الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٢

سبحانه في كل ما يختاره لهم ، فما معنى أن يعودوا للتمرد عليه وعلى رسوله؟! وما معنى أن يعصوا أوامره؟! وأن يشكوا في دينهم شكا لم يشكوا مثله قبل ذلك ، ولا بعده ، كما صرح به بعضهم؟!

وكيف يطيعون رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في المسير للعمرة ، ولا يطيعون أمره في الإحلال منها؟!

والذي يزيد الأمر خطورة وتعقيدا ، أن المسلمين حتى حين أحلوا وحلقوا رؤوسهم ، قد ظهر منهم أنهم كانوا مرغمين على هذا الإحلال ، حتى إنهم حين كانوا يحلقون رؤوس بعضهم كاد بعضهم أن يقتل بعضا بالجراحات ، من شدة غمهم وارتباكهم ، وعظيم غيظهم ..

ولا شك بأن قرار رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، هو السبب فيما حدث لهم من هم وغم ، وأن غضبهم كان منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حيث لم يرضوا بما رضيه الله ورسوله لهم.

فأين هذا من قول زينب صلوات الله وسلامه عليها في مناسبة ما جرى على أقدس الخلق ، وهو الإمام الحسين «عليه‌السلام» ومن معه ، وصحبه في كربلاء : «رضا الله رضانا أهل البيت».

وحين سألها ابن زياد كيف رأيت صنع الله بأخيك ، قالت : ما رأيت إلا جميلا ، وغير ذلك كثير ..

فيا ساعد الله قلب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على هذا المصاب الجلل ، الذي أظهر بوضوح : كيف أنه ما أوذي نبي بمثل ما أوذي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ومن جهة أخرى : فإن الله سبحانه قد صرح : بأن من جملة أسباب منع

١٦١

المسلمين من دخول مكة على حال الحرب ، هو وجود أناس مؤمنين في مكة ، لم يكن المسلمون يعرفون بإيمانهم ، وكان دخولهم مكة سوف يلحق الضرر بهم.

قال تعالى : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١).

مقارنة .. واستنتاج :

قد قرأنا في حديث هجرة الرسول الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أنه لما هاجر إلى المدينة ، ودخلها ، اعترض بنو سالم طريقه ، وطلبوا منه أن يقيم عندهم ، فقال لهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مشيرا إلى ناقته :

«خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة ، وقال أيضا مثل ذلك لبني بياضة ، وبني ساعدة ، وبني الحارث بن الخزرج ، وبني النجار .. فلما بركت عند باب مسجده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مربد لغلامين من بني النجار ، نزل عنها ، وبنى هناك مسجده» (٢).

__________________

(١) الآية ٢٥ من سورة الفتح.

(٢) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٣٤٣ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٦١ والبحار ج ١٩ ص ١٢٣ والغدير ج ٧ ص ٢٧٠ والثقات ج ١ ص ١٣٤ وأسد الغابة ج ٢ ص ٣٦٨ والإصابة ج ٣ ص ١٧٠ وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ١١٦ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٣٤٣ وعن عيون الأثر ج ١ ص ٢٥٥ وراجع حديث الهجرة في أي كتاب تاريخي شئت.

١٦٢

وهذا يعطي : أن هناك حيوانات لها خصوصيتها ، ولها مهماتها ، التي رصدها الله تعالى لها .. فتأتيها الأوامر بتلك المهام ، فتنفذها بدقة ، بالطرق التي يسرها لها الله تعالى.

وقد كانت ناقة الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» التي هاجر عليها ، والتي ركبها في الحديبية من هذا النوع المميز والكريم.

ويلاحظ : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لم يقل : إنها مأمورة ، بل قال : حبسها حابس الفيل ، وقصة ذلك الفيل هي التالية :

حابس الفيل :

روى أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» ما جرى بين عبد المطلب وأبرهة ، وفيه : «.. فردت عليه إبله ، فانصرف عبد المطلب نحو منزله ، فمر بالفيل في منصرفه ، فقال له : يا محمود.

فحرك الفيل رأسه.

فقال له : أتدري لم جاؤوا بك؟!

فقال الفيل برأسه : لا.

فقال عبد المطلب : جاؤوا بك لتهدم بيت ربك ، أفتراك فاعل ذلك؟!

فقال برأسه : لا.

فانصرف عبد المطلب إلى منزله ، فلما أصبحوا غدوا الخ ..» (١).

__________________

(١) البحار ج ١٥ ص ١٥٨ و ١٥٩ والكافي ج ١ ص ٤٤٦ و ٤٤٧ و ٤٤٨ وشرح أصول الكافي ج ٧ ص ١٧٩ و ١٨٠ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ٣٥٦ ونور الثقلين ج ٥ ص ٦٧٠.

١٦٣

لماذا شبهها بقضية حبس الفيل؟! :

وإن إشارته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، إلى الفيل ، وإلى حابسه تعطينا :

أولا : إن الله تعالى هو الذي تولى منعه عن دخول مكة ، وليس المانع هو الخوف من قريش.

ثانيا : لقد كان المطلوب هو أن يدخل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى مكة بصورة لا ينشأ عنها أية مشكلة .. حتى لو كان دخوله حقا له ، وحتى لو ظلموه بمنعه عن ممارسة هذا الحق ..

فالدخول الذي ينتهي بالقتال وكسر حرمة البيت مرفوض ، حتى لو كان المانع من هذا الدخول ظالما ..

وقد حبس الله الفيل ليشير إلى حرمة هذا البيت ، ولتقوم الحجة بذلك على أبرهة ومن معه الذين ينكرون حرمته ، ويسعون لإسقاطها ، حتى إذا أهلكهم الله تعالى أهلكهم عن بينة.

ثالثا : لقد كان حبس ناقة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من موجبات زيادة يقين أهل الإيمان ، ومن موجبات تعظيمهم بيت الله سبحانه ، وتأكيد حرمته في قلوبهم ..

ونوضح ذلك كما يلي :

لقد ذكرت الروايات : أنه لما بركت ناقة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وادّعى أصحابه أنها حرنت .. رد عليهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالإشارة إلى أن لكل ناقة خلقا ، وأن ذلك ليس لها بخلق ، ثم صرح : بأن السبب إلهي غيبي ، وهو : أن حابس الفيل هو الذي حبسها.

١٦٤

أهمية قصة الفيل :

ونريد أن نتوقف قليلا عند هذه الإشارة النبوية المباركة والهادية ، لنطل منها على بعض اللمحات في قضية أصحاب الفيل .. فنقول :

إن هذه القضية قد أصبحت مفصلا تاريخيا هاما لدى الإنسان العربي ، والمكي بصورة خاصة ، وقد كان لها عميق التأثير في روحه وفي وجدانه. حتى جعلها مبدءا لحساب التاريخ للمواليد ، وللأحداث الصغيرة والكبيرة ، والحقيرة والخطيرة.

وعام الفيل هو العام الذي ولد فيه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأرخ به مولده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وذلك في السابع عشر من شهر ربيع الأول.

وقد خلد القرآن هذا الحدث الفريد في سورة قرآنية ، اسمها سورة الفيل ، وهي التالية :

(بسم الله الرّحمن الرّحيم ، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ ، تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (١).

والأبابيل : هي الفرق أو الجماعات المتفرقة زمرة زمرة. وهي جمع لا واحد له ..

وطير أبابيل : أي فرق متتابعة متجمعة.

والسجيل : الطين. وقال البيضاوي : الطين المتحجر.

__________________

(١) الآيات ١ ـ ٥ من سورة الفيل.

١٦٥

موجز عن هلاك جيش أبرهة :

وملخص القضية :

أن ملك اليمن قد صمم على مهاجمة الكعبة وهدمها ، فجاء أبرهة إلى مكة في جيش كثيف ، قيل إنه حوالى ستين ألف مقاتل ، ومعه فيل أبيض عظيم الخلقة لم ير مثله ، ويقال : كان معه فيلة كثيرة أخرى أنهى بعضهم عددها إلى ألف فيل!!

وإنما أدخلوا عنصر الفيلة في جيشهم ، لأنهم يرون أن هذه الفيلة العظيمة الخلقة قادرة على عدم الجدران ، حين تنطحها برأسها ، وتقوضها بأنيابها الطويلة والبارزة. وهي أيضا مصدر تخويف وإرهاب للآخرين ، ومن وسائل إظهار الشوكة والعظمة والعزة لأصحابها ..

وحين حلّ هذا الجيش في هذه المنطقة فرّ أهل مكة إلى الجبال ، وبقي عبد المطلب. وربما شخص آخر .. فاستولى أبرهة على إبل لعبد المطلب ، فجاء عبد المطلب إليه ، فعظمه أبرهة وبجله لهيبته. لأنه كان رجلا جليلا وجميلا ومهيبا ، فطالبه بإبله ، فأظهر أبرهة أنه كان يتوقع منه أن يطالبه بالرجوع ، فمطالبته بأمر شخصي أفقده المكانة التي كانت له لديه.

فقال عبد المطلب : إنه هو رب الإبل ، وللبيت رب يمنعه.

فلما انصرف عبد المطلب مرّ على الفيل الأعظم ، فسأله إن كان يدري لماذا جاؤوا به إلى هذه الأرض ، فأشار إليه الفيل برأسه : أنه لا يعلم .. فأخبره أنهم يريدون هدم الكعبة ، فهل هو فاعل ، فأشار برأسه : أنه لا يفعل ذلك.

ثم بدأ أبرهة هجومه على مكة والحرم ، فلما وصلوا إلى الحرم امتنع

١٦٦

الفيل الأعظم من دخوله ، وبعد عدة محاولات فاشلة هاجموا ذلك الفيل بسيوفهم ، وقتلوه.

ثم جاءت من جهة البحر جماعات من الطيور تشبه طير الخطاف ، وكانت تطير قريبة من الأرض ويحمل كل واحد منها ثلاثة أحجار من الطين اليابس ، أحدها في منقاره .. والآخران في رجليه .. فلاحق ذلك الجيش ، وصار يرميهم بتلك الأحجار ، فكان الحجر يقع على رأس الرجل ، فيخرق مغفره حديدا كان أو غيره ، ويخرق الرأس والبدن ، حتى يخرج من دبر ذلك الرجل. بل يضرب الأرض ، ويحدث فيها أثرا أيضا.

عبر وعظات :

وقد ذكّر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الناس بهذا اللطف الإلهي ، وبهذه المعجزة الربانية التي تجلت فيما جرى لأصحاب الفيل .. مؤكدا بذلك العديد من الحقائق ، التي كان الناس يحتاجون إلى تلمسها بصورة حية ، وعميقة .. ومنها :

١ ـ التأكيد على معنى التوحيد ، وتعميق الاعتقاد بالله الواحد الأحد القادر ، والقاهر .. الذي لا يعجزه شيء ، ولا يلغي إرادته أحد ، مهما كان جبارا وعاتيا.

٢ ـ إبطال ما يزعمونه لأصنامهم من تأثير في حياة الناس ، مهما كان ضئيلا ، وضعيفا ، ولو على مستوى الوهم والتخيل. فإنها لا تستطيع أن تدفع عن نفسها ، ولا يمكنها منع الآخرين من تحطيمها ، ومن التصرفات المختلفة فيها .. فضلا عن أن تكون لها قدرة على سحق جبروت الجبارين ،

١٦٧

وإبطال كيد الظالمين.

٣ ـ ولابد أن يتذكر الناس كلهم قول عبد المطلب لأبرهة ، الذي هزّ كيانه ، وتطامن له كبرياؤه : إن للبيت رب يمنعه.

٤ ـ إن عبد المطلب حين انصرف من عند أبرهة مرّ بالفيل ، فقال له : يا محمود ، فحرك الفيل رأسه ، فقال له : أتدري لم جاؤوا بك؟!

قال الفيل برأسه : لا.

فقال : عبد المطلب جاؤوا بك لتهدم بيت ربك ، أفتراك فاعل ذلك؟

فقال برأسه : لا. فانصرف عبد المطلب إلى منزله (١).

إن على الناس أن يتذكروا ما قاله عبد المطلب للفيل ، حيث ناداه باسمه «محمود» ، أو وصفه بهذا الوصف. ثم امتناع ذلك الفيل عن دخول الحرم للتعرض للكعبة ، الأمر الذي اوجب انفجار غضب سائقيه عليه ، فقطعوه بسيوفهم ..

٥ ـ إن في هذا الأمر إلماحا إلى : أن موضوع الإيمان بالله ، والخضوع لإرادته ، أو التمرد عليه ، لا يختص بالبشر ، بل هو يشمل سائر مخلوقات الله تبارك وتعالى ، كما أشرنا إليه أكثر من مرة في هذا الكتاب وفي غيره ، وأوردنا له الشواهد الكثيرة من كتاب الله ، ومن النصوص عن المعصومين «عليهم‌السلام» ، ومن الوقائع التاريخية المختلفة ..

__________________

(١) نور الثقلين ج ٥ ص ٦٧٠ و ٦٧١ و ٦٧٥ والبرهان (تفسير) ج ٤ ص ٥٠٧ و ٥٠٨ وكنز الدقائق ج ١٤ ص ٤٤٦ و ٤٤٧ و ٤٣٨ و ٤٤٠ و ٤٤١ والكافي ج ١ ص ٤٤٧ و ٤٤٨ وج ٤ ص ٢١٦ وتفسير القمي ج ٢ ص ٤٤٢ ـ ٤٤٤.

١٦٨

٦ ـ قد ظهر أن عبد المطلب كان يعلم : أن الفيل يفهم ما يقول. وأنه سوف يجيبه على سؤاله ..

وكان يعلم أيضا : أن الفيل هو الذي يختار أن يفعل ، ويختار أن لا يفعل.

٧ ـ إن الأمر الذي لابد من التأمل فيه هو : أن الكثير من الناس يخاطبون الحيوانات ، ولكنها لا تجيبهم. ولنا أن نطمئن إلى أن هذا الفيل لا يجيب آنئذ غير عبد المطلب لو خاطبه ، فهل لعبد المطلب خصوصية في إيمانه؟! أو مع الله تخوله مخاطبة الحيوانات ، وتفرض عليها أن تستجيب له ، وتجيبه؟!

وما هي تلك الخصوصية؟!

أهي خصوصية النبوة التي وردت في حديث عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، مفاده : أن الله لم يزل ينقل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من صلب نبي إلى صلب نبي حتى أخرجه من أبيه عبد الله؟!

٨ ـ اللافت هنا : أن الناس كلهم قد تركوا مكة في قصة الفيل ، واعتصموا بالجبال المحيطة باستثناء عبد المطلب ، الذي أقام على سقايته ، وشيبة بن عثمان بن عبد الدار الذي أقام على حجابته (١).

ويفهم من روايات أخرى : أن عبد المطلب بقي وحده (٢).

٩ ـ ونلاحظ : أن الله تعالى لم يرسل على أصحاب الفيل ريحا صرصرا عاتية ، ولم يخسف بهم الأرض ، ولا أصابهم بصاعقة. ولا أرسل عليهم

__________________

(١) الميزان (تفسير) ج ٢٠ ص ٣٦٢ و ٣٦٣ عن مجمع البيان.

(٢) النكت والعيون (تفسير الماوردي) ج ٦ ص ٣٣٨.

١٦٩

حاصبا من السماء ، ولا أخذهم الطوفان ، ولا غير ذلك ..

كما أنه لم يرسل عليهم وحوشا ضارية ، كالأسود أو الذئاب. ولا سلط عليهم النسور والعقبان .. ولا أي طير آخر يعد في جملة الجوارح ؛ لأن ذلك كله يمكن التماس تأويلات وتفسيرات طبيعية له ، قد تضعف من درجة الوعي لمضمونه الصحيح ، وتفصل علاقته بالغيب ، وتلحق ضررا بالغا بالقناعة بأنه فعل رباني ، وتدخل إلهي مباشر.

فقد يزعم زاعم : أن الجوع والصدفة هما اللذان جمعا هذه الوحوش في هذا المكان والزمان.

وأن الطوفان قد جاء : نتيجة زلزال عظيم حدث في قاع البحر.

وأن الحاصب قد كان : نتيجة اصطدام بعض الكواكب السيارة ببعضها حتى تناثرت مكوناتها ، فوصلت إلى الأرض في هذا الموقع دون سواه حفنة قاتلة.

وأن الخسف قد حصل : بسبب تحرك أو انزلاق الصفائح الصخرية وسواها في الفجوات التي تكون عادة في أعماق الأرض.

وأن الصاعقة : عبارة عن نيازك ضلت طريقها ، فأصابت هذا الموقع أو ذاك.

وذلك كله من شأنه أن يقلل من قيمة حادثة الفيل ، أو يحدّ من تأثيرها في هداية البشر.

بل أرسل عليهم طيورا صغارا كالخطاف (١) ـ كما صرحت به النصوص ـ

__________________

(١) تفسير البرهان ج ٤ ص ٥٠٧ والصافي ج ٥ ص ٣٧٦ والكافي ج ٤ ص ٢١٦

١٧٠

تقصدهم دون سواهم من الناس الحاضرين في ذلك المحيط. وقد استطاعت أن تقضي على ذلك الجيش المجهز بكل عناصر القوة ، بوسائل بسيطة جدا لا يمكن أن تلحق أدنى أذى بالغير ، فضلا عن أن تكون سببا في قتله ، أو أن تخترق جسمه وما يلبسه من حديد ، وغيره.

ثم إن هذه الطيور الضعيفة تكرر غاراتها على أهدافها ، مرة بعد أخرى ، في إشارة ودلالة واضحة على القصد والعمد منها فيما تمارسه من فعل ، وأنها تنفذ أمرا موكلا إليها ، تعرف حدوده وآثاره ، وآفاقه بدقة.

١٠ ـ إن الطيور العادية ، لم تعرف بقدرتها على الأذى ، حتى وهي مستقرة على المواضع الصلبة .. وما شأن الأذى الذي يمكن أن تلحقه طيور عادية بمخلوق قوي كالإنسان ، خصوصا إذا كان قد تسلّح بمختلف أنواع الأسلحة ، وتدرّع بكثير من الموانع التي تجعله قادرا على مواجهة أي طارئ.

ولذلك نقول : إن هذا التأثير الخارق ، لابد أن يعطي القناعة بأن الأمر غير عادي ، وأنه أمر إلهي بكل ما لهذه الكلمة من معنى.

١١ ـ وبعد أن أصبحت هذه الطيور الصغيرة ، والضعيفة معلقة في الهواء ، تطير بين الأرض والسماء ، فإنها ستكون أضعف تأثيرا ، وأكثر وهنا ، لأنها لا تكاد تستمسك في حال طيرانها ، حين تكون في أعماق الجو ، حتى لو

__________________

ومختصر تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٦٧٧ و ٦٧٨ والبحر المحيط ج ٨ ص ٥١٢ والنهر المادي من البحر (بهامش البحر المحيط) ج ٨ ص ٥١١ وكنز الدقائق ج ٤ ص ٤٤١ والجامع لأحكام القرآن ج ٢٠ ص ١٩٢ و ١٩٦ وتفسير القاسمي ج ٧ ص ٣٩٠ ونور الثقلين ج ٥ ص ٦٧١ وحاشية الصاوي على الجلالين ج ٤ ص ٣٥٤.

١٧١

سكنت الرياح ، بل حتى لو ساعدها هبوبها ، وخف وسهل عليها التنقل في كل ساح وناح.

١٢ ـ إن هذه الطيور التي يزداد ضعفها في حال طيرانها ، لا تملك قوة تمكنها من قذف محمولاتها إلى حد تستطيع معه إلحاق الأذى بمن تصطدم به مقذوفاتها تلك ، بل هي عاجزة عن ذلك تماما ..

هذا لو قلنا : إنها تستطيع حمل ما يكون له وزن يعتد به ، خصوصا في حال طيرانها ، إذا أخذنا بنظر الاعتبار مدى فعالية الوسائل التي جهزت بها لتحقيق طيرانها هذا ..

بل إنها حتى لو استطاعت أن تقذف بما تحمله ، باتجاه أي هدف كان ، فإن طبيعة هذا المقذوف تأبى أن يكون له أي تأثير على الغير ، بل يرتد تأثيره على نفسه بتلاشيه وتفرق أجزائه.

١٣ ـ ثم إن هذه الطيور قد حملت معها أشياء لا يمكن مقارنتها بما كان لدى جيش أبرهة من وسائل الوقاية والدفاع ، أو الهجوم والاندفاع. فالطيور كانت تحمل حبات صغيرة جدا كالعدسة (١) ليست من جنس الحديد ولا الفولاذ ، ولا من الحجارة القاسية ، ولا حتى من الخشب ، أو نحو ذلك ، بل هي من الطين الذي لا يتحمل الصدمة ، بل هو الذي يتأثر بها ، ولا يؤثر بالأجسام الأخرى شيئا ، خصوصا إذا كانت أجساما صلبة كالعظام ، أو الحديد ، الذي جعل خوذة للمقاتل ، أو نحو ذلك ..

__________________

(١) تفسير البرهان ج ٤ ص ٥٠٧ والتبيان ج ١٠ ص ٤١٠ والصافي ج ٥ ص ٣٧٧ عن الكافي ، والجامع لأحكام القرآن ج ٢٠ ص ١٩٢ ونور الثقلين ج ٥ ص ٦٧١.

١٧٢

كيف وقد صرحت تلك النصوص : بأن تلك الأحجار الطينية كانت تخرق الحديد والعظام ، وكل تلك الأجسام ، من أعلى الهام لتخرج من دبره ، ثم تخرق الأرض من تحته ، على أن هذه الأحجار حتى لو كانت كبيرة وصلبة ، وحتى لو كانت حديدية أو مقذوفة من رجال أقوياء ، فإنها لا تترك هذا الأثر الذي تركته هذه الأحجار الطينية المقذوفة من عصافير في حال طيرانها.

١٤ ـ فلا مجال للمقارنة بين قدرة الطير على قذف حبة من طين وبين ما كان لدى أبرهة من عدة وعديد ، ومن عضلات وحديد ، ومن هامات وضخامات ـ على حد ضخامة فيله المسمى ب «محمود» (١) ، وهو الفيل الأعظم.

وقيل : إن الأمر لم يقتصر عليه ، بل جاء بفيلة كثيرة (٢).

__________________

(١) راجع : تفسير الجلالين (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٤ ص ٣٥٢ وحاشية الصاوي على تفسير الجلالين ج ٤ ص ٣٥٣ و ٣٥٤ و ٣٥٥ والكشاف ج ٤ ص ٧٩٧ والنكت العيون (تفسير الماوردي) ج ٦ ص ٣٤٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ٥٣ والصافي (تفسير) ج ٥ ص ٣٧٧ عن الأمالي والجامع لأحكام القرآن ج ٢٠ ص ١٩١.

وراجع : مختصر تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٦٧٦ ونور الثقلين ج ٥ ص ٦٧٠ و ٦٧١ عن الكافي ، والبرهان ج ٤ ص ٥٠٧ و ٥٠٨ وكنز الدقائق ج ١٤ ص ٤٣٨ و ٤٤٠ و ٤٤١ والكافي ج ١ ص ٤٤٧ و ٤٤٨ وج ٤ ص ٢١٦.

(٢) تفسير المراغي ج ٣٠ ص ٢٤٢ وراجع : التبيان ج ١٠ ص ٤١٠ ونور الثقلين ج ٥ ص ٥٠٨ عن قرب الإسناد وكنز الدقائق ج ١٤ ص ٤٣٨ وحاشية الصاوي على تفسير الجلالين ج ٤ ص ٣٥٣.

١٧٣

وحددها بعضهم بثمانية فيلة (١).

وقيل : باثني عشر فيلا (٢).

بل قيل : إنه جاء بألف فيل (٣) ، مع ستين ألف مقاتل.

نعم لا مجال للمقارنة بين هذا كله ، وسواه ، وبين طير ضعيف لا يملك سلاحا ظاهرا ، بل يملك ثلاث حبات فقط!! من الطين!! يعجز عن قذفها ، فيرميها ، بمعنى أنه يتركها ويتخلى عنها ، لتؤول إلى السقوط والهبوط.

١٥ ـ وكانت المعجزة الأكبر ، والبرهان الأظهر هي امتناع الفيل عن دخول الحرم رغم محاولاتهم المتكررة معه ، حتى انتهى الأمر بهم أن قتلوه بأسيافهم (٤).

وذلك يشير إلى لزوم تعظيم الكعبة وتفخيمها ، وإعزازها وتكريمها ، وذلك قضاء إلهي ، وتوجيه رباني. كما أن ذلك قد أكد في نفوس الناس هيبة الحرم والكعبة ، وتأكدت حرمتها ، وعرف الناس رعاية الله لها ، فزادها الله بهذا تشريفا وكرامة وعزا.

__________________

(١) النكت والعيون (تفسير الماوردي) ج ٦ ص ٣٤٠ والجامع لأحكام القرآن ج ٢٠ ص ١٩٣ والبحر المحيط ج ٨ ص ٥١٢ وحاشية الصاوي على تفسير الجلالين ج ٤ ص ٣٥٣ والكشاف ج ٤ ص ٧٩٧.

(٢) مختصر تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٦٧٦ والبحر المحيط ج ٥ ص ٥٠٢ وحاشية الصاوي على تفسير الجلالين ج ٤ ص ٣٥٣ و ٣٥٤ والكشاف ج ٤ ص ٧٩٧.

(٣) البحر المحيط ج ٥ ص ٥١٢ وحاشية الصاوي على تفسير الجلالين ج ٣ ص ٣٥٣ والكشاف ج ٤ ص ٧٩٧.

(٤) راجع الصافي (تفسير) ج ٥ ص ٣٧٦.

١٧٤

١٦ ـ ثم كانت النتائج الباهرة ، بانتصار الإرادة الإلهية القاهرة ، وخزي الجبارين ، وبوار كيد الظالمين وذل المستكبرين. حتى جعلهم الله عبرة للمعتبرين ، وذكرى للذاكرين والحمد لله رب العالمين.

١٧ ـ وخلاصة القول : إن ما جرى لأصحاب الفيل لا مجال لفهمه ولا لتفسيره إلا على اساس الغيب ، والرجوع إلى الله تعالى فيه .. فإنه لا ينسجم أبدا مع الشرك أو الإلحاد ، ولا مع الإنكار لقدرة الله تبارك وتعالى ، أو الانتقاص منها ، أو انتقاصها.

ثم هو يهيء الناس لقبول دعوة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، الذي ولد في عام الفيل بالذات ، حيث إن الناس قد شهدوا تلك المعجزة العظيمة ، وهم في أول وعيهم ، أو في عنفوان شبابهم ، ولا زالوا على قيد الحياة ، وصاروا هم عقلاء القوم وكبارهم ، وأصبح الأمر والنهي إليهم وبيدهم ، وهم الشيوخ المجربون والملأ المكرمون ، وهم مهما كابدوا وعاندوا ، فإنهم لا يقدرون على مواصلة هذا العناد ، والمكابرة ، أمام هذه المعرفة الوجدانية العميقة والراسخة ..

وبذلك يكون سبحانه قد سهل على الناس أمر الإيمان ، وأقام الحجة عليهم من أيسر السبل وأوضحها ، وأبين الدلالات وأصرحها.

للحيوانات أخلاق :

لا شك في أن للحيوانات أخلاقا ، وأنها تختلف فيها ، وأن اختلافها في خلقها يوجب اختلافا في سلوكها ..

ولسنا بحاجة إلى إيراد الكثير من النصوص الدالة على أن لدى الحيوانات

١٧٥

أخلاقا مختلفة ، ويكفي أن نحيل القارئ إلى ما روي عن الإمام الرضا «عليه‌السلام» أنه قال : «في الديك الأبيض خمس خصال من خصال الأنبياء : معرفته بأوقات الصلاة ، والغيرة ، والسخاء ، والشجاعة ، وكثرة الطروقة» (١).

كما أن من أخلاق الغراب الطمع ، فقد روى مهزم : أنه قال : دخلت على أبي عبد الله «عليه‌السلام» فذكرت الشيعة ، فقال : يا مهزم ، إنما الشيعة من لا يعدو سمعه صوته ..

إلى أن قال : ولا يطمع طمع الغراب (٢).

وقال «عليه‌السلام» : «تعلموا من الغراب ثلاث خصال : إستتاره بالسفاد ، وبكوره في طلب الرزق ، وحذره» (٣).

وأمثال ذلك كثير ، وهو ذائع وشائع ، والحر تكفيه الإشارة. فإن هذه حقيقة أثبتتها التجارب ، وأظهرتها الوقائع ..

أخلاق شيطانية :

هذا .. وقد ذكرت الروايات : أن بعض الحيوانات يكون ذات طبع شيطاني ، وبعضها الآخر بخلافه.

ويشهد على ذلك : أن عليا «عليه‌السلام» أمر أصحابه بأن يعقروا أو يعرقبوا الجمل الذي كانت تركبه عائشة ، وقال «عليه‌السلام» : «ما أراه

__________________

(١) الوسائل ج ٨ ص ٣٨٣ والبحار ج ٦٢ ص ٣ وكنز العمال ج ١٢ ص ٢٨٦ و ٢٨٧ و ٢٨٨.

(٢) البحار ج ٦٥ ص ١٧٩ و ١٨٤.

(٣) البحار ج ٦١ ص ٢٦٢ وج ٦٨ ص ٣٣٩ وج ١٠٠ ص ٤١ و ٢٨٥.

١٧٦

يقاتلكم غير هذا الهودج : اعقروا الجمل ـ وفي رواية ـ عرقبوه ، فإنه شيطان ..» (١).

وكان سلمان (المحمدي) قبل ذلك يضرب ذلك الجمل إذا رأه ، فيقال : يا أبا عبد الله ، ما تريد من هذه البهيمة؟

فيقول : ما هذا بهيمة! (٢) ولكن هذا عسكر بن كنعان الجني (٣).

وعن أبي جعفر «عليه‌السلام» قال : «اشتروا عسكرا بسبع مائة درهم. وكان شيطانا» (٤).

أخلاق رضية :

وقد ذكر أهل المعرفة بالخيل أمورا كثيرة عن أخلاقها ، وتصرفاتها ، ومع غض النظر عن ذلك كله ، فإن الروايات قد تحدثت عن : أن

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٣٤٦ والبحار ج ٣٢ ص ١٨٢ و ٢٠١ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٣٢٤ ورسائل المرتضى للشريف المرتضى ج ٤ ص ٣٦ وراجع : أمالي المفيد ص ٥٩ والإحتجاج للطبرسي ج ١ ص ٢٤٠ والبحار ٣٢ ص ١٨٧ وص ٢٠١ وج ٦٠ ص ٣٢٨ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١ ص ٢٥٣ والمناقب للخوارزمي ص ١٨٨ والأنوار العلوية للنقدي ص ٢٢٠ و ٢٠٧.

(٢) راجع : البحار ج ٢٢ ص ٣٨٢ عن اختيار معرفة الرجال ص ٩ ومستدرك سفينة البحار ج ٧ ص ٢٢٠.

(٣) راجع : البحار ج ٢٢ ص ٣٨٢ وج ٣٢ ص ١٤٧ واختيار معرفة الرجال (ط مؤسسة أهل البيت) ج ١ ص ٥٨ ومعجم رجال الحديث ج ٩ ص ٢٠٠.

(٤) البحار ج ٢٢ ص ٣٨٣ عن اختيار معرفة الرجال ص ١١ والبحار ج ٣٢ ص ١٤٧ ومستدرك سفينة البحار ج ٧ ص ٢٢٠.

١٧٧

للحيوانات التي كانت عند المعصومين «عليهم‌السلام» آدابا وأخلاقا ، وتصرفات مميزة ، وفريدة ، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة جدا.

ومن أمثلة ذلك : ما رواه هارون بن موسى ، فقد قال : كنت مع أبي الحسن «عليه‌السلام» في مفازة ، فحمحم فرسه ، فخلى عنه عنانه ، فمر الفرس يتخطى إلى أن بال وراث ورجع ، فنظر إليّ أبو الحسن ، وقال : إنه لم يعط داود شيئا إلا وأعطي محمد وآل محمد أكثر منه (١).

تفاوت درجاتها في الشعور والإدراك :

ونلاحظ أيضا : أن للبهائم درجات متفاوتة من حيث مستويات شعورها ، وإدراكها ، غير أن هناك أمورا تشترك فيها جميع الحيوانات.

فقد روي عن الحسين بن علي «عليه‌السلام» ، أنه قال : «ما بهمت البهائم منه ، فلم تبهم عن أربعة : معرفتها بالرب تبارك وتعالى ، ومعرفتها بالموت ، ومعرفتها بالأنثى والذكر ، ومعرفتها بالمرعى الخصب (٢). وسيأتي

__________________

(١) البحار ج ٤٩ ص ٥٧ وج ٢٧ ص ٢٧٠ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ١٧٤ والإختصاص ص ٢٩٩ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ٤٤٧ ومسند الإمام الرضا ج ١ ص ٢٠٥.

(٢) البحار ج ٦١ ص ٥٠ و ٥١ و ٣ والكافي ج ٦ ص ٥٣٩ والوسائل ج ٨ ص ٣٥٠ و ٣٥١ و ٣٥٢ و ٣٥٣ و ٣٥٤. وراجع : من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٢٨٨ والأمالي للشيخ الطوسي ٥٩٤ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٠٠ والخصال ص ٢٦٠ ومستدرك سفينة البحار ج ١ ص ٤٤٦ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٠٤ والتفسير الكبير للرازي ج ١٢ ص ٢١٢ والفصول المهمة ج ٣ ص ٤٠١.

١٧٨

المزيد مما يدل على ذلك إن شاء الله.

وقد صرح القرآن الكريم بحشر الوحوش ، فقال : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) ، وصرحت الروايات : بأن الله حين يحشر الحيوانات يوم القيامة سوف يقتص للجماء من القرناء (١).

والحشر ، والإقتصاص إنما يكون من المذنب المدرك.

ثم إن علمها بموتها وإن كان يستلزم وجود درجة من الشعور والإدراك لديها ، ولكنه يبقى محدودا ، وليس في مستوى ما لدى البشر من ذلك.

فقد روي عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعن علي «عليه‌السلام» : «لو تعلم البهائم من الموت ما يعلم ابن آدم ما أكلتم سمينا قط» (٢).

__________________

(١) راجع : البحار ج ٦١ ص ٤ و ٦ وج ٧ ص ٢٥٦ و ٢٥٧ و ٢٧٢ و ٩٠ و ٩١ و ٩٢ و ٢٧٦ وج ٤٦ ص ٧٦ وج ٥٨ ص ٤ و ٦ وراجع : تفسير المنار ج ٧ ص ٣٩٧ وجامع البيان ج ٧ ص ١٢٠ وتفسير الثعالبي ج ١ ص ٥١٨ ونور الثقلين ج ١ ص ٥٩٢ والدر المنثور ج ٣ ص ١١ والتفسير الكبير للرازي ج ١٢ ص ٢١٨ والمجازات النبوية ص ٩٩ وشرح أصول الكافي ج ١٠ ص ١٨٧ ومجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٥٢ والرحلة في طلب الحديث ١١٧ وشرح النهج للمعتزلي ج ٩ ص ٢٩٠ ومجلس في حديث جابر ص ٤١ وكشف الخفاء ج ٢ ص ٣٩٩ والتبيان ج ١٠ ص ٢٥٠ ومجمع البيان ج ٤ ص ٤٩ وج ١٠ ص ٢٤٩ و ٢٧٧ وج ٣ ص ٢٩٧ وتفسير القرآن للصنعاني ج ٢ ص ٢٠٦ وزاد المسير ج ٣ ص ٢٦ والجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ٤٢٠ وج ١٩ ص ٢٢٩ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٣٦ وتفسير الجلالين ص ١٦٧ وفتح القدير ج ٥ ص ٣٨٨ والمستدرك للحاكم ج ٢ ص ٣١٦.

(٢) راجع : البحار ج ٦١ ص ٤٦ و ٥١ عن من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٢٧ و ١٨٨ ـ

١٧٩

كما أن مما يشير إلى وجود درجة من الإدراك لدى الحيوانات ، ما حكاه الله تعالى عن الهدهد وعن النملة مع سليمان ، فقد قال تعالى :

(.. قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ، فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ..) (١).

وقال تعالى عن الهدهد :

(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ ، لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ، فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ، إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ ، وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ ، أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ ، اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ ، اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ ، قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ

__________________

ـ وميزان الحكمة ج ٤ ص ٢٩٧٢ ومسند الشهاب ج ٢ ص ٣١٤ والجامع الصغير ج ٢ ص ٤٣٠ وكنز العمال ج ١٥ ص ٥٥٢ و ٥٧٠ وفيض القدير ج ٥ ص ٤٠٠ وكشف الخفاء ج ٢ ص ١٥٤.

(١) الآيتان ١٩ و ٢٠ من سورة النمل.

١٨٠