الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٢

فأهوى بعقبه إلى الأرض ، فإذا أنا بالماء ، فقال : اشرب ، فشربت.

وله طرق أخرى ، رواها الخطيب ، وابن عساكر» (١).

عمر يتوسل ويستسقي بعم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقد صرحت الروايات أيضا : بأن عمر بن الخطاب استسقى بعد وفاة الرسول الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وتوسل بالعباس عم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ومعه غيره من بني هاشم ، وطلب العباس من الناس أن لا يخالطوهم وقال مخاطبا عمر بن الخطاب : «لا تخلط بنا غيرنا».

فكان من دعاء عمر بن الخطاب في الاستسقاء قوله : اللهم إنا توجهنا (أو نتوسل ، أو نتقرب) إليك بعم نبيك (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٢ ص ١٣٧ وراجع : إرشاد الساري ج ٢ ص ٢٢٧ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ١١٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ والسيرة الحلبية ج ١ والمواهب اللدنية ج ١ ص ٤٨ والخصائص الكبرى ج ١ ص ٨٦ و ١٢٤ والغدير ج ٧ ص ٣٤٦ عن أكثر من تقدم وعن طلبة الطالب ص ٤٢ وأبو طالب حامي الرسول ص ١٨٣ و ١٨٤.

(٢) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٧ ص ٢٧٤ وج ١٤ ص ٥١ واقتضاء الصراط المستقيم ص ٣٣٨ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٣٤ ومآثر الأنافة ج ١ ص ٩١ وفتح الباري ج ٢ ص ٤١١ و ٤١٢ و ٤١٣ وكنز العمال ج ١٦ ص ١٢٠ و ١٢٣ و ١٢٤ و ٣٠ وعيون الأخبار لابن قتيبة ج ٢ ص ٢٧٩ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٣ ص ٩٩ وتذكرة الفقهاء ج ١ ص ١٦٧ والأوائل لأبي هلال العسكري ج ١ ص ٢٥٦ والبيان والتبيين ج ٣ ص ٢٧٩ وذخائر العقبي ص ٢٠٠ و ٢٣٦ والأغاني ج ١١ ص ٨١ والعقد الفريد ج ٤ ص ٦٤ والنهاية

٤١

وذلك كله ، وكثير سواه يوضح لنا : أن مشروعية التوسل بالأنبياء ، والأولياء «عليهم‌السلام» كانت من المرتكزات الأولية لدى المسلمين ، يعرفها الكبير والصغير فيهم ، فلا معنى ولا مبرر لمكابرة أهل الباطل ، وخصوصا الناصبة منهم ، بالإصرار على المنع من ذلك ، واعتباره شركا أو كفرا!!

نظرة أبي طالب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وبعد .. فإن الكل يعلم : أن من يعاشر إنسانا مدة طويلة ، ويطلع على حالاته المختلفة ، ويتلمس فيه الضعف والقوة ، والمرض ، والصحة ، والملالة ،

__________________

لابن الاثير ج ٢ ص ٣٣ وج ٤ ص ٩٤ والأسماء والصفات للبيهقي ج ١ والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ٢ ص ٣١٩ وج ٤ ص ١٩ وج ٣ قسم ١ ص ٢٣٢ وج ٥ ص ١٠٧ وربيع الأبرار ج ١ ص ١١٩ و ١٣٤ وغريب الحديث لابن قتيبة ج ٣ ص ١٨٢ والفتوحات الإسلامية لدحلان ج ٢ ص ٣٨٠ وأسد الغابة ج ٣ ص ١١١ والمصنف للصنعاني ج ٣ ص ٩٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٥٢ وينابيع المودة ص ٣٠٦ والسنن الكبرى ج ٣ ص ٣٥٢ والرصف للعاقولي ص ٤٠٠ وعن البحار ج ٢ ص ٣٤ وج ٥ ص ٢٥ ومن لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٥٣٨ وتأويل مختلف الأحاديث ص ٢٣٥ وصحيح ابن خزيمة ج ٢ ص ٣٣٨ وصحيح ابن حبان ج ٧ ص ١١١ والمعجم الأوسط ج ٣ ص ٤٩ والفائق في غريب الحديث ج ٣ ص ١١٥ والدرجات الرفيعة ص ٩٦ وتاريخ خليفة بن خياط ص ٩٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٦ ص ٣٥٥ و ٣٥٦ و ٣٥٨ و ٣٥٩ و ٣٦١ و ٣٦٣ وتهذيب الكمال ج ١٤ ص ٢٢٨ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٩١ و ٩٣ و ٩٧ وتاريخ المدينة ج ٢ ص ٧٣٨ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٥٠ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١٠٣.

٤٢

والضجر ، والأريحية والانشراح ، والحزن ، والسرور.

ويراه في حالات الغضب والرضا ، والتبذل والترسل ، والانقباض ، والانبساط ، والجدية ، والترسم ، واللعب ، واللهو ، والعمل ، والمثابرة ، والنشاط ، والكسل ، والفراغ ، والشغل ، وما إلى ذلك ، فإن كل من يرى هذه الحالات في إنسان ما ، سوف تتضاءل وتنكمش ، وقد تتلاشى وتندثر الهالة التي ربما تبهر الناس في ذلك الإنسان ، حتى إنه قد لا يبقى لديه سوى بعض الإعجاب بلفتة جمال هنا ، أو بلمحة ذكاء هناك!!

ولكن الأمر بالنسبة لأبي طالب مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان مختلفا تماما ، فقد كان اطلاع أبي طالب على جميع أحوال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأدق خصوصياته يزيد من درجات تقديسه له ، ويضاعف مراتب إعجابه به ، وانبهاره بأنوار حقيقته ، وتجليات فضائله ، وميزاته ، إلى الحد الذي يجعل ذلك الشيخ الكبير يرى هذا الفتى اليافع وسيلته إلى الله وشفيعه ، الذي يبلغه حاجاته ، ورائده وقائده ، ومثله الأعلى ، حتى إنه ليستسقي به مرة بعد أخرى ، وينشئ به قصيدته اللامية التي بهرت بأنوارها الساطعة ، وبلألائها اللامع كل من سمعها ، أو قرأها. بل هي قد أخذت بمجامع القلوب ، وهيمنت على المشاعر ، وأنست بباهر أنوارها حتى القلوب التي غرقت في ظلمات النصب والانحراف عن بني هاشم ، وكل من له بهم أدنى صلة أو رابطة ، حتى إن ابن كثير يصف هذه القصيدة العصماء ، بقوله :

«قلت : هذه قصيدة عظيمة ، بليغة جدا ، لا يستطيع يقولها إلا من نسبت إليه. وهي أفحل من المعلقات السبع ، وأبلغ في تأدية المعنى فيها

٤٣

جميعها إلخ ..» (١).

وبعد ، فإن قول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لله در أبي طالب : إنما يريد به أن در أبي طالب وعطاءه هذا ، كان خالصا لله تعالى.

وهو كلام فيه المزيد من الثناء ، والتأكيد على صحة ما رتبه عليه من نتيجة ، وهي أن أبا طالب لو كان حيا لقرت عيناه برؤية استجابة الله دعاء نبيه ، وظهور المعجزة على يديه.

وهذا يدل على حرص رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على أن تقر عين أبي طالب حتى وهو في قبره ، بظهور الإيمان والإسلام على أهل الشرك والإلحاد والطغيان.

وما دام أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يحب لهذه القصيدة أن تذكر في محافل أهل الإيمان ، فإنني أحب أن أثبتها هنا : ليرغم بها أنف الشانئ والناصب ، ولتقر بها عين رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعين أبي طالب ، وعين ابنه أسد الله الغالب. وعين من هو لشفاعته طالب ، والقصيدة هي التالية :

خليلي ما أذني لأول عاذل

بصغواء في حق ولا عند باطل

خليلي إن الرأي ليس بشركة

ولا نهنه عند الأمور التلاتل

ولما رأيت القوم لا ود فيهم

وقد قطعوا كل العرى والوسائل

وقد صارحونا بالعداوة والأذى

وقد طاوعوا أمر العدو المزايل

وقد حالفوا قوما علينا أظنّة

يعضون غيظا خلفنا بالأنامل

__________________

(١) البداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي سنة ١٤١٣ ه‍) ج ٣ ص ٧٤.

٤٤

صبرت لم نفسي بسمراء سمحة

وأبيض عضب من تراث المقاول

وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي

وأمسكت من أثوابه بالوصائل

قياما معا مستقبلين رتاجه

لدى حيث يقضي نسكه كل نافل

وحيث ينيخ الأشعرون (١) ركابهم

بمفضى السيول من أساف ونائل

موسّمة الأعضاد أو قصراتها

محبّسة بين السّديس وبازل

ترى الودع فيها والرّخام وزينة

بأعناقها معقودة كالعثاكل (٢)

أعوذ برب الناس من كل طاعن

علينا بسوء أو ملح بباطل

ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة

ومن ملحق في الدين ما لم نحاول

وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه

وراق ليرقى في حراء ونازل

وبالبيت ركن البيت من بطن مكة

وبالله إن الله ليس بغافل

وبالحجر المسود إذ يمسحونه

إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل

وموطئ إبراهيم في الصخرة وطأة

على قدميه حافيا غير ناعل

وأشواط بين المروتين إلى الصفا

وما فيهما من صورة وتماثل

ومن حج بيت الله من كل راكب

ومن كل ذي نذر من كل راجل

وبالمعشر الأقصى إذا عمدوا له

ألال إلى مفضى الشراج القوابل

وتوقافهم فوق الجبال عشية

يقيمون بالأيدي صدور الرواحل

__________________

(١) وهم : الحجاج الذين وفروا شعورهم ليحلقوها في حجهم.

(٢) العثكول : عرق النخل.

٤٥

وليلة جمع والمنازل في منى

وما فوقها من حرمة ومنازل

وجمع إذا ما المقربات أجزنه

سراعا كما يفزعن (١) من وقع وابل

وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها

يأمون قذفا رأسها بالجنادل

وكندة إذ ترمي الجمار عشية

تجيز بها حجاج بكر بن وائل

حليفان شدا عقد ما احتلفا له

وردا عليه عاطفات الذلائل

وحطمهم سمر الرماح مع الظبى

وإنقاذهم ما ينتقي كل نابل

ومشيهم حول البسال وسرحه

وسلميّه وخد النعام الجوافل (٢)

فهل فوق هذا من معاذ لعائذ

وهل من معيذ يتقي الله عادل

يطاع بنا أمر العداودّ أننا

يسد بنا أبواب ترك وكابل

كذبتم وبيت الله نترك مكة

ونظعن إلّا أمركم في بلابل

كذبتم وبيت الله نبزى (٣) محمدا

ولما نطاعن دونه ونناضل

أبيت بحمد الله ترك محمد

بمكة أسلمه لشر القبائل

وقال لي الأعداء قاتل عصابة

أطاعوه ، وابغه جميع الغوائل

نقيم على نصر النبي محمد

نقاتل عنه بالظبي والعواسل (٤)

__________________

(١) يخرصن : خ ـ ل.

(٢) البسال : اسم موضع ، والسرح : شجر لا شوك فيه ، والسّلمى : نبات.

(٣) أي : نغلب عليه.

(٤) القنابل : طوائف الخيل والناس ، وفي مجمع البيان ج ٤ ص ٢٨٨ هكذا :

أقيم على نصر النبي محمد

أقاتل عنه بالقنا والقنابل

٤٦

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وينهض قوم بالحديد إليكم

نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل

وحتى نرى ذا الضغن يركب ردعه (١)

من الطعن فعل الأنكب المتحامل

وإنا لعمر الله إن جد ما أرى

لتلتبسن أسيافنا بالأماثل

بكفي فتى مثل الشهاب سميدع

أخي ثقة حامي الحقيقة باسل

شهورا وأياما وحولا مجرما (٢)

علينا وتأتي حجة بعد قابل

وما ترك قوم ـ لا أبا لك ـ سيدا

يحوط الذمار غير ذرب مواكل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال (٣) اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في رحمة وفواضل

لعمري لقد أجرى أسيد وبكره (٤)

إلى بغضنا إذ جزآنا لآكل

جزت رحم عنا أسيدا وخالدا

جزاء مسيء لا يؤخر عاجل

وعثمان لم يربع علينا وقنفذ

ولكن أطاعا أمر تلك القبائل

أطاعا أبيا وابن عبد يغوثهم (٥)

ولم يرقبا فينا مقالة قائل

__________________

(١) الردع : العنق ، ويركب ردعه : أي يسقط على رأسه.

(٢) المجرّم : التام الكامل ، والحجة : السنة.

(٣) الثمال : الملجأ.

(٤) ورهطه : خ ـ ل ، والمراد بالبكر : المولود الأول ، وأسيد : هو ابن أبي العاص بن أمية.

(٥) أطاعا بنا الغاوين في كل وجهة خ ـ ل.

٤٧

كما قد لقينا من سبيع ونوفل

وكل تولى معرضا لم يجامل

فإن يلفيا أو يمكن الله منهما

نكل لهما صاعا بصاع المكايل

وذاك أبو عمرو أبى غير بغضنا

ليظعننا في أهل شاء وجامل (١)

يناحي بنا في كل ممسى ومصبح

فناج أبا عمرو بنا ، ثم خاتل

ويؤلي لنا بالله ما إن يغشنا

بلى قد تراه جهرة غير حائل

أضاق عليه بغضنا كلّ تلعة

من الأرض بين أخشب فمجادل (٢)

وسائل ، أبا الوليد ماذا حبوتنا

بسعيك فينا معرضا كالمخاتل

وكنت امرءا ممن يعاش برأيه

ورحمته فينا ولست بجاهل

فلست أباليه على ذات نفسه

فعش يا بن عمي ناعما غير ماحل

وعتبة لا تسمع بنا قول كاشح

حسود كذوب مبغض ذي دغاول

وقد خفت إن لم تزدجرهم وترعووا

تلاقي ونلقى منك إحدى البلابل

ومر أبو سفيان عني معرضا

كما مر قيل من عظام المقاول

يفر إلى نجد وبرد مياهه

ويزعم إني لست عنهم بغافل

وأعلم أن لا غافل عن مساءة

كذاك العدو عند حق وباطل

فميلوا علينا كلكم إن ميلكم

سواء علينا والرياح بهاطل

يخبرّنا فعل المناصح أنه

شفيق ويخفي عارمات الدواخل

_________________

(١) أي : أنه يرحلهم في أهل الشياه والجمال.

(٢) المجادل : القصور.

٤٨

أمطعم لم أخذ لك في يوم نجدة

ولا عند تلك المعظمات الجلائل

ولا يوم خصم إذ أتوك ألدة

أولى جدل مثل الخصوم المساجل

أمطعم إن القوم ساموك خطة

وإني متى أوكل فلست بوائل (١)

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا

عقوبة شر عاجلا غير آجل

بميزان قسط لا يخيس شعيرة

له شاهد من نفسه غير عائل

لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا

بني خلف قيضا بنا والغياطل

ونحن الصميم من ذؤابة هاشم

وآل قصي في الخطوب الأوائل

وكان لنا حوض السقأية فيهم

ونحن الذرى منهم وفوق الكواهل

فما أدركوا زحلا ولا سفكوا دما

وما خالفوا إلا شرار القبائل

بني أمة مجنونة هندكية

بني جمح عبيد قيس بن عاقل

وسهم ومخزوم تمالوا وألبوا

علينا العدى من كل طمل وخامل

وحث بنو سهم علينا عديّهم

عدي بن كعب فاحتبوا في المحافل

يعضّون من غيظ علينا أكفهم

بلا ترة بعد الحمى والتواصل

وشأيظ كانت في لؤي بن غالب

نفاهم إلينا كل صقر حلاحل

ورهط نفيل شر من وطأ الحصى

وألأم حاف من معد وناعل

فعبد مناف أنتم خير قومكم

فلا تشركوا في أمركم كل واغل

فقد خفت إن لم يصلح الله أمركم

تكونوا كما كانت أحاديث وائل

__________________

(١) الوائل : الملتجي.

٤٩

لعمري لقد وهّنتم وعجزتم

وجئتم بأمر مخطئ للمفاصل

وكنتم حديثا حطب قدر فأنتم

ألان حطاب أقدر ومراجل

ليهن بني عبد المناف عقوقها

وخذلانها وتركها في المعاقل

فإن يك قوم سرهم ما صنعتم

ستحتلبوها لقحة غير باهل

فأبلغ قصيا أن سينشر أمرنا

وبشّر قصيا بعدنا بالتخاذل

ولو طرقت ليلا قصيا عظيمة

إذن ما لجأنا دونهم في المداخل

ولو صدقوا ضربا خلال بيوتهم

لكنا أسى عند النساء المطافل

فإن تك كعب من لؤي تجمعت

فلا بد يوما مرة من تزايل

وإن تك كعب من كعوب كبيرة

فلا بد يوما أنها في مجاهل

وكنا بخير قبل تسويد معشر

هم ذبحونا بالمدى والمقاول

فكل صديق وابن أخت نعده

لعمري وجدنا غبّه غير طائل (١)

سوى أن رهطا من كلاب بن مرة

براء إلينا من معقّة خاذل

بني أسد لا تطرقنّ على القذى

إذا لم يقل بالحق مقول قائل

ونعم ابن أخت القوم غير مكذب

زهير حساما مفردا من حمائل

أشمّ من الشّم البهاليل ينتمي

إلى حسب في حومة المجد فاضل

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد

وإخوته دأب المحب المواصل

__________________

(١) لعمري وجدنا عيشه غير زائل. خ ـ ل.

٥٠

فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها

وزينا على رغم العدو المخابل (١)

فمن مثله في الناس أي مؤمل

إذا قاسه الحكام عند التفاضل

حليم رشيد عادل غير طائش

يوالي إلها ليس عنه بغافل

وأيده رب العباد بنصره

وأظهر دينا حقه غير زائل

فو الله لولا أن أجيء بسبة

تجر على أشياخنا في المحافل

لكنا تبعناه على كل حالة

من الدهر جدا غير قول التهازل

وداستكم منا رجال أعزة

إذا جردوا أيمانهم بالمناصل

لقد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعنى بقول الأباطل

رجال كرام غير ميل نماهم

إلى العز آباء كرام المخاصل (٢)

وقفنا لهم حتى تبدد جمعهم

وحسّر عنا كل باغ وجاهل

شباب من المطّلّبين وهاشم

كبيض السيوف بين أيدي الصياقل

بضرب ترى الفتيان فيه كأنهم

ضواري أسود فوق لحم خرادل

ولكننا نسل كرام لسادة

بهم يعتلي الأقوام عند التطاول

سيعلم أهل الضغن أيي وأيهم

يفوز ويعلو في ليال قلائل

وأيهم مني ومنهم بسيفه

يلاقي إذا ما حان وقت التنازل

ومن ذا يمل الحرب مني ومنهم

ويحمد في الآفاق في قول قائل

__________________

(١) المخابل : الفاسد.

(٢) المخصل : السيف القطّاع. يقال : سيف كريم ، أي : لا يفلّ في الحرب.

٥١

فأصبح منا أحمد في أرومة

تقصر منها سورة المتطاول

كأني به فوق الجياد يقودها

إلى معشر زاغوا إلى كل باطل

وجدت بنفسي دونه وحميته

ودافعت عنه بالذرى والكلاكل

ولا شك أن الله رافع أمره

ومعليه في الدنيا ويوم التجادل

كما قد أري في اليوم والأمس جده

ووالده رؤياهما خير آفل (١)

__________________

(١) راجع المصادر التالية لتجد أكثر هذه القصيدة ، أو بعض أبياتها : خزانة الأدب للبغدادي ج ٢ ص ٥٩ ـ ٧٥ والروض الأنف ج ١ ص ١٧٤ ـ ١٨٠ وبحار الأنوار ج ٣٥ ص ١٦٥ ـ ١٦٧ والغدير ج ٧ ص ٣٣٨ ـ ٣٤٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ١٧٢ ـ ١٧٦ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٥٣ ـ ٥٧ وديوان شيخ الأبطح أبي طالب للمهزمي العبدي ص ٢ ـ ١٢ والدرة الغراء ص ١٢٠ ـ ١٣٥ ، وراجع : سيرة ابن إسحاق ص ١٥٦ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٣ ص ٣١٩ و ٣٢٠ والملل والنحل للشهرستاني ج ٢ ص ٢٤٩ وإيمان أبي طالب ص ١٨ ـ ٢٢ و ٣٧ وإرشاد الساري ج ٢ ص ٢٧ والحماسة لابن الشجري ص ١٧ و ١٨ وبلوغ الإرب للآلوسي ج ١ ص ٣٢٦ و ٣٢٧ والحجة ص ٢٩٨ وتاريخ الإسلام للذهبي ، ومجمع البيان ج ٤ ص ٢٨٨ وزهرة الأدباء للنقدي والتبيان ج ٣ ص ١٠٨ والكافي ج ١ ص ٤٤٩ وغير ذلك كثير.

٥٢

القسم الثامن

من الحديبية إلى فتح مكة

الباب الأول : حتى بيعة الرضوان

الباب الثاني : عهد الحديبية .. وقائع وآثار

الباب الثالث : سرايا وقضايا بين خيبر والحديبية

الباب الرابع : دعوة ملوك الأرض

٥٣
٥٤

الباب الأول

حتى بيعة الرضوان

الفصل الأول : من المدينة .. إلي عسفان

الفصل الثاني : من عسفان .. إلي الحديبية

الفصل الثالث : حابس الفيل .. وحقوق الحيوان

الفصل الرابع : تعمد صنع المعجزة

الفصل الخامس : اتصالات .. ومداولات

الفصل السادس : عثمان في مكة

٥٥
٥٦

الفصل الأول :

من المدينة .. إلى عسفان

٥٧
٥٨

الحديبية : اسما وموقعا :

الحديبية بتخفيف الياء ، تصغير حدباء ، وهي اسم بئر أو شجرة ، سمي باسمها المكان الذي تقع فيه ، قرية قريبة من مكة ، أكثرها واقع في الحرم ، وهناك المسجد المعروف بمسجد الشجرة ، وبين الحديبية والمدينة تسع مراحل وبينها وبين مكة مرحلة واحدة ، أي تسعة أميال (١).

التحرك نحو الحديبية :

ومجمل الحديث في أمر الحديبية : أن النبي الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» رأى في منامه : أنه دخل مكة هو وأصحابه ، آمنين ، محلقين رؤوسهم ، ومقصرين. وأنه دخل البيت ، وأخذ مفتاحه ، وأدى عمرته ، وعرّف مع المعرفين (٢) (أي جعل على الناس عرفاء).

فلما أخبر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أصحابه بما رأى فرحوا ، وظنوا أنهم يدخلون مكة في عامهم ذاك. ثم أخبرهم أنه يريد الخروج للعمرة ، فتجهزوا

__________________

(١) الإستبصار ج ٢ ص ١٧٧ ومعجم البلدان ج ٢ ص ٢٢٩.

(٢) راجع : تفسير مجاهد ج ٢ ص ٦٠٣ ومعاني القرآن ج ٦ ص ٥١١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣.

٥٩

للسفر ، واستنفر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» العرب إلى ذلك وأهل البوادي من الأعراب حول المدينة ، من أسلم : من غفار ، وجهينة ، ومزينة ، وأسلم ، ثم خرج «صلى‌الله‌عليه‌وآله» معتمرا.

وكان خروجه من منزله بعد أن اغتسل ببيته ، ولبس ثوبين ، وركب راحلته القصوى من عند بابه ، وأحرم هو وغالب من معه من ذي الحليفة ، بعد أن صلى ركعتين في المسجد هناك. وبعض أصحابه أحرم بالجحفة. ثم ركب راحلته ، من باب المسجد ، وانبعثت به وهو مستقبل القبلة.

وكان خروجه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ذي القعدة.

وقيل : خرج في شهر رمضان.

وخرجت أم سلمة ، وأم عمارة ، وأم منيع ، وأم عامر الأشهلية ، ومعه المهاجرون والأنصار ، ومن لحق بهم من العرب ، وأبطأ عنه كثير منهم وسلك طريق البيداء.

وساق «صلى‌الله‌عليه‌وآله» معه الهدي ، سبعين بدنة. وبعد أن صلى الظهر في ذي الحليفة أشعر عدة منها ، وهي موجهات إلى القبلة في الشق الأيمن من سنامها. ثم أمر ناجية بن جندب (وفي معالم التنزيل : ناجية بن عمير) فأشعر الباقي ، وقلدهن ، أي علق برقابهن كل واحدة نعلا.

وأشعر المسلمون بدنهم ، وقلدوها.

وكان الناس سبع مائة رجل.

وقيل : ألفا وأربع مئة.

وهناك أقوال أخر سوف نشير إليها إن شاء الله تعالى.

٦٠