الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٦

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٦

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-188-2
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٩

قال : لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته ، يستتر بها من الناس.

وقد قيل : إنه كان يرمى بالنفاق. وقد نزل في حقه في غزوة تبوك من الآيات ما يدل على ذلك.

وكان الجد بن قيس سيد قومه بني سلمة ـ بكسر اللام ـ في الجاهلية.

ويقال : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سوّد عليهم بشر بن البراء بن معرور ، وقيل : عمرو بن الجموح. ورجح ابن عبد البر الأول ، ورووا شعرا يؤيد الثاني ..

وذكروا : أن سبب ذلك هو : أنه كان يرمى بالبخل (١).

ونشير هنا إلى أمرين :

الأول : أننا نرى : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يبادر إلى أمر كهذا بلا مبرر قوي ، لا سيما وأنه يجر عداوات ، ويخلق أحقادا وخصومات ، وينشئ عقدا تجاهه «صلى‌الله‌عليه‌وآله». ومجرد بخل إنسان مّا لا يكفي مبررا للإقدام على أمر كهذا .. إلا إذا كان ذلك قد حصل قبل إظهار الجد بن قيس للإسلام ، ولسنا بصدد تحقيق هذا الأمر ..

الثاني : أن هذا النص يدل على : أن بقية المنافقين الحاضرين ، ومنهم عبد الله بن أبي قد بايع وبايعوا أيضا .. وقد كان ابن أبي حاضرا بدليل :

١ ـ ما تقدم : من أنه كان حاضرا هو وجماعة من المنافقين ، حين جاشت البئر بالماء ، بسبب غرس سهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيها .. فقيل له في ذلك ، فادّعى : أنه رأى مثل هذا فيما سبق ، واستغفر له «صلى الله عليه

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧.

٢١

وآله» في هذه المناسبة.

٢ ـ أن قريشا بعثت إلى ابن سلول : إن أحببت أن تدخل فتطوف بالبيت فافعل.

فقال له ابنه عبد الله : يا أبت أذكرك الله ، أن لا تفضحنا في كل موطن. تطوف! ولم يطف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

فأبى حينئذ وقال : لا أطوف حتى يطوف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وفي لفظ قال : إن لي في رسول الله أسوة حسنة.

فلما بلغ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» امتناعه رضي عنه ، وأثنى عليه بذلك (١).

حديث : «لا يدخل النار من شهد الحديبية» لا يصح :

وهذا يوضح لنا : عدم صحة الأحاديث التي تقول : لا يدخل النار من شهد بدرا ، والحديبية ، وأن الله غفر لأهل بدر والحديبية ، ونحو ذلك (٢).

فإن المنافقين يدخلون النار بلا شك. وقد كانوا حاضرين في الحديبية ، وقد بايع قسم منهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الحديبية ، وعلى رأسهم

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨ والنص والإجتهاد ص ١٦٨.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧ و ١٨ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٤٠٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٤٦٤ وفيض القدير ج ٥ ص ٣٨٤ وعن الإصابة ج ٢ ص ٤٤ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣٩٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٥١٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥١.

٢٢

ـ حسب قولهم ـ عبد الله بن أبي ، الذي يقول عنه أهل السنة : إنه كان رأس النفاق في زمن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وإن كنا نحتمل أن يكون ثمة تضخيم لدور ابن أبي ، ومحاولة الإنحاء باللائمة عليه في كثير من الأمور ، التي قد يكون بطلها الحقيقي شخصا آخر يراد التستر عليه ، أما ابن أبي فهو ضحية هذه السياسة حين لا يكون له دور أساسي فيها ، أو قد يكون بريئا من أي دور فيها. ولسنا هنا بصدد تحقيق ذلك.

وظهر أيضا عدم صحة حديث : أنتم اليوم خير أهل الأرض (١) ، فإن المنافقين كانوا فيهم ، ولم يكن المنافقون خير أهل الأرض قطعا. إلا إن كان المراد : أنهم كذلك في ذلك اليوم بالنسبة للمعلنين بالشرك ، والمظهرين العناد.

قال الحلبي : «قال ابن عبد البر (ره) : ليس في غزواته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما يعدل بدرا ويقرب منها إلا غزوة الحديبية.

والراجح : تقديم غزوة أحد على غزوة الحديبية ، وأنها التي تلي بدرا في

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧ وعن صحيح البخاري ج ٥ ص ٦٣ وكتاب المسند ص ٢١٧ ومسند أحمد ج ٣ ص ٣٠٨ وصحيح مسلم ج ٦ ص ٢٦ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٢٣٥ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٣٤١ ومسند الحميدي ج ٢ ص ٥١٤ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥١٠ ومنتخب عبد بن حميد ص ٣٣٢ والسنن الكبرى للنسائي ج ٦ ص ٤٦٤ وكنز العمال ج ١٠ ص ٤٧٥ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠٢ والدر المنثور ج ٦ ص ٧٣ وتاريخ بغداد ج ١٢ ص ٤٣٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ١١ ص ٢٢٢ وتهذيب الكمال ج ٤ ص ٤٤٩ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ١٩٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٩٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٢٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥١.

٢٣

الفضيلة» (١).

وقد ظهر : أنه كلام بلا مستند صحيح ، فالأولى الإضراب ، والإعراض عنه ، والتوجه إلى ما هو أهم ، ونفعه أعم.

بيعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن عثمان :

وقد ادعوا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد بايع عثمان ، فوضع يده اليمنى على اليسرى ، وقال : اللهم إن هذه عن عثمان ، فإنه في حاجتك ، وحاجة رسولك. أو نحو ذلك (٢).

ونقول :

إننا قد تحدثنا عن هذا الأمر في الجزء السابق ، غير أننا نعود فنذكر القارئ بما يلي :

أولا : إذا كانت بيعة الرضوان قد حصلت ، لأنه بلغهم أن عثمان قد قتل ، فكيف بايع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عنه؟! .. أما وقد كان عثمان حيا ، فإن سبب البيعة لا بد أن يكون شيئا آخر وهو : حبس العشرة الذين دخلوا إلى مكة (٣).

أو محاولتهم قتل رسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إليهم ، أعني خراش بن

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥٠ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٤٨٩ والآحاد والمثاني ج ١ ص ١٣٠ والمعجم الأوسط ج ٧ ص ٢٠٩ والمعجم الكبير ج ٧ ص ٢٣ وكنز العمال ج ١٣ ص ٤٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٩ ص ٧٥.

(٣) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧ والمصادر السابقة.

٢٤

أمية ، بعد أن عقروا بعيره.

أو المناوشات التي جرت بينهم وبينه ، حيث قتلوا أحد المسلمين.

أو محاولتهم انتهاز فرصة غفلة المسلمين لأسر بعضهم أو قتله ، فأسر المسلمون منهم خمسين رجلا تارة ، واثني عشر رجلا أخرى.

أو إصرار قريش على منعهم من العمرة وزيارة بيت الله ..

أو أن جميع هذه الحوادث قد انضم بعضه إلى بعض ليصبح سببا للدعوة إلى البيعة.

هذا كله ، إن لم يكن من أسباب هذه البيعة أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد أن يلزم أناسا بها ، بعد أن شعر أنهم يدبرون أمر خيانة خطيرة في الخفاء ..

ثانيا : لماذا لم يبايع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن العشرة الذين أخذوا في مكة جميعا كما بايع عن عثمان؟!

مع أنهم يقولون : إنهم قد دخلوا في أمان عثمان أيضا حسبما تقدم ..

محاولة فاشلة :

وقد حاول بعضهم حل هذا الإشكال بادعاء : أن بيعة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن عثمان إنما كانت بعد مجيء الخبر بسلامة عثمان ، أو أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد علم بعدم صحة شائعة قتله (١) فبايع عنه.

ويرد عليه : أنه إذا صح ذلك ، فلا يبقى داع للدعوة إلى البيعة. كما أنها

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧.

٢٥

كلها مجرد احتمالات لا شاهد لها ، ولا دليل يساعدها ، بل هي محض تخرص ورجم بالغيب.

الرد على الشيعة :

قال الحلبي : «وبهذا يردّ على ما تمسك به بعض الشيعة في تفضيل علي كرم الله وجهه على عثمان (رض) ، لأن عليا كان من جملة من بايع تحت الشجرة. وقد خوطبوا بقوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أنتم خير أهل الأرض ، فإنه صريح في تفضيل أهل الشجرة على غيرهم.

وأيضا علي حضر بدرا دون عثمان ، وقد جاء مرفوعا : لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية.

وحاصل الرد : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بايع عن عثمان ، مع الاعتذار عنه : بأنه في حاجة الله ، وحاجة رسوله.

وخلف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عثمان (رض) عن بدر لتمريض ابنته «صلى‌الله‌عليه‌وآله». وأسهم له ، كما تقدم ، فهو في حكم من حضرها.

على أنه سيأتي : أنه (رض) بايع تحت تلك الشجرة بعد مجيئه من مكة» (١).

ونقول :

إن هذا الكلام كله لا يصح أيضا ، وذلك لما يلي :

١ ـ إن القول المنسوب إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أنتم خير

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧.

٢٦

أهل الأرض ، مكذوب عليه ، ولا يصح ؛ لأن المنافقين كانوا من بينهم.

وهكذا يقال : بالنسبة لما رووه مرفوعا : لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية ..

٢ ـ إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يبايع عن عثمان حسبما تقدم ؛ لأنهم يدّعون : أن البيعة كانت لأجل ما أشيع من أن عثمان قد قتل ..

٣ ـ إن الله سبحانه لا يحتاج إلى شيء ، فلا يصح القول بأن عثمان كان في حاجة الله تعالى ..

إلا أن يكون المقصود : أنه كان في حاجة يريدها الله منه بالإرادة التشريعية ، أو ما يقرب من هذا المعنى.

٤ ـ حديث أن عثمان قد بايع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد رجوعه من مكة تحت نفس الشجرة ، التي كان المسلمون قد بايعوه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تحتها (١). لا مجال للاطمينان إليه ، فإن من البعيد أن يقصد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تلك الشجرة بالذات لكي يجلس تحتها مرة أخرى ، ثم يأتي عثمان ويبايعه .. ولا يوجد داع إلى ذلك ..

وهذا أشبه بالتمثيل ، وصناعة الأفلام ..

ولو أن ذلك قد حصل لا متلأت الكتب في وصف الحادثة ، ولكثر رواتها ، والمتسابقون لبيان تفاصيلها وجزئياتها .. خصوصا من محبي عثمان ، ومن قومه من بني أمية ..

٥ ـ بالنسبة لقوله : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الذي خلف عثمان

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧ و ١٨.

٢٧

على ابنته ليمرضها ، نقول :

ألف : إن الروايات قد صرحت : بأنه لم يكن مهتما بمرضها ، وبأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد حرمه من النزول في قبرها ، لأنه كان قد واقع في نفس ليلة وفاتها (١) بصورة جعلته مستحقا لهذا الحرمان.

وقد لاحظ ابن بطال هنا : أنه حين قال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أيكم لم يقارف الليلة أهله؟ سكت عثمان ، ولم يقل : أنا ، لأنه قارف ليلة ماتت بعض نسائه ، ولم يشغله الهم بالمصيبة ، وانقطاع صهره من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن المقارفة.

فتلطف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في منعه من الدخول في قبر زوجته بغير تصريح (٢).

وقد علق العلامة الأميني «رحمه‌الله» على هذه الواقعة بكلام جيد ،

__________________

(١) راجع : صحيح البخاري ج ١ ص ١٥٢ و ١٤٦ ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٧ وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامشه) والإصابة ج ٤ ص ٣٠٤ والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ٤ ص ٣٠١ ومشكل الآثار ج ٣ ص ٢٠٢ و ٢٠٤ والمعتصر من المختصر لمشكل الآثار ج ١ ص ١١٣ و ١١٤ وفتح الباري ج ٣ ص ١٢٧ ومسند أحمد ج ٣ ص ٢٧٠ و ٢٢٩ و ٢٢٨ و ١٢٦ والروض الأنف ج ٣ ص ١٢٧ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٤ ص ٥٣ وذخائر العقبى ص ١٦٦ والمصنف للصنعاني ج ٣ ص ٤١٤ وعن تاريخ البخاري الأوسط والتاريخ الصغير للبخاري ج ١ ص ١٤٤ وكنز العمال ج ١٥ ص ٦٠٣.

(٢) راجع : الروض الأنف للسهيلي ج ٣ ص ١٢٧ و ١٢٨ وفتح الباري ج ٣ ص ١٢٧.

٢٨

ذكر فيه : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الداعي للستر على المؤمنين ، والداعي للإغضاء عن العيوب ، والناهي عن التجسس عما يقع في الخلوات ـ كما نص عليه كتاب الله ـ قد خرج عن سجيته ، وعرّض بعثمان هذا التعريض الذي فضحه ، فلو أن ما فعله عثمان كان حلالا له ، لم يقدم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على ذلك في حقه ..

وهذا معناه : أن ما فعله ، كان أمرا بالغ الخطورة ..

ونقول :

ربما يكون هذا الأمر العظيم الذي عجز التاريخ عن الإفصاح عنه هو : ما أشارت إليه بعض الروايات.

فقد روي في الكافي : أن رقية لما قتلها عثمان ، وقف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على قبرها ، فرفع رأسه إلى السماء ، فدمعت عيناه. وقال للناس : إني ذكرت هذه وما لقيت ، فرققت لها ، واستوهبتها من ضمة القبر (١).

ولعل عائشة قد أشارت إلى ذلك أيضا.

فقد روي : أن عثمان خطب فقال : ألست ختن النبي على ابنتيه؟!

فأجابته عائشة : بأنك كنت ختنه عليهما ، ولكن كان منك فيهما ما قد علمت (٢).

٦ ـ بالنسبة إلى إسهام النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعثمان في بدر نقول :

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٢٣٦ وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٤٣٩ والفصول المهمة ج ١ ص ٣٢٥ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٢٤٤ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٢٢٦ والبحار ج ٢٢ ص ١٦٣.

(٢) قاموس الرجال ج ١٠ ص ٤٤٠ عن تقريب أبي الصلاح ، عن تاريخ الثقفي.

٢٩

ألف : إسهامه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لرجل في بعض الغزوات لا يجعل ذلك الذي أعطاه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من سهامها بحكم من حضر تلك الغزوة ، بل إن ذلك كما قد يكون لأجل إظهار فضله ، قد يكون أيضا تأليفا له على الإسلام ، وإنما يعرف هذا من ذاك من خلال القرائن والدلالات الأخرى ..

ولأجل ذلك نلاحظ : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أعطى غنائم بعض الغزوات للمؤلفة قلوبهم ..

والحاصل :

أن القرائن تدل تارة : على أن الإسهام للشخص ، وإعطاءه من الغنيمة تكريم ، وإجلال ، وإعلان بفضل أو بتفضيل من يسهم له ، إذا كان ذلك الشخص يقوم بمهمات جلى في خدمة الدين ، وفي الدفاع عنه ..

وتدل تارة أخرى : على مجرد استحقاقه ذلك ، من حيث إنه قد كان له نوع مشاركة في تلك الحرب.

وقد أعطى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» طلحة وسعيد بن زيد من الغنائم في بدر ؛ لأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أرسلهما ليتجسسا له خبر العير ، فرجعا إلى المدينة بعد خروجه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى بدر (١).

وكذلك كان الحال : بالنسبة لجعفر بن أبي طالب ، حيث روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنه قال : ضرب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٤٧ و ١٨٥ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٣٦٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ١٧١.

٣٠

يوم بدر لجعفر بن أبي طالب بسهمه وأجره (١).

وما ذلك إلا : لأن جعفرا صلوات الله وسلامه عليه قد هاجر إلى أرض الحبشة ، نصرة لدين الله تعالى ، وحفاظا على المسلمين المستضعفين ، وإلا ، فقد كان بإمكانه أن لا يهاجر إلى تلك البلاد النائية ، حيث الغربة عن الوطن والأهل ، والأحبة ، بين أناس يختلفون معه في اللغة ، وفي العادات ، وفي الدين ، وفي كثير من الأمور الأخرى ..

ب : لقد جاء في حديث مناشدة علي «عليه‌السلام» لأهل الشورى ؛ وفيهم عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وغيرهم قوله : «أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر ، وسهم في الغائب؟

قالوا : لا» (٢).

وهو «عليه‌السلام» لم يغب إلا عن غزوة تبوك.

وقد ذكر الزمخشري في مناقب العشرة : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين قسم غنائم تبوك دفع لكل واحد منهم سهما ، ودفع لعلي «عليه‌السلام» سهمين. فاعترض عليه زائدة بن الأكوع ، فأجابه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأن جبرائيل كان يقاتل في تبوك ، وأنه هو الذي أمره أن يعطي

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ج ١ ص ٢١٦ وشرح الأخبار ج ٣ ص ٢٠٥ وبغية الباحث ص ٢١٥ وتهذيب الكمال ج ٥ ص ٥٢ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣٩٦.

(٢) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب لابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ج ٣ ص ٩٣.

وراجع : اللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٦٢ والضعفاء الكبير ج ١ ص ٢١١ و ٢١٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٤٣٥ والموضوعات ج ١ ص ٣٧٩ وكنز العمال ج ٥ ص ٧٢٥.

٣١

عليا «عليه‌السلام» سهمين (١).

وقد يقال : إن خطابه «عليه‌السلام» لأهل الشورى ناظر إلى هؤلاء الحاضرين في زمانه ، وليس ناظرا إلى جعفر الذي كان قد استشهد في حياة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولا إلى أبي أمامة الذي لم يكن مع أولئك المخاطبين ولا نعرف تاريخ وفاته.

ج : إننا نشك في أن يكون قد تخلف عن بدر ، لأجل تمريض بنت (ربيبة) رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقد روي أيضا : أن تخلفه كان لأجل أنه كان مريضا بالجدري (٢).

د : إنه لو فعل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك لوجدنا كثيرين ممن تخلفوا عن بدر يعترضون ويطالبون بإعطائهم سهمهم أيضا ، كما أعطي عثمان .. وخصوصا إذا كان بعضهم قد تخلف على مريض له.

بل إننا قد نجد الأصوات ترتفع حتى من الذين حضروا بدرا وقاتلوا ، فإنهم سوف لا يرضون بإعطاء من لم يحضر ، ولم يقاتل ، إلا أن يعرفهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بوجود سبب معقول ، ومقبول لهذا الإعطاء ..

ه : إن تخلف عثمان كان بنظر مشاهير الصحابة منقصة له ، وكانوا يعيّرونه بها ، فلو كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ضرب له بسهمه وأجره لم يكن هناك محل لهذا التعيير.

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٤٢ ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٧٧ وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي ج ١ ص ٧٨.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٨٥ و ١٤٦ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٢٢٤ والمغازي للواقدي ج ١ ص ١٣١.

٣٢

فقد قال الوليد بن عقبة لعبد الرحمن بن عوف : ما لي أراك قد جفوت أمير المؤمنين عثمان؟

فقال عبد الرحمن : أبلغه أني لم أفر يوم عينين ـ أي يوم أحد ـ ولم أتخلف يوم بدر ، ولم أترك سنة عمر.

فخبر الوليد عثمان ، فاعتذر عن تخلفه يوم بدر بتمريضه رقية (١).

وبمثل ذلك اعتذر ابن عمر لذلك الذي كان يعترض على عثمان بذلك (٢).

ودخل رجل على سالم بن عبد الله ، فطعن على عثمان بعين ما تقدم عن

__________________

(١) راجع : مسند أحمد ج ١ ص ٦٨ و ٧٥ والأوائل ج ١ ص ٣٠٥ و ٣٠٦ ومحاضرات الأدباء المجلد الثاني ص ١٨٤ والدر المنثور ج ٢ ص ٨٩ عن أحمد ، وابن المنذر ، والبداية والنهاية ج ٧ ص ٢٠٧ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ٢١ و ٢٢ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٢٧٨ والغدير ج ٩ ص ٣٢٧ وج ١٠ ص ٧٢ عن أحمد ، وابن كثير ، وعن الرياض النضرة ج ٢ ص ٩٧ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ٢٢٦ وج ٩ ص ٨٤ والمعجم الكبير ج ١ ص ٨٩ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٤٢٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٩ ص ٢٥٨ وتاريخ المدينة ج ٣ ص ١٠٣٣ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٢٢٤.

(٢) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٩٨ والجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٦٢٩ ومسند أحمد ج ٢ ص ١٠١ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٢٠٧ عن البخاري ، والغدير ج ١٠ ص ٧١ و ٧٠ عن الحاكم ، وأحمد ، وعن صحيح البخاري ج ٦ ص ١٢٢ والبحار ج ٣١ ص ٢٠١ ومناقب أهل البيت ص ٣٦٧ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٤٨ وعون المعبود ج ٧ ص ٢٨٣ والجامع لأحكام القرآن ج ١١ ص ٢٥٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٩ ص ٢٦١ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٢٨٤.

٣٣

عبد الرحمن بن عوف (١).

فلو أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان ضرب له بسهمه وأجره لم يكن معنى لتعيير كبار الصحابة له بذلك ، وقد كان ابن عوف حاضرا في بدر ، ولم يكن ما جرى فيها خافيا عليه.

كما أنه قد كان من المناسب : أن يعتذر هو بهذا الأمر ، لا بتمريض رقية ، فإنه أدحض لحجة المخالفين له ..

و: إن ابن مسعود قد رد على سب عثمان له بقوله : «لست كذلك. ولكني صاحب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم بدر ، ويوم بيعة الرضوان» (٢).

فقد أشار ابن مسعود إلى خصوص هذين الموضعين ؛ لأن عثمان لم يحضرهما ـ أشار بذلك ـ ليرد بذلك عليه ، لأنه كان قد تنقصه ، ونال منه ..

وذلك يدل : على أن عدم حضور عثمان لبيعة الرضوان يعد منقصة له ، فلو أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان قد بايع عنه لكان ذلك من أعظم فضائله.

وهكذا يقال بالنسبة لتخلفه عن بدر حسبما أوضحناه ..

الصحيح في القضية :

ولعل الصحيح في القضية هو : ما روي من أن أبا أمامة بن ثعلبة ، كان

__________________

(١) فتح القدير ج ١٠ ص ٧٠ عن الرياض النضرة ج ٢ ص ٩٤.

(٢) أنساب الأشراف ج ٥ ص ٣٦ والغدير ج ٩ ص ٣ و ٤ عنه وعن الواقدي والمسترشد للطبري ص ١٦٤ والبحار ج ٣١ ص ١٨٩ وحياة الإمام الحسين للقرشي ج ١ ص ٣٧٧.

٣٤

قد أجمع على الخروج إلى بدر ، وكانت أمه مريضة ، فأمره النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالمقام على أمه ، وضرب له بأجره وسهمه ، فرجع «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من بدر ، وقد توفيت ، فصلى على قبرها.

بل في بعض نصوص هذه الرواية : أن أبا أمامة تنازع مع أخي زوجته ، أبي بردة بن نيار ، حيث أراد منه أن يتخلف على أخته ، وأراد منه أبو بردة أن يتخلف على زوجته فحسم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الأمر ، بأن أمر زوجها بالتخلف عليها (١).

وأما صلاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على قبرها ، فلعله لأنها دفنت من غير أن يصلي عليها أحد ، وكان في نبشها لأجل الصلاة عليها هتك لها ..

وعلينا أن لا ننسى أن هذا الإصرار من أبي أمامة على الخروج للجهاد ، والسعي إلى إقناع أخي زوجته بالبقاء عند أخته ، ثم اتخاذ الرسول نفسه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قرار إبقائه ، يجعل الإسهام له من غنائم بدر أمرا مقبولا لدى الصحابة ، ولا يبرر لهم أي اعتراض على ذلك ..

سؤال وجوابه :

ويبقى هنا سؤال ، وهو : إذا كان عثمان غير مستحق لأن يسهم له في بدر ؛ لأنه ارتكب في حق رقية أمرا عظيما ، حتى استحق التشهير به من

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٤٧ والإصابة ج ٤ ص ٩ عن أبي أحمد الحاكم والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٤ وأسد الغابة ج ٥ ص ١٣٩ و ٥٦٦ وج ١ ص ١٥٤ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٣٢ والآحاد والمثاني ج ٤ ص ٥٧ والمعجم الكبير ج ١ ص ٢٧٢ وكنز العمال ج ١٦ ص ٥٧٩.

٣٥

رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وحرمانه أمام كل الناس من الدخول إلى قبرها ، وترجيحه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن ينزل في قبرها رجل غريب ، فلماذا لا يعاقبه على فعلته تلك؟!

ولماذا يزوجه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أختها أم كلثوم؟!

ويجاب :

أولا : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يعاقب الناس على جرائمهم ما لم تتوفر وسائل إثبات ذلك ، ولم يكن يحق له أن يستند في عقوبتهم إلى الغيب الذي يصل إليه بالطرق غير العادية ، أو من خلال علم الشاهدية ..

ومن الواضح : أن عثمان لم يعترف بما فعل ، ولا شهد عليه به الشهود .. ولكنه أعطى الانطباع بصدور هذا الأمر منه ..

ثانيا : إن هذا الإشكال مبني على أن رقية وأم كلثوم ، هما بنتا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من خديجة .. وقد أثبتنا عدم صحة ذلك ، وأنهما كانتا ربيبتيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. فلم يكن «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالذي يتصدى لتزويج بنات الناس ، إلا إذا ظهر : أنهن يردن منه ذلك ، ويطلبن نصيحته ومشورته.

فلعل أم كلثوم هي التي أقدمت على هذا الأمر ، ولم تطلب النصيحة منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله». وليس ثمة ما يثبت : أنها كانت مطلعة على ما جرى لأختها مع عثمان ..

دليل على موت الخضر :

قال الحلبي : «واستدل بقوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أنتم خير أهل

٣٦

الأرض على عدم حياة الخضر «عليه الصلاة والسلام» حينئذ ، لأنه يلزم أن يكون غير النبي أفضل منه. وقد قامت الأدلة الواضحة على ثبوت نبوته ، كما قاله الحافظ ابن حجر» (١).

ونقول :

أولا : بعد أن ثبت : أن المنافقين قد حضروا بيعة الرضوان ، وبايعوا ، وثبت أيضا أن الحديث القائل : أنتم خير أهل الأرض لا تصح نسبته إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. فلا يصح الاستدلال به على حياة الخضر ، ولا على غير ذلك من أمور.

ثانيا : قولهم : إنه يلزم أن يكون غير النبي أفضل منه ، فلا يصح تفضيل أهل الحديبية على الخضر ، لا يصح.

إذ لا شك في أن بعض الأولياء والأئمة أفضل من بعض الأنبياء ، فإن عليا «عليه‌السلام» كان أفضل من الأولين والآخرين ، باستثناء نبينا الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة ، ومنها قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للسيدة فاطمة الزهراء «عليها‌السلام» : لو لا علي لم يكن لفاطمة كفؤ آدم فمن دونه (٢).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧.

(٢) تهذيب الأحكام ج ٧ ص ٤٧٠ ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٢٩ والجواهر السنية ص ٢٥٢ والفصول المهمة ج ١ ص ٤٠٨ والبحار ج ٤٣ ص ٩٣ و ١٠٧ ومسند الإمام الرضا ص ١٤١ وعيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٢٥ واللمعة البيضاء ص ٢١٢ و ٢٤٦ ومجمع النورين ص ٢٧ و ٤٣.

٣٧

حيث دل على أنه حتى أولو العزم من الأنبياء «عليهم‌السلام» ـ باستثناء نبينا «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ لم يكونوا كفؤا لها «عليها‌السلام» ، وكان علي وحده الكفؤ ، فهو إذن أرفع مقاما من جميع الأنبياء.

بل ذلك يدل على أفضيلة الزهراء «عليها‌السلام» عليهم أيضا ، وذلك ظاهر ..

هل أسلم ابن عمر قبل أبيه؟!

وفي البخاري وغيره ، عن نافع : أن ابن عمر أسلم قبل أبيه ، وليس كذلك. ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار ، يأتي به ليقاتل عليه. ورسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يبايع عند الشجرة ، وعمر لا يدري بذلك ، فبايعه عبد الله ، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر وهو يستلئم للقتال ، فأخبره : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يبايع تحت الشجرة.

قال : فانطلق. فذهب معه حتى بايع الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

فهي التي يتحدث الناس : أن ابن عمر أسلم قبل عمر (١).

وفي البخاري أيضا : عن نافع ، عن ابن عمر : أن الناس كانوا مع النبي

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٩ وفي هامشه عن البخاري ج ٧ ص ٥٢١ (٤١٨٦) وفتح الباري ج ٧ ص ٣٥٠ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠١ والتعديل والتجريح للباجي ج ٢ ص ٨٥٢ وج ٣ ص ١٣١٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٩٧ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٢٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٢٨.

٣٨

«صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، يوم الحديبية تفرقوا في ظلال الشجر ، فإذا الناس محدقون بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال عمر : يا عبد الله ، انظر ما شأن الناس أحدقوا برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

فذهب ، فوجدهم يبايعون ، فبايع ، ثم رجع إلى عمر ، فخرج ، فبايع (١).

ونقول :

إن ذلك لا يصح ، وذلك لما يلي :

١ ـ روى ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن سلمة بن الأكوع : والبيهقي ، عن عروة .. وابن إسحاق ، عن الزهري .. ومحمد بن عمر عن شيوخه .. قال سلمة : بينا نحن قائلون إذا نادى منادي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أيها الناس ، البيعة ، البيعة الخ .. (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٩ وفي هامشه عن البخاري ج ٧ ص ٥٢١ (٤١٨٧) ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٢٤ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٥٠ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٩٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٢٩.

(٢) دلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٣٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦ و ١٧ وشرح أصول الكافي ج ١٢ ص ٤٥٢ وكنز العمال ج ١ ص ٣٣٢ والميزان ج ١٨ ص ٢٩١ وجامع البيان ج ٢٦ ص ١١٢ وزاد المسير ج ٧ ص ١٦٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠٥ وتفسير الجلالين ص ٧١٣ والدر المنثور ج ٦ ص ٧٣ ولباب النقول ص ١٧٧ وفتح القدير ج ٥ ص ٥٢ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٩.

٣٩

وذكر الحلبي : أن المنادي هو عمر بن الخطاب (١).

٢ ـ لا ندري كيف أصبحت كلمة أسلم قبل عمر بمعنى : بايع قبل عمر ، فإن ذلك من بدائع اللغة العربية؟!

٣ ـ إن التناقضات بين الروايتين المتقدمتين عن البخاري : ظاهرة ، ولا حاجة إلى بيانها ، مع أنها واردة في الكتب التي يدّعون صحة جميع مروياتها.

٤ ـ إنه إذا كان هناك مناد قد نادى بالناس : البيعة البيعة ، فكيف لم يعلم عمر بأن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يبايع حتى أخبره ولده عبد الله ، أو حتى رأى الناس محدقين بالرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حسبما تقدم؟!

لا توقدوا نارا بالليل :

عن أبي سعيد الخدري قال : لما كان يوم الحديبية ، قال لنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لا توقدوا نارا بالليل».

فلما كان بعد ذلك قال : «أوقدوا ، واصطنعوا ، فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ، ولا مدكم» (٢).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥١ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٦ وذكر أخبار إصبهان ج ٢ ص ١٦٩ ومسند أحمد ج ٣ ص ٢٦ وعن المصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٤٨١ وج ١٤ ص ٤٤٣ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٣٤١ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ٢٦٨ وكنز العمال ج ١١ ص ٥٢٨ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٤٥ وج ٩ ص ١٦١ ومسند أبي يعلى ج ٢ ص ٢٧٢ والفايق في غريب الحديث ج ٢ ص ٢٦٣ وطبقات المحدثين بإصبهان ج ١ ص ٣٩١.

٤٠