الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٤

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٤

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-186-6
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٦

الجميل بالقبيح رغم أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين سمح له بذلك لم يكن يطمع منه بمال ، ولا بنصرة ، ولا كان ذلك عن خوف منه ، وإنما كان الدافع إلى هذا الإحسان هو خلقه الرضي ، ومنطلقاته الإيمانية والإنسانية ، والثوابت الأخلاقية ، والقيم والمثل العليا.

وهو «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يرى : أن السلم والتعاون والتفاهم هو الأساس لكل العلاقات بين الناس .. لأنه هو المحيط الطبيعي للحياة الكريمة والحرة ، وهو الذي يهيئ لبناء الحياة بناء سليما ، ويفسح المجال لاعتماد الخيارات الصحيحة بتدبر وأناة.

وأما الحرب ، فهي لمنع العابثين والطامعين ، من استبعاد الناس وإذلالهم ، ومصادرة خياراتهم .. وقد كان عيينة من هؤلاء ، كما دلت عليه تصرفاته ، وكما وشى به غدره وخيانته ..

كيف علم ابن الأكوع بالغارة؟! :

قد ذكرت الروايات السابقة : أن سلمة بن الأكوع أول من نذر بالغارة ، فغدا يريد الغابة ، ومعه غلام للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» اسمه رباح.

ولكننا نشك في صحة ذلك ، ومستندنا هو :

١ ـ إن ثمة رواية تقول : إن سلمة كان مع السرح حين أغير عليه ، وأنه قام على أكمة ، وصاح : وا صباحاه ، ثلاثا (١).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٧ وعون المعبود ج ٧ ص ٣٠٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٧١ و ١٧٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٧٥٢ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٨٦ و ٢٨٩.

٢٤١

٢ ـ إن رواية أخرى ، عن سلمة نفسه يصرح فيها : بأنه إنما علم بالإغارة على اللقاح من عبد لعبد الرحمن بن عوف. وقد التقى به حينما خرج سلمة مع رباح قبل أن يؤذن بلال للفجر.

فقال له سلمة : ويحك ما لك؟

قال : أخذت لقاح رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قلت : من أخذها؟

قال : أخذها غطفان ونزار.

وكان سلمة راكبا على فرس لطلحة ، أو لأبي طلحة (١).

وفي نص آخر : أنه علم بالغارة على السرح من رباح غلام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأعطاه سلمة الفرس الذي معه ، وأرسله إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليخبره بالإغارة على السرح (٢).

__________________

(١) راجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٩٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٨٩ ومسند أحمد ج ٤ ص ٤٩ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٩١ والسنن الكبرى ج ٩ ص ٨٨ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥٥٦ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٢٧ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٥٣ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٨٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٢ ص ٩٧ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٧٣ وعيون الأثر ج ٢ ص ٧٣.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٩١ والسنن الكبرى ج ٩ ص ٨٨ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٥٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٩٦.

٢٤٢

رباح مولى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقد حاول العسقلاني الجمع بين الروايات بادعاء : أن رباحا هو نفس غلام ابن عوف ، وكان يخدم الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١). فنسب إليه تارة ، وإلى ابن عوف أخرى.

ويرد عليه : أن الرواية التي قدمناها تصرح : بأن سلمة كان مع رباح ، ثم التقيا بغلام ابن عوف ، فأخبر هما بالإغارة على السرح ..

رباح .. اسم مكروه :

واللافت : أنهم يقولون : إن اسم غلام النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو : «رباح» ، مع أنهم يروون : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد نهى أن يسمي الرجل رقيقه بيسار ، ورباح ، وأفلح ، ونافع (٢).

فكيف لم يغيّر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» اسم غلامه. مع أنه كان يغيّر أسماء الناس من نساء ورجال؟!

وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك حين الحديث عن تغيير اسم زينب بنت جحش ، واسم أبيها ، من برة ـ بالفتح ـ إلى زينب وبرة ـ بالضم ـ إلى جحش ..

وادّعاء : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يغيّر اسمه ليؤذن بأن النهي عن

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤ والمستدرك للحاكم ج ٤ ص ٢٧٤ وتحفة الأحوذي ج ٨ ص ١٠٠ وكنز العمال ج ١٦ ص ٤٢٦ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٢٩٤ وعلل الدار قطني ج ٢ ص ٩٥ و ٩٦.

٢٤٣

تلك الأسماء قد كان للتنزيه (١). غير مقبول .. لأنه مجرد تخرص ، ورجم بالغيب ، ليس له شاهد ولا دليل.

رؤية سلمة للمغيرين :

واللافت : أن بعض الروايات تذكر : أن سلمة رجع إلى المدينة ، وصعد على ثنية الوداع ، فرأى بعض خيول المغيرين ، فصرخ : وا صباحاه ..

ونقول :

أولا : لماذا رجع إلى المدينة بعد أن كان قد خرج منها؟ ..

ثانيا : هناك روايات أخرى تقول : إنه صعد على تل بناحية سلع. وأين جبل سلع من ثنية الوداع؟!

ثالثا : كيف سمع أهل المدينة صوته ، وهو في ثنية الوداع؟! ..

رابعا : كيف تمكن من رؤية خيول المغيرين من موضعه ، وكانوا يبعدون عن المدينة مسيرة يوم ، أو يومين؟ ..

حليب اللقاح إلى المدينة :

واللافت هنا قولهم : إنهم كانوا يحلبون تلك اللقاح عند المغرب.

«وكان راعيها يرجع بلبنها كل ليلة عند المغرب إلى المدينة».

أي فإن المسافة بينها وبين المدينة يوم أو بعض يوم (٢).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٩٥ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٨٠ وعن صحيح البخاري ج ٧ ص ٥٢٦ وصحيح مسلم ج ٣ ص ١٤٣٢.

٢٤٤

بل تقدم القول : بأن المسافة بين موضع النياق وبين المدينة كانت يوما أو يومين ..

والسؤال هو : كيف كانوا يمضون يوما كاملا أو يومين على الطريق ، ويقطعون تلك المسافات الشاسعة ، لكي يوصلوا ذلك الحليب إلى أهله؟!

يا خيل الله اركبي :

قال الحلبي : «لما بلغ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صياح ابن الأكوع صرخ بالمدينة : الفزع الفزع ، يا خيل الله اركبي.

وقيل : وكان أول ما نودي بها.

وفيه ـ كما في الأصل ـ : أنه نودي بها في بني قريظة» (١).

أمير الغزوة :

واختلفوا في الذي أمّره رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على السرية هل هو سعيد بن زيد أم هو المقداد كما دلت عليه أبيات لحسان؟ جاء فيها قوله :

ولسر أولاد اللقيطة أننا

سلم غداة فوارس المقداد

كنا ثمانية وكانوا جحفلا

لجبا ، فشكوا بالرماح بداد (٢)

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤ وعيون الأثر ج ٢ ص ٧٢ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٩٦ و ٩٧ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٨٠.

(٢) السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٩٨ وعيون الأثر ج ٢ ص ٧٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٠٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٧٦.

٢٤٥

وزعموا أن سعيد بن زيد : غضب على حسان ، وحلف ألا يكلمه أبدا.

وقال : انطلق إلى خيلي فجعلها للمقداد؟

فاعتذر منه حسان : بأن الروي وافق اسم المقداد ، ثم قال أبياتا ذكر فيها سعيد بن زيد ، ولكن سعيد لم يقبل منه ذلك (١).

ونقول :

أولا : إن عليا «عليه‌السلام» قد حضر هذه الغزوة بلا ريب ، لأن النصوص قد صرحت : بأنه «عليه‌السلام» قد حضر المشاهد كلها باستثناء تبوك ، التي أمره رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالبقاء فيها بالمدينة ، حيث قال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ..

وقد ذكرنا في غزوة أحد : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يؤمّر عليه أحدا ، بل كان «عليه‌السلام» هو صاحب لواء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في بدر ، وفي كل مشهد.

ثانيا : لنفترض : أن الاعتراض على حسان كان صحيحا ، فإن ذلك لا يلزم منه عدم جعله قائدا في تلك السرية إذ قد يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد جعله على الرجالة مثلا ، أو على جماعة أخرى من بعض القبائل المشاركة في ذلك الجيش ، أو على الطليعة التي أرسلها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمامه. أو نحو ذلك.

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٩٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٧٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٧٥٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٥.

٢٤٦

ثالثا : إن ما ذكر من اعتذار حسان باقتضاء الروي اسم المقداد ، ما هو إلا اعتذار واه ، فإن الشعر شعره ، ويمكنه أن يغيّر صياغة البيت بحيث ينسجم مع اسم من يريد الثناء عليه .. بل إنه حتى لو لم يكن المقداد أميرا ، فإنه ربما يكون قد تعمد ذكر اسمه ، لبطولات نادرة ظهرت منه في تلك الغزوة وما سبقها ، فصار له تميز على أقرانه ..

ثم حاول حسان أن يرضي ابن زيد ، من دون أن يتراجع عن موقفه السابق.

عبد الرحمن بن عيينة :

وقد صرحت الروايات : بأن عبد الرحمن بن عيينة قد قتل في هذه الغزوة ، وأن قاتله هو أبو قتادة ..

وقد اعترضوا على هذا القول : بأن عبد الرحمن بن عيينة لم يذكر فيمن قتل من المشركين في هذه الغزوة. بل المعروف أن المقتول هو حبيب بن عيينة وقد قتله المقداد (١).

أما أبو قتادة ، فقتل مسعدة الفزاري. فأعطاه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فرسه وسلاحه.

ولكن الحلبي أشار إلى : أن أبا قتادة هو الذي قتل حبيبا هذا (٢). ولم يقتل

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥ عن الدمياطي ، وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٩٩.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥ و ٦ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٧٢ وعيون الأثر ج ٢ ص ٧١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٨٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٩٩.

٢٤٧

من المسلمين إلا محرز بن نضلة ، وهو الأخرم الأسدي (١).

عمر سلمة بن الأكوع :

إننا نشك : في أن يكون سلمة بن الأكوع كان قد بلغ من العمر ما يخوله حضور الحرب ، وممارسة الطعن والضرب.

فقد قالوا : إنه توفي سنة أربع وسبعين على الصحيح (٢).

وقالوا : إن عمره حين توفي كان ثمانين سنة (٣).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥ وراجع : مسند أحمد ج ٤ ص ٥٣ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٩٢ وسنن أبي داود ج ١ ص ٦٢٥ والسنن الكبرى ج ٩ ص ٨٨ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٥٥ وعون المعبود ج ٧ ص ٣٠٥ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥٥٧ وصحيح ابن حبان ج ١٦ ص ١٣٥ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٨٣ والثقات ج ١ ص ٣٠٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٢ ص ٩٨ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٢٨ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٧٤ والسيرة النبوية لإبن كثير ج ٣ ص ٢٨٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٩٨.

(٢) الإصابة ج ٢ ص ٦٧ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٢ ص ٨٧ والعمدة لابن البطريق ص ٣٤٢ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٥٦٢ و ٥٦٣ ومجمع الزوائد ج ١٠ ص ١١ والمعجم الكبير ج ٦ ص ٣٣ وج ٧ ص ٥ والطبقات الكبرى ج ٤ ص ٣٠٨ والثقات ج ٣ ص ١٦٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٠ ص ٣٩٩ وج ٢٢ ص ٨٥ و ١٠٤ و ١٠٥ وأسد الغابة ج ٢ ص ٣٣ وتقريب التهذيب ج ١ ص ٣٧٨.

(٣) الإصابة ج ٢ ص ٦٧ عن الواقدي ومن تبعه ، والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٢

٢٤٨

وهذا معناه : أن عمره في سنة ست كان حوالي : عشر سنين ، أو اثني عشرة سنة ومن يكون في ذلك السن لا يبايع على الموت (١).

ولعل قول بعضهم : إنه مات في سنة أربع وستين ، أو في خلافة معاوية (٢) ، إنما جاء من أجل تصحيح هذه الأمور التي ينسبونها إليه.

هل أفلتت اللقاح؟ ومن الذي أنقذها؟! :

وقد ادّعى سلمة بن الأكوع : أنه استنقذ اللقاح كلها ، «حتى ما خلق الله تعالى من بعير من ظهر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلا خلفته وراء ظهري ، وخلوا بينهم وبينه».

ولكن يقابل ذلك :

أولا : أن هناك نصا لسلمة بن الأكوع نفسه ، يقول : إنه قال : يا رسول الله ، إن القوم عطاشى ، فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما بقي في أيديهم من السرح ، وأخذت بأعناق القوم (٣).

__________________

ص ٨٨ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٥٦٢ والمعجم الكبير ج ٤ ص ٣٠٨ والطبقات الكبرى ج ٤ ص ٣٠٨ والثقات ج ٣ ص ١٦٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٢ ص ١٠٥ وأسد الغابة ج ٢ ص ٣٣٣.

(١) الإصابة ج ٢ ص ٦٧.

(٢) الإصابة ج ٢ ص ٦٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٢ ص ٨٥ و ١٠٤ والثقات ج ٣ ص ١٦٣ وأسد الغابة ج ٢ ص ٣٣٣.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٦ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٨١ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٠ ص ١٧١ وراجع : تاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٢٦٠ والبداية

٢٤٩

ثانيا : أن أبا قتادة يدّعي : أنه هو الذي استنقذ اللقاح كلها (١).

ثالثا : أن هناك ما دل على أن الذي استنقذوه من أيديهم هو عشرة فقط من تلك اللقاح (٢) ، وذهبوا بسائرها. وهكذا ، فإن عدد اللقاح التي استنقذت يبقى غير واضح كما أن الذي استنقذها يبقى في دائرة الشك والاختلاف ، بسبب اختلاف الروايات وتناقضها.

كما أننا لا نستطيع أن نصدق : أن سلمة كان يخبرنا عن ظن أخطأ فيه ، حين قال : «حتى ما خلق الله من بعير الخ ..».

لأنه إنما ينقل لنا هذه البطولات عن نفسه بصورة الحتم والجزم ، وذلك بعد سنوات كثيرة من الحدث ، وعن عمد وروية ، ولا يتكلم في لحظة صدور الفعل منه ، وفي لحظات التوتر والانفعال ..

سهم في جبهة أبي قتادة :

وذكروا عن أبي قتادة قوله : «فسرت حتى هجمت على القوم ، فرميت بسهم في جبهتي ، فنزعت قدحه ، وأنا أظن أني نزعت الحديدة ، فطلع عليّ

__________________

والنهاية ج ٤ ص ١٧٢ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٥٦٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٧٥٤ وعيون الأثر ج ٢ ص ٧١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٨٨ وعن صحيح البخاري ج ٥ ص ٧١ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٨٩.

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٦ وعون المعبود ج ٧ ص ٣٠٤.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٦ و ٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٠٧ عن ابن سعد ، والواقدي ، وابن إسحاق وغيرهم ، وعون المعبود ج ٧ ص ٣٠٥.

٢٥٠

فارس ، فقال : لقد ألقانيك الله يا أبا قتادة ، وكشف عن وجهه ، فإذا هو مسعدة الفزاري».

ثم ذكروا : أن مسعدة خيره بين المجالدة ، والمطاعنة ، والصراع ، فتصارعا ، فصرعه أبو قتادة. فطلب منه مسعدة أن يتركه ؛ فأبى ثم قتله ولبس ثيابه ، وركب فرسه ، لأن فرس أبي قتادة نفرت نحو القوم حين كانا يتصارعان ، فعرقبوها.

ثم ذهب خلف القوم ، فلحق ابن أخي مسعدة فقتله ، وانكشف من معه عن اللقاح ، فأتى بها أبو قتادة إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أبو قتادة سيد الفرسان (١).

ونقول :

أولا : إذا كان أبو قتادة خير الفرسان ، أو سيد الفرسان ، وسلمة بن الأكوع خير الرجالة (٢) ، فما الذي أبقيا لعلي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» فضلا عن أبي دجانة ، والمقداد ، وغير هما من فرسان المسلمين؟! إذ لا شك في حضور علي «عليه‌السلام» ، ومشاركته في تلك الغزوة ، وكذلك كان المقداد وغيره من فرسان المسلمين حاضرين فيها ..

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٩٩ و ١٠٠ و ١٠١ ودلائل النبوة ج ٤ ص ١٩١ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٥٥ وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٢٢ ص ٨٤ والأذكار النبوية ص ٢١٤.

(٢) الإصابة ج ٢ ص ٦٧ وج ٤ ص ١٥٨ عن مسلم ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٥ و ٦ و ٧ وفيهما أنه كان يقال له : فارس رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وراجع : عيون الأثر ج ٢ ص ٧٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٠٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٩٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٢ ص ٨٤.

٢٥١

ثانيا : إن من غير المعقول : أن تبقى حديدة السهم في جبهة أبي قتادة ، دون أن يشعر بها ، حتى وهو يصارع مسعدة ، وإلى حين رجوعه إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

بل لا مجال للتصديق : بأن السهم يخترق جبهته ، ثم ينتزع قدحه ، ثم لا يصيبه دوار أو صداع ، ويبقى قادرا على القتال ، والنضال ، والمصارعة!! ..

ثالثا : كيف يمكن أن نصدق : أن أبا قتادة قد حقق كل هذا الإنجاز ، حتى استرد اللقاح بعد أن هزم القوم ، وكانوا أربعين رجلا ، ولم يخطر في بالهم أن يرموه بسهام أخرى في جبهته أيضا وفي سائر جسده؟! خصوصا حينما ساق اللقاح ، وأدبر بها عنهم ، بعد أن قتل منهم من عرفنا ، فلماذا لم يلاحقوه ، ولم يرموه بنبالهم ، ويطعنوه برماحهم ، ويقذفوه بحجارتهم ، ويربكوا حركته ، ويفشلوا خطته؟!

رابعا : كيف نوفق بين نسبة كل هذه الأمور إلى أبي قتادة ، وبين نسبتها كلها أيضا إلى سلمة بن الأكوع.

ولعلهم أحبوا أن ينال سلمة بن الأكوع كل هذه الأوسمة ، أو أنه أراد ذلك لنفسه ؛ لأنه بعد قتل عثمان اعتزل في الربذة ، وبقي بها. ولم تظهر منه أية مودة ، أو موافقة ، أو مشاركة ، أو نصرة لعلي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» في حكومته ، وفي حروبه مع أعدائه.

وكان ذلك على حساب أبي قتادة ، وعلى حساب المقداد ، وعلى حساب علي «عليه‌السلام» فضلا عن غيرهم!!

٢٥٢

ملكت .. فاسجح :

وقد تقدم : عن المواهب اللدنية ، والسيرة الحلبية : أن سلمة بن الأكوع طلب من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يرسل معه مائة رجل لاستنقاذ بقية السّرح.

فقال له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد أن ضحك : ملكت فاسجح. أي فارفق واعف.

ونقول :

إننا حتى لو قبلنا أن المراد بالسرح الذي يريد استنقاذه هو سرح المغيرين على اللقاح ، وليس المقصود به تلك اللقاح التي كانت لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فإننا نقول :

أولا : لماذا احتاج إلى مائة رجل ليستنقذ السرح؟! ألم يزل هو نفسه يدّعي : أنه هو وحده ، قد هزمهم ، واسترجع اللقاح جميعها منهم؟! فليذهب وحده وليأت بالسرح ، أو ليذهب هو وأبو قتادة معه ، فإنهم يدّعون أنه قد قام بنفس ما قام به سلمة هذا.

ثانيا : هل مجازاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لذلك الغادر الذي أحسن إليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كل هذا الإحسان ، وسمح له بأن يرعى إبله في بلاده. هل مجازاته على غدره تكون من مفردات القسوة ، وخلاف الرفق؟! أم أن الرفق به يكون خلاف الحكمة ، وضد العدل؟! ولا يحب الله سبحانه بل هو لا يجيز رفقا من هذا القبيل.

ثالثا : إذا كان استنقاذ السرح خلاف السجاحة ، وضد الرفق ، فلماذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يرسل السرايا ليغيروا على الذين يتآمرون

٢٥٣

ويدبرون للإغارة عليه ، فتأخذ جيوشه سرحهم ، ويقتلون أو يأسرون رجالهم ، ويسبون نساءهم وذرايهم؟! وما على القارئ الكريم إلا أن يلقي نظرة عابرة على ما يذكره هؤلاء من نتائج الغزوات والسرايا هذه .. فهل هذا ينسجم مع الرفق والسجاحة ، ولا ينسجم معه تسديد ضربة لغادر ظالم ، تسقط كيده ، وتبير سعيه المشؤوم لإلحاق الأذى بأهل الإيمان؟!

لابن الأكوع سهم الراجل ، وسهما الفارس :

وقد ذكروا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أعطى سلمة سهم الراجل ، وسهمي الفارس جميعا مع كونه راجلا.

وقد استدل بهذا الأمر من قال : إن للإمام أن يفاضل في الغنيمة ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وإحدى الروايتين عن أحمد (١).

ونقول :

أولا : إنه لم يكن في هذه الغزوة غنائم تذكر ، أو يمكن تقسيمها على خمسمائة أو سبعمائة مقاتل ، كانوا قد شاركوا فيها ، سوى ما يذكرونه عن حصول سلمة على بعض الأسلحة ، وبعض الألبسة التي كانوا يتخففون منها ، بالإضافة إلى فرسين زعم سلمة أنه حصل عليهما حين طرد الغزاة عن الماء.

وزعموا : أن ذلك قد حصل له حينما رجعت الصحابة عنهم ، واستمر هو يتبعهم (٢). فهو غنيمة له دونهم.

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٠٢.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٧.

٢٥٤

ثانيا : إن مالكا والشافعي قالا : لا يجوز للإمام أن يفاضل في الغنيمة.

قال الحلبي : «لعله لعدم صحة ذلك عند هما» (١).

ثالثا : إذا صح ما يذكرونه عن هذه الغزوة ، فاللازم هو : أن يفوز سلمة بن الأكوع ، أو أبو قتادة بالغنيمة كلها ، إذ إن أحدا من المسلمين لم يشاركه في تحقيق النصر ، واسترداد اللقاح. فلماذا يشاركونه في الغنيمة؟!.

بل إن أحدا من الصحابة لم يكن حاضرا في موضع القتال .. فراجع رواياتهم في مصادرها.

رابعا : إذا كان سلمة خير الرجالة ، فإن أبا قتادة كان خير الفرسان أيضا ، فإذا استحق سلمة ثلاثة أسهم : سهم الراجل وسهمي الفارس ، فلماذا لا يستحق أبو قتادة ذلك أيضا ..

والذي يتبادر إلى الذهن هو : أن دعوى إعطاء سلمة سهمي الفارس والراجل ، تهدف إلى التخفيف من أهمية ما جاء في حديث مناشدة علي «عليه‌السلام» لأصحاب الشورى ، وفيهم طلحة وعثمان ، وسواهما ، حيث قال «عليه‌السلام» :

«أفيكم من كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب؟!

قالوا : لا» (٢).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٨.

(٢) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» من تاريخ ابن عساكر (تحقيق المحمودي) ج ٣ ص ٩٣ واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٦٢ والضعفاء الكبير ج ١ ص ٢١١ و ٢١٢ وإحقاق الحق (الملحقات) ج ١٥ ص ٦٨٥ وكنز العمال ج ٥ ص ٧٢٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٤٣٥ والموضوعات لابن الجوزي ج ١ ص ٣٧٩.

٢٥٥

وذكر الزمخشري : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جلس في المسجد يقسم غنائم تبوك. فدفع لكل واحد منهم سهما ، ودفع لعلي كرم الله وجهه سهمين. فاعترض عليه زائدة بن الأكوع.

فكان مما أجابه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» به : أن جبرئيل كان يقاتل في تبوك مكان علي «عليه‌السلام» ، وأن جبرئيل «عليه‌السلام» هو الذي أمره بأن يعطي عليا «عليه‌السلام» سهمين (١). فراجع.

كما أنه قد كان لجعفر بن أبي طالب سهم في الحاضر ، وسهم في الغائب.

فقد روي عن الإمام الباقر «عليه‌السلام» ، أنه قال : ضرب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم بدر لجعفر بن أبي طالب بسهمه ، وأجره (٢).

وفي حديث آخر : أن الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أعطى الإمام عليا «عليه‌السلام» سهمي جبرئيل بطلب من الله في واقعة خيبر (٣).

قال الوراق القمي :

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٤٢ عن فضائل العشرة للزمخشري ، وعلل الشرائع ج ١ ص ١٧٢ ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٨٢ و ٣٢٠ والبحار ج ٣٩ و ٩٤ وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي «عليه‌السلام» ج ١ ص ٧٨ وتنبيه الغافلين لتحسين آل شبيب ص ٣٩.

(٢) سير أعلام النبلاء ج ١ ص ٢١٦ وشرح الأخبار ج ٣ ص ٢٠٥ وبغية الباحث ص ٢١٥ وتهذيب الكمال ج ٥ ص ٥٢ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣٩٦.

(٣) مناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٣٢٠ ومدينة المعاجز ج ١ ص ١٧٩ والبحار ج ٤١ ص ٨٧.

٢٥٦

علي حوى سهمين من غير أن غزا

غزاة تبوك حبذا سهم مسهم (١)

هل كان هناك قتال؟!

إننا إذا نظرنا إلى : حديث سلمة بن الأكوع ، فسوف نخرج بنتيجة هي أنه لم يحصل في تلك الغزوة قتال .. إلا ما قام به إبن الأكوع من رميهم بالنبال ، حتى أربكهم واستعاد منهم اللقاح كلها.

ولكن الحقيقة : هي غير ذلك ، فإن حديث أبي قتادة وغيره يدل على أنه قد كان قتال قوي بين المغيرين الذين استاقوا اللقاح ، وبين الثمانية الذين أرسلهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بقيادة المقداد ، الذي أريد الانتقاص من جهده وجهاده ، بإنكار أن تكون الإمارة له ، رغم شعر حسان بن ثابت المصرح باسمه ، وبنسبة جنود السرية إليه.

وقد دلت النصوص التي تقدمت : على أنه قد حصل فيها قتال وسقط عدد من القتلى من المسلمين والمشركين ، على حد سواء ، ويدل على ذلك أيضا قول حسان بن ثابت :

كنا ثمانية وكانوا جحفلا

لجبا فشكوا بالرماح بداد

وقال شداد بن عارض في يوم ذي قرد لعيينة بن حصن :

فهلا ذكرت أبا مالك

وخيلك مدبرة تقتل

ذكرت الإياب إلى عسجر

وهيهات قد بعد المقفل

وهناك أبيات أخرى لكعب بن مالك في هذه المناسبة تشير إلى

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٧٨.

٢٥٧

ذلك .. (١).

الشك في أخذ اللقاح :

وربما يكون ثمة تهويل مقصود في أمر استياق اللقاح ، ثم تخليصها منهم بواسطة سلمة بن الأكوع ، أو بغير ذلك.

ولعل الصحيح هو : أن المسلمين قد نذروا بهم قبل أن يتمكنوا من استياقها ، ويدل على ذلك قول حسان :

أظن عيينة إذ زارها

بأن سوف يهدم فيها قصورا

فأكذبت ما كنت صدقته

وقلتم سنغنم أمرا كبيرا

فعفت المدينة إذ زرتها

وآنست للأسد فيها زئيرا

فولوا سراعا كشد النعام

ولم يكشفوا عن ملطّ حصيرا (٢)

أي لم يصيبوا بعيرا ، ولا كشفوا عنه حصيرا ، والحصير : ما يكنف به حول الإبل من عيدان الحظيرة.

وهذا معناه : أنهم لم يتمكنوا من استياق شيء من الإبل.

تركوا فرسين :

وزعموا : أنه حين طردهم سلمة بن الأكوع عن ماء ذي قرد ، تركوا

__________________

(١) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٩٨ ـ ٣٠١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٠٤ و ١٠٥.

(٢) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٩٩ و ٣٠٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٧٧.

٢٥٨

فرسين ، وجاء بهما سلمة يسوقهما إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ونقول :

إن هذا أمر غير ظاهر الوجه أيضا ، إذ لماذا يتركون خيولهم ، ويفرون مشيا على الأقدام ، ولا يفرون عليها؟! أليس ذلك أسرع لهم ، وأضمن لنجاتهم؟!

وكيف عدلوا إلى ذلك الماء ونزلوا عن خيولهم ، وابن الأكوع لم يزل وراءهم ، يرميهم بالحجارة ، أو بالسهام؟! حتى لم يتمكنوا من أن يذوقوا منه قطرة؟!

وهل أخذ الفرسين منهم عند ذلك الماء أم أخذهما حينما تركوهما على ثنية أخرى حسبما تقدم؟!

ثم إننا لا ندري : لماذا توقف طرده لهم عند ماء ذي قرد ، ولم يواصل ملاحقتهم إلى ما بعد ذلك؟!

يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو :

وذكروا : أن عيينة وأصحابه بعد فرارهم من ذي قرد ، مروا على فلان الغطفاني ، فنحر لهم جزورا ، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة ، فتركوها ، وخرجوا هرّابا.

غير أننا نقول :

إذا كانوا قد هربوا بعد غروب الشمس من ذي قرد (١) ، فإنهم لا بد أن

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٩٩ عن الواقدي ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩١ وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٣٥٥.

٢٥٩

يكونوا قد وصلوا إلى ذلك الغطفاني الذي نحر الجزور لهم ، وبدأوا بكشط جلدها بعد حلول الظلام ، فكيف رأوا الغبرة قد ظهرت ، والحال : أن الرؤية في الليل غير متيسرة لهم ولا لغيرهم؟!

صلاة الخوف :

والغريب في الأمر ، أنهم يذكرون : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما بلغ ماء ذي قرد ، صلى بالمسلمين صلاة الخوف ، فجعل المسلمين فرقتين ، فصلى ركعة بالفرقة الأولى ، وفرقة قامت بإزاء العدو ، ثم جاءت الطائفة الثانية ، وحل الذين صلوا مكانها ، فصلى بهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا ركعة ، فكانت الصلاة لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ركعتين ، ولكل رجل من الطائفتين ركعة (١).

ونقول :

أولا : إن المفروض : أن جيش رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لم يواجه عدوا ، لتقف طائفة من الجيش بإزاء ذلك العدو ، وتقف الطائفة الأخرى معه للصلاة.

ولأجل ذلك التجأ البعض إلى القول : بأن المقصود : أنهم وقفوا في

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٧ عن الإمتاع ، وعيون الأثر ج ٢ ص ٧٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٠١ واختلاف الحديث ص ٥٢٦ والسنن الكبرى ج ٣ ص ٢٦٢ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٢٤ وشرح معاني الآثار ج ١ ص ٣٠٩ ونصب الراية ج ٢ ص ٢٩٤ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٨١ والثقات ج ١ ص ٢٨٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٩٣ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٥٦٥.

٢٦٠