الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٦

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٦

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-188-2
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٩

١
٢

٣
٤

الباب الثاني

عهد الحديبية .. وقائع وآثار

الفصل الأول : بيعة الرضوان

الفصل الثاني : عهد الحديبية : أحداث وتفاصيل

الفصل الثالث : إدانة البريء

الفصل الرابع : تبرئة المذنب

الفصل الخامس : اللمسات الأخيرة

الفصل السادس : عهد الحديبية .. نتائج وآثار

٥
٦

الفصل الأول :

بيعة الرضوان

٧
٨

حديث البيعة :

قال الصالحي الشامي : لما بلغ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن عثمان قد قتل ، (وقتل معه العشرة الآخرون (١)) ، دعا الناس إلى البيعة ، وقال : «لا نبرح حتى نناجز القوم».

وأتى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» منازل بني مازن بن النجار ، وقد نزلت في ناحية من الحديبية ، فجلس في رحالهم تحت شجرة خضراء ، ثم قال : «٧ ن الله تعالى أمرني بالبيعة».

فأقبل الناس يبايعونه حتى تداكوا ، فما بقي لبني مازن متاع إلا وطئ ، ثم لبسوا السلاح وهو معهم قليل.

وقامت أم عمارة إلى عمود كانت تستظل به ، فأخذته بيدها ، وشدت

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦ وتفسير الثعالبي ج ٥ ص ٢٥٥ وشرح أصول الكافي ج ١٢ ص ٤٥٢ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٤٩ وتحفة الأحوذي ج ١٠ ص ١٤١ وجامع البيان ج ٢٦ ص ١١١ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٩ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٩١ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٧٨٠ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١١٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣١٩.

٩

سكينا في وسطها.

وروى ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن سلمة بن الأكوع ، والبيهقي عن عروة ، وابن إسحاق عن الزهري ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، قال سلمة : بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

«أيها الناس البيعة البيعة ، نزل روح القدس ، فاخرجوا على اسم الله».

قال سلمة : «فسرنا إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه» (١).

وفي صحيح مسلم عنه قال : فبايعته أول الناس ..

ثم بايع ، وبايع ، حتى إذا كان في وسط من الناس قال : «بايع يا سلمة».

قال : قلت : قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس (٢).

__________________

(١) أخرجه البيهقي في الدلائل ج ٤ ص ١٣٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦ و ١٧ وصحيح مسلم ج ٦ ص ٢٥ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥١٢ وكنز العمال ج ١ ص ٣٣٢ وتفسير الميزان ج ١٨ ص ٢٩٢ وزاد المسير ج ٧ ص ١٦٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠٥ وتفسير الجلالين ص ٧١٣ والدر المنثور ج ٦ ص ٧٣ ولباب النقول ص ١٧٧ وفتح القدير ج ٥ ص ٥٢ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٩ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٦٢٢.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٨ ، أخرجه مسلم في الجهاد ج ٣ ص ١٤٣٤ (١٣٢) وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٩٠ ومسند أحمد ج ٤ ص ٥٤ ، والبيهقي في الدلائل ج ٤ ص ١٣٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٢ ص ٩٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٩.

١٠

قال : «ورآني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عزلا ، فأعطاني حجفة ـ أو درقة ـ.

ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال : «ألا تبايعني يا سلمة»؟

قال : قلت : يا رسول الله قد بايعتك في أول الناس ، وفي وسط الناس.

قال : «وأيضا» ، فبايعته الثالثة.

ثم قال لي : «يا سلمة أين حجفتك ـ أو درقتك ـ التي أعطيتك»؟

قال : قلت : يا رسول الله ، لقيني عمي عامر عزلا فأعطيته إياها.

قال : فضحك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقال : إنك كالذي قال الأول : اللهم ابغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي (١).

وفي صحيح البخاري عنه قال : بايعت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تحت الشجرة.

قيل : على أي شيء كنتم تبايعون؟

قال : على الموت (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨ ومسند أحمد ج ٤ ص ٤٩ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٩٠ وشرح مسلم للنووي ج ١٢ ص ١٧٥ والجامع الصغير ج ١ ص ٣٨٧ وعن تفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠٢.

(٢) أخرجه البخاري (٤١٦٩) والبيهقي ج ٤ ص ١٣٨ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٩ وج ٩ ص ١١٠ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٣٠٣ والبحار ج ٣٨ ص ٢١٨ ومسند أحمد ج ٤ ص ٥٤ وعن صحيح البخاري ج ٤ ص ٨ وعن فتح الباري ج ١٣ ص ١٧٢ وعن تفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠١ والدر المنثور ج ٦ ص ٧٤ وفتح القدير ج ٥ ص ٥٢.

١١

وروى الطبراني عن عطاء بن أبي رباح قال : قلت لابن عمر : أشهدت بيعة الرضوان مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟

قال : نعم.

قلت : فما كان عليه؟

قال : قميص من قطن ، وجبة محشوة ، ورداء وسيف ، ورأيت النعمان بن مقرّن المازني قائم على رأسه ، قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه يبايعونه.

وفي صحيح مسلم ، عن جابر قال : بايعنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعمر آخذ بيده ، تحت شجرة ـ وهي سمرة ـ فبايعناه غير الجد بن قيس الأنصاري ، اختفى تحت بطن بعيره.

وعند ابن إسحاق ، عن جابر بن عبد الله : فكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته ، قد خبا إليها ، يستتر بها من الناس. بايعناه على ألا نفرّ ، ولم نبايعه على الموت (١).

وروى الطبراني عن ابن عمر ، والبيهقي عن الشعبي ، وابن منده عن زر بن حبيش قالوا : لما دعا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه أبو سنان الأسدي ، فقال : ابسط يدك أبايعك.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «علام تبايعني»؟

قال : على ما في نفسك.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٩ وج ٩ ص ١١١ أخرجه مسلم ج ٦ ص ٢٦ ومسند أحمد ج ٣ ص ٣٥٥ وشرح مسلم للنووي ج ١٣ ص ٢ وصحيح ابن حبان ج ١٠ ص ٤١٦ والمعجم الكبير ج ٢٠ ص ٢٢٨ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٨٤.

١٢

زاد ابن عمر : فقال النبي : وما في نفسي؟

قال : أضرب بسيفي بين يدك حتى يظهرك الله أو أقتل. فبايعه ، وبايعه الناس على بيعة أبي سنان (١).

وروى البيهقي عن أنس ، وابن إسحاق عن ابن عمر ، قال : لما أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ببيعة الرضوان كان بعث عثمان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى أهل مكة ، فبايع الناس ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «اللهم إن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك ، فضرب بإحدى يديه على الأخرى ، فكانت يد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم (٢).

وروى البخاري وابن مردويه عن قتادة قال : قلت لسعيد بن المسيب : كم كان الذين شهدوا بيعة الرضوان؟

قال : خمس عشرة مائة.

قلت : فإن جابر بن عبد الله قال : أربع عشرة مائة.

__________________

(١) أخرجه ابن أبي شيبة ج ١٤ ص ٨٧ (٦٠٠) وذكره السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٧٤ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٤٦.

(٢) أخرجه الدولابي في الكنى ج ١ ص ١٣٣ والطبراني في الكبير ج ١ ص ٤١ وابن أبي شيبة ج ١٢ ص ٤٦ والحاكم ج ٣ ص ٩٨ وانظر : الدر المنثور ج ٦ ص ٧٤ ، وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧ وسنن الترمذي ج ٥ ص ٢٩٠ وكنز العمال ج ١٣ ص ٦٤ وضعيف سنن الترمذي ص ٤٩٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٩ ص ٧٦ وأسد الغابة ج ٣ ص ٣٧٩.

١٣

قال : يرحمه الله توهم ، هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة (١).

وروى الشيخان ، وابن جرير عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة ، وكانت أسلم ثمن المهاجرين (٢).

أفاد الواقدي : أن أسلم كانت في الحديبية مائة رجل.

وروى سعيد بن منصور والشيخان عن جابر بن عبد الله قال : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ، فقال لنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أنتم خير أهل الأرض» (٣).

وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي عن جابر بن عبد الله ، ومسلم عن أم مبشر : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «لا يدخل

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥٠ و ٥١ عن البخاري ج ٧ ص ٥٠٧ (٤١٥٣) والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٢٣٥ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٣٤١ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠٠ والدر المنثور ج ٦ ص ٧٣ وفتح القدير ج ٥ ص ٤٩ وتاريخ خليفة بن خياط ص ٤٩.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥١ وعن البخاري في المصدر السابق ج ٥ ص ٦٣ (٤١٥٥) ومسلم ج ٣ ص ١٤٨٥ (٧٥ / ١٨٥٧) وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٩٥ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٤٤٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٢٦.

(٣) عن البخاري ج ٧ ص ٥٠٧ (٤١٥٤) وعن مسلم ج ٣ ص ١٤٨٤ (٧١ / ١٨٥٦) والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧ و ١٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥١ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٣٤١ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠٢ والدر المنثور ج ٦ ص ٧٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ١١ ص ٢٢٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٩٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٢٥.

١٤

النار أحد بايع تحت الشجرة» (١).

فلما نظر سهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزى ، ومكرز بن حفص ، ومن كان معهم من عيون قريش من سرعة الناس إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب اشتد رعبهم وخوفهم ، وأسرعوا إلى القضية (٢).

ثم أتى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل» (٣).

أول من بايع :

وقالوا : إن أبا سنان الأسدي أول من بايع ..

وقالوا : إن هذا هو الأشهر ، وعليه الأكثر (٤).

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥١ أخرجه أبو داود (٤٦٥٣) والترمذي (٣٨٦٠) وأحمد ٣ ص ٣٥٠ وابن المبارك في الزهد (٤٩٨) وابن سعد ج ٢ ق ١ ص ٧٣ ومسلم في الفضائل باب ٣٧ (١٦٣) والسنن الكبرى للنسائي ج ٦ ص ٤٦٤ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٢١١ وج ٧ ص ٣٧٢ ورأس الحسين لابن تيمية ص ٢٠٤.

(٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥١ و ٥٢.

(٣) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٨ ـ ٥١ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٨٩ وجامع البيان ج ٢٦ ص ١١٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٩١ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٦٢١ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٧٨١ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١١٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣١٩.

(٤) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٧٥ وكتاب الأوائل ص ٨٢ ومعرفة علوم الحديث ص ١٨٣ وعن الإصابة ج ٣ ص ١٥٧ وج ٧

١٥

ولكن نصا آخر يقول : إن أولهم هو ولده سنان بن أبي سنان (١).

ولعل هذا هو الصحيح ، وذلك لأن أبا سنان نفسه قد مات في حصار بني قريظة ، ودفن بمقبرتهم (٢).

وقيل : أول من بايع هو عبد الله بن عمر (٣).

وقيل : هو سلمة بن الأكوع (٤).

ولعل السبب في ظهور هذين القولين هو : أن ابن عمر قد بايع مرتين : مرة في أول الناس ، ومرة في آخر الناس (٥).

كما أن سلمة بن الأكوع قد بايع ثلاث مرات : مرة في أول الناس ، ومرة

__________________

ص ١٥٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٩١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٢٨ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٩ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٥٦٢.

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨ والطبقات الكبرى ج ٣ ص ٩٣ وأسد الغابة ج ٥ ص ٢٢١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٩٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٢٨.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٠٠ وج ٣ ص ٩٣ والإصابة ج ٧ ص ١٥٥ و ١٦٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٤٥ و ١٩٢ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٧٣٣ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٥٨ و ١٢٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤٣.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨.

(٤) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٩ ومسند أحمد ج ٤ ص ٤٩ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠٢.

(٥) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨.

١٦

في وسط الناس ، ومرة في آخر الناس (١).

فظنوا ، أن المراد بقوله : بايع أول الناس وآخر الناس : أنه لم يبايع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أحد قبله.

مع أن المراد : أنه كان في أوائل المبايعين تارة ، وفي أواخرهم أخرى.

لماذا تعددت بيعة ابن الأكوع؟!

وقد أثار طلب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من سلمة بن الأكوع أن يكرر بيعته ثلاث مرات تساؤلا حول سبب ذلك ..

فادّعى البعض : أن ذلك كان فضيلة لسلمة ؛ لأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد أن يؤكد بيعته لعلمه بشجاعته ، وعنايته بالإسلام ، وشهرته في الثبات. بدليل ما وقع له في غزوة ذي قرد ، بناء على تقدمها على ما هنا. أو تفرس فيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك ، بناء على تأخرها (٢).

ونقول :

١ ـ قد أشرنا فيما سبق : إلى أن ما يذكرونه عنه في غزوة ذي قرد ظاهر الفساد ، ولا يمكن تأييد صحته ..

٢ ـ ومع غض النظر عن ذلك نقول : لماذا لم تظهر لسلمة هذا أية مواقف أخرى في سائر المشاهد ، بل هو قد فر مع الفارين ، وأحجم مع المحجمين؟! وتلك هي غزوة حنين ، وخيبر ، وسواهما ، شاهد صدق على ما نقول.

__________________

(١) تقدمت المصادر لذلك.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨.

١٧

٣ ـ لماذا لا يطلب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تكرار البيعة من جميع من عرفوا بالشجاعة ، مثل علي ، والمقداد ، وأبي دجانة و.. و..؟!

٤ ـ إن الشجاعة لا تناسب طلب تجديد البيعة ، بل تناسب إعطاء المناصب ، وإطلاق الكلمات المادحة في حق ذلك الشجاع .. أما البيعة فهي أخذ عهد ، وإبرام عقد يطلب الوفاء به ..

٥ ـ إن تجديد العهود ، إنما يكون بهدف تأكيد الإلزام بها ، والحمل على الالتزام بالوفاء ، وهذا إنما يطلب ممن يظن فيه الغدر ، ويتهم بالخيانة وعدم الوفاء ..

فليكن طلب البيعة مرة بعد أخرى يهدف إلى التلويح بإمكانية صدور هذه الخيانة منه ..

٦ ـ ويمكن تأييد ذلك بما ظهر في نفس ذلك المجلس ، حيث يذكرون : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أعطى سلمة في المرة الثانية درقة ـ أو جحفة ـ فما لبث أن أعطاها لغيره ، ثم طلب منه البيعة الثالثة فبايعه ، فسأله عن جحفته أو درقته التي أعطاه إياها آنفا ، فأخبره أنه أعطاها لعمه عامر (١).

فلم يحتفظ بهذه الدرقة سوى هذا الوقت القصير.

مع أن المفروض هو : أن يبقيها عنده ، كأعز ذكرى لديه ، وأنفس شيء حصل عليه في حياته.

وإذا كان الصحابة يتبركون بفضل وضوء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبشعره ، وبعصاه ، وبكل شيء يرتبط به ، فما بال سلمة يزهد بهذه العطية

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٩.

١٨

السنية ، ويعطيها لسواه ، ولا تستقر معه دقائق معدودات؟!

ولو أردنا أن نحمل عمله هذا على إرادة الإيثار ، وهو عمل سام ونبيل ، يستحق فاعله التمجيد والتقدير.

فإن هذا التوجيه لن يلقى قبولا لدى أهل الدراية والمعرفة ؛ لأنهم سوف يقولون لنا : إنه لا مجال للإيثار في أمور العبادة. وتقديس رسول الله ، والتبرك بآثاره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو من قبيل الصلاة ، أو الحج ، الذي لا يقبل الإيثار ، إذ لا يمكن التخلي عن الصلاة لإيثار الغير بها فيصلي غيره ويترك هو الصلاة ..

وقد قال البعض : إن من الممكن أن يكون رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد طلب البيعة أكثر من مرة من سلمة بعد أن أعطاه درقته ، من أجل أن يزعزع ثقة المشركين الذين هم على رأيه ، والدليل على ذلك : أنه لم يحتفظ بالدرقة ولو لوقت قصير لكي لا تكون علامة انسجام بينه وبين النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقد ضحك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليفهم سلمة أنه ـ أي الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ عارف بسبب تخلصه من الدرقة.

هل بايعوه على الموت؟!

وقد اختلفوا في بيعة الرضوان ، هل كانت على الموت ، أو على عدم الفرار .. (١) أو أن المراد واحد ، كما ذكره البعض (٢).

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥٠ وفي هامشه عن : صحيح مسلم ج ٣ ص ١٤٨٣ (٢٦٧ ، ٦٩ / ١٨٥٦).

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧.

١٩

ونقول :

إن البيعة على عدم الفرار ـ سواء أكانت هي نفسها البيعة على الفتح أم الشهادة ـ خلاف الحكمة والتدبير ، وذلك لأنها تتضمن اتهاما لأصحابه ، بأنهم مظنة الفرار ، من جهة ..

وفيها أيضا : إيحاء للعدو بأن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» غير واثق بنصر أصحابه له ، وأن عدم الثقة هذا قد بلغ حدا جعله يلجأ إلى أخذ المواثيق والعهود منهم بذلك ، من جهة أخرى.

ومن شأن هذا أن يدفع الأعداء إلى أن يطمعوا بالنصر عليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأن يفكروا بأن بذل المزيد من الجهد قد يعطي ثمارا طيبة لهم ..

ومما يشهد على ما قلناه :

ما رووه : من أن أول من بايع هو سنان بن أبي سنان الأسدي ، فقال للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أبايعك على ما في نفسك.

قال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : وما في نفسي؟!

قال : أضرب بسيفي بين يديك حتى يظهرك الله أو أقتل ، وصار الناس يبايعونه على ما بايعه عليه سنان (١).

بيعة المنافقين في الحديبية :

قالوا : وقد بايع جميع الناس رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولم يتخلف منهم أحد إلا الجد بن قيس.

__________________

(١) تقدمت مصادر ذلك.

٢٠