الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٢

محارب بنخل (١).

وبعد ما تقدم نقول :

كيف يصح قول مجاهد : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صلى صلاة الخوف بعسفان ، والمشركون بضجنان ، «فلم يصل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صلاة الخوف قبل يومه ولا بعده»؟! (٢).

وكيف يمكن الاطمئنان إلى صحة ما ورد في تلك الرواية ، من أن صلاة الخوف قد نزلت في غزوة الحديبية سنة ست؟!

ثامنا : إننا إذا أردنا أن نلزم هؤلاء الناس بما ألزموا به أنفسهم ، فإننا نقول :

إنهم هم أنفسهم قد صرحوا : بأن صلاة الخوف قد نزلت في السنة السابعة (٣) ، أي بعد غزوة الحديبية ، بسنة. فما معنى دعواهم هنا : أنها شرعت ونزلت الآية في غزوة الحديبية ..

تاسعا : إن دعواهم : أن صلاة العصر كانت أحب إلى المسلمين من

__________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٢١٣ عن الدارقطني وص ٢١٤ عن ابن جرير ، وابن أبي شيبة.

(٢) الدر المنثور ج ٢ ص ٢١٤ عن ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، والمصنف لابن أبي شيبة ج ٢ ص ٣٥٠.

(٣) الدر المنثور ج ٢ ص ٢١٤ عن أحمد ، ومسند أحمد ج ٣ ص ٣٨٤ وعن صحيح البخاري ج ٥ ص ٥١ ومجمع الزوائد ج ٢ ص ١٩٦ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٣٢٤ ومسند ابن راهويه ج ١ ص ٣١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٨١ وج ٨ ص ٢٥٢ وج ٨ ص ٢٥٢ وج ١٢ ص ٦٣.

١٤١

أنفسهم وأبنائهم ، لم نجد ما يثبتها في التاريخ العملي ، الذي يمكّن خالدا من انتزاع هذه الصورة عنهم ، والتصريح بها أمام جيشه ..

يضاف إلى ذلك : أنه إذا كانت آية : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ..) هي المنشأ لما قاله عن صلاة العصر ، فإننا نقول :

إن المروي عن أهل البيت «عليهم‌السلام» هو : أن المقصود بالصلاة الوسطى هو : صلاة الظهر (١).

وإذا أخذنا بالرواية التي تقول : إن الإمام الصادق ، وكذلك الإمام الباقر «عليهما‌السلام» قد قرأ : «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ، وصلاة العصر ، وقوموا لله قانتين» (٢).

فأضاف «عليه‌السلام» كلمة «وصلاة العصر» لأجل التفسير والبيان ، وربما ليعلمنا : بأن هذا التفسير قد أنزله الله تعالى ، وليس قرآنا ، بل هو بمثابة الحديث القدسي ، الذي هو من عند الله تعالى ، ولكنه ليس من القرآن ..

فنقول :

إن هذه الرواية تجعل صلاة الظهر في مستوى صلاة العصر ، فما معنى كونها أحب إلى المسلمين من أنفسهم وأبنائهم؟!.

الرواية الأقرب إلى الاعتبار :

ولعل الرواية الأقرب إلى الإعتبار هي : تلك التي رواها علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» :

__________________

(١) راجع : تفسير البرهان ج ١ ص ٢٣٠ و ٢٣١.

(٢) تفسير البرهان ج ١ ص ٢٣١ عن تفسير القمي والعياشي.

١٤٢

أنها نزلت لما خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى الحديبية ، يريد مكة.

فلما وقع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس ، كمينا ، يستقبل رسول الله ، فكان يعارض النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الجبال.

فلما كان في بعض الطريق ، وحضرت صلاة الظهر ، فأذن بلال ، فصلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالناس ، فقال خالد بن الوليد : لو كنا حملنا عليهم ، وهم في الصلاة لأصبناهم ، فإنهم لا يقطعون صلاتهم ، ولكن تجيء لهم الآن صلاة أخرى ، وهي أحب إليهم من ضياء أبصارهم ، فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا عليهم.

فنزل جبرئيل «عليه‌السلام» على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بصلاة الخوف في قوله : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ ..) الآية (١).

فليس في هذه الرواية أي شيء مما أوجب الإشكال على الرواية الأخرى التي ناقشناها آنفا .. سوى هذه العبارة الأخيرة ، التي قد يفهم منها أن الآية قد نزلت وأن تشريع صلاة الخوف قد حصل في هذه المناسبة .. مع أن هناك رواية عن أهل البيت «عليهم‌السلام» تصرح : بأن ذلك قد كان في غزوة ذات الرقاع (٢).

ويمكن تجاوز هذا الإشكال إذا كان المراد : أن جبرئيل «عليه‌السلام» قد نزل على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأخبره بنية المشركين ، وأن

__________________

(١) البرهان (تفسير) ج ١ ص ٤١١.

(٢) راجع البرهان (تفسير) ج ١ ص ٤١١ ومن لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٢٩٣ ووسائل الشيعة ج ٥ ص ٤٧٩ والكافي ج ٣ ص ٤٥٦ وتهذيب الأحكام ج ٣ ص ١٧٢.

١٤٣

تكليفك يا محمد الآن هو : أن تعمل بالآية المباركة التي أنزلناها عليك في غزوة ذات الرقاع .. وليس المراد أن تشريع هذه الصلاة قد بدأ في الحديبية.

ولكن يبقى التساؤل الذي سجلناه حول قول خالد ، عن صلاة العصر : إنها أحب إليهم من ضياء عيونهم .. فما هذه الخصوصية لصلاة العصر ، ومن الذي عرّف خالدا هذا الأمر عن المسلمين. هذا ما لم نستطع أن نهتدي إلى وجهه. والله هو العالم بالحقائق.

إتساع الثنية للمسلمين :

وقد لو حظ : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أوضح للناس ، أو أظهر في العديد من المواضع : الرعاية الغيبية لهم ، وأخبرهم بالعديد من القضايا التي لا تعرف إلا بالإخبار الإلهي ، والتوقيف .. مثل ما تقدم ، من أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أخبر المسلمين : أن قريشا لن ترى نيرانهم حين جاوز ثنية ذات المرار ، وقد تقدم الحديث عن أن ثنية الحنظل قد اتسعت للمسلمين ، فكانت فجاجا لاحبة (أي واسعة) ، بعد أن كانت ضيقة مثل الشراك.

وأن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ذكر لهم : أن هذه الثنية مثل باب حطة لبني إسرائيل ، وأخبرهم عن رجل لم يكن من المسلمين ، وهم يظنونه مسلما مثلهم ، وهو موجود بينهم. وغير ذلك مما تقدم.

فإن ذلك كله وسواه مما ذكرناه في الفصل السابق ومما سيأتي ، ما هو إلا توطئة للتقليل من وقع المفاجأة التي سوف يسقط فيها الكثيرون ، وذلك حين يظهر لهم : أنه سوف لن يدخلوا المسجد في عامهم هذا .. وأنهم قد أخطأوا حين ظنوا : أن ما أخبرهم به النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سوف

١٤٤

يتحقق في نفس هذا المسير ..

وقد فاجأهم هذا الأمر ، إلى حد : أنهم امتنعوا من طاعة أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالإحلال في مواضعهم ، والتأهب للعودة كما سنرى ..

ولعله لولا ما رأوه من مزيد عناية الله تعالى بهم ، ومن معجزات وكرامات إلهية لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لتجاوز الأمر حدود الشك إلى ما هو أعظم وأدهى ، وأشر وأضر على دينهم ويقينهم.

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عارف بالأمور ويستعين بالعارفين :

تقول النصوص : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الذي أخبرهم بأن خالد بن الوليد قد وصل في خيل لقريش إلى الغميم ـ طليعة لقريش ـ ولم يظهر من إخباره هذا أنه قد تلقى ذلك من العيون .. وإن كان ذلك محتملا ـ ثم إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد سلك طرقا معينة استطاع باختياره لها أن يفاجئ خالد بن الوليد ، حتى لتقول الرواية : «فو الله ، ما شعر بهم خالد ، حتى إذا هم بقترة ـ أي بغبار ـ الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش».

وهذه المفاجأة من شأنها أن ترهب خالدا ومن معه ، وأن تربكهم بحيث يفلت زمام المبادرة من يدهم ..

وقد ظهر مما تقدم : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان عارفا بالمسالك ، مطّلعا على المفاوز ، بأسمائها ومواصفاتها ، فهو يأمر أصحابه بسلوك فجاج معينة ، ويوجه مسيرتهم في اتجاهات محددة ، ولكنه مع ذلك يطلب من بريدة أن يكون هو الدليل للناس. ويحمل هذا التصرف من الدلالات والمعاني ما لا يخفى ..

١٤٥

هل كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رحيما بالمشركين؟! :

لكن رواية سلوك المسلمين إلى ثنية ذات الحنظل قد تضمنت فقرة نرى أنها مقحمة في الرواية ، لأسباب لا تخفى ، فقد قالت الرواية : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لأصحابه :

اسلكوا ذات اليمين بين ظهور الحمض ، فإن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة.

«كره رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يلقاه ، وكان بهم رحيما».

ونقول :

صحيح أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان رحيما ، ولكن بالمؤمنين. أما المشركون المحاربون لله ولرسوله ولدينه ، فالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان شديدا عليهم. ولا يتساهل معهم ، إلا بمقدار ما يكون ذلك ضروريا لدفع أذاهم عن أهل الإيمان ، وتأليفهم على الإسلام. وقد وصف تعالى المؤمنين بقوله : (.. أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ..) (١).

فما معنى حشر هذه الكلمة المنسوبة إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في هذا الموضع؟!

ثم إن من الواضح : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يأت قريشا محاربا ، وإنما جاء معتمرا ، محرما ، فلا مكان للحديث عن الرحمة لقريش ..

كما أن الاستفادة من عنصر المفاجأة من شأنه أن يسقط مقاومة العدو ، ويضيّع عليه فرصة تسديد ضربته ، ويجعله في حالة ضياع وارتباك. ومن

__________________

(١) الآية ٢٩ من سورة الفتح.

١٤٦

شأن هذا : أن يحفظ للمسلمين هيبتهم وقوتهم ، وهيمنتهم ، ويصون لهم سلامتهم.

ومن جهة ثالثة : إن خالدا ومن معه ـ أنفسهم ـ كانوا يعرفون أن لقاء المسلمين في ساحة الحرب لن يكون في مصلحتهم ، خصوصا بملاحظة الفارق الكبير في حجم القوة فيما بين الفريقين ، فإن المسلمين كانوا أضعاف المشركين ، وفيهم علي «عليه‌السلام» الذي عرفوه في بدر ، وفي أحد ، والخندق ، و.. فهل تراهم يجازفون بأرواحهم في مثل هذه الأحوال؟!

إن غاية ما تستطيع هذه الطليعة فعله هو مشاغلة المسلمين لبعض الوقت ، وإعاقة حركتهم إلى أن تأتي قريش وحلفاؤها إلى نجدتها ..

بنو إسرائيل ، وباب حطة :

وقد رووا أيضا : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أعطى ثنية ذات المرار صفة باب حطة الذي كان لبني إسرائيل ، وأن من يصعدها يحط عنه ما يحط عن بني إسرائيل. وأنه لا يجوز أحد في تلك الليلة هاتيك الثنية إلا غفر له .. وأنه قد غفر للركب أجمعين إلا رويكبا واحدا على جمل أحمر الخ ..

ونقول :

إن لنا تساؤلات ههنا لا بد من طرحها ، نذكر منها ما يلي :

١ ـ لقد قال تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ، فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ

١٤٧

ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١).

وقد أخبر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أن كل ما كان في الأمم السالفة سيكون في هذه الأمة مثله.

وفي نص آخر : لتركبن سنن من كان قبلكم ، حذو القذة بالقذة ، ومطابق النعل بالنعل ، حتى لو دخل أولئك جحر ضب لدخل هؤلاء فيه.

وفي بعض الروايات : لا تخطئون طريقهم ، ولا يخطئكم سنة بني إسرائيل (٢).

__________________

(١) الآيتان ٥٨ و ٥٩ من سورة البقرة.

(٢) راجع هذه الأحاديث في : البحار ج ٥ ص ٢٢ وج ١٣ ص ١٨٠ وج ٢٢ ص ٣٩٠ وج ٢٤ ص ٣٥٠ وج ٢٨ ص ٧ و ٣٠ و ٢٨٢ و ٢ وج ٢٩ ص ٤٥٠ وج ٣٦ ص ٢٨٤ وج ٥١ ص ٢٥٣ وج ٥٢ ص ١١٠ وج ٥٣ ص ٧٢ و ١٤١ والتاج الجامع للأصول ج ١ ص ٤٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٩٣ وإعلام الورى ج ٢ ص ٩٣ والسيرة النبوية ج ٣ ص ٦١٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٤ واللمعة البيضاء ص ٣٩٦ ودعائم الإسلام ج ١ ص ١ والإيضاح ص ٤٢٦ والمسترشد ص ٢٢٩ وأمالي المفيد ص ١٣٥ والصراط المستقيم ج ٣ ص ١٠٧ ومستدرك سفينة البحار ج ٥ ص ١٨٥ وراجع : المستدرك للحاكم ج ٤ ص ٤٥٥ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ٢٦١ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٦٣٤ وشرح النهج للمعتزلي ج ٩ ص ٢٨٦ والجامع الصغير ج ٢ ص ٤٠١ وكنز العمال ج ١١ ص ١٣٤ وتفسير العياشي ج ١ ص ٣٠٣ ومجمع البيان ج ٧ ص ٤٠٥ وج ١٠ ص ٣٠٨ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٢٦ ونور الثقلين ج ١ ص ٦٠٦ ومسند أحمد ج ٣ ص ٧٤ والإعتصام بالكتاب والسنة ج ٨ ص ١٥١ و ٥٧ والميزان (تفسير) ج ٢ ص ١٠٨ وج ٣ ص ٣٨٠ وتفسير القرآن للصنعاني ج ٢

١٤٨

وفي رواية أخرى : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما خرج إلى خيبر (وفي حديث إلى حنين) مر على شجرة ، يقال لها : ذات أنواط ، يعلقون عليها أسلحتهم.

فقالوا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.

فقال لهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : هذا كما قال قوم موسى : اجعل لنا آلهة كما لهم آلهة. والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم (١).

وهذا معناه : أن موضوع باب حطة المذكور هنا سيقع مشابها لما كان في بني إسرائيل ، حيث تذكر الروايات : أن بني إسرائيل قد أخطأوا خطيئة ، فأحب الله أن ينقذهم منها ، إن تابوا ، فقال لهم :

إن انتهيتم إلى باب القرية ، فاسجدوا وقولوا حطة. تنحط عنكم خطاياكم.

__________________

ص ٢٣٥ والجامع لأحكام القرآن ج ٧ ص ٢٧٣ وج ٨ ص ٩٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٣٦٤ وج ٤ ص ٥٢٣ والدر المنثور ج ٦ ص ٥٦ والتاريخ الكبير ج ٤ ص ١٦٣ والثقات ج ٦ ص ١٩١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٢ والعبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج ٢ ق ٢ ص ٤٦.

(١) عولي اللآلي ج ١ ص ٣١٤ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٢٦٦ ومسند أحمد ج ٥ ص ٢١٨ وصحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٩٤ والصراط المستقيم ج ٣ ص ١٠٧ وسنن الترمذي ج ٣ ص ٣٢٢ وسنن أبي داود الطيالسي ص ١٩١ والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ٣٦٩ ومسند الحميدي ج ٢ ص ٣٧٥ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٦٣٤ والسنن الكبرى للنسائي ج ٦ ص ٣٤٦ ومسند أبي يعلى ج ٣ ص ٣٠ والمعجم الكبير للطبراني ج ٣ ص ٢٤٣ و ٢٤٤ والبيان في تفسير القرآن ص ٢٢١ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٩٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦١٦.

١٤٩

فأما المحسنون ، ففعلوا ما أمروا به.

وأما الذين ظلموا فزعموا : «حنطة حمراء» الخ .. (١).

أي أنهم بدل أن يقولوا : حطة.

قالوا : حنطة حمراء ، تجاهلا واستهزاء.

والمراد بقولهم : «حطة» هو : حط عنا ذنوبنا يا الله.

وتطبيق ذلك على أصحاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الحديبية ، معناه : أن جماعة الخلص من المؤمنين هم الذين أطاعوا الله ورسوله في قضية الحديبية ، أما الذين ظلموا فبدّلوا قولا غير الذي قيل لهم ، ولم يقبلوا ما جاءهم به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، واستخفوا به. فإعطاء وسام المغفرة للجميع لا يتلاءم مع ما أخبر الله ورسوله به من أن قوم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سوف يفعلون مثل فعل بني إسرائيل ..

٢ ـ إن من الواضح : أن مجرد مسيرهم وفق دلالة الدليل ، ووصولهم إلى ثنية المرار لا يكفي لاعتبار ذلك بمثابة باب حطة. بل هذا بمثابة خروج بني إسرائيل من أرض التيه ، ونجاتهم منها ..

__________________

(١) البحار ج ٩ ص ١٨٥ وج ١٣ ص ١٨٠ و ١٨١ و ١٨٣ و ١٨٧ عن قصص الأنبياء وراجع : مجمع البيان ج ١ ص ١١٨ ـ ١٢٠ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٣١٤ وفتح الباري ج ٨ ص ٢٢٩ وتفسير الإمام العسكري ص ٢٦٠ و ٥٤٥ ومجمع البيان ج ١ ص ٢٣٠ وجوامع الجامع ج ١ ص ١٨٠ والتفسير الصافي ج ١ ص ١٣٦ والتفسير الأصفى ج ١ ص ٣٩ وكنز الدقائق ج ١ ص ٢٥٥ وجامع البيان ج ١ ص ٤٣٣ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ١٠٣ والدر المنثور ج ١ ص ٧١ والبداية والنهاية ج ١ ص ٣٧٩ وقصص الأنبياء للجزائري ص ٢٩٩.

١٥٠

فلا بد أن يتعرضوا لا متحان يشبه ما تعرض له بنو إسرائيل ، فإذا اجتازوه ، استحقوا المغفرة للخطايا ، تماما كما استحقها الذين أمروا بأن يدخلوا باب حطة سجدا ، وأن يطلبوا حط الذنوب عنهم. وهذا ما لم يحصل من المسلمين بعد ، فلماذا يبادر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ويمنحهم هذه المغفرة؟! في حين أن المغفرة تحتاج إلى التوبة ، ولم يظهر منهم بعد الذنب ، ما يدل على التوبة ، أو يشير إليها.

٣ ـ لقد كان بين المسلمين أيضا أناس من المنافقين ، وقد اعتبروا عبد الله بن أبي كان رأسهم وقد حضر أيضا الحديبية ، فهل غفر الله له أيضا؟! كما هو صريح العبارة المؤكدة على أن المغفرة قد نالت كل الحاضرين بدقة تامة ، باستثناء رجل واحد ، هو راكب الجمل الأحمر؟!

ويدل على حضور ابن أبي في غزوة الحديبية قولهم : إن قريشا بعثت في الحديبية إلى أبي بن سلول ، إن أحببت أن تدخل فتطوف في البيت ، ففعل ، فقال له ابنه عبد الله : يا أبت أذكرك الله ألا تفضحنا في كل موطن ؛ تطوف ، ولم يطف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

فأبى حينئذ ، وقال : لا أطوف حتى يطوف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وفي لفظ : إن لي في رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أسوة حسنة.

فلما بلغ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» امتناعه (رض) أثنى عليه بذلك (١).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨ وستأتي بقية المصادر لذلك إن شاء الله تعالى.

١٥١

كما أن الجد بن قيس كان في ذلك الجمع أيضا. وكان يرمى بالنفاق ، وقد قالوا : إنه نزل في حقه في غزوة تبوك ما يدل على نفاقه.

بل هم يقولون : إنه حين جرت بيعة الرضوان تخلف عنها ، ولم يتخلف عنها غيره.

قال بعض من حضر : كأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته ، يستتر بها من الناس (١).

فلماذا لم يستثنه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ممن غفر له من الحاضرين في الحديبية؟!

بل إننا نلاحظ : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، قد أخذ البيعة في الحديبية من بعض من حضر ثلاث مرات .. أو مرتين كما كان الحال بالنسبة لسلمة بن الأكوع وغيره ..

والبعض .. وإن كان يعتبر ذلك فضيلة لسلمة ، ويظنه تنويها بشجاعته التي أظهرها في غزوة ذي قرد ..

إلا أننا نشك كثيرا في صحة هذا التعليل ، فإنهم يقولون : إن كثيرين من الصحابة كانوا أفضل من ابن الأكوع ، ولأجل ذلك هم لا يرضون بتفضيل ابن الأكوع على ما يدّعون أنهم العشرة المبشرون بالجنة ، وهم يرون : أن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا «عليه‌السلام» ، أفضل من سلمة بن الأكوع بمراتب.

وأما شجاعة سلمة .. فلا شك في أنها لا تصل إلى مستوى شجاعة أبي

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧ وستأتي مصادر أخرى لذلك إن شاء الله.

١٥٢

دجانة ، أو زيد بن حارثة ، أو ابن رواحة ، أو الزبير ، أو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه‌السلام». فلماذا خصه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأخذ البيعة منه ثلاث مرات دون هؤلاء ، ودون غيرهم ، من أصحاب المواقف المشهورة؟!

على أننا قد قدمنا : أن ما يذكرونه عنه في غزوة ذي قرد لا يصح ، والشواهد كلها على خلافه ..

من أجل ذلك كله وسواه نقول : إننا لا نجد تفسيرا مقبولا أو معقولا لطلب البيعة منه أكثر من مرة. إلا أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يتخوف من نكثه ، فأراد أن يحرجه بذلك أمام المئات من صحابته .. وأن يشير له : بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عالم بدخيلة نفسه ، فعليه أن يلزم حده ، ويقف عنده.

١٥٣
١٥٤

الفصل الثالث :

حابس الفيل .. وحقوق الحيوانات

١٥٥
١٥٦

بداية :

لسوف نتحدث في هذا الفصل عن الاختيار الإلهي لموضع الحديبية ، وحبس الله ناقة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هناك ، ومنعها من مواصلة سيرها ، ثم نتبع ذلك بفصول تعنى بمتابعة الأحداث التي سبقت ورافقت ولحقت كتابة المعاهدة المعروفة ب «صلح الحديبية» .. التي اعتبرها الله سبحانه فتحا مبينا ، ونصرا مؤزرا ..

وسوف نحاول أن لا يكون حديثنا ذا اتجاه واحد ، أي أننا لا نريد أن نستغرق في بيان الحيثيات ، والدوافع ، والنتائج السياسية لمعاهدة الهدنة ، كما أننا لا نريد الاكتفاء بسرد الأحداث ، وفقا لما ورد في الروايات الحديثية والتاريخية .. بل نريد أن نعزز ذلك أيضا بالإشارة إلى كل ما يستفاد من حركة الأحداث التي سبقت ، ورافقت ، ثم لحقت هذا الحدث الهام. سواء في ذلك ، ما له مساس بالنواحي العقائدية ، أم السلوكية ، أم التاريخية ، وغير ذلك.

بالإضافة إلى محاولة كشف مواقع الزيف والتزوير في المواضع المختلفة ، بالمقدار الذي يسمح به المجال.

فمن أجل ذلك نورد بعض النصوص المتوفرة لدينا وفق ما هي عليه في مصادرها.

١٥٧

ثم نعقب ذلك ببعض التوضيحات ، أو التصحيحات ، أو الإثارات التي نحسب أنها ستكون مفيدة وسديدة إن شاء الله تعالى ..

فنقول :

خلأت القصواء :

قالوا : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سار من المدينة ، فلما دنا من الحديبية وقعت يدا راحلته على ثنية تهبط في غائط القوم (١) ، فبركت راحلته ، فقال ـ وفي رواية : فقال الناس ـ : حل ، حل.

فأبت أن تنبعث ، وألحت ، فقال المسلمون : خلأت القصواء (٢).

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : ما خلأت القصواء ؛ وما ذاك لها بعادة.

وفي لفظ : بخلق. ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة.

ثم قال : والذي نفس محمد بيده ، لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم إياها.

ثم زجرها ، فقامت ، فولى راجعا عوده على بدئه.

وفي رواية : فعدل عنهم ، حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد ، ظنون ، قليل الماء الخ .. (٣).

__________________

(١) الغائط : المكان المطمئن الواسع.

(٢) خلأت الناقة : يراد : أنها حرنت ، كما تحرن الفرس.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١ و ١٢ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) (ط دار الكتاب العربي) ص ٣٦٧ والسيرة النبوية ـ

١٥٨

ونقول :

إن لنا هنا وقفات ، هي التالية :

الحجة البالغة :

لقد ظهرت لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مسيره هذا معجزات ، وكرامات إلهية وقد رآها ، وعاش أجواءها جميع الذين كانوا معه في ذلك المسير ، وكلها تدل : على أن الله تعالى يرعى نبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ،

__________________

ـ لدحلان ج ٢ والمنتظم ج ٣ ص ٢٦٨ وجوامع السيرة النبوية ص ١٦٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج ٢ ق ٢ ص ٣٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٢٤ والمواهب اللدنية (ط دار الكتب العلمية) ج ١ ص ٢٦٧ و ٢٦٨ وفي هامشه عن سنن أبي داود رقم الحديث ٢٧٦٥ ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٢٣ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢١٢ و ٥٩١ والجامع لأحكام القرآن ج ١٦ ص ٢٧٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣١٤ و ٣١٥ والكامل في التاريخ ج ٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٩٦ وعن صحيح البخاري ج ٣ ص ١٧٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٢١٨ وعن فتح الباري ج ٨ ص ٢٤٣ وعون المعبود ج ٧ ص ٣١٦ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٣٢ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥١٣ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ٢١٨ والمعجم الكبير ج ٢٠ ص ١٠ وكنز العمال ج ١٠ ص ٤٨٤ و ٤٨٩ وإرواء الغليل ج ١٠ ص ٥٥ ومجمع البيان ج ٩ ص ١٩٥ وتفسير الميزان ج ١٨ ص ٢٦٥ وجامع البيان ج ٢٦ ص ١٢٧ وزاد المسير ج ٧ ص ١٦٠ والدر المنثور ج ٦ ص ٧٦ والثقات ج ١ ص ٢٩٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٧ ص ٢٢٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٩٨.

١٥٩

ويسدده في ما هو بصدده ، وهي تقطع لمن كانوا معه ، ولغيرهم كل عذر ، وتزيل عنهم كل شبهة وريب ، وتفرض عليهم التسليم والانقياد له «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ولكن ما جرى لناقة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حسبما ذكرناه آنفا ، قد جاء ليعالج الأمر بطريقة مختلفة ، وضعت فيها النقاط على الحروف ، وانتقل من التلميح إلى التصريح ، في نفس الأمر الذي عصاه فيه أصحابه «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فإن الفيل الذي حبس ، في قضية أبرهة عند دخول مكة يستجيب لأمر حابسه ، وهو الله سبحانه ، كما أن أمر الله هو الذي حبس ناقة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن الاستمرار في السير لدخول مكة فكان ما أراه سبحانه ..

فما معنى إصرار أصحابه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الدخول في أمر تدخّل الله مباشرة لمنعه ، وإلغائه .. فإن هذا الإصرار منهم يدخل تصرفهم هذا في عداد التمرد السافر على الله تعالى ، بعد البيان الصادق ، والتأكيد المتلاحق ، تلميحا تارة ، وتصريحا أخرى ، بالقول وبالعمل والممارسة ..

وهذا معناه : أنه لم يكن هناك أي مبرر لامتناع الأصحاب عن إطاعة أمر الله تعالى لهم بالإحلال من إحرامهم ، بالحلق أو التقصير ، والرجوع ، حتى انتهى الأمر ، بافتضاح المتمردين على أمر الله ورسوله أيما فضيحة ..

ويزيد من قباحة فعلهم هذا : أنهم بإحرامهم للعمرة إنما يعلنون ، بصورة عملية : أنهم بصدد طاعة الله سبحانه ، وأنهم زاهدون في هذه الدنيا ، ولا تهمهم أنفسهم ، وأنهم تائبون من كل ما بدر منهم من ذنوب ، مستسلمون إلى الله

١٦٠