السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٢
فأهوى بعقبه إلى الأرض ، فإذا أنا بالماء ، فقال : اشرب ، فشربت.
وله طرق أخرى ، رواها الخطيب ، وابن عساكر» (١).
عمر يتوسل ويستسقي بعم الرسول صلىاللهعليهوآله :
وقد صرحت الروايات أيضا : بأن عمر بن الخطاب استسقى بعد وفاة الرسول الأكرم «صلىاللهعليهوآله» ، وتوسل بالعباس عم النبي «صلىاللهعليهوآله» ، ومعه غيره من بني هاشم ، وطلب العباس من الناس أن لا يخالطوهم وقال مخاطبا عمر بن الخطاب : «لا تخلط بنا غيرنا».
فكان من دعاء عمر بن الخطاب في الاستسقاء قوله : اللهم إنا توجهنا (أو نتوسل ، أو نتقرب) إليك بعم نبيك (٢).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٢ ص ١٣٧ وراجع : إرشاد الساري ج ٢ ص ٢٢٧ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ١١٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ والسيرة الحلبية ج ١ والمواهب اللدنية ج ١ ص ٤٨ والخصائص الكبرى ج ١ ص ٨٦ و ١٢٤ والغدير ج ٧ ص ٣٤٦ عن أكثر من تقدم وعن طلبة الطالب ص ٤٢ وأبو طالب حامي الرسول ص ١٨٣ و ١٨٤.
(٢) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٧ ص ٢٧٤ وج ١٤ ص ٥١ واقتضاء الصراط المستقيم ص ٣٣٨ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٣٤ ومآثر الأنافة ج ١ ص ٩١ وفتح الباري ج ٢ ص ٤١١ و ٤١٢ و ٤١٣ وكنز العمال ج ١٦ ص ١٢٠ و ١٢٣ و ١٢٤ و ٣٠ وعيون الأخبار لابن قتيبة ج ٢ ص ٢٧٩ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٣ ص ٩٩ وتذكرة الفقهاء ج ١ ص ١٦٧ والأوائل لأبي هلال العسكري ج ١ ص ٢٥٦ والبيان والتبيين ج ٣ ص ٢٧٩ وذخائر العقبي ص ٢٠٠ و ٢٣٦ والأغاني ج ١١ ص ٨١ والعقد الفريد ج ٤ ص ٦٤ والنهاية
وذلك كله ، وكثير سواه يوضح لنا : أن مشروعية التوسل بالأنبياء ، والأولياء «عليهمالسلام» كانت من المرتكزات الأولية لدى المسلمين ، يعرفها الكبير والصغير فيهم ، فلا معنى ولا مبرر لمكابرة أهل الباطل ، وخصوصا الناصبة منهم ، بالإصرار على المنع من ذلك ، واعتباره شركا أو كفرا!!
نظرة أبي طالب لرسول الله صلىاللهعليهوآله :
وبعد .. فإن الكل يعلم : أن من يعاشر إنسانا مدة طويلة ، ويطلع على حالاته المختلفة ، ويتلمس فيه الضعف والقوة ، والمرض ، والصحة ، والملالة ،
__________________
لابن الاثير ج ٢ ص ٣٣ وج ٤ ص ٩٤ والأسماء والصفات للبيهقي ج ١ والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ٢ ص ٣١٩ وج ٤ ص ١٩ وج ٣ قسم ١ ص ٢٣٢ وج ٥ ص ١٠٧ وربيع الأبرار ج ١ ص ١١٩ و ١٣٤ وغريب الحديث لابن قتيبة ج ٣ ص ١٨٢ والفتوحات الإسلامية لدحلان ج ٢ ص ٣٨٠ وأسد الغابة ج ٣ ص ١١١ والمصنف للصنعاني ج ٣ ص ٩٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٥٢ وينابيع المودة ص ٣٠٦ والسنن الكبرى ج ٣ ص ٣٥٢ والرصف للعاقولي ص ٤٠٠ وعن البحار ج ٢ ص ٣٤ وج ٥ ص ٢٥ ومن لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٥٣٨ وتأويل مختلف الأحاديث ص ٢٣٥ وصحيح ابن خزيمة ج ٢ ص ٣٣٨ وصحيح ابن حبان ج ٧ ص ١١١ والمعجم الأوسط ج ٣ ص ٤٩ والفائق في غريب الحديث ج ٣ ص ١١٥ والدرجات الرفيعة ص ٩٦ وتاريخ خليفة بن خياط ص ٩٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٦ ص ٣٥٥ و ٣٥٦ و ٣٥٨ و ٣٥٩ و ٣٦١ و ٣٦٣ وتهذيب الكمال ج ١٤ ص ٢٢٨ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٩١ و ٩٣ و ٩٧ وتاريخ المدينة ج ٢ ص ٧٣٨ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٥٠ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١٠٣.
والضجر ، والأريحية والانشراح ، والحزن ، والسرور.
ويراه في حالات الغضب والرضا ، والتبذل والترسل ، والانقباض ، والانبساط ، والجدية ، والترسم ، واللعب ، واللهو ، والعمل ، والمثابرة ، والنشاط ، والكسل ، والفراغ ، والشغل ، وما إلى ذلك ، فإن كل من يرى هذه الحالات في إنسان ما ، سوف تتضاءل وتنكمش ، وقد تتلاشى وتندثر الهالة التي ربما تبهر الناس في ذلك الإنسان ، حتى إنه قد لا يبقى لديه سوى بعض الإعجاب بلفتة جمال هنا ، أو بلمحة ذكاء هناك!!
ولكن الأمر بالنسبة لأبي طالب مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» كان مختلفا تماما ، فقد كان اطلاع أبي طالب على جميع أحوال النبي «صلىاللهعليهوآله» ، وأدق خصوصياته يزيد من درجات تقديسه له ، ويضاعف مراتب إعجابه به ، وانبهاره بأنوار حقيقته ، وتجليات فضائله ، وميزاته ، إلى الحد الذي يجعل ذلك الشيخ الكبير يرى هذا الفتى اليافع وسيلته إلى الله وشفيعه ، الذي يبلغه حاجاته ، ورائده وقائده ، ومثله الأعلى ، حتى إنه ليستسقي به مرة بعد أخرى ، وينشئ به قصيدته اللامية التي بهرت بأنوارها الساطعة ، وبلألائها اللامع كل من سمعها ، أو قرأها. بل هي قد أخذت بمجامع القلوب ، وهيمنت على المشاعر ، وأنست بباهر أنوارها حتى القلوب التي غرقت في ظلمات النصب والانحراف عن بني هاشم ، وكل من له بهم أدنى صلة أو رابطة ، حتى إن ابن كثير يصف هذه القصيدة العصماء ، بقوله :
«قلت : هذه قصيدة عظيمة ، بليغة جدا ، لا يستطيع يقولها إلا من نسبت إليه. وهي أفحل من المعلقات السبع ، وأبلغ في تأدية المعنى فيها
جميعها إلخ ..» (١).
وبعد ، فإن قول النبي «صلىاللهعليهوآله» : لله در أبي طالب : إنما يريد به أن در أبي طالب وعطاءه هذا ، كان خالصا لله تعالى.
وهو كلام فيه المزيد من الثناء ، والتأكيد على صحة ما رتبه عليه من نتيجة ، وهي أن أبا طالب لو كان حيا لقرت عيناه برؤية استجابة الله دعاء نبيه ، وظهور المعجزة على يديه.
وهذا يدل على حرص رسول الله «صلىاللهعليهوآله» على أن تقر عين أبي طالب حتى وهو في قبره ، بظهور الإيمان والإسلام على أهل الشرك والإلحاد والطغيان.
وما دام أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يحب لهذه القصيدة أن تذكر في محافل أهل الإيمان ، فإنني أحب أن أثبتها هنا : ليرغم بها أنف الشانئ والناصب ، ولتقر بها عين رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وعين أبي طالب ، وعين ابنه أسد الله الغالب. وعين من هو لشفاعته طالب ، والقصيدة هي التالية :
خليلي ما أذني لأول عاذل |
|
بصغواء في حق ولا عند باطل |
خليلي إن الرأي ليس بشركة |
|
ولا نهنه عند الأمور التلاتل |
ولما رأيت القوم لا ود فيهم |
|
وقد قطعوا كل العرى والوسائل |
وقد صارحونا بالعداوة والأذى |
|
وقد طاوعوا أمر العدو المزايل |
وقد حالفوا قوما علينا أظنّة |
|
يعضون غيظا خلفنا بالأنامل |
__________________
(١) البداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي سنة ١٤١٣ ه) ج ٣ ص ٧٤.
صبرت لم نفسي بسمراء سمحة |
|
وأبيض عضب من تراث المقاول |
وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي |
|
وأمسكت من أثوابه بالوصائل |
قياما معا مستقبلين رتاجه |
|
لدى حيث يقضي نسكه كل نافل |
وحيث ينيخ الأشعرون (١) ركابهم |
|
بمفضى السيول من أساف ونائل |
موسّمة الأعضاد أو قصراتها |
|
محبّسة بين السّديس وبازل |
ترى الودع فيها والرّخام وزينة |
|
بأعناقها معقودة كالعثاكل (٢) |
أعوذ برب الناس من كل طاعن |
|
علينا بسوء أو ملح بباطل |
ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة |
|
ومن ملحق في الدين ما لم نحاول |
وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه |
|
وراق ليرقى في حراء ونازل |
وبالبيت ركن البيت من بطن مكة |
|
وبالله إن الله ليس بغافل |
وبالحجر المسود إذ يمسحونه |
|
إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل |
وموطئ إبراهيم في الصخرة وطأة |
|
على قدميه حافيا غير ناعل |
وأشواط بين المروتين إلى الصفا |
|
وما فيهما من صورة وتماثل |
ومن حج بيت الله من كل راكب |
|
ومن كل ذي نذر من كل راجل |
وبالمعشر الأقصى إذا عمدوا له |
|
ألال إلى مفضى الشراج القوابل |
وتوقافهم فوق الجبال عشية |
|
يقيمون بالأيدي صدور الرواحل |
__________________
(١) وهم : الحجاج الذين وفروا شعورهم ليحلقوها في حجهم.
(٢) العثكول : عرق النخل.
وليلة جمع والمنازل في منى |
|
وما فوقها من حرمة ومنازل |
وجمع إذا ما المقربات أجزنه |
|
سراعا كما يفزعن (١) من وقع وابل |
وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها |
|
يأمون قذفا رأسها بالجنادل |
وكندة إذ ترمي الجمار عشية |
|
تجيز بها حجاج بكر بن وائل |
حليفان شدا عقد ما احتلفا له |
|
وردا عليه عاطفات الذلائل |
وحطمهم سمر الرماح مع الظبى |
|
وإنقاذهم ما ينتقي كل نابل |
ومشيهم حول البسال وسرحه |
|
وسلميّه وخد النعام الجوافل (٢) |
فهل فوق هذا من معاذ لعائذ |
|
وهل من معيذ يتقي الله عادل |
يطاع بنا أمر العداودّ أننا |
|
يسد بنا أبواب ترك وكابل |
كذبتم وبيت الله نترك مكة |
|
ونظعن إلّا أمركم في بلابل |
كذبتم وبيت الله نبزى (٣) محمدا |
|
ولما نطاعن دونه ونناضل |
أبيت بحمد الله ترك محمد |
|
بمكة أسلمه لشر القبائل |
وقال لي الأعداء قاتل عصابة |
|
أطاعوه ، وابغه جميع الغوائل |
نقيم على نصر النبي محمد |
|
نقاتل عنه بالظبي والعواسل (٤) |
__________________
(١) يخرصن : خ ـ ل.
(٢) البسال : اسم موضع ، والسرح : شجر لا شوك فيه ، والسّلمى : نبات.
(٣) أي : نغلب عليه.
(٤) القنابل : طوائف الخيل والناس ، وفي مجمع البيان ج ٤ ص ٢٨٨ هكذا :
أقيم على نصر النبي محمد |
|
أقاتل عنه بالقنا والقنابل |
ونسلمه حتى نصرع حوله |
|
ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
وينهض قوم بالحديد إليكم |
|
نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل |
وحتى نرى ذا الضغن يركب ردعه (١) |
|
من الطعن فعل الأنكب المتحامل |
وإنا لعمر الله إن جد ما أرى |
|
لتلتبسن أسيافنا بالأماثل |
بكفي فتى مثل الشهاب سميدع |
|
أخي ثقة حامي الحقيقة باسل |
شهورا وأياما وحولا مجرما (٢) |
|
علينا وتأتي حجة بعد قابل |
وما ترك قوم ـ لا أبا لك ـ سيدا |
|
يحوط الذمار غير ذرب مواكل |
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه |
|
ثمال (٣) اليتامى عصمة للأرامل |
يلوذ به الهلاك من آل هاشم |
|
فهم عنده في رحمة وفواضل |
لعمري لقد أجرى أسيد وبكره (٤) |
|
إلى بغضنا إذ جزآنا لآكل |
جزت رحم عنا أسيدا وخالدا |
|
جزاء مسيء لا يؤخر عاجل |
وعثمان لم يربع علينا وقنفذ |
|
ولكن أطاعا أمر تلك القبائل |
أطاعا أبيا وابن عبد يغوثهم (٥) |
|
ولم يرقبا فينا مقالة قائل |
__________________
(١) الردع : العنق ، ويركب ردعه : أي يسقط على رأسه.
(٢) المجرّم : التام الكامل ، والحجة : السنة.
(٣) الثمال : الملجأ.
(٤) ورهطه : خ ـ ل ، والمراد بالبكر : المولود الأول ، وأسيد : هو ابن أبي العاص بن أمية.
(٥) أطاعا بنا الغاوين في كل وجهة خ ـ ل.
كما قد لقينا من سبيع ونوفل |
|
وكل تولى معرضا لم يجامل |
فإن يلفيا أو يمكن الله منهما |
|
نكل لهما صاعا بصاع المكايل |
وذاك أبو عمرو أبى غير بغضنا |
|
ليظعننا في أهل شاء وجامل (١) |
يناحي بنا في كل ممسى ومصبح |
|
فناج أبا عمرو بنا ، ثم خاتل |
ويؤلي لنا بالله ما إن يغشنا |
|
بلى قد تراه جهرة غير حائل |
أضاق عليه بغضنا كلّ تلعة |
|
من الأرض بين أخشب فمجادل (٢) |
وسائل ، أبا الوليد ماذا حبوتنا |
|
بسعيك فينا معرضا كالمخاتل |
وكنت امرءا ممن يعاش برأيه |
|
ورحمته فينا ولست بجاهل |
فلست أباليه على ذات نفسه |
|
فعش يا بن عمي ناعما غير ماحل |
وعتبة لا تسمع بنا قول كاشح |
|
حسود كذوب مبغض ذي دغاول |
وقد خفت إن لم تزدجرهم وترعووا |
|
تلاقي ونلقى منك إحدى البلابل |
ومر أبو سفيان عني معرضا |
|
كما مر قيل من عظام المقاول |
يفر إلى نجد وبرد مياهه |
|
ويزعم إني لست عنهم بغافل |
وأعلم أن لا غافل عن مساءة |
|
كذاك العدو عند حق وباطل |
فميلوا علينا كلكم إن ميلكم |
|
سواء علينا والرياح بهاطل |
يخبرّنا فعل المناصح أنه |
|
شفيق ويخفي عارمات الدواخل |
_________________
(١) أي : أنه يرحلهم في أهل الشياه والجمال.
(٢) المجادل : القصور.
أمطعم لم أخذ لك في يوم نجدة |
|
ولا عند تلك المعظمات الجلائل |
ولا يوم خصم إذ أتوك ألدة |
|
أولى جدل مثل الخصوم المساجل |
أمطعم إن القوم ساموك خطة |
|
وإني متى أوكل فلست بوائل (١) |
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا |
|
عقوبة شر عاجلا غير آجل |
بميزان قسط لا يخيس شعيرة |
|
له شاهد من نفسه غير عائل |
لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا |
|
بني خلف قيضا بنا والغياطل |
ونحن الصميم من ذؤابة هاشم |
|
وآل قصي في الخطوب الأوائل |
وكان لنا حوض السقأية فيهم |
|
ونحن الذرى منهم وفوق الكواهل |
فما أدركوا زحلا ولا سفكوا دما |
|
وما خالفوا إلا شرار القبائل |
بني أمة مجنونة هندكية |
|
بني جمح عبيد قيس بن عاقل |
وسهم ومخزوم تمالوا وألبوا |
|
علينا العدى من كل طمل وخامل |
وحث بنو سهم علينا عديّهم |
|
عدي بن كعب فاحتبوا في المحافل |
يعضّون من غيظ علينا أكفهم |
|
بلا ترة بعد الحمى والتواصل |
وشأيظ كانت في لؤي بن غالب |
|
نفاهم إلينا كل صقر حلاحل |
ورهط نفيل شر من وطأ الحصى |
|
وألأم حاف من معد وناعل |
فعبد مناف أنتم خير قومكم |
|
فلا تشركوا في أمركم كل واغل |
فقد خفت إن لم يصلح الله أمركم |
|
تكونوا كما كانت أحاديث وائل |
__________________
(١) الوائل : الملتجي.
لعمري لقد وهّنتم وعجزتم |
|
وجئتم بأمر مخطئ للمفاصل |
وكنتم حديثا حطب قدر فأنتم |
|
ألان حطاب أقدر ومراجل |
ليهن بني عبد المناف عقوقها |
|
وخذلانها وتركها في المعاقل |
فإن يك قوم سرهم ما صنعتم |
|
ستحتلبوها لقحة غير باهل |
فأبلغ قصيا أن سينشر أمرنا |
|
وبشّر قصيا بعدنا بالتخاذل |
ولو طرقت ليلا قصيا عظيمة |
|
إذن ما لجأنا دونهم في المداخل |
ولو صدقوا ضربا خلال بيوتهم |
|
لكنا أسى عند النساء المطافل |
فإن تك كعب من لؤي تجمعت |
|
فلا بد يوما مرة من تزايل |
وإن تك كعب من كعوب كبيرة |
|
فلا بد يوما أنها في مجاهل |
وكنا بخير قبل تسويد معشر |
|
هم ذبحونا بالمدى والمقاول |
فكل صديق وابن أخت نعده |
|
لعمري وجدنا غبّه غير طائل (١) |
سوى أن رهطا من كلاب بن مرة |
|
براء إلينا من معقّة خاذل |
بني أسد لا تطرقنّ على القذى |
|
إذا لم يقل بالحق مقول قائل |
ونعم ابن أخت القوم غير مكذب |
|
زهير حساما مفردا من حمائل |
أشمّ من الشّم البهاليل ينتمي |
|
إلى حسب في حومة المجد فاضل |
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد |
|
وإخوته دأب المحب المواصل |
__________________
(١) لعمري وجدنا عيشه غير زائل. خ ـ ل.
فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها |
|
وزينا على رغم العدو المخابل (١) |
فمن مثله في الناس أي مؤمل |
|
إذا قاسه الحكام عند التفاضل |
حليم رشيد عادل غير طائش |
|
يوالي إلها ليس عنه بغافل |
وأيده رب العباد بنصره |
|
وأظهر دينا حقه غير زائل |
فو الله لولا أن أجيء بسبة |
|
تجر على أشياخنا في المحافل |
لكنا تبعناه على كل حالة |
|
من الدهر جدا غير قول التهازل |
وداستكم منا رجال أعزة |
|
إذا جردوا أيمانهم بالمناصل |
لقد علموا أن ابننا لا مكذب |
|
لدينا ولا يعنى بقول الأباطل |
رجال كرام غير ميل نماهم |
|
إلى العز آباء كرام المخاصل (٢) |
وقفنا لهم حتى تبدد جمعهم |
|
وحسّر عنا كل باغ وجاهل |
شباب من المطّلّبين وهاشم |
|
كبيض السيوف بين أيدي الصياقل |
بضرب ترى الفتيان فيه كأنهم |
|
ضواري أسود فوق لحم خرادل |
ولكننا نسل كرام لسادة |
|
بهم يعتلي الأقوام عند التطاول |
سيعلم أهل الضغن أيي وأيهم |
|
يفوز ويعلو في ليال قلائل |
وأيهم مني ومنهم بسيفه |
|
يلاقي إذا ما حان وقت التنازل |
ومن ذا يمل الحرب مني ومنهم |
|
ويحمد في الآفاق في قول قائل |
__________________
(١) المخابل : الفاسد.
(٢) المخصل : السيف القطّاع. يقال : سيف كريم ، أي : لا يفلّ في الحرب.
فأصبح منا أحمد في أرومة |
|
تقصر منها سورة المتطاول |
كأني به فوق الجياد يقودها |
|
إلى معشر زاغوا إلى كل باطل |
وجدت بنفسي دونه وحميته |
|
ودافعت عنه بالذرى والكلاكل |
ولا شك أن الله رافع أمره |
|
ومعليه في الدنيا ويوم التجادل |
كما قد أري في اليوم والأمس جده |
|
ووالده رؤياهما خير آفل (١) |
__________________
(١) راجع المصادر التالية لتجد أكثر هذه القصيدة ، أو بعض أبياتها : خزانة الأدب للبغدادي ج ٢ ص ٥٩ ـ ٧٥ والروض الأنف ج ١ ص ١٧٤ ـ ١٨٠ وبحار الأنوار ج ٣٥ ص ١٦٥ ـ ١٦٧ والغدير ج ٧ ص ٣٣٨ ـ ٣٤٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ١٧٢ ـ ١٧٦ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٥٣ ـ ٥٧ وديوان شيخ الأبطح أبي طالب للمهزمي العبدي ص ٢ ـ ١٢ والدرة الغراء ص ١٢٠ ـ ١٣٥ ، وراجع : سيرة ابن إسحاق ص ١٥٦ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٣ ص ٣١٩ و ٣٢٠ والملل والنحل للشهرستاني ج ٢ ص ٢٤٩ وإيمان أبي طالب ص ١٨ ـ ٢٢ و ٣٧ وإرشاد الساري ج ٢ ص ٢٧ والحماسة لابن الشجري ص ١٧ و ١٨ وبلوغ الإرب للآلوسي ج ١ ص ٣٢٦ و ٣٢٧ والحجة ص ٢٩٨ وتاريخ الإسلام للذهبي ، ومجمع البيان ج ٤ ص ٢٨٨ وزهرة الأدباء للنقدي والتبيان ج ٣ ص ١٠٨ والكافي ج ١ ص ٤٤٩ وغير ذلك كثير.
القسم الثامن
من الحديبية إلى فتح مكة
الباب الأول : حتى بيعة الرضوان
الباب الثاني : عهد الحديبية .. وقائع وآثار
الباب الثالث : سرايا وقضايا بين خيبر والحديبية
الباب الرابع : دعوة ملوك الأرض
الباب الأول
حتى بيعة الرضوان
الفصل الأول : من المدينة .. إلي عسفان
الفصل الثاني : من عسفان .. إلي الحديبية
الفصل الثالث : حابس الفيل .. وحقوق الحيوان
الفصل الرابع : تعمد صنع المعجزة
الفصل الخامس : اتصالات .. ومداولات
الفصل السادس : عثمان في مكة
الفصل الأول :
من المدينة .. إلى عسفان
الحديبية : اسما وموقعا :
الحديبية بتخفيف الياء ، تصغير حدباء ، وهي اسم بئر أو شجرة ، سمي باسمها المكان الذي تقع فيه ، قرية قريبة من مكة ، أكثرها واقع في الحرم ، وهناك المسجد المعروف بمسجد الشجرة ، وبين الحديبية والمدينة تسع مراحل وبينها وبين مكة مرحلة واحدة ، أي تسعة أميال (١).
التحرك نحو الحديبية :
ومجمل الحديث في أمر الحديبية : أن النبي الأعظم «صلىاللهعليهوآله» رأى في منامه : أنه دخل مكة هو وأصحابه ، آمنين ، محلقين رؤوسهم ، ومقصرين. وأنه دخل البيت ، وأخذ مفتاحه ، وأدى عمرته ، وعرّف مع المعرفين (٢) (أي جعل على الناس عرفاء).
فلما أخبر «صلىاللهعليهوآله» أصحابه بما رأى فرحوا ، وظنوا أنهم يدخلون مكة في عامهم ذاك. ثم أخبرهم أنه يريد الخروج للعمرة ، فتجهزوا
__________________
(١) الإستبصار ج ٢ ص ١٧٧ ومعجم البلدان ج ٢ ص ٢٢٩.
(٢) راجع : تفسير مجاهد ج ٢ ص ٦٠٣ ومعاني القرآن ج ٦ ص ٥١١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣.
للسفر ، واستنفر «صلىاللهعليهوآله» العرب إلى ذلك وأهل البوادي من الأعراب حول المدينة ، من أسلم : من غفار ، وجهينة ، ومزينة ، وأسلم ، ثم خرج «صلىاللهعليهوآله» معتمرا.
وكان خروجه من منزله بعد أن اغتسل ببيته ، ولبس ثوبين ، وركب راحلته القصوى من عند بابه ، وأحرم هو وغالب من معه من ذي الحليفة ، بعد أن صلى ركعتين في المسجد هناك. وبعض أصحابه أحرم بالجحفة. ثم ركب راحلته ، من باب المسجد ، وانبعثت به وهو مستقبل القبلة.
وكان خروجه «صلىاللهعليهوآله» في ذي القعدة.
وقيل : خرج في شهر رمضان.
وخرجت أم سلمة ، وأم عمارة ، وأم منيع ، وأم عامر الأشهلية ، ومعه المهاجرون والأنصار ، ومن لحق بهم من العرب ، وأبطأ عنه كثير منهم وسلك طريق البيداء.
وساق «صلىاللهعليهوآله» معه الهدي ، سبعين بدنة. وبعد أن صلى الظهر في ذي الحليفة أشعر عدة منها ، وهي موجهات إلى القبلة في الشق الأيمن من سنامها. ثم أمر ناجية بن جندب (وفي معالم التنزيل : ناجية بن عمير) فأشعر الباقي ، وقلدهن ، أي علق برقابهن كل واحدة نعلا.
وأشعر المسلمون بدنهم ، وقلدوها.
وكان الناس سبع مائة رجل.
وقيل : ألفا وأربع مئة.
وهناك أقوال أخر سوف نشير إليها إن شاء الله تعالى.