الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٤

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٤

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-186-6
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٦

__________________

وراجع : مستدرك سفينة البحار ج ٩ ص ٤٠٨ والصراط المستقيم ج ٣ ص ٤٧ وغوالي اللآلي ج ١ ص ١٤٤ ومجمع البيان ج ٩ ص ١٦٦ وتفسير غريب القرآن ص ٧٠ والكافي ج ٦ ص ٢٦٨ والمجازات النبوية ص ٣٧٦ والوسائل (الإسلامية) ج ١٦ ص ٤٠٦ ومستدرك الوسائل ج ١٦ ص ٢١١ ومصباح الشريعة ص ٧٨ والطرائف ص ٥٠٥ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٦٣٢ والبحار ج ٦٠ ص ٣٢٥ وج ٧٨ ص ٢٠٤ وميزان الحكمة ج ١ ص ٨٩ و ٢٠٨ ومسند أحمد ج ٢ ص ٢١ و ٤٣ و ٣١٨ و ٣٧٥ و ٤١٥ و ١٤٥ و ٢٧٥ وج ٣ ص ٣٣٣ و ٣٥٧ وج ٤ ص ٣٣٦ وج ٦ ص ٣٩٧ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٩٩ وصحيح البخاري ج ٦ ص ٢٠٠ و ٢٠١ وصحيح مسلم ج ٦ ص ١٣٢ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٠٨٤ والجامع الصحيح للترمذي ج ٣ ص ١٧٣ وج ٥ ص ٤١٥ وشرح مسلم للنووي ج ١٤ ص ٢٣ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣١ وفتح الباري ج ٨ ص ٦٩ وج ٩ ص ٤٤٢ والديباج على صحيح مسلم ج ٥ ص ١٠٨ وتحفة الأحوذي ج ٥ ص ٤٤٠ وصحيفة همام بن منبّة ص ٤٠ ومسند الطيالسي ص ٢٥١ والمصنف للصنعاني ج ١٠ ص ٤١٩ ومسند الحميدي ج ٢ ص ٢٩٥ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٥ ص ٥٦٩ ومسند ابن راهويه ج ١ ص ٢٤٧ وإكرام الضيف للحربي ص ٤٠ والآحاد والمثاني ج ٢ ص ٢٤٤ وج ٥ ص ٥٧ وسنن النسائي ج ٤ ص ١٧٨ والمغاريد عن رسول الله ص ٩٥ ومسند أبي يعلي ج ٢ ص ٢١٨ وج ٣ ص ١٥٩ وج ٤ ص ١١٣ وصحيح ابن حبان ج ١ ص ٣٧٨ وج ١٢ ص ٣٩ والمعجم الأوسط ج ١ ص ٢٧٦ وج ٢ ص ١٦٨ والمعجم الكبير ج ٢ ص ٢٧٤ وج ٧ ص ٢٣٠ وج ٢٣ ص ٤٣٣ ومسند الشاميين ج ٢ ص ٣٩٨ وج ٤ ص ٢٩٥ ومسند الشهاب ج ١ ص ١١٤ والفائق ج ٣ ص ٢٤٨ والجامع الصغير ج ٢ ص ٦٦٠ والعهود المحمدية ص ٧٧٦ وكنز العمال ج ١ ص ١٤١ وشرح مسند أبي حنيفة ص ١٩٧ وفيض القدير ج ٦ ص ٣٢٦ وكشف الخفاء

٢٨١

ربط الأسير في المسجد :

تقدم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عرفهم بأسيرهم ، وأنه سيد أهل اليمامة ، وقال لهم : أحسنوا إساره.

ولكن الروايات ذكرت أيضا : أنه «ربط بسارية من سواري المسجد» (١).

__________________

ج ٢ ص ٢٩٥ وضعيف سنن الترمذي ص ٥٧١ ومجمع البيان ج ٩ ص ١٦٦ وغريب القرآن ص ٧٠ ونور الثقلين ج ٢ ص ٢٠ وتفسير القرطبي ج ٧ ص ١٩٢ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٤ ص ١٨٩ والتاريخ الكبير للبخاري ج ٨ ص ١١٩ وعلل الترمذي ص ٤١٥ والثقات ج ٣ ص ٦١ والكامل ج ١ ص ٣٧٩ وج ٢ ص ٦٣ وتاريخ بغداد ج ٢ ص ١٨٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٦ ص ١٨ وأسد الغابة ج ١ ص ٣٠٩ وميزان الإعتدال ج ٤ ص ٢١٤ وسير أعلام النبلاء ج ١٦ ص ٢٣٨ وتاريخ المدينة ج ٢ ص ٤٣٧ وذكر أخبار إصبهان ج ١ ص ١١٢ وج ٢ ص ١٥٣ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٤١ وج ٦ ص ١٣١ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٥١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٣٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٥٤ وج ٦ ص ٧٢ و ٧٥ وج ٩ ص ٤٦٦ وج ١٢ ص ١٠٣.

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٤ وقاموس الرجال (ط مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين) ج ٢ ص ٤٩٤ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥١٤ وغوالي اللآلي ج ١ ص ٢٢٧ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٤٩ ومسند أحمد ج ٢ ص ٤٥٢ وعن صحيح البخاري ج ١ ص ١١٩ و ١٢٠ وج ٣ ص ٩١ وج ٥ ص ١١٧ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٥٨ وسنن أبي داود ج ١ ص ٦٠٥ وسنن النسائي ج ٢ ص ٤٦ وج ١ ص ٢٦٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ١ ص ١٧١ وج ٢ ص ٢٤٤ وج ٦ ص ٣١٩ وج ٩ ص ٦٥ و ٨٨ وشرح مسلم للنووي ج ١٢ ص ٨٧ وصحيح ابن خزيمة ج ١ ص ١٢٥ وصحيح ابن حبان ج ٤ ص ٤٢ ونصب الراية ج ٤ ص ٢٤٣ و ٢٤٤ وإرواء الغليل

٢٨٢

فهل ربط الأسير بسارية من سواري المسجد بحيث يراه الخاص والعام يعدّ إحسانا لإساره؟! خصوصا إذا كان من سادات العرب ، ومن أهل الشرف والرياسة!! ألا يعدّ ذلك بالنسبة لهذا النوع من الناس غاية الإذلال ، وأبلغ المهانة؟!

متى أسر ثمامة؟!

والتأمل في قصة ثمامة يثير أمامنا أكثر من سؤال ، يحتاج إلى إجابة مقنعة ودقيقة.

فهناك سؤال عن تاريخ أسره ، فإن ابن هشام وغيره يذكرون : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتب إلى ثمامة بن أثال ، وهوذة بن علي ، ملكي اليمامة ـ حين كتب إلى الملوك ـ (١).

والمعلوم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد كتب إلى الملوك بعد الحديبية كما سيأتي في موضعه ، أي في سنة ست أو سبع (٢).

__________________

ج ٥ ص ٤٢ والثقات ج ١ ص ٢٨١ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢١ ص ٢٧٩ وتاريخ المدينة ج ٢ ص ٤٣٤ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٥٩ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٩٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٧١.

(١) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٥٤ وأسد الغابة ج ٢ ص ٣٤٤.

(٢) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٥٤ و ٢٥٥ وأسد الغابة ج ٣ ص ٣٤٤ وراجع : مكاتيب الرسول (ط دار صعب) ج ١ ص ١١٣ عن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٨٨ وعن الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٨٠ وعن الطبقات لابن سعد ج ١ ص ٢٥٨ و ٢٥٩ وتاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٤٨ والتنبيه والإشراف ص ٢٢٥.

٢٨٣

بل لقد ورد : أن ثمامة عزم على قتل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأسر على قول ، أو خرج معتمرا ودخل المدينة فتحير فيها حتى أخذ وجيء به إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

ويؤيد ذلك : ما رواه الكليني من أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال : اللهم مكني من ثمامة ، فأسرته خيل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

والظاهر : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال ذلك بعد أن أساء ثمامة إلى رسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». وإلا فلما ذا يخص ثمامة بهذا الدعاء؟!

ويدل على تأخر إسلام ثمامة وتأخر قضية أسره : أن أبا هريرة يروي القضية ، ويقول في آخرها : «فجعلنا المساكين تقول بيننا : ما نصنع بدم ثمامة؟! لأكلة من جزور سمينة من فدائه أحب إلينا من دم ثمامة» (٣).

أين أسر ثمامة؟!

ومن ذلك : السؤال عن مكان أسر ثمامة .. فإن الروايات التي ذكرناها آنفا لم تبين ذلك ، بل ربما يكون فيها إلماح إلى أنه قد أسر في المناطق التي وصلت إليها السرية المذكورة ..

مع أن ثمة ما يدل : على أنه قد أسر في داخل المدينة نفسها ، حيث يقول

__________________

(١) مكاتيب الرسول للأحمدي (ط دار صعب) ج ١ ص ١٤٠ وأسد الغابة ج ١ ص ٢٤٦ و ٢٤٧.

(٢) راجع : الكافي ج ٨ ص ٤٩٩.

(٣) أسد الغابة ج ١ ص ٢٤٧ وتاريخ المدينة لابن شيبة ج ٢ ص ٤٣٩ والسنن الكبرى ج ٩ ص ٦٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٤ والكافي ج ٨ ص ٢٩٩.

٢٨٤

النص : إنه قد «دخل المدينة وهو يريد مكة للعمرة ، فتحير في المدينة ، فقبض ، وأتي به إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ثم أسلم ، ومنع حمل الحب من اليمامة إلى مكة إلا بإذن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..» (١).

وفي نص آخر : أنه «كان قد جاء إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» رسولا من عند مسيلمة ، وأراد اغتياله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». فدعا ربه أن يمكنه منه ، فأخذ وجيء به إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فربط بسارية من سواري المسجد الخ ..» (٢).

ولنا تحفظ على هذا النص الأخير.

فإن سيد أهل اليمامة لا يرضى عادة بأن يكون هو الرسول لاغتيال أحد ، بل هو يقود الجيوش ، ويتزعم الكراديس في الحروب ، ويرسل من قبله أفرادا مغمورين ، لا يعرفهم الناس إذا رأوهم ، بل يظنونهم أعرابا ، أو تجارا ، أو ما إلى ذلك.

ثمامة المجهول لآسريه :

وقد صرح النص الذي نقلناه فيما سبق : بأن الذين أسروا ثمامة لم يعرفوه ، حتى كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الذي دلهم عليه ، وأمرهم بالإحسان إليه ..

ونقول :

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٤ وأسد الغابة ج ١ ص ٢٤٦ و ٢٤٧ وراجع المصادر المتقدمة في الهامش السابق.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٤.

٢٨٥

إن هذا لو صح ، فلا بد أن يكون مؤيدا للنص الذي يقول : إنه قد قبض على ثمامة في المدينة ، حيث لم يستغرق أسرهم له سوى دقائق ، هي مسافة الطريق من موضع القبض عليه حتى وصوله إلى المسجد ، حيث عرض أمره على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ولو كان قد أسر قبل ذلك ، فلا يعقل أن يبقى في يد آسريه ساعات أو أياما ، دون أن يسألوه عن نفسه ، وعن أهله وبلده ، ويبقى مجهولا لهم إلى أن يعرفه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ويخبرهم بأمره.

إلا أن يقال : إنهم سألوه ، فلم يجبهم ، أو أجابهم ولم يصدقوه .. وكلاهما احتمال لا شاهد له.

أكلة لحم جزور أحب إليه :

وقد زعموا أيضا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» انصرف من عند ثمامة وهو يقول : اللهم أكلة لحم من جزور أحب إلي من دم ثمامة ، ثم أمر به فأطلق (١).

ونحن نجل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن هذه التفاهات ، فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن يهتم بأكلة من لحم جزور ، ولا يجعل هذا الأمر طرفا في المقايسة مع دم أحد ..

والصحيح هو : أن هذا من أقوال أبي هريرة ، ومن معه من أصحاب الصفة ، الذين صاروا يقولون : نبينا «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما يصنع بدم

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٤ عن الإستيعاب (بهامش الإصابة) وتاريخ المدينة لابن أبي شبة النميري ج ٢ ص ٤٣٩.

٢٨٦

ثمامة؟! والله لأكلة جزور سمينة من فدائه أحب إلينا من دم ثمامة (١).

الإحسان إلى ثمامة .. ثم إسلامه :

وقد ذكرت الروايات المتقدمة : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أحسن إلى ثمامة ، وخصه بلقاحه فكان يغدى بها عليه ويراح. وصار «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يطلب منه أن يسلم ..

ونقول :

إن من الواضح : أن الإسلام حين خص المؤلفة قلوبهم بنصيب من المال ، فلا بد أن يكون قد لا حظ :

أولا : إنه بذلك يكون قد أعطاهم الفرصة ليعيشوا أجواء الإسلام ، عن كثب ، ليتلمسوا حقائقه وقيمه ، ومفاهيمه ، وليعيشوا الأمن والسلام الداخلي ، والاجتماعي ، والسياسي ، بكل ما لهذه الكلمات من معنى.

ثانيا : إنه يكون بذلك قد طمأنهم إلى أن الإسلام لا يريد أن يحرمهم من لذائذ الحياة الدنيا ، ولا يريد أن يسلبهم الامتيازات المشروعة فيها ، بل هو يريد أن يحفظ لهم ذلك ، وأن يوجههم باتجاه إنتاج المزيد من الخير والسعادة لهم ، وإبعاد أي نوع من أنواع الخلل في حياتهم وفي سعادتهم ..

ثالثا : إنه يريد منهم أن يكفوا عن ممارسة أساليب الضغط على الناس وعن العمل على مصادرة حريات الآخرين ، والتأثير على قرارهم فيما يرتبط بالفكر والاعتقاد ، وأن يبقى الباب مفتوحا والمجال مفسوحا أمام أبنائهم ، وسائر

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٤ والكافي ج ٨ ص ٢٩٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٦٦ وأسد الغابة ج ١ ص ٢٤٧ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ٢ ص ٤٣٩.

٢٨٧

أرحامهم وأصدقائهم ، وكل من يرتبط بهم ، ليعيشوا أجواء الإسلام ، من دون أي حرج أو تردد ، وأن يتفهموا حقائقه ، ومفاهيمه ، ومعانيه ، من منابعه الأصلية ، بكل سلامة وصفاء ، بعيدا عن أي تشويه ، ومن دون تأثر بالشائعات المغرضة ، أو الكاذبة.

رابعا : إن ذلك ليس شراء لذممهم ، ولا هو شراء لضمائرهم ، ولدينهم بالمال. بل ذلك من أجل رفع الحواجز النفسية ، وطمأنتهم إلى أن الهدف هو مجرد الحصول على حرية التفكير والقرار ، إذ لو كان الأمر على خلاف ذلك لكان اللازم هو فرض قرار الإسلام والإيمان عليهم مقابل المال. وهذا ما لم يكن ، بل الذي كان هو مجرد رفع حالة العداء ، وحصول درجة من الثقة والإلفة ، ورفع الوحشة وإزالة الخشية من نفوسهم ، ولذلك سماهم الإسلام بالمؤلفة قلوبهم ، وسمي سهمهم أيضا بسهم المؤلفة قلوبهم ..

خامسا : وأخيرا ، فإن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت وتفرغت للعبادة ، وأيس منها الوسواس ، حسبما قاله الصحابي الجليل سلمان الفارسي (المحمدي) رضوان الله تعالى عليه (١).

وعلى هذا الأساس نقول :

إنه إذا وجد المؤلفة قلوبهم مقاصدهم المالية ، فإن الباب يصبح أمامهم مفتوحا للتفكير بأمور الاعتقاد والسياسة ، والأخلاق والقيم ، وما إلى ذلك.

__________________

(١) المعجم الكبير ج ٦ ص ٢١٩ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣٥ والعلل لأحمد بن حنبل ص ٤٠٢ وحلية الأولياء ج ١ ص ٢٠٧ والإمامة وأهل البيت (لمحمد بيومي مهران) ج ١ ص ٣١.

٢٨٨

أمعاء الكافر .. والمؤمن :

وأما الحديث عن كثرة أكل ثمامة ، وقلته ، قبل الكفر وبعده ، وادّعاء أن سبب قلة أكله بعد أن أسلم هو أن المؤمن يأكل بمعي واحد .. فهو حديث غريب وعجيب.

فأولا : لماذا عجب المسلمون من ثمامة حينما قلّ أكله بعد إسلامه؟ ألم يجر هذا الأمر على كل واحد منهم قبله ، حين خرجوا من الكفر إلى الإيمان؟! أم أن ذلك قد حدث لأول مرة مع خصوص ثمامة دون سواه؟!

وها نحن لا زلنا نشاهد مشركين وكفارا يسلمون ، فهل يقلّ أكلهم بعد إسلامهم ، بحيث يلفت ذلك النظر ، ويثير العجب؟!

ثانيا : قيل : إن هذا الحديث قد ورد في رجل بعينه ، وهو عمرو بن معد يكرب الزبيدي ، الذي كان يأكل في حال كفره فيكثر ، فلما أسلم قل طعمه ..

وقال أبو عبيد في تاريخه : هو أبو بصرة الغفاري واسمه حميل (١).

وقيل : المراد به أبو غزوان (٢).

غير أننا نقول : إن سياق الحديث يأبى هذا الاختصاص ، لأن كثرة الأكل وقلته ، قد علقتا على الكفر والإيمان ..

__________________

(١) البحار ج ٦٣ ص ٢٢٦ وتقريب التهذيب ج ٢ ص ٣٦٢ وأسد الغابة ج ١ ص ٢٩٥ وإكمال الكمال ج ٢ ص ١٢٦ وضعيف سنن الترمذي ص ٥١ والمعجم الكبير ج ٢ ص ٢٧٦ وعون المعبود ج ٤ ص ٦٤.

(٢) البحار ج ٦٣ ص ٢٢٧ عن فتح الباري ، ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣٢ وعن فتح الباري ج ٩ ص ٤٤٣ وتحفة الأحوذي ج ٥ ص ٤٤٠ وأسد الغابة ج ٥ ص ٢٦٨.

٢٨٩

إلا أن يقال : إن اللام في كلمتي المؤمن والكافر عهدية لا جنسية (١).

ولكنه توجيه لا يصح ، لأن ظاهر الكلام : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بصدد ضرب القاعدة ، وإعطاء الضابطة.

توجيهات معقولة :

وخير ما يوجه به هذا الكلام هو : ما ذكره علماؤنا الأبرار رضوان الله تعالى عليهم ، من أنه جار على طريقة المجاز لحث الناس على القناعة ، وعلى أن لا تكون همتهم في طعامهم «كالبهيمة المربوطة همها علفها ، وشغلها تقممها» ، فإن الذي يبحث عن اللذة ، وينساق وراء إشباع دواعي الشهوة هو الكافر .. أما المؤمن فهمه مجرد التبلغ لحفظ خيط الحياة.

أو يقال : إن الكافر لا يبالي من أين أكل ، ولا كيف أكل ، بل هو لا يشبع من جمع الأموال ، ويريد أن يأكل الدنيا بأسرها ، بأي سبب كان ، فكأن له سبعة أمعاء ، على سبيل المبالغة.

أما المؤمن ، فلا يأكل إلا الحلال بالسبب الحلال ، فيقتصر ما يتناوله أو يصل إليه على أقل القليل ..

ثمامة أول من اعتمر :

وقالوا أيضا : إن ثمامة قال للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ، فماذا ترى؟! فبشره النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأمره أن يعتمر. فلما قدم مكة قال له قائل : صبوت؟

__________________

(١) راجع : البحار ج ٦٣ ص ٣٢٥ ـ ٣٢٧.

٢٩٠

فقال : لا ، ولكني أسلمت مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». ولا والله لما تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ثم خرج إلى اليمامة ، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا. حتى أضر بهم الجوع وأكلت قريش العلهز (١).

فكتبوا إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إنك تأمر بصلة الرحم ، وإنك قد قطعت أرحامنا.

فكتب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أن خل بين قومي وبين ميرتهم. ففعل ، فأنزل الله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) (٢).

ويقال : إنه لما كان ببطن مكة في عمرته لبى ، فكان أول من دخل مكة يلبي ، فأخذته قريش ، فقالوا : لقد اجترأت علينا. وهموا بقتله ، ثم خلوه لمكان حاجتهم إليه وإلى بلده (٣).

هل قطع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أرحامه؟!

وحول ما ذكرته رواية قطع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أرحام قومه ، نقول :

__________________

(١) العلهز : هو الدم يخلط بأوبار الإبل ، فيشوى على النار.

(٢) الآية ٧٦ من سورة المؤمنون.

(٣) راجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٣ عن البخاري ، والإكتفاء ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٤٥ وعن فتح الباري ج ٨ ص ٦٩ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٥٤ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٧٢.

٢٩١

أولا : هل يحق لأهل مكة ، الذين حصروه هو والهاشميين في شعب أبي طالب سنوات ، ومنعوا عنهم كل شيء حتى كادوا يهلكون جوعا ، ثم أخرجوا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ومن معه من ديارهم ، وحاربوه ، وقتلوا عمه حمزة ، وابن عمه عبيدة بن الحارث وكذلك غير هما من الأخيار ، وتآمروا على حياته ، ولا يزالون يعملون جاهدين لإطفاء نور الله .. ويشنون عليه الغارات .. و.. و..

هل يحق لهم : أن يتهموه بأنه قطع أرحامهم؟! ..

ولماذا لم يتهموه بذلك وهو لم يزل يعترض قوافلهم التي تحمل أموالهم وتجاراتهم ، وقد عور عليهم متجرهم؟! ..

وإذا كانوا قد قالوا ذلك له فعلا ، فلما ذا لم يستجب لهم ، ويتوقف عن اعتراض قوافلهم وتجاراتهم؟!

وإذا كان قد استجاب لهم ، فما هو الداعي لحرب بدر؟

ألم يكن بإمكانهم أن يطالبوه بصلة أرحامهم ، ليكف عن اعتراض تجاراتهم؟!

ثانيا : إذا كان ثمامة هو الذي منع عن قريش أي شيء من نتاج اليمامة ، فما هو ذنب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ليتهموه بأنه قد قطع رحمهم؟! ولماذا لا يطالبون ثمامة نفسه بهذا الأمر؟ ..

ثالثا : والأهم من ذلك : هل كانت اليمامة هي المصدر الوحيد للحنطة ، ولغيرها مما تحتاجه مكة؟! ألم يكن في سائر بلاد الله الواسعة ما يلبي حاجات مكة وسواها من ذلك؟!

رابعا : وعلينا أن لا نغفل أخيرا عن هذا التعبير الذي ينسب إلى رسول

٢٩٢

الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وهو قوله : «خلّ بين قومي وبين ميرتهم» ، فهل كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على استعداد لإمداد قريش بالميرة في غير حالات المجاعة القصوى ، حيث يتطلب الأمر إنقاذ الأطفال والنساء ، وغيرهم من المستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة؟!

وما معنى التعبير بكلمة «قومي» بياء المتكلم؟

فهل نسبتهم إلى نفسه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تهدف إلى تشريفهم بذلك وتكريمهم؟!

أم أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» واقع تحت المشاعر العنصرية بصورة عفوية؟!

أم أنه قال ذلك في حالة غضب ، لم يتمكن من السيطرة عليه .. وكلا هذين الخيارين لا يمكن صدور هما منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ثم لماذا ينسب الميرة إلى قومه ، فيقول : «ميرتهم»؟!

وهل لهم حق مفروض بهذه الميرة ، لا يجوز لأحد منعه عنهم ، ومنعهم عنه؟!

٢ ـ سرية عكاشة إلى غمر مرزوق :

وفي ربيع الأول من سنة ست كانت سرية عكاشة بن محصن إلى غمر مرزوق ـ ماء لبني أسد على ليلتين من فيد ، في أربعين رجلا (١).

وقيل : بل كان أميرهم ثابت بن أرقم ، فأخبر به القوم فهربوا ، فنزلوا

__________________

(١) البحار ج ٢٠ ص ٢٩١ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٨٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ١١ ص ١١٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٢ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٥٥٩.

٢٩٣

عليا بلادهم ، وانتهى المسلمون إلى ديارهم فلم يجدوا أحدا.

فبعثوا شجاع بن وهب في جملة جماعة إلى بعض النواحي طليعة يطلبون خبرا ، ويجدون أثرا ، فرجع شجاع بن وهب ، فأخبرهم أنه وجد أثر نعم قريبا ، فذهبوا إلى هناك ، فأخذوا رجلا من بني أسد كان نائما ، فدلهم على نعمهم بالمرعى.

وفي نص آخر : أطلعهم على نعم لبني عم له لم يعلموا بمسيرهم ، فساقوا مائة بعير ، أو مائتين ، وقدموا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

٣ ـ سرية أبي مسلمة إلى ذي القصّة :

وفي ربيع الأول بعث محمد بن مسلمة في عشرة معه إلى بني ثعلبة في ذي القصّة ـ بفتح القاف ـ موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا ـ وقيل غير ذلك ـ فورد عليه ليلا ، فكمن له القوم ، وهم مائة رجل ، وأمهلوهم حتى ناموا ، فتراموا ساعة من الليل ، ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح فقتلوهم ، وجرح محمد بن مسلمة ، وظنوه قد مات ، وجردوهم من ثيابهم (٢).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٧٧ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٨٥ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٥٦٠ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٩٥.

(٢) المسترشد ص ٢٢٥ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٨٥ والثقات ج ١ ص ٢٨٣ والتنبيه والإشراف ص ٢١٩ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٩٦ والبحار ج ٢٠ ص ٢٩١ وج ٣٠ ص ١٣٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٦ ص ٢٨٥ وج ٣٠ ص ٣١٦

٢٩٤

ومر رجل من المسلمين ، فحمل ابن مسلمة حتى ورد به المدينة.

٤ ـ سرية أبي عبيدة إلى ذي القصّة :

ثم بلغ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنهم يريدون أن يغيروا على سرح المدينة ، الذي كان يرعى بعيدا عنها بسبعة أميال ببطن هيفاء ، فسار إليهم في ربيع الآخر من سنة ست أبو عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارعهم ، فأغاروا عليهم في عماية الصبح ، فأعجزوهم هربا في الجبال ، وأسروا رجلا واحدا ، فأسلم وتركه ، وأخذوا نعما من نعمهم فاستاقوها ، ورثّة من متاعهم ، وقدموا المدينة ، فخمسه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقسم ما بقي عليهم (١).

٥ ـ سرية زيد إلى بني سليم :

وفي ربيع الآخر من سنة ست كانت سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم أو الجموح : (وهي ناحية من بطن نخل على أربعة أميال من المدينة) ، فأصابوا امرأة من مزينة يقال لها : حليمة ، فدلتهم على محلة من محال بني سليم ، فأصابوا نعما ، وشاء ، وأسرى. فكان فيهم زوج حليمة المزنية.

__________________

وج ٦٥ ص ١٢٥ وسير أعلام النبلاء ج ٤ ص ٥١٨ ومعجم البلدان ج ٤ ص ٣٦٦ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ١٥٧ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٨٦ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٨٦.

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٧٩ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٩٧ والثقات ج ١ ص ٢٨٣ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٨٦.

٢٩٥

فلما قفل زيد بما أصاب وهب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للمزنية زوجها ونفسها (١).

طبيعة سرايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ويستوقفنا في السرايا الثلاث عدة أمور هي :

أولا : ما أشرنا إليه فيما سبق من أن سياق هذه السرايا من شأنه أن يعطي انطباعا غير صحيح بأن هذا النبي الكريم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليس له همّ إلا الإغارة على الناس الآمنين ، وسلب أموالهم ، وقتل رجالهم و.. وهؤلاء هم أصحابه يفعلون الأفاعيل بالناس ، حتى إنهم ليضربون الرجل الأسدي ليدلهم على النعم في مراعيها ، وهي لأناس لم يعلموا بمسيرهم (٢).

ولكن الحقيقة مغايرة لهذا تماما ، فإن هم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو هداية الناس وإسعادهم ، وليس قتلهم ، وسلب أموالهم. وقد كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» شديد التثبت في أمر الذين يدبرون ويسعون للعدوان على المسلمين ، كما يظهر من كثير من الموارد ، مثل سرية ابن رواحة إلى أسير بن رزام الآتية وغيرها.

ثانيا : إنه إذا صحت الروايات عن حدوث هذه السرايا فعلا ، فلا بد أن تكون قد هدفت إلى رد عدوان أناس كانوا معلنين للحرب على أهل

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٨٦ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٨٦ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٩٨ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٧١ والبحار ج ٢٠ ص ٢٩١.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٧٧.

٢٩٦

الإيمان ، أو إبطال كيدهم ، وتفريق جموعهم ، وإضعاف قدرتهم على تنفيذ ما يخططون له .. وليس للمحارب أن يغفل أو أن يتغافل فإنما الحرب خدعة تبتدر ، وفرصة تنتهز.

وقد صرحت الروايات : بأن الذين أغار عليهم أبو عبيدة كانوا بصدد الإغارة على سرح المدينة لاستياقه ..

ثالثا : إن الظاهر هو : أن سرية محمد بن مسلمة ـ لو صحت ـ فإنما كانت لأجل الاستطلاع ، وتقصي الأخبار عما يخطط له بنو ثعلبة ، فوقعوا في كمين أعدائهم ، وجرى عليهم ما جرى.

رابعا : ذكر ابن عائذ : أن أمير السرية هو ثابت بن أقرم ، وليس عكاشة بن محصن .. (١).

الشهداء في سرية ابن مسلمة :

وقد ذكروا : أن جميع من انتظم في سرية ابن مسلمة قد قتل ، ونجا ابن مسلمة وحده جريحا ..

وقد ذكر الواقدي : أن هؤلاء العشرة هم :

١ ـ أبو نائلة.

٢ ـ والحارث بن أوس.

٣ ـ وأبو عبس بن جبر.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٧٧ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٢١٠ والمعجم الكبير ج ٢ ص ٧٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ١١ ص ١١٠ وج ٦ ص ٧٧ وأسد الغابة ج ١ ص ٢٢٠ وعن الإصابة ج ١ ص ٥٠١ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٩٥.

٢٩٧

٤ ـ ونعمان بن عصر.

٥ ـ ومحيصة بن مسعود.

٦ ـ وحويصة بن مسعود.

٧ ـ وأبو بردة بن نيار.

٨ و ٩ ـ ورجلان من مزينة.

١٠ ـ ورجل من غطفان.

ونقول :

قد نص العلماء : على أن أكثر هؤلاء قد عاش سنوات طويلة بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فلاحظ ما يلي :

١ ـ النعمان بن عصر : قتله طليحة بن خويلد بعد استشهاد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيما يعرف بحروب الردة ، أو اليمامة (١).

٢ ـ أبو بردة بن نيار : مات في خلافة معاوية ، بعد أن شهد مع علي «عليه‌السلام» حروبه كلها وقيل : إنه مات سنة إحدى ، وقيل : اثنتين ، وقيل : خمس وأربعين (٢).

__________________

(١) الإصابة ج ٣ ص ٥٦٣ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٣ ص ٥٤٣ عن الطبري ، وإكمال الكمال ج ٧ ص ٢٦ و ٣٨٥ والأنساب للسمعاني ج ٤ ص ٢٠٢ وج ٥ ص ٥٦٩ والطبقات الكبرى ج ٣ ص ٤٧٠ وأسد الغابة ج ٥ ص ٢٧.

(٢) الإصابة ج ٤ ص ١٩ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٤ ص ١٨ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٤٥٢ وأسد الغابة ج ٥ ص ١٤٦ والجرح والتعديل ج ٩ ص ١٠٠ وتهذيب الكمال ج ٣٣ ص ٧٢ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٣٥ وتهذيب التهذيب ج ١٢ ص ١٨ وتقريب التهذيب ج ٢ ص ٣٦٠ وإسعاف المبطأ برجال الموطأ ص ١١٣.

٢٩٨

٣ ـ أبو عبيس (أو عبس) بن جابر (أو جبر) : كان قد عمي في عهد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأعطاه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عصا ، وقال : تنور بهذه ، فكانت تضيء له ما بين كذا وكذا (١).

ومات سنة أربع وثلاثين ، وصلى عليه عثمان (٢).

٤ ـ حويصة يقولون : إنه شهد أحدا ، والخندق ، وسائر المشاهد (٣) ، فمن حضر سائر المشاهد ، فإنه يكون قد عاش إلى ما بعد وفاة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

وهناك ثلاثة رجال لا يعلم عنهم شيء.

وعلى هذه فقس ما سواها ..

شكوك أخرى حول سرية ابن مسلمة :

على أن ما ذكرناه آنفا ليس هو كل شيء ، فهناك شكوك أخرى ، لا بد

__________________

(١) الإصابة ج ٤ ص ١٣٠.

(٢) الإصابة ج ٤ ص ٣٠ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٤ ص ١٢٢ والطبقات الكبرى ج ٣ ص ٤٥١ و ٥٠٧ والثقات ج ٣ ص ٢٥٥ وأسد الغابة ج ٣ ص ٢٨٣ وج ٥ ص ٢٤٨ وتهذيب الكمال ج ٣٨ ص ٤٦ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٣٥٠ و ٣٥١ والآحاد والمثاني ج ٤ ص ٣١ وسير أعلام النبلاء ج ١ ص ١٨٩ وتهذيب التهذيب ج ١٢ ص ١٤٠ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ٢ ص ٤٥٧ وتقريب التهذيب ج ٢ ص ٤٣١.

(٣) الإصابة ج ٤ ص ٣٠ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ١ ص ٣٩٤ وتهذيب الكمال ج ٢٧ ص ٣١٣ وتهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٦٠ وسبل الهدى والرشاد ج ١ هامش ص ١٢٣.

٢٩٩

من التصريح بها ، والبحث عما يزيلها ، إن كان هناك ما يمكن أن يكون مفيدا في معرفة الحق والحقيقة فيها.

ونذكر مما يدخل في هذا المجال ما يلي :

بالنسبة إلى الذين قتلوا مع ابن مسلمة نقول :

١ ـ إنهم إذا كانوا قد ناموا فهجم عليهم الأعداء حتى خالطوهم ، فما معنى أن يتراموا بالنبل ، الذي يحتاج إلى مسافة ، فإن المفروض في الذين خالطوهم ألا يلجأوا إلى الرمي بالنبال ، بل أن يضربوهم بسيوفهم ، أو أن يشجروهم برماحهم؟!

٢ ـ ما معنى أن ينام جميع رجال السرية ، حتى لم يبق أحد منهم يحرس ويراقب؟! مع أنهم كما صرحت الروايات قد أصبحوا في بلاد عدوهم ، وحيث أصبح الخطر داهما؟!

٣ ـ قد صرحت الروايات : بأن محمد بن مسلمة وقع جريحا «فضربوا كعبه ، فلم يتحرك ، فظنوا موته ، فجردوه من الثياب».

والسؤال هو : لماذا اختاروا أن يضربوا كعب محمد بن مسلمة ، ولم يغمدوا سيوفهم في صدره أو نحره ، أو بطنه ، أو ما إلى ذلك ، ليتأكدوا من موته؟!

وكيف أبصروا حركته وعدمها في ظلمة ذلك الليل؟!

وكيف استطاع هو أن يتحمل هذا الألم ، ولا يتحرك؟!

وحين قتل المشركون المسلمين ، هل تمكن المسلمون من قتل أحد من المشركين؟! أم أنهم سلموا جميعا ، فلا قتل ولا جراح فيهم؟!

ولماذا لم يحدثنا التاريخ عن شيء من ذلك؟!

إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي تحتاج إلى إجابات مقنعة ومقبولة.

٣٠٠