إذ لو عمل بها (٢) لزم اطراح ما دلّ على انتفاء الولاية (٣) ، ومنهم من جمع بينهما بالتشريك بينهما في الولاية ، ومنهم من جمع بحمل إحداهما (٤) على المتعة ، والأخرى على الدوام ، وهو تحكم.

(ولو عضلها) الولي ، وهو أن لا يزوجها بالكفو مع وجوده ورغبتها(فلا)

______________________________________________________

ـ تستأمر) (١) ، وهو صريح في كون الثيب مختصة بمن نكحت رجلا ، والباقي ومنه موردنا يبقى تحت أدلة عموم الولاية للولي.

وأما لو ذهبت بكارتها بالزنا والشبهة ففيه خلاف ، ففي المستند إلحاقها بالبكر ، وفي الجواهر إلحاقها بالثيب لأن الثيوبة هي زوال البكارة بالوطء وهو متحقق في المقام ، وفيه : إن نصوص الثيب مقيدة بمن تزوجت وقد ذهبت بكارتها بذلك فيبقى مقامنا تحت أدلة عموم الولاية للولي ، فهي في هذا المورد ملحقة بالبكر ، ومنه تعرف ما لو تزوجت ومات عنها زوجها أو طلقها قبل أن يدخل بها فهي باكرة لعدم تحقق زوال البكارة فيها.

(١) بل استدل في المسالك بالآيات الدالة على إضافة النكاح إلى النساء من غير تفصيل كقوله تعالى : (حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٢) ، وقوله تعالى : (وَإِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلٰا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوٰاجَهُنَّ إِذٰا تَرٰاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) (٣) ، وفيه أما الأخيرة فهي واردة في المعتدة عدة الوفاة ، وهي غالبا ما تكون ثيبا ، وأما السابقتان فهما واردتان في المطلقة وهي غالبا ما تكون ثيبا ومعه لا يمكن الاستدلال بها على البكر لخروجها تخصصا.

(٢) بما دل على أنها لا تتزوج إلا بإذن الولي.

(٣) وكذا لو عمل بما دل على انتفاء الولاية للزم اطراح ما دل على أنها لا تتزوج إلا بإذن الولي ، فالإشكال مشترك الورود.

(٤) إحدى الطائفتين كما هو مقتضى القولين الثالث والرابع المتقدمين.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ٨.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٠.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٢.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٤.

١٧٤

(بحث في سقوط ولايته) ، وجواز استقلالها به (١) ، ولا فرق حينئذ (٢) بين كون النكاح بمهر المثل ، وغيره ، ولو منع من غير الكفو لم يكن عضلا ، (وللمولى تزويج رقيقه (٣) ذكرا) كان أم(أنثى) رشيدا كان أم غير رشيد ، ولا خيار له

______________________________________________________

(١) بالنكاح ، اعلم أن العضل هو المنع من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك أو مع ميلها لذلك ، ومع العضل يسقط اعتبار إذن الولي بلا خلاف فيه لقوله تعالى : (فَلٰا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوٰاجَهُنَّ إِذٰا تَرٰاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) (١) ، ولعموم أدلة نفي الحرج والضرر.

وإذا سقط اعتبار إذنه فتستقل هي بنفسها ، وعن بعض العامة أنه حينئذ يزوجها الحاكم ولا تستقل هي لكونها مسلوبة العبارة وهو ضعيف ثم إذا استقلت بالنكاح فلا فرق بين نكاحها نفسها للكف‌ء بمهر المثل وبدونه ، لأن المهر حقها فلا اعتراض عليها فيه ولذا لو أسقطته بعد وجوبه فلها الحق فكذا لو أسقطت بعضه حال العقد بأن قبلت بمهر دون مهر المثل.

ثم لو منعها من التزويج بغير الكفؤ فلا يكون عضلا ، وغير الكفؤ من ورد في حقه النهي عن التزويج بهم كشارب الخمر وتارك الصلاة والمتجاهر بالفسق سيّئ الخلق ، وليس المراد به من يفقد الكفاءة المعتبرة شرعا في صحة النكاح كالإسلام إذا كانت المرأة مسلمة ، إذ لا بدّ من هذه الكفاءة في صحة العقد ، وبدونها يحكم بالبطلان.

وفي حكم العضل الغيبة المنقطعة التي يحصل معها المشقة الشديدة من اعتبار استئذان الولي.

(٢) أي حين استقلالها بالنكاح.

(٣) يجوز للمولى تزويج أمته بلا خلاف فيه ، لأن بضعها من جملة ماله فله نقله إلى من شاء لقاعدة السلطنة ولعموم قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ ، وَاللّٰهُ أَعْلَمُ بِإِيمٰانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ، فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) (٢) ، وكذا الكلام في عبده الصغير والكبير لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده فقال : ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء وفرّق بينهما) (٣) ومثله غيره ، بل مما تقدم تعرف أن المولى له إجبار رقيقه على الزواج ولو كان كبيرا ، ومنه تعرف ضعف ما عن بعض العامة من أن ـ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٣.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٢٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث ١.

١٧٥

معه (١) ، وله اجباره عليه (٢) مطلقا (٣) ، ولو تحرر بعضه لم يملك إجباره حينئذ (٤) ، كما لا يصح نكاحه إلا بإذنه.

(والحاكم (٥) والوصي (٦) يزوجان من بلغ فاسد العقل) ، أو سفيها(مع كون)

______________________________________________________

ـ المولى ليس له إجبار المملوك الكبير على الزواج بدعوى أنه مالك للطلاق وفيه : إن كونه مالكا للطلاق لا ينافي جواز إجباره على النكاح.

(١) أي لا خيار للرقيق مع مولاه.

(٢) أي للمولى إجبار رقيقه على التزويج.

(٣) ذكرا كان أو أنثى ، صغيرا كان أو كبيرا.

(٤) من تحرر بعضه صار شريكا للمولى في الحق المتعلق برقبته ، فليس لأحد منهما التصرف إلا بإذن الآخر ، ومنه النكاح ،

وليس للمولى إجباره عليه مراعاة لجانب الحرية لأن الحر لا يجبر عليه والنكاح لا يختص ببعضه ، كما أنه لا يجوز للعبد الاستقلال بالنكاح مراعاة لجانب الرقية ، بل يعتبر صدوره عن رأيهما.

(٥) للحاكم الشرعي له ولاية على من ولي له في النكاح والمال للنبوي (السلطان ولي من لا ولي له) (١) ، ولكونه قد جعل قاضيا وحاكما كما في الخبر (٢) ، وتزويج من لا ولي له مع حاجته من مناصب القضاة ووظائفهم ، ومن لا ولي له هو من كان فاقدا للأب والجد ، ولا وصيّ عليه من قبلهما ، هذا مع أن المشهور على أنه ليس للحاكم ولاية النكاح على الصبي وعلّل بأنه لا حاجة له في النكاح والأصل عدم ثبوت ولايته فيه ، وفيه : أما الأول فهو ممنوع بنحو الكلية فقد تكون الحاجة إليه لأن الحاجة لا تختص بالوطء ، وأما الثاني فالأصل غير مسموع بعد عموم أدلة ولاية الحاكم.

نعم له الولاية على من بلغ غير رشيد بجنون أو سفه ولم يكن له وليّ من حيث القرابة ، وكذا له الولاية على من تجدد فساد عقله إذا كان النكاح صلاحا له بلا خلاف فيه ، لعموم أنه ولي من لا ولي له.

(٦) فالوصي له الولاية على من بلغ غير رشيد بجنون بلا خلاف فيه للضرورة وعجز المحتاج عن المباشرة ، وأشكل عليه بأنه لو ثبت ولاية الوصي على المجنون البالغ لثبتت ولايته على الصغير مع أن فيها الخلاف الآتي ، والاستدلال عليها بالضرورة وعجز المحتاج يقتضي إما ثبوت الولاية للحاكم وإما أن يعلم جميع المكلفين على نحو الوجوب الكفائي ولا يختص بالوصي. ـ

__________________

(١) كنز العمال ج ٨ ص ٤٠٠٣ ، والسنن الكبرى ج ٧ ص ١٢٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي حديث ٦.

١٧٦

(النكاح صلاحا له ، وخلوّه من الأب والجد له) ، ولا ولاية لهما على الصغير (١) مطلقا (٢) في المشهور ، ولا على من بلغ رشيدا ، ويزيد الحاكم الولاية على من بلغ ورشد ثم تجدد له الجنون.

وفي ثبوت ولاية الوصي على الصغيرين مع المصلحة مطلقا (٣) ، أو مع

______________________________________________________

ـ نعم لو قلنا بولاية الوصي على الصغير أمكن استصحاب الولاية إلى ما بعد البلوغ إذا بلغ فاسد العقل ، ومثله ما لو بلغ سفيها.

وأما ولاية الوصي على غير البالغ ففيه أقوال : نفي الولاية مطلقا كما عليه المشهور لأصالة عدمها ولصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال عليه‌السلام : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم) (١) ومفهوم نفي التوارث إذا كان المتولي للتزويج غير الأب وإن كان هو الوصي.

الثاني : ثبوتها مطلقا وهو اختيار الشيخ في المبسوط والعلامة في المختلف والشهيد في شرح الإرشاد والشارح هنا في الروضة لصحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن الذي بيده عقدة النكاح ، قال : هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه) (٢) ومثله غيره ، واشتمال الخبر على الأخ الذي لا ولاية له قطعا لا يسقط النص عن الحجية كما ذكر صاحب الجواهر وغيره.

الثالث : ثبوت الولاية للوصي إذا نص الموصي على النكاح ، وعدمه عند عدم التنصيص كما عن الشيخ في الخلاف وابن سعيد في جامعه والمحقق الثاني وجماعة ، أما عدم الولاية عند عدم التنصيص فلما تقدم في القول الأول ، وأما ثبوتها مع التنصيص فلقوله تعالى (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) (٣) وحرمة تبديل الوصية تقتضي ثبوت ولاية الوصي بتولية الموصي ، ولقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتٰامىٰ قُلْ إِصْلٰاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) (٤) ، والتزويج مع المصلحة إصلاح فيجوز للوصي حينئذ ، وفيه : إنه غير مختص بالوصي بل هو شامل لجميع المكلفين.

(١) ذكرا كان أو أنثى.

(٢) مع المصلحة وعدمها ، وسواء صرح الموصي أم لا.

(٣) سواء صرح الموصي أم لا كما هو مقتضى القول الثاني.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ٤ و ٥.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ١٨٢.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢٢١.

١٧٧

تصريحه له في الوصية بالنكاح أقوال (١) ، اختار المصنف هنا انتفاءها مطلقا (٢) ، وفي شرح الإرشاد اختار الجواز مع التنصيص (٣) ، أو مطلقا (٤) ، وقبله العلامة في المختلف (٥) وهو حسن ، لأن تصرفات الوصي منوطة بالغبطة وقد تتحقق في نكاح الصغير (٦) ، ولعموم فمن بدّ له (٧) ولرواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : «الذي بيده عقدة النكاح هو الأب ، والأخ ، والرجل يوصى إليه» وذكر الأخ غير مناف ، لإمكان حمله على كونه وصيا أيضا (٨) ، ولأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك (٩) ، لتعذر تحصيل الكفو حيث يراد (١٠) ، خصوصا مع التصريح بالولاية فيه (١١).

(وهنا مسائل)

(الأولى : يصح اشتراط الخيار في الصداق) (١٢) ،.

______________________________________________________

(١) بعد ضم قول المشهور المتقدم من نفي الولاية مطلقا.

(٢) مع المصلحة وعدمها ، ومع تصريح الموصي أم لا كما هو مقتضى القول الأول.

(٣) كما هو مقتضى القول الثالث.

(٤) كما هو مقتضى القول الثاني.

(٥) اختيار الجواز مع التنصيص أو مطلقا.

(٦) فتندرج تحت قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتٰامىٰ قُلْ إِصْلٰاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) (١).

(٧) وهو قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) (٢).

(٨) فيكون من باب عطف العام على الخاص.

(٩) أي إلى إنكاح الوصي.

(١٠) قال في المسالك : (وقد تتحقق الغبطة في نكاح الصغير من ذكر أو أنثى بوجود كفؤ لا يتفق في كل وقت ويخاف بتأخيره فوته) انتهى.

(١١) أي في الإنكاح ، والتصريح بالولاية من الموصي.

(١٢) لا يجوز اشتراط الخيار في عقد النكاح بلا خلاف فيه ، لأن النكاح ليس معاوضة محضة ـ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٢١.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٨٢.

١٧٨

لأن ذكره (١) في العقد غير شرط في صحته ، فيجوز إخلاؤه عنه (٢) ، واشتراط عدمه (٣) ، فاشتراط الخيار فيه (٤) غير مناف لمقتضى العقد ، فيندرج في عموم «المؤمنون عند شروطهم» ، فإن فسخه ذو الخيار ثبت مهر المثل مع الدخول ، ولو اتفقا على غيره (٥) قبله (٦) صح ، (ولا يجوز) اشتراطه(في العقد) لأنه (٧) ملحق

______________________________________________________

ـ بل فيه شائبة العبادة والعبادات لا يدخلها الخيار ، ولأن اشتراط الخيار يفضي إلى فسخ العقد بعد ابتذال المرأة وهو ضرر عليها ، ولهذا وجب بالطلاق قبل الدخول نصف المهر جبرا لها ، ولأن شرط الخيار مناف للدوام المعتبر في النكاح فهو شرط مخالف لمقتضى العقد ، فلو شرط الخيار فالشرط باطل قطعا ، وفي بطلان العقد به قولان ، فالمشهور على البطلان ، لأن التراضي بالعقد لم يقع إلا على هذا الوجه ، وبدونه فلا تراضي ولا عقد ، وعن ابن إدريس صحة العقد وإن بطل الشرط ، لأن العقد مشتمل على أمرين أحدهما صحيح والآخر فاسد ، ولا ربط لأحدهما بالآخر ، ومما تقدم تعرف ضعفه.

ثم إنه لا خلاف بينهم في جواز اشتراط الخيار في المهر بحيث يوقع العقد على مهر بقدر ، وثبوت الخيار له فيه إلى مدة معينة ، بحيث لو فسخ قبل انقضاء المدة يكون العقد بلا ذكر المهر فيرجع فيه إلى مهر المثل ، بلا فرق بين كونه للزوج أو الزوجة ، لأن ذكر المهر غير شرط في صحة العقد فلذا جاز اشتراط الخيار فيه مدة مضبوطة ، لأن غايته فسخه وإبقاء العقد بغير مهر وهو جائز ، وإذا كان الشرط في المهر غير مناف لمقتضى العقد فيندرج تحت العموم (المؤمنون عند شروطهم) (١).

(١) أي ذكر المهر.

(٢) أي خلو عقد النكاح عن المهر.

(٣) أي اشتراط عدم المهر في عقد النكاح ، ولكن اشتراط العدم في الحال أما لو شرط عدم المهر في الحال وفي المآل بحيث يشمل بعد الدخول فسد العقد ، لأن اشتراط العدم حينئذ مناف لما دل على ثبوت مهر المثل لها.

(٤) أي الخيار في الصداق.

(٥) على غير مهر المثل ، وكان الاتفاق المذكور بعد الفسخ.

(٦) أي قبل الدخول.

(٧) أي النكاح.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور حديث ٤.

١٧٩

بضروب العبادات ، لا المعاوضات(فيبطل) العقد باشتراط الخيار فيه ، لأن التراضي إنما وقع بالشرط الفاسد ولم يحصل.

وقيل : يبطل الشرط خاصة ، لأن الواقع شيئان فإذا بطل أحدهما بقي الآخر.

ويضعف بأن الواقع شي‌ء واحد وهو العقد على وجه الاشتراط فلا يتبعض.

ويمكن إرادة القول الثاني (١) من العبارة (٢).

(ويصح توكيل كل من الزوجين في النكاح) (٣) ، لأنه مما يقبل النيابة ولا يختص غرض الشارع بإيقاعه من مباشر معين(فليقل الولي) وليّ (٤) المرأة لوكيل الزوج : (زوّجت من موكلك فلان (٥) ، ولا يقل : منك) (٦) بخلاف البيع (٧) ونحوه من العقود.

والفرق (٨) أن الزوجين (٩) في النكاح ركنان بمثابة الثمن والمثمن في البيع ولا بدّ من تسميتهما (١٠) في البيع ، فكذا الزوجان في النكاح (١١) ، ولأن البيع (١٢)

______________________________________________________

(١) أي بطلان الشرط خاصة.

(٢) أي عبارة المصنف حيث قال (ولا يجوز في العقد فيبطل) بإرجاع ضمير الفاعل في (فيبطل) إلى الشرط فقط.

(٣) أي في عقد النكاح بلا خلاف فيه ، لما تقدم في باب الوكالة من أن الوكالة تصح في كل فعل لم يتعلق غرض الشارع بصدوره من مباشر معيّن.

(٤) وهو المباشر للعمل أي الوكيل أو الولي كأبيها وجدها.

(٥) أو بدون لفظ (من).

(٦) لأن التزويج ليس للوكيل بل لموكله.

(٧) فيصح مخاطبة الوكيل بقوله : بعتك كذا بكذا ، ويكون البيع للموكل.

(٨) أي الفرق بين التوكيل في النكاح والتوكيل في البيع بما ذكر من الخصوصيات ، والفرق من وجوه أربعة قد ذكرها الشارح هنا تبعا للمحقق الثاني في جامع المقاصد.

(٩) الفارق الأول.

(١٠) أي تسمية الثمن والمثمن.

(١١) وفيه : إنه قياس مع كون المتعاقدين في النكاح كالمتعاقدين في البيع ، والذي يقابل الثمن والمثمن هو البضع والمهر.

(١٢) الفارق الثاني.

١٨٠