السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-186-6
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٦
ونقول :
معنى كلمة «جحشت : تقشر جلدها» ومن الواضح : أن تقشر الجلد لا يوجب العجز عن القيام في الصلاة .. فما معنى قولهم : إنه «صلىاللهعليهوآله» كان يصلي قاعدا .. وهو ـ على الأقل ـ يقدر على التكبير والقراءة من قيام ، ومع القدرة على ذلك ، فإن الصلاة من جلوس لا تجزي.
ثالثا : دعواهم نسخ ذلك بما جرى في آخر حياته «صلىاللهعليهوآله» .. حيث صلى الناس حينئذ قياما ، خلفه ، وهو جالس ، فقررهم «صلىاللهعليهوآله» على ذلك.
إن هذه الدعوى : غير ظاهرة الوجه ، إذ لم نجد ما يدل على أنه «صلىاللهعليهوآله» قد أمرهم بالقيام ، فإن كانوا قد بادروا هم إلى القيام خلفه وهو جالس ، من دون أن يأمرهم بذلك ، فقررهم على فعلهم.
فالسؤال هو : لماذا وقف الصحابة خلفه ، مع أنه «صلىاللهعليهوآله» كان قد أمرهم في حادثة وقوعه عن الفرس بأن يصلوا من جلوس ، إذا كان الإمام يصلي جالسا. بل كان عليهم أن يبادروا إلى الجلوس ، التزاما بما كان قد علمهم إياه. فلماذا انعكس الأمر؟!
رابعا : إن دعوى النسخ لا مجال لقبولها ، لأنهم يقولون : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» حين أمر الناس بالجلوس في صلاتهم خلفه قد علل ذلك بقوله : «إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به ، فإذا ركع فاركعوا الخ ..» (١).
__________________
(١) راجع هذه الفقرة في المصادر التالية : إختلاف الحديث ص ٦٦ و ٦٧ وسنن البيهقي ج ٢ ص ٩٧ و ٣٠٣ وج ٣ ص ٧٨ و ٧٩ وحلية الأولياء ج ٣ ص ٣٧٣
فهذا التعليل يمنع من النسخ ؛ إذ إن كانت العلة للجلوس هي أن الإمام قد جعل إماما في جميع الأحوال ، فمن الواضح : أنه لم يطرأ شيء يوجب زوال هذه العلة ، بل هي لا تزال باقية على حالها ، فلا مبرر لا دّعاء النسخ مع بقاء علة ثبوت الحكم.
خامسا : إن ظاهر الرواية التي ذكرت هذا التعليل هو : أنها تريد بيان لزوم متابعة الإمام في أفعاله الصلاتية ، فإذا ركع ركعوا ، وإذا جلس جلسوا. وإذا قام قاموا ـ من حيث إن هذه هي أفعال الصلاة ـ.
وليس المقصود : أنه إذا طرأ على الإمام ما يمنعه من القيام ، فإن حكمهم يصير هو عدم القيام ، إذ لا يصح القول : إذا صلى راكعا صلوا معه راكعين ، وإذا صلى ساجدا أو نائما فعليهم أن يصلوا نائمين أو ساجدين ، وإذا صلى بالإيماء صلوا بالإيماء!! فإنه ليس هناك صلاة على هذه الصفة ولا تلك.
وهذا يعطينا : أن عبارة : «وإذا صلى قاعدا ، فصلوا قعودا أجمعون» مقحمة في هذه الرواية ، أو محرفة عن قوله : «وإذا قعد فاقعدوا».
__________________
ومصنف عبد الرزاق (ط سنة ١٤٢٣ ه) ج ٢ ص ١٨٨ و ١٨٩ وجمع الجوامع للسيوطي ج ٢ ص ٣٢٥ والأدب المفرد ص ٣٦٠ وفتح الباري ج ٢ ص ٢١٦ وسنن أبي داود كتاب الصلاة باب ٦٩ وسنن النسائي كتاب الصلاة باب ٤ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٢ ص ٢٢٤ ـ ٢٢٧ وج ٨ ص ٣٧٧ و ٣٧٨ ومسند الحميدي ج ٢ ص ٥٠٢ وتحفة الأحوذي ج ٢ ص ٢٩٢ وصحيح مسلم (بشرح النووي) ج ٤ ص ١٣٠ ـ ١٣٢ وسنن الدارمي (ط سنة ١٤٠٧) ج ١ ص ٣١٩ وسير أعلام النبلاء ج ٢٣ ص ١٣٠ وكنز العمال ج ٨ ص ٢٧٨.
الصحيح في قضية الصلاة :
والصحيح في هذه القضية : هو ما روي عن أبي جعفر «عليهالسلام» : من أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» صلى بأصحابه جالسا ، فلما فرغ قال : «لا يؤمّن أحدكم بعدي جالسا» (١).
فيكون جواز اقتداء القائم بالجالس من خصائص رسول الله «صلىاللهعليهوآله» (٢).
بركات وفوائد :
وقد كان من بركات هذه الخصوصية : أنها قد فضحت من حاول التعدي على مقام ليس له ، والتصدي لما لم يؤذن له به ، بهدف التوصل إلى تبرير اغتصاب أعظم مقام بعد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وأعني به مقام الإمامة.
الصحيح في قضية السقوط عن الفرس :
أما حديث سقوطه «صلىاللهعليهوآله» عن فرسه فلعل له أصلا أيضا ، إذا كانوا قد تعمدوا التعتيم على بعض التفاصيل وتجاهلها ، مثل أن يكون بعض المنافقين قد نفّروا به فرسه ، حتى وقع عن ظهره ، تماما كما حاولوا قتله بتنفير ناقته به «صلىاللهعليهوآله». وذلك أشهر من أن يذكر.
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٢٤٩ ووسائل الشيعة (ط سنة ١٣٨٥ ه) ج ٥ ص ٤١٥.
(٢) راجع : غوالي اللآلي ج ٢ ص ٢٢٤.
ولعل حساسيتهم تجاه هذا الأمر ، هي التي منعت الإمام الصادق «عليهالسلام» من ذكر التفاصيل أيضا ، رغم أنه قد صرح به ، فقد روي عنه «عليهالسلام» قوله :
كان رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وقع عن فرس ، فسحج (أي قشر) شقه الأيمن ، فصلى بهم جالسا في غرفة أم إبراهيم (١).
الزلزال في المدينة :
وزعموا : أنه في سنة خمس من الهجرة زلزلت المدينة ، فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : إن الله عزوجل يستعتبكم فأعتبوه (٢).
ونقول :
إن الله تعالى يقول : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ..) (٣). والناس يخافون من الزلزلة ، ويرون أنها مصيبة ، بل هم يرون أنها عذاب لهم.
وهم لا يشعرون بالأمن إذا كانت الزلازل تهددهم ، مع أن الأحاديث الشريفة قد صرحت : بأن الأئمة «عليهمالسلام» أمان لأهل الأرض ، كما
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٢٥٠ ووسائل الشيعة (ط سنة ١٣٨٥ ه) ج ٥ ص ٤١٥.
(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠٢ وأسد الغابة ج ١ ص ٢٢ ، وراجع : سيرة مغلطاي ص ٥٥ والمصنف لابن أبي شبة ج ٢ ص ٣٥٧ وسبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٦٣ وعيون الأثر ج ٢ ص ٣٥٦ والغدير ج ٨ ص ٨٤.
(٣) الآية ٣٣ من سورة الأنفال.
أن النجوم أمان لأهل السماء (١).
ولسوف يتعاظم شعورهم بالسكينة وبالأمن من الزلازل والصواعق ، حين يكون الرسول «صلىاللهعليهوآله» بين ظهرانيهم.
فحدوث الزلزال والحال هذه سوف يزعزع يقينهم هذا ، وسيصيبهم بخيبة أمل ، وربما بصدمة عنيفة. وسيثير في أنفسهم الريبة والشك في صحة ما يرونه ويشاهدونه ، والله أكرم عليهم ، وأرحم بهم ، من أن يعرّضهم لهذا الامتحان الصعب.
ولعل مما يشير إلى ما ذكرناه : ما روي عن أمير المؤمنين «عليهالسلام» ، قال : إن إبراهيم مرّ ببانقيا (٢) ، فكان يزلزل بها ، فبات بها ، فأصبح القوم ولم يزلزل بهم.
فقالوا : ما هذا؟ وليس حدث!
قالوا : ههنا شيخ ومعه غلام له.
قال : فأتوه ، فقالوا له : يا هذا ، إنه كان يزلزل بنا كل ليلة ، ولم يزلزل بنا هذه الليلة ، فبت عندنا ، فبات ولم يزلزل بهم ..
ثم تذكر الرواية : أنه اشترى منهم منطقة النجف (٣).
__________________
(١) راجع : البحار ج ٢٧ ص ٣٠٠ و ٣٠٨ ـ ٣١٠ وج ٣٦ ص ٢٩١ و ٣٤٢ وج ٢٣ ص ٦ و ١٩ و ٣٧ وج ٢٤ ص ٦٧ وج ٥٣ ص ١٨١ وج ٧٥ ص ٣٨٠ والعمدة ص ١٦١ وذخائر العقبى ص ١٧ وعن ينابيع المودة ص ٢٠ والطرائف ص ١٣١.
(٢) بانقيا : قرية بالكوفة.
(٣) راجع : البحار ج ٩٧ ص ٢٢٦ وج ١٢ ص ٧٧ عن علل الشرايع ومستدرك سفينة البحار ج ١ ص ٤٢٩.
فحضور إبراهيم «عليهالسلام» في بلدهم قد منع الزلزال عنهم ، فكيف لا يمنع حضور النبي «صلىاللهعليهوآله» الزلزال عن أهل المدينة؟!
إلا إذا فرض وجود مصلحة في إحداث هذا الزلزال ، كما أشير إليه في بعض الروايات ، ففي توحيد المفضل ، قال : إن الزلزلة وما أشبهها ، موعظة ، وترهيب ، يرهب بها الناس ليرعووا وينزعوا عن المعاصي (١).
وكذا الحال لو أريد إظهار آية أو مقام للإمام «عليهالسلام» (٢).
النهي عن ادّخار لحوم الأضاحي :
وفي السنة الخامسة أيضا : دفّت دافّة العرب ، أي اجتمعت جموعها وقدموا المدينة ، فنهى النبي «صلىاللهعليهوآله» عن ادّخار لحوم الأضاحي ، فوق ثلاث ، ثم رخص لهم في الادّخار ما بدالهم (٣).
والظاهر : أنه «صلىاللهعليهوآله» أراد بهذا الإجراء توفير الطعام
__________________
(١) البحار ج ٥٧ ص ١٣٠ وج ٣ ص ١٢١ والتوحيد ص ٩١ ومستدرك سفينة البحار ج ٤ ص ٣٠٣.
(٢) راجع : البحار ج ٧ ص ١١١ و ١١٢ وج ٤١ ص ٢٥٣ و ٢٥٤ و ٢٧١ و ٢٧٢ وج ٤٢ ص ١٧ وج ٥٧ ص ١٢٩ وراجع ج ٢٥ ص ٣٧٩ وج ١٢ ص ٢٤ وج ٤٩ ص ٨٢ وج ٥٠ ص ٤٦.
(٣) الفصول المختارة ص ١٣١ والطرائف ص ١٩٣ وغوالي اللآلي ج ١ ص ٤٥ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٠٥٥ والبحار ج ١٠ ص ٤٤٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠٣ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣١٠ والبرهان للزركشي ج ٢ ص ٤٢ وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٢٣٣ وشرح معاني الآثار ج ٤ ص ١٨٩ ومستدرك سفينة البحار ج ١٠ ص ١١٥ وتأويل مختلف الحديث ص ١٨٤ و ١٨٧.
للعرب الذين اجتمعوا في المدينة ، لأن ادّخار لحوم الأضاحي سوف يقلل من كميات اللحوم التي تعرض في السوق ، فإذا كان هناك ازدياد في عدد الناس الذين يحتاجون إلى الغذاء ، وكان هناك نقص في كميات اللحوم المعروضة فإن ذلك سيوقع الناس في حرج وإرباك ، أو يتسبب في غلاء بعض السلع الأخرى المتداولة. فنهى النبي «صلىاللهعليهوآله» الناس عن ادّخار اللحوم ، وألزمهم بعرضها ، من أجل تلبية حاجات الناس إليها.
وهذا هو أحد الموارد التي ينشئ الحاكم فيها أوامره التدبيرية ، في أمور عامة ، ويكون لهذه الأوامر تأثيرها على حق الناس في تصرف بعينه ، فيحظر عليهم استعمال هذا الحق ، رعاية لصالح المجتمع المسلم.
وبذلك يكون الرسول الأكرم «صلىاللهعليهوآله» قد وضع قانون حماية المستهلك من خلال إغراق السوق بالسلع ، لكي لا تتسبب قلتها بارتفاع الأسعار والإجحاف بحقه.
فرض الحج :
قالوا : وفي السنة الخامسة نزلت فريضة الحج. لكن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أخّره إلى السنة العاشرة ، من غير مانع ، فإنه خرج في ذي القعدة من السنة السابعة لقضاء العمرة ولم يحج ، وفتح مكة في رمضان السنة الثامنة ، ولم يحج. وبعث أبا بكر أميرا على الحاج في السنة التاسعة ، وحج «صلىاللهعليهوآله» في السنة العاشرة ، وهي المعروفة بحجة الوداع.
وقالوا : اختلف في وقت فرض الحج ، فقيل : قبل الهجرة ، ووصفوا هذا القول بالغرابة ، والمشهور بعدها.
وقيل : في الرابعة وقيل : سنة خمس. وكذا في المنتقى ، وجزم به الرافعي في موضع ، وقيل سنة ست ، وصححه الرافعي أيضا في موضع آخر ، وكذا النووي ، وهو قول الجمهور.
وقيل : في سبع ، وقيل : في ثمان ، وكذا في مناسك الكرماني أيضا. ورجحه جماعة من العلماء.
وقيل : في تسع وصححه عياض.
وقيل : في العاشرة (١).
واستدل القائلون : على فرض الحج في سنة ست : بأن قوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ..) قد نزل في سنة ست ..
وقد يناقش في هذا الدليل بأن قوله : (وَأَتِمُّوا ..) يراد به الإكمال بعد الشروع ، وليس المراد به ابتداء الفرض (٢).
وقد ذكر الحج في قصة ضمام بن ثعلبة ، وكان قدومه ـ على قول الواقدي ـ : سنة خمس (٣).
واستدل القائلون ، على فرض الحج في سنة تسع : بأن فرضه قد جاء في
__________________
(١) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٩٨ والمواهب اللدنية ج ٢ ص ٣٢٣ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣١٦ و ٣١٧ وراجع ص ٣١٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٨ وسيرة مغلطاي ص ٥٧ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٨٠ و ٢٨١ وشرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج ١ ص ٢٨٠ و ٢٨١ وعون المعبود ج ٥ ص ٢٥٣.
(٢) راجع : المواهب اللدنية ج ٢ ص ٣٢٣.
(٣) المواهب اللدنية ج ٢ ص ٣٢٣.
أوائل سورة آل عمران ، وصدر هذه السورة قد نزل في سنة تسع ، وفيها قدم وفد نجران ، وصالحهم على الجزية ، والجزية نزلت عام تبوك في سنة تسع (١).
ونقول :
١ ـ قد ذكرنا في بحث لنا حول آيات الغدير (٢) : أن الله كان ينزل سورة كاملة ، أو شطرا كبيرا من السورة دفعة واحدة إذا كانت من الطوال ، ثم يبدأ نزول آياتها تدريجيا ، كلما حدث ما يقتضي ذلك.
فلعل سورة آل عمران قد نزلت في أول الهجرة ، وإن كانت المناسبات التي اقتضت إعادة إنزال بعض آياتها قد تأخرت إلى سنة تسع ..
واستدل القائلون بأن الحج قد فرض قبل الهجرة بما يلي :
١ ـ عن ابن عباس : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» حج قبل أن يهاجر ثلاث حجج (٣).
٢ ـ عن ابن الأثير : أنه «صلىاللهعليهوآله» كان يحج كل سنة قبل أن يهاجر (٤).
٣ ـ وعن الثوري : حج النبي «صلىاللهعليهوآله» قبل أن يهاجر حججا (٥).
__________________
(١) المواهب اللدنية ج ٢ ص ٣٢٣.
(٢) راجع كتابنا : مختصر مفيد ج ٤ ص ٤٥.
(٣) المواهب اللدنية ج ٢ ص ٣٢٤ عن ابن حبان والحاكم.
(٤) المواهب اللدنية ج ٢ ص ٣٢٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٤٤ وفتح الباري ج ٨ ص ٨٠.
(٥) المواهب اللدنية ج ٢ ص ٣٢٤ وفتح الباري ج ٨ ص ٨٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٤٤ ومستدرك سفينة البحار ج ٣ ص ٥٥.
٤ ـ وقال ابن الجوزي : حج حججا لا يعلم عددها (١).
٥ ـ وقال الحبر الطبري : حج «صلىاللهعليهوآله» قبل الهجرة حجتين (٢).
٦ ـ عن أبي عبد الله «عليهالسلام» قال : لم يحج النبي «صلىاللهعليهوآله» بعد قدومه المدينة إلا واحدة ، وقد حج بمكة حجات (٣).
٧ ـ وعنه «عليهالسلام» : حج رسول الله «صلىاللهعليهوآله» عشر حجاب ، مستسرا في كلها (٤).
٨ ـ عنه «عليهالسلام» : حج رسول الله «صلىاللهعليهوآله» عشرين حجة (٥).
٩ ـ وعن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله «عليهالسلام» : أنه «صلى الله
__________________
(١) المواهب اللدنية ج ٢ ص ٣٢٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٤٤.
(٢) شرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٨١ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٥٢ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٨ وأحكام القرآن ج ٣ ص ٣٠٢.
(٣) الكافي ج ٤ ص ٢٤٤ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٤٣ ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ٥٨٨ والبحار ج ١٨ ص ٢٨٠ وج ٢١ ص ٣٩٩.
(٤) الكافي ج ٤ ص ٢٤٤ ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ٨٨ و ٨٩ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٥٨.
(٥) الكافي ج ٤ ص ٢٤٥ و ٢٥٢ وعلل الشرائع ج ٢ ص ٤٥٠ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٢٣٨ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٤٣ و ٤٥٩ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٠ ص ١٦ و ٣٧ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٥٢ والبحار ج ٢٠ ص ٣٩٨ و ٣٩٩ و ٤٠٧ وج ٩٦ ص ٣٩ ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٢٨٥.
عليه وآله» قد حج عشرين حجة غير حجة الوداع (١).
وهناك أقوال أخرى ، فلتراجع في مظانها.
ولا منافاة بين روايات العشرة والعشرين ، فإن العشرة التي استسر بها هي تلك التي كانت في المدينة.
١٠ ـ وقد يمكن تأييد ذلك : بأن الحج قد شرع في مكة بما روي عن أبي عبد الله «عليهالسلام» ، قال : العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع ؛ لأن الله تعالى يقول : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ..) وإنما نزلت العمرة بالمدينة (٢) ونحوه غيره (٣).
ملاحظات وتوضيحات :
ونحن نسجل هنا الملاحظات والتوضيحات التالية :
ألف : إن حج النبي «صلىاللهعليهوآله» بعد الهجرة سرا قد يكون بالاحتجاب عن الناس بطريقة التدخل الإلهي الإعجازي ، فإن الله سبحانه قادر على كل شيء.
ب : قد يقال : إن حج النبي «صلىاللهعليهوآله» لم يكن لأجل أن الحج كان قد فرض ، فلعله كان آنئذ على صفة الندب ، أو لعله كان واجبا على
__________________
(١) الكافي ج ٤ ص ٢٥١ و ٢٤٤ و ٢٤٥ وراجع : مسند أحمد ج ٣ ص ١٣٤ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ٩٤.
(٢) الكافي ج ٤ ص ٢٦٥.
(٣) مستطرفات السرائر ص ٥٧٥ والبحار ج ١٥ ص ٣٦١ وج ٢١ ص ٣٩٩ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ٩٤.
رسول الله «صلىاللهعليهوآله» دون غيره ثم وجب على الناس بعد ذلك.
ولكن الرواية الأخيرة تؤكد : أن الحج والعمرة كانا واجبين على الخلق كلهم.
وعلى كل حال : فإن أحدا لا يستطيع أن ينفي فرض الحج على الناس في مكة ، فلعله قد شرع وأبلغه النبي «صلىاللهعليهوآله» إلى من أسلم معه ، وكانوا يحجون مع الناس ، دون أن يظهر منهم ما يوجب الصدام معهم ، لأن المشركين أيضا كانوا يحجون ، وإن كان في حجهم مخالفات وتحريفات ..
وربما يكون المسلمون قد استعملوا التقية في هذا الأمر ، إما في طريقة الأداء ، أو بامتناعهم عن الحج ، بسبب المخاطر التي تواجههم فيه.
وأما الحج بعد الهجرة ، فحتى لو أن النبي «صلىاللهعليهوآله» أبلغهم بوجوبه عليهم ، فإنهم لم يكونوا قادرين على القيام به ، بسبب الحروب القائمة بينهم وبين أهل مكة .. وقد استمر هذا الأمر إلى ما بعد الفتح ، كما هو معلوم ..
النبي صلىاللهعليهوآله يحيي الموتى :
وفي السنة الخامسة ، أو في غيرها كانت قصة أولاد جابر.
فقد روي : أن جابرا دعا النبي «صلىاللهعليهوآله» ذات يوم إلى القرى ، فأجابه «صلىاللهعليهوآله». وجاء وجلس ، ففرح جابر ، وذبح له حملا ليشويه.
وكان لجابر ولدان صغيران ، فطلب الكبير من الصغير أن يريه كيف ذبح أبوه الحمل ، فأضجعه ، وربط يديه ، ورجليه ، ثم ذبحه ، وحزّ رأسه ،
وجاء به إلى أمه. فدهشت ، وبكت ، فخاف الصبي ، وهرب إلى السطح ، فتبعته فرمى بنفسه عنه ، فمات أيضا.
فسكتت المرأة ، وأدخلت ابنيها البيت ، وغطتهما بمسح في ناحية من البيت. واشتغلت بطبخ الحمل ، وكانت تخفي الحزن ، وتظهر السرور ، ولم تعلم زوجها بالأمر.
فلما تم الطبخ ، وقرب إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» جاءه جبرئيل ، وقال : يا محمد ، إن الله يأمرك أن تأكل مع أولاد جابر.
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ذلك لجابر ، فطلب جابر ابنيه. فقالت امرأته : إنهما ليسا بحاضرين.
فأخبر جابر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بذلك ، فقال : إن الله يأمرك بإحضارهما.
فرجع إلى امرأته فأخبرها ، فبكت ، وكشفت له الغطاء عنهما ، فتحير جابر ، وبكى ، وأخبر النبي «صلىاللهعليهوآله» بالأمر. فنزل جبرئيل ، وقال : يا محمد ، إن الله يأمرك أن تدعو لهما ، ويقول : منك الدعاء ، ومنا الإجابة والإحياء.
فدعا رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فحييا بإذن الله (١).
وفي مناسبة أخرى : ذبح جابر شاة ، وطبخها ، وثرد في جفنة ، وأتى به رسول الله «صلىاللهعليهوآله». فأكل القوم. وكان «صلىاللهعليهوآله» يقول لهم : كلوا ولا تكسروا عظما. ثم إنه «صلىاللهعليهوآله» جمع العظام ،
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠٠ عن شواهد النبوة.
ووضع يديه عليها ، ثم تكلم بكلمات ، فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها (١).
ونقول :
إن لنا مع هذه الروايات وقفات ، هي التالية :
التقليد والمحاكاة :
إن ما ذكرته الرواية عن ذبح الولد لأخيه ليس أمرا محالا ، ولا غريبا. بل له نظائر عبر التاريخ وإلى يومنا هذا ؛ فإن اتجاه الأطفال نحو التقليد والمحاكاة أمر معروف ومألوف للناس ، ويرون مظاهره وشواهده في أطفالهم باستمرار.
ولكن تصرف أم الطفلين هو الذي يثير الدهشة حقا ، فكيف واجهت هذه الصدمة بمجرد البكاء ، ثم لم تفقد وعيها ، ولم تصرخ ، ولم تولول ، ليجتمع الناس إليها ، ويسألوها عما جرى؟!
بل كيف أطاقت حمل طفليها إلى ناحية البيت؟!
وكيف استطاعت أن تقف على رجليها ، وتصلح الطعام لرسول الله «صلىاللهعليهوآله»؟!
ثم هي لم تخبر زوجها بما جرى؟! بل زادت على ذلك كله : أنها كانت تخفي الحزن ، وتظهر السرور برسول الله «صلىاللهعليهوآله».
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠٠ عن المواهب اللدنية عن أبي نعيم ، وسبل الهدى والرشاد ج ١ ص ١٤.
قيمة الدعاء وآثاره :
إن اللافت هو : أن الله تعالى هو الذي أمر جبرئيل بأن يخبر الرسول «صلىاللهعليهوآله» بأن عليه أن يدعو للطفلين ، وأن يطلب من الله إحياءهما ، ويعده بالإجابة له ..
ألا يدل ذلك على : أن الله عزوجل يريد أن يعرّف الناس بمقام نبيه «صلىاللهعليهوآله» عنده ، ومحله لديه ، وأن يربط على قلوبهم ، ويزيد ثقتهم بالله سبحانه ، وبالرسول وبالرسالة؟!
كما أنه يريد : أن يعرف الناس بضرورة أن يكون كل شيء حتى الدعاء بأذن من الله سبحانه وبرضاه.
يضاف إلى ذلك : تعريفهم بقيمة الدعاء ، وبأنه داخل في سلسلة العلل للتأثير في الكائنات ، حتى ما كان بمستوى إحياء الموتى ، وليكن إرسال جبرئيل للنبي «صلىاللهعليهوآله» ـ ليبلغه أمر الله تعالى له بالدعاء لهما ـ إعلام بهذه الحقيقة الخطيرة والهامة جدا.
التشكيك الخفي :
هذا .. وقد علق الديار بكري على حديث إحياء ولدي جابر بقوله : «كذا في شواهد النبوة ، لكنها لم تشتهر اشتهارا» (١).
ونقول :
إنه يقصد : أن إحياء الموتى حدث عظيم ، وهائل ، من المفترض أن يطير
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠٠.
خبره في كل اتجاه .. فإذا لم يحصل ذلك ، كان هناك مبرر للتشكيك في صحة النقل.
غير أننا نقول : إن الآيات والمعجزات تارة تكون في مقام التحدي ، ومن أجل إثبات النبوة للجاحدين والطغاة مثلا .. فمن المفترض أن تظهر في الملأ العام ، وأن يكون ثمة اهتمام بنشر أخبارها ، والتعريف بآثارها ..
وتارة يكون المقصود بها : تكريم عبد صالح ، وتأكيد اليقين في قلبه ، وبعث السكينة في نفسه ، من دون أن يكون ثمة غرض من إشاعة أخبارها ، بل قد تكون المصلحة في كتمانها ، إذا كان نشرها يعطي الفرصة لأصحاب الأهواء للتشكيك بها ، أو التسبب ببعض أشكال الحرج لمن يراد تكريمهم وإعزازهم ، والحفاظ عليهم.
وهناك أقسام أخرى أشرنا إليها في كتابنا : رد الشمس لعلي «عليهالسلام» ، فيمكن الرجوع إليه.
لا تكسروا عظما :
ونحن لا نشك في : أن الله تعالى يحيي الشاة بدعاء رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، سواء أكسروا عظامها أم تركوها سالمة ، ولكننا نحتمل أن يكون أمر النبي «صلىاللهعليهوآله» للآكلين بأن لا يكسروا عظما لسببين :
أحدهما : أن لا يغلو صغار العقول برسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، بزعم أنه هو الله ، استنادا إلى قوله تعالى : (.. قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ..).
الثاني : التوطئة لإظهار هذه المعجزة ، وتهيئتهم للاستفادة منها في تقوية
إيمانهم إلى أقصى حد ممكن ، وذلك حين يعرفون : أن القضية أكثر من مجرد كرامة أظهرها الله لنبيه «صلىاللهعليهوآله» ، دون أن يكون له «صلىاللهعليهوآله» دور في صنعها وإظهارها .. بل هي عمل مقصود لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، سعى إليه خطوة خطوة حتى أتمه وأنجزه وفق ما خطط وأراد ، الأمر الذي يشير إلى أن الله سبحانه وتعالى قد أعطاه القدرة على صنع ما هو من هذا القبيل ، ويبلغ هذا الحد أيضا ، فهذا من شؤونه ، ومن وظائفه وصلاحياته كنبي ورسول.
إسلام خالد وعمرو بن العاص :
وزعموا : أن خالدا وعمرو بن العاص أسلما في السنة الخامسة من الهجرة (١).
ولكن سيأتي ، إن شاء الله : أن الصحيح هو : أن إسلام خالد ، كان في سنة سبع.
قال ابن حجر : ووهم من زعم أنه أسلم سنة خمس (٢).
وأسلم عمرو بن العاص سنة ثمان.
وقيل : بين الحديبية وخيبر (٣).
__________________
(١) وفاء الوفاء ج ١ ص ٣١٠.
(٢) الإصابة ج ١ ص ٤١٣.
(٣) الإصابة ج ٣ ص ٢.
الفصل الثاني :
زينب بنت جحش في بيت الرسول صلىاللهعليهوآله