الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٤

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٤

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-186-6
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٦

وعند البلاذري : أصدقها النجاشي أربع مائة دينار (١). أو ما يعادلها وهو أربعة آلاف درهم (٢).

وأصدق ميمونة (أو أصدقها النجاشي عنه) أربع مائة دينار (٣) ، وقيل : مائتا دينار ، أو أربعة آلاف درهم (٤).

بل إن صداق زينب بنت جحش بالذات موضع خلاف أيضا. فقد قال الماوردي : «قال الضحاك : فتزوجها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكان يومئذ في عسرة ، فأصدقها قربة ، وعباءة ، ورحى اليد ، ووسادة حشوها ليف (٥).

وهذا كله يعطينا : أن تعميمات عائشة. وكذلك تعميمات ابن إسحاق لا تصح ، ولا مجال للاعتماد عليها.

__________________

(١) أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٣٩ وكشف الخفاء ج ١ ص ٣٨٨.

(٢) راجع تحفة الأحوذي ج ٤ ص ٢١٥ وعون المعبود ج ٦ ص ٩٥ وتذكرة الموضوعات ص ١٣٣.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١٤٦.

(٤) سبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١٩٣.

(٥) تفسير الماوردي ج ٤ ص ٤٠٦ و ٤٠٧.

٨١
٨٢

الفصل الثالث :

اكاذيب وأباطيل في حديث زواج زينب

٨٣
٨٤

ماذا يقول الأفّاكون؟!

وقد زعموا : أن زينب مكثت عند زيد ما شاء الله ، ثم إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أتى ذات يوم بيت زيد ، يطلبه ، فلم يجده ، وأبصر زينب قائمة في درع وخمار ، وكانت بيضاء جميلة ، ذات خلق ، من أتم نساء قريش ، فوقعت في نفسه ، فأعجبه حسنها. (وفي نص آخر : فهويها) فقال : سبحان الله مقلب القلوب ، وانصرف.

وسمعت زينب التسبيحة ، فلما جاء زيد ذكرتها له ، ففطن ، فألقي في نفسه كراهيتها ، والرغبة عنها في الوقت. (أو في وقت رآها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله») فأتى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : إني أريد أن أفارق صاحبتي الخ .. (١).

وفي نص آخر : فمكثت عنده ما شاء الله ، ثم رآها النبي «صلى الله عليه

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠١ وراجع : الدر المنثور ج ٥ ص ٢٠٣ عن عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن عكرمة. وراجع : تفسير الماوردي ج ٤ ص ٤٠٥ وأنوار التنزيل ج ٤ ص ١٦٣ وغرائب القرآن (بهامش جامع البيان) ج ٢٢ ص ١٢ و ١٣ والجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٩٠ وجامع البيان ج ٢٢ ص ١٨ وتاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج ٢ ص ٢٣٢ وزاد المسير ج ٦ ص ٢٠١.

٨٥

وآله» يوما متزينة فأعجبته ، ورغب في نكاحها لو طلقها زيد ، فأوقع الله كراهيتها في قلب زيد (١).

وعن نوح بن أبي مريم ، عن زينب : لما وقعت في قلب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يستطعني زيد ، وما امتنعت منه غير ما يمنعه الله مني ، فلا يقدر عليّ (٢).

وفي بعض الروايات : «أن زيدا تورم ذلك منه حين أراد أن يقربها» (٣).

وفي نص آخر : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» استأذن ، فأذنت له ولا خمار عليها ، فألقت كم درعها على رأسها (٤).

وفي نص آخر أيضا : «أبطأ عنه يوما ، فأتى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» منزله يسأل عنه ، فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر لها ، فدفع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الباب ، فنظر إليها ، وكانت جميلة حسنة ، فقال : سبحان خالق النور ، وتبارك الله أحسن الخالقين. ثم رجع «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى منزله ، ووقعت زينب في قلبه وقوعا عجيبا.

وجاء زيد إلى منزله ، فأخبرته زينب بما قال رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) حدائق الأنوار ج ٢ ص ٦٠٠ و ٦٠٣ وراجع : أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٣٤ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٩٠ وليس فيها كلمة «متزينة». وكذا في جامع البيان للطبري ج ٢٢ ص ١٠.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠١ والجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٨٩ و ١٩٥ والبحر المحيط ج ٧ ص ٢٣٥.

(٣) الجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٨٩ والبحر المحيط ج ٧ ص ٢٣٥.

(٤) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٤٧ والمعجم الكبير ج ٢٤ ص ٤٤ والآحاد والمثاني ج ٥ ص ٤٢٨.

٨٦

وآله» ، فقال لها زيد : هل لك أن أطلقك حتى يتزوجك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فلعلّك وقعت في قلبه؟!

فقالت : أخشى أن تطلقني ، ولا يتزوجني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فجاء زيد إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : بأبي أنت وأمي ، أخبرتني زينب بكذا وكذا ، فهل لك أن أطلقها حتى تتزوجها؟!

فقال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لا ، اذهب واتق الله ، وأمسك عليك زوجك ..».

إلى أن قال في تفسير قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ..) ، أي : «لا يحل لك امرأة رجل أن تتعرض لها حتى يطلقها ، وتتزوجها أنت ، فلا تفعل هذا الفعل بعد هذا» (١).

وفي نص آخر : «ثم وقع بصره عليها بعد حين ، فوقع في نفسه حبها ، وفي نفس زيد كراهتها» (٢).

بل روي : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين جاء إلى منزل زيد رأى امرأته تغتسل ، فقال لها : سبحان الله الذي خلقك.

ثم ذكرت الرواية : أن المقصود هو تنزيه الله عن أن تكون الملائكة بنات

__________________

(١) البحار ج ٢٢ ص ٢١٥ و ٢١٦ وراجع في هذا النص ما عدا الفقرة الأخيرة : تفسير القمي ج ٢ ص ١٧٢ و ١٧٣ ونور الثقلين ج ٤ ص ٢٣٦ وكنز الدقائق ج ١٠ ص ٣٩٢ و ٣٩٣ وتفسير الصافي ج ٤ ص ١٦٣ ومجمع البيان المجلد الرابع (ط سنة ١٤١٢ ه‍) ج ٨ ص ٤٦٦.

(٢) تفسير الجلالين ج ٣ ص ٢٧٩.

٨٧

له ، فراجع (١).

ورووا أيضا : أن زيدا تشاجر معها في شيء إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فنظر إليها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأعجبته.

فقال : يا رسول الله تأذن لي في طلاقها فإن فيها كبرا ، وإنها لتؤذيني بلسانها.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : اتق الله ، وأمسك عليك زوجك ، وأحسن إليها. ثم إن زيدا طلقها ، وانقضت عدتها ، فأنزل الله نكاحها على رسول الله الخ .. (٢).

وقيل : «لما جاء زيد مخاصما زوجته فرآها النبي ، استحسنها ، وتمنى أن يفارقها زيد حتى يتزوجها ، فكتم» (٣).

وفي نص آخر : «لما تزوج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بزينب بنت جحش ، وكان يحبها ، فأولم الخ ..» (٤).

__________________

(١) البحار ج ٢٢ ص ٢١٧ والإحتجاج ج ٢ ص ٢٢٣ وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٨١ والبرهان (تفسير) ج ٣ ص ٣٢٦ ونور الثقلين ج ٤ ص ٢٨١ و ٢٨٢ وكنز الدقائق ج ١٠ ص ٣٩٤ و ٣٩٥ وتفسير الصافي ج ٤ ص ١٩٢ وقصص الأنبياء للجزائري ص ٢٢.

(٢) البحار ج ٢٢ ص ٢١٨ عن تفسير القمي ج ٢ ص ١٩٤ ونور الثقلين ج ٤ ص ٢٨٠ وكنز الدقائق ج ١٠ ص ٣٩١ و ٣٩٢ وتفسير الصافي ج ٤ ص ١٩١.

(٣) التبيان ج ٨ ص ٣٤٤ وتفسير مجمع البيان ج ٨ ص ١٦٢ والجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٨٩ وفتح القدير ج ٤ ص ١٨٩ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٤٣٩.

(٤) البحار ج ٢٢ ص ٢١٩ عن تفسير القمي ج ٢ ص ١٩٥ وتفسير الصافي ج ٤ ص ١٩٩ ونور الثقلين ج ٤ ص ٢٩٧.

٨٨

وفي نص آخر يقول : «إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جاء لبيت زيد بن حارثة ، فلم يجده ، فقامت إليه زوجته زينب بنت جحش فضلا بسبب العجلة ، وطلبت إليه أن يدخل ، فأبى ، «فأعجب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فولى ، وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم منه ، إلا ربما أعلن : سبحان الله العظيم ، سبحان مصرف القلوب».

فجاء زيد رضي‌الله‌عنه إلى منزله ، فأخبرته امرأته : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أتى منزله ، فقال زيد رضي‌الله‌عنه : ألا قلت له أن يدخل؟!

قالت : قد عرضت ذلك عليه فأبى.

قال : فسمعت شيئا؟

قالت : سمعته حين ولى تكلم بكلام ، لا أفهمه ، وسمعته يقول : سبحان الله ، سبحان مصرف القلوب.

فجاء زيد رضي‌الله‌عنه ، حتى أتى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : يا رسول الله ، بلغني أنك جئت منزلي ، فهلا دخلت يا رسول الله! لعل زينب أعجبتك ، فأفارقها؟!

فيقول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ.)

فما استطاع زيد إليها سبيلا بعد ذلك اليوم فيأتى لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيخبره ، فيقول : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ.)

ففارقها زيد ، واعتزلها ، وانقضت عدتها ، فبينا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جالس يتحدث مع عائشة رضي‌الله‌عنها ، إذ أخذته غشية ، فسري عنه وهو يبتسم ، ويقول : من يذهب إلى زينب فيبشرها : أن الله زوجنيها من السماء؟!

٨٩

وتلا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) القصة ..

قالت عائشة : فأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغني من جمالها. وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها زوجها الله من السماء ، وقلت : هي تفخر علينا بهذا» (١).

عن عائشة قالت : «لو كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ ..) (٢).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٥ ص ٢٠١ و ٢٠٢ عن ابن سعد ، والحاكم ، وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣١ و ٢٣٢ والمنتظم ج ٣ ص ٢٢٥ و ٢٢٦ وراجع : مستدرك الحاكم ج ٤ ص ٢٣ وليس فيه أنه رآها فأعجبته ، وتلخيصه للذهبي ج ٤ ص ٢٤ والمنتخب من ذيل المذيل ص ٩٩ والطبقات الكبرى ج ٨ ص ١٠٢.

(٢) الدر المنثور ج ٥ ص ٢٠٢ عن سعيد بن منصور ، والترمذي ، وصححه ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه والجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٨٨ و ١٨٩ وتفسير القاسمي ج ٥ ص ٥٢٠ و ٥٢١ والجامع الصحيح للترمذي مطبوع مع تحفة الأحوذي ج ٩ ص ٥٢ و ٥١ و ٥٠ والبحار ج ١٦ ص ٣٩٤ وروح البيان ج ٧ ص ١٨٠ وجامع البيان ج ٢٢ ص ١١ وبهامشه غرائب القرآن ج ٢٢ ص ١٣ والتبيان ج ٨ ص ٣٤٤ وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٢٦ والمعجم الكبير ج ٤ ص ٤١ وعصمة الأنبياء للرازي ص ٩٩ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ٩١ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٨٠ وسير أعلام النبلاء ج ١ ص ٢٢٤ وج ٢ ص ٢١١ و ٢١٢ وزاد المسير ج ٦ ص ٢٠٢ وعن المصادر التالية : وضعيف سنن الترمذي ص ٤٠٤ و ٤٠٥ وفتح الباري ج ٨ ص ٤٠٣ وج ١٣ ص ٣٤٧ وصحيح مسلم ج ١ ص ١١٠.

٩٠

وعن أنس : لو كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كاتما شيئا لكتم هذه الآية (١).

ونظير ذلك روي عن الحسن أيضا (٢).

وروي نظير ذلك عن عمر بن الخطاب أيضا (٣).

وفي تفسير قوله تعالى : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ..) يقولون : «يقول : كما هوي داود النبي «عليه‌السلام» المرأة التي نظر إليها ، فهويها ، فتزوجها ، فكذلك قضى الله لمحمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فتزوج زينب الخ ..» (٤).

وقال ابن قيم الجوزية ، معقبا على قضية زواج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بعد رؤيته لها : «وهذا داود نبي «عليه‌السلام» كان تحته تسع

__________________

(١) الدر المنثور ج ٥ ص ٢٠١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٤٦ والسنن الكبرى ج ٧ ص ٥٧ عن أحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، والبخاري ، وابن المنذر ، والحاكم ، وابن مردويه ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٧٩ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٢٠١ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٦٥ وفتح القدير ج ٤ ص ٢٨٦ ومسند ابن راهويه ج ٤ ص ٤٢ وراجع : فتح الباري ج ٨ ص ٤٠٢ و ٤٠٣ وج ٣ ص ٣٤٧.

(٢) الدر المنثور ج ٥ ص ٢٠٣ عن عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني وراجع : تفسير الماوردي ج ٤ ص ٤٠٦ وجامع البيان ج ٢٢ ص ١٠ و ١٨ والجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٨٩ والمعجم الكبير ج ٢٤ ص ٤٢.

(٣) تفسير الماوردي ج ٤ ص ٤٠٦ والمعجم الكبير ج ٢٤ ص ٤٢.

(٤) الدر المنثور ج ٥ ص ٢٠٣ عن عبد الرزاق ، والطبراني ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة. وعن ابن المنذر ، والطبراني عن ابن جريج.

٩١

وتسعون امرأة ، ثم أحب تلك المرأة وتزوجها ، وأكمل بها الماءة» (١).

وعن ابن إسحاق ، عن الشعبي : مرض زيد بن حارثة ، فدخل عليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعوده ، وزينب ابنة جحش امرأته جالسة عند رأس زيد ، فقامت زينب لبعض شأنها ، فنظر إليها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ثم طأطأ رأسه ، فقال : سبحان الله مقلب القلوب والأبصار.

فقال زيد : أطلقها لك يا رسول الله؟!

فقال : لا.

فأنزل الله عزوجل : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ..) إلى قوله : (.. وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (٢).

وفي نص آخر : أنه حين جاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يطلب زيدا كان على الباب ستر من شعر ، فرفعت الريح الستر ، فانكشف ، وهي في حجرتها حاسرة ، فوقع إعجابها في قلب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فلما وقع ذلك كرّهت إلى الآخر ، الخ .. (٣).

وقد وصف ابن الديبع الشيباني هذا النوع من الروايات : بأنها ثابتة ، وجعلها العلماء أصلا للحكم بثبوت بعض الخصائص له «صلى الله عليه

__________________

(١) الجواب الكافي ص ٢٦٤.

(٢) سيرة ابن إسحاق ص ٢٦٢.

(٣) تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣٢ وجامع البيان ج ٢٢ ص ١٠ و ١٨ وراجع : الجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٩٠ وزاد المسير ج ٦ ص ٢٠١ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣٢.

٩٢

وآله» كما سيأتي (١).

وقد ذكروا : «أن البلخي جوّز أن يكون النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» استحسنها ، فتمنى أن يفارقها ، فيتزوجها ، وكتم ذلك» (٢).

وعلى حد تعبير بعضهم : «وكان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو» (٣).

بل لقد ألف بعضهم كتابا في العشق ، وذكر فيه عشق الأنبياء «عليهم‌السلام» ، وذكر فيه هذه الواقعة (٤) وقد استفاد خصوم الإسلام من هذه المرويات ، وكذلك المستشرقون أيما استفادة ، فراجع كلماتهم (٥).

نقد الروايات المتقدمة :

ونقول :

__________________

(١) حدائق الأنوار ج ٢ ص ٦٠٤.

(٢) البحار ج ٢٢ ص ١٧٨ وراجع : تفسير الماوردي ج ٤ ص ٤٠٦ والمعجم الكبير ج ٢٤ ص ٤٣ عن ابن جريج ، وراجع : جامع البيان ج ٢٢ ص ١٠ ومجمع البيان ج ٨ ص ١٦٢ والجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٨٩ وفتح القدير ج ٤ ص ٢٨٤.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٤٣٩ والجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٨٩.

(٤) زاد المعاد (مطبعة أنصار السنة المحمدية) ج ٣ ص ٣١٧ و ٣١٨.

(٥) راجع على سبيل المثال : تراث الإسلام تأليف عدد من المستشرقين ، بإشراف (سير توماس أرنولد) ص ٣٦٤. وراجع : كتاب حضارة العرب ، ترجمة عادل زعيتر ص ١١٢ ومحمد في المدينة ص ٤٣٤ و ٥٠٢ وحياة محمد تأليف أميل در منغم ص ٢٩٩.

٩٣

إنه يرد على الروايات المتقدمة العديد من الإشكالات التي تظهر زيفها.

ونحن نذكر هنا ما تيسر لنا من هذه الإشكالات ، ونجيب عنها ، وذلك على النحو التالي :

ألف : ما الذي يخفيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في نفسه؟!

لقد ذكرت تلك الروايات : أن الذي كان يخفيه النبي في نفسه. هو حب زينب ، وإعجابه بها.

وعلى حد تعبير النيسابوري : «تعلق قلبه بها ، أو مودة مفارقة زيد إياها ، أو علمه بأن زيدا سيطلقها» (١).

وعلى حد تعبير الرواية المنسوبة إلى ابن عباس ، في تفسير قوله تعالى : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ..) قال : أي حب زينب ، وهي في عصمة زيد (٢).

وهذا الكلام لا يمكن أن يصح ، فلاحظ ما يلي :

أولا : إن الإمام السجاد «عليه‌السلام» قد كذّب هذه الروايات ، فعن علي بن زيد بن جدعان ، قال : قال لي علي بن الحسين : ما يقول الحسن (أي البصري) في قوله : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ..؟!)

فقلت له .. (٣).

فقال : لا ، ولكن الله أعلم نبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أن زينب رضي

__________________

(١) غرائب القرآن ج ٢٢ ص ١٣.

(٢) راجع : تفسير البغوي بهامش تفسير الخازن ج ٥ ص ٢١٥.

(٣) أي فذكرت له ما قال.

٩٤

الله عنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها ؛ فلما أتاه زيد يشكو إليه ، قال : اتق الله ، وأمسك عليك زوجك.

فقال : قد أخبرتك : أني مزوجكها ، (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ...)

وروي عن الإمام الرضا «عليه‌السلام» هذا المعنى أيضا (١).

فقد دل هذا الحديث على أمرين :

__________________

(١) راجع فيما روي عن الإمام السجاد والإمام الرضا «عليهما‌السلام» : البحار ج ٢٢ ص ١٧٨ و ٢١٨ وج ١١ ص ٧٢ ـ ٧٤ و ٧٨ ـ ٨٥ وتفسير القاسمي ج ٥ ص ٥١٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٤٧٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٧٨ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٦٠ وتفسير الصافي ج ٤ ص ١٩١ و ١٩٢ والبرهان (تفسير) ج ٣ ص ٣٢٦ وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٨١ ونور الثقلين ج ٤ ص ٢٨١ و ٢٨٢ و ٢٨٣ وغرائب القرآن للنيسابوري (بهامش جامع البيان) ج ٢٢ ص ١٢.

وراجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢٨٩ وشرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج ١ ص ٢٩٠ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٤٤٠ و ٤٤١ وشرح المواهب للزرقاني ج ٤ ص ٤١٠ وجامع البيان ج ٢٢ ص ١١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤٥ والجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٩٠ و ١٩١.

وراجع أيضا : كنز الدقائق ج ١٠ ص ٣٩٤ و ٣٩٥ و ٣٩٦ وحدائق الأنوار ص ٣٠٦ وتفسير الماوردي ج ٤ ص ٤٠٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٦٦ والدر المنثور ج ٥ ص ٢٠٣ عن الحكيم الترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، والنهر الماد من البحر (مطبوع بهامش البحر المحيط) ج ٧ ص ٢٣٢ والبحر المحيط ج ٧ ص ٢٣٤.

٩٥

أحدهما : أن قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لزيد : أمسك عليك زوجك. لم يكن حين عرض عليه طلاق زينب ليتزوجها هو ـ إن كانت قد وقعت في نفسه ـ بل كان ذلك حين شكاها إليه ..

والثاني : أن ما كان يخفيه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في نفسه لم يكن هو حب زينب والإعجاب بها ، بل هو ما أخبره الله تعالى به من أنها ستكون زوجة له في يوم ما.

وقد علق الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، على هذا الحديث بقوله : «فعلي بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم ، جوهرا من الجواهر ، ودرا من الدرر» (١).

لا معنى للأمر بالإمساك :

فإن قيل : كيف يأمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» زيدا بإمساك زوجه ، وهو يعلم أن الفراق لا بد منه؟ أليس هذا من التناقض؟!

قيل : إن لهذا الأمر مصالحه وغاياته ، ومنها : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد لزيد أن يكون في موقع الطاعة لله ، وأن لا يكون قاسيا عليها ، وأن يعاملها بالرفق ، حتى إذا فارقها بعد أن يكون قد استنفذ جميع ما في وسعه وطاقته لم يكن ثمة مجال لأن تراود نفسه ونفسها آية خواطر في هذا الاتجاه.

أو لأجل إقامة الحجة على زيد في شأنها ، نظير أمر الله عباده بالإيمان ، مع علمه بأن هذا أو ذاك سوف لا يطيع هذا الأمر.

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٩١ وعن فتح الباري ج ٨ ص ٥٢٣.

٩٦

ب : ما الذي أبداه الله تعالى؟!

وقد اعترف بعض علماء السنة (١) بصحة هذا الذي ذكرناه ، ونقلناه عن الإمام السجاد «صلوات الله وسلامه عليه» واعتبره أسدّ الأقاويل ، وأليقها بحال الأنبياء «عليهم‌السلام» ، وأكثرها مطابقة لظاهر التنزيل ، لأن الله سبحانه قال : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ..) ولم يبد الله سبحانه وتعالى غير تزويجها منه.

وهذا نظير قوله تعالى : (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ ...)

قال المجلسي : «إنه تعالى أعلم رسوله أنه يبدي ما أخفاه ، ولم يظهر غير التزويج ، فقال : (زَوَّجْناكَها.) فلو كان الذي أضمره محبتها ، أو إرادة طلاقها (٢) لأظهر الله تعالى ذلك ، مع وعده بأن يبديه» (٣).

وقال السيد المرتضى : «أخفى في نفسه عزمه على نكاحها بعد طلاقها ، لينتهي إلى أمر الله تعالى منها» (٤).

__________________

(١) بهجة المحافل ج ١ ص ٢٩٠ والجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٩٠ و ١٩١ والنهر الماد في البحر (مطبوع بهامش البحر المحيط) ج ٧ ص ٢٣٢ والبحر المحيط ج ٧ ص ٢٣٤ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٤٤١ و ٤٤٠ وعن فتح الباري ج ٨ ص ٤٠٣ وراجع : محاسن التأويل للقاسمي ج ١٣ ص ٤٨٦٤ و ٤٨٧٧ وتفسير الآلوسي ج ٢٢ ص ١٥٣١.

(٢) أي أن النبي يريد لزيد أن يطلق زينب.

(٣) البحار ج ٢٢ ص ١٧٨.

(٤) البحار ج ٢٢ ص ١٨٧ وأشار في الهامش إلى تنزيه الأنبياء ص ١١١ و ١١٢.

٩٧

وليس في الآيات أية إشارة إلى وجود هوى ومحبة ، أو إعجاب ، أو غير ذلك.

ثم بينت الآية سبب هذا الإخفاء ، وهو : أن الناس كانوا يعتبرون الابن بالتبني بمثابة الابن الصلبي في الأحكام .. فكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يخشى من أن ينخدع ضعفاء النفوس بأقاويل المنافقين ، ومن لف لفهم ، وأن لا يبقى لكلامه ذلك الأثر المطلوب في هدايتهم ، مع ملاحظة : أنه لم يكن هناك أمر إلهي له بإظهار ما كان يخفيه ، من أن الله قد أعلمه بأنها ستصير زوجته ، فكان أن تولى الله سبحانه إظهار ذلك ، لأن الإظهار منه تعالى أعظم أثرا في إبطال كيد المنافقين ..

ج : الله تعالى مصرّف القلوب :

وقد زعموا : أن قول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : سبحان الله مصرّف القلوب ، ناظر إلى التصرف بقلب زيد ، ليكره زينب ويطلقها.

ونقول :

أولا : إنه لو صح : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال ذلك ، فلا دليل على أنه ناظر إلى ما زعموه ، فلعله أراد به أن يظهر تعجبه مما جرى بين زينب وزيد ، حيث كانت كارهة له أولا ، ثم أصبح هو الكاره لها ، والساعي لمفارقتها بعد ذلك.

ثانيا : لقد رووا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يكثر أن يقول : يا

٩٨

مصرف القلوب (١).

وعن عائشة ، قالت : «ما رفع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» رأسه إلى السماء إلا قال : يا مصرف القلوب ، ثبت قلبي على طاعتك» (٢).

وعن أبي هريرة مثله (٣). فلعله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد رفع طرفه إلى السماء في تلك الساعة فقال هذا القول ، من دون أن يكون لذلك ارتباط بزينب أو بغيرها.

د : التحريض والرجم بالغيب :

ثم إنهم زعموا : أن النبي قد أعجب بزينب وأحبها ، بعد أن رآها.

ونقول :

من الذي أخبر الناس بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أعجب بزينب ، أو وقع في هواها ، أو هويها ، أو عشقها ، أو نحو ذلك من تعابير؟ فإن هذا أمر قلبي لا يمكن لأحد الاطلاع عليه ، إلا أن يطلعه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه على ذلك.

والله سبحانه ، وإن كان قد صرح بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أخفى أمرا اعتلج في نفسه ، ولكنه لم يصرح بحقيقة هذا الأمر ، بل جاءت

__________________

(١) فيض القدير ج ٥ ص ١٧٧.

(٢) مسند أحمد ج ٢ ص ٤١٨ ومنتخب مسند عبد بن حميد ص ٤٣٩ السنن للنسائي ج ٦ ص ٨٣ والكامل لابن عدي ج ٤ ص ٦٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٧ ص ٥٢ وميزان الإعتدال ج ٢ ص ٣٠٠ ومسند أبي يعلى ج ٨ ص ٢٤٥ وكنز العمال ج ٢ ص ٦٨٤.

(٣) مسند أحمد ج ٢ ص ١٧٣.

٩٩

الروايات والقرائن من الآيات لتدلنا على أن الذي أخفاه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو القضاء الإلهي بأن تكون زينب من أزواجه «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فهل اطلع هؤلاء الرواة ـ دون كل أحد ـ على غيب الله سبحانه؟ فإن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أسرّ إليهم بهذا الأمر فلماذا؟ وكيف؟! ومتى أسرّ إليهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بهذا الأمر الذي أخفاه عن سواهم.

ه : الأمر بتقوى الله!!

والغريب في الأمر : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الذي يحب زوجات الناس ـ نعوذ بالله من هذه التعابير ـ ولكنه يأمر زوج زينب المسكين ، الذي لم يظهر منه أي خلاف أو معصية ، والذي يريد هو منه أن يتخلى له عن زوجته ـ يأمره بتقوى الله سبحانه ، مع أنه لم يفعل إلا ما ينسجم مع أمنياته ، ولا يسعى إلا في تحقيق مآربه ، وإيصاله إلى مطلوبه!! ..

و : أمسك عليك زوجك :

ويزيد الأمر تعقيدا ، حين يقول له هذا الطامع بتلك الزوجة ، والمعجب بها ، والمحب لها : أمسك عليك زوجك!! متظاهرا بخلاف ما يضمره ، وينويه ، ويسعى إليه ، فهل يمكن أن يقال : إن هذه هي أخلاق الأنبياء؟! أو أن هذا هو ما تفرضه قواعد النبل والكرامة لدى الناس العاديين؟!

ز : عشق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لزوجة غيره :

وبعد أن وصف السيد المرتضى «رحمه‌الله» الرواية التي تتحدث عن

١٠٠