الزبدة الفقهيّة - ج ٦

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-59-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ) (١) الشامل بعمومه للمملوك الفحل والخصي ، ومع فرض خروج الفحل لشبهة دعوى الإجماع فيبقى الخصي تحته والعام حجة في الباقي ، ولقوله تعالى : (أَوِ التّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجٰالِ) (٢) ، والخصي إذا كان ممسوح الذكر مع الاثنين لا يبقى له أربة في النساء ، لأن الإربة هي الحاجة.

وفيه : أما الآية الأولى فقد ورد (٣) أن المراد بقوله تعالى. (أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ) هو الإماء دون العبيد الذكران ، وأما الآية الثانية فقد ورد في صحيح زرارة (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : أو التابعين غير أولى الإربة من النساء ، قال عليه‌السلام : الأحمق الذي لا يأتي النساء) (٤) ، ونحوه غيره ، والأحمق لا ينطبق على الخصي فلا يصح الاستدلال بها ، بل لا يصح الأخذ بالآية في غير ما فسرت به في النصوص التي تقدم بعضها ، نعم عن الشافعي تفسير أولي الإربة بالخصي والمجبوب ، ولم يعرف ذلك لغيره ، وكأنه حمل للآية على معنى من لم يكن له في النساء حاجة ، وعلى هذا لا يختص بما ذكر بل يشمل العنين والعاجز المسنّ وغيرهما ، وهو كما ترى ، ومع عدم الدليل على استثناء الخصي المملوك فيرجع فيه إلى عمومات المنع من النظر ، ومنه تعرف ضعف القول بجواز النظر مطلقا ولو إلى غير مملوكته سواء كان الخصي مملوكا أم حرا كما عن ابن الجنيد وجماعة من المتأخرين مع أنه قد ورد المنع في بعض الأخبار من نظره إلى غير مملوكته ، ففي خبر عبد الملك بن عتبة النخعي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن أم الولد ، هل يصلح أن ينظر إليها خصي مولاها وهي تغتسل؟ قال عليه‌السلام : لا يحلّ ذلك) (٥) ، وخبر محمد بن إسحاق عن أبي الحسن عليه‌السلام (قلت : يكون للرجل خصي يدخل على نسائه فيناولهن الوضوء فيرى شعورهن ، قال عليه‌السلام : لا) (٦).

هذا كله في الخصي ، وأما المملوك غير الخصي فالمشهور على عدم الجواز أيضا مع أنه تردد فيه الشيخ في المبسوط ومال الشارح في المسالك إلى الجواز.

__________________

(١) سورة النور ، الآية : ٣١.

(٢) سورة النور ، الآية : ٣١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١١ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٢٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٢٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٢.

١٤١

منشأه ظاهر قوله تعالى : (أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ) المتناول بعمومه لموضع النزاع (١).

وما قيل (٢) من اختصاصه (٣) بالإماء جمعا بينه (٤) ، وبين الأمر (٥) بغض

______________________________________________________

ـ وقد استدل للجواز بقوله تعالى : (أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ) (١) وللأخبار.

منها : صحيح معاوية بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المملوك يرى شعر مولاته وساقها ، قال عليه‌السلام : لا بأس) (٢) ، والصحيح عن يونس بن عمار ويونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يحلّ للمرأة أن ينظر عبدها إلى شي‌ء من جسدها إلا إلى شعرها غير متعمد لذلك) (٣) ، وقال في الكافي (وفي رواية أخرى : لا بأس بأن ينظر إلى شعرها إذا كان مأمونا) (٤) ، وخبر إسحاق بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أينظر المملوك إلى شعر مولاته؟ قال عليه‌السلام : نعم وإلى ساقها) (٥) ، وخبر القاسم الصيقل (كتبت إليه أم علي تسأل عن كشف الرأس بين يدي الخادم ، وقالت له : إن شيعتك اختلفوا عليّ فقال بعضهم : لا بأس ، وقال بعضهم : لا يحلّ ، فكتب عليه‌السلام : سألت عن كشف الرأس بين يدي الخادم ، لا تكشفي رأسك بين يديه ، فإن ذلك مكروه) (٦).

ومقتضى العمل بها هو القول بالجوز إلا أن المشهور قد أعرضوا عنها فلا بد من حملها على التقية أو الضرورة ، وأما الآية فقد تقدم ما في مرسلة الشيخ في الخلاف (روى أصحابنا في قوله تعالى : أو ما ملكت أيمانهن ، أن المراد به الإماء دون العبيد الذكران) (٧).

(١) وهو الخصي المملوك لها ، وإذا جاز نظرها إليه ، فيجوز العكس للتلازم.

(٢) دليل عدم الجواز.

(٣) أي اختصاص قوله تعالى : (أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ) (٨).

(٤) بين قوله تعالى المتقدم.

(٥) في قوله تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (٩).

__________________

(١) سورة النور ، الآية : ٣١.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٢٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٣ و ١ و ٢ و ٦ و ٧.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٢٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٩.

(٨) سورة النور ، الآية : ٣١.

(٩) سورة النور ، الآية : ٣١.

١٤٢

البصر (١) ، وحفظ الفرج مطلقا (٢) ، ولا يرد دخولهن في نسائهن (٣) ، لاختصاصهن بالمسلمات ، وعموم (٤) ملك اليمين للكافرات.

ولا يخفى أن هذا (٥) كله خلاف ظاهر الآية (٦) من غير وجه للتخصيص ظاهرا،

(ويجوز استمتاع الزوج بما شاء من الزوجة (٧) ، إلا القبل في الحيض ، والنفاس) (٨) وهو موضع وفاق إلا من شاذّ من الأصحاب حيث حرّم النظر إلى الفرج (٩) والأخبار (١٠) ناطقة بالجواز (١١) ، وكذا القول في الأمة.

(والوطء في دبرها مكروه كراهة مغلظة) من غير تحريم على أشهر القولين (١٢) والروايتين ، وظاهر آية الحرث(وفي رواية) سدير عن الصادق عليه‌السلام

______________________________________________________

(١) عن الرجال.

(٢) عن الرجال والنساء ، لكن لا يتم الاستدلال به إلا مع ضميمة ما ورد في مرسلة الشيخ المتقدمة أن المراد بملك اليمين خصوص الإماء دون العبيد الذكران.

(٣) وهم وحاصله : إن الإماء داخلات في نسائهن الواردة في نفس الآية فلا داعي لإعادة ذكرهن ، وليس حكم الإماء من الأمور المهمة في هذا الباب حتى يعاد ذكرهن للتأكيد بل أمرهن أضعف من ذلك ، وهذا ما أورده الشارح في المسالك على من استدل بكون ملك اليمين مختصا بالإماء ، ولكنه هنا في الروضة أجاب عنه بأن لفظ النساء الوارد في الآية مختص بالمسلمات مع أن ملك اليمين يشمل الكافرات فلذا جازت الإعادة لوجود الفائدة.

(٤) الواو حالية أي والحال أن ملك اليمين عام يشمل الكافرات.

(٥) أي المذكور من الدليل على عدم الجواز.

(٦) لكونها عامة تشمل الذكور والإماء.

(٧) وهو من القطعيات.

(٨) على ما تقدم بيانه في محرمات الحائض والنفساء.

(٩) كما عن ابن حمزة وقد تقدم.

(١٠) وقد تقدمت.

(١١) بجواز النظر إلى الفرج.

(١٢) ويشهد له جملة من النصوص.

منها : صحيح صفوان (قلت للرضا عليه‌السلام : إن رجلا من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك ، واستحي منك أن يسألك عنها ، قال : ما هي؟ قلت : الرجل يأتي امرأته ـ

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ في دبرها؟ قال عليه‌السلام : نعم ذلك له ، قلت : وأنت تفعل؟ قال عليه‌السلام : إنا لا نفعل ذلك) (١) ، وموثق ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال عليه‌السلام : لا بأس) (٢) ، وصحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال عليه‌السلام : لا بأس إذا رضيت ، قلت : فأين قول الله عزوجل : فأتوهنّ من حيث أمركم الله ، قال : هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله ، إن الله عزوجل يقول : (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ)) (٣)، والأخير قيّد الجواز برضاها ، وهو صالح للتقييد بعد صحة سنده وإطلاق سائر النصوص المجوّزة بالإضافة إلى كونه موافق للاعتبار نظرا إلى عموم كونه من حقوق الزوجية فيتوقف جوازه على رضاها.

وعن القميين وابن حمزة وأبي الفتوح الرازي والراوندي في اللباب والسيد أبي المكارم صاحب بلابل القلاقل الحرمة للأخبار.

منها : صحيح معمر بن خلاد (قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : أي شي‌ء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن؟ قلت : إنه بلغني أن أهل المدينة لا يرون به بأسا ، فقال عليه‌السلام : إن اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول ، فأنزل الله عزوجل : (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ) ، من خلف أو قدّام ، خلافا لقول اليهود ، ولم يعن في أدبارهن) (٤) وخبر سدير عن أبي جعفر عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : محاش النساء على أمتي حرام) (٥) ومرسل الصدوق في الفقيه (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : محاش نساء أمتي على رجال أمتي حرام) (٦)ومثلها غيرها ، والجميع قاصر السند أو الدلالة ، بل الجمع العرفي يقتضي الحمل على الكراهة الشديدة. هذا كله في الأخبار وأما الآيات فقد استدل المجوّز بقوله تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ) (٧) بتقريب أن لفظ (أنّى) إما لخصوص المكان كما عن أئمة اللغة أو للأعم منه ومن الكيف وعلى التقديرين يثبت المطلوب ، وكونها حرثا لا يستلزم تقييد الإتيان بموضع الحرث ، بل المرأة نفسها شبّهت بالحرث ورخّص في إتيانها ، ولذا جاز التفخيذ ونحوه ، واستدل المانع بقوله ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٥ و ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ٢ و ٥.

(٧) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٣.

١٤٤

(يحرم) ، لأنه روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «محاش النساء على أمتي حرام» وهو مع سلامة سنده محمول على شدة الكراهة ، جمعا بينه ، وبين صحيحة ابن أبي يعفور الدالة على الجواز صريحا.

والمحاش جمع محشة وهو الدبر ويقال أيضا بالسين المهملة كنّي بالمحاش عن الأدبار ، كما كنّي بالحشوش عن مواضع الغائط ، فإن أصلها الحش بفتح الحاء المهملة وهو الكنيف ، وأصله البستان ، لأنهم كانوا كثيرا ما يتغوطون في البساتين ، كذا في نهاية ابن الأثير.

(ولا يجوز العزل عن الحرة (١) بغير شرط) ذلك حال العقد ، لمنافاته لحكمة

______________________________________________________

ـ تعالى : (فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّٰهُ) (١) ، وفيه : إن المراد أمر الله لنا هو الجهة التي أباحها الله ، وهي القبل والدبر.

ثم على القول بجواز الوطي دبرا فلا فرق في ذلك بين حال الحيض وغيره ، لما تقدم في كتاب الحيض من أن النصوص واردة في تحليل ما عدا القبل أو موضع الدم أو ذلك الموضع ، وهي ظاهرة في تحليل الوطي في الدبر حال الحيض ، ولذا خص الماتن هنا حرمة الوطي في حال الحيض والنفاس بالقبل فقط.

(١) العزل هو إخراج الآلة عند الإنزال وإفراغ المني خارج الفرج ، فالمشهور على الجواز للأخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العزل ، فقال : ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء) (٢) وموثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العزل ، فقال : ذاك إلى الرجل) (٣)، والصحيح عن عبد الرحمن الحذاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كان علي بن الحسين عليهما‌السلام لا يرى بالعزل بأسا ، يقرأ هذه الآية : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) ، فكل شي‌ء أخذ الله منه الميثاق فهو خارج ، وإن كان على صخرة صماء) (٤)، وموثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (لا بأس بالعزل عن المرأة الحرة إن أحب صاحبها وإن كرهت ، وليس لها من الأمر شي‌ء) (٥) ، ومثلها غيرها.

وعن المفيد والشيخ في المبسوط والخلاف الحرمة ، للأخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (أنه سئل عن العزل فقال : أما الأمة

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٢.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١ و ٢ و ٣ و ٤.

١٤٥

النكاح وهي الاستيلاد فيكون منافيا لغرض الشارع.

والأشهر الكراهة ، لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام أنه سأله عن العزل فقال : «أما الأمة فلا بأس ، وأما الحرة فإني أكره ذلك ، إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها». والكراهة ظاهرة في المرجوح الذي لا يمنع من النقيض ، بل حقيقة فيه (١) ، فلا تصلح (٢) حجة للمنع من حيث اطلاقها (٣) على التحريم في

______________________________________________________

فلا بأس ، فأما الحرة فإني أكره ذلك ، إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها) (١) ، وصحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه‌السلام مثل ذلك وقال في حديثه (إلا أن ترضى أو يشترط ذلك عليها حين يتزوجها) (٢) ، ولما روي (أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها) (٣) ، ولما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال (أنه الوأد الخفي) (٤) ، وخبر الدعائم عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام (الوأد الخفي أن يجامع الرجل المرأة ، فإذا أحسّ الماء نزعه منها فأنزله فيما سواها ، فلا تفعلوا ذلك ، فقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعزل من الحرة إلا بإذنها) (٥) ، بالإضافة إلى أن فيه تفويتا للغرض من النكاح وهو الاستيلاد ، وأنه مناف لحق الزوجة بل ربما كان فيه إيذاء لها ، وإلى أنه يجب فيه الدية ، وثبوتها يقتضي الدية.

وفيه : أما الصحيحان فهما متضمنان للفظ (فإني أكره) وهو ظاهر في الكراهة مع أن نصوص الجواز صريحة في الجواز فيحمل الصحيحان على الكراهة حينئذ ، وأما النبويان فهما عاميّان ويحملان على الكراهة جمعا بين الأخبار ، وكذا خبر الدعائم ، وأما تفويت الغرض فهو ليس بواجب التحصيل ، وأما منافاته لحق الزوجة فلا دليل على أنه من حقها ، وأما ثبوت الدية فهو أعم من الحرمة ، مع أنه ستعرف عدم ثبوتها. هذا وقد وقع الاتفاق على أنه لو كان العزل برضاها أو إذا اشترط ذلك عليها في العقد فجائز كما هو مقتضى بعض النصوص المتقدمة ، وكذلك لو كان العزل في الأمة فلا إشكال لصحيحي محمد بن مسلم المتقدمين ، بل لو كان العزل في المتمتع بها فلا إشكال للإجماع المدعى من جامع المقاصد وغيره وإلا فالنصوص لم تتعرض لها بالخصوص.

(١) في المرجوح.

(٢) أي الكراهة.

(٣) إطلاق الكراهة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١ و ٢.

(٣ و ٤) تذكرة الفقهاء ج ٢ ص ٥٧٦.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

١٤٦

بعض مواردها (١) ، فإن ذلك (٢) على وجه المجاز ، وعلى تقدير الحقيقة فاشتراكها (٣) يمنع من دلالة التحريم فيرجع إلى أصل الإباحة.

وحيث يحكم بالتحريم(فيجب دية النطفة لها) أي للمرأة خاصة(عشرة دنانير) (٤) ، ولو كرهناه فهي (٥) على الاستحباب (٦) ، واحترز بالحرة عن الأمة فلا يحرم العزل عنها اجماعا وإن كانت زوجة.

ويشترط في الحرة الدوام فلا تحريم في المتعة ، وعدم الإذن (٧) فلو أذنت

______________________________________________________

(١) كما وقع في غير مورد هذه الصحيحة.

(٢) أي إطلاق الكراهة على الحرمة.

(٣) أي اشتراك الكراهة حقيقة بين الحرمة والكراهة.

(٤) ذهب جماعة منهم الشيخ والقاضي وأبي الصلاح وابني حمزة وزهرة والكيدري والعلامة في القواعد والإرشاد ، وكاشف اللثام إلى ثبوت دية النطقة عليه ، وهي عشرة دنانير يدفعها للزوجة للصحيح عن يونس عن أبي الحسن عليه‌السلام (أن عليا عليه‌السلام قضى في الرجل يفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك : نصف خمس المائة ، عشرة دنانير) (١) ورواه الكافي عن كتاب طريف عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال: (وأفتى عليه‌السلام في منيّ رجل يفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك : نصف خمس المائة ، عشرة دنانير) (٢) بدعوى ظهور كون نصف خمس المائة هي دية النطفة مهما كان السبب ، وعن المعظم خلافه لأن نصوص جواز العزل ظاهرة في عدم الدية ، ومصرّحة بأن المني ماؤه يضعه حيث شاء ، والصحيح المتقدم ناظر إلى الأجنبي الذي أوجب الإفراغ خارج الفرج بسبب الإنزاع وقياس الوالد عليه قياس مع الفارق لا نقول به.

وعن القواعد والشرائع ثبوت الدية حتى على القول بالجواز ، وهو ضعيف ، إذ الدية لو قلنا بثبوتها فلا تثبت إلا على القول بحرمة العزل لأنه أنسب كما في المسالك.

(٥) أي الدية.

(٦) وقد عرفت أن الدية منحصرة ، على القول بالحرمة فقط.

(٧) أي ويشترط في الحرمة عدم الاذن.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء حديث ١ وملحقه.

١٤٧

انتفى أيضا ، وكذا يكره لها العزل بدون أذنه (١) ، وهل يحرم (٢) لو قلنا به فيه (٣) مقتضى الدليل الأول (٤) ذلك (٥) ، والأخبار خالية عنه (٦).

ومثله (٧) القول في دية النطفة له (٨).

(ولا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر) (٩) ، والمعتبر في الوجوب

______________________________________________________

(١) معنى عزل المرأة هو : منعها من الإنزال في فرجها ، وقد استظهر صاحب الجواهر وجماعة حرمته لأنه مناف للتمكين الواجب عليها.

(٢) أي يحرم عزل المرأة بدون إذنه.

(٣) أي لو قلنا بحرمة العزل في الرجل.

(٤) وهو منافاة العزل لحكمة النكاح ، وهي الاستيلاد.

(٥) أي حرمة العزل.

(٦) عن عزل المرأة بغير إذنه ، وقد عرفت حرمته حتى على القول بجواز عزل الرجل ، لأنه مناف للتمكين الواجب عليها.

(٧) أي ومثل عزل المرأة بغير إذنه.

(٨) للرجل ، واستظهر في الجواهر وجوب الدية عليها ضرورة كونها حينئذ كالمفزع أو أعظم في التفويت إذا كانت قد نحّت نفسها عنه عند إنزاله ، وفيه : إن الجناية في خبر الدية المتقدم من الأجنبي وحمل الأم عليه قياس لا نقول به.

(٩) بلا خلاف فيه لخبر صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (سأله عن الرجل تكون عنده المرأة الشابة فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ، ليس يريد الإضرار بها ، يكون لهم مصيبة ، يكون في ذلك آثما؟ قال عليه‌السلام : إذا تركها أربعة أشهر كان آثما بعد ذلك) (١) ، وقد رده الشيخ بطريق آخر وفيه (إلا أن يكون باذنها) (٢).

واختصاص السؤال في الخبر بالشابة لا ينافي تعميم الحكم الثابت لأنه قد ثبت بما هي زوجة ، فيشمل الحكم لكل زوجة حينئذ ، ولا فرق بين الدائم والمتمتّع بها لإطلاق النص كما عليه جماعة ، وكذا لا فرق بين الحرة والأمة للإطلاق ، كما أن مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كون الزوج حاضرا أو مسافرا في غير سفر الواجب ، وقد استشكل في هذا التعميم جماعة منهم كشف اللثام فخصه بالزوج الحاضر المتملك من الوطي كما هو صريح الخبر من أن عنده المرأة الشابة. هذا والمعتبر من الواطئ حينئذ مسماه وهو ما أوجب الغسل ولا يشترط الإنزال ، ولا يكفي الدخول في الدبر لانصراف الخبر المتقدم إلى خصوص المعهود من الوطء وهو الوطء في الفرج.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٧١ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

١٤٨

مسماه ، وهو الموجب للغسل ، ولا يشترط الإنزال ، ولا يكفي الدبر ، (و) كذا(لا يجوز) الدخول(قبل) إكمالها(تسع) سنين (١).

______________________________________________________

(١) يحرم الدخول بالمرأة قبل بلوغها تسع سنين للأخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين) (١) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين) (٢) ونحوه خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (٣) ، والتخيير فيهما يوجب حمل الأكثر على الاستحباب ومقتضى إطلاق النصوص عدم الفرق بين الدائم والمتمتع بها ، ثم إن صريح الأخبار حرمة الوطي بمعنى الدخول في الفرج ، وأما غير ذلك من باقي الاستمتاعات من النظر واللمس والضم والتفخيذ فجائز للأصل السالم عن المعارض ، ومنه تعرف ما ذهب إليه الشارح هنا في الروضة من استجواد تحريم الاستمتاع بغير الوطي ليس في محله ، نعم الظاهر أن الدخول في الدبر كالدخول في القبل محرم لإطلاق النصوص المتقدمة.

ثم إذا تزوج بالصغيرة المذكورة ودخل بها فهو آثم بلا إشكال ، ولكن هل تحرم عليه حينئذ كما عن الشيخين في المقنعة والنهاية وابن إدريس لمرسل يعقوب بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرّق بينهما ولم تحلّ له أبدا) (١).

وعلى المشهور أنها لا تحرم إلا مع الإفضاء لصحيح حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك فلما دخل بها اقتضها فأفضاها ، فقال عليه‌السلام : إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين اقتضها ، فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج ، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها ، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شي‌ء عليه) (٢) ، وخبر بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه‌السلام (في رجل اقتضّ جارية ـ يعني امرأته ـ فأفضاها ، قال : عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين ، قال : وإن أمسكها ولم يطلقها فلا شي‌ء عليه ، إن شاء أمسك وإن شاء طلّق) (١).

ومقتضى الجمع بين الأخبار أن الدخول قبل التسع مع الإفضاء يوجب التحريم ، فما عن ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١ و ٢ و ٤.

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث ٢ و ١.

(١) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث ٣.

١٤٩

هلالية (١) (فتحرم عليه مؤبدا لو أفضاها) بالوطء بأن صيّر مسلك البول والحيض واحدا ، أو مسلك الحيض والغائط. وهل تخرج بذلك من حبالته (٢)؟ قولان أظهرهما العدم. وعلى القولين يجب الإنفاق عليها حتى يموت أحدهما (٣) ، وعلى ما

______________________________________________________

ـ كشف اللثام من عدم الظفر بخبر يدل على التحريم بالإفضاء ليس في محله.

ثم المراد من الإفضاء هو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا كما عليه المشهور ، أو صيرورة مسلك الحيض والغائط واحدا كما عن ابن سعيد وهو المشهور بين العامة ، وعن العلامة في جملة من كتبه على ما يستظهر منها أنه أعم من كليهما ، وفيه : إن المعنى الثاني للإفضاء بعيد لأن ما بينهما حاجز عريض قوي ، بالإضافة إلى تفريع الفقهاء على الإفضاء بأن البول تارة مستمسك وأخرى غير مستمسك وهو دال على كون الإفضاء صيرورة مسلك البول والحيض واحدا.

هذا وعن مجمع البحرين وكشف الرموز أن الإفضاء هو جعل مسلك البول والغائط واحدا وهو قول ثالث وليس عليه دليل من لغة أو عرف أو شرع.

(١) لانصراف النصوص.

(٢) إذا حرمت عليه مؤبدا بالإفضاء فهل تخرج من حبالته بفسخ عقد النكاح كما قيل ، لأن التحريم المؤبد ينافي مقتضى النكاح ، إذ ثمرته جل الاستمتاع ، ولما تقدم في مرسل يعقوب بن يزيد من قوله عليه‌السلام : (فرّق بينهما ولم تحل له أبدا) (١) ، وعن المشهور أنّها لا تخرج عن حبالته إلا بالطلاق لصحيح حمران وخبر بريد المتقدمين حيث صرّحا بذلك ، ففي الأول (وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شي‌ء عليه) وفي الثاني (وإن أمسكها ولم يطلّقها فلا شي‌ء عليه ، إن شاء أمسك وإن شاء طلق) ، وهو الأقوى ، بعد ضعف المرسل المتقدم فلا يصلح لمعارضة هذين الخبرين ، ولا غرابة في حرمتها عليه مع بقائها في حبالته.

(٣) لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن رجل تزوج جارية فوقع عليها فأفضاها ، قال عليه‌السلام : عليه الإجراء عليها ما دامت حية) (٢) ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما لو طلقها وتزوجت غيره وعدمه ، وعن الإسكافي في سقوط النفقة بالطلاق ، ووجهه غير ظاهر في مقابل الإطلاق ، ويستفاد من الخير المتقدم أن علة النفقة هي الإفضاء لا الزوجية فلذا حكم جماعة ببقاء النفقة ولو تزوجت بعد طلاقها منه لوجود علة النفقة وهي الإفضاء.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث ٤.

١٥٠

اخترناه (١) يحرم عليه أختها (٢) والخامسة (٣) ، وهل يحرم عليه وطؤها (٤) في الدبر والاستمتاع بغير الوطء وجهان أجودهما ذلك (٥) ، ويجوز له طلاقها (٦) ، ولا تسقط به (٧) النفقة (٨) وإن كان (٩) بائنا. ولو تزوجت بغيره ففي سقوطها (١٠) وجهان ، فإن طلقها الثاني بائنا عادت (١١) ، وكذا لو تعذر انفاقه (١٢) عليها لغيبة ، أو فقر مع احتمال وجوبها على المفضي مطلقا (١٣) لإطلاق النص ، ولا فرق في الحكم بين الدائم والمتمتع بها (١٤).

وهل يثبت الحكم في الأجنبية قولان أقربهما ذلك (١٥) في التحريم المؤبد ،

______________________________________________________

(١) من عدم خروج المرأة عن حبالته وإن حرمت عليه.

(٢) مع عدم الطلاق.

(٣) أي المرأة الخامسة.

(٤) أي وطء التي أفضاها.

(٥) أي الحرمة ، وقد تقدم ما فيه بالنسبة للاستمتاع بغير الوطء في الدبر.

(٦) كما هو صريح خبر بريد المتقدم.

(٧) أي بالطلاق.

(٨) وقد تقدم الكلام فيه.

(٩) أي الطلاق.

(١٠) أي سقوط النفقة ، وقد تقدم أنها لا تسقط لوجود علة الإنفاق وهي الإفضاء ، ووجه السقوط أن الإنفاق ما لو لم تتزوج هو الفرد المتيقن من الحكم فيقتصر عليه فيما خالف الأصل.

(١١) أي عادت النفقة بناء على سقوطها بالتزويج من غيره.

(١٢) أي إنفاق الزوج الثاني.

(١٣) سواء تزوجت بغير الزوج الأول أم لا ، وسواء تعذر إنفاق الزوج الثاني أم لا.

(١٤) وقد تقدم الكلام فيه.

(١٥) أي الثبوت ذهب العلامة وولده إلى تحريم الأجنبية لو أفضاها بالزنا أو بشبهة ، وذهب غيرهما إلى تحريم الأجنبية والأمة ، وعن جماعة منهم صاحب الجواهر اختصاص الحرمة بالزوجة الصغيرة المفضاة كما هو مورد النصوص فيتعين الرجوع في غيرها إلى القواعد المقتضية للعدم.

ومن ذهب إلى تعميم الحكم للأجنبية اعتمد على الأولوية فيها لوجود الاثم ، ومن ذهب إلى تعميم الحكم للأجنبية والأمة اعتمد على أن مناط الحرمة في الأخبار المتقدمة هو ـ

١٥١

دون النفقة (١).

وفي الأمة الوجهان (٢) ، وأولى (٣) بالتحريم. ويقوى الإشكال في الإنفاق لو أعتقها (٤).

ولو أفضى الزوجة بعد التسع ففي تحريمها وجهان أجودهما العدم (٥) ، وأولى بالعدم إفضاء الأجنبي كذلك (٦).

وفي تعدي الحكم إلى الإفضاء بغير الوطء (٧) وجهان أجودهما العدم (٨) وقوفا فيما خالف الأصل على مورد النص ، وإن وجبت الدية في الجميع (٩).

______________________________________________________

الصغر والإفضاء وهذا موجود في الأجنبية والأمة ، وفي كليهما ضعف ، لأن الحكم بالتحريم على خلاف الأصل فيقتصر فيه على القدر المتيقن من النصوص وهو الزوجة.

(١) وفيه : إن دليل وجوب النفقة على المفضاة هو صحيح الحلبي المتقدم (١) وهو صريح في اختصاص الحكم بالزوجة فقط فيقتصر عليها ، وفي غيرها يرجع إلى القواعد المقتضية للعدم.

(٢) من الثبوت وعدمه الواردان في الزوجة ، وقد عرفت أن الأقوى عدم الثبوت.

(٣) أي والأمة أولى بالتحريم من الأجنبية ، لكونها أقرب إلى الزوجة.

(٤) فعتقها بحكم طلاق الحرة ، وينبغي ثبوت النفقة عليه حينئذ ، ولكن قد عرفت عدم شمول الحكم للأمة.

(٥) لاختصاص صحيح حمران وخبر يزيد المتقدمين بالزوجة الصغيرة.

(٦) أي بعد التسع ، ووجه الأولوية أن الحكم في النصوص السابقة مختص بالزوج فيما لو أفضى الزوجة الصغيرة ، فلا يشمل الأجنبي فيما لو أفضى الصغيرة ، ومن باب أولى لا يشمل الأجنبي فيما لو أفضى الكبيرة.

(٧) كالأصبع.

(٨) لخروجه عن مورد النص.

(٩) أي في الزوجة المفضاة سواء كانت صغيرة أو كبيرة ، وفي الأجنبية كذلك وفي الأمة كذلك ، وسواء كان الإفضاء بالمعهود أو بالإصبع لصحيح سليمان بن خالد (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك استه ، ما فيه من الدية؟ ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث ٤.

١٥٢

(ويكره للمسافر أن يطرق أهله) أي يدخل إليهم من سفره(ليلا) (١) وقيده بعضهم بعدم إعلامهم بالحال ، وإلا لم يكره ، والنص مطلق : روى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : «يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح».

وفي تعلق الحكم بمجموع الليل ، أو اختصاصه بما بعد المبيت وغلق

______________________________________________________

ـ قال عليه‌السلام : دية كاملة ، وسألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد ، فقال عليه‌السلام : الدية كاملة) (١) ولما رواه في الفقيه بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام (أنه عليه‌السلام قضى في امرأة أفضيت بالدية) (٢) ، ولكن ذهب جماعة إلى عدم ثبوت الدية في الزوجة الكبيرة لصحيح حمران المتقدم حيث قال عليه‌السلام (إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين افتضها ، فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج فعلى الإمام أن يغرمه ديتها) (٣) ، وبناء عليه يجب أن لا تثبت الدية في الكبيرة سواء كانت زوجة أم أجنبية أم أمة.

(١) لخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح) (٤) ، وهو ظاهر في كراهة الدخول إليهم لا في الجماع ، وعليه فينبغي النوم خارج الدار ثم يدخل نهارا.

هذا ولا فرق في الكراهة بين أن يعلمهم بذلك قبل الليل وعدمه للعموم كما في المسالك ، وعن غيره أن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي كون الكراهة في حال عدم الاعلام المستلزم لعدم الاستعداد.

ثم لا فرق في الأهل الموجودين في الدار بين الزوجة وغيرها للإطلاق كما في المسالك ، وعن غيره أن النساق هو إرادة الزوجة من الأهل ، وهو المناسب لذكره في النكاح ، نعم إطلاق الخبر يشمل جميع الليل ، ومع ذلك احتمل اختصاص الكراهة بما بعد المبيت ، لأن لفظ (يطرق) هو الدق ، والآتي لا يحتاج إلى دق الباب إلا بعد إغلاقه ، وهذا لا يكون إلا بعد المبيت.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات المنافع حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب ديات الأعضاء حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح حديث ١.

١٥٣

الأبواب نظر ، منشأه ، دلالة كلام أهل اللغة على الأمرين. ففي «الصحاح» : أتانا فلان طروقا إذا جاء بليل. وهو شامل لجميعه. وفي نهاية ابن الأثير «قيل : أصل الطروق من الطرق وهو الدق وسمّي الآتي بالليل طارقا لاحتياجه إلى دق الباب» وهو مشعر بالثاني ولعله أجود.

والظاهر عدم الفرق بين كون الأهل زوجة ، وغيرها عملا بإطلاق اللفظ ، وإن كان الحكم فيها آكد ، وهو بباب النكاح أنسب (١).

______________________________________________________

(١) جرت عادة الفقهاء على ذكر خصائص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتاب النكاح ، لأن خصائصه في النكاح أكثر وأشهر ، وذكر الباقي للمناسبة ، وأشهر خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأول الزيادة على أربع نسوة بالعقد الدائم ، وقال في المسالك : (أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات عن تسعة نسوة : عائشة وحفصة وأم سلمة المخزومية ، وأم حبيب بنت أبي سفيان ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وجويرية بنت الحارث الخزاعية ، وسودة بنت زمعة ، وصفية بنت حيّ بن أخطب الخيبرية ، وزينب بنت جحش ، وجميع من تزوج بهن خمس عشرة ، وجمع بين إحدى عشرة ودخل بثلاث عشرة ، وفارق امرأتين في حياته : إحداهما الكلبية التي رأى بكشحها بياضا فقال : الحقي بأهلك ، والأخرى التي تعوذت منه بخديعة الأوليين حسدا لها.

الثاني : العقد بلفظ الهبة لقوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهٰا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرٰادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهٰا خٰالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (١) ، ولا يلزمه بها مهر ابتداء ولا انتهاء كما هو قضية الهبة ، ويجوز إيقاع العقد بلفظ الهبة.

الثالث : تحريم زوجاته على غيره بعد موته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله تعالى : (وَلٰا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوٰاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) (٢).

الرابع والخامس والسادس : وجوب السواك والوتر والأضحية للنبوي (ثلاث كتبت عليّ ولم تكتب عليكم : السواك والوتر والأضحية) (١) وفي آخر (كتب عليّ الوتر ولم يكتب عليكم ، وكتب عليّ السواك ولم يكتب عليكم ، وكتب عليّ الأضحية ولم يكتب عليكم) (٢).

السابع : قيام الليل والتهجد به لقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ) (٣) ، وقوله تعالى : ـ

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية : ٥٠.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية : ٥٣.

(٣ و ٤) الجواهر ج ٢٩ ص ١٢٦.

(٥) سورة الإسراء ، الآية : ٧٩.

١٥٤

(الفصل الثاني في العقد)

ويعتبر اشتماله على الإيجاب والقبول اللفظيين كغيره من العقود اللازمة (١)

______________________________________________________

ـ (يٰا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلّٰا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (١).

الثامن : تحريم الصدقة الواجبة أعني الزكاة للنبوي (إنا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة) (٢) ، وفي تحريم المندوبة خلاف.

التاسع : تحريم خائنة الأعين ، وهي الغمز بها ، بمعنى الإيماء بها إلى مباح على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال للنبوي (ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين) (٣) ، وعلل بأنها تشبه الخيانة من حيث الإخفاء.

العاشر : أبيح له الوصال في الصوم ، والوصال إما الجمع بين الليل والنهار بالإمساك ، وإما تأخير عشائه إلى وقت سحوره.

الحادي عشر : أنه ينام قلبه ولا تنام عينه ، وأنه يبصر ورائه كما يبصر أمامه ، وقد ذكر من خصائصه غير ذلك حتى أن العلامة في التذكرة قد ذكر ما يزيد على السبعين فراجع.

(١) يشترط في النكاح الإيجاب والقبول اللفظيين بلا خلاف فيه بل عليه إجماع علماء المسلمين ، قال في الحدائق : (أجمع العلماء من الخاصة والعامة على توقف النكاح على الإيجاب والقبول اللفظيين) ، وإلى ما في النكاح من شوب العبادة التي لا تتلقى إلا من الشارع كما في الجواهر وكشف اللثام والمسالك وغيرها المقتضي لحصر النكاح باللفظ الوارد من الشارع ، وإلى جملة من النصوص الدالة على انحصار العقد باللفظ.

منها : صحيح بريد العجلي (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، فقال : الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح ، وأما قوله : غليظا ، فهو ماء الرجل يفضيه إليها) (٤) ، وهو ظاهر في انحصار العقد باللفظ ، وخبر هشام بن سالم (قلت كيف يتزوج المتعة؟ قال : يقول أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا أو كذا درهما) (٥) ومثلها غيرها من النصوص الواردة في اعتبار اللفظ في المتعة. ـ

__________________

(١) سورة المزمل ، الآيات : ١ ـ ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المستحقين للزكاة حديث ٦.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٤٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النكاح وأولياء العقد حديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة حديث ٣.

١٥٥

(فالإيجاب زوجتك وأنكحتك ومتعتك لا غير) أما الأولان فموضع وفاق ، وقد ورد بهما القرآن في قوله تعالى : (زَوَّجْنٰاكَهٰا) (١). (وَلٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ)(٢).

وأما الأخير فاكتفى به المصنف وجماعة لأنه من ألفاظ النكاح ، لكونه حقيقة في المنقطع وإن توقف معه (٣) على الأجل ، كما لو عبّر بأحدهما فيه (٤) وميزه به ،

______________________________________________________

ـ ولعدم تعقل المعاطاة في النكاح ، لأن المعاطاة فعل ، وفعل الوطء المحقق للعقد بحاجة إلى سبب محلّل وإلا لكان سفاحا ، ولعدم كفاية الرضا الباطني وإلا لما بقي فرق بين النكاح والسفاح ، لذلك كله اشترط اللفظ في عقد النكاح هذا من جهة ومن جهة أخرى وقع الاتفاق على وقوع الإيجاب بلفظ النكاح أو التزويج فتقول الزوجة : زوّجتك أو أنكحتك نفسي ، لكونهما مشتقين من الألفاظ الصريحة الدالة على النكاح وقد ورد القرآن بهما ، قال الله تعالى : (فَلَمّٰا قَضىٰ زَيْدٌ مِنْهٰا وَطَراً زَوَّجْنٰاكَهٰا) (١) ، وقال تعالى : (وَلٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ) (٢).

وقد وقع الخلاف في إيقاع الإيجاب بلفظ (متّعتك نفسي) ، فعن الأكثر العدم لأصالة عدم ترتب الأثر عليه عند الشك في جوازه ، والشك ناشئ من كونه حقيقة في المنقطع مجاز في الدائم ، والعقود اللازمة لا تقع بالمجاز.

وعن المحقق في الشرائع والنافع والعلامة في جملة من كتبه الجواز لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) بعد منع المجازية لأنه هو للقدر المشترك كلفظ (زوجتك) ، ولما ورد من انقلاب المنقطع دائما عند عدم ذكر الأجل نسيانا وهو ظاهر في صحة إنشاء العقد الدائم بلفظ المتعة ففي خبر عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن سمّى الأجل فهو متعة ، وإن لم يسمّ الأجل فهو نكاح بات) (٤).

(١) الأحزاب آية ٣٧.

(٢) النساء آية ٢٢.

(٣) أي مع لفظ المتعة.

(٤) أي عبر عن المنقطع بأحد لفظي (زوجتك أو أنكحتك) ، وميّزه عن الدائم بالأجل.

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية : ٣٧.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٢٢.

(٣) سورة المائدة ، الآية : ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المتعة حديث ١.

١٥٦

فأصل اللفظ (١) صالح للنوعين (٢) ، فيكون حقيقة في القدر المشترك بينهما (٣) ، ويتميزان بذكر الأجل ، وعدمه (٤) ، ولحكم الأصحاب تبعا للرواية بأنه لو تزوج متعة ونسي ذكر الأجل انقلب دائما ، وذلك (٥) فرع صلاحية الصيغة له (٦) ، وذهب الأكثر إلى المنع منه (٧) ، لأنه حقيقة في المنقطع شرعا فيكون مجازا في الدائم ، حذرا من الاشتراك (٨) ، ولا يكفي ما يدل بالمجاز حذرا من عدم الانحصار (٩) ، والقول المحكي ممنوع ، والرواية مردودة بما سيأتي وهذا (١٠) أولى.

(والقبول (١١). قبلت التزويج والنكاح ، أو تزوجت ، أو قبلت ، مقتصرا)

______________________________________________________

(١) أعني المتعة.

(٢) الدائم والمنقطع.

(٣) على نحو الاشتراك المعنوي.

(٤) فيتميز المنقطع بذكر الأجل ، والدائم بعدمه.

(٥) أي حكم الأصحاب المذكور.

(٦) أي صيغة المتعة للدائم.

(٧) من لفظ المتعة في الدائم.

(٨) أي أن لفظ المتعة قد استعمل في الدائم والمتعة بناء على ما تقدم ، ويدور أمره بين كونه مشتركا بينهما ، وبين كونه حقيقة في أحدهما ومجازا في الآخر ، ويرجّح الثاني لأنه مستلزم لوحدة الوضع دون الأول لاستلزامه تعدّد الوضع كما حرر ذلك في محله.

(٩) أي لو اكتفى في الصيغة بالألفاظ المجازية لزم عدم انحصار الصيغة في ألفاظ مخصوصة محصورة ، مع أنه قد وقع اتفاقهم على أن صيغة النكاح محصورة ، لأنه مبني على الاحتياط وفيه شوب من العبادات المتلقاة من الشارع ، ولأصالة تحريم الفرج إلى أن يثبت سبب الحل شرعا.

(١٠) أي المنع.

(١١) المعتبر من لفظ القبول ما دل صريحا على الرضا بالإيجاب سواء وافقه في لفظه أم خالفه مع اتفاق المعنى ، فلا خلاف ولا إشكال في صحة (قبلت التزويج) عقيب قولها (زوجتك) ، وكذا في صحة (قبلت النكاح) عقيب قولها (أنكحتك) ، وكذا قوله (قبلت النكاح) عقيب قولها (زوجتك) ، وكذا العكس مع التخالف في الإيجاب ضرورة قيام الألفاظ المترادفة بعضها مقام بعض ، كما أنه لا إشكال عندنا في جواز الاقتصار على (قبلت) كغيره من العقود خلافا لبعض الشافعية من المنع لأنه كناية لا تصريح فيه لاحتمال إرادة غير التزويج المطلوب ، وردّ بمنع عدم صراحته إذ هو صريح في الدلالة ـ

١٥٧

(عليه) من غير أن يذكر المفعول(كلاهما) أي الإيجاب والقبول(بلفظ المضيّ) (١) فلا

______________________________________________________

ـ على كون القبول المجرد قبولا لذلك الإيجاب المتقدم ، وكذا لا إشكال في صحة (رضيت) ونحوه مما هو صريح في القبول ، كما أنه يصح القبول بكل لفظ صريح في قبول النكاح والتزويج كقوله (تزوجت) ونحوه.

(١) أي بلفظ الماضي ، على ما هو المشهور بين علمائنا خصوص المتأخرين منهم ، لأن الماضي صريح في الإنشاء بخلاف المضارع والأمر ، فالأول أشبه بالوعد والثاني استدعاء لا إيجاب ، واقتصارا على المتيقن في الخروج عن أصالة عدم ترتب الأثر ، خصوصا في الفروج المطلوب فيها شدة الاحتياط ، ولأن تجويز غير الماضي يؤدي إلى انتشار الصيغة وعدم وقوفها

على قاعدة فيصير النكاح مشبها للإباحة مع أن عقد النكاح فيه شوب العبادة الموجب للاقتصار على ما هو متلقى من الشارع أو ما هو متيقن من دون خلاف.

وعن جماعة الجواز في المستقبل كما هو المنسوب إلى ابن أبي عقيل والمحقق وجماعة من المعاصرين ، وما استدل به على الانحصار موهون ، أما الأول فلأن الماضي تارة يكون خبرا وأخرى إنشاء كالمضارع ، فلا فرق بين الفعلين إلا في الحكاية عن زمان التلبس واحتمال الوعد في المضارع كاحتمال الإخبار في الماضي لا أثر له مع وجود القرينة على الإنشاء ، وأما الثاني فالاقتصار على المتيقن غير لازم مع وجود الدليل في المشكوك وكفى بإطلاق قوله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) دليلا ، وأما الثالث من منع الانتشار فلا ضير فيه فيما هو صريح في الإنشاء دون غيره ، وكفى به قاعدة تمنع من إيصال النكاح إلى حد الإباحة ، مضافا إلى ورود النصوص في عقد المتعة المتضمنة لجواز إنشائه بالمضارع.

منها : خبر هشام بن سالم (قلت : كيف يتزوج المتعة؟ قال : يقول أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما) (٢) ومثله غيره ، وإن كان في الأخير كلام حيث ذهب ابنا حمزة وسعيد بأنه لا بد بعد ذلك من تلفظه بالقبول للاستصحاب وللاقتصار على المتقين ، ولأن صدور الايجاب من الزوج على خلاف القواعد إذ الايجاب هنا من الزوجة ، فلو اكتفى بما صدر من الزوج وكان جواب الزوجة بلفظ (نعم) وحكمنا بصحة العقد للزم القول بصحته بدون إيجاب لأن لفظ (نعم) لا يكون ايجابا ، إلا أن هذه المناقشة غير مسموعة أما الأول من لابديّة التلفظ بالقبول فيما بعد فهو منفي لخبر أبان بن تغلب (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول أتزوجك متعة على كتاب ـ

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة حديث ٣.

١٥٨

يكفي قوله : أتزوجك بلفظ المستقبل منشأ (١) على الأقوى ، وقوفا على موضع اليقين. وما روي من جواز مثله (٢) في المتعة ليس صريحا فيه (٣) ، مع مخالفته (٤) للقواعد.

______________________________________________________

ـ الله وسنة نبيّه لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوما ، وإن شئت كذا وكذا سنة ، بكذا وكذا درهما ، وتسمّى من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا ، فإذا قالت : نعم فقد رضيت ، وهي امرأتك وأنت أولى الناس بها) (١).

وأما الثاني فلعل النكاح كالصلح يصح وقوع إيجابه من كل من الطرفين ، ويكون لفظ (نعم) الصادر من الزوجة قائم مقام القبول ، وهذا هو صريح خبر أبان بن تغلب المتقدم.

(١) أي بداعي الإنشاء لا الإخبار.

(٢) مثل لفظ المستقبل.

(٣) في جواز كفاية الايجاب بلفظ المستقبل ، لاحتمال لابديّة التلفظ بالقبول بعد ايجابها النكاح كما عن ابني حمزة وسعيد.

(٤) أي مخالفة ما روي ، وقد تقدم عرضه وتقدم ما فيه ، هذا وعن الشيخ وابني حمزة وزهرة واستحسنه المحقق في الشرائع جواز الاكتفاء بالأمر من قبل الزوج بأن يقول : زوجيني نفسك ، فتقول الزوجة : زوجتك ، لخبر سهل الساعدي (أن امرأة أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله وهبت نفسي لك ، وقامت قياما طويلا ، فقام رجل وقال : يا رسول الله ، زوجنيها إن لم يكن لك فيها حاجة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل عندك من شي‌ء تصدقها إياه؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك ، اجلس التمس ولو خاتما من حديد فلم يجد شيئا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل معك من القرآن شي‌ء؟ قال : نعم ، سورة كذا وسورة كذا ، السور سمّاها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : زوجتك بما معك من القرآن) (٢) بناء على أن الزوج لم يأت بالقبول ، وقد وصف الخبر في المسالك بأنه المشهور بين العامة والخاصة ، مع أنه لم يرو هذه الرواية من أصحابنا إلا ابن أبي جمهور الأحسائي في غوالي اللئالي ، نعم في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (جاءت امرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : زوجني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من لهذه؟ فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله ، زوجنيها ، ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة حديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ٤.

١٥٩

(ولا يشترط تقديم الإيجاب) على القبول (١) ، لأن العقد هو الإيجاب

______________________________________________________

ـ فقال : ما تعطيها؟ فقال : ما لي شي‌ء؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، فأعادت ، فأعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام ، فلم يقم أحد غير الرجل ، ثم أعادت فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المرة الثالثة : أتحسن من القرآن شيئا؟ قال : نعم ، قال : قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن ، فعلّمها إياه) (١) وكذلك لا يوجد في الخبر أن الرجل أعاد القبول فيكون أمره قبولا مقدما على الايجاب حينئذ ، وعن الشهيد في شرح الإرشاد تنزيل الرواية على أن الواقع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام مقام الايجاب والقبول ، لثبوت ولايته على كل مؤمن ، ويكون هذا من خواصه ، وفيه : إن المعتبر من الولي عن الطرفين وقوع الايجاب والقبول منه بلفظين لا بلفظ واحد ، مع عدم ذكر هذا من خصائص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذا مع عدم خلو دلالة الخبر من إشكال لعدم إنشاء القبول من الأمر بالتزويج ، بالإضافة إلى تخلل الكلام الكثير بين الايجاب والقبول ، وهو كلام ليس من متعلقات الايجاب ، ولذا ذهب جماعة منهم ابن إدريس والعلامة إلى عدم الاجتزاء ، وللبحث تتمة ستأتي.

(١) نسب إلى الأكثر عدم اشتراط التقديم فيما لو كان القبول بلفظ : تزوجت ، فقالت الزوجة أو وليها : زوجتك ، لما هو الظاهر من خبر الساعدي وصحيح محمد بن مسلم المتقدمين ، مؤيدا بمراعاة الشارع للحياء في البكر ولذا اكتفى في رضاها بالسكوت كما في الخبر (في المرأة البكر إذنها صماتها ، والثيب أمرها إليها) (٢) وفي آخر (في رجل يريد أن يزوّج أخته قال : يؤامرها فإن سكتت فهو إقرارها وإن أبت لم يزوجها) (٣) ، ولا ريب في المشقة عليها من جهة ابتدائها بالايجاب بخلاف ما لو ابتدأ الزوج فيهون عليها حينئذ قول : زوجتك ، بل إن القبول الذي هو بمعنى الايجاب هو ايجاب في الواقع ، وتسميته قبولا اصطلاح فيكون الصادر هو الايجاب من الزوج والقبول من الزوجة ولازمه صحة القبول منها بلفظ (نعم) كما هو الظاهر من النصوص الواردة في المتعة وقد تقدم بعض منها كخبر أبان بن تغلب (٤).

ومنه تعرف أن النكاح كالصلح يصح ايجابه من كل من المتعاقدين ، نعم لو كان القبول من الزوج بلفظ (قبلت) فيتعين تأخره ، لأنه حينئذ رضا بالايجاب ومتى لم يوجد ايجاب بحسب الفرض لم يكن هذا قبولا ، لأنه حينئذ كالانفعال الذي يحصل تبعا لحصول الفعل شبيه الانكسار بعد الكسر ، فيستحيل تقدمه عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب المهر حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب عقد النكاح حديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة حديث ١.

١٦٠