الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٦

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٦

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-188-2
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٩

١ ـ رسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى كسرى :

ويقولون : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد كتب إلى كسرى ما يلي :

«بسم الله الرحمن الرحيم.

من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس : سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله.

أدعوك بدعاية الله ، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة ، لأنذر من كان حيا ، ويحق القول على الكافرين.

أسلم تسلم.

فإن أبيت فعليك إثم المجوس» (١).

__________________

(١) لقد كفانا العلامة الشيخ علي الأحمدي «رحمه‌الله» مؤونة استقصاء المصادر لهذه الرسالة ، حيث ذكر جملة وافرة منها في كتابه القيم : «مكاتيب الرسول» ج ٢ ص ٣١٦ فما بعدها ، فنحن نورد نفس كلامه ، وإن اختلفت المصادر التي اعتمد عليها في طبعاتها ، فقد أرجع «رحمه‌الله» إلى : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٧٧ والسيرة النبوية لزيني دحلان هامش الحلبية ج ٣ ص ٦٥ واليعقوبي ج ٢ ص ٦٦ وفي (ط أخرى) ص ٦١ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٢١٣ والطبري ج ٢ ص ٦٥٤ ـ

٢٦١

__________________

ـ وأعيان الشيعة ج ٢ ص ١٤٤ وفي (ط أخرى) ج ١ ص ٢٤٤ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ٢٩٢ و ٢٩٣ وإعلام السائلين ص ٩ وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٣٥ وإعجاز القرآن ص ١١٢ والمواهب اللدنية للقسطلاني شرح الزرقاني ج ٣ ص ٣٤٠ و ٣٨٩ وتاريخ ابن خلدون ج ٢ ق ٢ ص ٣٧ ورسالات نبوية لعبد المنعم خان ص ٢٥٠ (عن المواهب) وحياة الصحابة ج ١ ص ١١٥ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣٠٦ (عن عدة مصادر) وفقه السيرة ص ٣٨٨ وزاد المعاد لابن القيم ج ٣ ص ٦٠ وناسخ التواريخ في سيرة الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وتأريخ الخميس ج ٢ ص ٣٤ ونصب الراية للزيلعي ج ٤ ص ٤٢٠ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٢٤٤ والبحار ج ٢٠ ص ٣٨٩ عن المنتقى للكازروني ، والمنتظم ج ٣ ص ٢٨٢ ومجموعة الوثائق السياسية ص ١٣٩ عن بعض المصادر المتقدمة وعن سعيد بن منصور ص ٤٢٨٠ ثم قال : قابل وانظر كايتاني ج ٦ ص ٥٤ واشپرنكر ج ٣ ص ٢٦٤ وعن الجرائد والمجلات العصرية وعن : مفيد العلوم ومبيد الهموم للقزويني ج ٢٤ ص ١٧ والمواهب اللدنية والمنتقى لأبي نعيم : ورقة ٣٥ / ١ ب ونثر الدر المكنون للأهدل ص ٧٦٠ ومنشآت السلاطين ج ١ ص ٣١ ووسيلة المتعبدين لعمر الموصلي ٨ / ورقة ٢٧ / ب والإمتاع للمقريزي ، خطية كوپرولو ، وتاريخ گزيده لحمد الله المستوفي (سلسلة كتب لوندرا) ص ١٤٧ وتاريخ البلعمي (وهو ترجمة تأريخ الطبري إلى الفارسية مع حذف وزيادات) (ط طهران) ص ١١٣٨ ونهاية الإرب في أخبار الفرس والعرب ، والوفاء لابن الجوزي ص ٧٣٢ وشرف المصطفى لأبي سعيد النيسابوري عن ابن إسحاق.

وقال رحمه‌الله أيضا : أوعز إلى الكتاب في البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٦٩ وج ٦ ص ٣٠٦ والبخاري ج ١ ص ٢٥ وج ٤ ص ٥٤ وج ٦ ص ١٠ وج ٩ ص ١١١ وفتح الباري ج ١ ص ١٤٣ وج ٦ ص ٧٨ وج ٨ ص ٩٦ وج ١٣ ص ٢٠٥ وعمدة القاري ج ٢ ص ٢٧ وج ١٤ ص ٢١٠ وج ١٨ ص ٥٧ و ٥٨ وج ٢٥ ص ٢٠ وصحيح ـ

٢٦٢

ولنا مع هذا الكتاب وقفات ، هي التالية :

اختلاف الكتب :

وقد اشار العلامة الأحمدي «رحمه‌الله» إلى أن هناك نصوصا أخرى للكتاب الذي أرسله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى كسرى ..

ففي أحدها وردت عبارة : «فأسلم تسلم ، وإلا فأذن بحرب من الله

__________________

ـ مسلم ج ٣ ص ١٣٩٧ ومسند أحمد ج ٣ ص ١٣٣ وج ٤ ص ٧٥ وج ١ ص ٢٤٣ و ٣٠٥ والترمذي ج ٥ ص ٦٨ والطبقات لابن سعد ج ١ ق ٢ ص ١٦ وج ٤ ق ١ ص ١٣٩ وصبح الأعشى ج ٦ ص ٢٩٦ و ٣٥٨ و ٣٥٩ و ٣٧٨ وج ١ ص ٩١ وكنز العمال ج ١ ص ٢٣٩ و ٤ ج ص ٢٧٤ وج ١٠ ص ٤١٨ ومشكل الآثار للطحاوي ج ١ ص ٢١٥ وتهذيب تأريخ ابن عساكر ج ٧ ص ٣٥٥ و ٣٥٦ وج ١ ص ١١٤ والأموال لأبي عبيد ص ٣٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٧٧ و ١٧٩ والتنبيه والإشراف ص ٢٢٥ وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٢٤١ والبحار ج ٤ ص ١٠٠ وج ١٧ ص ٢٠٦ والجامع للقيرواني ص ٢٨٨ وسيرة ابن هشام ج ٤ ص ٢٥٤ وفقه السيرة ص ٣٨٤ والروض الأنف ج ٣ ص ٣٠٤ وثقات ابن حبان ج ٢ ص ٦ والإقبال لابن طاووس ص ٤٩٦ والإستيعاب هامش الإصابة ج ٢ ص ٢٨٣ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٣٨٨ ومجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٣٧ ومرقاة المفاتيح ج ٤ ص ٢٢١ ومشكاة المصابيح هامش المرقاة ص ٢٢١ والأم للشافعي ج ٤ ص ١٧١ وحياة محمد لهيكل ص ٣٥٣ والأموال لابن زنجويه ج ١ ص ١٢١ وراجع : أسد الغابة ج ٣ ص ١٤٣ والمنتظم ج ٥ ص ٣٢.

٢٦٣

ورسوله» (١).

وورد في نص آخر : «من شهد شهادتنا ، واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فله ذمة الله وذمة رسوله» (٢).

وفي نص ثالث : «فإني أحمد إليك الله ، الذي لا إله إلا هو. وهو الذي آواني ، وكنت يتيما. وأغناني ، وكنت عائلا. وهداني ، وكنت ضالا. ولم يدع ما أرسلت به إلا من سلب معقوله ، والبلاء غالب عليه. أما بعد يا كسرى ، فأسلم تسلم ، أو ائذن بحرب من الله ورسوله ، ولن تعجزها ، والسلام» (٣).

وفي نص رابع : «إني أحمد الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، الذي أرسلني بالحق بشيرا ونذيرا إلى قوم غلبهم السفه ، وسلب عقولهم ، ومن يهدي الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ..

أما بعد .. فأسلم تسلم ، أو ائذن بحرب من الله ورسوله الخ ..» (٤).

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣١٩ عن المناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٧٩ وراجع : البحار ج ٢٠ ص ٣٨١ وأحكام القرآن ج ١ ص ٦٨ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٣٣٨ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٣٢٧ وكنز العمال ج ٤ ص ٤٣٨ وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٤٢.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣١٩ عن تاريخ بغداد ج ١ ص ١٣٢ ورسالات نبوية ص ٢٥١ وكنز العمال ج ٤ ص ٢٧٤.

(٣) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٢٠ و ٣٢١ عن مجموعة الوثائق السياسية ص ١١١ عن نهاية الإرب في أخبار الفرس والعرب.

(٤) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٢١ عن مجموعة الوثائق السياسية ص ١٤٠.

٢٦٤

وفي نص خامس : أنه كتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي رسالة اقتصر فيها على قوله : أما بعد .. (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (١).

وعن الزهري : «كانت كتب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إليهم واحدة ، وكلها فيها هذه الآية» (٢).

وعن ابن عباس : «أن كتاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى الكفار : (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ)» (٣).

ولعل هذه الكتب قد أرسلت إلى عمال كسرى ، أو إلى كسرى نفسه ، بعد أن ظهر عنادهم للحق ، وبغيهم على أهله ، وقد اشتبه الأمر على المؤرخين في ذلك ..

__________________

(١) الدر المنثور ج ٥ ص ١٠٧ وسنن سعيد بن منصور ج ٢ ص ١٨٩ والبحار ج ٢١ ص ٢٨٧ والمصنف لابن أبي شيبة ج ١٤ ص ٣٣٨ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٢٠ عنهم وعن الأموال ص ٢٣ وفي (طبعة أخرى) ص ٣٤ وعن كنز العمال ج ٥ ص ٣٢٦ وفي (طبعة أخرى) ج ١٠ ص ٤١٧ وإقبال الأعمال ج ٢ ص ٣١١ والمباهلة ص ٢٩.

(٢) البداية والنهاية ج ٣ ص ٨٣ وفي (ط دار إحياء التراث) ص ١٠٤ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٢٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٤١.

(٣) الدر المنثور ج ٢ ص ٤٠ عن الطبراني ، ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٢٠ و ٣٩٨ و ٤٩٠ وميزان الحكمة ج ٤ ص ٣٢١٤ والمعجم الأوسط ج ٥ ص ٣٢٣ وعن المعجم الكبير ج ١١ ص ٣١١ وفتح القدير ج ١ ص ٣٤٨.

٢٦٥

إذ من غير المعقول : أن يبدأ النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دعوته لهم بالتهديد والوعيد ، قبل إتمام الحجة ، وظهور اللجاج والعناد والبغي منهم ، ولا سيما لملوك يعيشون حالة الكبر والزهو ، والعنفوان الظالم ، والشعور بالعظمة والقوة .. فإن مواجهتهم بما يوجب نفورهم بمثابة الإسهام في حرمانهم من الهداية ..

من أجل ذلك نرجح : أن يكون الكتاب الذي ذكرناه أولا هو الذي أرسله النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أولا ، ثم أرسل رسائل أخرى ذكر فيها الجزية ، وغير ذلك.

كما أننا لا نستبعد : أن يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ذكر في كتابه لكسرى الآية المباركة : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ..) لأن للمجوس أحكام أهل الكتاب ،

وقد ورد : أنه قد كان لهم كتاب فضيعوه أو أحرقوه (١).

ولعل عدم نقلها في كتاب كسرى ، من أجل أن المؤرخين أسقطوها اختصارا أو سهوا ، أو لم ينقلها لهم الناقلون ؛ لأنهم اعتقدوا خطأ : أنها لا تحمل مضمونا خاصا ، يراد إبلاغه للمرسل إليهم ، سوى دعوتهم إلى توحيد الله ، الذي ذكر في الرسالة نفسها أولا ..

__________________

(١) راجع : فقه القرآن ج ١ ص ٣٤٢ و ٣٤٤ وعن فتح الباري ج ٩ ص ٣٤٣ والكافي ج ٣ ص ٥٦٨ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٥٤ وتهذيب الأحكام ج ٤ ص ١١٣ وج ٦ ص ١٥٩ والوسائل ج ١١ ص ٩٦ و ٩٧ والفصول المهمة ج ٢ ص ٢١٢ والبحار ج ١٤ ص ٤٦٣ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤١٣ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٣٣٤ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٢٠٢ وقصص الأنبياء للجزائري ص ٥١٤.

٢٦٦

بسم الله الرحمن الرحيم :

١ ـ إن أول ما يواجهنا في ذلك الكتاب هو أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد بدأه باسم الله ، ولم يبدأه باسمه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو ؛ مما يعني : أنه يريد أن يفهم كسرى : أن هذا النبي خاضع لله ، الذي لا يجد أحد حرجا في الخضوع له. ولا تعتبر الدعوة للاعتراف به والخضوع له ، والرجوع إليه تعالى إذلالا لأحد بقدر ما هي شرف ، وعزة ، وسؤدد وكرامة للبشر جميعا ..

٢ ـ يضاف إلى ذلك : أن هذا الاعتراف يمثل تحديد مرجعية لا غضاضة على البشر جميعا بالرجوع إليها ، والخضوع والالتزام بأوامرها ونواهيها ، والسعي لنيل رضاها ، وهي مرجعية ليست للبشر ، بل هي لله الغني بذاته ، الذي ليس له مصلحة مع أحد ، بل البشر كلهم بالنسبة إليه بمنزلة واحدة ، يعاملهم بالعدل ، ويجري عليهم أحكامه.

فالدعوة التي يعرضها على هذا الملك ليست دعوة لشخص ، يريد أن يستأثر لنفسه بشيء ، من حطام الدنيا ، بل هي دعوة لله سبحانه ..

٣ ـ ثم إنه هو الله الرحيم بعباده ، والقريب إليهم ، وليست هذه الرحمة أمرا عارضا له. بل هي من تجليات ذاته ، وباهر صفاته ..

٤ ـ والله تعالى هو المالك لكل شيء ، والغني عن العباد ، فهو إذن لا يحتاج إلى ملك كسرى ، ولا إلى ملك سواه ، ولذلك لم يطلب منه التخلي عنه ، بل طلب منه فقط : أن يخضع لأوامره ونواهيه ، وأن يكون في موضع رضاه ، لا رضا أحد من بني البشر ، وخضوعه لأوامر الله تعالى لا يزيد في ملكه ، ولا يضيف إليه شيئا من العظمة ، أو القوة والمجد ، وإنما هو أمر يعود نفعه عليه ، وهو كرامة وشرف له ..

٢٦٧

فلا ينبغي إذن أن يخشى على ملكه ، ولا أن يستكبر على ربه ..

عظيم فارس :

إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد صدّر كتبه إلى ملك الفرس ، والروم ، والحبشة ، ومصر ، والبحرين بكلمة عظيم فارس ، وعظيم البحرين ، وبكلمة صاحب كذا ـ كما في بعض النصوص ..

وبذلك يكون :

أولا : قد خاطبه بما يرضيه من أوصاف ولكنها واقعية ، فليس له أن يجد في نفسه أية غضاضة ، كما أنه ليس لديه ما يتذرع به لإظهار التغيظ ، بحجة أنه قد أهانه أو غمطه حقه ، حيث لم يكن الخطاب لائقا ، ولا مناسبا لمقامه ، فيزيّن لنفسه الخلاف ، ويجد من يعذره أو يتعاطف معه في أي موقف سلبي يتخذه تجاه من يدعوه ، وما يدعوه إليه ..

ثانيا : إنه بذلك يكون قد تحاشى الإقرار بالملكية لهؤلاء ، خصوصا بملاحظة كونه رسول الله ، وخاتم النبيين ، ولا يريد أن يسجل أمرا قد يتعلق به طلاب اللبانات ، ويتخذونه ذريعة لادعاءات الأحقية بالاستناد إلى الاعتراف لهم بالسلطة والحاكمية في مجالات بعينها ، ثم تتعقد الأمور ولا يجد الناس العاديون القدرة على المناقشة في هذا الأمر ، وبذلك يتمكن «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من إخضاع أولئك المدّعين لمقتضيات أحكام الدين وشرائعه القاضية : بأنه لا ملك ولا سلطة للكافر ، بل ذلك لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولمن ولّاه ، وأقر له به ، وفقا لقوله تعالى : (.. إِنَّ

٢٦٨

الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (١).

وبذلك يتم تحصين الناس من سيئاتهم ، وسوف لا يصغي الكثيرون منهم بعد هذه المزاعم أولئك الطامعين ، وسيفتح أمامهم المجال الواسع للنقاش القوي في دلالة كلمة «ملك فارس» أو نحوها على الاعتراف له بالملك ، وسيقولون لهم : إنها لمجرد الإشارة لموقعه الفعلي الذي هو فيه ، حتى لو كان قد حصل عليه بالبغي ، والظلم ، والابتزاز ، وليس فيها دلالة على الرضا ببقائه في هذا الموقع أو عدمه.

وهذا نظير ما كتبه الإمام الحسن «عليه‌السلام» في وثيقة الهدنة مع معاوية من أنه سلمه «الأمر» حيث لم يقل : «سلمه الخلافة» ، أو الإمامة ، أو الملك ، أو ما إلى ذلك ..

سلام على من اتبع الهدى :

وها هو رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يبلّغه عن الله تعالى : أن دعوته تقوم على السلام ، لا على الحرب ، وتسير وتستمر بالرضا دون السخط ، وبالرأفة ، لا بالجبروت ، وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يكتب لغير المسلم «سلام على من اتبع الهدى» ويكتب للمسلم «سلام عليك» أو «سلم أنت».

وكلمة «سلام على من اتبع الهدى» إنشاء للالتزام بسلام مشروط باختيار طريق الهدى ، ويتضمن تلويحا بالحث والإغراء باختيار هذا الطريق واتّباعه.

__________________

(١) الآية ١٢٨ من سورة الأعراف.

٢٦٩

كما أنه يشير إلى : أن ما يطلبه منه هو ـ فقط ـ اتباع الهدى ، وما أرضاها من دعوة ، وما أيسره من طلب ، إذ إن أحدا لا يستطيع أن يتنكر للهدى ، ولا أن يعادي دعاته.

ثم هو «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يتهم كسرى بالضلال ، بل هو يدعوه لاتباع الهدى ، فإن الاتهام بالضلال مما يرفضه الناس عادة ، ولكنهم لا يرفضون أن ينسب إليهم التقصير في اتباع الهدى.

فما أجمل السلام ، وما أحب الهدى .. وما أروع الحياة في ظل ذاك ، وفي حظ هذا .. ولأجل ذلك كانت أول كلمة يكتبها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى كسرى هي : «سلام على من اتبع الهدى».

وهو سلام يغري بالرد عليه بمثله ، ويفسح المجال لإظهار الرغبة في معرفة هذا الهدى ، وفي اتباعه بعد التحقق منه.

وآمن بالله ورسوله :

ثم تأتي الكلمات التالية في الكتاب لتشير إلى : أن اتباع الهدى إنما هو من خلال الإيمان بالله عزوجل ، ورسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والشهادة لله بالوحدانية ..

وهذا الإيمان بالله ، والاعتراف به هو الأساس ، وهو المطلوب لرسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وليس المطلوب له أي شيء آخر مما يطلبه ملوك الدنيا عادة من بعضهم البعض.

وأول درجات الإيمان هو الاعتراف بوجود الله سبحانه ، ثم الإيمان ، بمعنى : أن يلزم نفسه ، باحتضانه في داخل كيانه ، وفي عمق وجدانه ، ليعيش

٢٧٠

الإحساس بالأمن والسكينة معه ..

ثم أن يقر : بأن لله رسلا يربطون المخلوق بخالقه ، ويبلغون الناس عنه ، ويرشدونهم إليه ، ويعرّفونهم على ما يرضيه ، وما يسخطه ليختاروا هم أنفسهم أن يكونوا في مواقع رضاه سبحانه ، ويختاروا اجتناب مواقع سخطه.

الشهادة لله بالوحدانية :

ويأتي بعد ذلك : الطلب إليه أن يشهد لله تعالى بالوحدانية ، ونفي الشركاء له ، فلا إله إلا الله ، وحده لا شريك له. وشهادته بذلك تعني : الاعتراف بهذه الحقيقة ، وتأكيدها من موقع المعرفة الفطرية ، والوجدانية ، والعقلية ، التي تصل إلى حد الرؤية والمشاهدة الحقيقة لفاقديّة ، ولعجز ، وضعف ، ونقص كل ما عدا الله سبحانه ، وأن كل واجدية وكمال ، وقوة ، فإنما هو بالله تعالى ومنه.

وهذا معناه : أنه لا إله إلا الله وحده.

وأنه لا شريك له ، يعينه ، ويضاعف قوته ، ويجبر ضعفه.

وأن محمدا عبده ورسوله :

ثم هو يطلب منه ، ومن الناس جميعا : أن يشهدوا أن رسل الله تعالى باقون في موقع العبودية له ، ولا تكسبهم رسوليتهم أي عنصر إلهي ، ولا ترتفع بهم إلى درجة أن يكون لهم استقلال حقيقي عنه سبحانه في جميع تصرفاتهم ..

فدرجات فضلهم ، وما ينالونه من مقامات وكرامات عنده ، إنما هي بتدرّجهم في مقامات العبودية له ، والمعرفة به ، والطاعة والخضوع لديه ..

٢٧١

وباب العبودية هذا مفتوح أمام جميع المخلوقات ، فمن دخله كان آمنا ونال من البركات والفيوضات ، والكرامات والمقامات بمقدار إيغاله فيه ، وتحققه به ..

ولا بد أن يعرف البشر جميعا هذا الأمر ، معرفة حقيقية تخولهم إقامة الشهادة به .. ولا يكفي مجرد إخبارهم به في آية قرآنية ، أو في خبر نبوي ..

وهذا ما يفسر لنا : إدراج هذا الأمر في سياق الشهادة التي طلبها «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من كسرى حيث قال : «وأن محمدا عبده ورسوله ..»

أدعوك بدعاية الله :

وحين أراد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الشروع في إبلاغ دعوته لكسرى ، قال له : «أدعوك بدعاية الله».

فكسرى إذن ، لا يواجه تحديا من إنسان مثله ، قد تأخذه العزة في مواجهته ، أو يأنف من التواضع له ، بل هو يواجه طلبا من إله الوجود كله ، وهو قوة لابد أن يعترف لها بالقدرة والإحاطة والمالكية والهيمنة.

ولا بد من الاستجابة لهذا الطلب ؛ لأن الاستجابة له لا تضر بمصالحه ، ولا تنقص من هيبته ، ولا تحد من نفوذه ، ولا تختزل من ثرواته ، ولا تقتطع شيئا من ملكه ، بل هي تزيده شوكة وعزة ، ونفوذا ، وسعة في الرزق ، وما إلى ذلك ..

إنها دعوة الله له للنجاح والفلاح ، والسداد والرشاد ، والاستقامة على جادة الهدى الإلهي ، وليست دعوة للذل والعبودية للأشخاص ، وإنما ليكون عبدا لله وحده ..

٢٧٢

فإني أنا رسول الله :

ويلاحظ هنا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أضاف كلمة «أنا» في قوله : «فإني أنا رسول الله ..» وقد كان يمكن الاستغناء عنها بأن يقول : «فإني رسول الله ..».

فلعل السبب في إضافتها : أنه يريد أن يذكّرهم : بأنه هو النبي الموعود والمنتظر والمعلوم لديهم ، من خلال بشارات الرسالات السماوية كلها بظهوره.

فهو بهذا التذكير لم يعد بحاجة إلى إقناع الناس بضرورة إرسال رسول ، أو قد أصبحت إمكانية إرسال رسل ، وبعث أنبياء أمرا مفروغا عنه ، إلى حد أصبح توقع إرسالهم ، وبعثتهم أمرا قائما ، ومحسوما ، وتنحصر مهمة الإقناع بتحديد شخص المرسل ، بأن هذا الشخص هو الذي بعثه الله تعالى ، وهو النبي الموعود فعلا ..

إلى الناس كافة :

ثم إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بيّن له أنه ليس مبعوثا للعرب وحدهم ، ولا لأي أمة أخرى بعينها دون ما عداها ، كما كان الحال بالنسبة لموسى وعيسى «عليهما‌السلام» ، وسواهما ممن بعثهم الله لخصوص بني إسرائيل ، بل هو مبعوث للناس جميعا ، كما قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (١). وقال : (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) (٢).

__________________

(١) الآية ١٠٧ من سورة الأنبياء.

(٢) الآية ٣٦ من سورة المدثر.

٢٧٣

وقال : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ..) (١).

لأنذر من كان حيا :

ثم إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يخبر من يكتب إليه : أنه لا يطلب منه شيئا لنفسه ، وإنما هو مجرد نذير له ، يريد بإنذاره هذا : أن يحفظ له عزته وكرامته ، وأن يجنبه مزالق الخطر ، وأن يؤمّن له السعادة والسكينة ، والأمن من كل ما يحذره ، ويخافه ، مما هو غائب عنه ، وهي غيبة تظهر عجزه وفشله ، والله هو الذي يحميه ، ويحفظه منه ، ويحصيه له ، ويدفعه عنه ، من موقع الهيمنة والقدرة ، والعزة ..

وقد أعلمه أيضا : أن هذا الإنذار الهادف إلى حفظ حياة الكرامة والسعادة للمنذرين لا يختص بفرد دون فرد ، ولا بفريق دون فريق ، بل هو شامل للناس جميعا ، ويهدف إلى تكوين مجتمع بشري يعيش معنى السعادة ، بعمق ، ويشعر بالأمن بجميع فئاته ، وشرائحه ، أفرادا وجماعات ..

وذلك انطلاقا من حقيقة : أن البشر كلهم يحتاجون إلى الأمن ، وإلى السلام والسلامة ، ويستوي في ذلك العربي والأعجمي ، والأبيض والأسود والملك ، وحفار القبور.

ويحق القول على الكافرين :

وعلى هذا الأساس ، فإنه إذا اختار أحد طريق الجحود ، ولم يستجب لنداء الله سبحانه ، فإنه تعالى هو الذي يجري عليه سننه ، ويتولى عقوبته ، وتكون خصومته معه تبارك وتعالى ، لا مع غيره .. فإن كان لأحد من الناس

__________________

(١) الآية ١٥٨ من سورة الأعراف.

٢٧٤

موقف منه ، فإنما هو الموقف الذي أراده الله تعالى منهم.

وفي التعبير بكلمة : «يحق القول» إشارة إلى حتمية حلول العقوبة بالكافر ، من حيث إنها قرار إلهي ، والقرار الإلهي نافذ لا محالة ..

أسلم تسلم :

ويأتي قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أسلم تسلم» بمثابة نتيجة طبيعية لكل تلك المقدمات التي قررت : أن المقصود هو : حفظ الإنسان كله.

أو فقل : حفظ كل من كان حيا ، من المهالك والرزايا ، والمصائب والبلايا ، وأن الذي يختار طريق الكفر ، فلا نجاة ولا سلامة له إلا باتباع الهدى ، والإسلام والاستسلام لله سبحانه وتعالى ، وامتثال ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه ..

فليست هذه الكلمة تهديدا لكسرى بالحرب ، ولا هي إكراه له على الإسلام ، حتى إذا خالف كانت عقوبته السيف ..

ومما يشير إلى ذلك أيضا قوله :

فإن أبيت فعليك إثم المجوس :

حيث دلت هذه الكلمة : على أن الكلام إنما هو عن السلامة في الآخرة ، والنجاة من مهالكها ، إذ لو كان قوله : «أسلم تسلم» تهديدا لكسرى بالقتل ، لو لم يسلم ، فالمناسب هو أن يقول له : فإن أبيت ، فالسيف بيننا وبينك ..

ولكنه لم يقل ذلك ، بل أثبت عليه إثم الإنسان الذي يضل ، ويتسبب بالضلال لغيره أيضا ، وهذا الإثم إنما تظهر آثاره في الآخرة فقط ، أما عقوبة الدنيا ، فهي حتى لو كانت هي القتل ، فإنها تبقى أقل من الجريمة التي

٢٧٥

ارتكبت ، غير أن هذه العقوبة لا تعيد الناس إلى الهدى ، ولا تدفع مفسدة إضلالهم ، خصوصا إذا كان هذا الإضلال سينال أمة عظيمة كتلك التي يحكمها كسرى ..

ولا تزر وازرة وزر أخرى :

ومن جهة ثانية نقول :

صحيح أن الإيمان والكفر يقعان تحت اختيار الإنسان ، وصحيح أنه : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ..) وأنه : (لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).

ولكن من الصحيح أيضا : أن هناك من يسهم في إضلال الناس ، وفي تعمية الأمور عليهم ، ويعمل على إيقاعهم في الشكوك والشبهات ، أو هو على الأقل يسد منافذ الهداية ، ويحرمهم من فرص التعرف على الحق ، ومن الوصول إليه .. وهذا من أعظم الآثام ، ومن موجبات عقوبة الإله الملك العلام بلا ريب ..

فإذا كان كسرى أو قيصر قد أوجب حجب نور الهداية عن المجوس ، أو عن الأكّارين ، أو عن الأريسيّين ، واستضعفهم ، ومنعهم من السعي للوصول إليه ، والحصول عليه ، أو منع الناس المخلصين من إيصال الحق إليهم ، ومن إثارة دفائن عقولهم ، بالبراهين الساطعة ، والأدلة القاطعة ، فإنه سيكون هو المتحمل لإثم ما هم فيه من كفر وضلال ، وفساد وانحلال. وقد قال تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ ..) (١).

__________________

(١) الآية ١٣ من سورة العنكبوت.

٢٧٦

وقال تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ..) (١).

إثم المجوس أو إثم الأكارين :

وقد ورد في بعض نصوص الكتاب : بدل قوله : «فعليك إثم المجوس» قوله : «فعليك إثم الأكّارين» (٢) أو نحو ذلك.

وفي نقل ابن خلدون : «فإن أبيت فإثم الأريسيّين عليك» (٣). وهي

__________________

(١) الآية ٢٥ من سورة النحل.

(٢) أحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٢٤١ وراجع : البحار ج ٢٠ ص ٣٨٨ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٢٥ وشرح مسلم ج ١٢ ص ١٠٩ وعن فتح الباري ج ١ ص ٣٦ وعن المعجم الكبير ج ٨ ص ١٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢ ص ٩٣ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤٩٨ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٣٤٥.

(٣) العبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢ ص ٩٣ وج ٢٣ ص ٤٢٤ و ٤٢٧ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٣٥٣ والبحار ج ٢٠ ص ٣٨٧ و ٣٩٥ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٢٥ و ٣٩٠ وميزان الحكمة ج ٤ ص ٣٢١٣ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٦٣ وعن صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٣٤ وج ٤ ص ٤ وج ٥ ص ١٦٩ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٧٨ وشرح مسلم ج ١٢ ص ١٠٧ و ١٠٩ وعن فتح الباري (المقدمة) ص ٧٦ وعن ج ٣ ص ١٢١ وج ٨ ص ١٦٦ و ١٦٧ والديباج على مسلم ج ٤ ص ٣٨٠ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٤٦ والأدب المفرد ص ٢٣٧ والآحاد والمثاني ج ١ ص ٣٦٧ والسنن الكبرى للنسائي ج ٦ ص ٣١١ ومسند ـ

٢٧٧

الكلمة التي وردت في رسالته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لقيصر ..

والأكّارون هم الزراع ، وهم أسرع انقيادا إلى ملوكهم من غيرهم ، لأن الغالب عليهم الجهل والتقليد ، كما أن الغالب على حكومتهم الظلم لهم (١). وشدة الوطأة عليهم.

وذكر العلامة الأحمدي «رحمه‌الله» : أن الأريس والإرسيس كجليس وسكيت : هو الأكّار ، كما عن ابن الأعرابي.

__________________

ـ الشاميين ج ٤ ص ٢١٩ وصحيح ابن حبان ج ١٤ ص ٤٩٥ والأحاديث الطوال ص ٦٣ وعن المعجم الكبير ج ٨ ص ١٦ و ١٨ و ٢٢ وكنز العمال ج ٤ ص ٣٨٤ والجامع لأحكام القرآن ج ٤ ص ١٠٦ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ١ ص ٣٧٩ والدر المنثور ج ٢ ص ٤٠ وفتح القدير ج ١ ص ٣٤٨ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٧٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٠٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٠١ والنهاية في غريب الحديث ج ١ ص ٤١.

(١) راجع : مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٢٥ والبحار ج ٢٠ ص ٣٨٢ و ٣٨٩ وج ٢٢ ص ٢٥٠ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٤٣ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣٠٦ وتحفة الأحوذي ج ٧ ص ٤١٤ والسنن الكبرى للنسائي ج ٣ ص ٤٣٦ والأحاديث الطوال ص ٦٠ وعن المعجم الكبير ج ٢٠ ص ٩ والطبقات الكبرى ج ١ ص ٢٥٩ وتاريخ خليفة بن خياط ص ٤٧ و ٦٢ وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٤٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٧ ص ٣٥٧ وعن الإصابة ج ١ ص ٤٦٣ وكتاب المحبر ص ٧٧ وفتوح البلدان ج ٢ ص ٣٥٨ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٧٧ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٦٥٢ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٢٥ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٣٢١ و ٣٢٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٤٣ و ٥٠٨ وسبل الهدى والرشاد ج ١ ص ٥٦ وج ١١ ص ٣٣٨ و ٣٦١.

٢٧٨

وعن أبي عبيد : أنهم الخدم والخول.

وقال الأزهري : وهي لغة شامية ، وهم فلاحو السواد ، الذين لا كتاب لهم.

وقيل : هم قوم من المجوس ، لا يعبدون النار ، ويزعمون أنهم على دين إبراهيم.

والمراد : أن عليه إثمهم ، لأنهم بقوا على ضلالهم بسببه.

وسيأتي كلام آخر عن المراد من الأريسيّين في كتابه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى قيصر ملك الروم ، إن شاء الله تعالى.

من هو حامل الرسالة؟!

وقد ذكروا : أن حامل الكتاب إلى كسرى هو عبد الله بن حذافة السهمي (١).

وقيل : هو خنيس بن حذافة (٢).

__________________

(١) راجع : كنز العمال ج ١٠ ص ٤١٨ وعمدة القاري ج ١٨ ص ٥٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٦٩ (وط دار إحياء التراث) ص ٣٠٦ عن ابن جرير والكامل ج ٢ ص ٢١٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٨٨ ونصب الراية ج ٦ ص ٥٦٢ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٤٣ والطبقات الكبرى ج ٤ ص ١٨٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٧ ص ٣٤٩ وتهذيب الكمال ج ١ ص ١٩٧ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ١٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٠٨ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٣٦٢ والروض الأنف ج ٣ ص ٦٨ والتنبيه والإشراف ص ٢٢٥ وعن فتح الباري ج ٨ ص ٩٦.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٨٣ وعن فتح الباري ج ٨ ص ٩٦ عن ابن شبة ، والآحاد والمثاني ج ١ ص ٤٤٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣ ص ١٧٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٣٣٤.

٢٧٩

وقيل : شجاع بن وهب (١).

وقيل : عمر بن الخطاب (٢).

وهذا القول الأخير بعيد جدا عن الصواب ، إذ لو صح أن عمر كان هو الرسول إلى كسرى ، لرأيت الكتب مملوءة بالتفاصيل وبالدقائق ، واللطائف ، ولربما تجد فيها من البطولات ، والعجائب ، والمعجزات والغرائب ما يملأ عشرات الصفحات ، ولألفيت ذلك حديث المجالس والندوات ، في الغدوات والعشيات!!

ولكن الله سلّم!!

حديث تسليم الكتاب :

وقد ذكروا : أن كسرى أذن لحامل الكتاب بالدخول عليه ، فلما دخل : أمر بقبض الكتاب منه ، فقال : لا. حتى أدفعه إليك كما أمرني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». فدنا منه ، وسلمه الكتاب.

فدعا كسرى من يقرؤه فلما قرأ : من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، غضب كسرى حيث بدأ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بنفسه ، وصاح ، وأخذ الكتاب ، فمزقه قبل أن يعلم ما فيه ، وقال : يكتب إليّ بهذا وهو عبدي؟!

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٨٣ ودلائل النبوة ج ٤ ص ٣٨٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٦٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٠٧.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٨٣ وعن فتح الباري ج ٨ ص ٩٦ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٢٧ والبداية والنهاية ج ٧ ص ١٧٥.

٢٨٠