الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٤

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٤

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-186-6
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٦

الفصل الأول :

غزوة بني لحيان

٢٠١
٢٠٢

غزوة بني لحيان :

وفي ربيع الأول من السنة السادسة ، وعند ابن إسحاق في جمادى الأولى ، على رأس ستة أشهر من غزوة بني قريظة كانت غزوة بني لحيان.

فقد ذكروا : أنه بعد ما جرى لعاصم بن ثابت ، وحبيب بن عدي ، وغير هما ممن قتلتهم هذيل ، أراد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن ينتقم من تلك القبائل .. فأمر أصحابه بالتهيؤ ، مظهرا على سبيل التورية : أنه يريد الشام .. وولى ابن أم مكتوم على المدينة ، وسار في مائتي رجل معهم عشرون فارسا. واختار مسالك غير معتادة حتى بلغ الموضع الذي أصيب فيه أصحاب غزوة الرجيع ، فوجد بني لحيان قد حذروا ، وتمنعوا في رؤوس الجبال.

فترحم على أصحاب الرجيع ، وأقام هناك يوما أو يومين ، يبعث السرايا في كل ناحية. فلما أخطأ من غرتهم ما أراد ، قال : لو أنّا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة : أنّا قد جئنا مكة ، فخرج في مائتي راكب من أصحابه ، حتى نزل عسفان ، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ، ثم كرّا. ورجع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قافلا إلى المدينة ..

قال جابر : إنه سمع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقول وهو راجع :

٢٠٣

«آيبون تائبون إن شاء الله تعالى ، لربنا حامدون. أعوذ بالله من عناء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في الأهل والمال» (١).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٣ و ٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢ و ٣ والكافي ج ٤ ص ٢٨٤ والمجازات النبوية ص ١٤٠ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٥٠ وميزان الحكمة للريشهري ج ٣ ص ٢٢٠٠ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٠١ والبحار ج ٣٢ ص ٣٩١ و ٤١٧ و ٥٥٠ وج ٧ ص ٢٩٣ و ٢٤٢ وج ٩٥ ص ١٩٧ ونهج السعادة ج ٢ ص ١٢٤ و ٢٨٢ وج ٦ ص ٣٠١ ومستدرك الوسائل ج ٨ ص ١٣٧ و ١٤٠ والمزار لابن المشهدي ص ٤٢٧ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٥٢٦ وسنن النسائي ج ٥ ص ٢٤٨ وج ٦ ص ١٢٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ١٤١ و ٤٥١ ومسند أبي يعلى ج ٣ ص ٢٢٦ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ١٣٨ وصحيح ابن حبان ج ٦ ص ٤١٣ وكتاب الدعاء للطبراني ص ٢٥٦ و ٢٥٧ والمعجم الأوسط ج ٦ ص ١٤٧ والكفاية في علم الرواية ص ٢٥٤ والفايق في غريب الحديث ج ٣ ص ٣٧٠ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٣ ص ١٦٥ و ١٦٦ والأذكار النووية ص ٢٠٠ و ٢٢١ ورياض الصالحين للنووي ص ٤٣٨ وكنز العمال ج ٦ ص ٧١٤ و ٧٣٠ و ٧٣٢ و ٧٣٤ و ٧٣٦ و ٧٣٧ والثقات ج ١ ص ٢٨٧ ومجمع البيان ج ٩ ص ٧١ ونور الثقلين ج ٤ ص ٥٩٢ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ١٦ ص ٦٧ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٧٩ والكامل ج ٥ ص ١٨٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦ ص ٢٥ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٧١ وتهذيب الكمال ج ٢١ ص ٤٣ و ٤٤ وتذكرة الحفاظ للذهبي ج ٢ ص ٥٠٧ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٠ وج ٧ ص ٤٢٠ و ٤٢٤ ج ٨ ص ٤٨٥ ومسند أحمد ج ٢ ص ١٥٠ و ٤٣٣ وج ٥ ص ٨٢ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٢٨٧ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٠٤ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٢٧٩ وسنن أبي داود ج ١ ص ٥٨٤ والترمذي ج ٥ ص ١٦١ وشرح مسلم ج ٩ ص ١١١ ومجمع ـ

٢٠٤

وفي رواية : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعث أبا بكر في عشرة فوارس ، من عسفان ، ليسمع بهم قريشا ، فيذعرهم ، فأتوا كراع الغميم ، ثم رجعوا ، ولم يلقوا أحدا.

ثم رجع «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى المدينة ، ولم يلق كيدا. وكانت غيبته أربع عشرة ليلة (١).

ونقول :

إن لنا بعض الكلام حول ما تقدم ، نجمله على النحو التالي :

إلى عسفان في مائتي راكب :

قد ذكروا فيما تقدم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سار إلى بني لحيان في ماءتي راكب ، ثم ذكروا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما فاته منهم ما أراد ، قال : لو أنّا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة : أنّا قد جئنا مكة ، فخرج في ماءتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ..

فإنه لا معنى لهذا التعبير إلا إذا كان أصحابه الذين غزا بهم إلى الرجيع ، أكثر من ماءتين ..

__________________

الزوائد ج ١٠ ص ١٣٠ وعون المعبود ج ٧ ص ١٨٥ وتحفة الأحوذي ج ٩ ص ٢٨١ ومسند أبي داود الطيالسي ص ١٦٣ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ١٥٥ و ١٥٦ و ١٥٩ وج ١١ ص ٤٣٣ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٩٩ و ١٠٠ و ٧٢٤ ومنتخب مسند عبد بن حميد ص ١٨٢ و ١٨٣ وغوالي اللآلي ج ١ ص ١٤٥.

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢ والتنبيه والإشراف ص ٢١٨.

٢٠٥

فما معنى قوله أولا : إنه خرج في ماءتي راكب؟!

أبو بكر إلى كراع الغميم :

وعن إرساله أبا بكر إلى كراع الغميم في عشرة فوارس نقول :

إن ذلك موضع شك أيضا ، فقد ورد في نص آخر : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أرسل فارسين من أصحابه ، حتى بلغا كراع الغميم ، ثم كرّا راجعين (١).

وأما القول : بأنه لا مانع من أن يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أرسلهما ، ثم أرسل أبا بكر في عشرة فوارس ، أو العكس ..

فهو غير ظاهر الوجه ، ما دام أن مجموع غيبته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هي أربع عشرة ليلة فقط.

فإن عسفان تبعد عن مكة مسيرة يومين (٢) ، والأبواء على خمسة أميال من المدينة (٣).

والمفروض : أن عسفان أبعد منها .. لأنه مر بالأبواء وهو عائد من عسفان.

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٤ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٨ والبحار ج ٢٠ ص ١٧٩ و ٣٠٥ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٧٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٥ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٤٣٢ و ٥٥٩ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٧٥١.

(٢) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٦٦ وراجع : مراصد الإطلاع ج ٢ ص ٩٤٠.

(٣) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١١٨.

٢٠٦

بل إن الحديث المتقدم قد ذكر : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد تجاوز عسفان حتى وصل إلى الرجيع ، وهو ماء لهذيل بين عسفان ومكة (١) ، أو ماء قرب الهدة بين مكة والطائف (٢). وقد أقام هناك يومين ، ثم أرسل السرايا في كل ناحية فلم يجدوا أحدا .. ثم أرسل الفارسين إلى كراع الغميم ، وعادا إليه.

فهل يمكن أن يقطع هذه المسافات كلها ، ذهابا وإيابا في مدة أربعة عشر يوما؟!! ثم هو يبقى يومين في ذلك المكان أيضا؟!

وهل يبقى وقت لإرسال فارسين إلى كراع الغميم أولا ، ثم يبقى وقت آخر لإرسال أبي بكر في عشرة فوارس إلى كراع الغميم مرة أخرى؟!

__________________

(١) معجم ما استعجم ج ٢ ص ٦٤١ و ٦٤٢ وراجع المصادر التي تقدمت في هذا الكتاب : ج ٨ ص ١٧٣ وراجع : المسالك والممالك ص ١١٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٢٦ والمناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ١٩٤ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٣٥٤ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٢٧ و ٣٢٨ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٦٧ وإعلام الورى ج ١ ص ١٨٥ وراجع : مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٦٨ والبحار ج ٢٠ ص ١٥٠ و ٢١٤ وتفسير الإمام العسكري ص ٢١٤ و ٢١٥ وتفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٢٤٨ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٥٥ وتاريخ خليفة بن خياط ص ٤٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧١ و ٧٣ وتاريخ ابن خلدون ق ٢ ج ٢ ص ٢٧.

(٢) معجم البلدان ج ٣ ص ٢٩ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢١٧ ومراصد الإطلاع ج ٣ ص ١٤٥٤ وج ٢ ص ٦٠٦ وكتاب المنمق للبغدادي ص ١٣٩ ومعجم البلدان ج ٣ ص ٢٩ وتاريخ خليفة بن خياط ص ٤٣ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٥٥ والبحار ج ٢٠ ص ٢١٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢١٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧١ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٦٦٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٢٦.

٢٠٧

والحال أن كراع الغميم هو : موضع بالحجاز ، بين مكة والمدينة ، أمام عسفان بثمانية أميال (١) ، أو سبعة (٢) ، وقيل : سبعة من الهدة (٣).

والحاصل : أنه إذا كان الرجيع قرب الهدة بين مكة والطائف فإن هذا الموضع يكون جنوبي مكة ، مع أن المدينة تقع شماليها. فكيف يمكن أن تقع هذه الأحداث كلها وقطع جميع هذه المسافات في خلال أربعة عشر يوما؟!

دعاء السفر :

وقد ذكروا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد تعوذ بالله من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في الأهل والمال ، وقد روي هذا التعوذ أيضا عن علي «عليه‌السلام» ، فراجع (٤).

__________________

(١) مراصد الإطلاع ج ٣ ص ١١٥٣ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٧٩.

(٢) راجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٢٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧١ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٥٥.

(٣) البحار ج ٢ ص ٢١٤.

(٤) راجع : نهج البلاغة (بشرح عبده) ج ١ ص ٩٢ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٢٦ و ٢٧ وج ٨ ص ١٤٠ والبحار ج ٣٢ ص ٣٩١ و ٤١٧ و ٥٥٠ وج ٧٣ ص ٢٤٢ وج ٧٦ ص ٢٩٣ و ٢٣٦ و ٢٣٧ و ٢٤٢ والأمان من الأخطار ص ٢٠ ونهج السعادة ج ٦ ص ٣٠٠ وج ٢ ص ١٢٤ و ٢٨٢. والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ١٥٤ و ١٥٥ و ١٥٩ عن مصادر كثيرة جدا.

وروي عن الصادق «عليه‌السلام» مثل ذلك فراجع : الكافي ج ٤ ص ٢٨٤ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٥٠ ووسائل الشيعة ج ١١ ص ٣٨٤ و ٢٧٩ والمزار لابن المشهدي ص ٤٢٧ والمزار للشهيد الأول ص ١١٧ والبحار ج ٩٨ ص ١٩٧.

٢٠٨

والذي يتأمل في كلمات هذا الدعاء سوف يجد أنها كلها نور وهداية ، وعلم ودراية ، لمن سمع ووعى ، ويكفي أن نعيد على مسامع أهل الدراية والرعاية ، نص العبارة الأخيرة ـ وسوء المنظر في الأهل والمال ـ التي تعطي الانطباع عن أن الشارع الحكيم يريد للإنسان المؤمن أن يكون حسن المنظر ليس فقط في نفسه وشخصه ، وإنما في أهله وماله أيضا.

فإهمال هذا الأمر ، لا يعد زهدا في الدنيا ، ولا هو طاعة لله تعالى ، بل هو مخالفة للشرع ليس فيها لله رضا ، ولا لعباده صلاح ، بل هو قد يوجب غضبه ومقته سبحانه ، إذا كان سببا في نفرة الناس من الدين وأهله ، والاستخفاف بهم ، واستقذارهم.

وربما تدخل على بعض الضعفاء شبهة كون الدخول في الإسلام معناه التعرض للمصائب والبلايا ، وللمتاعب والرزايا ، وكثير من الناس ينجذبون ـ عادة ـ إلى حياة السعة والرخاء ، والصفاء والهناء.

بل إن التظاهر بالتقشف والإهمال قد يدخل أحيانا في دائرة الرياء المذموم في الشريعة ، إذا كان الهدف منه هو لفت نظر الناس ، وإعطاء الانطباع عن زهد وورع ، وانصراف عن الدنيا ، لا حقيقة له ، لا في محتواه ، ولا في مستواه.

زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبر أمه وبراءته منها :

وتذكر النصوص : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما رجع من بني لحيان ، وقف على الأبواء ، فرأى قبر أمه ، فتوضا ثم بكى ، وبكى الناس لبكائه ثم صلى ركعتين ، ثم أخبر الناس عن سبب بكائه «صلى الله عليه

٢٠٩

وآله» فكان مما قال :

ولكني مررت بقبر أمي ، فصليت ركعتين ، فاستأذنت ربي عزوجل أن أستغفر لها ، فنهيت ، فبكيت ، ثم عدت ، وصليت ركعتين ، فاستأذنت ربي عزوجل أن أستغفر لها فزجرت زجرا ، فأبكتني.

ثم دعا براحلته فركبها ، فسار يسيرا ، فقامت الناقة لثقل الوحي ؛ فأنزل الله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ، وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (١).

فقال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أشهدكم أني بريء من آمنة ، كما تبرأ إبراهيم من أبيه (٢).

قال الحلبي : وهذا السياق يدل على أن هاتين الآيتين غير ما زجر به عن الاستغفار لها المتقدم في قوله : «فزجرت زجرا» (٣).

وفي الوفاء : أن ذلك كان بعسفان ، وأن قبرها هناك (٤).

__________________

(١) الآيتان ١١٣ و ١١٤ من سورة التوبة.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢ و ٣.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣ وراجع : مجمع الزوائد ج ١ ص ١١٧ والمعجم الكبير ج ١١ ص ٢٩٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٤٠٨ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٨٣ و ٢٨٤ وزاد المسير ج ٣ ص ٣٤٥.

(٤) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣ ولباب النقول ص ١١٤ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٨٤ وتفسير الجلالين ص ٤٨٣.

٢١٠

وتذكر روايات أخرى : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد زار قبر أمه حين فتح مكة ، ثم قام متغيرا (١).

وفي نص ثالث : أنه زار قبرها في غزوة الحديبية حين مر بالأبواء ، فبكى وأبكى من حوله ، فقال : استأذنت ربي في أن أستغفر لها ، فلم يأذن لي ، واستأذنته في أن أزورها ، فأذن لي ، فزوروا القبور ، فإنها تذكر الموت (٢).

وعن ابن مسعود ، عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فإنها تزهد في الدنيا ، وتذكر الآخرة (٣). وزارها في مكة أيضا.

قال الحلبي : «إن ذلك كان قبل إحيائها له ، وإيمانها به «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..» (٤).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٤ عن الطيبي في شرح المشكاة والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣ وراجع : جامع البيان ج ١١ ص ٣١ والكشاف ج ٢ ص ٤٩ وإرشاد الساري ج ٧ ص ٢٨٢ و ١٥٨ عن صحيح مسلم ، والدر المنثور ج ٣ ص ٢٨٣ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٢ ص ٣٩٤ وأحمد في مسنده ، وسنن أبي داود ، والنسائي ، وابن ماجة ، والحاكم ، والبيهقي ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والطبراني.

(٣) تاريخ الخميس ج ٣ ص ٣ ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٥٥ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٥ والمصنف للصنعاتي ج ٣ ص ٥٦٩ والمعجم الكبير ج ٢ ص ١٩ ومسند الشاميين ج ٣ ص ٣٤٧ وكشف الخفاء ج ٢ ص ١٣٠ ورفع المنارة ص ٦٧ وتفسير القرآن لابن كثير ج ٢ ص ٤٠٨.

(٤) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣ وسبل الهدى والرشاد ج ١ ص ٢٥٩ والروض الأنف للسهيلي ، والسابق واللاحق للخطيب البغدادي.

٢١١

ونقول :

قد تقدم بعض الحديث عن إيمان آباء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الجزء الثاني من هذا الكتاب ، فنحن نحيل القارئ الكريم على ذلك الموضع ، ونكتفي هنا بالإشارة إلى ما يلي :

أولا : إن آية النهي عن الاستغفار للمشركين ، ولو كانوا أولي قربى ، إنما هي في سورة التوبة التي هي من أواخر ما نزل في المدينة ، بل ادّعى بعضهم : أنها آخر ما نزل (١).

وقضية استغفار النبي لأمه إنما كانت سنة ست ، أو في الحديبية ، أو في فتح مكة ، وكل ذلك قد كان قبل نزول سورة التوبة بزمان. ولا يعقل أن تنزل آية أو أكثر ، وتبقى معلقة في الهواء ، من دون أن توضع في سورة بعينها ، كما أشرنا إليه غير مرة.

__________________

(١) راجع : الغدير ج ٨ ص ١٠ و ١٢ وأبو طالب مؤمن قريش ص ٣٤١ عن البخاري ، والإتقان ، والكشاف ، وابن مردويه ، وابن أبي شيبة ، والنسائي ، وابن الضريس ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ ، وتفسير البيضاوي ، وعين العبرة لأحمد آل طاووس ج ٢ ص ١٨ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٢٧ وسنن أبي داود ج ١ ص ١٨٢ وكنز العمال ج ٢ ص ٥٧٥ ومجمع البيان ج ٥ ص ٦ والبيان في تفسير القرآن ص ٢٤٣ ومعاني القرآن ج ٣ ص ١٧٩ وأحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ١٠ وأسباب النزول للواحدي النيسابوري ج ٢ ص ٨ وزاد المسير ج ١ ص ٣ وج ٣ ص ٢٦٤ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٩٥ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ٤ ص ١٦٠ وج ٨ ص ١٧٣ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٢ ص ٣٤٤ و ٤١٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٦ ص ٣٦٥.

٢١٢

ثانيا : إن قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (١) قد نزلت في غزوة بني المصطلق سنة ست.

فإذا كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعرف : أن الله لا يغفر للمنافقين ، حتى لو استغفر لهم ، فإنه لا بد أن يعرف : أنه تعالى لا يغفر للمشرك ، المعلن بشركه ، فلماذا يبادر إلى عمل يعرف مسبقا أنه بلا نتيجة؟!

ثالثا : لو سلمنا أن آية : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى ..) (٢) قد نزلت حين وفاة أبي طالب فهي إنما نزلت لتأكيد تنزيهه عن الشرك ، لا لأجل إثبات شركه.

فقد روي : أنه لما مات أبو طالب لم تكن الصلاة على الميت قد نزلت بعد ، فما صلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليه ولا على خديجة ، وإنما اجتازت جنازة أبي طالب والنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعلي وجعفر وحمزة جلوس ، فقاموا وشيعوا جنازته واستغفروا له ، فقال قوم : نحن نستغفر لموتانا وأقاربنا المشركين أيضا ظنا منهم أن أبا طالب مات مشركا لأنه كان يكتم إيمانه ، فنفى الله عن أبي طالب الشرك ، ونزّه نبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والثلاثة المذكورين «عليهم‌السلام» عن الخطأ في قوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ).

فمن قال بكفر أبي طالب فقد حكم على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

__________________

(١) الآية ٦ من سورة المنافقون.

(٢) الآية ١١٣ من سورة التوبة.

٢١٣

بالخطأ. والله تعالى قد نزهه عنه في أقواله وأفعاله (١).

بل حتى لو سلمنا بالكذبة المعروفة : بأن هذه الآية قد نزلت في أبي طالب نفسه ؛ لأجل نهي النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن الاستغفار له (٢) فإن ذلك يدل على : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ لو كان قد استغفر لأمه ـ قد فعل أمرا كان الله تعالى قد نهاه عنه ، ومنعه منه ، في آية قد نزلت قبل نحو عقد من الزمن .. وهذا مما لا يمكن أن يفعله رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

رابعا : لماذا نسي النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الاستغفار لأمه طيلة أيام حياته ، وإلى أن مضى ما يقرب من عشرين سنة من بدء بعثته رسولا للناس؟!

خامسا : قد تقدم في هذا الكتاب : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يريد لكافر ، ولا لمشرك عنده (أي النبي) من نعمة تجزى (٣).

__________________

(١) الغدير ج ٧ ص ٣٩٩ عن كتاب الحجة لابن معد ص ٦٧.

(٢) راجع كتابنا : ظلامة أبي طالب «عليه‌السلام».

(٣) راجع : أبو طالب مؤمن قريش ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٨٤ ، وتلخيصه للذهبي مطبوع بهامشه ، وصححاه وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٥٨ و ٢٥٩ و ٢٦٠ عن كنز العمال ومجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٧٨ وكنز العمال (ط أولى) ج ٣ ص ١٧٧ عن ابن عساكر و (ط ثانية) ج ٦ ص ٥٧ و ٥٩ وعن أحمد ، والطبراني ، والحاكم ، وسعيد بن منصور ، والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٨٦ والمصنف للصنعاني ج ١ ص ٤٤٦ و ٤٤٧ وج ١٠ ص ٤٤٧ عن أحمد ، وأبي داود ، وعن مغازي ابن عقبة ، وعن الترمذي ، وصححه ، والطيالسي ، والبيهقي ، ومجمع البيان المجلد الأول ص ٥٣٥ والوسائل ج ١٢ ص ٢١٦ عن الكافي ، والمعجم الصغير ج ١ ص ٩ وعن الترمذي ج ٢ ص ٣٨٩.

٢١٤

ومن الواضح : أن التربية للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، هي من أجلّ الأيادي التي تستحق الشكر والجزاء منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لذلك المربي ..

سادسا : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يفعل إلا ما يعلم أنه يرضي الله سبحانه ، فما معنى أن يبادر إلى الاستغفار لأمه من دون أن يتأكد من رضا الله سبحانه وتعالى به؟!

أليس «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يقول ولا يفعل عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى؟!

بل لماذا يفعل أمرا ، فينهاه الله سبحانه عنه ، ثم يفعله مرة أخرى ، فيزجره الله سبحانه زجرا. ألم يكن النهي الأول كافيا له؟!

لعن زوارات القبور :

عن أبي هريرة : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعن زوارات القبور (١).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٤ عن أحمد ، والترمذي ، وابن ماجة ، ومسند أحمد ج ٢ ص ٣٣٧ و ٣٥٦ وج ٣ ص ٤٤٣ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٥٠٢ والجامع الصحيح للترمذي ج ٢ ص ٢٥٩ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٣٧٤ والسنن الكبرى ج ٤ ص ٧٨ وشرح مسلم للنووي ج ٧ ص ٤٥ وفتح الباري ج ٣ ص ١١٨ وراجع : تحفة الأحوذي ج ٤ ص ١٣٦ وعون المعبود ج ١٠ ص ١١٧ ومسند أبي داود الطيالسي ص ٣١١ و ٣٥٧ والمصنف للصنعاني ج ٣ ص ٥٦٩ والآحاد والمثاني ج ٤ ص ١٠١ ومسند أبي يعلى ص ٣١٤ والمعجم الكبير ج ٤ ص ٤٢ وناسخ الحديث ومنسوخه ص ٢٧٣ والعهود المحمدية ص ٨٩٤ وكنز العمال ج ١٦ ص ٣٨٨ وفيض القدير (شرح الجامع الصغير) ج ٥ ص ٣٥٠ وإرواء الغليل ج ٣ ص ٢٣٢ و ٢٣٣ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ١٠

٢١٥

وقالوا : إن هذا كان قبل أن يرخص النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في زيارة القبور ، فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء (١).

ونقول :

لا ريب في أن النساء كن يزرن القبور في حياته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبعد وفاته .. ويدل على ذلك :

١ ـ ما روي عن عائشة ، قالت : كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإني واضعة ثوبي ، وأقول : إنما هو زوجي وأبي ، فلما دفن عمر معهما ، فو الله ما دخلته إلا وأنا مشدودة عليّ ثيابي حياء من عمر (٢).

فعائشة إذن كانت تزور القبور كما دل عليه هذا الحديث.

ومن الواضح : أن البيت الذي دفن فيه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

__________________

ص ٣٧٩ وج ٢٠ ص ١٧٠ والسير الكبير ج ١ ص ٢٣٦ والعلل لأحمد بن حنبل ج ٣ ص ٣٢٢ والكامل في التاريخ ج ٥ ص ٤٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٤ ص ٢٨٩ وأسد الغابة ج ٢ ص ٧ وتهذيب الكمال ج ١٧ ص ٦٥ وج ٢٥ ص ٤٠٧ وميزان الإعتدال ج ٣ ص ٢٠١ وتهذيب التهذيب ج ٦ ص ١٧٤ وج ٩ ص ٢٠٨ و ٣٢٦ وج ١٠ ص ٣٤٤ والإصابة ج ٥ ص ٢٦.

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٤ و ٥ والجامع لأحكام القرآن ج ٢٠ ص ١٧٠ والجامع الصحيح للترمذي ج ٢ ص ٢٥٩ وتحفة الأحوذي ج ٢ ص ٢٢٦ وج ٤ ص ١٣٧ وعون المعبود ج ٩ ص ٤٢.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٥ عن أحمد ، ومسند أحمد ج ٦ ص ٢٠٢ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٦١ وج ٤ ص ٧ ومجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٦ وج ٩ ص ٣٧ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١٨٢.

٢١٦

لم يكن بيتها ، بل هو بيت الزهراء «عليها‌السلام». وقد حاولت أن تنسبه إلى نفسها بعد طول العهد. فراجع ما كتبناه حول هذا الموضوع في كتاب دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج ١ ص ١٦٩ ـ ١٨٣.

٢ ـ إن الزهراء «عليها‌السلام» كانت تزور قبر سيد الشهداء ، حمزة بن عبد المطلب ، فتصلي ، وتبكي عنده ، وتزوره (١) وتزور قبور شهداء أحد بين اليومين والثلاثة ، فتبكي عندهم وتدعو (٢).

فهل ترى أنها صلوات الله عليها هي المقصودة باللعن المفترى على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

٣ ـ وقد علّم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عائشة كيفية زيارة قبور المؤمنين ، حين قالت : كيف أقول لهم يا رسول الله؟!

__________________

(١) المستدرك للحاكم ج ٣ ص ٢٨ وتلخيص المستدرك مطبوع بهامشه ج ٣ ص ٢٨ ووفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٣٢ والبحار ج ٣٦ ص ٣٥٢ وج ٩٩ ص ٣٠٠ ومن لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١٨٠ وكفاية الأثر للخزاز القمي ص ١٩٨ ومستدرك سفينة البحار ج ٢ ص ٤١٩ ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج ٢ ص ٨٧٩ وبيت الأحزان للقمي ص ١٦٨.

(٢) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٥ ص ٤٠ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٣١٣ و ٣١٤ ووفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٣٢ وفي البحار ج ٩٩ ص ٣٠٠ عن من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١١٤ أنها كانت تأتيهم كل يوم سبت. وتهذيب الأحكام ج ١ ص ٤٦٥ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ٣ ص ٢٢٤ والبحار ج ٤٣ ص ٩٠ وج ٩٦ ص ٣٠٠ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ٣٧١.

٢١٧

قال : قولي : «السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين» (١).

٤ ـ كانت أم سلمة تزور قبور الشهداء كل شهر ، وقد أنّبت غلامها ؛ لأنه لم يسلم عليهم (٢).

٥ ـ وقالت فاطمة الخزاعية : سلمت على قبر حمزة يوما ، ومعي أخت لي ، فسمعنا من القبر قائلا يقول : وعليكما السلام ورحمة الله.

قالت : ولم يكن بقربنا أحد من الناس (٣).

٦ ـ وقد قامت عائشة على قبر أبيها ، فقالت : نضّر الله وجهك الخ .. (٤).

٧ ـ قال العطاف بن خالد : حدثتني خالتي : أنها زارت قبور الشهداء ، قالت : وليس معي إلا غلامان ، يحفظان عليّ الدابة ، قالت : فسلمت عليهم ، فسمعت رد السلام.

قالوا : والله ، إنّا نعرفكم كما يعرف بعضنا بعضا.

__________________

(١) راجع : صحيح مسلم ج ٣ ص ٦٤ والتاج الجامع للأصول ج ١ ص ٤٠٧ والغدير ج ٥ ص ١٧٠ وسنن النسائي ج ٤ ص ٩٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٤ ص ٧٩ وشرح مسلم ج ٧ ص ٤٤ وتحفة الأحوذي ج ٤ ص ١٣٥ و ١٣٧.

وراجع : المصنف للصنعاني ج ٣ ص ٥٧٢ و ٥٧٦ وكتاب الدعاء للطبراني ص ٣٧٤ والأذكار النووية ص ١٦٧ وإرواء الغليل ج ٣ ص ٢٣٦ وتاريخ المدينة ج ١ ص ٨٩.

(٢) راجع : المغازي للواقدي ج ١ ص ٣١٣ و ٣١٤ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٥ ص ٤٠ و ٤١.

(٣) المصدران السابقان ووفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٣٣.

(٤) الغدير ج ٥ ص ١٧٢ وبلاغات النساء ص ٤ والمستطرف ج ٢ ص ٣٣٨.

٢١٨

قالت : فاقشعررت ، فقلت : يا غلام ، ادن بغلتي فركبت (١).

٨ ـ إن عائشة قد زارت قبر أخيها عبد الرحمن (٢).

وبعد .. فإننا نتوقع أن لا يصر هؤلاء على فريتهم بلعن زوارات القبور ، بعد أن عرفوا أن عائشة وغيرها كن يفعلن ذلك .. ولم يعد الأمر محصورا بالزهراء صلوات الله وسلامه عليها ، التي ربما يكون الحرص على التقليل من شأنها ، والطعن بعصمتها وبمعرفتها ، وعلمها ، وتقواها هو السبب في ظهور هذه الأكاذيب والافتراءات على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أهل الأهواء والعصبيات.

كسوف الشمس :

قالوا : وقد كسفت الشمس في سنة ست ، قبل الكسوف الذي كان حين مات إبراهيم ابن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. (٣).

وهذا يبين : أن الناس كانوا يعرفون كسوف الشمس يشاهدونه عبر الأحقاب والأزمان ، ولا يجدون أنه مرتبط بالأشخاص أو غيرهم. بل هو مجرد حدث كوني ينتهي إلى أسبابه الخاصة به ، فلا مجال لتصديق ما يشاع أو يذاع مما هو في غير هذا السياق الطبيعي.

__________________

(١) المستدرك للحاكم ج ٣ ص ٢٩ وبهامشه تلخيص المستدرك للذهبي ، ووفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٣٢ و ٩٣٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٢٥٣.

(٢) التاج الجامع للأصول ج ١ ص ٤١٩ وفتح الباري ج ٣ ص ١١٨ وتحفة الأحوذي ج ٤ ص ١٣٧ وإرواء الغليل ج ٣ ص ٢٣٣ والتاريخ الصغير ج ٢ ص ١١٥.

(٣) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٣.

٢١٩

إلا إذا حصل ذلك الكسوف في غير الوقت الطبيعي له ، فإنه يكون حينئذ آية من الآيات ، لا بد من الاستفادة منها في تأكيد اليقين بالحق ، وفي التزام سبيل الهدى والرشاد ..

٢٢٠