الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٢

١
٢

٣
٤

الفصل الخامس :

بعوث وسرايا قبل خيبر

١ ـ بعث علي إلى بني سعد

٢ ـ بعث زيد بن حارثة إلى أم قرفة

٣ ـ سرية ابن عتيك إلى أبي رافع

٤ ـ سرية ابن رواحة إلى ابن رزام

٥ ـ سرية زيد بن حارثة إلى مدين

٥
٦

١ ـ بعث علي عليه‌السلام إلى بني سعد :

وفي شعبان سنة ست ، بعث النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في مائة رجل إلى بني سعد بن بكر بفدك التي كان بينها وبين المدينة ست ليال ، وفي لفظ : ثلاث مراحل.

وسببه : أنه بلغ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أن لهم جمعا ، يريدون أن يمدوا يهود خيبر ، وأن يجعلوا لهم تمر خيبر ، فسار «عليه‌السلام» إليهم ، وفي الطريق أخذوا رجلا هناك فسألوه ، فأقر أنه عين لبني سعد ، وأنه مرسل من قبلهم إلى خيبر ، يعرض على يهودها نصرهم مقابل التمر .. ثم دلهم على موضع تجمعهم.

فسار علي «عليه‌السلام» بمن معه ، فأغاروا عليهم ، وهم عارون بين فدك وخيبر. فأخذوا خمس مائة بعير ، وألفي شاة ، وهربت بنو سعد بالظعن.

وعزل علي طائفة من الإبل الجياد ، صفى المغنم لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وفيها ناقة حلوب قريبة عهد بنتاج ، تدعى الحفيدة ، أو الحفدة لسرعة سيرها.

ثم عزل الخمس ، وقسم الباقي على السرية.

٧

وقدم بمن معه المدينة ، ولم يلقوا كيدا» (١).

وفي نص آخر : أنه قبل أن يصل إليهم نزل «عليه‌السلام» بمن معه محلا بين خيبر وفدك ، فوجدوا به رجلا ، فسألوه عن القوم ، فقال : لا علم لي ، فشدوا عليه ، فأقر أنه عين لهم. وقال : أخبركم على أن تؤمنوني ، فأمنوه ، فدلهم (٢).

ويفهم من النص :

أن أهل خيبر كانوا يتوقعون الحرب فيما بينهم وبين المسلمين ، فكانوا يسعون لإقامة تحالفات مع من يحيط بهم ، لضمان أن يكونوا إلى جانبهم وتقوية لموقعهم ضد المسلمين ..

ولكن الحقيقة هي أكثر من ذلك ، فإنهم كانوا يجمعون الرجال استعدادا لمهاجمة المدينة.

إذ يلاحظ : أن النص يقول : إن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر ، فإن هذا معناه : أنهم يجمعون الرجال للانضمام إلى اليهود ، وليكونوا معهم في عملية حربية متوقّعة كان اليهود يخططون لها ..

ولا شك في أن تسديد هذه الضربات لمن يدبرون للحرب من شأنه أن

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٢ و ١٨٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٩٧ والبحار ج ٢٠ ص ٢٩٣ و ٣٧٦ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٩٠.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٣ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٩٠ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٠٧ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٥٧٣ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٩٧.

٨

يفقدهم قوتهم الاقتصادية ، وأن يهزمهم نفسيا ، ويضعف من درجة إصرارهم على الحرب ، حين يدب اليأس وتثور أمامهم شكوك قوية في قدرتهم على النيل من هذه القدرة الضاربة ، بل قد لا يحصلون إلا على الهزائم ، ولا يحصدون إلا الخيبة ، والبوار والخسران .. الأمر الذي لا بد أن يثير أمامهم ضرورة التفكير في السعي إلى تجنب هذه الحرب التي تتنامى احتمالات خسرانهم فيها ..

٢ ـ بعث زيد بن حارثة إلى أم قرفة :

وفي شهر رمضان من سنة ست ، بعث «صلى‌الله‌عليه‌وآله» زيد بن حارثة إلى أم قرفة ، فاطمة بنت ربيعة بن زيد الفزاري ، بناحية وادي القرى ، على سبع ليال من المدينة.

وكان سببها : أن زيد بن حارثة خرج في تجارة إلى الشام ، ومعه بضائع لأصحاب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فلما كانوا بوادي القرى لقيه أناس من فزارة ، من بني بدر ، فضربوه ، وضربوا أصحابه ، وظنوا : أنهم قتلوا ، وأخذوا ما كان معهم.

فقدم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأخبره ، ونذر زيد أن لا يغسل رأسه من جنابة حتى يغزو بني فزارة. فلما برئ من جراحته ، بعثه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إليهم ، وأمره بأن يكمن بأصحابه بالنهار ، ويسير بهم بالليل ، ففعل ، وكان معه دليل من بني فزارة.

فعلم بنو فزارة بالأمر ، فراقبوا الطريق. ولكن الدليل ـ حين لم يبق لهم إلى بني فزارة سوى مسيرة ليلة ـ ضل الطريق الذي كان بنو فزارة يرصدونه ،

٩

بواسطة ناظر لهم ، ينظر لهم من رأس جبل مشرف مسيرة يوم في الصباح ، ويقول لهم : اسرحوا ، فلا بأس عليكم. وينظر لهم مسيرة ليلة مساء ، ويقول لهم : ناموا ، فلا بأس عليكم. فحين ضل الدليل عن الطريق من مسيرة ليلة ، أوصلهم إلى مقصدهم من طريق آخر.

فحمدوا خطأهم الذي وقعوا فيه ، وكمن زيد لهم تلك الليلة. ثم صبحهم هو وأصحابه ، فكبروا ، وأحاطوا بالحاضر ، وأخذوا أم قرفة ، وكانت ملكة ورئيسه.

وفي المثل يقال : أمنع وأعز من أم قرفة ؛ لأنه كان يعلق في بيتها خمسون سيفا لخمسين رجلا ، كلهم لها محرم. وهي زوجة مالك بن حذيفة بن بدر.

وأخذوا ابنتها جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر.

وعمد قيس بن المحسر إلى أم قرفة ، وهي عجوز كبيرة ، فقتلها قتلا عنيفا ، حيث ربط برجليها حبلين ، ثم ربطهما بين بعيرين ، ثم زجرهما ، فذهبا بها ، فقطّعاها.

وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك ، فقرع باب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقام إليه عريانا ـ كما يزعمون ـ يجر ثوبه حتى اعتنقه ، وقبّله ، وسأله ، فأخبره بما ظفره الله به (١).

ولقي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سلمة بن الأكوع ، فطلب منه

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٩ ـ ١٨١ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٩٢ و ٩٩ و ١٠٠ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٩١ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٠٨.

١٠

الفتاة المذكورة ، فأعطاه إياها ، فأهداها «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى خاله ، الذي كان في مكة.

وقفات للتوضيح والتصحيح :

وهناك العديد من النقاط التي لا بد لنا من الوقوف عندها ، للتصحيح تارة ، وللتوضيح أخرى ، وذلك على النحو التالي :

أمير الغزوة : أبو بكر .. أم زيد؟!

ورد في صحيح مسلم وغيره ، عن سلمة بن الأكوع : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعث أبا بكر ليشن الغارة على بني فزارة في وادي القرى.

قال سلمة : «وخرجت معه ، حتى إذا صلينا الصبح ، أمرنا ، فشنينا الغارة ، فوردنا الماء ، فقتل أبو بكر ـ أي جيشه ـ من قتل. ورأيت طائفة فيهم ، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل ، فأدركتهم ، ورميت بسهم بينهم وبين الجبل ، فلما رأوا السهم وقفوا ، وفيهم امرأة ـ أي وهي أم قرفة ـ عليها قشع من أدم ـ أي فروة ـ خلقة ، معها ابنتها من أحسن العرب.

فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر ، فنفلني أبو بكر (رض) ابنتها ، فلم أكشف لها ثوبا ، فقدمنا المدينة ، فلقيني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : يا سلمة ، هب لي المرأة لله أبوك. (أي كان قد وصف لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جمالها).

فقلت : هي لك يا رسول الله ، فبعث بها رسول الله «صلى الله عليه

١١

وآله» إلى مكة ، ففدى بها أسرى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين» (١).

ونقول :

إن الكلام مشكوك فيه ، فإن ابن إسحاق ، وابن سعد ، وغيرهما يقولون :

إن أمير السرية التي أخذت فيها أم قرفة ، وابنتها ، هو زيد بن حارثة ..

واحتمل البعض ـ جمعا بين الأمرين ـ : أن يكون هناك سريتان ، اتفق فيهما لسلمة بن الأكوع أن أصاب في كل واحدة منهما بنتا لأم قرفة ، فأخذهما منه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فوهب إحداهما لخاله المكي ، وهي السرية التي كان أميرها زيد بن حارثة ، وفدى بالأخرى أسرى المسلمين في مكة ، وهي السرية التي كان أبو بكر أميرها ..

ونقول :

إن هذا الوجه وإن كان يحل مشكلة بنت أم قرفة ولكنه لا يحل مشكلة أم قرفة نفسها ، فإنها لا يمكن أن تؤسر وتقتل في كلتا السريتين.

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٩ و ١٨٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٩٢ و ١٠٠ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ١١٨ عن عيون الأثر ج ٢ ص ١٥٤ ومسند أحمد ج ٤ ص ٤٦ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٥١ وعن سنن أبي داود ج ١ ص ٦١١ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٢٩ وشرح صحيح مسلم ج ١٢ ص ٦٨ وسنن النسائي ج ٥ ص ٢٠٢ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ٢٠٠ والمعجم الكبير للطبراني ج ٧ ص ١٥ ونصب الراية ج ٤ ص ٢٥٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٢ ص ٩٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٥١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤١٧ وسير أعلام النبلاء ج ١ ص ٢٢٦ وعن تاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٢٨٨.

١٢

ولأجل استبعاد التوافق في جميع الخصوصيات لم يرتض الحلبي ذلك : إذ من البعيد أن تتعدد أم قرفة ، وأن يكون لكل واحدة بنتا من أحسن العرب. وأن يأسرهما معا ابن الأكوع ، ثم يطلبهما رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويرسلهما أيضا إلى مكة.

ما كشف ابن الأكوع لها ثوبا :

والغريب في الأمر : أن يترك ابن الأكوع هذه الوليدة ، التي هي من أجمل نساء العرب ، فلا يكشف لها ثوبا حتى يرجع بها إلى المدينة ، ويطلبها منه الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مرتين أو ثلاثا حين لقيه في السوق في يومين ، فهل كان هذا نتيجة ورع من ابن الأكوع؟!

أم أنه كان لا إرب له في النساء؟

أم أن الله صرفه عن ذلك؟!

ولماذا يصرفه الله عن امرأة ستصبح لأحد مشركي مكة؟! ..

القسوة والبشاعة في قتل أم قرفة :

وذكروا : أن زيد بن حارثة أمر بقتل أم قرفة ، لأنها كانت تسب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٩٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٨٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٣٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٣٥ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٠٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٣٤.

١٣

وذكروا في كيفية قتلها ما تقدم : من أنهم ربطوا حبلين برجليها ، وربطوهما إلى بعيرين ، وزجروهما فشقاها نصفين ..

ولكننا لا يمكن أن نصدق ذلك ، فقد ذكروا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نهى عن المثلة ، إما في غزوة أحد ـ حسبما تقدم في الحديث عنها ـ وإما في قضية أصحاب اللقاح ، حسبما تقدم في سرية كرز بن جابر ..

ولا نرى أن زيدا يرضى بمخالفة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مخالفة صريحة ، ولو أنه رضي بذلك فسيجد في جيشه من يعترض عليه ، ويشتكيه إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ولا بد أن يصدر منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما يدل على عدم رضاه بهذا الأمر ، إن لم يصل الأمر إلى تأنيب الفاعلين ، وتقبيح ما صدر منهم.

مصير بنت أم قرفة :

وقد زعم ابن الأكوع : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» طلب منه بنت أم قرفة فوهبها له .. فأرسلها إلى مكة ففدى بها جماعة من المسلمين ..

مع أن رواية أخرى تقول : إنه فدى بها مسلما واحدا (١).

ونص آخر يقول : إنه أرسلها هدية إلى خاله ، حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بمكة (٢).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٠.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٠٠ وعن الإصابة ج ٤ ص ١٩٧ و ٢٥١ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٧١ وعن تاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٢٨٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٣٧ والسيرة النبوية لابن

١٤

مع أن سلمة قد قال للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حينما طلب منه الجارية : «رجوت أن أفدي بها امرأة منا في بني فزارة ، فأعاد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الكلام في مرتين ، أو ثلاثا ، فعرف أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يريدها ، فوهبها له ..».

وفي نص آخر : «لقيني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في السوق ، فقال : يا سلمة ، هب لي المرأة.

فقلت : يا رسول الله ، قد أعجبتني ، وما كشفت لها ثوبا.

فسكت ، حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في السوق ، ولم أكشف لها ثوبا ، فقال : يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك.

فقلت : هي لك يا رسول الله الخ ..» (١).

فما هذا الإصرار من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على استيهاب جارية يريد صاحبها أن يفدي بها أسيرة من أقاربه؟!

__________________

هشام ج ٤ ص ١٠٣٥ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٠٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٣٤.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٩٢ و ١٠٠ ومسند أحمد ج ٤ ص ٤٦ و ٥١ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٥١ وسنن أبي داود ج ١ ص ٦١١ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٢٩ وشرح صحيح مسلم ج ١٢ ص ٦٨ وسنن النسائي ج ٥ ص ٢٠٢ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ٢٠٠ والمعجم الكبير ج ٧ ص ١٥ ونصب الراية ج ٤ ص ٢٥٩ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ١١٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٢ ص ٩٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٥١ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٥٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤١٧.

١٥

ولماذا يعيد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الكلام مرتين أو ثلاثا؟! مع أن فداء الأسير من الأقارب ـ خصوصا إذا كانت امرأة ـ أولى من الهدية إلى الخال المقيم على الشرك في مكة .. خصوصا ، وأنه قد كان بالإمكان أن يهيء له هدية أخرى تكون من مال نفس المهدي ، لا من مال رجل آخر لم يتنازل عن جاريته إلا بعد الإصرار وربما حياء وخجلا من رسول الله!!

ولا ندري ، لماذا أصر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الاستيهاب ولم يعرض عليه أن يبيعها له!! ألم يكن هو الأولى والأنسب بمقامه «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

سوء أدب ووقاحة :

قالوا : ولما قدم زيد بن حارثة المدينة جاء إلى بيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقرع الباب ، فخرج إليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عريانا ، يجر ثوبه. واعتنقه ، وقبله وسأله ، فأخبره بما ظفّره الله تعالى به (١).

ونقول :

١ ـ إنه ليس هناك أي داع لخروج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى زيد على هذه الحالة ، إذ ليس ثمة ما يشير إلى وجود أمر مستعجل ، أو غير

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨١ والجامع الصحيح ج ٤ ص ١٧٤ وتحفة الأحوذي ج ٧ ص ٤٣٤ ونصب الراية ج ٦ ص ١٥٤ وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٦٩ والجامع لأحكام القرآن ج ١٥ ص ٣٦١ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٩٩ و ٤٢٧ وعيون الأثر ص ١٠٨ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٩١ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٩ ص ٣٦٦ وعن فتح الباري ج ١١ ص ٥١.

١٦

عادي يمنعه من تناول ثوبه ، ووضعه على عاتقه في ثوان قليلة.

٢ ـ هل كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يستقبل ، ويقبل ويعانق كل عائد من الغزو ، وخصوصا بهذه الحرارة؟ وبهذه العجلة؟!

أم أنه كان يعانق ويقبل خصوص المنتصر الذي جاء بالغنائم والأسرى؟

أم أن هذه خصوصية لزيد بن حارثة دون كل من عداه ، حتى علي بن أبي طالب «عليه‌السلام»؟! الذي لم يجد هذه المعاملة حينما عاد من فتح خيبر ، أو حينما عاد من قتل عمرو بن عبدود العامري .. أو في فتح حنين ، أو في حرب بدر ، وأحد .. وغير ذلك.

أم أن لهذه الغزوة ـ غزوة أم قرفة ـ خصوصية عنده «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟ وما هي تلك الخصوصية؟!

٣ ـ إذا كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أشد حياء من العذراء في خدرها ، فكيف يخرج إلى زيد بن حارثة عريانا يجر ثوبه ، ثم يعانقه ويقبّله ..

٤ ـ لماذا كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عريانا هل كان يغتسل؟ أو كان يمارس حقه الطبيعي مع زوجته؟! أو كان بصدد تبديل ملابسه؟!

إن ذلك كله مما يأنف الناس من الإيحاء به للآخرين ، أو أن يسوقهم إلى أن يتصوروه عنهم ، فكيف برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

٣ ـ سرية ابن عتيك إلى أبي رافع :

وفي شهر رمضان من سنة ست ، كانت سرية عبد الله بن عتيك ، لقتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق اليهودي بخيبر.

وقيل : كان ذلك في ذي الحجة سنة خمس.

١٧

وقيل : في جمادى الآخرة سنة ثلاث.

وكان أبو رافع ممن حزّب الأحزاب يوم الخندق.

وأرسل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مع ابن عتيك أربعة رجال هم : عبد الله بن أنيس ، وأبو قتادة ، وخزاعي بن الأسود ، ومسعود بن سنان. وأمرهم بقتله ، فقتلوه (١).

وقد تقدم الحديث عن هذه السرية في أوائل الجزء السادس ، فراجع.

٤ ـ سرية ابن رواحة إلى ابن رزام اليهودي :

قالوا : وفي شوال من سنة ست ، كانت سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير (أو اليسير) بن رزام (أو رازم) اليهودي بخيبر.

وسببها : أنه لما قتل أبو رافع ابن أبي الحقيق ، أمّرت يهود عليها أسيرا هذا ، فسار في غطفان وغيرهم يجمع لحرب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ،

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢ وراجع : مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٧٣ والبحار ج ٢٠ ص ١٣ و ٢٠٣ وعن صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٣ وج ٥ ص ٢٦ و ٢٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٣ ص ٢٢٢ وج ٩ ص ٨٠ وعن مقدمة فتح الباري ص ٢٨٨ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٢٦٢ و ٢٦٣ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٠٨ ومسند أبي يعلى ج ٢ ص ٢٠٤ و ٢٠٥ ودلائل النبوة ص ١٢٥ والثقات ج ١ ص ٢٤٧ وأسد الغابة ج ١ ص ٨١ و ٨٣ وج ٤ ص ٣٥٨ وعن الإصابة ج ١ ص ٢٢٣ وتاريخ المدينة ج ٢ ص ٤٦٥ و ٤٦٧ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٧٨ وعن تاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ١٨٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٦ و ١٥٨ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٥٤١ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٧٤٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٠٢ و ١٠٤.

١٨

ليغزوه في عقر داره بزعمه ، فبلغ النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك ؛ فوجه ابن رواحة في ثلاثة نفر ، في شهر رمضان سرا ، فسأل عن خبره ، وعربه ، ثم رجع ، فأخبر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بذلك ..

فندب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الناس ، فانتدب مع ابن رواحة ثلاثون رجلا ، فساروا إلى أسير ، فقالوا له : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعثنا إليك لتخرج إليه ، يستعملك على خيبر ، ويحسن إليك ، فاستشار اليهود ، فأشاروا عليه بعدم الذهاب ، وقالوا : ما كان محمد ليستعمل رجلا من بني إسرائيل.

قال : بلى قد ملّ ، الحرب.

فخرج معهم في ثلاثين رجلا من اليهود ، مع كل رجل من المسلمين رديفه من اليهود ، فلما كانوا بقرقرة ضربه عبد الله بن أنيس بالسيف ، فسقط عن بعيره ، ومالوا على أصحابه فقتلوهم غير رجل ، ولم يصب من المسلمين أحد.

ثم قدموا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : قد نجاكم الله من القوم الظالمين (١).

وفي نص آخر : أن ابن أنيس حمل اليسير على بعيره ، فلما صاروا بقرقرة ، على ستة أميال من خيبر ، ندم اليسير على مسيره إلى رسول الله «صلى الله

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١١١ و ١١٢ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٩٢ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٥٩٦ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٠٩.

١٩

عليه وآله» ، ففطن به ابن أنيس ، وهو يريد السيف ، فاقتحم به ، فضربه بالسيف ، فقطع رجله ، وضربه اليسير بمخرش في يده ، فأمّه ..

ثم قتلوه مع أصحابه غير رجل واحد أعجزهم هربا.

فلما قدم ابن أنيس على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تفل على شجته ، فلم تقح ، ولم تؤذه (١).

قال : وقطع لي قطعة من عصاه ، فقال : امسك هذه معك ، علامة بيني وبينك يوم القيامة ، أعرفك بها؟ فإنك تأتي يوم القيامة متخصرا.

فلما دفن عبد الله بن أنيس ، جعلت معه على جلده ، دون ثيابه (٢).

ونقول :

إننا نسجل هنا النقاط التالية :

ألف ـ التثبت في الأمر :

إن النبي الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين سمع بسعي أسير بن رزام لجمع غطفان لحربه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يبادر إلى اتخاذ القرار بمهاجمته ، بل أرسل من يتثبت له من هذا الأمر.

فلما تأكد له صحته ، بادر لتسديد ضربته الوقائية ، التي اقتصرت على

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١١١ و ١١٢ وعن تاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٤٠٦ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٣٨ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٣٦ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١١٠.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١١٢.

٢٠