تراثنا ـ العدد [ 3 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 3 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢١٧
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الإسناد :

قال الجوهري : أسندَ الحديث رفعه (٩).

وقال صاحب التوضيح : الإسناد أن يقول حدّثنا فلان عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ويقابل الإسناد الإرسال وهو عدم الإسناد (١٠).

وقال الفيومي : اسندتُ الحديث إلى قائله ، بالألف (١١) رفعته إليه بذكر قائله (١٢).

وقال الأزهري : الإسناد في الحديث رفعه إلى قائله (١٣).

ومنه ماورد عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : إذا حدّثتم بحديث فأسندوه الى الذي حدّثكم فإن كان حقاً فلكم ، وإن كان كذباً فعليه (١٤) وهذا الإستعمال حقيقة ، إلّا إذا كان الإسناد بمعنى ذكر السند ، كما يقال أسْنِدْ هذا الحديث ، أي اذكر سنده ، فهو مجاز ، لأنّ إطلاق السند على سلسلة رجال الحديث مجاز كما صرّح بذلك الزمخشري (١٥).

وقد يطلق الإسناد على السند ، فيقال : إسناد هذا الحديث صحيح ، وقد ورد في الحديث عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عليّ بن الحسين ، عن أبيه رضي الله عنهم ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده ، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر ، وإن يك باطلاً كان وزره عليه (١٦).

ووقع هذا في كلمات كثيرٍ من القدماء منهم أبوغالب الزراريّ في رسالته (١٧) والشيخ المفيد في أماليه (١٨) والشيخ الطوسي في الفهرست (١٩).

قال في شرح مقدمة المشكاة : تطلق كلمة السند على رجال الحديث الذين قد رووه ، ويجيء الإسناد أيضاً بمعنى السند وأحياناً بمعنى ذكر السند (٢٠).

ونقل السيوطي عن ابن جماعة : أنّ المحدّثين يستعملون السند والإسناد لشيء واحد (٢١).

وهذا الإطلاق ليس حقيقياً ، فإنّ الإسناد من باب الإفعال المتضمّن معنى التعدية والنسبة ، وهذا ليس موجوداً في واقع السند ، نعم يكون الإطلاق مجازاً باعتبار أنّ السند موصل إلى المتن وموجب للسلوك إليه.

١٠١

قال السيّد حسن الصدر : وذلك من جهة أنّ المتن إذا ورد فلابدّ له من طريق موصل إلى قائله ، فهذا الطريق له اعتباران :

فباعتبار كونه سنداً ومعتمداً ـ في الصحّة والضعف مثلاً يسمّى سنداً.

وباعتبار تضمّنه رفع الحديث إلى قائله يسمّى إسناداً (٢٢).

ومعنى ( رفعه ) هو نسبته إلى قائله ، قال الطيبي : السند إخبار عن طريق المتن ، والإسناد رفع الحديث وإيصاله إلى قائله (٢٣).

والظاهر أنّ المراد هو نسبته مسنداً أي بسند متّصل إلى قائله ، كما يقال في الحديث المتّصل السند إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أنّه حديث مرفوع ، مقابل المرسل والمقطوع والموقوف.

المُسْنَد :

هو لغةً : إمّا إسم مفعول من أَسْنَدَ ، مثل أكرم إكراماً فهو مُكرِم وذاك مُكرَمٌ ، أو اسم آلة.

قال ابن منظور : وكل شيءٍ أَسندتَ إليه شيئاً فهو مُسْنَدٌ ، وما يستند إليه يسمّى ( مُسنداً ) و ( مِسنداً ) وجمعه ( المساند ) (٢٤).

وهو اصطلاحاً : يُطلق على قسم من الحديث ، وعلى بعض الكتب :

أمّا المُسْنَدُ من الحديث :

فهو ما اتّصل إسناده ، حتى يُسند إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، ويقابله : المُرْسَل والمنقطِع ، وهو مالم يتّصل.

قال الخطيب البغدادي : وصفُهم الحديث بأنه « مسند » يريدون أنّ إسناده متّصل بين راويه وبين من أسند عنه ، إلّا أنّ أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) واتّصال الإسناد فيه أَن يكون كل واحد من رواته سمعه ممَّن فوقه حتى ينتهي ذلك إلى آخره ، وإنْ لم يُبيّن فيه السماع بل اقتصر على العنعنة (٢٥).

وقال السيد حسن الصدر : إن علمت سلسلته بأَجمعها ولم يسقط منها أَحد من الرواة بأن يكون كل واحداً أخذه ممن هو فوقه حتى وصل إلى منتهاه : فمسندٌ ، و

١٠٢

يقال له : الموصول والمتّصل ، وأَكثر ما يستعمل « المسند » فيما جاء عن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) (٢٦).

وإطلاق المسند على الحديث إنْ كان باعتبار رفعه إلى النبي صلّى الله عليه وآله كما هو الظاهر ، وصرّح به جمع من اللغويين في معنى ( أسند الحديث ) كما مرّ ذكر أقوالهم ، فهو بصيغة اسم المفعول ، وهو إطلاق حقيقي.

وإنْ كان باعتبار ذكر رواته متصلين ، فهو من باب إطلاق الإسناد على السَنَد نفسه ، فالحديث المُسْند ، هو الحديث الذي ذُكر سنده ، فهذا اطلاق مجازيّ ، ولعلّ بالنظر الى هذا ذكر الزمخشري : أَنّ من المجاز قولهم حديث مسند (٢٧).

وأما كونه مسنداً باعتبار كونه آلةً للإستناد والإعتماد ، فهو في الحديث اعتبار بعيد ، لأَنّه ليس كلّ حديث معتمداً كذلك.

وأمّا الكتاب المسمّى بالمسند :

فقد قال الكتاني عنه : هي الكتب التي موضوعها جعل حديث كل صحابيّ على حِدة ، صحيحاً كان أَو حسناً أو ضعيفاً ، مرتَّبين على حروف الهجاء في أسماء الصحابة ، كما فعله غير واحد وهو أسهل تناولاً ، أو على القبائل ، أو السابقة في الإسلام ، أو الشرافة النسبية ، أو غير ذلك (٢٨).

وقال : وقد يُطلَق ( المُسْنَدُ ) عندهم على كتاب مرتَّب على الأبواب ، أو الحروف أو الكلمات ، لا على الصحابة ، لكون أحاديثه مسندةً ومرفوعةً أُسنِدَتْ و رُفعتْ إلى النبي صلّى الله عليه وآله (٢٩).

ومن هذا الباب ما أَلَّفه كثير من المحدّثين من المسانيد حيث أَوردوا في كل منها ما رواه أحد الأعلام المتأخِّرين عن عهد الصحابة ، فجمعوا ما رواه ذلك العلم بشكل متصل وبطريق مسند إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، كما اُلِّفَ للأئمة مسانيد بهذا الشكل ، وخاصةً لأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، ومن خلال التتبُّع في كتب الحديث نجد أنّ تسمية المجموعات الحديثية المسندة إلى النبي صلّى الله عليه وآله بطريق واحد من الأئمة المعصومين عليهم السلام بـ « المسند » منسوباً إلى ذلك الإمام ، كمسند الحسن أو الحسين أو الباقر أو الصادق (ع) كان حاصلاً في زمان الامام الصادق عليه السلام ، بل في زمان الباقر عليه السلام أيضاً.

ومن هنا يمكننا القولُ بأنّ تاريخ تأليف الكتب على شكل « المسند » يعود

١٠٣

إلى أَواسط القرن الثاني ، بل إلى أوائل هذا القرن بالضبط حيث توفي الإمام الباقر عليه السلام سنة (١١٤) للهجرة ، وكان في المؤلّفين للمسانيد ، جمع من أَصحابه عليه السلام.

وبهذا نُصَحِّحُ ما قيل في صدد تاريخ تأليف المسند من تحديده بأَواخر القرن الثاني (٣٠) أو نسبته إلى مُؤلِّفين متأخِرين وفاةً عن بداية القرن الثالث (٣١).

وأمّا تسمية الكتاب بالمسند مضافاً إلى مؤلفه أو شيخه الذي يروي عنه فليس بمجاز ، لأنّه اسم مفعول من أَسْنَدَ الحديثَ إذا رفعه إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث يرفع المؤلِّف أو الشيخُ الحديثَ بسندٍ متصلٍ إليه صلّى الله عليه وآله وأما أنّه يسمّى بالمسند باعتبار أنه يستند إليه في الحديث فيكون اسم آلة ، فهو اعتبار بعيد لما ذكرنا من أَنّ تلك المسانيد لم تؤلَّف على أساس احتوائها على الحديث الصحيح والموثوق كله.

نعم يمكن أن يكون مشيراً الى قوّة المؤلّف والشيخ باعتبار اتصال سنده إلى النبي صلّى الله عليه وآله لا اعتبار حديثه ، فالإعتبار الأول أولى بالقصد ، فهو ـ إذن ـ بمعنى الحديث المرفوع إلى النبي (ص) ، كما هو الملاحظ ، من عادة المؤلّفين لما أَسموه بالمسند.

أسند عنه :

قد استعمل الشيخ الطوسي هذه الكلمة في كتاب رجاله ، في ترجمة العديد من الرواة ، ولم يستعملها غيره إلّا تبعاً له ، وقد وقع علما الرجال والدراية في ارتباك غريب في لفظها ومعناها :

فمن حيث عدد من وقعت في ترجمته من الرواة ، حصرهم بعض بمائة وسبعة و ستين مورداً (٣٢).

وقال السيّد الخوئي : إنّهم قليلون يبلغ عددهم مائة ونيّف وستين مورداً (٣٣).

وقال السيّد الصدر : إنّهم خمس وثلاثمائة ، لاغير ، من أصحاب الصادق (٣٤).

بينما نجد الموصوفين بهذه الكلمة في كتاب « رجال الطوسي » المطبوع يبلغ

١٠٤

(٣٤١) شخصاً منهم شخصٌ ( واحد ) من أصحاب الباقر والصادق (ع) (٣٥) ومنهم (٣٣٠) من أصحاب الصادق عليه السلام و ( اثنان ) من أصحاب الكاظم عليه السلام و ( سبعة ) من أصحاب الرضا عليه السلام ومنهم شخص ( واحد ) من أصحاب الهادي عليه السلام.

وهذا يقتضي أن لا يكون ذكر الوصف مختصاً بالرواة من أصحاب الصادق عليه السلام لكن البعض زعم ذلك ، وأكّد عليه آخر (٣٦) ، وأصرّ ثالث على ذلك مستنداً إلى أنّ الكتب الرجالية الناقلة عن رجال الشيخ الطوسي ، لم تنقل الوصف المذكور مع غير أصحاب الصادق عليه السلام بل لم يترجم لبعض الموصوفين من غير أصحاب الصادق عليه السلام أصلاً ، وبالتالي فهو يخطِّئ النسخة المطبوعة في النجف لايرادها الوصف مع أسماء من أصحاب الأئمّة غير الصادق عليهم السلام.

لكن هذا الإلتزام غير مستقيم :

فأوّلاً : إنّه لا يمكن الإلتزام بوقوع الإشتباه والخطأ في وصف أفراد قليلين ، من غير أصحاب الصادق ، بهذا الوصف ، من بين آلاف الرواة ، فلماذا خُصّ هؤلاء فقط بمثل هذا ، مع أنّهم متباعدون في الذكر ؟ ولماذا لم يقع مثله في أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله أو أصحاب علي عليه السلام ؟ ثمّ أليس هذا الإحتمال يسري إلى بعض أصحاب الصادق (ع) الموصوفين بهذا الوصف ؟ واذا كانت هناك خصوصية تدفع وقوع الخطأ في هؤلاء فهي تدفعه في اولئك.

وثانياً : إنّ النسخة المطبوعة ـ حسب ما جاء فيها ـ معتمدة جداً ، إذ أنّها تعتمد على نسخة خطّ الشيخ محمد بن إدريس الحلّي ، التي قابلها على خطّ المصنّف الطوسي (٣٧) ، مضافاً الى أنّ الكتب الناقلة عن رجال الطوسي غير معروفة النسخ ، فلعلّها مُنِيَتْ بما مُنِيَ به غيرها من الكتب من التحريف ، مما يُوهِنُ الإعتماد عليها ، فكما يُمكن تخطئة النسخة المطبوعة ، فمن الممكن تخطئة الكتب الناقلة ، أو النسخ التي اعتمدها الناقلون ، أو أنّ الناسخين لكتبهم أخطاوا أو اجتهدوا في تفسير الكلمة فحذفوها من غير أصحاب الصادق عليه السلام !!

ومن حيث مفاد الكلمة وقع للعلماء ارتباك آخر :

فالعلّامة الحلّي أعرض عن ذكرها في تراجم بعض الموصوفين بها ، حتّى من

١٠٥

أصحاب الصادق عليه السلام ، وعلّل بعض الرجاليين تصرّفه هذا بأنّ « الوجهَ فيه خفاء المفاد ، وعدم وضوح المراد » (٣٨).

وهذا التعليل يقتضي حذف الكلمة رأساً لا حذفها من بعض الموصوفين فقط.

وقال السيد الخوئي : ولا يكاد يظهر لنا معنى محصلٌ خال عن الإشكال (٣٩). وقال أيضاً : لا يكاد يظهر معنى صحيح لهذه الكلمة في كلام الشيخ قدّس سرّه في هذه الموارد ، وهو أعلم بمراده (٤٠)

وأما المفسّرون لها فقد ذهبوا إلى تفسيرات مختلفة ، ومنشأ الإختلاف هو كيفيّة قراءة الفعل ( أسند ) ؟ ، ومن هو الفاعل ؟ والى من يعود ضميره ، ومرجع الضمير في ( عنه ) ؟ (٤١).

فقُرئ الفعلُ بلفظ ( أَسْنَدَ ) بصيغة الفعل الماضي المعلوم فاعلُه الغائب.

وبلفظ ( اُسْنِدَ ) بصيغة الماضي المجهول الفاعل.

وبلفظ ( اُسْنِدُ ) بصيغة المضارع المبنيّ للمتكلّم.

والضمير الفاعل يعود : إمّا إلى الراوي الموصوف بها ، أو إلى الحافظ ابن عُقدة ، أو مجهول : هم الشيوخ ، أو الشيخ الطوسي المتكلّم.

والضمير المجرور يعود : إلى الراوي ، أو الإمام المعنون له الباب.

فالإحتمالات سبعة :

الإحتمال الأوّل :

أنّ الراوي أَسْنَدَ عن الامام عليه السلام ، والمقصود : روايته عنه بواسطة آخرين ، وإنْ كان قد أدرك زمانه وروى عنه بلاواسطة ، ولهذا عدّه الشيخ في أصحاب ذلك الإمام ، إلّا أنّه يتميّز عن سائر أصحاب ذلك الإمام بروايته عنه مع الواسطة أيضاً.

اختار هذا التفسير المحقّق السيّد الداماد (٤٢) ، ونقله الكلباسي مائلا إليه (٤٣) ، وكذا البارفروشي (٤٤) وليس مراد الملتزمين بهذا الرأي : إنّ الراوي يروي عن الإمام مع الواسطة دائماً ، حتّى يردّ بوجود رواية له عن الإمام بدون واسطة أحد كما توهم (٤٥).

١٠٦

فانّ هذا التوهم ـ مع أنّه مخالف لصريح كلمات الملتزمين بهذا المعنى كما ذكرنا ـ منافٍ لعدّ الراوي من أصحاب الإمام عليه السلام فإنّ كونه من أصحابه يقتضي روايته عنه ، ومن البعيد عدم التفات أمثال المحقّق الداماد إلى هذه المفارقة الواضحة.

وهذا الإحتمال يندفع بأمور :

أولاً : إنّ من أصحاب الصادق عليه السلام عدّة ، أوردهم الشيخ في باب الرواة عنه عليه السلام ، وقد رووا عنه مع الواسطة كثيراً من الروايات ، ومن ذلك فالشيخ لم يصفهم بقوله « أسند عنه » مثل :

أبان بن عثمان الأحمر :

فقد ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام (٤٦) وقد روي عنه بلاواسطة كثيراً ، وروي عنه بواسطة أيضاً ، فروى عن علي بن الحسين ، عن الصادق ( عليهم السلام ) في تهذيب الشيخ نفسه ( ج ١٠ ص ٥١٢ ) (٤٧).

وروي عن ( من ذكره ) ، عن الصادق عليه السلام في الكافي للكليني ( ج ٧ كتاب ٢ باب ٤ حديث ١ ).

وفي التهذيب ( ج ٩ حديث ١٣٣٥ ) (٤٨) وموارد اُخرى.

ومع ذلك فانّ الشيخ لم يصفه في الرجال بالوصف المذكور.

وابراهيم بن عبدالحميد :

ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام (٤٩) وأصحاب الكاظم عليه السلام (٥٠) وروى عنهما بلا واسطة ، كما روى بواسطة أبان بن أبي مسافر ، عن الصادق عليه السلام في الكافي ( ج ٢ كتاب ١ باب ٤٧ حديث ١٩ ) (٥١).

وروى بواسطة إسحاق بن غالب ، عن الصادق عليه السلام في الكافي ( ج ٢ كتاب ١ باب ١٧٦ حديث ٤ وكتاب ٣ حديث ١٤ ) (٥٢) ، ومع ذلك فإنّ الشيخ لم يصفه في رجاله بالوصف المذكور.

وأحمد بن أبي نصر البزنطي :

روى عن الكاظم ، والرضا ، والجواد عليهم السلام ، ذكره الشيخ في

١٠٧

أبوابهم (٥٣) وروى عن الكاظم عليه السلام بلا واسطة ، وروى عنه بواسطة أحمد بن زياد في الكافي ( ج ٧ كتاب ١ باب ١٣ حديث ١٧ ) ، وفي الفقيه ( ج ٤ حديث ٥٤٩ ) ، وفي التهذيب ( ج ٨ حديث ٢٩٥ وج ٩ حديث ٨٧٢ ) ، والإستبصار ( ج ٣ حديث ١١٠٧ ) (٥٤).

ومع ذلك فإنّ الشيخ لم يصفه بتلك الصفة في الرجال.

وثانياً : أنّا نجد من الموصوفين بقوله « أسند عنه » من ليست له رواية مع الواسطة عن الإمام ، فالحارث بن المغيرة جميع رواياته عن الصادق عليه السلام بلاواسطة ، وهذه الدعوى تعتمد على ما استقصى من رواياته في الكتب الأربعة (٥٥).

ومع ذلك فقد ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام قائلاً « أسند عنه » (٥٦).

وثالثاً : أنّ المتتبع يجدُ أنّ أكثر الرواة عن أحدٍ من الأئمّة يروون عن ذلك الإمام بواسطة وبدونها مع بعد خفاء مثل هذا على الشيخ الطوسي ، ومع ذلك فإنّ الشيخ لم يصف سوى عددٍ معيّنٍ من الرواة ، من بين الآلاف المذكورة أسماؤهم في كتاب رجاله.

فلابدّ من وجود معنى للوصف يبرّر تخصيص هذا العدد المعدود به ، دون غيرهم.

هذا ، مع عدم مناسبة هذا الإحتمال لمعنى الكلمة اللغوي فانّ معنى أسندَ كما مَرَّ هو رفع الحديث عن قائله ( الواسطة ) إلى الإمام ، والمناسب لهذا الإحتمال التعبير بقوله : « أَسند إليه « لا » أسند عند » (٥٧) إذا كان الضمير في ( عنه ) عائداً الى الإمام ، كما هو الظاهر.

وأمّا ما ذكره السيّد في الرواشح من تقسيم الأصحاب إلى أصحاب سماع ، وأصحاب لقاء ، وأصحاب رواية بالواسطة فهذا عجيب جداً ، فالسامع معدود من الأصحاب بلا شك ، وأما الملاقي فلو فرضنا عدّه من الأصحاب فله وجه ، لكن كيف يكون من لم يسمع ولم يلاق بل ولم يعاصر الإمام معدوداً من أصحابه ؟

ثم من أين عُرف هذا التفصيل ، وليس في عبارة الشيخ ما يدلّ عليه ؟ ولم يذكر إلّا أنّه قصد تعداد أصحاب كل إمام ومن روى عنه ؟

١٠٨

وهذا الرأي يعارض تماماً الإحتمال الثالث.

وقد أورد عليه بعض المعاصرين بقوله : وهذا الوجه ضعيف جدّا ، إذ قد صرّح الشيخ في مواضع كثيرة من موارد ذكر هذه الكلمة ، أيضاً بالرواية عن الإمام الذي عدّه في أصحابه ، أو عن إمام قبله ، أو بعده ، أو عنهما جميعاً.

قال في محمّد بن مسلم الثقفي : أسند عنه ... روى عنهما وفي جابر الجعفي أسند عنه ، روى عنهما. وفي وهب بن عمرو الأسدي : أسند عنه ، روى عنهما عليهما السلام (٥٨).

بعد توجيه الإشكال بأنّ الشيخ قرن بين الإسناد عن الإمام والرواية عنه بسياق واحد ونسق واحد ، فلا وجه لدعوى أنّ عمدة روايته هو أن يكون مع الواسطة و أنّ الرواية المباشرة إن حصلت فهي قليلة ، فإنّ عبارة الشيخ ـ باعتبار اتّحاد النسق وخلوها عن قيد الكثرة أو القلّة ـ تأبي هذا التفصيل ، ولا قرينة خارجيّة موجبة للإلتزام بذلك.

وهذا التوجيه تعقيب على التوهم الذي أشرنا إليه في صدر هذا الإحتمال و دفعناه.

الإحتمال الثاني :

أنّ الراوي سمع الحديث من الإمام عليه السلام

ذكره الوحيد البهبهاني ، وقال : « ولعلّ المراد : على سبيل الإستناد والإعتماد » (٥٩).

ويحتمله ما نقل عن صاحب القوانين (٦٠).

ويدفعه

أنّ كون مراد الشيخ الطوسي بهذه الكلمة الدلالة على مجرد السماع أمر غير مناسب للنهج الذي وضعه لكتاب الرجال ، حيث صرّح في مقدمته أنّه قصد جمع أسماء من روى عن كل إمام (٦١).

ومعنى كلامه أنّ المذكورين في باب أصحاب كلّ إمام إنّما رووا وسمعوا عن ذلك الإمام ، فلا معنى لإعادته ذلك مع التراجم ، وخاصة تخصيص قليل منهم

١٠٩

بذلك.

ولعلّه لأجل هذه المفارقة قيّد المحقق الوحيد السماع بكونه على سبيل الإعتماد.

لكن هذا التقييد لا يؤثّر شيئاً في تصحيح هذا الإحتمال ، مع أنّ الكلمة لا تدل من قريب أو بعيد على هذا القيد ، إن لم تدلّ على نفيه ، فإنّ الشيخ صرّح بتضعيف بعض الموصوفين بها (٦٢) كما نجد كثيراً من المجاهيل والعامة في عدادهم ، وسيأتي تفصيل الكلام في دلالة الكلمة على الحجيّة أو عدمها.

الإحتمال الثالث :

أنّ المراد بهذا الوصف هو تلقي الحديث من الراوي سماعاً ، مقابل الأخذ من الكتاب كما يشهد به تتبع موارد استعمال هذه العبارة التي اختصّ بها الشيخ في كتاب الرجال ، هذا ما ذكره السيد بحر العلوم في رجاله (٦٣).

والجواب :

أنّ السيد إنّما أراد الإستشهاد بهذا على عدم تأليف المقول فيه هذا الوصف لكتاب ، وأنّ الإعتماد على روايته الشفهيّة ، فإنّه استشهد بهذا لنفي كون عبدالحميد العطّار صاحب كتاب ، وأنّ ما ذكره النجاشي في ترجمة ابنه محمّد من قوله : « له كتاب » إنّما هو راجع إلى ابنه محمّد ، لا عبدالحميد المذكور استطراداً ، قال : ويشهد لكون الكتاب لمحمّد : عدم وضع ترجمة لأبيه عبدالحميد ... وكذا قول الشيخ في رجاله : « عبدالحميد أسند عنه ».

لكن هذا المعنى غير صحيح ، فإنّ كثيراً من الموصوفين إنّما هم مؤلّفون ، و سيأتي استعراض أسماء من ألّف منهم ، وهذا يُنافي كليّاً ما سنختاره في الإحتمال السابع.

وأمّا ما ذكره من شهادة التتبّع لما ذكره فلم يتّضح لنا وجهه ؟؟

الإحتمال الرابع :

أنّ الحافظ ابن عقدة أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي المتوفّى سنة (٣٣٣) أسندَ

١١٠

عن الراوي في كتاب رجاله الذي ألّفه لذكر أصحاب الصادق (٦٤).

ذكره جمع ، منهم المحقّق السيد حسن الصدر الكاظمي ، واختاره ، بعد أن قدّم مقدّمات حاصلها : أنّ الكلمة مذكورة في خصوص رجال الشيخ ، وأنّه ذكر ذلك خاصة في باب أصحاب الصادق عليه السلام ، وأنّ المذكور من رجاله من أصحابه عدّتهم « ٣٠٥٠ » راوياً ، وأنّ الموصوفين من اُولئك الرواة « ٣٠٥ » ! رجال فقط ، وأنّ الشيخ صرّح في أوّل كتابه : « أنّه لم يجد في مارمي إليه من ذكر أصحاب الأئمة ، إلّا مختصرات ، إلّا ما ذكره ابن عقدة من رجال الصادق عليه السلام ، فإنّه بلغ الغاية في ذلك ، ولم يذكر رجال باقي الأئمة عليهم السلام « وقال الشيخ » : وأنا أذكر ما ذكره ، وأورد من بعد ذلك مالم ( يذكره ) انتهى (٦٥) ، قال الصدر : يعني مالم يذكره من رجال باقي الأئمّة عليهم السلام ، لا رجال الصادق عليه السلام كما تُوهمّ ، و أنّ أصحابنا ذكروا في كتبهم في ترجمة ابن عقدة أنّ له كتباً منها كتاب أسماء الرجال الّذين رووا عن الصادق أربعة آلاف رجل ، وأخرج لكل رجل حديثاً ممّا رواه عن الصادق عليه السلام.

وبعد تمهيد هذه المقدمات ، قال الصدر : الظاهر أنّ الشيخ نظر إلى الحديث الذي أخرجه ابن عقدة في ترجمة من رواه عن الصادق عليه السلام ، فإذا وجده مسنداً عن ابن عقدة عن ذلك الرجل قال في ذيل ترجمته : « أسندَ » يعني ابن عقدة « عنه » أي عن صاحب الترجمة ، فيُعلم أنّ ابن عقدة يروي عن ذلك الرجل باسنادٍ متصل.

وإن لم يجد الحديث الذي أخرجه ابن عقدة مسنداً ، بأن وجده مرسلاً أو مرفوعا ، أو مقطوعا ، أو موقوفاً ، أو نحو ذلك ، لم يذكر حينئذ شيئاً من ذلك لعدم الفائدة.

وقال الصدر : إنّه لم يعثر على التنبّه لهذا المعنى من أحد (٦٦).

لكن يلاحظ أنّ هذا الرأي كان معروفاً قبل الصدر (٦٧).

ويندفع هذا الإحتمال باُمور :

الأوّل : أنّ من ذكرهم ابن عقدة إنّما هم من أصحاب الصادق عليه السلام خاصّة كما ذكره الصدر ، وصرّح به الشيخ في مقدّمة رجاله ، بينما نجد بين الموصوفين بقوله « أسند عنه » عدداً من أصحاب الباقر والكاظم والرضا والهادي عليهم السلام ،

١١١

وقد مرّ الكلام في عدم اختصاص الكلمة بأصحاب الصادق عليه السلام.

الثاني : أنّ المفهوم من كلام الشيخ في الرجال أنّ ابن عقدة أورد مع ترجمة كلّ رجل من أصحاب الصادق عليه السلام ما رواه الرجل عن الإمام ، ولا بدّ أنّ تلك الروايات قد بلغت ابن عقدة بطريق مسند إلى ذلك الرجل ، كما هو المتعارف عند المحدّثين الأوائل ، وإلّا فمن أين لابن عقدة الإطّلاع على رواية الراوي عن الإمام حتّى يُثبتها في كتاب رجاله ؟ إذن فجميع روايات هذا الكتاب متصلة السند من ابن عقدة ، عن الراوي ، وعلى ذلك فجميع من ذكرهم له إليهم سند ، فلابدّ أنْ يكونوا كلّهم ممّن يقال فيه « أسند ابن عقدة عنه » !

( وبعبارة اُخرى ) : إنّ ابن عقدة إذا ذكر شخصاً في عداد أصحاب الصادق عليه السلام ، فلابدّ أنّه اطّلع على روايته عن الإمام ، بوقوفه عليها ووصولها إليه ، ومن البعيد أنّ ابن عقدة لم يرو بطريق مسند تلك الروايات التي أثبتها في تراجم الرواة من أصحاب الصادق عليه السلام أو أن تكون الروايات غير مسندة إلى رواتها ، وهو مع ذلك أثبتها في كتابه ؟ مع ما هو المعروف من سعة علمه وروايته وبلوغه الغاية في كثرة الإطلاع والرواية ، فمن المستبعد ممّن هذه صفته أن يُعرِّف بأربعة آلاف رجل و ينقل روايتهم ! لكن لا يُسند بطريق متصل إلّا إلى « ٣٠٥ » رجال منهم ، كما يدّعيه السيد الصدر ؟! (٦٨).

الثالث : أنّا نجد كثيراً من الرجال الذين وقع لابن عقدة سندٌ متصل إليهم ، وهم من أصحاب الصادق عليه السلام قد وردت أسماؤهم في باب أصحابه من رجال الشيخ ، والمفروض أنّ جميع المذكورين في هذا الباب هم من الذين ترجمهم ابن عقدة في كتابه ، ومع أنّ ابن عقدة نفسه له إلى اُولئك سند متّصل ، فانّا لم نجد وصف « أسند عنه » في ترجمتهم من الرجال.

وليس من الممكن فرض غفلة الشيخ الطوسي عن اتصال سند ابن عقدة إليهم ، لأنّ الشيخ أورد روايات ابن عقدة المسندة إليهم في كتاب أماليه ( مع ) أن المفروض أنّ ابن عقدة هو قد أورد الروايات في كتاب رجاله.

وليس من المحتمل أنّ ابن عقدة أورد في رجاله روايات اُولئك الرجال من دون سند له إليهم معه أنّه يرويها مسندة إليهم في غير كتاب الرجال ، ومن اولئك :

* * *

١١٢

أبان بن تغلب :

ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام (٦٩) وأورد في الأمالي (٧٠) روايته عن الأهوازي عن ابن عقدة ، بسنده المتصل إلى أبان ، عن الصادق ( عليه السلام ).

وأحمد بن عبدالعزيز :

ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام (٧١) وأورد في الأمالي (٧٢) بسنده عن ابن عقدة ، بسنده عن أحمد ، عن الصادق عليه السلام.

والحسن بن حذيفة :

ذكره في أصحاب الصادق عليه السلام (٧٣) وأورد في أماليه (٧٤) عن الجعابي ، بسنده عن ابن عقدة ، بسنده عن الحسن ، عن الصادق عليه السلام.

وصفوان بن مهران :

ذكره في أصحاب الصادق عليه السلام (٧٥) وأورد في الأمالي (٧٦) عن الأهوازي ، بسنده عن ابن عقدة ، بسنده عن صفوان ، عن الصادق عليه السلام.

وعبدالله بن أبي يعفور :

ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام (٧٧) وأورد في الأمالي (٧٨) عن الأهوازي ، عن ابن عقدة ، بسنده عن عبدالله ، عن الصادق عليه السلام.

ومحمد بن عباد بن سريع البارقي :

ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام (٧٩) وأورد في الأمالي (٨٠) عن الجعابي ، عن ابن عقدة ، بسنده عن محمد ، عن الصادق عليه السلام.

ومحمد بن يحيى المدني :

ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام (٨١) وأورد في الأمالي (٨٢)

١١٣

عن الأهوازي ، عن ابن عقدة ، بسنده عن محمد ، عن الصادق عليه السلام.

والمعلّى بن خنيس :

ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام (٨٣) وأورد في الأمالي (٨٤) عن الأهوازي ، عن ابن عقدة ، بسنده عن المعلّى ، عن الصادق عليه السلام.

ومع هذا ، فإنّ الشيخ الطوسي لم يصف أحداً من هؤلاء بأنّه « أسند عنه ».

الإحتمال الخامس :

أنّ الفعل مبنيّ للمفعول ، والمراد أنّ الشيوخ أسندوا عن الرواي ، أي رووا عنه بالأسانيد ، ذكره المجلسي الأول الشيخ المولى محمد تقي ، واعتبره كالتوثيق ، وقال : « إنّ المراد أنّه روى الشيوخ واعتمدوا عليه وهو كالتوثيق. ولا شكّ أنّ هذا المدح أحسن من لا بأس به » (٨٥).

والجواب :

أنّه لو تمّ هذا الإحتمال لكانت صفة « الإسناد » عن الرواي الموصوف لازمةً له كلّما ذُكر في أصحاب أيّ واحد من الأئمة ، من دون اختصاص بباب أصحاب الصادق عليه السلام فقط ، لكنّ الشيخ يصف الرجل بهذا الوصف عند ذكره في باب أصحاب الصادق عليه السلام وقد لايصفه به إذا ذكره في أصحاب إمام آخر كالباقر والكاظم عليهما السلام ، وهذا يقتضي أن تكون علاقة بين الصفة المذكورة والإمام المذكور. ( وبتعبير آخر ) لو كان مجرد إسناد الشيوخ مقتضياً لوصفه بأنّه أسند عنه ، لم يكن وجه لتخصيص وصفه بباب دون باب ، وإليك بعض الأشخاص الذين وُصفوا في باب ، ولم يوصفوا في باب آخر ، منهم :

الحسن بن عمارة البجلي :

ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام موصوفاً (٨٦) ، ولم يصفه في باب أصحاب السجاد عليه السلام (٨٧).

* * *

١١٤

وحفص بن غياث القاضي :

ذكره في أصحاب الصادق عليه السلام موصوفاً (٨٨) وذكره في بابي أصحاب الباقر (٨٩) والكاظم عليهما السلام (٩٠) من دون وصف.

والحارث بن المغيرة :

ذكره في أصحاب الصادق عليه السلام موصوفاً (٩١) وذكره في باب أصحاب الباقر عليه السلام بلا وصف (٩٢).

وعبدالله بن أبي بكر :

وصفه في أصحاب الصادق عليه السلام (٩٣) وذكره في أصحاب السجاد عليه السلام من دون وصف (٩٤).

وعبدالمؤمن بن القاسم الأنصاري :

وصفه في أصحاب الصادق عليه السلام (٩٥) وذكره في رجال الباقر من دون وصف (٩٦).

وعلقمة بن محمد الحضرمي :

ذكره في أصحاب الصادق موصوفاً (٩٧) ، ولم يصفه عند ذكره في أصحاب الباقر عليه السلام (٩٨).

هذا ، مع أنّ جمعاً من الرواة الذين أَسند عنهم الشيوخ ، لم يوصَفوا بأنّهم ( أَسند عنهم ) وقد عددنا بعضهم عند دفع الإحتمال الثالث.

ولو قيل : انّ المراد بهذا الإحتمال أنّ الشيوخ أسندوا عن الرجل خصوص ما رواه عن الصادق عليه السلام.

قلنا : هذه الخصوصية تنافي الإحتمال نفسه ، إذ معنى الإسناد عنه هو أنّ للشيوخ طريقاً متصلاً إلى الراوي ، بقطع النظر عن نوع الرواية وشخص من يروي عنه الراوي ، فلا يفرق بين ما يرويه عن الصادق وبين ما يرويه عن الباقر

١١٥

عليه السلام ، إنّما المهمّ وجود سندٍ للشيوخ يوصل الى الراوي عنهما حتّى يصدق أنّه أَسند عنه الشيوخ.

مضافاً الى أنّ هذه الخصوصية غير موجودة في كلام الملتزم بهذا الإحتمال ولا تدلّ عليه خصوصية في الكلمة نفسها.

وأورد عليه أيضاً ما حاصله أنّ في الموصوفين كثيراً ممّن لم يعرف حاله ولا له حديث في كتبنا ، فكيف يقال في حقّه أنّ الشيوخ رووا عنه بالأسانيد (٩٩) وهذا الإيراد ظاهر.

ولابدّ من التذكير بأنّ العلّامة المجلسي الثاني صاحب البحار استعمل هذه الكلمة في كتاب رجاله المعروف باسم الوجيزة ، في ترجمه الموصوفين بها في رجال الشيخ ، من دون تعيين مفادها بنظره ، والظاهر أنّه تابع الشيخ الطوسي في ذلك ، لانحصار موارد ذكره لها بما ذكره الشيخ الطوسي.

والظاهر ـ أيضاً ـ أنّه أرجع الضمير المجرور في ( عنه ) إلى الراوي ، لأنّه استعمل الضمير المثنى ، بعد ذكر اسمين موصوفين بالكلمة فبقول مثلا : جناب ابن عائذ وابن نسطاس العزرمي : أسند عنهما (١٠٠) ، وكذا في موارد اُخرى (١٠١) وبما أنّ المجلسي رحمه الله لم يتطرّق لذكر ابن عقدة ولا لغيره ممّن يصلح أن يكون فاعلاً للفعل « أَسند » ، فمن المحتمل ـ قويّاً ـ أن يكون الفعل ـ في نظره ـ مبنيّاً للمفعول.

كما يبدو اهتمامه بهذا الوصف ، ولعلّه يلتزم بما التزم به والده المولى محمد تقي من دلالة الكلمة على المدح ، أو التوثيق.

الإحتمال السادس :

أنّ الشيخ الطوسي يقول عن نفسه : « أُسْنِدُ عنه » أي انّ للطوسي سنداً متصلاً بالراوي يروي عنه.

ويدفعه :

أنّ كثيراً من أصحاب الأئمة عليهم السلام المذكورين في الرجال ، قد صحّ للشيخ الطوسي طرق مسندة إليهم ، وخاصة أصحاب الاُصول والكتب ، وقد ذكر طرقه إليهم في المشيخة الملحقة بكتابه « تهذيب الأحكام » ، وأورد أسماءهم في

١١٦

كتاب « الفهرست ».

فلو كان الشيخ قاصداً من قوله : « أُسندُ عنه » التعبير عن وجود طريق له إلى الموصوفين ، لزم أن يذكر هذه الكلمة مع كلّ اُولئك الرجال الذين له إليهم طريق مسند ، وعددهم يتجاوز التسعمائة ، دون الإقتصار على « ٣٤١ » رجلاً فقط.

فممّن ذكرهم الشيخ في الرجال ، من دون وصف ، مع توفر جهات هذا الإحتمال فيهم :

كليب بن معاوية الأسدي :

ذكره الشيخ في باب أصحاب الباقر عليه السلام (١٠٢) وفي باب أصحاب الصادق عليه السلام (١٠٣) ، وفي باب من لم يرو عنهم (١٠٤) من دون أن يصفه بأنّه « أسند عنه » مع أنّ له إليه طريقاً ، ذكره في « الفهرست » (١٠٥)

وحماد بن عثمان ، ذوالناب :

ذكره الشيخ في باب أصحاب الصادق عليه السلام (١٠٦) وفي باب أصحاب الكاظم عليه السلام (١٠٧) وفي باب أصحاب الرضا عليه السلام (١٠٨) من دون أن يصفه كذلك.

مع أنّ له إليه طريقاً ، في « الفهرست » (١٠٩).

الإحتمال السابع :

إنّ المراد أنّ الراوي أسند الحديث عن الإمام ، أي : رفع الحديث إلى قائله نقلاً عن الامام عليه السلام ، وألّف على ذلك ما يعدّ مُسنداً للإمام.

واستفادة هذا المعنى من عبارة « أسند عنه » يحتاج إلى توضيح ، وهو : أنّ الفعل « أسْنَدَ الحديث » ـ كما مرّ في صدر البحث ـ معناه : رَفعَ الحديثِ ، إلى قائله ، فإذا قيل : أَسْنَدَ فلانٌ الحديثَ عن زيد ، فمعنى هذه الجملة أنّ فلاناً رفع الحديث إلى قائله نقلاً عن زيد.

وبعبارة اُخرى : إنّ حرف المجاوزة « عن » تزيد على « أَسْنَد » خصوصية مّا ، لأنّ مدخول حرف المجاوزة « ضمير » يعود إلى شخص غير المسند إليه الحديث ، فإنّ

١١٧

الذي يسند إليه الحديث هو قائله ، وأمّا المسند عنه الحديث فهو ناقله ، وهو الواسطة بين الراوي والقائل.

هذا من الناحية اللغوية.

وإذا لاحظنا التعبير ، من ناحية اصطلاح « الإسناد » في علم الدراية ، فهو كما مرّ أيضاً : رفع الحديث إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، والحديث المسند : هو الحديث الذي يُذكر سنده المتصل من الراوي إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، وبإضافة كلمة المجاوزة « عن » إلى هذا المعنى المصطلح يتحصل من عبارة « أسند عنه » : أنّ الراوي يرفع الحديث إلى النبي صلّى الله عليه وآله بسند متصل نقلاً عن غيره.

فقائل الحديث المُسْنَد ، إنّما هو النبي صلّى الله عليه وآله ، وناقل الحديث المُسْنَد لابدّ أن يكون هو الواسطة الذي يروي عنه الراوي ، وليس هو في بحثنا إلّا الإمام. ومن الواضح أنّ الشيخ لم يخالف اللغة ولا الإصطلاح في تعبيره هذا. لكن الجزم بإرادته هذا المعنى ، يتوقف على ثلاثة اُمور :

الأمر الأوّل : أنّ الفعل مبني للمعلوم ، وفاعله ضمير يعود إلى الراوي.

الأمر الثاني : أنّ الضمير المجرور بعن ، يعود إلى الإمام.

الأمر الثالث : أنّ الأحاديث التي ينقلها الراوي عن الإمام ، إنّما هي مسندة ، أي مرفوعة إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، مرويّة عن الإمام بطريقة المسند المتصل به صلّى الله عليه وآله.

ولو تمّت هذه الأمور ، لثبت أنّ معنى الجملة المذكور هو الذي استفدناه منها لغةً واصطلاحاً ، لكن هذا لا يعدّ مبرراً لتخصيص عدّة من الرواة بالوصف المذكور ، دون غيرهم ممّن تجمّعت فيهم الشرائط المفروضة في هذا المعنى ، فقد عثرنا في محاولة تتبعية موجزة على كثير من الأسماء التي التزمت بمنهج الإسناد المذكور ، ومع هذا فإنّ الشيخ لم يصفهم بقوله « أَسْنَدَ عنه » مع ذكره لهم في الرجال إذن فما هو الموجب لتخصيص عدّة معدودة بالوصف المذكور ؟.

ولذا مسّت الحاجة إلى عقد أمر رابع لبيان المخصّص الذي وُفّقنا للتوصّل إليه ، وهو أنّ كل واحد من الموصوفين قد جمع ما رواه عن الإمام من الأحاديث المسندة إلى النبي صلّى الله عليه وآله في كتاب باسم المُسْند.

فلنحقّق في هذه الأمور :

١١٨

الأمور الأول : أنّ الفعل معلوم الفاعل وهو الراوي :

من المعروف أنّ الرجاليين يذكرون بعد اسم الراوي ما يتعلق به من الخصوصيات ، من صفة أو تأليف أو شيخ أو راو ، أو غير ذلك.

وبما أنّ الشيخ خصّ كتاب رجاله لتعديد أسماء أصحاب كلّ إمام في باب من روى عنه ، ولذا سمّى كتابه بالأبواب ، ولم يؤلّفه لغرض الجرح والتعديل ، فلذا لم يتعرّض لهذين إلّا نادراً ، وطريقته أن يذكر اسم الراوي وكنيته ونسبته ونسبه مكتفياً بذكره في أحد الأبواب عن التصريح بأنّه من أصحاب الإمام المعقود له الباب ، لأنّ شرطه في الكتاب ، والمعنون به كل باب ، هو ذكر ما لذلك الإمام من أصحاب في ذلك الباب ، ولذا لا يصرح بأنّه روى عنه ، إلّا إذا كان في التصريح بذلك فائدة و أثر ، كما إذا أراد أن يذكر معه روايته عن إمام آخر ، فإنّه يقول : روى عنه وعن الإمام الآخر ، مثلاً : في ترجمة حماد بن بشر ، من أصحاب الباقر عليه السلام قال : « روى عنه وعن أبي عبدالله عليه السلام (١١٠) أو إذا أراد أن يؤكّد على أنّ الراوي يروي عن إمامين عليهما السلام كالصادقين مثلاً ، فإنّه يقول : روى عنهما ، كما في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي (١١١) ، ومحمّد بن بن اسحاق بن يسار المدني صاحب المغازي (١١٢) ، ومحمّد بن مسلم بن رباح الطائفي (١١٣) ، ووهب بن عمرو الأسدي (١١٤).

ومن المعلوم ـ لدى خبراء الفنّ ـ أنّ فاعل « روى » إنّما هو الراوي المذكور هذا الكلام في ترجمته ، وهذا هو المتعيّن عندهم.

وكذلك لو أراد أن يعرّفه بخصوصية لروايته ، كقوله « أَسْنَدَ » فانّ الإسناد من سنخ الرواية والنقل ، وهو من عمل الراوي وصفاته المرتبطة به ، فلابدّ أن يكون القائم بالإسناد والفاعل له هو الراوي.

واذا اقترنت كلمة « أسند » بكلمة « روى » كما ورد في بعض التراجم (١١٥) ، فإنّ وحدة السياق عند ما يتحدّث عن خصوصيات الراوي وروايته ، دليل على أنّ الفعل مبنيّ للفاعل ، وأنّ القائم بالإسناد هو القائم بالرواية ، وهو الراوي وقد نُقل هذا الرأي عن المحقق الشيخ محمّد ، والفاضل الشيخ عبدالنبي في الحاوي (١١٦).

١١٩

ومقصود الشيخ التنصيص على إسناد الرواية عن الإمام ، باعتبار أنّ الإسناد له خصوصيّة زائدة على مجرد الرواية. وقد يُستأنس في هذا المقام بما ذكره الخطيب البغداديّ في ذكر الإمام الباقر عليه السلام ما نصّه : وقد أَسْنَدَ محمد بن علي الحديث عن أبيه (١١٧) وذكر حديثاً مسنداً مرفوعاً إلى النبي صلّى الله عليه وآله رواه الإمام الباقر عن أبيه عن آبائه معنعناً وقال ابن الجوزي : أَسْنَدَ أبو جعفر ، عن جابر بن عبدالله وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة (١١٨) وقال في ترجمة الصادق : أسْنَدَ جعفر بن محمد ، عن أبيه (١١٩) والملاحظ أنّ ابن الجوزي استعمل قوله ( أسند فلان عن فلان ) في كثير من التراجم بعد طبقة الصحابة ، فليلاحظ هذا ، مضافاً إلى ما سيأتي في الأمر الثاني من إثبات عود الضمير في ( عنه ) إلى الإمام ، وهو يقتضي تعيّن كون الفعل ( أسند ) منسوباً إلى الراوي.

الأمر الثاني : أنّ الضمير المجرور بعن يعود إلى الإمام عليه السلام

لاخلاف بين الخبراء في أنّ من دأب الشيخ استعمال الضمائر العائدة إلى الأئمة في كل باب بدلاً من ذكر أسمائهم ، فيقول في باب أصحاب الباقر عليه السلام مثلاً : روى عنه (١٢٠) والضمير عائد إلى الباقر عليه السلام بلاخلاف ، أو يقول : روى عنهما (١٢١) والضمير عائد الى الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام وإن لم يسبق لهما ذكر ظاهر وهذا اصطلاح من الشيخ ، وأطبق الأصحاب على الإلتزام به.

ثمّ إنّ وحدة السياق في تعبير الشيخ ، كما يقول الكلباسي (١٢٢) تقتضي عود الضمير المجرور بعن في قوله « أسند عنه » إلى الإمام الذي عُقد الباب لذكر أصحابه ، فالمفهوم من قول الشيخ في ترجمة غياث بن إبراهيم ـ مثلاً ـ من أصحاب الصادق عليه السلام : « أسند عنه » وروى عن أبي الحسن عليه السلام (١٢٣) هو أن الرجل أَسْنَدَ عن الصادق عليه السلام وله الرواية عن الكاظم عليه السلام. وقد التزم بذلك الشيخ محمد والشيخ عبدالنبي في الحاوي (١٢٤).

هذا ، مضافاً إلى أنّ الضمير لو لم يعد الى الإمام ، فلابدّ أن يكون عائداً إلى الراوي ، إذ لامعنى لعوده إلى غيرهما ، كما لم يحتمله أحد أيضاً ، ولو عاد إلى الراوي لكان قوله « أسندَ عنه » دالّاً على خصوصية في الراوي ، فهي لابدّ أن تكون ملازمة له في جميع الأبواب كسائر خصوصياته وصفاته ، لكن هذا لم يثبت مع الموصوفين بكلمة

١٢٠